اختلاف الأئمة العلماء

بَاب الْجُمُعَة

فَأَما الْجُمُعَة فَقَالَ ابْن فَارس: اخْتلف النَّاس فِي معنى الْجُمُعَة، فَقَالَ قوم: سميت جُمُعَة لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهَا فِي الْمَكَان الْجَامِع لصلاتهم، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا سميت الْجُمُعَة لِأَن خلقه آدم جمع فِيهِ.
وَاتَّفَقُوا على وجوب الْجُمُعَة على أهل الْأَمْصَار.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْخَارِج عَن الْمصر إِذا سمع النداء.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجب عَلَيْهِ.
وَحده مَالك وَأحمد بفرسخ، وَأطْلقهُ الشَّافِعِي.
وَحده أَبُو حنيفَة بِثَلَاث فراسخ.
وَاخْتلفُوا فِي أهل الْقرى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب عَلَيْهِم، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تجب عَلَيْهِم إِذا بلغُوا عددا تصح بِهِ الْجُمُعَة.

(1/151)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعدَد، فَقَالَ أَبُو حنيفَة، تَنْعَقِد بِثَلَاث سوى الإِمَام.
وَقَالَ مَالك: تَنْعَقِد بِكُل عدد تقري بهم قَرْيَة فِي الْعَادة يُمكنهُم الْإِقَامَة، وَيكون بَينهم الشِّرَاء وَالْبيع من غير حصر إِلَّا أَنه منع ذَلِك فِي الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة. وشبههم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تَنْعَقِد بِأَرْبَعِينَ وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد أَحْمد من رِوَايَته، وَعنهُ تَنْعَقِد بِخَمْسِينَ وَهَذَا الْعدَد يعْتَبر فِيهِ صِفَات وَهُوَ أَن يَكُونُوا بالغين عقلا مستوطنين أحرارا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْخطْبَتَيْنِ شَرط فِي انْعِقَاد الْجُمُعَة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا قَالَ: الْحَمد لله وَنزل، كَفاهُ ذَلِك وَلَا يحْتَاج إِلَى غَيره.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْجُمُعَة لَا تجب على صبي وَلَا عبد وَلَا مُسَافر وَلَا امْرَأَة، إِلَّا رِوَايَة عَن أَحْمد فِي العَبْد خَاصَّة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَعْمَى إِذا لم يجد قائدا لم تجب عَلَيْهِ، ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا وجد قائدا.

(1/152)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: تجب عَلَيْهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ مَشْرُوع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ وَاجِب، وَكَذَلِكَ أوجب الشَّافِعِي خَاصَّة الْقعُود بَين الْخطْبَتَيْنِ، وَرَآهُ مَالك سنة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: كل ذَلِك سنة.
وَاخْتلفُوا فِي الْخطْبَة الَّتِي يعْتد بهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُجزئ أَن يخْطب بتسبيحة وَاحِدَة، وتجزئ عَن الْخطْبَتَيْنِ، وَلَا يحْتَاج إِلَى تسبيحتين.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: من شَرط الْخطْبَة المعتد بهَا: التَّحْمِيد وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقِرَاءَة آيَة وَالْمَوْعِظَة.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَقَالَ اللغويون: الْخطْبَة مُشْتَقَّة من المخاطبة.

(1/153)


