اختلاف
الأئمة العلماء بَاب مَا يجوز فِيهِ الصَّلَاة
وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فِي الْمَوَاضِع الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا
هَل تبطل صَلَاة من صلى فِيهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَوَاضِع كلهَا مَكْرُوهَة
إِلَّا أَنه إِذا فعلهَا صحت إِلَّا ظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام، فَإِن
الصَّلَاة على ظَهره تصح على الْإِطْلَاق من غير كَرَاهَة.
وَقَالَ مَالك: الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَوَاضِع صَحِيحَة إِن كَانَت
طَاهِرَة على كَرَاهِيَة، لِأَن النَّجَاسَة قل أَن تخلوا مِنْهَا غَالِبا.
إِلَّا ظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام، فَإِن الصَّلَاة عِنْده عَلَيْهِ
فَاسِدَة لِأَنَّهُ يستدبر بذلك بعض مَا أَمر باستقباله.
وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي هَذِه الْمَوَاضِع غير بَيت اللَّهِ الْحَرَام
والمقبرة صَحِيحَة مَعَ الْكَرَاهِيَة.
فَأَما ظهر بَيت اللَّهِ الْحَرَام فَإِن كَانَت بَين يَدَيْهِ ستْرَة
مُتَّصِلَة كَمَا قدمنَا من مذْهبه، كَانَت الصَّلَاة صَحِيحَة من غير
كَرَاهِيَة وَإِن لم تكن ستْرَة لم تصح الصَّلَاة،
(1/135)
وَأما الْمقْبرَة فَإِنَّهَا إِن كَانَت
منبوشة لم تصح الصَّلَاة فِيهَا، وَإِن كَانَت غير منبوشة كرهت وأجزأت.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورَة مِنْهُنَّ أَنَّهَا تبطل على
الْإِطْلَاق، وَالثَّانيَِة: أَنَّهَا تصح مَعَ الْكَرَاهِيَة،
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: إِن كَانَ عَالما بِالنَّهْي أعَاد وَإِن لم
يكن عَالما لم يعده.
والمواضع الْمشَار إِلَيْهَا سَبْعَة: الْمقْبرَة، وَالْحمام، والمزبلة،
وقارعة الطَّرِيق، وأعطان الْإِبِل، والمجزرة، وَظهر بَيت اللَّهِ
الْحَرَام.
وَاتَّفَقُوا على أَن سُجُود السَّهْو فِي الصَّلَاة مَشْرُوع، وَأَنه إِذا
سهى فِي صلَاته جبر ذَلِك سُجُود السَّهْو.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.
فَقَالَ أَحْمد والكرخي من أَصْحَاب أبي حنيفَة: هُوَ وَاجِب.
وَقَالَ مَالك: يجب فِي النُّقْصَان من الصَّلَاة وَيسن فِي الزِّيَادَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ مسنون فَلَيْسَ بِوَاجِب على الْإِطْلَاق.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تَركه سَهوا لم تبطل صلَاته إِلَّا رِوَايَة
عَن أَحْمد، وَالْمَشْهُور عَنهُ أَنه لَا تبطل كالجماعة.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ سُجُود النَّقْص لترك شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا، أَو
تَركه نَاسِيا وَلم
(1/136)
يسْجد حَتَّى سلم وتطاول الْفَصْل وَقَامَ
من مُصَلَّاهُ أَو انتقضت طَهَارَته بطلت صلَاته
ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَوْضِعه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: بعد السَّلَام على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ عَن نُقْصَان قبل السَّلَام، وَإِن كَانَ عَن
زِيَادَة فَبعد السَّلَام، وَإِذا اجْتمع سهوان من زِيَادَة ونقصان فموضعه
قبل السَّلَام أَيْضا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: كُله قبل السَّلَام فِي الْمَشْهُور عَنهُ.
وَقَالَ أَحْمد: فِي الْمَشْهُورَة عَنهُ، كُله قبل السَّلَام إِلَّا فِي
موضِعين، أَحدهمَا: أَن يسلم من نُقْصَان فِي صلَاته سَاهِيا فَإِنَّهُ
يقْضِي مَا بَقِي عَلَيْهِ وَيسلم وَيسْجد للسَّهْو بعد السَّلَام.
