اختلاف
الأئمة العلماء بَاب فِي الْإِمَامَة وَمن أَحَق
بِالْإِمَامَةِ
وَاخْتلفُوا فِي إِمَامَة الْأُمِّي بالقارئ، والأمي هُوَ الَّذِي لَا يتم
الْفَاتِحَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلاتهما.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: تبطل صَلَاة الْقَارئ وَحده.
(1/141)
وَقَالَ الشَّافِعِي: صَلَاة الْأُمِّي
صَحِيحَة، وَفِي صَلَاة الْقَارئ قَولَانِ: الْجَدِيد كَقَوْل مَالك
وَأحمد، وَالْقَدِيم تصح.
وَللشَّافِعِيّ قَول ثَالِث تصح صَلَاة الْإِسْرَار، بِنَاء على قَوْله:
لَا يجب على الْمَأْمُوم الْقِرَاءَة فِي حَال جهر الإِمَام.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الأولى بِالْإِمَامَةِ هَل هُوَ الأفقه أَو الأقرأ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الأفقه الَّذِي يحسن
الْفَاتِحَة أولى.
وَقَالَ أَحْمد: الأقرأ الَّذِي يحسن جَمِيع الْقُرْآن وَيعلم أَحْكَام
الصَّلَاة أولى، وَإِن كَانَ الآخر يعرف من الْفِقْه اكثر مِمَّا يعرف
وَيحسن من الْقُرْآن مَا تُجزئ بِهِ الصَّلَاة.
وَاخْتلفُوا فِي إِمَامَة الْفَاسِق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تصح.
وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ فسقه بِغَيْر تَأْوِيل لَا تصح، وَإِن كَانَ
بِتَأْوِيل فَإِنَّهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْت يقْضِي.
(1/142)
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أشهرهما:
أَنَّهَا لَا تصح.
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز اقْتِدَاء المتنفل بالمفترض.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يجوز.
وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَا يجوز اقْتدى من يُصَلِّي ( ... ... ... . .) .
واقتداء المتنفل بالمتنفل يجوز وَيصِح.
وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَا يجوز اقْتِدَاء من يُصَلِّي الظّهْر بِمن يُصَلِّي
الْعَصْر، وَلَا من يُصَلِّي فرضا خلف من يُصَلِّي فرضا آخر أَو أَحدهمَا
ظهر الأمس، وَالْآخر ظهر الْيَوْم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز أَي مَا تقدم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وقف الْمَأْمُوم قُدَّام الإِمَام مقتديا بِهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَأحمد: لَا تصح
صلَاته.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: تصح صلَاته.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا بُد من أَن يَنْوِي الْمَأْمُوم الائتمام.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي حق الإِمَام هَل يلْزمه أَن يَنْوِي الْإِمَامَة؟
فَقَالَ أَحْمد: يلْزمه.
(1/143)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزم
الإِمَام فِيهِ الْإِمَامَة إِلَّا فِي الْجُمُعَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فِيمَن خَلفه امْرَأَة كَقَوْل أَحْمد
وَإِن كَانَ فِيمَن خَلفه رجل كَقَوْل الشَّافِعِي.
وَاسْتثنى الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وعرفة فَقَالَ: لَا بُد من نِيَّة
الإِمَام الْإِمَامَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة على الْإِطْلَاق.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اتَّصَلت الصُّفُوف وَلم تكن بَينهَا طَرِيق
أَو نورة صَحَّ الائتمام.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم نهر أَو طَرِيق
أَو كَانَ فِي سفينة، وَالْإِمَام فِي الْأُخْرَى.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يمْنَع ذَلِك صِحَة الائتمام.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يمْنَع.
وَاخْتلفُوا فِيمَن إِذا صلى فِي بَيته بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد
وَهُنَاكَ حَائِل يمْنَع من رُؤْيَة الصُّفُوف.
(1/144)
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا
تصح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تصح مَعَ الْكَرَاهَة.