وَقَالَ بَعضهم: سميت خطْبَة لأَنهم كَانُوا يجعلونها فِي الْخطب وَالْأَمر الْعَظِيم والمنبر عِنْدهم من قَوْلك: نبرا إِذا علا صَوته فالمخاطب يَعْلُو صَوته.
وَاتَّفَقُوا على أَن السّفر يَوْم الْجُمُعَة قبل صلَاتهَا لَا يسْتَحبّ ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَازه، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز السّفر يَوْم الْجُمُعَة قبل الزَّوَال وَبعده مَا لم يحرم بِالصَّلَاةِ وَهُوَ مَكْرُوه.
وَقَالَ مَالك: أحب أَن لَا يخرج بعد طُلُوع الْفجْر، وَلَيْسَت بِحرَام، فَأَما بعد الزَّوَال فَلَا يَنْبَغِي أَن يُسَافر حَتَّى يُصَلِّي الْجُمُعَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز قبل الزَّوَال حَتَّى يُصَلِّي الْجُمُعَة قولا وَاحِدًا، إِلَّا أَن يخَاف فَوت الرّفْقَة. وَهل يجوز قبله وَبعد طُلُوع الْفجْر؟ فعلى قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز أَن يُسَافر بعد الزَّوَال من يَوْم الْجُمُعَة قبل صَلَاة الْجُمُعَة قولا وَاحِدًا.
فَأَما السّفر فِيهِ قبل الزَّوَال هَل يجوز أم لَا؟
فِيهِ عَنهُ رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ أَنه لَا يجوز أَيْضا.
وَالثَّانيَِة: يجوز وَيكرهُ كمذهب مَالك، وَالثَّالِثَة: يجوز للْجِهَاد خَاصَّة.
فَأَما إِقَامَة الْجُمُعَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه لَا تصح إِقَامَة الْجُمُعَة بِغَيْر إِذن الإِمَام.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن أُقِيمَت بِغَيْر ذَلِك صحت

(1/154)


مَعَ استحبابهم الاسْتِئْذَان.
وَاخْتلفُوا هَل تَنْعَقِد الْجُمُعَة بالعبيد والمسافرين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تَنْعَقِد بهم وتجزئهم.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا تَنْعَقِد بهم وَلَا تجزئهم.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يكون الْمُسَافِر أَو العَبْد إِمَامًا فِي الْجُمُعَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك فِي الرِّوَايَة أَشهب: يجوز.
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا: لَا تجب الْجُمُعَة على العَبْد: لَا يجوز
وَاخْتلفُوا هَل يكره فعل الظّهْر فِي جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة فِي حق من لَا يُمكنهُ إتْيَان الْجُمُعَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يكره.
وَاخْتلفُوا فِي الْكَلَام فِي حَال الْخطْبَة لمن لَا يستمعها وَهُوَ بعيد عَنْهَا.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ مُبَاح إِلَّا أَنَّهُمَا استحبا السُّكُوت.

(1/155)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْكَلَام حِينه سَوَاء سمع أَو لم يسمع، وَقد حكى متأخروا أَصْحَابه عَنهُ الْجَوَاز.
وَقَالَ مَالك: وَاجِب عَلَيْهِ الْإِنْصَات سَوَاء قرب أَو بعد.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْكَلَام فِي حَال الْخطْبَة لمن يسْمعهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: يحرم الْكَلَام حَال الْخطْبَة على الْمُخَاطب والمستمع مَعًا.
إِلَّا أَن مَالِكًا رأى للمخاطب خَاصَّة جَوَاز الْكَلَام بِمَا يعود لمصْلحَة الصَّلَاة إنْسَانا بعينة جَازَ لذَلِك الْإِنْسَان أَن يجِيبه كَمَا فعل عُثْمَان مَعَ عمر رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: لَا يحرم عَلَيْهِمَا بل يكره.
وَعَن أَحْمد نَحوه، وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَن أَحْمد أَنه يحرم على المستمع دون الْمُخَاطب.
وَاخْتلفُوا فِي إِقَامَة الْجُمُعَة فِي مصدر وَاحِد فِي موضِعين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز أَن تُقَام إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد مِنْهُ.

(1/156)


وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يجوز أَن يُقَام فِي الْمصر الْوَاحِد فِي مَوَاضِع إِذا كَانَ كَبِيرا، أَو احْتِيجَ إِلَى ذَلِك وَسَوَاء كَانَ الْبَلَد جانبا وَاحِدًا أَو جانبين.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِذا كَانَ الْمصر لَهُ جانبان كبغداد يجوز.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَالصَّحِيح من مَذْهَبنَا أَنه لَا يجوز إِقَامَة الْجُمُعَة فِي أَكثر من مَوضِع وَاحِد من الْمصر إِلَّا أَن يشق الِاجْتِمَاع لكبر الْمصر فَيجوز فِي موضِعين، وَإِن دعت الْحَاجة إِلَى أَكثر جَازَ.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِقَامَة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يجوز.
وَقَالَ أَحْمد: يجوز قبل الزَّوَال، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى يجوز فِي السَّاعَة السَّادِسَة اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.

