اختلاف
الأئمة العلماء بَاب شُرُوط صِحَة الصَّلَاة
أَجمعُوا على أَن طَهَارَة موقف الصَّلَاة من الْوَاجِبَات وَأَن ذَلِك
شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة.
وَأَجْمعُوا على أَن شَرط صِحَة الصَّلَاة ستر الْعَوْرَة عَن الْعُيُون
وَأَنه وَاجِب إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ: هَذَا وَاجِب وَلَيْسَ هُوَ
بِشَرْط فِي صِحَّتهَا إِلَّا أَنه يتَأَكَّد بهَا وَمن أَصْحَابه من
قَالَ: هُوَ بِشَرْط مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة.
وَأَجْمعُوا على أَن طَهَارَة ثوب الْمُصَلِّي شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة.
وَأَجْمعُوا على أَن الطَّهَارَة من الْحَدث شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة.
(1/96)
وَأَجْمعُوا على أَن طَهَارَة الْبدن عَن
النَّجس شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة للقادر عَلَيْهَا.
وَأَجْمعُوا على أَن الْعلم بِدُخُول الْوَقْت أَو غَلَبَة الظَّن على
دُخُوله شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة إِلَّا مَالِكًا، فَإِن الشَّرْط فِي
صِحَة الصَّلَاة عِنْده الْعلم بِدُخُول الْوَقْت، وَأما غَلَبَة الظَّن
فَلَا.
وَأَجْمعُوا على أَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة
لقَوْله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} إِلَّا من عذر،
وَهُوَ فِي حالتين، حَالَة الْمُسَابقَة، وَشدَّة الْخَوْف، والنافلة فِي
السّفر الطَّوِيل على الرَّاحِلَة للضَّرُورَة مَعَ كَونه مَأْمُورا حَال
التَّوَجُّه وتكبيره الْإِحْرَام أَن يستقبلها مَا اسْتَطَاعَ، فَإِن كَانَ
الْمُصَلِّي بحضرتها فَيتَوَجَّه إِلَى عينهَا وَإِن كَانَ قَرِيبا مِنْهَا
فباليقين، وَإِذا كَانَ غَائِبا فالاجتهاد أَو التَّقْلِيد أَو الْخَبَر
مِمَّن كَانَ من أَهله.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز للمقيم فِي بلد الصَّلَاة إِلَى غير
الْقبْلَة لَا رَاكِبًا وَلَا مَاشِيا.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة فأجتهد فَأصَاب أَنه
لَا إِعَادَة عَلَيْهِ.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا صلى إِلَى الْقبْلَة بِاجْتِهَاد، ثمَّ بِأَن
أَنه أَخطَأ فَإِنَّهُ لَا
(1/97)
إِعَادَة إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي
الْجَدِيد: يُعِيد.
وَقَالَ مَالك: إِذا استبان أَنه كَانَ منحرفا عَنْهَا لم يعد وَإِن استبان
أَنه كَانَ مستدبرها فَعَنْهُ فِي الْإِعَادَة رِوَايَتَانِ.
وَأَجْمعُوا على جَوَاز التنقل على الرَّاحِلَة وصلوات السّنَن الرَّاتِبَة
عَلَيْهَا حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ فِي السّفر الطَّوِيل ثمَّ اخْتلفُوا فِي
السّفر الْقصير.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز.
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز إِلَّا فِي السّفر الطَّوِيل.
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى
يجوز خَارج الْمصر، وَإِن لم ( ... ... . .) .
وَاخْتلفُوا هَل تجوز صَلَاة الْفَرِيضَة على الرَّاحِلَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز ذَلِك فِي أَوْقَات الْأَعْذَار كالمطر والثلج
وَالْمَرَض وَحَال الْمُسَابقَة وَطلب الْعَدو، شَرط أَن تقف الدَّابَّة
إِلَى الْفَرَاغ من الصَّلَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز أَن يُصَلِّي الْفَرِيضَة فِي هَذِه
الْأَحْوَال كلهَا إِلَّا على الأَرْض إِلَّا إِذا أَشْتَدّ الْخَوْف فِي
حَالَة الْمُسَابقَة.
(1/98)
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فَروِيَ
عَنهُ أَنه لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَة على ظهر الدَّابَّة إِلَّا فِي حالتي
الْمُسَابقَة وَطلب الْعَدو وَفِي غير هَاتين الْحَالَتَيْنِ يُصَلِّي على
الأَرْض.
ويروي عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه يجوز ذَلِك للْمَرِيض.
وَعنهُ أَنه لَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد عَنهُ أَنه يجوز
أَن يُصَلِّي أَيْضا على الرَّاحِلَة لقذر الطين والمطر والثلج.
وَقَالَ مَالك: لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَة إِلَّا بِالْأَرْضِ إِلَّا أَن
يكون مُسَافِرًا أَو يخَاف إِن نزل الِانْقِطَاع عَن رفقته وَفِي حَالَة
الْمُسَابقَة فَإِنَّهُ يجوز لَهُ قَضَاء الصَّلَاة على الرَّاحِلَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الصَّلَاة النَّفْل فِي الْكَعْبَة تصح.
وَاخْتلفُوا فِي صَلَاة الْفَرِيضَة فِي جَوف الْكَعْبَة أَو على ظهرهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ بَين يَدي الْمُصَلِّي شَيْء من سمتها
جَازَ.
(1/99)
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح الصَّلَاة
على ظهرهَا إِلَّا أَن ستْرَة مَبْنِيَّة بحصى أَو طين، فَأَما إِن كَانَ
لَبَنًا أَو أجرا مَنْصُوبًا بعضه فَوق بعض لم يجز، وَإِن نصب خَشَبَة فعلى
وَجْهَيْن عِنْد أَصْحَابه وَإِن صلى فِي جوفها مُقَابلا للباب لم يجز
إِلَّا أَن يكون بَين يَدَيْهِ عتبَة شاخصة مُتَّصِلَة بِالْبِنَاءِ.
