اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الْبيُوع
اتَّفقُوا على جَوَاز البيع وَتَحْرِيم الرِّبَا.
لقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأحل اللَّهِ البيع وَحرم الربوا} .
وَالْبيع فِي اللُّغَة: إِعْطَاء شَيْء وَأخذ شَيْء.
وَشرعا عبارَة عَن إِيجَاب وَقبُول.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يَصح البيع من كل بَالغ عَاقل مُخْتَار مُطلق
التَّصَرُّف.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَصح بيع الْمَجْنُون.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي بيع الصَّبِي.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح بَيْعه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إِن كَانَ مُمَيّزا.
إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: يَصح وَلَكِن لَا ينفذ إِلَّا بِإِذن سَابق
من الْوَلِيّ وَأَجَازَهُ لَا حَقه.
وَقَالَ أَحْمد: يَصح مَعَ إِذن الْوَلِيّ وإشرافه.
(1/345)
وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْإِيجَاب
وَالْقَبُول فِي الْأَشْيَاء الخطيرة والتافهة؟
وَقَالَ مَالك: لَا يشْتَرط ذَلِك فِي الخطيرة وَلَا فِي التافهة، وكل مَا
رَآهُ النَّاس بيعا، فَهُوَ بيع.
وَقَالَ الشَّافِعِي: ذَلِك وَاجِب فِي الْأَشْيَاء الخطيرة والتافهة.
وَقَالَ أَحْمد: يجب فِي الخطيرة دون التافهة فَلَا يجب فِيهَا.
وَاخْتلفُوا هَل ينْعَقد البيع بِلَفْظ المعاطاة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى روايتيه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي
إِحْدَى روايتيه: لَا ينْعَقد وَيرد كل مَا أَخذه مِنْهَا أَو بدله إِن
تلف.
وَقَالَ مَالك: ينْعَقد.
وَعَن أبي حنيفَة: ينْعَقد.
وَعَن أَحْمد مثله.
(1/346)
وَهَذِه فِي الْأَشْيَاء كلهَا على
الْإِطْلَاق.
وَاتَّفَقُوا على بيع الْعين الطاهرة الْقَابِلَة للْبيع صَحِيح.
وَاخْتلفُوا فِي بيع الْعين النَّجِسَة فِي نَفسهَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز بيعهَا.
وَاسْتثنى مَالِكًا جَوَاز بيع مَا فِيهِ الْمَنْفَعَة مِنْهَا.
كَالْكَلْبِ الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه شرعا مَعَ الْكَرَاهِيَة، وَمن
أَصْحَابه من منع الْجَوَاز على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع الْكَلْب والسرجين وَالنَّجس، وَالزَّيْت
النَّجس، وَالسمن النَّجس.
وَاتَّفَقُوا على أَن الحزر، لَا يَصح بَيْعه وَلَا يجوز.
(1/347)
وَاتَّفَقُوا على أَن أم الْوَلَد لَا يجوز
بيعهَا.
وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد.
فَمنع صِحَّته وجوازه أَحْمد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع جَائِز، وَيكرهُ إِحْضَار السّلع فِي
الْمَسْجِد وَقت البيع، وَينفذ البيع مَعَ ذَلِك.
وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ الْكَرَاهَة.
وَاتَّفَقُوا على صِحَة بيع الْحَاضِرَة الَّتِي يَرَاهَا البَائِع
وَالْمُشْتَرِي حَالَة العقد.
وَاخْتلفُوا فِي بيع الْأَعْيَان الغائبة بِالصّفةِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَصح البيع.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، الْجَدِيد مِنْهُمَا الصِّحَّة.
وَاخْتلفُوا فِي بيع الْعين الغائبة عَن الْمُتَعَاقدين الَّتِي لم تُوصَف
لَهما.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا سَوَاء كَانَ
معينا أم لم يكن.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح على الْإِطْلَاق.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يَصح كمذهبهما.
(1/348)
وَالثَّانِي: جَوَاز العقد وَإِثْبَات
الْخِيَار للْمُشْتَرِي عِنْد وجود الْمَبِيع.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعين إِذا كَانَ رأياها وعرفاها ثمَّ تبايعاها بعد
ذَلِك أَن البيع جَائِز فِيمَا لم يغلب تغيره إِلَى وَقت العقد، وَلَا
خِيَار للْمُشْتَرِي إِن رَآهَا على الصّفة الَّتِي كَانَ عرفهَا بهَا
فَإِن تَغَيَّرت فَلهُ الْخِيَار.
وَاخْتلفُوا فِي بيع الْأَعْمَى وشرائه إِذا وصف الْمَبِيع لَهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: هُوَ صَحِيح.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا يَصح.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز بيع آلَة الملاهي.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز بيعهَا، وَلَا ضَمَان على متلفها.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيعهَا وَيضمن متلفها.