(1/157)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَافق يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عيد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يشْتَرط الْجُمُعَة بِحُضُور الْعِيد، وَلَا الْعِيد بِحُضُور الْجُمُعَة.
وَقَالَ أَحْمد: إِن جمع بَينهمَا فَهُوَ الْفَضِيلَة، وَإِن حضر الْعِيد سقط عَنهُ الْجُمُعَة.
وَاخْتلفُوا هَل يكره الْكَلَام فِيمَا بَين خُرُوج الإِمَام وَبَين أَخذه فِي الْخطْبَة، وَبَين نُزُوله مِنْهَا وَبَين افتتاحه الصَّلَاة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: خُرُوج الإِمَام يقطع الْكَلَام إِلَى دُخُوله فِي الصَّلَاة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا بَأْس بالْكلَام فِي ذَيْنك الْوَقْتَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِي سَلام الإِمَام على النَّاس إِذا اسْتَقْبَلَهُمْ مستويا على الْمِنْبَر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يسلم، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يسلم، قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَمذهب أبي حنيفَة وَمَالك أَنه لَا يسلم إِذا رقى على الْمِنْبَر، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ يسلم على النَّاس وَقت خُرُوجه إِلَيْهِم وَهُوَ على الأَرْض وَلَا يُعِيد ثَانِيًا على الْمِنْبَر.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يكون الْمُصَلِّي غير الْخَاطِب؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز للْعُذْر، وَلَا يجوز من غير عذر. وَعَن أَحْمد مثله، وَفِيه

(1/158)


لَا يجوز، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالمذهبين، وَقَالَ مَالك: لَا يُصَلِّي إِلَّا من خطب.

بَاب غسل الْجُمُعَة

اتَّفقُوا على أَن غسل الْجُمُعَة مسنون.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَيْسَ من شُرُوط إِدْرَاك الْجُمُعَة، إِدْرَاك الْخطْبَة، وَمن صلى الْجُمُعَة فقد صحت لَهُ الْجُمُعَة وَإِن لم يدْرك الْخطْبَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْفَضِيلَة فِي إِدْرَاكهَا وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة بسجدتيها ثمَّ أضَاف لَهَا أُخْرَى صحت لَهُ الْجُمُعَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أدْركهُ فِي التَّشَهُّد، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح لَهُ جمعه، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: يُصَلِّي أَرْبعا وَلَا تصح لَهُ جُمُعَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا دخل وَقت الْعَصْر وَقد صلوا من الْجُمُعَة رَكْعَة.

(1/159)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاتهم جملَة ويستأنفون الظّهْر، وَقَالَ الشَّافِعِي: يبنون عَلَيْهَا ظهرا.
وَقَالَ أَحْمد: يتمونها بِرَكْعَة أُخْرَى وتجزئهم جُمُعَة.
وَأما مَذْهَب مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فقد اخْتلف أَصْحَابه عَنهُ، قَالَ ابْن الْقَاسِم: تصح الْجُمُعَة مَا لم تغرب الشَّمْس، وَإِن صلى بعض الْعَصْر بعد الْغُرُوب.
وَذكر الْأَبْهَرِيّ أَن الْمَذْهَب أَنه مَا لم يخرج وَقت الظّهْر الضَّرُورِيّ، وَقدر ذَلِك أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة ثمَّ يبْقى إِلَى مغيب الشَّمْس مِقْدَار أَربع رَكْعَات لصَلَاة الْعَصْر جَازَ فعلهَا، قَالَ: وَهَذَا وَقتهَا الضَّرُورِيّ.
فَأَما وَقتهَا الْمُخْتَار فَبعد الزَّوَال، فَإِن خرج وَقتهَا وَدخل وَقت الْعَصْر، فَإِن كَانَ قد صلى رَكْعَة بسجدتيها قبل دُخُول وَقت الْعَصْر أضَاف إِلَيْهَا أُخْرَى وتمت لَهُ جمعه، وَإِن كَانَ قد صلى دون ذَلِك بنى وأتمها ظهرا.
وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا فَاتَتْهُمْ صَلَاة الْجُمُعَة صلوا ظهرا.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجمعُونَ لصَلَاة الظّهْر أم يصلونها فُرَادَى. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يصلونها فُرَادَى. وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: بل فِي جمَاعَة.

بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

وَاتَّفَقُوا على أَن صَلَاة الْعِيدَيْنِ مَشْرُوعَة.

(1/160)


والعيد عِنْد أهل اللُّغَة إِنَّمَا سمي عيدا لاعتياد النَّاس لَهُ كل حِين ومعاودته إيَّاهُم.
ثمَّ إِن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا بعد اتِّفَاقهم على أَنَّهَا مَشْرُوعَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاجِبَة على الْأَعْيَان كَالْجُمُعَةِ.
وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا سنة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ سنة.
وَقَالَ أَحْمد: هِيَ فرض على الْكِفَايَة، إِذا قَامَ بهَا قوم سَقَطت عَن البَاقِينَ كالجهاد وَالصَّلَاة على الْجِنَازَة.
وَاخْتلفُوا فِي شرائطها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَن من شُرُوطهَا الاستيطان وَالْعدَد وَإِذن الإِمَام على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول أَحْمد بِاعْتِبَار إِذْنهَا فِي الْجُمُعَة.
وَزَاد أَبُو حنيفَة: الْمصر، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: كل ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط، وَأَجَازَ أَن يُصليهَا مُنْفَردا من شَاءَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء.
وَعَن أَحْمد: نَحوه.
وَاتَّفَقُوا على تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فِي أَولهَا.

(1/161)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ثَلَاث فِي الأولى، وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: سِتّ فِي الأولى وَخَمْسَة فِي الثَّانِيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: سبع فِي الأولى، وَخَمْسَة فِي الثَّانِيَة. وَاتَّفَقُوا إِلَّا أبي حنيفَة وَمَالك على الذّكر بَين كل تكبيرتين من الْحَمد لله وسبحانه، وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: بل يوالي بَين التَّكْبِيرَات نسقا.
وَاخْتلفُوا فِي تَقْدِيم التَّكْبِيرَات على الْقِرَاءَة.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تقدم التَّكْبِيرَات على الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يوالي بَين الْقِرَاءَتَيْن فيكبر فِي الأولى قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الثَّانِيَة بعد الْقِرَاءَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على رفع الْيَدَيْنِ مَعَ كل تَكْبِيرَة إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يرفعها من تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَقَط فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كالجماعة.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّكْبِير فِي عيد النَّحْر مسنون.

(1/162)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي التَّكْبِير لعيد الْفطر. فَقَالُوا كلهم: التَّكْبِير فِيهِ إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يكبر لَهُ.
قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَالصَّحِيح أَن التَّكْبِير فِيهِ أكمل من غَيره لقَوْله عز وَجل: {ولتكملوا الْعدة ولتكبروا اللَّهِ على مَا هدَاكُمْ ولعلكم تشكرون} .
ثمَّ اخْتلفُوا فِي ابْتِدَائه وانتهائه.
فَقَالَ مَالك: يكبر فِي يَوْم الْفطر دون ليلته، وابتداؤه عِنْده من أول الْيَوْم إِلَى أَن يخرج الإِمَام.
وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال ثَلَاثَة فِي أَحدهَا: إِلَى أَن يخرج الإِمَام إِلَى الْمصلى، وَالثَّانِي: إِلَى أَن يحرم بِالصَّلَاةِ، وَالثَّالِثَة: إِلَى أَن يفرغ من الصَّلَاة.
وَأما ابتداؤه فَمن حَيْثُ يرى الْهلَال.
وَعَن أَحْمد فِي انتهائه رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إِذا خرج الإِمَام، وَالثَّانيَِة: إِذا فرغ الإِمَام من الْخطْبَتَيْنِ، وابتداؤه كمذهب الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا فِي صفته، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يكبر فَيَقُول: اللَّهِ أكبر اللَّهِ

(1/163)


