اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الْجَنَائِز
اتَّفقُوا على اسْتِحْبَاب ذكر الْمَوْت وَالْوَصِيَّة لمن لَهُ أَو عِنْده
مَا يفْتَقر إِلَى الْإِيصَاء بِهِ من أَمَانَة ووديعة وَغير ذَلِك مَعَ
الصِّحَّة وعَلى تأكيدها عِنْد الْمَرَض.
بَاب مَا يتَعَلَّق بِالْمَيتِ مَعَ غسل وَغَيره
اتَّفقُوا على غسل الْمَيِّت وَأَنه مَشْرُوع من فروض الكفايات إِذا قَامَ
بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْلهم فِي الصَّلَاة على
الْمَيِّت غير الشَّهِيد.
وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل أَن يغسل مُجَردا أَو فِي قَمِيص؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الْأَفْضَل أَن يغسل مُجَردا إِلَّا أَنه
يستر عَوْرَته.
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: الْأَفْضَل أَن يغسل فِي قَمِيص.
وَاخْتلفُوا هَل ينجس الْآدَمِيّ بِالْمَوْتِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى قوليه: ينجس إِلَّا أَن الْمُسلم يطهر
إِذا غسل.
(1/176)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي
الْمَشْهُور عَنْهُم: أَنه لَا ينجس.
وَاتَّفَقُوا على أَن للزَّوْجَة أَن تغسل زَوجهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز للزَّوْج أَن يغسل زَوجته؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَن السقط إِذا لم يبلغ أَرْبَعَة أشهر لم يصل عَلَيْهِ.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا ألقته بعد أَرْبَعَة أشهر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا وجد مَا يدل على الْحَيَاة من عطاس وحركة ورضاع
غسل وَصلى عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك كَذَلِك، إِلَّا فِي الْحَرَكَة فَإِنَّهُ اشْترط أَن تكون
حَرَكَة بَيِّنَة ويصحبها طول مكث يتَيَقَّن مَعهَا الْحَيَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يغسل قولا وَاحِدًا.
وَهل يصلى عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَولَانِ، الْمَشْهُور الْجَدِيد مِنْهُمَا،
أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ.
(1/177)
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا تَيَقّن
الْمَوْت يُوَجه بِهِ إِلَى الْقبْلَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّهِيد الْمَقْتُول فِي المعركة لَا يغسل.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يصلى عَلَيْهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يُصَلِّي عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يصلى
عَلَيْهِ، وَوجه ترك الصَّلَاة عَلَيْهِ لشرفه لِأَنَّهُ لَا يلائم علو
مقَام الشَّهِيد أَن يحضر فِيهِ من هُوَ دون مَنْزِلَته فِي مقَام
الشَّفِيع فِيهِ، والمتوسل لَهُ وَلِأَن الموطن موطن اشْتِغَال بِالْحَرْبِ
فَلَا يشرع فِيهِ مَا يشغل عَن الْحَرْب شغلا لَا يُؤمن مَعَه استظهار
الْعَدو.
وَأما وَجه الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد صلى عَلَيْهِ وَهُوَ أفضل الْخلق.
وَاتَّفَقُوا على أَن النُّفَسَاء تغسل وَيصلى عَلَيْهَا.
وَاتَّفَقُوا على من رفسته دَابَّة فَمَاتَ أَو عَاد عَلَيْهِ سلاحه أَو
تردي من جبل أَو سقط فِي بِئْر فَمَاتَ فِي معركة الْمُشْركين أَنه يغسل
وَيُصلي عَلَيْهِ خلافًا للشَّافِعِيّ فِي قَوْله: لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي
عَلَيْهِ.
(1/178)
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَاجِب من الغسلات
مَا يحصل بِهِ الطَّهَارَة، وَأَن الْمسنون مِنْهَا الْوتر وَأَن السّنة
أَن يكون فِي المَاء السدر، وَفِي الْآخِرَة الكافور.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الْمُسْتَحبّ أَن يكون
فِي كل الْمِيَاه شَيْء من السدر.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون إِلَّا فِي وَاحِدَة مِنْهَا.