وَالثَّانِي: إِذا شكّ الإِمَام فِي صلَاته، وَقُلْنَا: يتحَرَّى،
فَإِنَّهُ يَبْنِي على غَالب وهمه وَيسْجد أَيْضا بعد السَّلَام.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب مَالك.
بَاب قَضَاء الْفَوَائِت
وَاتَّفَقُوا على وجوب قَضَاء الْفَوَائِت.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي قَضَائهَا فِي الْأَوْقَات المنهى عَنْهَا.
(1/137)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز.
والأوقات الْمَذْكُورَة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وزوالها وغروبها.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُصَلِّي تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ فِي صَلَاة
الصُّبْح.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاته.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: صَحِيحَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّمْس إِذا غربت على الْمُصَلِّي عصرا فَإِن
صلَاته صَحِيحَة.
بَاب الْقُنُوت
وَاتَّفَقُوا على أَن الْقُنُوت فِي الْوتر مسنون فِي النّصْف الثَّانِي من
شهر رَمَضَان إِلَى آخِره.
(1/138)
ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَوْضِعه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: قبل الرُّكُوع.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: بعده.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل هُوَ مسنون فِي بَقِيَّة السّنة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ مسنون فِي جَمِيع السّنة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يسن إِلَّا فِي نصف شهر رَمَضَان
الثَّانِي.
وَاخْتلفُوا هَل يسْتَحبّ للنِّسَاء إِذا اجْتَمعُوا أَن يصلين فرائضهن
جمَاعَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك فِي الْفَرِيضَة دون النَّافِلَة.
وَقَالَ مَالك: يكره فيهمَا جَمِيعًا.
وروى ابْن أَيمن عَن مَالك أَنه لَا يكره لَهُنَّ ذَلِك لَا فِي
الْفَرِيضَة وَلَا فِي النَّافِلَة، بل يسْتَحبّ فيهمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يسْتَحبّ لَهُنَّ ذَلِك
وَتَكون إمامتهن قَائِمَة مَعَهُنَّ فِي الصَّفّ وسطا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره للشباب مِنْهُنَّ حُضُور جمَاعَة الرِّجَال.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي حُضُور عجائزهن.
(1/139)
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يكره على
الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره لَهُنَّ الْحُضُور إِلَّا فِي الْعشَاء
وَالْفَجْر خَاصَّة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِي رِوَايَة
مُحَمَّد، عَن أبي يُوسُف عَنهُ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يخْرجن فِي
الْعِيدَيْنِ خَاصَّة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت عجوزا تشْتَهى كره لَهَا كالشابة فَإِن
كَانَت لَا يشتهى مثلهَا لم يكره.
قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَالَّذِي أرى أَن حضورهن
الْجَمَاعَات، وأنهن يكن فِي آخر صُفُوف الرِّجَال على مَا جَاءَت بِهِ
الْأَحَادِيث، وَمضى عَلَيْهِ زمَان الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، والصدر الأول غير مَكْرُوه بل مسنون.
وَإِن من علل كراهيته ذَلِك بخوف الافتتان بِهن فَإِن ذَلِك مَرْدُود
عَلَيْهِ بِالْحَجِّ.
بَاب النَّوَافِل الرَّاتِبَة
وَاتَّفَقُوا على أَن النَّوَافِل الرَّاتِبَة رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر،
وركعتان قبل الظّهْر،
(1/140)
وركعتان بعْدهَا، وركعتان بعد الْمغرب، وركعتان بعد الْعشَاء.
ثمَّ زَاد أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَقَالَا: وَقبل الْعَصْر أَرْبعا.
إِلَّا أَن أبي حنيفَة قَالَ: وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وكملا قبل الظّهْر
أَرْبعا.
وَزَاد الشَّافِعِي فكمل بعْدهَا أَرْبعا.
وَقَالَ أَيْضا أَبُو حنيفَة: وأربعا بعْدهَا أَيْضا، وَإِن شَاءَ
رَكْعَتَيْنِ، وَزَاد أَبُو حنيفَة: وأربعا قبل الْعشَاء وكمل بعْدهَا
أَرْبعا.
وَقَالَ: وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وأربعا قبل الْجُمُعَة، وأربعا
بعْدهَا. |