أكبر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَالله أكبر اللَّهِ أكبر وَللَّه الْحَمد، يشفع التَّكْبِير فِي أَوله وَفِي آخِره.
وَقَالَ مَالك: صفة التَّكْبِيرَات أَن يَقُول: اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، نسقا حسب، وَرُوِيَ عَنهُ أَن السّنة أَن يَقُول: اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَالله أكبر اللَّهِ أكبر وَللَّه الْحَمد.
وَقَالَ عبد الْوَهَّاب: الشفع وَالتَّكْبِير فِي أَوله وَآخره أحب إِلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يكبر ثَلَاثًا نسقا فِي أَوله، وَيكبر ثَلَاثًا نسقا فِي آخِره.
قَالَ الْوَزير أيده اللَّهِ تَعَالَى: وَلكُل وَجه وَالْأَحْسَن مَا قَالَه الشَّافِعِي لِأَن الثَّلَاث أقل الْجمع.
وَاخْتلفُوا فِي التَّكْبِير لعيد النَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق فِي ابْتِدَائه وانتهائه فِي حق الْمحل وَالْمحرم. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبتدؤا بِالتَّكْبِيرِ من صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة، إِذا كَانَ محلا أَو محرما إِلَى أَن يكبر بِصَلَاة الْعَصْر (آخر يَوْم التَّشْرِيق) ، ثمَّ يقطع لَا فرق فِي الِابْتِدَاء والانتهاء عِنْده بَينهمَا.
وَقَالَ مَالك: يكبر عقب صَلَاة الظّهْر يَوْم النَّحْر خلف الصَّلَوَات كلهَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الصَّلَاة الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ الرَّابِع من يَوْم النَّحْر، فيكبر خلفهَا ثمَّ يقطع التَّكْبِير فِيمَا بعْدهَا فَلَا يكبر، وَذَلِكَ فِي حق الْمحل والمرحم.

(1/164)


وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال أشهرها: أَنه يكبر عقيب صَلَاة الظّهْر من يَوْم النَّحْر أَو أَن يكبر عقيب صَلَاة الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق كمذهب مَالك، وَالْقَوْل الثَّانِي: يكبر عقيب صَلَاة الْمغرب من لَيْلَة النَّحْر إِلَى أَن يكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَالْقَوْل الثَّالِث: يكبر عقيب صَلَاة الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة إِلَى أَن يكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَلم يفرق بَين الْمحل وَالْمحرم.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ محلا فيكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن كَانَ محرما كبر عقيب صَلَاة الظّهْر من يَوْم النَّحْر إِلَى أَن يكبر عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق.
وَاتَّفَقُوا على أَن هَذَا التَّكْبِير فِي حق الْمحل وَالْمحرم خلف الْجَمَاعَات.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن صلى فُرَادَى من مَحل أَو محرم فِي هَذِه الْأَوْقَات المحدودة عِنْد كل مِنْهُم هَل يكبر؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يكبر من كَانَ مُنْفَردا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يكبر الْمُنْفَرد أَيْضا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يكبر خلف النَّوَافِل فِي هَذِه الْأَوْقَات.

(1/165)


إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي رَضِي اللَّهِ عَنهُ، أَنه يكبر خلفهَا أَيْضا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يقْضِي.
وَقَالَ أَحْمد: يقْضِي مُنْفَردا مَعَ بَقَاء الْوَقْت وَبعد خُرُوجه.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
ثمَّ اخْتلف من رأى قَضَائهَا فِي كيفيته؟
فَقَالَ أَحْمد فِي أشهر رواياته: يُصَلِّي أَرْبعا لصَلَاة الظّهْر يسلم فِي آخرهَا، وَإِن
أحب فصل بِسَلام بَين كل رَكْعَتَيْنِ، واختارها الْخرقِيّ وَأَبُو بكر وَعنهُ يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الإِمَام وَهُوَ مَذْهَب مَالك، وَقَوْلِي الشَّافِعِي على القَوْل الَّذِي رأى قَضَائهَا، وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة أَنه مُخَيّر بَين أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا.
وَاتَّفَقُوا على أَن السّنة أَن يُصَلِّي الإِمَام الْعِيد فِي الْمُصَلِّي بِظَاهِر الْبَلَد لَا فِي الْمَسْجِد، فَإِن أَقَامَ لضَعْفه النَّاس وَذَوي الْعَجز مِنْهُم من يُصَلِّي بهم فِي الْمَسْجِد جَازَ. إِلَّا الشَّافِعِيَّة فَإِنَّهُم قَالُوا: صلَاتهَا فِي الْمَسْجِد أفضل إِذا كَانَ الْمَسْجِد وَاسِعًا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز النَّفْل قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا لمن حضرها فِي الْمُصَلِّي