وَقَالَ أَحْمد: لَا تجوز بِحَال لَا على ظهرهَا وَلَا فِي جوفها.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورَة مِنْهُمَا كمذهب أَحْمد وَهُوَ
أَنه لَا تصح بِحَال وَهِي رِوَايَة أصبغ، قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَهُوَ
الْمَشْهُور عِنْد الْمُحَقِّقين من أَئِمَّة مَذْهَبنَا، وَالرِّوَايَة
الْأُخْرَى أَنَّهَا تُجزئ مَعَ الْكَرَاهَة.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، أَو فِي الثَّوْب
الْمَغْصُوب، فَقَالُوا مَعَ إِصَابَته.
وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور: لَا تصح صلَاته.
وَاخْتلفُوا فِي حد عَورَة الرجل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: هِيَ مَا بَين السُّرَّة والركبتين.
(1/100)
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة
الْأُخْرَى: هِيَ الْقبل والدبر، وَهِي رِوَايَة عَن مَالك.
وَاتَّفَقُوا على أَن السُّرَّة من الرجل لَيست عَورَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الرُّكْبَتَيْنِ من الرجل هَل هِيَ عَورَة أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَيست من الْعَوْرَة؟
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: أَنَّهَا عَورَة؟
وَاخْتلفُوا فِي عَورَة الْمَرْأَة الْحرَّة وَحدهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: كلهَا عَورَة إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ
والقدمين.
وَقد رُوِيَ عَنهُ أَن قدميها عَورَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: كلهَا عَورَة إِلَّا وَجههَا وكفيها.
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: كلهَا عَورَة إِلَّا وَجههَا وكفيها
كمذهبهما، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي عَورَة الْأمة؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ كعورة الرجل. قَالَ الشَّيْخ أَبُو
إِسْحَاق: وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب، وَقيل: جَمِيعهَا عَورَة إِلَّا
مَوَاضِع التقليب مِنْهَا وَهِي الرَّأْس والساعد وَالسَّارِق. وَقَالَ
عَليّ بن أبي هُرَيْرَة: عورتها كعورة الْحرَّة.
وَعَن أَحْمد فِيهَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهبه فِي عَورَة الرجل أَن
عورتها مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَالْأُخْرَى: الْقبل والدبر وَهِي
رِوَايَة عَن مَالك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَورَة الْأمة كعورة الرجل إِلَّا أَنه زَاد
فَقَالَ: جَمِيع بَطنهَا وظهرها عَورَة.
(1/101)
وَاخْتلفُوا فِي عَورَة أم الْوَلَد
وَالْمُعتق بَعْضهَا والمدبرة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ كالأمة.
وَقَالَ مَالك: أم الْوَلَد وَالْمُكَاتبَة كَالْحرَّةِ، وَأما الْمُدبرَة
وَالْمُعتق بَعْضهَا فكالأمة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: كعورة الرجل وَهُوَ الظَّاهِر من الْمَذْهَب كَمَا
قدمنَا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا أَن عَورَة كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ
كعورة الْحرَّة وَالْأُخْرَى كعورة الْإِمَاء.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا انكشفت من الْعَوْرَة بَعْضهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ من الْعَوْرَة الْمُغَلَّظَة قدر
الدِّرْهَم فَمَا دونه لم تبطل الصَّلَاة، وَإِن كَانَ أَكثر من الدِّرْهَم
بطلت الصَّلَاة، وَأما الْفَخْذ فَإِذا انْكَشَفَ مِنْهُ أقل من الرّبع لم
تبطل الصَّلَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تبطل الصَّلَاة باليسير من ذَلِك وَالْكثير.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ يَسِيرا لَا تبطل الصَّلَاة، وَإِن كَانَ كثيرا
بطلت، وَيفرق بَينهمَا بِمَا يعد فِي الْغَالِب يَسِيرا.
وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ ذكرا قَادِرًا وَصلى مَكْشُوف الْعَوْرَة بطلت
صلَاته فِي الْمَشْهُور من مَذْهَبهم.
(1/102)
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجب على
الْمُصَلِّي ستر الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاة وَسَوَاء كَانَت صلَاته
فرضا أَو نفلا إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أوجبه فِي الْفَرْض وَعنهُ فِي
النَّقْل رِوَايَتَانِ.
بَاب شُرُوط الصَّلَاة
وَأَجْمعُوا على أَن للصَّلَاة شَرَائِط وَهِي الَّتِي تتقدمها وَأَنَّهَا
أَربع وَهِي: الْوضُوء بِالْمَاءِ أَو التَّيَمُّم عِنْد عَدمه،
وَالْوُقُوف على بقْعَة طَاهِرَة، واستقبال الْقبْلَة مَعَ الْقُدْرَة
وَالْعلم بِدُخُول الْوَقْت.
ثمَّ اخْتلفُوا بعد اتِّفَاقهم على هَذِه الْجُمْلَة وَأَنه لَا تصح
الصَّلَاة إِلَّا بهَا فِي ستر الْعَوْرَة بِالثَّوْبِ الطَّاهِر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن ذَلِك لَاحق بالشرائط
الْأَرْبَع وَأَنه لَهُم.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَمنهمْ من يَقُول:
إِنَّه من شَرط صِحَّتهَا مَعَ الذّكر وَالْقُدْرَة لمن قدر عَلَيْهِ،
وَذكر وتعمد الصَّلَاة مَكْشُوف الْعَوْرَة، فَإِن صلَاته بَاطِلَة.
وَمِنْهُم من يَقُول: أَن ستر الْعَوْرَة فرض وَاجِب فِي نَفسه إِلَّا أَنه
لَيْسَ من شَرط صِحَة الصَّلَاة، وَلكنه يتَأَكَّد بهَا فَإِذا صلى
مَكْشُوف الْعَوْرَة عَامِدًا، كَانَ عَاصِيا آثِما إِلَّا أَن الْفَرْض قد
سقط عَنهُ، وَالَّذِي اخْتَارَهُ عبد الْوَهَّاب فِي التَّلْقِين أَنه لَا
تصح الصَّلَاة مَعَ كشف الْعَوْرَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز الصَّلَاة وصحتها بِغَلَبَة الظَّن على دُخُول
الْوَقْت.
(1/103)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد: تصح الصَّلَاة بذلك.
وَقَالَ مَالك: لَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بِالدُّخُولِ فِيهَا مَعَ
الْيَقِين بِدُخُول وَقتهَا.