وَاخْتلفُوا فِي النِّيَّة فِي غسل الْمَيِّت.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: بِوُجُوبِهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب وَلَكِن الْقَصْد للْفِعْل شَرط.
وَاتَّفَقُوا على وجوب تكفين الْمَيِّت وَأَنه مقدم على الدّين
وَالْوَرَثَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصّفة المجزئة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز الِاقْتِصَار على ثَوْبَيْنِ فِي حق الرجل،
وَإِن كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب أَحدهَا حبرَة، والآخران أبيضان فَهُوَ أحب
إِلَيْهِ.
والحبرة: بردة يَمَانِية.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يُكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب
لفائف،
(1/179)
وَالْمُسْتَحب الْبيَاض فِي كلهَا، وَيُجزئ
الْوَاحِد.
وَأما كفن الْمَرْأَة فَهُوَ خَمْسَة أَثوَاب: قَمِيص، ومئزر، ولفافه،
ومقنعة، وخامسة يشد بهَا فخذاها عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل ذَلِك، فَإِن اقتصروا لَهَا على ثَلَاثَة
أَثوَاب جَازَ، وَيكون الْخمار فَوق الْقَمِيص وَتَحْت اللفافة، وَقَالَ
مَالك: لَيْسَ للكفن حد، وَإِنَّمَا الْوَاجِب ستر الْمَيِّت.
فَأَما تكفينها فِي المعصفر والمزعفر وَالْحَرِير.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يكره.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره.
وكفن الْمَرْأَة إِن كَانَ لَهَا مَال فَيصْرف من مَالهَا عِنْد أبي حنيفَة
وَمَالك وَأحمد، وَإِن لم يكن لَهَا مَال: فَقَالَ مَالك: هُوَ على
زَوجهَا، وَأما أَبُو حنيفَة فَلَا يُوجد عَنهُ فِي ذَلِك نَص.
إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف قَالَ: هُوَ على زَوجهَا، وَقَالَ مُحَمَّد: هُوَ
على بَيت المَال.
(1/180)
فَأَما إِذا كَانَ الزَّوْج مُعسرا فعلى
بَيت المَال على الْوِفَاق بَينهمَا، وَقَالَ أَحْمد: لَا يجب على الزَّوْج
كفن زَوجته بِحَال، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ على الزَّوْج بِكُل حَال.
بَاب فِيمَن هُوَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ على الْمَيِّت
اخْتلفُوا فِيمَن هُوَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ على الْمَيِّت.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم من قوليه:
الْوَالِي أَحَق من الْوَلِيّ.
قَالَ أَبُو حنيفَة: وَالْأولَى للْوَلِيّ إِذا كَانَ هُوَ الأحق، وَلم يكن
الْوَالِي حَاضرا أَن يقدم إِمَام الْحَيّ الْحَاضِر وَلَا يجْبر عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد من قوليه: الْوَلِيّ أَحَق من
الْوَالِي.
وَقَالَ أَحْمد: الأولى الْوَصِيّ، ثمَّ الْوَالِي، ثمَّ الْوَلِيّ.
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد مَعَ
الْكَرَاهِيَة عِنْد أبي
(1/181)
حنيفَة وَمَالك.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز من غير كَرَاهَة.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب بِالنِّيَّةِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يَصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تصح.
وَاتَّفَقُوا على أَن قَاتل نَفسه والغال يصلى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ غير
إِمَامه.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يصلى الإِمَام على هذَيْن؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يصلى عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ مَالك من قتل نَفسه أَو قتل فِي حد، فَإِن الإِمَام لَا يُصَلِّي
عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: لَا يُصَلِّي الإِمَام على الغال وَلَا على
قَاتل نَفسه.