(1/166)


أَو فِي الْمَسْجِد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينتفل قبلهَا، ويتنفل إِن شَاءَ بعْدهَا. وَأطْلقهُ وَلم يفرق بَين الْمُصَلِّي وَغَيره، وَلَا بَين أَن يكون هُوَ الإِمَام أَو يكون الْمَأْمُوم.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الصَّلَاة فِي الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ لَا يتَنَفَّل قبلهَا وَلَا بعْدهَا سَوَاء أَكَانَ إِمَامًا أَو مَأْمُوما، وَإِن كَانَت فِي الْمَسْجِد فَعنده رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: الْمَنْع من ذَلِك كَمَا فِي الْمُصَلِّي، وَالْأُخْرَى: لَهُ أَن يتَنَفَّل فِي الْمَسْجِد قبل الْجُلُوس وَبعد الصَّلَاة بِخِلَاف الْمُصَلِّي.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز أَن يتَنَفَّل قبلهَا وَبعدهَا فِي الْمصلى وَغَيره إِلَّا الإِمَام فَإِنَّهُ إِذا ظهر للنَّاس لم يصل قبلهَا.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يتَنَفَّل قبل الْعِيد وَلَا بعْدهَا، لَا الإِمَام وَلَا الْمَأْمُوم، لَا فِي الْمصلى وَلَا فِي الْمَسْجِد.

بَاب صَلَاة الْخَوْف

وَاتَّفَقُوا على تَأْثِير الْخَوْف فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة وصفتها دون ركعاتها بقوله تَعَالَى: {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَوَات فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} الْآيَة.
فَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى اخْتِيَار مَا رَوَاهُ ابْن عمر وَهُوَ أَن يجعلهم الإِمَام طائفتين، طَائِفَة تجاه الْعَدو، وَطَائِفَة خَلفه فَيصَلي بِالْأولَى وَهِي الطَّائِفَة الَّتِي خَلفه رَكْعَة وسجدتين، فَإِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة مَضَت هَذِه الطَّائِفَة إِلَى وَجه الْعَدو، وَجَاءَت تِلْكَ الطَّائِفَة فأحرمت مَعَه فَيصَلي بهم الإِمَام رَكْعَة وسجدتين ويتشهد وَيسلم

(1/167)


ويسلموا، ويذهبوا إِلَى وَجه الْعَدو.
وَجَاءَت الطَّائِفَة الأولى فصلوا رَكْعَة وسجدتين بِغَيْر قِرَاءَة وتنصرف لمقامها وتجيء الثَّانِيَة فَيصَلي رَكْعَة وسجدتين بِقِرَاءَة وَتشهد ويسلمون.
وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِلَى مَا رَوَاهُ سهل بن خَيْثَمَة فِي صَلَاة الْخَوْف، وَقد سبق فِي هَذَا الْبَاب ذكره.
وَهُوَ أَن يُفَرِّقهُمْ طائفتين، طَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو، وَطَائِفَة خَلفه، فَيصَلي بالطائفة الَّتِي خَلفه رَكْعَة، ويثب قَائِما وتتم هِيَ لنَفسهَا أُخْرَى بِالْحَمْد وَسورَة وتسلم ثمَّ تمْضِي لتحرس وتجيء الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت موازية الْعَدو فَيصَلي بهم الرَّكْعَة الثَّانِيَة وتجلس للتَّشَهُّد، وتتم هِيَ لنَفسهَا الرَّكْعَة الْأُخْرَى بِالْحَمْد وَسورَة ويطيل الإِمَام التَّشَهُّد حَتَّى يتم التَّشَهُّد، ثمَّ يسلم بهم.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قد رويت عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى وَهِي أَن يسلم الإِمَام وَلَا ينْتَظر الطَّائِفَة الثَّانِيَة حَتَّى يسلم بهم وَهَذِه الصَّلَاة مَعَ اخْتلَافهمْ فِي صفتهَا فَإِنَّهُم أَجمعُوا

(1/168)


