شرح زاد المستقنع للخليل

كتاب الشهادات
الدرس (1) من الشهادات

قال - رحمه الله - كتاب الشهادات.
مناسبة الإتيان بكتاب الشهادات بعد القضاء من وجهين:
الوجه الأول: أنّ الشهادة لا تقبل إلاّ في مجلس القضاء فشابهت القضاء الذي لا يكون إلاّ في مجلسه.
الثاني: أنّ في كل بين الشهادة والقضاء قاسم مشترك وهو أنه ينتفع بها أحدهما ويتضرر الآخر وهذا قاسم مشترك بين القضاء والشهادة
ولهذين السببين ناسب أن يذكر الفقهاء كتاب الشهادات بعد كتاب القضاء.
والشهادات جمع شهادة. والشهادة في لغة العرب / هي الإخبار بصحة الشيء عن مشاهدة لا عن ظنّ وتخمين وأما في الشرع فهي قريبة من هذا المعنى فالشهادة في الشرع: هي الإخبار بصدق أحدهما في مجلس القضاء بلفظ الشهادة.


والشهادة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. وستأتي إن شاء الله الأدلة.
قال - رحمه الله - (تحمّل الشهادة في غير حق الله فرض كفاية)
تحمل الشهادة فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الباقين. والدليل على هذا قوله تعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة/282] ومعنى الآية عند الحنابلة إذا ما دعوا ليتحملوا الشهادة واعترض على هذا القول بأنّ الآية إنما هي في الأداء وليست في التحمل ولا يستقيم أن نستدل بها على التحمّل.
والجواب على هذا أنّ الصحيح من أقوال المفسرين الذي ذهب إليه الحسن وغيره أنها في التحمل والأداء فيصلح أن يستدل بها الحنابلة فإذن تحمل الشهادة فرض كفاية إذا لم يقم به من يكفي فإنّ الجميع آثمون فإذا دعي الإنسان إلى أن يشهد واستطاع أن يشهد وعلم أنه لن يشهد معه أحد أو سيتخلف الناس فهو آثم إن لم يشهد مع أخيه.
يقول الشيخ - رحمه الله - (في غير حق الله)
أفادنا المؤلف أنه في حقوق الله فإنّ الشهادة لا تعتبر فرض كفاية وهي عند الحنابلة مباحة أو يستحب تركها واستدلوا على هذا بأنّ الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول من ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله في الآخرة. فدلت هذه النصوص على أنّ تحمل الشهادة في باب الحدود مباح أو يستحب تركه. والأقرب والله أعلم أنه يستحب تركه لأنّ النصوص المروية عن الصحابة تميل إلى هذا المعنى في باب الحدود.
مسألة / هو يستحب تركه إذا لم يكن من أتى الحدود معروفا بالفساد والشر والإيذاء فإن كان معروفا بذلك فإنّ التحمل في حقه يعني في الشهادة عليه يدور بين الاستحباب والوجوب فكل ما كان شره أكبر صار واجبا. وكل ما كان شره أقل صار مستحباً.
ثم - قال رحمه الله - (وأداؤها فرض عين على من تحملها)


إذا تحمل الإنسان الشهادة فالأداء فرض عين. لقوله تعالى {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [آل عمران/187] وهذا صريح في أنّ أداء الشهادة فرض عين ومن المعلوم أنّ أداء الشهادة فرض عين على من تحملها.
والقول الثاني: أنّ أداء الشهادة أيضا فرض كفاية. والمسألة تتصور فيما إذا تحمل أكثر من واحد فإذا لم يتحمل إلاّ واحد فإنّ الخلاف يلتغي لأنه إذا كان فرض كفاية ولم يتحمل إلاّ هو أصبح فرض عين عليه إنما يتصور فيما إذا كانوا أكثر من واحد والصواب مذهب الحنابلة وهو انه فرض عين. لأنّ القول بأنه فرض كفاية يؤدي إلى تدافع الشهادة وهي تؤدي بدورها إلى ضياع الحقوق الأقرب إن شاء الله أنه بالنسبة للأداء فرض كفاية ونحن نشاهد في الواقع ونسمع من كثير من الناس أنّ الإشكال في الأداء قد يكون أكبر من الإشكال في التحمل أليس كذلك؟ التحمل ممكن يأتي وينظر في القضية ويتحمل ويشهد. ثم متى طلب منه الأداء حصل التردد والتلكأ والتباطؤ وكثيرا ما يكون هذا التردد سببا في ضياع الحقوق ولذلك نقول أجاد الحنابلة كل إجادة في اعتبار الأداء فرض عين.
قال - رحمه الله - (متى دعي إليها)
يعني أنه يشترط للوجوب أن يدعى إليها فإن لم يدعى إليها فإنه لا يجب عليه. والدليل على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذمّ قوما من الناس يأتون آخر الزمان يشهدون ولا يستشهدون. فدل الحديث على أنّ من بذل الشهادة بلا طلب منه فهو مذموم ولهذا اشترط الحنابلة للوجوب أن تطلب منه.


والقول الثاني: أنّ الشهادة إذا لم تكن معلومة للمشهود له فإنّ بذلها واجب ولا ينتظر بها الطلب لأنّ المشهود له لا يعرف أصلا بهذه الشهادة وإذا لم يعرف بها فإنّ بذلها يصبح واجبا لئلا يضيع الحق على أصحابه وهذا القول إن شاء الله هو الراجح ولا يخفى أنّ هذا القول هو الراجح لأنه المشهود له نفترض فيه أنه لا يعرف الشهادة ولا يدري أنّ زيد أنّ زيد يشهد له أو يمتلك معلومة تفيده في القضية حينئذ نقول إذا علمت بهذا فإنه يجب أن تبذل الشهادة وهذا القول هو المتعيّن ويستوي في هذا ما إذا كان الشاهد يعلم أنّ المشهود له لا يعرف عن شهادته شيئا أو إذا كان يجهل هل يعلم أو لا يعلم. فأيضا في هذه الصورة يجب أن يبذل الشهادة لماذا؟ لأنه قلنا نحن أنّ كتاب القضاء كله في الشرع إنما شرعه الله لإيصال الحق إلى أصحابه فكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إيصال الحق إلى أصحابه فهو واجب. الشرط الثاني
قال - رحمه الله - (وقدِر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله وكذا التحمل)
يشترط للتحمل والأداء أن لا يترتب على أيّ منهما ضرر فإن ترتب عليه ضرر فإنه لا يكلف لا أن يتحمل ولا أن يشهد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ضرر ولا ضرار. واستدل الحنابلة أيضا بتعليل جميل وهو أنه لا يجب على الإنسان أن ينفع غيره بما يضر به نفسه هذه كالقاعدة. ولهذا نحن نقول يجب على المسلم أن ينقذ الغريق إذا كان يحسن السباحة فإذا كان لا يحسن فإنه لا يجب عليه
وهذه ترجع لهذه القاعدة المذكورة.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يحل كتمانها)
كأنّ المؤلف ذكر هذا ليرتب عليه ما بعده. وأما تحريم الكتمان فهو مستفاد من ماذا؟ كونها فرض عين فنحن نقول دليل تحريم الكتمان
أنّ الأداء فرض عين لكن لعل الشيخ - رحمه الله - ذكرها ليرتب عليها ما بعدها.
قال - رحمه الله - (ولا أن يشهد إلاّ بما يعلمه)


يشترط للشهادة أن يكون الشاهد عالما بما يشهد لقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء/36] ولقوله {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف/86] ولما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال أترى الشمس على مثلها فاشهد. وهذا الحديث ضعيف أو ضعيف جدا ولكن لا إشكال في صحة معناه وهو معنى صحيح محفوظ في الشرع. والشهادة بغير علم من شهادة الزور والظلم وصاحبها آثم لأنّ من شروط الأداء وهو شرط صحة لا شرط وجوب أن يشهد بما يعلم.
ثم - قال رحمه الله - مرتبا على هذا (برؤية أو سماع)
لما قرر الشيخ أنّ العلم واجب أراد أن يبيّن طريقة العلم. فبيّن أنه لا يمكن أن نعلم عن شيء إلاّ من خلال ثلاثة أمور السمع والبصر والاستفاضة , لا يمكن للإنسان أن يعرف خبر إلاّ بالسمع أو البصر أو الاستفاضة. بدأ الشيخ بالأصل وهو السمع والبصر والغالب على البصر أن يعلم به الأفعال والغالب على السمع أن يعلم به العقود والأقوال. أليس كذلك؟ والسمع والبصر من أدوات العلم التي أجمع عليها الفقهاء والعلماء والعقلاء لأنّ الإنسان إنما يعرف الأشياء بسمعه أو ببصره.
ثم - قال رحمه الله - (أو الاستفاضة)
الاستفاضة في اللغة وفي الاصطلاح / هي ذيوع الشيء وانتشاره. فإذا ذاع وانتشر فهو استفاض هذا في اللغة وفي الاصطلاح.
يقول - رحمه الله - (أو استفاضة فيما يتعذر علمه بدونها)
إنما تعتبر الاستفاضة بهذا الضابط أو القيد أن يتعذر العلم بالمشهود به بدونها والمقصود بقوله بدونها يعني الضمير يعود إلى الاستفاضة لكن متى يكون متعذرا العلم بدونها إذا تعذر السمع أو البصر لأنّ أقسام الإدراك تنقسم إلى ثلاثة فقط. السمع والبصر والاستفاضة.