وَعَن أبي حنيفَة: أَنَّهَا لَا تصح على الْإِطْلَاق.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وقف خلف الصُّفُوف وَحده مقتديا بِالْإِمَامِ
فَإِن صلَاته تُجزئه لَكِن مَعَ الْكَرَاهَة، إِلَّا أَحْمد، فَإِنَّهُ
يبطل صَلَاة الْفَذ خلف الصُّفُوف وَحده عِنْده، أخذا بِحَدِيث وابصة بن
معبد.
وَعَن مَالك رِوَايَة كمذهب أَحْمد رَوَاهَا ابْن وهب عَنهُ وَأَجْمعُوا
على أَن الْمُصَلِّي إِذا وقف عَن يسَار الإِمَام وَلَيْسَ عَن يَمِينه أحد
أَن صلَاته صَحِيحَة.
إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: تبطل صلَاته أَيْضا.
وَأَجْمعُوا على أَن أقل الْجمع الَّذِي ينْعَقد بِهِ صَلَاة الْجَمَاعَة
فِي الْفُرُوض غير الْجُمُعَة اثْنَان، إِمَام ومأموم قَائِم عَن يَمِينه.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا صلى الْكَافِر هَل يحكم بِإِسْلَامِهِ؟
(1/145)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا صلى فِي
جمَاعَة أَو مُنْفَردا فِي الْمَسْجِد حكم بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ إِلَّا أَن
الشَّافِعِي اسْتثْنى دَار الْحَرْب فَقَالَ: إِن صلى فِيهَا حكم
بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ مَالك: إِن صلى فِي السّفر بِحَيْثُ يخَاف على نَفسه لم يَصح
إِسْلَامه، وَإِن كَانَت صلَاته حَال طمأنينته حكم بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا صلى حكم بِإِسْلَامِهِ سَوَاء صلى فِي جمَاعَة أَو
مُنْفَردا فِي الْمَسْجِد أَو غَيره، فِي دَار الْإِسْلَام أَو غَيرهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن يدْرك الْمَأْمُوم الْمَسْبُوق من صَلَاة الإِمَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا يُدْرِكهُ الْمُؤْتَم من صَلَاة الإِمَام أَو
صلَاته فِي التشهدات وَآخر صلَاته فِي الْقُرْآن.
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم هُوَ آخرهَا وَهُوَ الْمَشْهُور
عَنهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب وَأَشْهَب: هُوَ أَولهَا. وَقَالَ
الشَّافِعِي: هُوَ أَولهَا حكما ومشاهدة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين وَفَائِدَة الْخلاف أَنه يقْضِي مَا
فَاتَهُ عِنْد من يَقُول: مَا يُدْرِكهُ آخرهَا بالاستفتاح وَسورَة بعد
الْفَاتِحَة، وَمن يَقُول: إِنَّهَا أَولهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: يقْضِي مَا
فَاتَهُ من غير استفتاح وَلَا سُورَة بعد الْفَاتِحَة.
بَاب قصر الصَّلَاة
وَاتَّفَقُوا على الْقصر فِي السّفر.
(1/146)
ثمَّ اخْتلفُوا هَل هُوَ رخصَة أَو
عَزِيمَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ عَزِيمَة، وشدد فِيهِ حَتَّى قَالَ: إِذا صلى
الظّهْر أَرْبعا، وَلم يجلس بَين الرَّكْعَتَيْنِ بَطل ظَهره.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ رخصَة.
وَعَن مَالك: أَنه عَزِيمَة كمذهب أبي حنيفَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي السّفر الَّذِي يستباح فِيهِ الْقصر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام بسير الْإِبِل، ومشي
الْأَقْدَام.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: سِتَّة عشر فرسخا.
وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ رخصَة هَل هُوَ أفضل من الْإِتْمَام؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَأحمد: الْقصر أفضل، وَقَالَ
الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر: الْإِتْمَام أفضل.
وَاتَّفَقُوا كلهم على أَن الصُّبْح وَالْمغْرب لَا يقصران.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرُّخص من الْقصر وَالْفطر تَنْطَلِق بالأسفار
الْمُبَاحَة والواجبة مَعًا.