على أَن هَذَا إِنَّمَا يجوز بشرائط ثَلَاثَة مِنْهَا: أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا تكن الصَّلَاة حَتَّى يستدبروا الْعَدو أَو يكون عَن يَمِينه وشماله وَأَن يكون الْعَدو غير مَأْمُون أَن يتشاغل الْمُسلمُونَ عَن قِتَالهمْ أَن يكبوا على الْمُسلمين وَأَن يكون بِالْمُسْلِمين كَثْرَة يُمكن تفرقهم فرْقَتَيْن فرقة مُقَابلَة الْعَدو، وَأُخْرَى خلف الإِمَام.
إِلَّا أَبَا حنيفَة وَحده فَإِنَّهُ لم يعْتَبر أَن يكون الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة بل فِي أَي جِهَة كَانَ الْعَدو جَازَت صَلَاة الْخَوْف عِنْده إِذا كَانَ يخَاف مِنْهُم المفاجأة.
(وَصَلَاة الْخَوْف ثَابِتَة الحكم بعد مَوته عَلَيْهِ السَّلَام لم تنسخ) .
وَأَجْمعُوا على أَن صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر أَربع رَكْعَات غير مَقْصُورَة، وَفِي السّفر رَكْعَتَانِ إِذا كَانَت ربَاعِية أَو غير ربَاعِية على عَددهَا، لَا يخْتَلف حكمهَا حضرا وَلَا سفرا وَلَا خوفًا.
وَأَجْمعُوا على أَن جَمِيع الصِّفَات المروية عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَلَاة الْخَوْف مُعْتَد بهَا، وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم فِي التَّرْجِيح، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه، فَإِنَّهُ

(1/169)


قَالَ: إِن صلاهَا على مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة من رِوَايَة ابْن عمر لم تصح الصَّلَاة.
حَكَاهُ عَنهُ أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الطَّبَرِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة حَال الْمُسَابقَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجوز الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْحَالة وتؤخر حَتَّى يُمكنهُم أَن يصلوا بِغَيْر مسابقة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يؤخروها بل يصلى على حسب الْحَال وتجزئهم.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يُصَلِّي جمَاعَة فِي اشتداد الْخَوْف ركبانا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَن حمل السِّلَاح حَال صَلَاة الْخَوْف مَشْرُوع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: هُوَ مُسْتَحبّ غير وَاجِب.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر، وَهُوَ الْأَظْهر أَنه يجب.
وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا رَأَوْا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صَلَاة الْخَوْف، ثمَّ بَان لَهُم خلاف مَا ظنوه أَن صلَاتهم لَا تجزيهم وَأَن عَلَيْهِم الْإِعَادَة، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه وَأحمد فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ أَنه لَا أَعَادَهُ عَلَيْهِم وَقد أجزأتهم.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز لبس الْحَرِير للرِّجَال فِي غير الْحَرْب.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي لبسه فِي الْحَرْب، فَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَكَرِهَهُ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا.
وَاخْتلفُوا فِي الْجُلُوس عَلَيْهِ والاستناد إِلَيْهِ.

(1/170)


فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن ذَلِك حرَام.
وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة.

بَاب صَلَاة الْكُسُوف

اتَّفقُوا على أَن صَلَاة الْكُسُوف سنة مُؤَكدَة يسن لَهَا الْجَمَاعَة.
قَالَ اللغويون: الْكُسُوف من كسف الشَّيْء إِذا ذهب ضوءه ونوره، والخسوف: هُوَ الغيوب، فَقَالَ: انخسفت الْبِئْر إِذا انحرف قعرها.
وَاخْتلفُوا فِي هيئتها.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة ركوعان يُطِيل الْقِرَاءَة فِي الأولى مِنْهُمَا على نَحْو سُورَة الْبَقَرَة، ثمَّ يُطِيل فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مناسبا مِنْهُمَا فِي ذَلِك التَّقْصِير فِي كل مِنْهُمَا بِالْإِضَافَة إِلَى مَا قيل ليتوخى بالفراغ مِنْهَا حَالَة التجلي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: صفتهَا كصلاتنا هَذِه فِي رَكْعَتي النَّافِلَة فِي كل رَكْعَة رُكُوعًا وَاحِدًا، ثمَّ يَدْعُو بعْدهَا حَتَّى ينجلي.