الدليل ذهب الحنابلة والجمهور إلى اعتبار الاستفاضة من أدوات الإدراك التي يجوز الاعتماد عليه في الشهادة لأنه إذا لم يمكن إدراك الشيء بالسمع ولا بالبصر فإذا أغلقنا الشهادة عليه بالاستفاضة فقد أدينا إلى الإضرار بالمشهود له. وذلك أنه لن يشهد له باعتبار أنه تعذر السمع والبصر فإذا أغلقنا باب الاستفاضة أيضا أدى هذا إلى عدم الشهادة له. وهذا صحيح ولا إشكال فيه وهو أنه إذا تعذر العلم بالسمع والبصر جاز أن نشهد عليه بالاستفاضة , ومع كونه وضع ضابطا ذكر أشياء معيّنة يجوز الشهادة بها بالاستفاضة.
يقول الشيخ - رحمه الله - (كنسب)
النسب ومثله الولادة يجوز الشهادة بالاستفاضة عليها بالإجماع لأنّ العلم بالنسب والولادة مما يتعذر ولأننا لو منعنا الشهادة عليه بالاستفاضة لأدى هذا إلى ضياع الأنساب. فالنسبة للنسب والولادة أمر مفروغ منه وأجمع عليه الفقهاء.
ثم - قال رحمه الله - (وموت وملك مطلق , ونكاح ووقف)
هذه الأشياء محل خلاف فالحنابلة يرون أنّ الشهادة عليها بالاستفاضة صحيح لأنه يتعذر غالبا وليس دائما العلم بها بدون استفاضة.
القول الثاني: أنه لا يجوز الشهادة بالاستفاضة إلاّ على أمرين فقط النكاح والموت.
والقول الثالث: أنّ الشهادة بالاستفاضة تجوز في كل ما لم يطلع عليه إلاّ خواص الناس مما يتعذر معه العلم بالسمع أو البصر وهذا القول الثالث هو الصحيح. مثلا الموت الآن محل خلاف ولا إجماع؟ محل إجماع لأنّ القول الثاني يقول النكاح والموت إذا هو محل إجماع لكن نذكره من باب التمثيل لتقريب الضابط عادة إذا احتضر الإنسان يحضره كل الناس ولا أقربائه؟ أقربائه العامة أو خاصتهم.


الخاصة. خاصة الخاصة. ولهذا نقول الموت من الأمور التي لا يمكن أن يشهد عليها بالسمع والبصر لأنه لا يحضره عادة إلاّ خواص الناس كذلك عقد النكاح من الأمور التي يحضرها عامة الناس ولا الخاصة؟ بل جرى العرف عندنا أنهم يجلسون في مجلس عام فإذا أرادوا عقد القران انتقلوا إلى مجلس خاص إذن كل أمر لا يمكن أن يطلع عليه إلاّ خواص الناس فيجوز الشهادة عليه بالاستفاضة. تقدير هذا الأمر يرجع إلى القاضي. طبعا المالكية هم أكثر الناس توسعا في الشهادة بالاستفاضة توسعوا وذكروا صورا كثيرة في إثبات الشهادة بالاستفاضة وهذا من وجهة نظري من محاسن مذهب المالكية.
قال - رحمه الله - (ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه)
في هذه المسألة خلاف يشبه تماما الخلاف في مسألة سابقة وهي أنهم رأوا أنّ من ادعى بشيء من العقود فعليه أن يذكر شروطه فالخلاف في تلك المسألة كالخلاف في هذه المسألة تماما.
قال - رحمه الله - (وإن شهد برضاع , أو سرقة , أو شرب , أو قذف , فإنه يصفه ويصف الزنا ..... ثم قال ويذكر ما يعتبر للحكم ويختلف به في الكل)
أفادنا المؤلف مسألتين: المسألة الأولى أنه إذا شهد برضاع أو سرقة إلى آخره. فإنه يجب أن يصف هذا الرضاع أو السرقة وأفادنا أيضا أنّ الوصف يجب أن يشتمل على ما ذكره في الأخير وهو أن يشتمل على كل ما يعتبر للحكم ويختلف الحكم باختلافه فإذا شهد بالرضاع يجب أنّ يبيّن عدد الرضعات وكيفية الرضعة وسن الرضيع وكل ما يختلف الحكم به وإذا شهد بالسرقة فيجب أن يذكر الحرز وأنه حرز شرعا والمال وأنه بلغ نصابا ويجب أن يذكر كل ما يتعلق بالحكم لأنه قد يرى هو سرقة ما ليس بسرقة في الشرع. الدليل على وجوب ذكر هذه الأشياء هو أنّ اعتبار هذا العمل سرقة واعتبار أخذ الطفل رضاع مما يختلف فيه العلماء فعليه أن يبيّن ليتبيّن للقاضي هل ما يشهد به يعتبر صحيح أو ليس بصحيح. وهذا صحيح ولا تشبه هذه المسألة المسألة السابقة وهي أن يذكر شروط العقد بل هنا ما يتعلق بالرضاع والسرقة ونحوها أمور حساسة ويترتب عليها أمور كبيرة فيجب عليه أن يبيّن بالضبط ويصف كل ما يشهد به لكن المؤلف يقول - رحمه الله - (ويصف الزنا بذكر الزمان والمكان)


وهذا تقدم معنا في حد الزنا.
ثم - قال رحمه الله - (والمزني بها)
يعني ويجب أيضا أن يبيّن في جملة ما يبيّن المرأة المزني بها وعللوا هذا بأنّ المرأة المزني بها ربما تكون ممن يحل للزاني أن يطأها فعلى الشاهد أن يبيّن من هي المرأة لتزول هذه التهمة أو ليزول هذا الاحتمال.
والقول الثاني: أنه لا يجب عليه أن يبيّن من هي المزني بها وأنّ الشهادة تامة وكافية بذكر ما يتعلق بالزنا دون هذا الأمر واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول" أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل ماعزا عن المزني بها.
الثاني: أنه لا تعلق لهذا بحد الزنا فإنّا الزنا معلوم عند الناس أنه أن يطأ أجنبية.
الثالث: أنّ في هذه فضحا للمرأة وهتكاً لسترها والشارع يتشوف إلى عدم ذلك ولا إشكال أنّ هذا هو الراجح وما ذكره الحنابلة ضعيف جدا وغريب وهو أنه يلزم الشاهد من هي المرأة إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم الزاني بذكر المرأة فكيف نلزم الشاهد بذكر المرأة وعلى هذا جرى عمل المسلمين فيما أعلم من شهد بزنا فإنه لا يكلف باسم المرأة وكذلك من زنى لا يكلف بذكر اسم المزني بها يستثنى من هذا مسألة وهي ما إذا علم القاضي او مباشر القضية أنّ المزني بها مشتهرة بالفساد وداعية له فمثل هذه المرأة
ينبغي على القاضي ومن تولى القضية أن يهتك سترها وأن يوقفها عند حدها لأنّ مشهورة بالفساد والجلب للناس من نساء المسلمين ليزنى بهن هذه شرّها لم يتوقف عليها وإنما تعداها إلى غيرها فمثل هذه لا يحسن أبدا أن يستر عليها.
فصل
قال المؤلف ـ رحمه الله - (شروط من تقبل شهادته ستة: البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان)
الشرط الأول: في الشاهد أن يكون بالغا فإن لم يكن بالغا ولو كان مراهقا من أعقل الناس فإنها لا تقبل له شهادة واستدلوا على هذا بقوله تعالى {ممن ترضون من الشهداء أ} [البقرة/282] والصبي لا يرضى وقوله تعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة/282] فنص على من رجالكم.
والقول الثاني: أنه تقبل شهادة ابن العشر في غير الحدود لأنه مميز ويعقل ويعرف ما يقول أشبه بذلك البالغ.
القول الثالث: أنها تقبل من الصبيان مطلقا فيما يقع بينهم.