وَاتَّفَقُوا على أَن من شَرط صِحَة الصَّلَاة على الْجِنَازَة الطَّهَارَة
وَستر الْعَوْرَة.
وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أَو خلفهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: خلفهَا أفضل سَوَاء كَانَ رَاكِبًا أَو مَاشِيا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: أمامها فِي الْحَالين.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ مَاشِيا فأمامها أفضل، وَإِن كَانَ رَاكِبًا
فخلفها أفضل.
وَاتَّفَقُوا على أَن الدّفن بِاللَّيْلِ لَا يكره وَأَنه إِلَيْهَا أفضل.
(1/182)
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يسرح شعر
الْمَيِّت إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: يسرح تسريحا خَفِيفا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يضفر شعر الْميتَة ثَلَاثَة قُرُون، ويلقى من خلفهَا
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ترسله الغاسلة غير مضفور بَين
يَديهَا من الْجَانِبَيْنِ، ثمَّ تسدل خمارها عَلَيْهِ.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمَيِّت إِذا مَاتَ وَهُوَ غير مختون فَإِنَّهُ
يتْرك على حَاله وَلَا يختن.
وَاخْتلفُوا فِي تقليم أَظْفَاره وَالْأَخْذ من شَاربه، إِن كَانَ طَويلا.
فَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء وَأحمد: يجوز ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: لَا يجوز
ذَلِك.
وشدد مَالك فِيهِ حَتَّى أوجب على فاعلة التَّعْزِير.
وَاخْتلفُوا فِي الْمحرم إِذا مَاتَ هَل يَنْقَطِع إِحْرَامه؟
(1/183)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَنْقَطِع
إِحْرَامه فَيغسل كَمَا يغسل سَائِر الْمَوْتَى.
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَنْقَطِع إِحْرَامه وَلَا يقرب
طيبا وَلَا يلبس مخيطا، وَلَا يخمر رَأسه وَلَا يشد كَفنه للْحَدِيث
الَّذِي جَاءَ فِي الصَّحِيح من مُسْند ابْن عَبَّاس.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للرجل أَن يغسل ذَوَات مَحَارمه من النِّسَاء؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز إِلَّا أَن مَالِكًا أجَاز ذَلِك
عِنْد عدم النِّسَاء، وَبعد أَن يلف على يَده ثوبا كثيفا.
وتغسل الْمَرْأَة من فَوق ثِيَابهَا، فَإِن لم يكن مَعهَا محرم وَلَا نسَاء
عِنْدهم، فَإِن الْأَجْنَبِيّ يدق على الصَّعِيد الطّيب بِيَدِهِ،
وَيَنْوِي بِهِ التَّيَمُّم للميتة وَيمْسَح بِهِ وَجههَا وكفيها عِنْد
مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه، وَلم نجد عِنْد الشَّافِعِي تضَاد، بل
لأَصْحَابه وَجْهَان أصَحهمَا كمذهب مَالك، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن
أَحْمد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبلغ بِالتَّيَمُّمِ إِلَى الْمرْفقين، فَإِن كَانَ
الْمَيِّت رجلا وَلَا يحضرهُ إِلَّا الأجنبيات، فَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَمَالك: يبلغ بتيممه إِلَى الْمرْفقين.
(1/184)
وَقَالَ أَحْمد: إِلَى الْكُوع.
وَاخْتلفُوا فِيمَن قتل من أهل الْبَغي وقطاع الطَّرِيق.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يغسلون وَيصلى عَلَيْهِم. وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَا يغسلون وَلَا يصلى عَلَيْهِم. قلت: وَلَيْسَ ترك
الصَّلَاة على هَؤُلَاءِ بِمَا لَهُ مُنَاسبَة بترك الصَّلَاة على
الشُّهَدَاء، فَإِن ذَلِك لشرفهم، وَهَؤُلَاء تركت الصَّلَاة عَلَيْهِم
عُقُوبَة لَهُم وزجرا لأمثالهم.