(الوجا) غير مؤلفة تأليفا يلهى.
(1/349)
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح بيعهَا،
وَإِن أتلفهَا إتلافا شَرْعِيًّا لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
بَاب الْخِيَار
اتَّفقُوا على أَنه إِذا وَجب البيع وتفرقا من الْمجْلس من غير خِيَار
فَلَيْسَ لأَحَدهمَا الرَّد إِلَّا بِعَيْب.
وَاتَّفَقُوا على أَن خِيَار الْمجْلس لَا يثبت فِي الْعُقُود الَّتِي هِيَ
غير لَازِمَة كالشركة وَالْوكَالَة وَالضَّمان.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يثبت أَيْضا فِي الْعُقُود اللَّازِمَة الَّتِي
لَا يقْصد فِيهَا الْعِوَض كَالنِّكَاحِ وَالْخلْع وَالْكِتَابَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة الَّتِي يقْصد
مِنْهَا المَال كَالْبيع وَالصُّلْح وَالْحوالَة وَالْإِجَارَة وَنَحْوهَا
هَل يثبت فِيهَا خِيَار الْمجْلس؟
(1/350)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: خِيَار
الْمجْلس بَاطِل وَالْعقد بالْقَوْل كَاف لَازم وَإِذا وَجب البيع بَينهمَا
فَلَيْسَ لأَحَدهمَا الْخِيَار وَإِن كَانَا فِي الْمجْلس.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ صَحِيح ثَابت وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا
الْخِيَار مَا دَامَ فِي الْمجْلس فَيبقى وَلَو طَال مكثهما أَو تماشيا
منَازِل وَإِن زَادَت الْمدَّة عَن ثَلَاثَة أَيَّام.
وَاخْتلفُوا هَل يثبت خِيَار الْمجْلس فِي عقد السّلم وَالصرْف أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ بِثَابِت فيهمَا وَلَا فِي غَيرهمَا
من الْعُقُود.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يثبت فيهمَا جَمِيعًا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز شَرط الْخِيَار للمتعاقدين مَعًا ولأحدهما
بِانْفِرَادِهِ إِذا شَرطه.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي مُدَّة الْخِيَار.
(1/351)
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا
يجوز أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقَالَ مَالك: يجوز بِقدر الْحَاجة.
وَقَالَ أَحْمد: يجوز أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَبِيع إِذا تلف فِي مُدَّة الْخِيَار.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تلف الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار إِذا كَانَ
قبل انْتقض البيع سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا، وَصَارَ
كَأَن لم يعْقد.
فَأَما إِن كَانَ تلفه فِي يَد المُشْتَرِي وَكَانَ الْخِيَار لَهُ فقد تمّ
البيع وَلزِمَ وَإِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع انْتقض البيع وَلزِمَ
المُشْتَرِي قيمَة الْمَبِيع لَا الثّمن الْمُسَمّى فِي العقد.
وَقَالَ مَالك: إِذا أتلفت السّلْعَة الْمَبِيعَة بِالْخِيَارِ فِي مُدَّة
الْخِيَار فضمانها من
(1/352)
بَائِعهَا دون مشتريها إِذا كَانَت فِي
يَده أَو لم تكن فِي يَد وَاحِد مِنْهُمَا.
وَإِن قبضهَا الْمُبْتَاع ثمَّ تلفت فِي يَده وَكَانَت مِمَّا يعاب عَنهُ
فضمانها مِنْهُ.
إِلَّا أَن تقوم لَهُ بَيِّنَة على تلفهَا فَيسْقط عَنهُ ضَمَانهَا.
وَإِن كَانَت مِمَّا لَا يعاب عَنهُ فضمانها على كل حَال من بَائِعهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي إِحْدَى روايتيه: إِن تلفت قبل الْقَبْض انْفَسَخ
البيع وَكَانَت من مَال بَائِعهَا.
وَإِن كَانَت بعد الْقَبْض لم يَنْفَسِخ البيع وَلم يبطل الْخِيَار.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: لَا يبطل الْخِيَار، وَالرِّوَايَة
الثَّانِيَة يبطل، وَالْأولَى اخْتَارَهَا القَاضِي أَبُو يعلى،
وَالثَّانيَِة اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَفَائِدَة الْخلاف بَين الرِّوَايَتَيْنِ بَين.