القول الرابع: أنها تقبل من الصبيان مطلقا فيما يقع بينهم بشرطين: أن يكون في الجراح , وقبل أن يتفرقوا. واستدل أصحاب القول الرابع بأنّ هذا هو المروي عن علي أبي طالب فإنه قبل شهادة الصبيان بينهم قبل أن يتفرقوا في الجراح ولأنهم قبل أن يتفرقوا يوثق بكلامهم وبعد أن يتفرقوا لا يوثق من جهتين. الأولى " قد يهموا وينسوا لصغرهم. والثانية وهي التي قد تقع قد يلقنوا. فلأجل هذا نشترط أن يكون قبل التفرق. والقول الراجح إن شاء الله هو الأخير وفهم من ترجيح هذا القول أنّ الصبي في غير ما يقع بين الصبيان
لا تقبل شهادته مطلقا لكن تقدم معنا أنّ القاضي له أن يعزر إذا نقصت الشهادة عن الحكم الشرعي مثل أن تشهد المرأة فيما لا يقبل به إلاّ الرجال أو أن يشهد الصبي فيما لا يقبل به إلاّ الكبار فمثل هذا القاضي وإن لم يعتبر الشهادة إلاّ أنه ينبغي أن يعزر تعزيرا بليغا وإن لم يصل إلى إقامة الحد.
ثم - قال رحمه الله - (الثاني: العقل فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه)
شهادة المجنون لا تقبل بالإجماع لأنه لا يفقه ما يقول ولا يعي ولا يضبط فشهادته ملغاة ولا قيمة لها شرعا وهو أمر محل إجماع وبدهي.
ثم - قال رحمه الله - (وتقبل ممن يخنق أحيانا في حال إفاقته)
الشهادة تقبل ممن يغيب عقله ويحضر ونشترط لهذا أن يشهد حال إفاقته لأنه حال إفاقته عاقل شهد بما يعلم فاستوفى الشروط وهل مقصودهم أن يشهد حال إفاقته أو أن يتحمل حال إفاقته؟ يعني إذا جاءنا رجل يجّن ويصحوا جاءنا حال الصحوا والإفاقة وعقله على أكمل ما يكون فهل نقول له هل تحملت وأنت في حال الجنون أو نقبل شهادته؟ نقبل شهادته وهذا كلام المؤلف دقيق يقول أن يشهد حال إفاقته فإذا شهد قال اشهد أنّ فلان باع على فلان شهادته ولا نسأل كان حاضر أثناء العقد. لماذا لا نسأل هذا السؤال؟ لماذا نفترض لن يشهد إلاّ وهو عالم؟ لأنّا نفترض أنه عدل والعدل لن يكذب مادام هو الآن عاقل سيأتينا الآن أناّ نفترض أنه عدل أليس كذلك؟ فهذا هو السبب فقط ما عداه ليس بسبب ولا نفترض أنه لن يتحمل إلاّ وهو عاقل لأنه قد يتحمل وهو مجنون ويكذب أليس كذلك؟
ثم - قال رحمه الله - (الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس)


الأخرس الذي لا يتكلم ولا تفهم إشارته لا تقبل شهادته عند الأئمة الأربعة لأنّ مثله لا يتمكن من الأداء بحال فليست له إشارة تفهم ولا يتمكن من الكلام وهذا واضح.
ثم - قال رحمه الله - (ولو فهمت إشارته)
يعني أناّ لا نقبل منه ولو فهمنا إشارته إلى هذا ذهب الحنابلة واستدلوا على هذا بأنّ الأخرس وإن فهمت الإشارة إلاّ أنّ يبقى واردا فلا نقبل منه الشهادة.
والقول الثاني: أنّ شهادة الأخرس المفهوم الإشارة مقبولة لأنّا تمكنّا من فهم ما يريد فحصل الأداء بهذا وهذا اختيار ابن المنذر وهذا هو الراجح إن شاء الله ولاشك ويتحقق هذا جدا في وقتنا فإنّ إشارة الأخرس اليوم أصبحت كالنطق فيؤدي بها جميع المعاني ولو كانت دقيقة فلا مجال اليوم للقول بأنّ من يستطيع أن يتفاهم مع غيره بالإشارة لا تقبل شهادته فالحقيقة يكاد يكون قول شاذ وضعيف لأنّ اليوم الأخرس بالإشارة يصل إلى ما يصل به المتحدث تماما ولو دقت المعاني لأنه أصبح علم يدرس بدقة وتوضع لكل معنى دقيق عند المتكلم ما يقابله إشارة.
ثم - قال رحمه الله - (إلاّ إذا أداها بخطه)
فإذا أداها بخطه قبلت لأنّ التوهم والإشكال زال تماما فإنه سيكتب ما في نفسه.
والقول الثاني: التوقف وإلى هذا ذهب الإمام أحمد فإنه توقف في كتابة الأخرس وهي غريبة من الإمام - رحمه الله - فإنه إذا كتب لا أدري ما معنى أو ما هو سبب التوقف إذا كتب فإنه لن يكتب إلاّ ما شاهد وأصبحت الكتابة تقوم مقام النطق تماما لاسيما والحنابلة يرون أنّ الكتابة في الطلاق من الصرائح , الحنابلة لا حرج عليهم. لكن الإمام أحمد لا أدري لماذا توقف! في مثل هذه المسألة إذا كتب فكتابته واضحة.
قال - رحمه الله - (الرابع: الإسلام)
يشترط في الشاهد أن يكون مسلما فإن كان كافرا فلا تقبل شهادته على مسلم ولا على كافر لأنّ الكافر أبعد ما يكون عن العدالة والعدالة شرط كما سيأتينا والفقهاء يقولون الكافر أفسق الفساق فلا تقبل منه الشهادة مطلقا.


القول الثاني: أنّ شهادة الكافر على الكافر تقبل ولا تقبل على المسلم واستدلوا على هذا بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل شهادة الذميين بعضهم على بعض. وهذا الحديث ضعيف والراجح أنّ القاضي المسلم لا يقبل شهادة الكافر على كافر ولا على مسلم
وهذه المسألة تحتاج في الحقيقة إلى مزيد تأمل لكن اللي يظهر لي الآن هو أنها لا تقبل لأنها تنافي تماما العدالة والكافر يكذب على الله أليس كذلك؟ فكيف نستجيز كلامه وهو يكذب على الله فعلى خلقه من باب أولى. لكن مع ذلك المسألة تحتاج إلى أكثر ربما بحث.
يستثنى من شهادة الكافر على الكافر شهادة الذمي على المسلم في الوصية في السفر وتقدمت معنا في الوصية وهذه من مفردات الحنابلة
والأئمة الثلاثة لا يقبلونه في الوصية ولا في غيرها واستدلوا على هذا بأنّ من لا يقبل في الوصية لا يقبل في غيرها وأما الإمام أحمد فهو ذهب إلى قبولها قال شيخ الإسلام - رحمه الله - ومذهب أحمد نص القرآن. صدق - رحمه الله -
قال - رحمه الله - (الخامس: الحفظ)


الحفظ هو أن لا يكثر منه السهو والغلط فإن كثر منه أحد هذه الثلاثة لم يقبل واستدلوا على هذا بأنه لا يأمن مع كثرة غلطه أن يخطأ في أداء الشهادة وهذا صحيح وشهادة المغفل غير مقبولة بل لكونه ضعيف الذاكرة ومن الناس من يكون قوي الذاكرة ولكنه مغفل يعني لا يفهم فلا يقبل لأنه مغفل , بعض الناس يضبط ولكنه مغفل لا يفهم مجريات القضية فمثل هذا ينبغي للقاضي أن لا يقبله والإنسان إذا تحدث مع أيّ شخص عرف مستوى تفكيره لاسيما القاضي الذي مارس الشهود والقضايا والخصوم فبمجرد ما يأخذ ويعطي مع الشاهد يعرف أنّ هذا الشاهد مغفل وربما ضحك عليه من المشهود له. ولهذا قال الحنابلة وغيرهم من الفقهاء أنه على القاضي إذا لم يقبل شهادة الشاهد لكونه مغفلا أو لكونه فاسقا عليه أن يقول نريد مع هذا الشاهد شاهد ولا يقول لم نقبل شهادة الشاهد وهذا من حسن الخلق ومن الابتعاد عن جرح مشاعر الشاهد فيقول نريد مع شهادة هذا الشاهد شاهد , وبإمكانه أن يقول قبلنا شهادة الشاهد لكن مع شاهد , وشهادة هذا الشاهد مع شاهد تكون مقبوله لماذا؟ لأنّّ الشاهد الثاني يؤكد شهادة هذا الشاهد وينفي عنه الوهم والغلط أليس كذلك؟ فبإمكانه أن يستخدم إحدى العبارتين ولا يقول يا أخي أنت مغفل لا نقبل شهادتك هذا غير مقبول مطلقا ولا يتناسب مع أخلاق المسلم.
ثم - قال رحمه الله - (السادس: العدالة)
العدالة شرط بالإجماع من حيث الجملة. لقوله تعالى {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة / 282] والفاسق غير مرضي ونحن نقول في الجملة لأنه سيأتينا الآن عند بيان حد العدالة والخلاف بين أهل العلم.
والعدالة في لغة العرب / هي الاستقامة. وأما في الشرع / فقد أطال المؤلف في بيانها.
قال - رحمه الله - (الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض بسننها)
العدالة عند الفقهاء تحصل بأمرين: اجتناب المحرمات وفعل الأوامر والالتزام بالمروءة سيأتينا.
يقول الشيخ - رحمه الله - (ويعتبر لها شيئان: الأول الصلاح في الدين)