بَاب فَرَائض الصَّلَاة
وَأَجْمعُوا على أَن فروض الصَّلَاة سَبْعَة وَهِي: النِّيَّة للصَّلَاة،
وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَالْقِيَام لَهَا مَعَ الِاسْتِطَاعَة،
وَالْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ للْإِمَام وَالْمُنْفَرد، وَالرُّكُوع،
وَالسُّجُود، وَالْجُلُوس آخر الصَّلَاة بِمِقْدَار إِيقَاع السَّلَام.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا عدا ذَلِك على مَا سَيَأْتِي ذكره فَهَذِهِ هِيَ
الشَّرَائِط والأركان وَتسَمى الْفُرُوض الْمُتَّصِلَة بِالصَّلَاةِ
والمنفصلة عَنْهَا، الَّتِي وَقع إِجْمَاع الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة
عَلَيْهَا، فَأَما مَا عَداهَا من الْأَذْكَار وَالْأَفْعَال مِمَّا
اخْتلفُوا فِيهِ عِنْدهم على مَا سَيَأْتِي بَيَانه على التَّفْصِيل مَعَ
ذكر هَذِه الَّتِي ذَكرنَاهَا جملَة إِن شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى.
فَمن ذَلِك أَنهم اتَّفقُوا كَمَا ذكرنَا على أَن الْقيام فِي الصَّلَاة
الْمَفْرُوضَة، فرض على المطيق لَهُ وَأَنه مَتى أخل بِهِ مَعَ الْقُدْرَة
عَلَيْهِ لم تصح صلَاته.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُصَلِّي فِي السَّفِينَة.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز ترك الْقيام فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِشَرْط أَن تكون سائرة.
(1/104)
وَأَجْمعُوا على أَن النِّيَّة للصَّلَاة
فرض كَمَا قدمنَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي النِّيَّة: هَل يجوز تَقْدِيمهَا على التَّكْبِير أَو
تكون مُقَارنَة لَهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز تَقْدِيم النِّيَّة للصَّلَاة بعد
دُخُول الْوَقْت، وَقبل التَّكْبِير مَا لم يقطعهَا بِعَمَل وَإِن ( ... .
.) النِّيَّة حَال التَّكْبِير.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجب أَن تكون مُقَارنَة للتكبير.
وَصفَة النِّيَّة أَن يَنْوِي الصَّلَاة ليفرق بَين الصَّلَاة وَغَيرهَا من
الْأَعْمَال، وَأَن يَنْوِي الْفَرِيضَة لتتميز عَن النَّوَافِل، وَأَن
يَنْوِي الظّهْر أَو الْعَصْر لتتميز عَن الْبَاقِي.
وَأما نِيَّة الْأَدَاء فَإِن مَذْهَب الشَّافِعِي وَإِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد أَنه لَا يشْتَرط ذَلِك مَعَ اسْتِحْبَاب
ذكره.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: يجب ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مَعَ فروض الصَّلَاة كَمَا
ذكرنَا وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَنه لَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بنطق،
وَأَنه لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرّد النِّيَّة بِالْقَلْبِ من غير نطق
بِالتَّكْبِيرِ.
وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن هَذَا الْإِحْرَام يَنْعَتهُ بقول
الْمُصَلِّي: اللَّهِ أكبر.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا عداهُ من أَلْفَاظ التفضلة هَل يقوم مقَامه أَو
مقَام التَّكْبِير؟
(1/105)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَنْعَتهُ بِكُل لفظ
يَقْتَضِي التَّعْظِيم والتفخيم كالعظيم والجليل، وَلَو قَالَ: اللَّهِ
وَلم يزدْ عَلَيْهِ انْعَقَد تكبيره.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَنْعَتهُ بقول: اللَّهِ أكبر، وَالله أكبر.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يَنْعَتهُ إِلَّا بقوله: اللَّهِ أكبر حسب.
وَأَجْمعُوا على أَن رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام سنة،
إِذا أَرَادَ الشُّرُوع من كبر جَازَ ( ... ... . .) بإبهاميه شحمتي
أُذُنَيْهِ.
وَأَنه لَيْسَ بِوَاجِب.
وَاخْتلفُوا فِي حَده، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِلَى أَن يُحَاذِي بِرَفْع
يَدَيْهِ حَتَّى يمس شحمتي أُذُنَيْهِ بإبهامه.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِلَى حَذْو مَنْكِبَيْه.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات أشهرها عَنهُ: إِلَى حَذْو الْمَنْكِبَيْنِ،
وَالثَّانيَِة إِلَى أُذُنَيْهِ، واختارها عبد الْعَزِيز، وَالثَّالِثَة
هُوَ مُخَيّر فِي أَيهمَا شَاءَ وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَات الرُّكُوع وَعند
الرّفْع مِنْهُ.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ سنة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يرفع وَلَيْسَ سنة.
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة.
(1/106)
وَأَجْمعُوا على أَنه ثَبت وضع الْيَمين
على الشمَال فِي الصَّلَاة.
إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يثبت
بل هُوَ مُبَاح، وَالْأُخْرَى عَنهُ هُوَ كمذهب الْجَمَاعَة.
وَاخْتلفُوا فِي مَحل وضع الْيَمين على الشمَال.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضعهما تَحت السُّرَّة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يضعهما تَحت صَدره وَفَوق سرته.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات أشهرها كمذهب أبي حنيفَة وَهِي الَّتِي
اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالثَّانيَِة كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ.
وَالثَّالِثَة التَّخْيِير بَينهمَا وأنهما فِي الْفَضِيلَة سَوَاء.
وَأَجْمعُوا على أَن دُعَاء الاستفتاح فِي الصَّلَاة مسنون.
إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِسنة.
وَصفته عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد أَن يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك كَمَا روى
أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعَائِشَة رَضِي اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمَا.
(1/107)
وَصفته عِنْد الشَّافِعِي: وجهت وَجْهي
للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من
الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين، لَا شريك
لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين.
كَمَا فِي التَّنْزِيل كَمَا مر، وَرَوَاهُ عَليّ عَنهُ عَلَيْهِ
السَّلَام.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الْمُنْتَخب أَن يجمع بَينهمَا.
قَالَ الوزيري أيده اللَّهِ: وَهُوَ اخْتِيَاري.