(1/171)


وَاخْتلفُوا فِي الْقِرَاءَة فِيهَا هَل يجْهر بهَا أَو يخفي؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يخفي الْقِرَاءَة فِيهَا.
وَقَالَ أَحْمد: يجْهر بهَا، وَوَافَقَهُ صاحبا أبي حنيفَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَاخْتلفُوا هَل لصَلَاة الْكُسُوف خطْبَة؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يسن لَهَا خطْبَة، وَكَذَلِكَ الخسوف.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يخْطب لَهَا خطبتين بعد فعلهَا سَوَاء كَانَ كسوفا أَو خسوفا وَعَن أَحْمد نَحوه.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ وَقت الْكُسُوف فِي وَقت لَا يصلى فِيهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يُصَلِّي فِيهِ وَيجْعَل مَكَانهَا تسبيحا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يُصَلِّي فِيهِ.
وَعَن مَالك: ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يُصَلِّي فِي كل الْأَوْقَات، وَالثَّانيَِة: يُصَلِّي فِي الْأَوْقَات الَّتِي يجوز فِيهَا الصَّلَاة دون غَيرهَا من الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا التَّنَفُّل، وَالثَّالِثَة: أَنَّهَا تصلي مَا لم تزل الشَّمْس وَلَا تصلي بعد الزَّوَال حملا لَهَا

(1/172)


على صَلَاة الْعِيد.
وَاخْتلفُوا هَل تسن الْجَمَاعَة لصَلَاة خُسُوف الْقَمَر أم يُصَلِّي كل وَاحِد لنَفسِهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الأولى الِانْفِرَاد وإخفاء الْقِرَاءَة فِيهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: الْمسنون أَن تصلي جمَاعَة. وَقَالا: إِن السّنة الْجَهْر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ.

بَاب الاسْتِسْقَاء

اتَّفقُوا على أَن الاسْتِسْقَاء طلب السقيا من اللَّهِ وَالدُّعَاء وَالسُّؤَال وَالِاسْتِغْفَار وَأَن ذَلِك مَنْدُوب.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يسن لَهَا صَلَاة أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وصاحبا أبي حنيفَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: تسن لَهَا الْجَمَاعَة وَالصَّلَاة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تسن لَهُ صَلَاة بل يخرج الإِمَام، وَيخرج النَّاس مَعَه، فَإِن صلى النَّاس وحدانا جَازَ.
وَاخْتلف من رأى الصَّلَاة للاستسقاء سنة فِي صفتهَا.

(1/173)


فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مثل صَلَاة الْعِيد يكبر فِي الأولى سِتا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَالثَّانيَِة: خمْسا سوى تَكْبِيرَة الْقيام، إِلَّا أَن الشَّافِعِي يَقُول: يكبر فِي الأولى سبعا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا.
وَقَالَ مَالك: صفتهَا رَكْعَتَانِ كَسَائِر الصَّلَوَات وَالتَّكْبِير الْمَعْهُود ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا.
وَاخْتلفُوا هَل يسن لصَلَاة الاسْتِسْقَاء خطْبَة؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ وَابْن حَامِد وَعبد الْعَزِيز: يسن لَهَا وَيكون بعد الصَّلَاة خطبتين.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا: لَا يخْطب لَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء واستغفار.
قلت: وَاسْتحبَّ لَهُ أَن يدعوا بِدُعَاء أنس رَضِي اللَّهِ عَنهُ.
وَاخْتلفُوا هَل يسْتَحبّ لَهَا تَحْويل الرِّدَاء؟
فَقَالُوا: يسن تفاؤلا بتحويل الْحَال.

(1/174)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسن ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا لم يسقوا فِي الْيَوْم الأول عَادوا فِي الثَّانِي، فَإِن لم يسقوا فِي الثَّانِي، عَادوا فِي الثَّالِث.
وَللشَّافِعِيّ قَول: أَنهم إِن لم يسقوا فِي الْيَوْم الأول أمروا بصيام ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ عَادوا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا خَافَ النَّاس من زِيَادَة الْغَيْث الضَّرَر فَإِنَّهُ يسن الدُّعَاء لكشفه من غير صَلَاة.

(1/175)