الصلاح في الدين يعتبر للشهادة وذلك بأن يأتي بالواجبات ويبتعد عن المحرمات لكن الشيخ يقول - رحمه الله - (أداء الفرائض بسننها الراتبة) اشتراط أداء الفرائض ليتصف الشاهد بالعدالة عليه الجماهير ولم أقف فيه على خلاف لأنه إذا ترك الفرائض فهو على قسمين:
إما أن يترك تركا مطلقا. فانتقل من الإسلام إلى الكفر , أو أن يترك تركا مقيدا فصار بترك الفرائض فاسقا.
يقول الشيخ - رحمه الله - (بسننها الرواتب)
يشترط أن يلتزم بالرواتب مع النوافل وإلاّ لا يعتبر مستقيما واستدل الحنابلة على هذا بأنّ المداومة على ترك الرواتب تشعر بضعف الدين ورقته. مما لا يوثق مع بكلام الشاهد ومقصود الحنابلة بالرواتب هو أن لا يداوم على ترك الرواتب وليس مقصودهم انه بترك أي نوع من الرواتب يعتبر خرج من العدالة هذا ليس بمقصود لهم.
القول الثاني: أنّ المحافظة على الرواتب لا تشترط جملة وتفصيلا لأنّ الرواتب ليست بواجبة وترك غير الواجب لا يخل بالعدالة وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله.
ثم - قال رحمه الله - (واجتناب المحارم بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن على صغيرة)
المؤلف قال اجتناب المحارم ثم فسّر اجتناب المحارم بأن لا يأتي كبيرة ولا يداوم على صغيرة والكبائر في عرف الشرع هو كل عمل توعد عليه بالنار أو بالعذاب أو ترتب عليه حد في الدنيا. فهم من كلام المؤلف أنّ الإلمام أحيانا بالصغائر لا يخل بالعدالة لأنه اشترط الكبائر أو المداومة على الصغائر فإن دوام على الصغائر أو أتى شيئا من الكبائر فإنها لا تقبل شهادته بناء على هذا في وقتنا المعاصر كل من يشرب الخمر لا تقبل شهادته كل من يزني لا تقبل شهادته كل من يداوم على مشاهدة القنوات لا تقبل شهادته كل من يداوم على حلق اللحية لا تقبل شهادته كل من يداوم على الإسبال لا تقبل شهادته أليس هذا هو مقتضى؟ كل من لا يطيع والديه لا تقبل شهادته كل امرأة لا تتستر ولا تتحجب لا تقبل شهادتها , وبهذا صار تسعين بالمئة من الناس لا تقبل شهادتهم لهذا


القول الثاني في هذه المسألة / أنّ العدالة في كل وقت بحسبها فما اعتبر عند أهل العصر من أهل العدالة فهو عدل وما لا فلا وهذا القول فيه غرابة , وجه الغرابة أنه جعل مناط العدالة مرتبط بالعرف وهذا غريب لأنّ العدالة وصف شرعي اسم شرعي يحتاج لتطبيقه إلى أدلة شرعية لكن هذا القول دليله الوحيد من وجهة نظري الضرورة لأنه لو لم نقل بهذا القول لأدى إلى ضياع حقوق الناس جملة وتفصيلا لأنّ اشتراط مثل هذا الشاهد يندر وإذا منعنا شهادة غيره صار هذا سببا في ضياع الحقوق وأنا أقول أنّه هذا في الحقيقة القول مع وجاهته وقوته إلاّ أنّ دليله الوحيد الضرورة لولا الضرورة لقلنا أنه مادام الشارع دلت النصوص على اعتبار هذا الشخص فاسق فإنها لا تقبل شهادته لكن الضرورة دلت على صحة هذا القول يستثنى من هذا على جميع الأقوال وعلى جميع التفريعات من فسقه بالكذب فمن فسقه بالكذب فإنا لا نقبل منه الشهادة لأنها تخل بالمقصود الأساسي من الحكم.
ثم - قال رحمه الله - (فلا تقبل شهادة فاسق)
سواء كان فسقه بالعمل أو بالاعتقاد , ويخرج من هذا أن يرتكب محرما يعتبر من محل الخلاف يعني من الأشياء التي اختلف فيها فإنّ ارتكابه لهذا المحرم لا يجعله فاسقا وإن ارتكب محرما فإذا الأشياء المختلف فيها لا تدخل ضمن الأشياء التي يفسق بها الإنسان.
قال - رحمه الله - (الثاني: استعمال المروءة , وهو فعل ما يجمله ويزينه , واجتناب ما يدنسه ويشينه)
يشترط لصحة الشهادة أن يستعمل المروءة , فإن لم يستعمل المروءة فإنّ شهادته لا تقبل والدليل على هذا أنّ المروءة تمنع صاحبها من الدناءة والكذب نوع من الدناءة فصارت المروءة تمنع الكذب والمروءة في عرف الفقهاء هي ترك كل ما يذم فاعله عرفا وفعل كل ما يذم تاركه عرفا فهي أفعال وتروك.
يقول المؤلف - رحمه الله - (استعمال المروءة وهو فعل ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه)


المروءة تسقط بأمرين: الأول: أفعال. والثاني: صنائع. فالأفعال هو أن يفعل كل ما من شأنه أن يشينه عند الناس. طبعا لا يوجد ضابط غير هذا الضابط ولهذا تجد جميع الفقهاء يذهبون إلى التمثيل فإذا أكل في مكان لا يعهد الأكل فيه أو كشف شيئا من جسده لم يعهد كشفه في هذا المقام , أو تحدث وهذا يحصل من بعض الناس تحدث مع زوجته بما لا يناسب أن يتحدث معها فيه في مثل هذا المكان سقطت مروءته ولهذا نقول ما يفعله بعض الناس من إذا اتصلت عليه زوجته وهو بين أصحابه تكلم معها بما لا ينبغي أن يتكلم به الرجل مع زوجته إلاّ إذا انفردا سقطت مروءته بهذا حتى في وقتنا. كذلك لو وجدنا شخص أخرج سفرة الطعام على الرصيف وجعل هو وأولاده يأكلون وجبة كاملة فإنّ هذا يسقط المروءة كذلك يقولون كشف الرأس في مكان لا يكشف فيه الرأس أو كشف الظهر في مكان لا يكشف فيه الظهر أو كشف البطن في مكان لا يكشف فيه البطن يعتبر من مسقطات المروءة ونحن نقول في تعريف المروءة [أنه فعل كل ما يذم صاحبه عرفا] إذا كان لا يذم صاحبه عرفا فإنه لا حرج عليه فأشياء كثيرة بناء على هذا تختلف باختلاف الأعراف. الثاني: الصناعات: الصناعات الدنيئة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الصناعات الدنيئة المحرمة شرعا فهذه الصناعات تسقط المروءة بالإجماع.
القسم الثاني " الصناعات الدنيئة الجائزة شرعا المذمومة عرفا , مثل الحجام والكناس فهذا القسم الثاني فيه خلاف فالحنابلة يرون أنه لا يسقط المروءة واستدلوا على هذا بأمرين: الأمر الأول" أنه إذا أسقطنا مروءة الكناسين والحجامين فمن يشهد على ما يقع بينهم.
الأمر الثاني: أنّ هذه الصنائع بالمسلمين حاجة إليها فإسقاط المروءة بها يؤدي إلى الإضرار به.
القول الثاني: أنّ هذه الأعمال المذمومة عرفا الجائزة شرعا تسقط المروءة بها لأنّ صاحبها مذموم عرفا وأنتم تقولون أنّ كل عمل يذم صاحبه عرفا فإنه يسقط المروءة. والراجح؟ أنّ الحاجة ما الناس إليه بحاجة يسقط اعتبار العرف.


الثاني: أنّ القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء كلهم أنّه لكل قاعدة شواذ واستثناءات فالحجام والكناس مستثنى من هذا وهذا وجهة نظر الحنابلة أنه مستثنى والحقيقة القول بأنه ساقط المروءة قول من وجهة نظري ساقط والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان في عهده الحلاق والحجام والكناس ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلاّ أنّ شهادة مثل هؤلاء غير مقبوله ثم في هذا إزراء بهؤلاء الناس وهم يؤدون خدمة جليلة للمسلمين فكيف نسقط مروءتهم بهذا الشكل ونتبع إسقاط المروءة إسقاط الشهادة.
يقول - رحمه الله - (ومتى زالت الموانع فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم)
تاب الفاسق نؤخرها. هؤلاء إذا زالت الموانع قبلت الشهادة لأنّ القاعدة أنّ المقتضي إذا وجد بلا مانع فعلى ما أدى فعله أو أدى نتيجته فمادام المقتضي موجود والمانع زال فإنّ نعمل بهذا المقتضي وهذا أمر واضح ولعل الشيخ ذكره ليرتب عليه قضية وتاب الفاسق إذ تاب الفاسق فإنه تقبل شهادته وهذا لا إشكال فيه والتوبة تحصل بشروط: الأول: الإقلاع عن الذنب. الثاني: الندم على وقوع الذنب , الثالث: العزم على عدم العود. الرابع: أداء الحقوق إذا كانت موجودة. وقبول توبة الفاسق لا إشكال فيها لكن اختلف الفقهاء هل يشترط لقبول توبة الفاسق أن يمضي وقت تعلم به توبته أو يقبل مباشرة فيه خلاف.
القول الأول: أنه يقبل مباشرة واستدلوا بأمرين: الأمر الأول: أنّ التوبة يمحى معها الذنب مباشرة يعني التوبة الصحيحة.
الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
القول الثاني: أنه يشترط مضي مدة تعلم بها توبته واستدلوا على هذا بأنّ عمر - رضي الله عنه - لما ضرب صبيغا انتظر به سنة ثم كُلِم.
والراجح إن شاء الله أنّ هذا يختلف باختلاف التائب فإن كان مما ينبغي الانتظار به انتظر وإن كان ما يغلب على ظن الحاكم توبته قبل.