وَاتَّفَقُوا مَا عدا مَالك على أَن الاستفتاح بِكُل وَاحِد من هَذِه
جَائِز مُعْتَد بِهِ.
وَقَالَ مَالك: يسْتَحبّ للْمُصَلِّي أَن يدعوا بهما أَمَام التَّكْبِير،
وَأما إِذا كبر فَإِنَّهُ يحل الْقِرَاءَة بِالتَّكْبِيرِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّعَوُّذ فِي الصَّلَاة على الْإِطْلَاق قبل
الْقِرَاءَة سنة، إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يتَعَوَّذ فِي
الْمَكْتُوبَة.
وَاخْتلفُوا فِي قِرَاءَة: بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم بعد
التَّعَوُّذ فَقَالَ أَبُو حنيفَة
(1/108)
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَقْرَأها.
وَقَالَ مَالك: لَا يَقْرَأها فِي الْفَرْض وَهُوَ مُخَيّر فِي النَّفْل.
وَاخْتلفُوا هَل يقرأوها جَهرا أَو سرا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسرها.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجهرها.
وَاخْتلفُوا هَل يقرأوها فِي كل رَكْعَة ويكررها عِنْد ابْتِدَاء كل سُورَة
أم لَا؟
قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقرأوها فِي كل رَكْعَة ويكررها عِنْد ابْتِدَاء
كل سُورَة.
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يَقْرَأها فِي الأولى حسب
وَالْأُخْرَى يقرأوها فِي كل رَكْعَة لَكِن لَا يجز تكرارها عِنْد كل
سُورَة.
وَاخْتلفُوا هَل الْبَسْمَلَة آيَة من فَاتِحَة الْكتاب أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: أَنَّهَا لَيست بِآيَة مِنْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: هِيَ آيَة
مِنْهَا.
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عِنْد أَحْمد لَيست آيَة مِنْهَا لَكِنَّهَا
آيَة مُفْردَة، قَالَ الوزيري أيده اللَّهِ: يَعْنِي أَنَّهَا كَلَام
اللَّهِ أنزلت للفضل بَين السُّور.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيست بِآيَة من الْفَاتِحَة وَلَا من كل
سُورَة، بل هِيَ
(1/109)
بعض آيَة من سُورَة النَّمْل.
وَاخْتلفُوا هَل يسن الْجَهْر بِبسْم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسن.
وَقَالَ مَالك: لَا يسن ذكرهَا وَلَا يسْتَحبّ، فَإِن قَرَأَهَا لم يجْهر
بهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يسن.
وَاتَّفَقُوا على فرض الْقِرَاءَة على كل مصلي إِذا كَانَ إِمَامًا أَو
مُنْفَردا فِي رَكْعَتي الْفجْر، وَفِي رَكْعَتَيْنِ من الرباعيات
والثلاثية كَمَا قدمنَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا عدا ذَلِك.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الْقِرَاءَة وَاجِبَة على الإِمَام
وَالْمُنْفَرد فِي كل رَكْعَة من الصَّلَوَات الْخمس على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب عَلَيْهِمَا الْقِرَاءَة أَعنِي الإِمَام
وَالْمُنْفَرد إِلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ من الرباعيات، وَمن الْمغرب غير
معينتين سَوَاء كَانَتَا الأولتين أَو الْأَخِيرَتَيْنِ، إِلَّا أَن
الْأَفْضَل أَن تكَرر الْقِرَاءَة فِي الأولتين، فَأَما رَكعَتَا الْفجْر
فَتجب الْقِرَاءَة فيهمَا.
(1/110)
فَأَما مَالك فقد حكى عَنهُ ابْن الْمُنْذر
فِي الْإِشْرَاق رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا غير الْأُخْرَى، الأولى مِنْهَا
كمذهب الشَّافِعِي وَأحمد، وَالْأُخْرَى إِن ترك قِرَاءَة الْقُرْآن فِي
رَكْعَة وَاحِدَة من صلَاته فَإِنَّهُ يسْجد للسَّهْو وتجزئة صلَاته إِلَّا
الصُّبْح، فَإِنَّهُ إِن ترك الْقِرَاءَة فِي إِحْدَى ركعتيها اسْتَأْنف
الصَّلَاة.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجز الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم سَوَاء جهر
الإِمَام أَو خَافت وَلَا يسن لَهُ الْقِرَاءَة خلف الإِمَام.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم بِحَال.
قَالَ مَالك: فَإِن كَانَت الصَّلَاة مِمَّا يجْهر الإِمَام بِالْقِرَاءَةِ
فِيهَا أَو فِي بَعْضهَا كره للْمَأْمُوم أَن يقْرَأ فِي الركعتان الَّتِي
يجْهر فِيهَا الإِمَام وَلَا تبطل صلَاته سَوَاء كَانَ يسمع قِرَاءَة
الإِمَام أَو لَا يسْمعهَا.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا كَانَ الْمَأْمُوم سمع قِرَاءَة الإِمَام كره
الْقِرَاءَة لَهُ، فَإِن لم يسْمعهَا فَلَا تكره.
وَيسن للْمَأْمُوم الْقِرَاءَة فِيمَا خَافت فِيهِ الإِمَام.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب على الْمَأْمُوم الْقِرَاءَة فِيمَا أسر فِيهِ
الإِمَام وَإِن جهر فَعَنْهُ قَولَانِ، الْقَدِيم مِنْهَا كمذهب أَحْمد
والجديد مِنْهَا أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ الْقِرَاءَة.
وروى الْبُوَيْطِيّ عَنهُ أَنه كَانَ يرى الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فِيمَا
أسر بِهِ وَمَا جهر.
(1/111)
وَاخْتلفُوا فِي تعين مَا يقْرَأ بِهِ
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور من رِوَايَتَيْنِ:
تعين قِرَاءَة الْفَاتِحَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تصح بغَيْرهَا
مِمَّا تيَسّر.
وَاخْتلفُوا فِيمَن لَا تجب الْفَاتِحَة وَلَا غَيرهَا من الْقُرْآن؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يقوم بِقدر الْقِرَاءَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يسبح مِقْدَار وَقت الْقِرَاءَة.