عَن أَحْمد بِأَنَّهُمَا إِذا لم يُجِيز البيع وَاخْتَارَ الْفَسْخ لم
يَصح.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح البيع بعد التّلف فِي مَاذَا يرجع
البَائِع على
(1/353)
المُشْتَرِي إِذا كَانَ تلف الْمَبِيع فِي
يَده؟ على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهَا: يرجع بِالْقيمَةِ، وَالثَّانيَِة:
يرجع بِالثّمن الْمُسَمّى، فَإِذا رَجَعَ بِالْقيمَةِ فَالْخِيَار لَهُ
بِحَالهِ لِأَنَّهُ قد مَالك الْفَسْخ وَتعذر الرُّجُوع فِي الْعين فَيرجع
إِلَى الْقيمَة، وَإِذا رَجَعَ البَائِع على المُشْتَرِي بِالثّمن
فَالْخِيَار قد بَطل لِأَنَّهُ غير مَالك للْفَسْخ، فَرجع بِالْمُسَمّى
لبَقَاء العقد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا، وَالْخيَار للْمُشْتَرِي
خَاصَّة فَأعْتقهُ فَإِنَّهُ ينفذ الْعتْق.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا وَالْخيَار للْبَائِع
فَأعْتقهُ فَإِنَّهُ ينفذ الْعتْق.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فِي
مُدَّة الْخِيَار لَهما.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينفذ الْعتْق.
وَقَالَ مَالك: الْعتْق مَوْقُوف على إجَازَة البَائِع، فَإِن أجازة نفذ،
وَإِن لم يجزه لم ينفذ.
وَمذهب الشَّافِعِي أَن إِعْتَاق المُشْتَرِي يسْقط خِيَاره وَهل ينفذ عتقه
يَبْنِي على إجَازَة البَائِع وفسخه.
فَإِن أجَاز البيع نفذ الْعتْق.
فَهَل يحكم بنفاذ الْعتْق يَبْنِي على الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة فِي البيع
الْمَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار، مَتى ينْقل الْملك فعلى قَوْله: أَن
المُشْتَرِي يملك بِنَفس العقد، أَو قُلْنَا:
(1/354)
أَنه مراعى فَإِن الْعتْق قد نفذ لِأَنَّهُ
صَادف ملكه، وَإِذا قُلْنَا: لَا ينْتَقل الْملك بِنَفس العقد، وَإِنَّمَا
ينْتَقل بِالْعقدِ وَانْقِطَاع الْخِيَار.
أَو قُلْنَا: أَنه مراعى لم ينفذ عتقه.
وَإِن قُلْنَا: إِنَّه ينْتَقل الْملك بِنَفس العقد، فَالَّذِي نَص
عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَاخْتَارَهُ،
هُوَ وَأكْثر أَصْحَابه، أَنه لَا ينفذ.
وَحكى عَن ابْن شُرَيْح أَنه قَالَ: ينفذ إِن كَانَ مُوسِرًا.
وَقَالَ أَحْمد: ينفذ على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي الْخِيَار: هَل يُورث بِمَوْت صَاحبه؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُورث.
وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يُورث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب هَل ينْعَقد البيع؟
(1/355)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تقدم الْقبُول
على الْإِيجَاب فِي النِّكَاح صَحَّ، فَأَما البيع فَإِن كَانَ تقدم
الْقبُول فِيهِ بِلَفْظ الْمَاضِي صَحَّ، وَإِن كَانَ بِلَفْظ الطّلب
وَالْأَمر لم يَصح. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح البيع وَالنِّكَاح
جَمِيعًا إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب سَوَاء كَانَ بِلَفْظ
الْمَاضِي أَو الطّلب.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب فِي النِّكَاح صَحَّ،
وَسَوَاء كَانَ بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب رِوَايَة وَاحِدَة، فَأَما
البيع فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنهُ.
إِحْدَاهمَا: يَصح كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَالْأُخْرَى: لَا يَصح
البيع على الْإِطْلَاق وَهِي أشهرهما.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْغبن فِي البيع بِمَا لَا يفحش وَلَا يُؤثر فِي
صِحَّته.
(1/356)
ثمَّ اخْتلفُوا إِذا كَانَ الْغبن فِيهِ
بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ فِي الْعَادة. فَقَالَ مَالك وَأحمد:
يثبت الْفَسْخ، وَقدره مَالك بِالثُّلثِ وَلم يقدره أَحْمد، بل قَالَ أَبُو
بكر عبد الْعَزِيز من أَصْحَابه حَده الثُّلُث، كَمَا قَالَ مَالك. وَقَالَ
بعض مِنْهُم حَده السُّدس. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يثبت
الْفَسْخ بِحَال وَهَذَا هُوَ مَحْمُول على بيع الْمَالِك الْبَصِير.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أطلق البيع وَلم يعين بِالثّمن النَّقْد،
انْصَرف إِلَى غَالب نقد الْبَلَد.
بَاب الرِّبَا
اتَّفقُوا على أَن الرِّبَا الَّذِي حرمه اللَّهِ ضَرْبَان: زِيَادَة
وَنسَاء.
فَمِنْهَا الْأَعْيَان السِّتَّة الَّتِي نَص الشَّارِع - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي: الذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَالْبر، وَالشعِير،
وَالتَّمْر، وَالْملح.