باب موانع الشهادة وعدد الشهود
لما بيّن الشروط انتقل إلى الموانع فقال - رحمه الله - (لا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض)


لا تقبل شهادة عمودي النسب فلا يشهد الأب للابن , والابن للأب لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قبول شهادة الظنين بالقرابة يعني المتهم بسبب القرابة فلا تقبل شهادة أحدهما للآخر للتهمة.
والقول الثاني: أنها تقبل شهادة الابن للأب دون العكس لأنّ الأب له أن يتملك من مال ابنه فهو متهم.
القول الثالث: أنها تقبل فيما لا يجر نفعا كعقود النكاح والطلاق ونحوها ولا تقبل فيما يجر نفعا كعقود الأموال.
والقول الرابع: أنها تقبل مطلقا لعموم الأدلة.
والقول الخامس: وهو الصحيح. أنّ مناط الرد والقبول هو التهمة فإذا اتهمنا هذا الأب وظننا به أنه لم يصدق لم نقبل منه وإذا ظننا أنه صادق قبلنا سواء شهد الأب للابن أو الابن للأب وإلى هذا ذهب الشيخ العلامة ابن القيم وهو الصواب لأنه لا يوجد في النصوص شيء صحيح يدل على منع شهادة الأب لإبنه أو العكس ولكن يوجد في النصوص ما يدل على منع الشهادة مع وجود التهمة.
ثم - قال رحمه الله - (ولا شهادة أحد الزوجين لصاحبه)
لا يجوز أن يشهد أحد منهما لصاحبه لأنه جرت العادة بتوسع كل منهما بمال الآخر فهو متهم لذلك.
القول الثاني: تقبل شهادة الزوج لزوجته ولا تقبل شهادة الزوجة لزوجها لأنها إذا شهدت له فهي تجر نفعا لنفسها لأنه المنفق عليها.
القول الثالث: أنها تقبل الشهادة مطلقا لعدم وجود الدليل. والراجح في هذه المسألة هو الراجح في المسألة السابقة أنه متى وجدت تهمة ردت الشهادة من الزوج أو الزوجة أو الأب أو الابن وإلاّ فلا.
ثم - قال رحمه الله - (وتقبل عليهم)
يعني تقبل شهادة هؤلاء بعضهم على بعض إنما ترد شهادة بعضهم لبعض أما شهادة بعضهم على بعض فتقبل لأنّ التهمة منتفية تماما.
قال - رحمه الله - (ولا من يجر على نفسه نفعا)
لا تقبل شهادة من يجر بهذه الشهادة لنفسه نفعا. مثال هذا من يشهد لشريكه فإنه إذا شهد لشريكه فما يأتي شريكه من المال فهو له فكأنه يشهد لنفسه ومن أمثلة هذا أن يشهد بمال لغريمه لأنّ هذا المال إذا جاء الغريم استفاد هو سداد الدين.

ثم - قال رحمه الله - (أو يدفع عنها ضررا)


لا تقبل شهادته إذا شهد شهادة تدفع الضرر عن نفسه وهذه عكس المسألة الأولى كأن يشهد شهادة تدفع الضرر عن شريكه أو يشهد شهادة تدفع الضرر عن أخيه أو عن أبيه أو عن زوجته أو عن أمه. أو يشهد تدفع الضرر عن غريمه أو يشهد شهادة تدفع الدين أن يثبت على غريمه إذن الضابط [أن يشهد شهادة تدفع عنه ضررا]
ثم - قال رحمه الله - (ولا عدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه)
ذهب الأئمة الثلاثة والجماهير إلى أنّ شهادة العدو على عدوه غير مقبولة لأنه متهم والغالب عليه الحيف.
القول الثاني: لأبي حنيفة أنها تقبل وإن كان عدوا له قال أبو حنيفة لأنّا نفترض في الشاهد أن يكون عدلا والعدل لن يشهد إلاّ بالحق ولو على عدوه والراجح إن شاء الله مذهب الثلاثة لأنّ العدل قد يطرأ عليه ما يمنع من صدقه.


الدرس: (2) من الشهادات

قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال - رحمه الله - (ولا عدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه)
تقدمت معنا هذه المسألة وقلنا أنّ الجماهير على أنّ شهادة العدو على عدوه لا تقبل لأنه متهم بالحيف عليه وأنّ المقصود بالعداوة هنا العدواة الدنيوية وليست العداوة الدينية.
وأنّ القول الثاني: القبول وهو مذهب الأحناف فقط من أصحاب المذاهب الأربعة واستدلوا على هذا بأنّ العدل لا يمكن أن يحيف ولو مع وجود العداوة لأنّا نفترض فيه العدالة وأنّ الأقرب إن شاء الله أنها لا تقبل وفي ظني أنّ هذا تقدم. لما بيّن المؤلف - رحمه الله - أنّ شهادة الشخص على عدوه لا تقبل انتقل إلى بيان ضابط العدو
فقال - رحمه الله - (ومن سره مساءة شخص , أو غمه فرحه فهو عدوه)


هذا الضابط يعرّفنا بالعدو من غير العدو فكل إنسان يفرح بمضرة شخص ويغتم بفرحه فهو عدو له ومقصودهم إذا كان يظهر هذا الفرح ويرتب عليه آثاره. أما ما يشعر به الإنسان أحيانا من الفرح أو الحزن فهو مرض إذا أصيب أخوه بشيء مفرح اغتم وإذا أصيب بشيء فيه إصابة فرح هذا مرض من أمراض القلوب ولا يعتبر مانع من الشهادة لأنه هذا من الحسد وغالبا لا يظهر على تصرف الإنسان لكن إذا كان يظهر هذا في المجالس وإذا أصيب هذا الشخص بحادث فرح واستبشر وأظهر السرور فهذا عدو بلا شك لأنه لم يفرح بما أصيب به أخوه إلاّ وهو عدوه.

فصل
هذا الفصل مخصص للكلام عن العدد المشترط بحسب كل قضية.
قال - رحمه الله - (ولا يقبل في الزنا والإقرار به إلاّ أربعة)
لا يقبل في الشهادة المثبتة للزنا إلاّ شهادة أربعة من الرجال العدول الأحرار والدليل على هذا نص القرآن فإنّ الله قال {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور/13] قال الشيخ العلامة ابن سعدي - رحمه الله - قوله فأولئك عند الله , ولم يقل فأولئك هم الكاذبون. لأنهم عند الله يعني في حكم الله والسبب أنهم كاذبون في حكم الله أنّ الشارع حرّم الكلام بالزنا عن المسلم إلاّ بعد استيفاء العدد فأي كلام قبل استيفاء العدد فهو كذب شرعا وإن وافق الواقع وهذا منه - رحمه الله - استنباط جيد وسبق لكن عبارته كانت محررة.
قال - رحمه الله - (ويكفي على من أتى بهيمة رجلان)
هذه المسألة ترجع إلى ضابط وهو أنّ كل ذنب لا يوجب حدا بل يوجب تعزيرا فإنه يكتفى فيه برجلين مثل المثال الذي ذكره المؤلف إتيان البهيمة ومثلوا له أيضا بوطء الجارية المشتركة فهذا الضابط في الحقيقة مريح وتدخل تحته المسائل المشابهة ولو كانت عبارة المؤلف عن ضابط لكان أتقن منه مثالا.
ثم - قال رحمه الله - (ويقبل في بقية الحدود والقصاص)


يعني ويقبل في بقية الحدود والقصاص رجلان. لا يقبل في بقية الحدود عدا الزنا والقصاص إلاّ شهادة رجلين يعني ولا تقبل شهادة رجل وامرأة واستدلوا على هذا بأنّ الحدود مبنية على الدرء بالشبهات ومجرد شهادة المرأة تعتبر شبهة لأنّ المرأة معرضة للخطأ والنسيان كما قال تعالى {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة/282] فكأنّ الآية تشير إلى أنه من شأن المرأة النسيان والوهم والغلط ولأجل هذا صارت شهادة المرأة غير مقبولة في الحدود لوجود هذه الشبهة.
والقول الثاني: أنّ شهادة امرأتين مع رجل تكفي في الحدود والقصاص واستدل أصحاب هذا القول بالقياس على الأموال وقالوا أنّ ما يعرض للمرأة من وهم نسيان يجبر بالمرأة الأخرى والراجح إن شاء الله المذهب. لأنه فعلا مهما يكن الأمر لما اشترط الشارع في بعض المواضع أن يكون الشاهد من الرجال دل هذا على أنّ المرأة وإن شفعت بامرأة أخرى إلاّ أنها تبقى عرضة للخطأ والنسيان وتحكم العواطف على كل حال إن شاء الله هذا هو الراجح.
ثم - قال رحمه الله - (وما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد به المال ... الخ)
هذه الأشياء التي تتسم بأنها ليست عقوبة ولا مال ولا يقصد بها المال حكمها حكم الشهادة على الحدود والقصاص فالحنابلة يرون أنه أيضا لا يقبل فيها إلاّ رجلان ولا يقبل رجل وامرأة. الدليل ليس عندهم دليل إلاّ القياس على الحدود والقصاص بجامع أنه يطلع عليه
الرجال ولا يقصد به المال وهذا صحيح يجمع بين هذه الأمور والحدود والقصاص أنه يطلع عليه الرجال ولا يقصد بها المال.