وَاخْتلفُوا فِي التَّأْمِين بعد قِرَاءَة الْفَاتِحَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يجْهر بِهِ الْمُصَلِّي
سَوَاء كَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى يخفيه
الإِمَام.
وَقَالَ مَالك: يجْهر بِهِ الْمَأْمُوم، وَفِي الإِمَام رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجْهر بِهِ الإِمَام قولا وَاحِدًا، وَفِي
الْمَأْمُوم قَولَانِ.
وَقَالَ أَحْمد: يجْهر بِهِ الإِمَام وَالْمَأْمُوم.
وَاتَّفَقُوا على أَن قِرَاءَة سُورَة بعد الْفَاتِحَة مسنون فِي الْفجْر
والأوليين من كل ربَاعِية، وَمن الْمغرب.
(1/112)
قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى:
فَمن لم يقْرَأ بعد الْفَاتِحَة سُورَة كَامِلَة اسْتحبَّ لَهُ أَن لَا
ينقص عَن مِقْدَار أقصر سُورَة فِي الْقُرْآن وَذَلِكَ ثَلَاث آيَات.
وَاخْتلفُوا فِي قِرَاءَة السُّورَة بعد الْفَاتِحَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ
من كل ربَاعِية، والأخيرة من الْمغرب هَل يسن؟ .
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قَوْلَيْنِ:
لَا يسن، وَقَالَ فِي القَوْل الآخر: يسن.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْجَهْر فِيمَا يجْهر فِيهِ، والإخفات فِيمَا يخفت
فِيهِ سنة، أَو الإخفات فِيمَا يجْهر فِيهِ لم تبطل صلَاته إِلَّا أَنه
يكون تَارِكًا للسّنة.
إِلَّا مَا رَوَاهُ الطليطلي عَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه مَتى تعمد ذَلِك
فَالصَّلَاة فَاسِدَة، وَالْمذهب الْمَشْهُور عَن مَالك أَن الصَّلَاة
صَحِيحَة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تعمد الْجَهْر فِيمَا يُخَافت فِيهِ نَاسِيا،
ثمَّ ذكر خَافت فِيهِ فِيمَا بَقِي وَلم يعد مَا جهر فِيهِ، وَإِن خَافت
فِيمَا يجْهر فِيهِ نَاسِيا، ثمَّ ذكر أعَاد الْقِرَاءَة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا خَافت فِيمَا يجْهر فِيهِ
وَكَانَ مُنْفَردا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ إِمَامًا فَإِن كَانَ
الَّذِي خَافت فِيهِ من الْفَاتِحَة، فَإِن كَانَ الَّذِي قَرَأَهُ
الْأَكْثَر مِنْهَا وَجب عَلَيْهِ السُّجُود للسَّهْو وَإِلَّا فَلَا.
وَإِن كَانَ من غير الْفَاتِحَة فَإِن كَانَ قَرَأَ ثَلَاث آيَات قصار، أَو
آيَة طَوِيلَة فَعَلَيهِ سجدتا السَّهْو وَإِلَّا فَلَا.
(1/113)
وَاخْتلفُوا فِي الْمُنْفَرد هَل يسْتَحبّ
لَهُ الْجَهْر فِي مَوضِع الْجَهْر؟
فَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ كَالْإِمَامِ يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كَقَوْلِه، وَالْأُخْرَى لَا
يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك وَهِي الْمَشْهُور.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رفع صَوته، وَإِن شَاءَ
جهر وأسمع نَفسه، وَإِن شَاءَ خَافت والجهر لَهُ أفضل.
وَقَالَ مَالك: حكمه حكم الإِمَام فِي ذَلِك رِوَايَة وَاحِدَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الرُّكُوع وَالسُّجُود فِي الصَّلَاة فرضان كَمَا
ذكرنَا قبل.
وَاتَّفَقُوا على أَن الانحناء حَتَّى تبلغ كَفاهُ رُكْبَتَيْهِ مَشْرُوع
فِي الرُّكُوع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، والطمأنينة
فِي الرُّكُوع هُوَ أَن يلبث كَذَلِك لبثا مِقْدَارًا أَقَله تسبيحه وَفِي
السُّجُود استقراره حَتَّى تطمئِن أَعْضَائِهِ من لبث مِقْدَارًا أَقَله
تسبيحه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان وهما مسنونان.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هما فرضان كالركوع وَالسُّجُود.
(1/114)
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا ركع
فَالْبَيِّنَة أَن يضع يَده على رُكْبَتَيْهِ وَلَا يطبقهما بَين
رُكْبَتَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الرّفْع من الرُّكُوع، وَفِي وجوب الِاعْتِدَال عَنهُ
قَائِما.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان وانحط من الرُّكُوع إِلَى السُّجُود كره
لَهُ ذَلِك وأجزأه.
وَقَالَ مَالك: وَالرَّفْع من الرُّكُوع وَاجِب، وَإِن كَانَ الِاعْتِدَال
الَّذِي فِيهِ خبر وَاحِد عِنْده على الصَّحِيح من مذْهبه.
قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَقد حُكيَ عَنهُ أَو عَن بعض أَصْحَابه أَن الرّفْع
أَيْضا لَا يجب وَلَيْسَ بمعول عَلَيْهِ، وَالظَّاهِر من مَذْهَب مَالك
أَنه إِذا لم يرفع من الرُّكُوع وانحط سَاجِدا وَهُوَ رَاكِع أَنه لَا
تُجزئ صلَاته.
فَأَما الِاعْتِدَال فِي الرّفْع من الرُّكُوع فاختلفت الْمَالِكِيَّة عَن
مَالك فِي أيجابه قَوْلَيْنِ أصَحهمَا عَنهُ أَنه غير وَاجِب وَلَا
مُسْتَحبّ كَمَا ذكرنَا.
وَمِنْهُم من رُوِيَ عَنهُ وُجُوبه كالرفع سَوَاء، وَالْمذهب الْمَشْهُور
عَنهُ الأول.
(1/115)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هما فرضان.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب مد الظّهْر فِي الرُّكُوع وَوضع الْيَدَيْنِ
على الرُّكْبَتَيْنِ فِيهِ وَمد الْعُنُق.
وَاتَّفَقُوا على أَن السُّجُود على سَبْعَة أَعْضَاء مَشْرُوع وَهِي نواصي
الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَانِ وأطراف أَصَابِع الرجلَيْن.