(1/357)
فأجمع الْمُسلمُونَ على أَنه لَا يجوز بيع
الذَّهَب بِالذَّهَب مُنْفَردا، أَو الْوَرق بالورق تبرها ومضروبها وحليها
إِلَّا مثلا بِمثل، وزنا بِوَزْن، يدا بيد، وَأَنه لَا يُبَاع شَيْء
مِنْهَا غَائِب بناجز.
فقد حرم فِي هَذَا الْجِنْس الرِّبَا من طَرِيقين الزِّيَادَة وَالنِّسَاء
جَمِيعًا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّة
بِالذَّهَب متفاضلين يدا بيد، وَيحرم النسأ فِي ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ، وَالشعِير
بِالشَّعِيرِ، وَالْملح بالملح، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، إِذا كَانَ بمعيار
إِلَّا مثلا بِمثل ويدا بيد، وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهَا غَائِب بناجز.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز التَّفَرُّق فِي ذَلِك قبل
الْقَبْض وَحده.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع التَّمْر بالملح، وَالْملح بِالتَّمْرِ
متفاضلين يدا بيد، وَلَا يجوز أَن يَتَفَرَّقَا من الْمجْلس قبل الْقَبْض.
(1/358)
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ:
لَيْسَ من شَرط صِحَّته الْقَبْض فِي الْمجْلس فِي الجنسين إِلَّا أَن يكون
جُزْءا من صبرَة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الْجيد بالرديء من جنس وَاحِد مِمَّا
يَجْزِي فِيهِ الرِّبَا إِلَّا مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَالْعَسَل بالزيت
مُتَفَاضلا يدا بيد، وَأَنه لَا يجوز نسَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَن بيع الْحِنْطَة بِالذَّهَب وَالْفِضَّة جَائِز نسَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع التَّمْر بالملح، وَالْملح بِالتَّمْرِ
نسأ على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي الْحِنْطَة وَالشعِير هَل هما جنس وَاحِد أَو جِنْسَانِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه، وَالشَّافِعِيّ: أَنَّهُمَا
جِنْسَانِ يجوز التَّفَاضُل فيهمَا والمماثلة.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ جنس وَاحِد فَلَا
يجوز عِنْدهمَا
(1/359)
إِذا بيع بَعْضهَا بِبَعْض إِلَّا مثلا
بِمثل يدا بيد.
وَاتَّفَقُوا على أَن المكيلات الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَهِي: الْبر
وَالشعِير وَالتَّمْر وَالْملح مكيلة أبدا لَا يجوز بيعهَا بَعْضهَا
بِبَعْض إِلَّا كَيْلا والموزونات الْمَنْصُوص عَلَيْهَا أبدا موزونة،
فَأَما مَا لم ينص على تَحْرِيم التَّفَاضُل فِيهِ كَيْلا وَلَا وزنا
فَاخْتَلَفُوا فِيهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمرجع فِيهِ إِلَى عادات النَّاس بِالْبَلَدِ
الَّذِي هم فِيهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْمرجع فِيهِ إِلَى عرف الْعَادة
بالحجاز فِي عهد رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَمَا كَانَت الْعَادة فِيهِ بِالْمَدِينَةِ بِالْكَيْلِ لم يجز إِلَّا
كَيْلا فِي سَائِر الدُّنْيَا، وَمَا كَانَت الْعَادة فِيهِ بِمَكَّة
بِالْوَزْنِ لَا يجز إِلَّا وزنا فِي سَائِر الدُّنْيَا، فَأَما مَا لَيْسَ
هُنَاكَ عرف
(1/360)
احْتمل أَن يرد إِلَى أقرب الْأَشْيَاء
بِهِ شبها بالحجاز وَاحْتمل أَن يعْتَبر بِالْعرْفِ فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ الْمُؤلف: وَهَذَا إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ فِيمَا يُبَاع من تمر
بِتَمْر فَيكون بالعيار فِيمَا بَينهمَا الْكَيْل.
فَأَما قَوْلهم: أَن الْكَيْل كيل الْمَدِينَة، وَالْمِيزَان ميزَان
مَكَّة، فَإِن أصل الْمُسلمين الَّذين بنوا عَلَيْهِ فِي بيع التَّمْر
بِالتَّمْرِ هُوَ فعل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-، فَذَلِك بِالْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ التَّمْر وَهُوَ ميسر كَيْله
فَإِنَّهُ ينْبت فِي أَرض لَا تغشاها الْمِيَاه فَيكون ثَمَرهَا فِي
الْغَالِب يَابسا يَتَأَتَّى كَيْله، وَيكون المعيار فِيهِ الَّذِي يكْشف
الصِّحَّة ويحرز الْمُمَاثلَة هُوَ الْكَيْل، فَأَما الثِّمَار الَّتِي
بسواد الْعرَاق وَغَيرهَا من الْأَرَاضِي الَّتِي يغشى تحليها الْمِيَاه،
فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهَا الْمُمَاثلَة فِي الْكَيْل، وَلَا يتحرز
إِلَّا بِالْوَزْنِ وَالَّذِي أرَاهُ أَن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما ثَبت عَنهُ كيل التَّمْر بِالْمَدِينَةِ
فَإِنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْهُ تَأْجِيل الْمُمَاثلَة وَأَن لَا يُؤْخَذ من
ذَلِك شَيْء إِلَّا بمعيار، فَيكون فِيمَا يتهيأ كَيْله الْكَيْل،
(1/361)
وَفِيمَا لَا يتهيأ كَيْله الْوَزْن.
