اختلاف الأئمة العلماء

بَاب الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة

أَجمعُوا على أَن صَلَاة الْجَمَاعَة مَشْرُوعَة وَأَنه يجب إظهارها فِي النَّاس، فَإِذا امْتنع من ذَلِك أهل بلد قوتلوا عَلَيْهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل الْجَمَاعَة وَاجِبَة فِي الْفُرُوض غير الْجُمُعَة؟
فَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ فرض على الْكِفَايَة، وَقَالَ جمَاعَة من أَصْحَابه: هِيَ سنة.
وَقَالَ مَالك: هِيَ سنة مُؤَكدَة.

(1/129)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ فرض على الْكِفَايَة.
وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي: أَنَّهَا سنة مُؤَكدَة، وَقَالَ جمَاعَة من أَصْحَابه: هِيَ سنة، وَقَالَ مَالك: سنة مُؤَكدَة.
وَقَالَ أَحْمد: هِيَ وَاجِبَة على الْإِيمَان، وَلَيْسَت شرطا فِي صِحَة الصَّلَاة، فَإِن صلى مُنْفَردا مَعَ الْقُدْرَة على الْجَمَاعَة أَثم، وَالصَّلَاة صَحِيحَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يجوز أَن يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلَاة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاة إِلَّا بِمَا قيل فِي الْأَثر.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَدْعُو بِمَا شَاءَ من أَمر دينه ودنياه.
وَاخْتلفُوا فِي الْقُنُوت فِي الْفجْر.

(1/130)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسن ذَلِك.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسن فِيهَا.
ثمَّ اخْتلف أَبُو حنيفَة وَأحمد فِيمَن صلى خلف من يقنت فِي الْفجْر هَل يُتَابِعه أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُتَابِعه.
وَقَالَ أَحْمد: يُتَابِعه.

بَاب سُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر

وَاتَّفَقُوا على أَن سُجُود التِّلَاوَة غير وَاجِب.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ أوجبه على التَّالِي وَالسَّامِع، سَوَاء قصد السَّامع أَو لم يقْصد.
ثمَّ اتّفق من لم يُوجِبهُ على اسْتِحْبَابه وتأكيد سنته على التَّالِي وَالسَّامِع قَاصِدا السماع أَو من غير قصد.
إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أؤكد سنته على السَّامع فَإِن سجد فَحسن.
وَاتَّفَقُوا على أَن فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ، إِلَّا أَبَا حنيفَة وَمَالك فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ إِلَّا فِي الأولى.

بَاب مَا يبطل الصَّلَاة وَمَا يكره فِيهَا

وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تكلم الْمُصَلِّي عَامِدًا لغير مصلحَة بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ

(1/131)


إِمَامًا أَو مَأْمُوما أَو مُنْفَردا، فَإِن كَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما وَتكلم لمصْلحَة صلَاته عَامِدًا نَحْو أَن يشك فَسَأَلَ من خَلفه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تبطل صلَاته إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما.
وَقَالَ مَالك: لَا تبطل صلاتهما بِشَرْط الْمصلحَة.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، أحداهن: الْبطلَان فِي حق الإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَالثَّانيَِة: بطلَان صَلَاة الْمَأْمُوم وَصحت صَلَاة الإِمَام بِشَرْط الْمصلحَة وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالثَّالِثَة: صِحَة صلاتهما مَعَ اشْتِرَاط الْمصلحَة.
فَإِن تلكم فِي صلَاته نَاسِيا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاته سَوَاء كَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما أَو مُنْفَردا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الصَّلَاة صَحِيحَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَن أكل أَو شرب فِي صلَاته مُتَعَمدا.

(1/132)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: تبطل.
وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَحْمد، فَالْمَشْهُور عَنهُ أَنَّهَا تبطل الْفَرِيضَة دون النَّافِلَة، وَأَن النَّافِلَة لَا يُبْطِلهَا إِلَّا الْأكل وَحده، وَسَهل فِي الشّرْب فِي النَّافِلَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة مَكْرُوه. وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَن التثاؤب فِيهَا مَكْرُوه. وَأَجْمعُوا على أَن نظر الْمُصَلِّي إِلَى مَا يلهيه مَكْرُوه. .
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز إِمَامَة الْمَرْأَة للرِّجَال فِي الْفَرَائِض ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز إمامتها بهم فِي صَلَاة التَّرَاوِيح خَاصَّة فَأجَاز ذَلِك أَحْمد بِشَرْط أَن تكون مُتَأَخِّرَة، وَمنعه الْبَاقُونَ.
وَاخْتلفُوا فِي سَجْدَة ص، هَل هِيَ سَجْدَة شكر، أَو من عزائم السُّجُود؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هِيَ من عزائم السُّجُود.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُور عَنهُ: هِيَ سَجْدَة شكر.
وَاتَّفَقُوا على أَن فِي الْمفصل ثَلَاث سَجدَات، إِحْدَاهُنَّ: فِي النَّجْم، وَالثَّانيَِة:

(1/133)


فِي الانشقاق، وَالثَّالِثَة: فِي العلق، وَهِي سُورَة: {اقْرَأ} ، خلا مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا سُجُود فِي الْمفصل فِي الْمَشْهُور من مذْهبه.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة، وَذكر ذَلِك عبد الْوَهَّاب فِي الْإِشْرَاق. وَعَن الشَّافِعِي قولا فِي أَنه لَا سُجُود فِي الْمفصل.
وَاتَّفَقُوا على أَن بَاقِي السجدات، وَأَنَّهَا سَجدَات تِلَاوَة وَهِي عشرَة، أَولهَا: (الْأَعْرَاف) ، و (الرَّعْد) ، و (النَّحْل) ، و (سَجْدَة سُبْحَانَ) ، و (سَجْدَة مَرْيَم) ، وَالْأولَى من (الْحَج) ، و (سَجْدَة الْفرْقَان) ، و (سَجْدَة النَّمْل) ، و (سَجْدَة السَّجْدَة) ، و (حم) المصابيح.
وَاخْتلفُوا فِي سُجُود الشُّكْر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يكره، وَالْأولَى أَن يقْتَصر على الْحَمد وَالشُّكْر بِاللِّسَانِ.

(1/134)


وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يكره بل هُوَ مُسْتَحبّ.