وَاخْتلفُوا هَل الْقِرَاءَة شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة على الْجَنَائِز؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا قِرَاءَة فِيهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: فِيهَا الْقِرَاءَة وَهِي من شَرط صِحَّتهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الدّفن فِي التابوت لَا يسْتَحبّ لَا للرِّجَال وَلَا
للنِّسَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّكْبِير فِيهَا على الْمَيِّت أَربع، يقْرَأ فِي
الأولى الْفَاتِحَة، وَفِي الثَّانِيَة الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِي الثَّالِثَة الدُّعَاء للْمَيت
وللمسلمين، وَفِي الرَّابِعَة يسلم عَن يَمِينه.
إِلَّا أَبَا حنيفَة ومالكا فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي التَّكْبِيرَة الأولى:
حمد اللَّهِ وَالثنَاء عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهَا قِرَاءَة.
(1/185)
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يُتَابع الإِمَام على
مَا زَاد على الْأَرْبَع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يُتَابع.
وَعَن أَحْمد رِوَايَات إِحْدَاهَا: أَنه يُتَابع فِي الْخَامِسَة،
واختارها الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة، وَالثَّالِثَة يتبعهُ
إِلَى سبع.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْقيام فِي صَلَاة الْجِنَازَة مَشْرُوع، ثمَّ
اتَّفقُوا على أَنه من شُرُوط صِحَة الصَّلَاة فِيهَا، إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ من شُرُوط صِحَّتهَا لكنه فرض مثل سَائِر
الْفُرُوض الَّتِي تسْقط بالعذر.
وَفَائِدَة الْخلاف مَعَه: أَن الْوَالِي إِذا كَانَ مَرِيضا فصلى بهم
قَاعِدا فَجَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَصحت صلَاته.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة على الْجَنَائِز؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تُعَاد إِلَّا أَن يكون الْوَلِيّ حَاضرا
فَيصَلي غَيره، فتعاد ليُصَلِّي الْوَلِيّ.
وَقَالَ مَالك: إِن صلى عَلَيْهِ جمَاعَة بِإِذن الإِمَام فَلَا تُعَاد
الصَّلَاة، وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ فَلَا.
(1/186)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي موقف الإِمَام من الْمَيِّت ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقوم بحذاء الصَّدْر مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَقَالَ مَالك: يقف من الرجل عِنْد وَسطه، وَمن الْمَرْأَة عِنْد منكبيها.
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الرجل على وَجْهَيْن، أَحدهمَا: عِنْد
صَدره، وَالْآخر بحذاء رَأسه، وَهُوَ الْأَظْهر، وَالْمَرْأَة عِنْد
وَسطهَا وَجها وَاحِدًا، وَقَالَ أَحْمد: يقف الإِمَام عِنْد صدر الرجل
وَعند وسط الْمَرْأَة.
قلت: هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة على الْقَبْر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن دفن قبل أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَلِيّ صلى
عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاث وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ فَلَا.
وَقَالَ مَالك: إِن دفن وَلم يصل عَلَيْهِ، أَو صلى عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن
الإِمَام أُعِيدَت الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِن
صلى عَلَيْهِ بِإِذن الإِمَام لم تعد الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْوَلِيّ هُوَ
الإِمَام فِي ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يصلى عَلَيْهِ مَا لم يعلم أَنه يَلِي، وَإِن كَانَ
الْوَلِيّ قد صلى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمد: يُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَى شهر، وَإِن كَانَ الْوَلِيّ قد
صلى عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِي الرجل الَّذِي يَمُوت وَلم يحضرهُ إِلَّا النِّسَاء؟
(1/187)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يصلين
عَلَيْهِ جمَاعَة وإمامتهن، وسطهن. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يصلين
منفردات عَلَيْهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن السّنة اللَّحْد، وَأَن الشق لَيْسَ بِسنة وَصفَة
اللَّحْد أَن يحْفر مِمَّا يَلِي الْقَبْر لحدا، ليَكُون الْمَيِّت تَحت
قبْلَة إِذا انصب اللَّبن إِلَّا أَن تكون الأَرْض رخوة فيتخذ لَهَا من
الْحِجَارَة شبها باللحد. وَلَا يلْحد مِنْهَا لِئَلَّا يخر على الْمَيِّت
الْقَبْر.