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي ميزَان مَكَّة.
فَأَما بيعهَا بِالذَّهَب كَيْلا ووزنا وصبرا، فَإِن ذَلِك جَائِز.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يحرم على الْمُسلمين الرِّبَا فِي دَار الْحَرْب.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: بِالْفرقِ بَين الدَّاريْنِ فِي
التَّحْرِيم، وَقَالَ: يحل للْمُسلمِ ذَلِك مُدَّة كَونه فِي دَار الْحَرْب
خَاصَّة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا لَيْسَ بمكيل وَلَا مَوْزُون مثل الثِّيَاب
وَالْحَيَوَان وَنَحْو ذَلِك من الْأَشْيَاء المعدودة.
هَل يجوز بيع بعضه بِبَعْض نسَاء؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحرم النِّسَاء فِي الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ، فعلى
هَذَا الْمَذْهَب عِنْده لَا بَأْس بِبيع الْبَقَرَة بشاتين نسَاء
لاخْتِلَاف الجنسين، وَلَا يجوز عِنْده بقرة ببقرتين نسَاء.
(1/362)
وَقَالَ مَالك: الْجِنْس الْوَاحِد مَعَ
تساويه فِي الصّفة يحرم فِيهِ النِّسَاء، إِلَّا إِن كَانَ مُتَفَاضلا،
فَأَما إِن تفاضل الْجِنْس الْوَاحِد فِي نَفسه مثل أَن تكون الْبَقَرَة
لبونا، أَو الْفرس جوادا، أَو الْجمل نجيبا فَأسلم فِي عدَّة من جنسه
مِمَّا لَا يماثله فِي الصّفة، وَلَا يُقَارِبه فِي الْجَوْدَة فَجَائِز
كالجنسين، فَأَما فِي الجنسين فَلَا يحرم فِيهِ النِّسَاء بِحَال، وَإِن
كَانَ مُتَفَاضلا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يحرم فِيهِ النِّسَاء بِحَال.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يجوز التَّفَاضُل والنسأ فِي
ذَلِك كُله على الْإِطْلَاق.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن كَانَت من جنس لم يجز بيع بَعْضهَا بِبَعْض
نسَاء وَإِن كَانَت من جِنْسَيْنِ كثياب بحيوان جَازَ النِّسَاء كمذهب أبي
حنيفَة.
وَالثَّالِثَة: أَن الْعرُوض بانفرادها يحرم فِيهَا النِّسَاء على
الْإِطْلَاق سَوَاء اتّفقت أجناسها، أَو اخْتلفت، وَهِي الَّتِي
اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
فعلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يجوز بيع بعير ببعيرين نسَاء وَلَا بقرة بشاتين
نسَاء، وَلَا ثوب بثوبين نسَاء، وَيجوز يدا بيد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَيْسَ بَين السَّيِّد وَبَين عَبده رَبًّا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرِّبَا لَا يَجْزِي فِي المَاء، وَأَن التَّفَاضُل
جَائِز فِيهِ، إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك: أَن
الرِّبَا يَجْزِي فِيهِ، لِأَنَّهُ مَكِيل عِنْده.
(1/363)
وَوَافَقَهُ على ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن،
وَهُوَ أحد وَجْهَيْن لأَصْحَاب الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْحِنْطَة بالدقيق وَالْحِنْطَة بالسويق والسويق
بالدقيق؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يجوز
بِحَال.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: يجوز ذَلِك إِذا كَانَ بِالْوَزْنِ،
وَلَا يجوز إِذا كَانَ بِالْكَيْلِ، وَالْأُخْرَى: الْمَنْع فِي ذَلِك.
وَقَالَ عبد الْوَهَّاب فِي الْإِشْرَاق: اخْتلف أَصْحَابنَا فِي قَول
مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَمنهمْ من يَقُول: الْمَسْأَلَة على
رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: الْجَوَاز وزنا.
وَالْأُخْرَى: الْمَنْع.
وَمِنْهُم من يَقُول: إِنَّمَا هِيَ على اخْتِلَاف حَالين، إِن كَانَ
كَيْلا بكيل فَلَا يجوز.
وَإِن كَانَ وزنا بِوَزْن جَازَ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب مَالك فِي الْجَوَاز وزنا،
وَالْأُخْرَى: لَا
(1/364)
يجوز وَهِي الْمَشْهُورَة.