وَاخْتلفُوا فِي الْفَرْض مِنْهُ ذَلِك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْفَرْض من ذَلِك جَبهته أَو أَنفه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: بِوُجُوب الْجَبْهَة قولا وَاحِدًا وَفِي بَاقِي
الْأَعْضَاء قَولَانِ.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فَروِيَ عَنهُ ابْن الْقَاسِم: أَن
الْفَرْض مُعَلّق بالجبهة، فَأَما الْأنف فَإِن أخل بِهِ أعَاد فِي
الْوَقْت اسْتِحْبَابا وَلم يعد بعد خُرُوج الْوَقْت أما إِن أحل بِهِ
أعَاد فِي الْوَقْت اسْتِحْبَابا وَلم يعد بعد خُرُوج الْوَقْت، فَأَما إِن
أخل بالسبعة مَعَ الْقُدْرَة وَاقْتصر على الْأنف أعَاد أبدا.
(1/116)
وَقَالَ ابْن حبيب: من أَصْحَاب
الْقُرْطُبِيّ يتَعَلَّق بهما مَعًا.
وروى أَشهب عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا تعلق الْفَرْض بالجبهة خَاصَّة،
وَالْأُخْرَى تعلق بهما مَعًا وَهِي الْمَشْهُورَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَن سجد على كور عمَامَته إِذا مَال بَين جَبهته وَبَين
الْمَسْجِد؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه:
يُجزئهُ ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يُجزئهُ ذَلِك
حَتَّى يُبَاشر الْمَسْجِد بجبهته.
وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب كشف الْيَدَيْنِ فِي السُّجُود.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجب، وَقَالَ مَالك: يجب.
وَالشَّافِعِيّ قَولَانِ الصَّحِيح مِنْهُمَا وُجُوبه.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ.
فَقَالَ مَالك: لَيْسَ بِوَاجِب، بل مسنون.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ وَاجِب.
وَاخْتلفُوا فِي الْجُلُوس للتَّشَهُّد الأول وَفِيه نَفسه، فَأَما
الْجُلُوس فَقَالَ أَبُو حنيفَة
(1/117)
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى
روايتيه: أَنه سنة.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ وَاجِب، وَمن أَصْحَاب
أبي حنيفَة من وَافق أَحْمد على الْوُجُوب فِي هَذِه الرِّوَايَة فَأَما
التَّشَهُّد فِيهِ.
فَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه وَهِي الْمَشْهُورَة: أَنه وَاجِب مَعَ
ذكر وَيسْقط بالسهو، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ وَابْن شاقلا،
وَأَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه سنة، وَهُوَ
مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يزِيد فِي التَّشَهُّد الأول عَن قَول: وَأشْهد
أَن مُحَمَّدًا عَبده وروسوله.
إِلَّا الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد من قوليه فَإِنَّهُ يُصَلِّي على
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيسن لَهُ ذَلِك.
وَقَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ: وَهُوَ الأولى عِنْدِي.
وَاتَّفَقُوا على أَن الجلسة فِي الصَّلَاة فرض من فروض الصَّلَاة كَمَا
قدمنَا ذكره.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي مقدارها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْجُلُوس بِمِقْدَار
التَّشَهُّد فرض، وَالتَّحْقِيق من مَذْهَب مَالك أَن الْجُلُوس بِمِقْدَار
إِيقَاع السَّلَام فِيهَا هُوَ الْفَرْض عِنْده، وَمَا عداهُ مسنون.
(1/118)
كَذَلِك ذكر الْعلمَاء من أَصْحَاب مذْهبه
عبد الْوَهَّاب وَغَيره.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّشَهُّد فِيهَا هَل هُوَ فرض أَو سنة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الجلسة هِيَ الرُّكْن دون التَّشَهُّد فَإِنَّهُ
سنة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: التَّشَهُّد فِيهِ ركن
كالجلوس، وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَن التَّشَهُّد
الْأَخير سنة، والجلسة بمقداره هِيَ الرُّكْن وَحدهَا كَذَلِك كمذهب
الشَّافِعِي وَالْمَشْهُور الأول.
وَقَالَ مَالك: وَالتَّشَهُّد الأول وَالثَّانِي سنة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الإعداد بِكُل وَاحِد من التَّشَهُّد الْمَرْوِيّ عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من طرق الصَّحَابَة
الثَّلَاثَة رَضِي اللَّهِ عَنْهُم وهم: عمر بن الْخطاب، وَعبد اللَّهِ بن
مَسْعُود، وَعبد اللَّهِ بن عَبَّاس.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الأول مِنْهُمَا.
فَاخْتَارَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تشهد ابْن مَسْعُود وَهُوَ عشر كَلِمَات:
التَّحِيَّات لله، والصلوات الطَّيِّبَات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا
النَّبِي وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد
اللَّهِ الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
(1/119)
وَاخْتَارَ مَالك تشهد عمر بن الْخطاب:
التَّحِيَّات لله الزاكيات لله، الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله، السَّلَام
عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا
وعَلى عباد اللَّهِ الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَحده
لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
وَاخْتَارَ الشَّافِعِي تشهد ابْن عَبَّاس: التَّحِيَّات المباركات،
الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي
وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد اللَّهِ
الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا
رَسُول اللَّهِ، اللَّهُمَّ صلي على سيدنَا مُحَمَّد.
وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود فِي وجوب الصَّلَاة على النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد الْأَخير.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: أَنَّهَا سنة، إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ:
الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاجِبَة
فِي الْجُمْلَة ومستحبة فِي الصَّلَاة.
انْفَرد بعض أَصْحَابه إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَة فِي الصَّلَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ وَاجِبَة فِيهِ.
(1/120)
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، الْمَشْهُور
مِنْهُمَا أَن الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - فِيهِ وَاجِبَة، وَتبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا عمدا وسهوا، وَهِي
الَّتِي اخْتَارَهَا أَكثر أَصْحَابه وَالْأُخْرَى أَنَّهَا سنة، واختارها
أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز وَاخْتَارَ الْخرقِيّ دونهم أَنَّهَا وَاجِبَة،
لَكِنَّهَا تسْقط مَعَ السَّهْو وَيُخَير بِالذكر.