القول الثاني: أنّ ما لا يقصد به المال ويطلع الرجال وليس بعقوبة يكتفى فيه برجل وامرأتان يعني تجوز الشهادة برجل وبامرأتين واستدل هؤلاء بالقياس على الأموال أيهما الراجح؟ القول الثاني لأنه يوجد فارق كبير بين الحدود والقصاص وبين هذه الأمور وهو أنها لا تدرأ بالشبهات , في وجه آخر للترجيح وهو أنهم قاسوا هذه الأمور على الحدود والقصاص. والحدود والقصاص فيه خلاف فهذا يضعف القياس لأنك تقيس على أصل متفق عليه أقوى من أن تقيس على أصل مختلف فيه ولهذا لا إشكال إن شاء الله أنه في الطلاق والنكاح يجزئ شهادة رجل وامرأتين لأنه لا يقصد به مال لأنها أور لا يتطلب إسقاطها بالشبهات فهذا هو الراجح إن شاء الله ورجحانه بيّن.
يقول الشيخ في القسم الثالث. القسم الأول: الزنا , القسم الثاني: الحدود والقصاص. القسم الثالث: ما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد به المال. القسم الرابع: ما هو مال أو يقصد به المال. أما قول الشيخ ويقبل في المال. المال مثل القرض والرهن وسائر الديون هذه من الأموال.
وقوله - رحمه الله - (وما يقصد به كالبيع .. إلى آخره)
ما يقصد به المال كالبيع والإجارة ونحوها ممكن نضبط ما يقصد به المال بأنّ نقول هو جميع العقود المالية فالحقيقة ما يقصد به المال هي العقود لأنه لا يمكن تحصيل المال من خلال عمل إلاّ من خلال العقود التي يقصد بها المال.
يقول الشيخ - رحمه الله - (رجلان ورجل وامرأتان)
كونه يجزئ رجلان ورجل وامرأتان محل إجماع في الجملة لقوله تعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة/282] وهذه الآية نص في الاكتفاء بالمال وما يقصد به المال بشهادة رجل وامرأتين أو بشهادة رجلين. وهذا كما قلت محل إجماع.
ثم - قال رحمه الله - (أو رجل ويمين المدعي)


أيّ أنّ الحنابلة يكتفون برجل ويمين وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة والفقهاء السبعة والأئمة الثلاثة وليس بعد هؤلاء أحد واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشاهد ويمين المدعي. واستدلوا بحديث ابن عباس أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشاهد يمين المدعي وحديث ابن عباس بالذات صححه الإمام النسائي فلا إشكال إن شاء الله أنّ هذا المعنى محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كما ترى نص في المسألة.
القول الثاني: وهو للأحناف أنه ليس من البيّنات الشهادة مع يمين المدعي واستدلوا بأمرين: الأمر الأول: أنّ الآية الكريمة حصرت البيّنات في رجلين أو رجل وامرأتين ولم تذكر الشاهد واليمين.
الدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر. وفي اللفظ الثاني. واليمين على المدعى عليه فحصر اليمين على المدعى عليه فلا تكون في جانب المدعي والراجح إن شاء الله بلا إشكال مذهب الجماهير والأئمة ورجحان هذه المسألة مما يقرر القاعدة التي أشرنا إليها مرارا وهي أنّ اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين وهنا قوي جانب المدعي بوجود الشاهد فلما قوي صارت اليمين في جانبه وهذا إن شاء الله كما قلت هو الراجح.
قال - رحمه الله - (وما لا يطلع عليه الرجال. كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والإستهلال)
فكل ما لا يطلع عليه إلاّ النساء فإنه يقبل فيه امرأة واحدة عدل واستدل الحنابلة على هذا. أولا هذا محل إجماع في الجملة لم يخالف فيه أحد من الفقهاء. ثانيا الدليل الذي استدلوا به هو حديث عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - أنه تزوج بامرأة فأتت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما. فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إنّ فلانة وهي أمة سوداء تزعم أنها أرضعتنا فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء بعد وقال يا رسول الله إنّ فلانة تزعم أنها أرضعتنا. وأردف هذه المرة قائلا ولا أظنها صادقة.


فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال كيف وقد زعمت. وهذا الحديث في البخاري ومسلم. واستدلوا أيضا بأنّ الحاجة ماسة للاكتفاء بشهادة المرأة العدل لأنه لا يطلع عليه غالبا إلاّ النساء وأحيانا لا يطلع عليه إلاّ امرأة واحدة وهذا صحيح لأنّ الحديث ظاهر بأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بالرضاع لأنه لا يطلع عليه غالبا إلاّ من النساء بل إلاّ من امرأة واحدة.
القول الثاني: مع أنه محكي الإجماع في الأول لكن القول الثاني أنه لا يجزئ إلاّ شهادة امرأتين قياسا على شهادة الرجلين وهو قول ضعيف لأمرين مخالفة الإجماع المحكي. ومخالفة النص الصريح الصحيح.
ثم - قال رحمه الله - (والرجل فيه كالمرأة)
يعني وشهادة الرجل في هذه الأمور كشهادة المرأة لأنه إذا اكتفينا بالمرأة فالرجل من باب أولى فلو افترضنا أنّ الرجل شهد بما لا يطلع عليه إلاّ النساء لأنه اطلع فشهادته مقبولة مادام تحققت الشروط الأولى للعدالة والصدق مع الشروط الأخرى.
ثم - قال رحمه الله - (ومن أتى برجل وامرأتين , أو شاهد ويمين , فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال)
إذا أتى بالبيّنة الشرعية , ومعنى قول الشيخ - رحمه الله - ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين. في دعوى إثبات قود يعني قصاص فإنه لا يقبل لأنّ القود تقدم معنا أنه يشترط له أن لا يثبت إلاّ بشهادة رجلين ولا يثبت أيضا به المال وجه ذلك أنّ الشهادة تثبت القصاص والمال فرع عن القصاص فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع. وهذا صحيح باعتبار أنّ المال إنما يكون بدل عن القصاص فإذا لم يثبت القصاص لم يثبت بدله.

يقول الشيخ - رحمه الله - (ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال)
إذا ما يثبت به شيء فرجل أتى بشاهد عدل قوي الذاكرة ومعه امرأتين كذلك عدول ضابطات يشهدن بقود أو جراح لا يثبت به في الشرع شيء أبدا وإنما يتمكن الحاكم فقط من التعزير لأنه مرّ معنا مرارا أنّ البيّنة إذا كانت ناقصة فهي توجب التعزير دون الحد.
ثم - قال رحمه الله - (وإن أتى بذلك في سرقة ثبت المال دون القطع)


إذا أتى بذلك يعني برجل وامرأتين أو بشاهد ويمين لكن في مسألة سرقة فإنه يثبت المال دون القطع وجه ذلك أنّ الشهادة على السرقة تثبت القطع وتوجب ضمان المال فإذا قصرت عن القطع لم تقصر عن ضمان المال بخلاف القود فإنه لا يثبت إلاّ شيء واحد. الشهادة لا تثبت إلاّ شيء واحد وهو القصاص وله بدل. أما هنا فمجرد الشهادة تثبت القصاص والضمان في آن واحد فإذا قصرت عن القصاص وإقامة حد القطع فإنها لا تقصر عن الضمان وهذا واضح وهو صحيح.
قال - رحمه الله - (وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض)
والإشارة كما مرّ علينا لشهادة رجل وامرأتين أو شاهد ويمين في خلع ثبت له العوض. إذا أتى بهذا في خلع ثبت له العوض لأنه أصبح يطالب بحق مالي وتقدم معنا في كلام المؤلف أنّ الحقوق المالية يكتفى فيها بشهادة رجل وامرأتين إجماعا أو بشهادة رجل واحد ويمين عند الجمهور ولهذا ثبت به الحق المالي وهو الخلع.
قال - رحمه الله - (وتثبت البينونة بمجرد دعواه)
يعني وليس بالشهادة لماذا؟ لأنه تقدم معنا أنّ الخلع من الأشياء التي يشترط فيها شهادة رجلين فإذا اشترطنا شهادة رجلين فإنه إذا أتى برجل وامرأتين أو برجل ويمين فإنه لا تثبت أحكام الخلع والنكاح وما تعلق به وإنما تثبت الحقوق المالية لكن لماذا يقول الشيخ وتثبت البينونة بمجرد دعواه؟ يقصد بهذا أنّ البينونة تثبت بإقراره لا بهذه الشهادة لأنه إذا طالب بعوض الخلع فقد أقرّ بوقوع الخلع. إذا نحن نثبت البينونة لا بالشهادة ولكن بإقراره وهذا قد يقع فيه بعض الناس اللي يظنون أنه يستطيع أن يطالب بعوض الخلع بدون إثبات الخلع وهو الواقع أنه بمجرد ما يطالب بعوض الخلع سيثبت الخلع مباشرة لأنه أقرّ بوقوعه.
مسألة قبل أن نتجاوز هذا وإن ادعت المرأة هي الخلع وأتت برجل وامرأتين أو برجل ويمين فهل يثبت شيء؟ لا يثبت لماذا؟ لأنها لا تطالب بحق مالي وإنما تطالب بالخلع والخلع لا يثبت عند الحنابلة إلاّ بشهادة رجلين تقدم معنا أنّ الراجح أنّ المرأة وهي اليوم لمثل هذا كثير لو أتت برجل وامرأتين فإنه يكتفى بذلك.