ثمَّ اخْتلف مجيزاه فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ من كل وَاحِد مِنْهُمَا
فِي كَيْفيَّة جَوَازه.
فَقَالَ مَالك: يجوز مُتَسَاوِيا ومتفاضلا، وَوَافَقَهُ على ذَلِك صاحبا
أبي حنيفَة أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز إِلَّا مُتَسَاوِيا، وَلَا يجوز مُتَفَاضلا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرِّبَا الْمحرم يجْرِي فِي غير الْأَعْيَان
السِّتَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا، وَأَنه مُتَعَدٍّ مِنْهَا إِلَى كل
مُلْحق بِشَيْء مِنْهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعلَّة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الْعلَّة فِي الْمَذْهَب وَالْفِضَّة
الْوَزْن وَالْجِنْس، فَكل مَا جمعه الْوَزْن وَالْجِنْس فالتحريم ثَابت
فِيهِ إِذا بَاعه مُتَفَاضلا كالذهب وَالْفِضَّة. ثمَّ يتَعَدَّى مِنْهَا
إِلَى الْحَدِيد والنحاس والرصاص وَمَا أشبهه.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْعلَّة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة الثمينة
فَلَا يجْرِي الرِّبَا عِنْدهمَا فِي الْحَدِيد والرصاص وَمَا أشبههما.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ، وَهِي اخْتِيَار
الْخرقِيّ وشيوخ أَصْحَابه: الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة
الْبَاقِيَة زِيَادَة كيل فِي جنس المكيلات فَكل مَا
(1/365)
جمعه الْجِنْس والكيل فالتحريم فِيهِ ثَابت
إِذا بيع مُتَفَاضلا كالحنطة وَالشعِير، والنورة والجص والأشنان وَمَا
أشبهه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى فِي عِلّة الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة
أَنَّهَا: مَأْكُول مَكِيل، أَو مَأْكُول مأزون، فعلى هَذِه الرُّؤْيَة لَا
رَبًّا فِيمَا يُؤْكَل وَلَيْسَ بمكيل وَلَا مَوْزُون مثل الرُّمَّان
والسفرجل والبطيخ وَالْخيَار، وَلَا فِي غير الْمَأْكُول مِمَّا يُكَال
ويوزن كالنورة والجص والأشنان.
وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة فِي عِلّة الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة أَنه
مَأْكُول جنس، فعلى هَذِه الرِّوَايَة يحرم مَا كَانَ مَأْكُولا خَاصَّة
وَيدخل فِي التَّحْرِيم سَائِر المأكولات. وَيخرج مِنْهُ مَا لَيْسَ
بمأكول.
وَقَالَ مَالك: الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة كَونهَا مقتاته
وَمَا يصلح للقوت من جنس مدخر فَيدْخل تَحْرِيم الرِّبَا فِي ذَلِك كُله
كالأقوات المدخرة واللحوم والألبان والخلول والزيوت وَالْعِنَب وَالزَّبِيب
وَالزَّيْتُون وَالْعَسَل وَالسكر.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: أَن الْعلَّة فِي الْأَعْيَان
الْأَرْبَعَة أَنَّهَا مطعوم جنس،
(1/366)
فعلى هَذَا يجْرِي الرِّبَا عِنْده فِي
الرُّمَّان والسفرجل وَالْبيض وَنَحْوه.
فَلَا يجوز بيع سفرجلة بسفرجلتين، وَلَا بَيْضَة ببيضتين، وَلَا رمانة
برمانتين كالرواية الثَّالِثَة عَن أَحْمد.
وَقَالَ فِي الْقَدِيم: مطعومة مكيلة أَو موزونة، فعلى هَذَا القَوْل لَا
يجْرِي الرِّبَا بِمُجَرَّد الطّعْم فِي المطعومات.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الدَّقِيق بالدقيق مَعَ تساويهما فِي النعومة
مثلا بِمثل.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْخَبَر بالْخبر رطبا وزنا على التَّسَاوِي؟
فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز.
إِلَّا أَن مَالِكًا زَاد عَلَيْهِم بِشَرْط جَوَاز بَيْعه على
التَّحَرِّي.
(والتغريب) أَيْضا فِي الْأَسْفَار خَاصَّة.
(1/367)
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْحِنْطَة
المبلولة باليابسة مثلا بِمثل؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي خل الْعِنَب وخل التَّمْر، هَل هما جِنْسَانِ أَو جنس
وَاحِد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هما
جِنْسَانِ فَيجوز بيع بعضهما بِبَعْض مُتَفَاضلا.
وَقَالَ مَالك: هما جنس وَاحِد فَلَا يجوز بيع بَعْضهَا بِبَعْض إِلَّا على
التَّسَاوِي، وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع اللَّحْم بِاللَّحْمِ وَالْبيض بالبيض على
التَّحَرِّي؟
(1/368)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد: لَا يجوز بِحَال.