ثمَّ اخْتلفُوا أَيْضا فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ فِي قدر مَا يُجزئ مِنْهَا.
وَاخْتَارَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: اللَّهُمَّ صلي على
مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل
إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا باركت على
إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين، إِنَّك حميد مجيد.
إِلَّا أَن النُّطْق الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي لَيْسَ فِيهِ: وعَلى
آل إِبْرَاهِيم فِي ذكر الْبركَة.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد: اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى
آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد. وَبَارك على
مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل
إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد.
وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ.
فَأَما مَذْهَب أبي حنيفَة فِي اخْتِيَاره فِي ذَلِك فَلم نجد إِلَّا مَا
ذكره مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْحَج لَهُ فَقَالَ: هُوَ أَن يَقُول:
اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على
إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، وَبَارك على
(1/121)
مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت
على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد.
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: حَدثنَا مَالك بن أنس نَحْو ذَلِك. وَلم يقل
فِيهِ: كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين، إِنَّك حميد مجيد.
فَأَما الْإِجْزَاء فَأَقل مَا يُجزئ عِنْد الشَّافِعِي من ذَلِك أَن
يَقُول: اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد.
وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الأول فَلهم فِيهِ وَجْهَان، أَحدهمَا: أَنه لَا
تجب الصَّلَاة عَلَيْهِم، وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابه. وَالْوَجْه
الثَّانِي: أَنه يجب الصَّلَاة عَلَيْهِم.
وَظَاهر كَلَام أَحْمد أَن الْوَاجِب الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلكنه حب وعَلى آله، وعَلى آل إِبْرَاهِيم،
وَالْبركَة على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، وعَلى آل إِبْرَاهِيم،
لِأَنَّهُ الحَدِيث الَّذِي أَخذ بِهِ أَحْمد.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِتْيَان بِالتَّسْلِيمِ مَشْرُوع.
(1/122)
ثمَّ اخْتلفُوا فِي عدده كمذهب
الشَّافِعِي، وَقَالَ ابْن حَامِد من أَصْحَاب أَحْمد: قدر الْأَجْزَاء
أَنه يجب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ تسليمتان.
وَقَالَ مَالك: وَاحِدَة، وَلَا فرق بَين أَن يكون إِمَامًا أَو مُنْفَردا.
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: الَّذِي فِي الْمُزنِيّ وَالأُم كمذهب أبي حنيفَة
وَأحمد، وَالْقَدِيم إِن كَانَ النَّاس قَلِيلا وسكتوا حَيْثُ أَن يسلم
تَسْلِيمه وَاحِدَة. وَاخْتلفُوا هَل السَّلَام من الصَّلَاة أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ من الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: لَيْسَ مِنْهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يجب مِنْهُ؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: التسليمة الأولى فرض على الإِمَام
وَالْمُنْفَرد.
(1/123)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَحده: وعَلى
الْمَأْمُوم أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِفَرْض فِي الْجُمْلَة.
وَاخْتلف أَصْحَابه فِي فعل الْمُصَلِّي لِلْخُرُوجِ من الصَّلَاة هَل هُوَ
فرض أم لَا؟ فَمنهمْ من قَالَ: الْخُرُوج من الصَّلَاة بِحَال مَا ينافيها
يتعمده الْمُصَلِّي فرض لغيره إِلَّا لعَينه، وَلَا يكون من الصَّلَاة،
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: أَبُو سعيد البردعي. وَمِنْهُم من قَالَ: لَيْسَ
بِفَرْض فِي الْجُمْلَة مِنْهُم أَبُو الْحسن الْكَرْخِي.
وَلَيْسَ عِنْد أبي حنيفَة فِي هَذَا نَص يعْتَمد عَلَيْهِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْمَشْهُور مِنْهَا أَن التسليمتين جَمِيعًا
واجبتان، وَالْأُخْرَى: أَن الثَّانِيَة سنة، وَالْأولَى وَاجِبَة.
وَاخْتلفُوا فِي التسليمة الثَّانِيَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد على الرِّوَايَة
الَّتِي يَقُول فِيهَا بِوُجُوب الأولى خَاصَّة هِيَ سنة.
وَقَالَ مَالك: لَا تسن التسليمة الثَّانِيَة للْإِمَام وَالْمُنْفَرد
فَأَما الْمَأْمُوم يسْتَحبّ لَهُ عِنْده أَن يسلم ثَلَاثًا، اثْنَتَيْنِ
عَن يَمِينه وشماله، وَالثَّالِثَة تِلْقَاء وَجهه، يردهَا على إِمَامه.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْخُرُوج من الصَّلَاة.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الظَّاهِر من نَصه فِي الْبُوَيْطِيّ
وَأحمد
(1/124)
بِوُجُوبِهَا.
فَأَما مَذْهَب أبي حنيفَة فقد تقدم ذكرنَا لما تحقق من أَقْوَال
الصَّحَابَة فِي ذَلِك.
وَفِي الْجُمْلَة فَيجب عِنْدهم أَن يقصر الْمُصَلِّي فعلا يُنَافِي
الصَّلَاة فَيصير بِهِ خَارِجا مِنْهَا.
وَاخْتلفُوا فِي التسليمة الأولى وَالنِّيَّة بهَا، وَكَذَلِكَ فِي
الثَّانِيَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: النِّيَّة أَن يسلم تسليمتين وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ
من كل جِهَة، الْحفظَة من عَن يَمِينه، ويساره عَن النَّاس الرِّجَال
وَالنِّسَاء، وَالْمَأْمُوم يسلم كسلام الإِمَام عَن يَمِينه ويساره،
وَيَنْوِي سَلَامه كَمَا يَنْوِي الإِمَام، فَإِن كَانَ الإِمَام الْجَانِب
الْأَيْمن نواة فِي التسليمة الأولى، وَأَن كَانَ فِي الْجَانِب الْأَيْسَر
نَوَاه فِي التسليمة الثَّانِيَة.