فصل


قال - رحمه الله - فصل هذا الفصل في بيان أحكام الشهادة على الشهادة , والشهادة على الشهادة مشروعة بالإجماع لم يخالف في هذا أحد من الفقهاء ودل على مشروعيتها أنّ الحاجة داعية إليها لأنّ شاهد الأصل قد لا يتمكن من أداء شهادته فنكون بحاجة إلى شاهد الفرع ولهذا دل النص والاعتبار على مشروعيتها ومازال الناس يحتاجون إلى شاهد الفرع مع شاهد الأصل.
يقول - رحمه الله - (لا تقبل الشهادة على الشهادة إلاّ في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي)
كتاب القاضي إلى القاضي يقبل في الأموال وما تقصد به الأموال دون الحدود كما تقدم معنا , وتقدم الخلاف وأنه قلنا أنّ الراجح أنّ كتاب القاضي إلى القاضي مقبول مطلقا فكذلك الشهادة على الشهادة مقيسة عليها وهي مقبولة مطلقا بل ربما نقول إنّ الشهادة على الشهادة أوثق نوعا ما من الكتابة لأنّ الشهادة يشهد بها مكلف عاقل يستحضر بينما الكتابة قد يعتريها ما يعتري الكتابات من الخطأ والسهو والنسيان وعلى كل حال هي مقيسة عليها فهي مقبولة في كل شيء.
قال - رحمه الله - (ولا يحكم بها إلاّ أن تتعذر شهادة الأصل)
يشترط لقبول الشهادة على الشهادة أن تتعذر شهادة الأصل فإن لم تتعذر شهادة الأصل فشهادة الفرع باطلة واستدلوا على هذا بأنّ شهادة الفرع يعتريها احتمالان: احتمال الخطأ من شاهد الأصل , واحتمال الخطأ من شاهد الفرع وإذا اعتراها احتمالان صارت لا تقبل إلاّ عند الحاجة.
والقول الثاني: أنّ الشهادة عل الشهادة مقبولة مطلقا تعذر أو لم يتعذر واستدلوا على هذا بالقياس على حال التعذر قالوا فإذا كنتم تقبلون حال التعذر فاقبلوها بلا تعذر وعلقنا مرارا على الاستدلال بمثل هذا أنه استدلال بمحل النزاع وأنه استدلال خطأ في الحقيقة من وجهة نظري كيف تستدل بمحل النزاع نحن ننازعك أنّ غير محل الحاجة لا يستوي مع محل الحاجة وأنت تقول أقيس محل غير الحاجة على محل الحاجة وهذا فيه إخلال بالمنطق الفقهي والراجح إن شاء الله أنها لا تقبل إلاّ عند الحاجة. ثم بيّن الحاجة لما فصلها.
قال - رحمه الله - (إلاّ أن تتعذر شهادة الأصل بموت , أو مرض , أو غيبة مسافة قصر)
ذكر المؤلف ثلاث مسائل: الموت والمرض والغيبة.


أما الموت فهو محل إجماع فيجوز بالإجماع الشهادة إذا تعذرت شهادة الأصل بناء على أنه مات أو لموته فهذا لا إشكال فيه.
الثاني: المرض ومسافة القصر فالجماهير ذهبوا إلى أنها عذر لأنّ المرض ومسافة القصر توجب العذر وتمنع مجيء شاهد الأصل والله تعالى {ولا يضار كاتب ولا شهيد} [البقرة/282] وإلزام المريض ومن يسافر مسافة قصر بالمجيء مضارة بلا إشكال ومن هنا علمنا أنه إذا كان في مسافة دون القصر فإنّ الحنابلة لا يصححون الشهادة على الشهادة لعدم وجود العذر وعلمنا من البحث السابق أنّ الضابط في مشروعية الشهادة على الشهادة هو تعذر مجيء شاهد الأصل لأيّ سبب مرض أو سفر أو كونه يمرض غيره او اشتغل بأمر عاجل يفوت بذهابه إلى المحكمة أو مثل ما يحصل الآن كثيرا أن يكون في وقت امتحانات ما يستطيع يذهب لأنه مشغول بالامتحانات سواء كان في مراحل دنيا أو في مراحل عليا. هذا في الحقيقة عذر لأنه لو ذهب لذهب عليه الأمر أو يكون مشغول بأداء الامتحان ونحن نعلم أنّ كثير من الناس يؤجل أداء الشهادة في أيام الامتحانات لأنه مشغول بالاختبار بل هو يؤجل عمله إذا توجد ملابسات كثيرة تمنع من أداء الأصل للشهادة فإذا وجدت ملابسات صحيحة جاز له أن ينيب عنه آخر.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلاّ أن يسترعيه شاهد الأصل فيقول اشهد على شهادتي بكذا)
من شروط صحة الشهادة على الشهادة الاسترعاء وقد بيّن المؤلف - رحمه الله - ما هو معنى الاسترعاء فيقول أن يقول اشهد على شهادتي بكذا فلا بد أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع اشهد أني اشهد أنّ فلان باع فلان كذا وكذا فإن كان شاهد الأصل يتكلم مع زميل له ويقول أنّ فلان باع على فلان ولم يوجه الكلام إلى شاهد الفرع فإنّ الشهادة لا تصح واستدلوا بأمرين:
الأمر الأول: أنه إذا لم يسترعيه ويوجه الخطاب إليه وقع الاحتمال أنه يتكلم بشيء دقيق أو يتكلم بأمر عام ووقع الاحتمال أنه يتكلم عن علم أو عن سماع.
الثاني: أنّ الشهادة على الشهادة هي نيابة ويشترط في النيابة إذن المنيب. والمنيب الآن لم يشهد ولم يأذن


القول الثاني: أنه لا يشترط الاسترعاء بل لو سمع شاهد الفرع شاهد الأصل يتكلم عن عقد من العقود أو عن شيء يشهد به فله أن يشهد واستدلوا على هذا بشهادة المستخفي فإنّ الحنابلة يصححون شهادة المستخفي وشهادة المستخفي هي أن يوجد رجل يقّر في السر ويرفض في العلانية فلصاحب الحق أن يشهد عليه سرا واستخفاء إذا أقرّ في مجالسه الخاصة وهي شهادة صحيحة فقاسوا هذه على هذه
ويبدوا لي أنّ الراجح أنه لابد من الاسترعاء لأنّ الاحتمال الذي أشار إليه الحنابلة موجود وفي شهادة الاستخفاء لا يوجد احتمال لأنّ نفترض أنّ هذا الرجل يقّر في السر ويرفض في العلانية فنحن نشهد عليه في السر لنتمكن من الشهادة عليه في العلانية أما أن يسمع رجل يتكلم مع صاحبه بشيء ثم يقول اشهد كثير من الناس إذا كان يتكلم مع غيره لا في سياق الشهادة يتوسع في العبارة وربما أثبت أشياء لو حقق معه فيها لم يثبتها وهذا كثير بل أنت الآن إذا تكلمت مع أحد الناس وقال لك معلومة لو تتثبت منه وتحاصره وجدت أنها غير دقيقة أليس كذلك؟ فالناس يتوسعون في الكلام أنا أقول مذهب الحنابلة في مثل هذا أنه يجب أن يسترعيه وأن يقول اشهد أني أشهد أنّ فلان باع على فلان وإلاّ فإنه لا يجوز له أن يشهد.
قال - رحمه الله - (أو يسمعه يقّر بها عند الحاكم أو يعزوها إلى سبب , من قرض , أو بيع , أو نحوه)


لما ذكر اشتراط الاسترعاء ذكر ما يستثنى منه وما يستثنى هو في صورتين. أن يسمعه يقّر أو يشهد عند الحاكم أو أن يسمعه ينسب الحكم إلى سببه أو الحق إلى سببه. ففي هاتين الصورتين لا يشترط حتى الحنابلة الاسترعاء وجه عدم اشتراطهم هو أنّ الاحتمال انتفى في هذه الصورة أما في مجلس القضاء فهو لن يتكلم إلاّ بما علم وأما إذا ذكر السبب فعلم أنه ضابط وأنه يعزو الأمر إلى سببه. هكذا قال الحنابلة وكلامهم وجيه فيما إذا سمعه في مجلس الحكم وليس بوجيه فيما إذا سمعه بدون استرعاء ولو مع إضافة الحكم إلى سببه لأنّ كثير من الناس أيضا يضيف الحكم إلى السبب فيقول أنّ فلان يطلب فلان لأنه اشترى منه من غير أن يتثبت ففي الحقيقة في باب القضاء ينبغي على الشاهد أن يتثبت ولا يشهد بمجرد أنه سمع فلان يقول أنّ فلان قال باع عليه بإمكان القاضي أن يتجاوز هذه المسألة وأن يطلب من الشاهد أن يتكلم بحسب ما سمع وأن لا يشهد وأن لا يقول أشهد أنّ فلان باع على فلان وإنما يقول ماذا سمعت فلان يتحدث مع فلان ويقول كذا وكذا بهذه الطريقة خرج من أن يكون شاهد شهادة أصلية وفي نفس الوقت نقل ما سمع ليتثبت منه القاضي.
قال - رحمه الله - (وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض)
ولا تأخذ العين من المحكوم له السبب في هذا أنه بعد صدور الحكم أصبحت العين المحكوم بها من أملاك المحكوم له وإذا كانت من أملاكه فإنها لا تخرج بمجرد الدعوى بل تحتاج لأحد أمرين: إما بيّنة أو إقرار. والرجوع عن الشهادة ليس بإقرار ولا بيّنة. ولهذا لا يملك أن يأمر أو ان يطلب بنزع العين من صاحبها بعد صدور الحكم ولو رجع وأكذب نفسه.