وَصفَة الشق أَن يبْنى من جَانِبي الْقَبْر بِلَبن أَو حجر، وَيتْرك أَوسط
الْقَبْر لِأَنَّهُ تَابُوت، وَيرْفَع بِحَيْثُ إِذا جعل فِيهِ الْمَيِّت،
وسقف عَلَيْهِ لم يُبَاشر السّقف الْمَيِّت.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّنْبِيه: أَن السّنة اللَّحْد،
فَإِن كَانَت الأَرْض رخوة شقّ لَهُ.
وَاخْتلفُوا هَل التسنيم هُوَ السّنة أَو التسطيح؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو
حنيفَة وَأحمد: السّنة التسينم.
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي اللَّهِ عَنهُ: السّنة التسطيح.
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة من أَصْحَابه: التسنيم هُوَ السّنة
لِأَنَّهُ قد صَار التسطيح شعار الرافضة، ذكره الشاشيني فِي حلية
الْعلمَاء.
(1/188)
وَاخْتلفُوا فِي الْحَامِل تَمُوت وَفِي
بَطنهَا ولد حَيّ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يشق بَطنهَا لإِخْرَاج الْجَنِين.
وَقَالَ أَحْمد: لَا تشق بَطنهَا ويسطو القوابل عَلَيْهِ فيخرجنه.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
قلت: وَالَّذِي أرى أَنه مَا لم يتأت للقوابل إِخْرَاجه بالسطو، فَإِن
بَطنهَا يشق وَيخرج الْوَلَد.
اتَّفقُوا على اسْتِحْبَاب تَعْزِيَة أهل الْمَيِّت.
وَاخْتلفُوا فِي وَقتهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ قبل الدّفن، وَلَا تسن بعده.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تسن قبله وَبعده.
فَأَما الْجُلُوس للتعزية، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ
مَكْرُوه، وَلم نجد عَن أبي حنيفَة نصا فِي ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِي كَرَاهِيَة الْبكاء على الْمَيِّت قبل الْمَوْت وَبعده.
فَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز قبل الْمَوْت وَيكرهُ بعده.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يكره قبل الْمَوْت وَلَا بعده.
(1/189)
وَاخْتلفُوا فِي النداء على الْمَيِّت،
وَهُوَ الْإِعْلَام بِمَوْتِهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا بَأْس بِهِ.
وَقَالَ مَالك: هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ ليتصل الْعلم إِلَى جمَاعَة
حَاضِرَة من الْمُسلمين.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يكره.
وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب اللَّبن والقصب فِي الْقَبْر، وَكَرَاهَة
الْآجر والخشب.
وَاتَّفَقُوا على أَن الاسْتِغْفَار للْمَيت يصل ثَوَابه إِلَيْهِ، وَإِن
ثَوَاب الصَّدَقَة وَالْعِتْق وَالْحج إِذا جعل للْمَيت وصل ثَوَابه
إِلَيْهِ.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالصِّيَام وإهداء
الثَّوَاب للْمَيت.
فَقَالَ أَحْمد: يصل إِلَيْهِ ثَوَاب ذَلِك، وَيحصل لَهُ نَفعه.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يصل.
بل قَالَ السُّبْكِيّ من أَصْحَابه الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر
بالاستنباط، أَن بعض الْقُرْآن إِذا قصد نفع الْمَيِّت نَفعه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: ثَوَابه لفَاعِله.
(1/190)
|