وَقَالَ مَالك: أما الإِمَام فَيسلم تَسْلِيمه وَاحِدَة عَن يَمِينه يقْصد
بهَا قبالة وَجهه ويتيامن بِرَأْسِهِ قَلِيلا وَكَذَلِكَ يفعل الْمُنْفَرد،
ينويان بهَا التَّحَلُّل من الصَّلَاة. وَأما الْمَأْمُوم فَيسلم كَمَا
ذكرنَا ثَلَاثًا.
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يسلم اثْنَتَيْنِ، يَنْوِي بِالْأولَى التَّحَلُّل
وبالثانية الرَّد على الإِمَام، وَإِذا كَانَ عَن يسَاره من يسلم عَلَيْهِ
نوى الرَّد عَلَيْهِ.
(1/125)
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي اللَّهِ عَنهُ:
يَنْوِي الإِمَام بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة، وَالسَّلَام على
الْمَلَائِكَة وَالنَّاس، وبالثانية الْمَلَائِكَة وَالنَّاس،
وَالْمَأْمُوم إِذا كَانَ عَن يَمِين الإِمَام فَإِنَّهُ ينوى بِالسَّلَامِ
عَن يَمِينه الْملكَيْنِ، والمأمومين وَالْخُرُوج، وَعَن يسَاره
الْملكَيْنِ وَالْإِمَام، وَإِذا كَانَ عَن يسَار الإِمَام نوى الإِمَام
فِي التسليمة الأولى مَعَ الْملكَيْنِ والمأموميين، وَفِي الثَّانِيَة
الْملكَيْنِ وَإِن كَانَ مُنْفَردا، نوى بِالْأولَى الْخُرُوج والملكين،
بِالثَّانِيَةِ الْملكَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد رَضِي اللَّهِ عَنهُ: يَنْوِي بِالسَّلَامِ الْخُرُوج من
الصَّلَاة، وَلَا يضم إِلَيْهِ شَيْئا آخر سَوَاء أَكَانَ إِمَامًا أَو
مَأْمُوما أَو مُنْفَردا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد.
فَإِن ضم إِلَيْهِ شَيْئا آخر من سَلام على ملك أَو آدَمِيّ.
فَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى فِي الْمَأْمُوم خَاصَّة أَنه يسْتَحبّ لَهُ
أَن يَنْوِي الرَّد على إِمَامه، وَرَوَاهَا عَنهُ يَعْقُوب بن بختان.
وَقَالَ أَبُو حَفْص العكبري من أَصْحَابه فِي مقنعه، إِن كَانَ مُنْفَردا
نوى بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة وبالثانية السَّلَام على الْحفظَة،
وَإِن كَانَ مَأْمُونا نوى بِالْأولَى الْخُرُوج من الصَّلَاة، وبالثانية
الرَّد على الإِمَام والحفظة وَإِن كَانَ أماما نوى بِالْأولَى الْخُرُوج
من الصَّلَاة، وَالثَّانيَِة الْمَأْمُومين والحفظة.
وَاتَّفَقُوا على وجوب تَرْتِيب أَفعَال الصَّلَاة.
وَاتَّفَقُوا على الذّكر فِي الرُّكُوع وَهُوَ: سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيم، وَفِي السُّجُود وَهُوَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، والتسميع
والتحميد وَهُوَ: سمع اللَّهِ لمن حَمده، رَبنَا وَلَك
(1/126)
الْحَمد إِلَى آخِره فِي الرّفْع من
الرُّكُوع، وسؤال الْمَغْفِرَة بَين السَّجْدَتَيْنِ وبالتكبيرات مَشْرُوع
كُله.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: كل ذَلِك سنة.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنهُ: أَن ذَلِك وَاجِب
مَعَ الذّكر.
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه سنة كمذهب الْجَمَاعَة.
وَالْوَاجِب من ذَلِك عِنْده مرّة وَاحِدَة على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول
فِيهَا بِالْوُجُوب.
وَاتَّفَقُوا على أَن أدنى الْكَمَال فِي التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع
وَالسُّجُود للْإِمَام وَاحِدَة.
وَأَجْمعُوا على أَن التَّكْبِيرَات من الصَّلَاة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فِيمَا حَكَاهُ الْخرقِيّ عَنهُ من قَوْله: أَن
تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح لَيست من الصَّلَاة.
(1/127)
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يقْرَأ فِي
صلَاته من الْمُصحف.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل صلَاته بذلك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يجوز كمذهب الشَّافِعِي.
وَالْأُخْرَى يجوز فِي النَّافِلَة دون الْفَرِيضَة، وَهُوَ مَذْهَب مَالك.
وَاخْتلفُوا فِي الإِمَام وَالْمُنْفَرد هَل يجمع كل مِنْهُم بَين
التَّسْبِيح والتحميد مَعًا، أَو يقْتَصر على أحداهما؟ .
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجمع الْمُصَلِّي بَين قَول: سمع
اللَّهِ لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد، بل الإِمَام يَقُول التسميع
وَالْمَأْمُوم يَقُول: رَبنَا وَلَك الْحَمد.
إِلَّا أَبَا حنيفَة يَقُول: رَبنَا لَك الْحَمد بِغَيْر وَاو.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي إِثْبَاتهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: بل الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد يَقُول كل
مِنْهُم التسميع والتحميد، ومذهبه إِسْقَاط الْوَاو من: وَلَك الْحَمد.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا جمع الذكرين مَعًا.
وَإِذا كَانَ مَأْمُوما لم يزدْ على التَّحْمِيد، ومذهبه إِثْبَات الْوَاو
من: رَبنَا وَلَك الْحَمد.
وَاتَّفَقُوا على أَن السّنة أَن يضع رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ إِذا سجد
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يضع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ.
(1/128)
وَاخْتلفُوا فِي الْوتر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ وَاجِب، وَهُوَ ثَلَاث رَكْعَات بِسَلام وَاحِد
كالمغرب، إِلَّا أَنه يقْرَأ فِي الْوتر فِي الرَّكْعَات الثَّلَاث ويجهر
بِالْقِرَاءَةِ فِيهِنَّ إِن كَانَ إِمَامًا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ سنة مُؤَكدَة.
وَقَالَ مَالك: وَهُوَ رَكْعَة مفصولة إِلَّا أَنه يجب أَن يكون قبله شفع
أَقَله رَكْعَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أَقَله رَكْعَة وَاحِدَة،
وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة رَكْعَة. |