والقول الثاني: أنه إذا أكذب نفسه فإنّ الحاكم ينزع العين من المعاطاة إليه ويعطيها صاحب الحق واستدل هؤلاء بأنّ العين إنما أعطيت لصاحبها بناء على الشهادة فإذا بطلت الشهادة يبطل ما بني عليها وهو دفع العين إلى المشهود له. ولما يتبيّن أيهما الراجح ولعله يرجع إلى القاضي يعني في تحديد مثل هذه الأمور لأنه في الحقيقة أحيانا تجزم في بعض الصور بنزع العين وأحيانا تجزم بعدم نزع العين من صور الجزم بعدم نزع العين أنه يوجد كثير بعد صدور الحكم تلمس أنه مورست ضغوط على الشاهد وهذا يعرفه القاضي ويسمع من الناس أنها مورست ضغوط على الشاهد وطولب منه الرجوع مرارا وتكرارا وضغط عليه ثم بناء على هذا الضغط يرجع إلى القاضي وينقض شهادته فمثل هذه الصورة تجزم أنه لا تنزع العين. صورة أخرى إذا رجع شاهد فيه أمارات العدل وبيّن لك لماذا رجع أنه كان واهما وأنه ظنّ أنّ القضية وقعت على الصفة الفلانية وهي لم تقع فمثل هذه الصورة تجزم بالرجوع وأنّ القضية كانت خطأ فالحكم العام في مثل هذه المسألة لا يظهر لي أنه دقيق.
قال - رحمه الله - (ويلزمهم الضمان دون من زكاهم)
يعني الشهود مع كونهم لا يقبل رجوعهم إلاّ أنه مع ذلك يلزمهم ضمان المال للمشهود عليه وجه ذلك أنّ شهادتهم صارت سببا في نزع العين بغير حق فصار الضمان عليهم.
والقول الثاني: أنهم لا يضمنون شيئا لأنه ليس منهم مباشرة للإتلاف وليست لهم يد متعدية والراجح إن شاء الله أنهم يضمنون لأنّ خسارة المشهود عليه لا شك أنها بسببهم.
ثم - قال رحمه الله - (دون من زكاهم)
من زكاهم لا يضمن لأنّ من زكاهم إنما زكاهم بحسب الظاهر وأما الباطن فعلمه إلى الله ولا يملك المزكي ولا غير المزكي أن يعرف حقيقة باطن الشاهد ولهذا فهو يعفى عنه ولا يلزم بشيء وإنما الذي يضمن هم الشهود.


مسألة / كل هذا في إذا رجع الشاهد أما إذا رجع المزكي فإنه يضمن إذا كان متعديا قاصدا ولا يضمن إذا أخطأ بلا قصد ولا تعدي إذا عرفنا الآن الحكم إذا رجع الشهود وكذلك إذا رجع المزكي يجب أن لا تخلط بين رجوع الشهود والكلام عن ضمان المزكي وبين رجوع المزكي والضمان المفترض عليه إذا كان منه تعدي أو تفريط. طيب إذا رجع المزكي ولم يرجع الشهود؟ قال أنا زكيت هؤلاء وهم ليسوا بعدول ويعرف عنهم الكذب؟ وقال الشاهد بل أنا صادق فيما قلت ولم يرجع من يضمن؟ مسألتنا هذه اللي أنا قلتها الأخيرة
مفروضة في أي صورة؟ إذا رجع المزكي هي نفس مسألتنا نحن تكلمنا عن رجوع المزكي دون الشهود فإذا رجع المزكي دون الشهود فالشهود على وضعهم وهم يزعمون أنهم صدقوا فيما قالوا ويضمن المزكي.
قال - رحمه الله - (وإن حكم بشاهد يمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله)
إذا حكم بشاهد ويمين ورجع الشاهد فإنه يغرم المال كله هذا من مفردات الحنابلة واستدلوا على هذا بأنه اعتمد في الحكم في الحقيقة على الشاهد وقوته اليمين فالاعتماد الأصلي على الشاهد ولهذا ضمنوه جميع المال.
والقول الثاني: أنّ الشاهد يضمن النصف فقط لأنّ الشاهد أحد شقي الحجة فلا يضمن الكل والراجح قول الجمهور والمذهب فيه ضعف وليس بصحيح أنّ العمدة على الشاهد بل القاضي لم يحكم إلاّ بالشاهد واليمين بدليل أنه لو نكل عن اليمين لم يحكم له فقولهم فيه ضعف.

باب اليمين في الدعاوى
قوله - رحمه الله - (لا يستحلف في العبادات)
يعني لا يستحلف في كل ما هو عبادة ولو كانت تستلزم حقا للعباد مثل الزكاة وكفارة اليمين فإذا زعم الساعي أنّ النصاب كامل والحول قد حال وزعم رب المال أنّ النصاب ناقص والحول لم يحول فالقول قول المالك بلا يمين ولو ادعى شخص على شخص أنّ عليه كفارة يمين أو كفارة ظهار أو كفارة قتل خطأ وأنكر المدعى عليه فالقول قوله بلا يمين.
القول الثاني: أنه يشترط مع إنكاره اليمين فيما يلزم فيه حقوق للآدمي مثل الزكاة وكفارة اليمين لأنّ كفارة اليمين تصرف في الفقراء


وكذلك سائر الكفارات والراجح إن شاء الله المذهب لأنّ العبادات المنظور فيها للعبادة لا لنفع الآدميين وإن كان من الحكم نفع الآدميين لكن الأصل فيها العبادة بدليل أنها لا تصح بلا نية فالأقرب إن شاء الله أنه لا يلزم باليمين.
ثم - قال رحمه الله - (ولا في حدود الله)
لا تطلب اليمين في حدود الله لأنّ مبناها على الستر ولأنّ المقر بالحدود لو رجع لقبل إقراره فكيف نلزمه باليمين ولو رجع عن الإقرار لقبل رجوعه وهذا هو الراجح إن شاء الله لا يقال للإنسان في الحدود احلف أنك لم تفعل كذا أو احلف أنك كذا لأنه الشارع يتشوف
إلى أصلا الستر عليه ودرأ الحد.
قال - رحمه الله - (ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي)
لما بيّن المسائل التي لا استحلاف فيها انتقل إلى المسائل التي فيها استحلاف. يقول ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي يقصد مما يطلب فيه المال أو ما يقصد به المال لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو يعطى الناس بدعواهم لا ادعى أناس أموال قوم ودمائهم. ولكن اليمين على المدعى عليه. فهذا النص صريح في أنه في حقوق الآدميين المالية تتوجه اليمين.
ثم - قال رحمه الله - (إلاّ النكاح , والطلاق , والرجعة , والإيلاء , وأصل الرق والولاء والإستيلاد والنسب والقود والقذف)
هذه المسائل يجمعها ضابط واحد [وهي أنّ اليمين في حقوق الآدميين لا تقبل فيما يشترط له شاهدان] فكل ما يشترط له شاهدان لا يقبل فيها اليمين هكذا قرر الحنابلة ودليلهم واضح القياس على الحدود.
والقول الثاني: أنّ اليمين تشرع حتى في النكاح والطلاق إلى آخره , ويستحلف وإلى هذا ذهب الشيخ العلامة ابن قدامة واستدلوا بعموم الحديث فإنّ الحديث لم يفرق بين المال وما يقصد به المال وغيره من العقود , وإذا كنا نرجح الاكتفاء بشهادة رجل وامرأتين كذلك يتوجه هنا أن يستحلف حتى في العقود الأخرى كالنكاح والطلاق وغيره.
قال - رحمه الله - (واليمين المشروعة: اليمين بالله)


يعني اليمين المشروعة الواجبة هي أن يقول والله ولا يجب عليه أن يغلظ فيقول والله الذي لا إله إلاّ هو واستدلوا على هذا بأنّ اليمين عند الإطلاق تنصرف إلى القسم بالله بناء عليه لا يستطيع القاضي أن يجبر المدعي على أن يقسم , أن يجبر من توجهت إليه اليمين على أن يغلظ لا باللفظ ولا بالمكان وسيشير المؤلف إليه.
قال - رحمه الله - (ولا تغلظ إلاّ فيما له خطر)
مقصود المؤلف أنه يشرع ويجوز أن يطلب القاضي بالتغليظ في اليمين لكنها لا تلزم المدعي فلو نكل عن اليمين المغلظة إلاّ اليمين بالله فقط فهو جائز واستدلوا على هذا بأنّ الواجب هو اليمين بالله فلا يطالب بأكثر من الواجب والله تعالى يقول {فيقسمان بالله لشهادتنا} [المائدة/106] والآية تكاد تكون نص بالقسم بالله
والقول الثاني: أنّ التغليظ مستحب فقط عند الحاجة.
والقول الثالث: أنّ التغليظ إذا رآه الإمام فهو واجب فإن نكل عن التغليظ قضي عليه وهذا القول اختاره العلامة المرداوي واختاره شيخ الإسلام وغيرهم من محققي الحنابلة. وهذا القول الأخير لا شك في رجحانه لأنّ نكول المدعي عن تغليظ اليمين لا يظهر له سبب إلاّ أنه مبطل والإنسان قد يجترأ على اليمين المجردة ولا يجترأ على اليمين المغلظة فنكوله عنها دليل على أنه مبطل ولا يقال لعله نكل عنها لتدينه كما فعل ابن عمر - رضي الله عنه - لماذا؟ لأنّ الدين يمنع عن اليمين المجردة واليمين المغلظة ولو منعه دينه عن اليمين المغلظ لمنعه عن اليمين المجردة ولهذا نقول إن شاء الله لا شك أنّ هذا هو الراجح.