(1/147)
ثمَّ اخْتلفُوا فِي سفر الْمعْصِيَة هَل
يُبِيح الرُّخص الشَّرْعِيَّة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُبِيح جَمِيع الرُّخص.
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يُبِيح أكل الْميتَة فَقَط.
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يُبِيح
شَيْئا على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُسَافِر مَعَ أَهله دَائِما كالملاح و (القيج)
والمكاري.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يترخص.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يترخص، وَعَن مَالك: نَحوه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا سَار لَا يقْصد جِهَة مُعينَة أَنه لَا يترخص
إِلَّا مَا حُكيَ عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ على هَذِه الْحَالة ثمَّ
سَار مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهُ يقصر الصَّلَاة بعد ذَلِك.
بَاب جمع الصَّلَاة
وَاخْتلفُوا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر الَّذِي يقصر فِيهِ
الصَّلَاة فَيجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء
الْأَخِيرَة.
(1/148)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجمع بَين
الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا بِمَعْرِِفَة جمَاعَة وبالمزدلفة فِي حق الْمحرم.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق.
ثمَّ اخْتلفُوا أَعنِي الْقَائِلين بِالْجمعِ فِي جَوَاز الْجمع فِي السّفر
الْقصير، فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ وَيجوز الْجمع فِي الْحَضَر بَين الظّهْر
وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق، بل يجوز إِذا
كَانَت الصَّلَاة فِي جمَاعَة أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى آخر وَقتهَا ثمَّ
يطيلها بِحَيْثُ إِذا فرغ من فعلهَا دخل وَقت الْعَصْر، فَيصَلي صَلَاة
الْعَصْر فِي أول وَقتهَا، وَكَذَلِكَ فِي العشائين وَكَذَلِكَ لَهُ أَن
يُصَلِّي فِي السّفر، وَإِن لم تكن الصَّلَاة فِي جمَاعَة.
وَقَالَ مَالك: يجوز الْجمع فِي الْحَضَر للمطر فِي الْمغرب وَالْعشَاء دون
الظّهْر وَالْعصر.
(1/149)
وَاخْتلفُوا فِي الْجمع بَين
الصَّلَاتَيْنِ للْمَرِيض.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَأَجْمعُوا على أَن الصُّبْح لَا تجمع إِلَى غَيرهَا.
وَأجْمع الْقَائِلُونَ بِجَوَاز الْجمع الَّذِي قدمنَا وَصفه على مَا
بَيناهُ حضرا وسفرا أَن ذَلِك ينْصَرف إِلَى صَلَاة الظّهْر وَالْعصر
وصلاتي الْمغرب وَالْعشَاء، وَأَن ذَلِك يجوز شَرط الْعذر على اخْتلَافهمْ
فِي أَنْوَاعه وَالتَّرْتِيب وَالنِّيَّة للْجمع والمواصلة بَينهمَا وَأَن
لَهُ أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى أول وَقت الْعَصْر ويعجل الْعَصْر إِلَى
خُرُوج وَقت الظّهْر، وَيَنْوِي التَّأْخِير فِي أول وَقت الأولى إِذا
كَانَ يُرِيد تَأْخِيرهَا إِلَى الثَّانِيَة.
وَالتَّرْتِيب أَن يُصَلِّي الظّهْر ثمَّ الْعَصْر وَالْمغْرب ثمَّ
الْعشَاء وَأَن لَا يفصل
(1/150)
بَينهمَا بِفعل وَلَا غَيره إِلَّا أَن يقم للثَّانِيَة فَإِنَّهُ جَائِز،
فَإِذا أَرَادَ قصر مَا يجوز قصره من الصَّلَوَات وَهِي الصَّلَوَات
الرباعيات الثَّلَاث، وَأَرَادَ الْجمع احْتَاجَ إِلَى نِيَّة لَهما ويفصل
بَين كل صَلَاتَيْنِ بِالسَّلَامِ. |