وَقَالَ مَالك: يجوز بَيْعه على التَّحَرِّي، وَاخْتلف أَصْحَابه فَمنهمْ
من قَالَ: ذَلِك جَائِز على الْإِطْلَاق، وَمِنْهُم من شَرط فِيهِ تعذر
الموازين كالبوادي والأسفار.
وَاخْتلفُوا فِي اللحمان هَل هِيَ جنس وَاحِد أَو أَجنَاس؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ أَجنَاس مُخْتَلفَة باخْتلَاف أُصُولهَا.
وَقَالَ مَالك: هِيَ ثَلَاثَة أَصْنَاف، لحم ذَوَات الْأَرْبَع من
الْأَنْعَام والوحش كلهَا صنف وَاحِد.
وَلُحُوم الطير كلهَا صنف وَاحِد، وَلُحُوم ذَوَات المَاء صنف.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول: كلهَا جنس وَاحِد وَفِي الْأُخَر: أَنَّهَا
أَجنَاس على الْإِطْلَاق.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا أَجنَاس مُخْتَلفَة
باخْتلَاف أُصُولهَا مُطلقًا كمذهب أبي حنيفَة، وَأحد الْقَوْلَيْنِ عَن
الشَّافِعِي، وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة: أَنَّهَا أَرْبَعَة أَجنَاس:
لحم الْأَنْعَام صنف، والوحوش صنف، وَالطير صنف، وَذَوَات المَاء صنف.
وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: أَنَّهَا كلهَا صنف وَاحِد كالقول الآخر. عَن
الشَّافِعِي.
(1/369)
وَهَذَا، أَعنِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة،
اخْتِيَار الْخرقِيّ.
ففائدة الْخلاف بَينهم أَن من قَالَ: كلهَا جنس وَاحِد لم يجز بيع بَعْضهَا
بِبَعْض على الْإِطْلَاق متماثلا.
وَمن قَالَ: أَجنَاس ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة أَو مُخْتَلفَة على
الْإِطْلَاق أجَاز بيع كل وَاحِد مِنْهَا بخلافة من الْجِنْس الآخر
مُتَفَاضلا وَلم يجزه بِصفة إِلَّا متماثلا، وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِي
الألبان.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع الرطب بِالتَّمْرِ.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ أجَازه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز بيع الرطب بالرطب مثلا بِمثل إِلَّا
الشَّافِعِي فَإِنَّهُ منع مِنْهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَن لبن الأدميان طَاهِر يجوز بَيْعه وشربه.
وَانْفَرَدَ أَبُو حنيفَة من بَينهم بِأَن قَالَ: لَا يجوز بَيْعه.
وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: هُوَ نجس.
وَاخْتلفُوا فِي بيع الْعَرَايَا.
(1/370)
فَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد.
وحجتهم الحَدِيث الصَّحِيح، وَقد تقدم ذكرنَا لَهُ.
على اخْتِلَاف بَينهم فِي صفة الْعَرَايَا الْمُبَاحَة وقدرها وَسَيَأْتِي
بَيَانه إِن شَاءَ اللَّهِ.
وَمنع مِنْهُ أَبُو حنيفَة على الْإِطْلَاق.
فَأَما اخْتلَافهمْ فِي قدرهَا.
فَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّافِعِيّ فِي أحد
قوليه: يجوز فِي خَمْسَة أوسق.
وَقَالَ أَحْمد: إِنَّمَا يجوز فِيمَا دون خَمْسَة أوسق، وَلَا يجوز فِي
الْخَمْسَة.
وَعَن الشَّافِعِي وَمَالك مثله.
وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا لَا يجوز فِيمَا زَاد على خَمْسَة أوسق.
وصفتها عِنْد مَالك أَن يكون قد وهب رجل لآخر ثَمَر نَخْلَة أَو نخلات من
(1/371)
حائطة، ويشق على الْوَاهِب دُخُول
الْمَوْهُوب لَهُ إِلَى فِرَاخه فَلَا يجوز لمن أعريها بيعهَا حَتَّى يبدوا
صَلَاحهَا.
ثمَّ إِذا بدا صَلَاحهَا فَلهُ بيعهَا مِمَّن شَاءَ غير معريها بِالذَّهَب
وَالْفِضَّة وَالْعرُوض، وَمن معريها خَاصَّة بِخرْصِهَا تَمرا.
وَذَلِكَ لَهُ بِثَلَاثَة شُرُوط، أَحدهَا: أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ عِنْد
الْجذاذ، فَإِن شَرط قطعهَا فِي الْحَال لم يجز.
وَالثَّانِي: أَن يكون فِي خَمْسَة أوسق فدون، فَإِن زَاد على ذَلِك لم
يجز.
وَالثَّالِث: أَن يَبِيعهَا بِالتَّمْرِ مَقْصُورا على معريها خَاصَّة دون
غَيره، وَهِي فِي كل ثَمَرَة تيبس وتدخر.
فَأَما الشَّافِعِي وَأحمد فَيجوز عِنْدهمَا أَن يَبِيع امرء وهبت لَهُ
ثَمَرَة النَّخْلَة والنخلات خرصا بِمِثْلِهَا من التَّمْر الْمَوْضُوع على
الأَرْض نَقْدا من معريها، أَو من غَيره يأكلها المُشْتَرِي رطبا، فَإِن
أَخّرهَا المُشْتَرِي حَتَّى تتموت بَطل البيع وَلَا يجوز بيعهَا نسَاء
وَلَا يكون بيعهَا جَائِزا قبل أَن يبدوا صَلَاحهَا لَا خلاف بَينهمَا فِي
هَذِه الْجُمْلَة.
(1/372)
إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: يجوز بيعهَا
مِمَّن لَهُ حَاجَة إِلَى الرطب، وَمِمَّنْ لَيست لَهُ حَاجَة.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز بيعهَا إِلَّا لمن بِهِ حَاجَة إِلَى أكل الرطب
وَلَا ثمن مَعَه.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ جنس يجْرِي فِي الرِّبَا.
فيبيع بِجِنْس مثله متماثلا، وَكَانَ مَعَ أحد الجنسين شَيْء من غَيره أَو
مَعَهُمَا وَمِثَال ذَلِك بيع صَاع تمر وثوب بصاعين من تمر، أَو دِينَار
جيد ودينار متوسط بدينارين جَيِّدين، أَو مد عَجْوَة وَدِرْهَم بمدي
عَجْوَة أَو مد حِنْطَة وَمد شعير بمدي حِنْطَة.
فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه إِلَى أَن ذَلِك غير
جَائِز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ الْمَأْكُول.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز على الْإِطْلَاق.
(1/373)
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز بيع اللَّحْم
بِالْحَيَوَانِ من نَوعه الَّذِي لَا يجوز بيع لحم بعضه بِبَعْض مُتَفَاضلا
إِذا كَانَ الْحَيّ لَا يصلح للذبح مثل الكباش المعلوفة للقصاب والهراس
وَيجوز بِغَيْر نَوعه.
فَالْأول مثل بيع لحم غنم بجمل حَيّ، وَالثَّانِي: لحم شَاة بطير حَيّ.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن بَاعه بِجِنْسِهِ لَا يجوز قولا وَاحِدًا، وَإِن
بَاعه بِغَيْر جنسه على قَول: أَنَّهَا كلهَا جنس وَاحِد، لَا يجوز.
وعَلى قَوْله: أَنَّهَا كلهَا أَجنَاس، فِيهِ قَولَانِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بَاعه بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير مُعينَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تتَعَيَّن بِالْعقدِ وَلَا تملك. .
وَقَالَ عبد الْوَهَّاب صَاحب الْأَشْرَاف: الظَّاهِر من مَذْهَب مَالك
أَنَّهَا لَا تتَعَيَّن.
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: أَنَّهَا تتَعَيَّن.
(1/374)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أَنَّهَا
تتَعَيَّن بِالْعقدِ.
وَمَعْنَاهُ: أَن أعيانها تملك بِالْعقدِ، وَأَن تعينها يمْنَع استبدالها
وَيمْنَع ثُبُوت مثلهَا فِي الذِّمَّة.
وَأَنَّهَا إِن خرجت مَغْصُوبَة بَطل العقد.
وَاخْتلفُوا فِي بيع فلس بفلسين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت كاسدة فَلَا رَبًّا فِيهَا بِحَال، وَإِن
كَانَت نافقة فَبَاعَ فلسًا بِعَيْنِه بفلسين مُعينين جَازَ، وَإِن بَاعَ
فلسًا غير معِين بفلسين غير مُعينين لم يجز.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز لِأَنَّهَا لَيست من أَمْوَال الرِّبَا.
وَقَالَ مَالك إِذا تعامل النَّاس بهَا حرم التَّفَاضُل فِيهَا.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز سَوَاء كَانَت كاسدة أَو نافقة بِأَعْيَانِهَا
أَو بِغَيْر أعيانها.
وَاخْتلفُوا فِي بيع ثَمَرَة بثمرتين، وحفنة طَعَام بحفنتين.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز لِأَن هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْل.
وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الإجماعية قبل.
وَاخْتلفُوا هَل يُجزئ الرِّبَا فِي مَعْمُول الصفر، والنحاس، والرصاص أم
لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يُجزئ فِيهِ ذَلِك.
(1/375)
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: يُجزئ فِيهِ ذَلِك وَيحرم.
وَعَن احْمَد مثل مَذْهَبهم رِوَايَة أُخْرَى. |