اختلاف الأئمة العلماء

كتاب النِّكَاح

اتَّفقُوا على أَن النِّكَاح من الْعُقُود الشَّرْعِيَّة المسنونة قَالَ الله {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} .
وَاتَّفَقُوا على أَن من تاقت نَفسه إِلَيْهِ وَخَافَ الْعَنَت فَإِنَّهُ يتَأَكَّد فِي حَقه وَيكون أفضل من حج التَّطَوُّع وَجِهَاد التَّطَوُّع وَالصَّلَاة وَالصَّوْم المتطوع بهما.
وَزَاد أَحْمد فَبلغ بِهِ إِلَى الْوُجُوب مَعَ الشَّرْطَيْنِ وهما: أَن تتوق نَفسه، وَيخَاف الْعَنَت رِوَايَة وَاحِدَة. على أَن من تاقت نَفسه وَأمن الْعَنَت، فالمستحب أَن يتَزَوَّج إِجْمَاعًا.

(2/120)


وَاخْتلف أَصْحَاب أَحْمد فِي وُجُوبه.
فعلى اخْتِيَار أبي بكر عبد الْعَزِيز، وَأبي حَفْص الْبَرْمَكِي: يجب لِأَنَّهُمَا أخذا بِالْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَة وَلم يفرقاه.
اخْتَار الْبَاقُونَ الِاسْتِحْبَاب.
وَاخْتلفُوا فِيمَن لَا تتوق نَفسه إِلَيْهِ هَل يسْتَحبّ لَهُ أم لَا؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج وَهُوَ أفضل من غَيره من النَّوَافِل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يسْتَحبّ، والاشتغال بنوافل الْعِبَادَة أولى فِيمَن لم تتق نَفسه إِلَيْهِ، وَلَا شَهْوَة لَهُ، إِمَّا بِأَن لم يخلق الله لَهُ شَهْوَة فِي الأَصْل أَو كَانَت لَهُ شَهْوَة فَذَهَبت بكبر أَو مرض أَو ضعف.
فَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة: الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج أَيْضا.
وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: يكره لَهُ أَن يتَزَوَّج.
وَعَن أَحْمد فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج، وَالْأُخْرَى: لَا يسْتَحبّ ويتخلى لِلْعِبَادَةِ وَهِي اخْتِيَار أبن بطة، وَالْقَاضِي أَبُو يعلى وَغَيرهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن من أَرَادَ التَّزَوُّج بِامْرَأَة فَلهُ أَن ينظر مِنْهَا إِلَى مَا لَيْسَ

(2/121)


بعوره إِلَّا مَالِكًا اشْترط ذَلِك، أَن يكون على اغتفال.
وَقد سبق بَيَان حد الْعَوْرَة وَاخْتِلَافهمْ فِيهَا فِي كتاب الصَّلَاة.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمَرْأَة أَن تلِي عقد النِّكَاح لنَفسهَا أَو لغَيْرهَا أَو تَأذن لغير وَليهَا فِي تَزْوِيجهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز جَمِيع ذَلِك وَيصِح.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ مَالك: لَا تزوج نَفسهَا وَلَا غَيرهَا، رِوَايَة وَاحِدَة.
وَاخْتلف عَنهُ هَل لَهَا أَن تَأذن لغير وَليهَا فِي تَزْوِيجهَا؟ على رِوَايَات: إِحْدَاهَا: الْمَنْع، وَالثَّانِي: الْجَوَاز. وَالثَّالِثَة: إِن كَانَت شريفة لم يجز، وَإِن كَانَت غير

(2/122)


شريفة جَازَ.
وَاخْتلفُوا هَل للرجل أَن يجْبر أبنته الْبكر الْبَالِغَة على النِّكَاح؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: يملك الْأَب ذَلِك، وَاسْتثنى مَالك فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ العانس وَهِي الَّتِي طَال مكثها فِي بَيت أَبِيهَا حَتَّى بلغت أَرْبَعِينَ سنه، وَكَذَلِكَ الَّتِي تزوجت وخلى الزَّوْج بهَا وَطَلقهَا من غير دُخُول بهَا، وَقد باشرت الْأُمُور وَعرفت مصالحها ومصارفها، لَا يملك الْأَب إجبارها.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك الْأَب إجبارها.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا بلغت تسع سِنِين لم تزوج إِلَّا بِإِذْنِهَا فِي حق كل ولي، الْأَب وَغَيره
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَب يجْبر ابْنَته الصَّغِيرَة من بَنَاته مَا عدا هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد الَّتِي ذكرت آنِفا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تتَزَوَّج بعبدها.

(2/123)


وَاتَّفَقُوا على أَنه مَتى ملكت الْمَرْأَة زَوجهَا أَو شِقْصا مِنْهُ حرمت عَلَيْهِ وانفسخ النِّكَاح بَينهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّوْج إِذا ملك زَوجته أَو شِقْصا مِنْهَا انْفَسَخ النِّكَاح بَينهمَا.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمَرْأَة أَن تزوج معتقها أَو أمتها؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا الْمَنْع، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأَبُو بكر، وَالثَّانيَِة: الْجَوَاز فِيهَا كَأبي حنيفَة.
وَالثَّالِثَة: الْجَوَاز فِي حق الْأمة خَاصَّة.
وَاخْتلفُوا هَل يملك الْأَب إِجْبَار الثّيّب الصَّغِيرَة من بَنَاته؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يملك ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لَهُ إجبارها بِوَجْه حَتَّى تبلغ وتأذن.
ولأصحاب أَحْمد وَجْهَان، أَحدهمَا: جَوَاز الْإِجْبَار، اخْتَارَهَا عبد الْعَزِيز، وَالْأُخْرَى: الْمَنْع من ذَلِك. اخْتَارَهَا أبن بطه وَابْن حَامِد وَغَيرهمَا.
وَاخْتلفُوا فِي الثيوبة الَّتِي ترفع الْإِجْبَار وتملك الْمَرْأَة بهَا الْإِذْن.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ أَن تُوطأ بِنِكَاح صَحِيح أَو بشبهه ملك دون الزِّنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تثبت الثيوبة بذلك كُله وبالزنا وَبِغير وطئ على الْجُمْلَة.

(2/124)


وَقَالَ أَحْمد: لَا تثبت إِلَّا بِالْأَصَالَةِ فِي الْجُمْلَة وَلَو بزنا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الثّيّب الْكَبِيرَة لَا تجبر على النِّكَاح.
وَاخْتلفُوا فِي تَزْوِيج الصَّغِيرَة هَل لغير الْأَب تَزْوِيجهَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لغير الْأَب أَن يُزَوّجهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز لغير الْأَب تَزْوِيجهَا.
وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ: يجوز لجَمِيع الْعَصَبَات تَزْوِيجهَا إِلَّا أَنه اتّفق على إمضائها إِذا بلغت.
وَاخْتلفُوا هَل لغير الْأَب تَزْوِيج الصَّغِيرَة وإجبار الْبِنْت الْكَبِيرَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: كل الْعصبَة فِي عدم الْإِجْبَار سَوَاء.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز ذَلِك كُله للْأَب وَالْجد مَعًا.
وَاخْتلفُوا فِي ولَايَة النِّكَاح هَل تستفاد بِالْوَصِيَّةِ؟

(2/125)


فَقَالَ مَالك وَأحمد: تستفاد بهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تستفاد بهَا. وَهل يقوم الْوَصِيّ مقَام الْوَلِيّ فِي الْإِجْبَار وَعَدَمه فِي موضعهَا؟
قَالَ مَالك: يَصح مَعَ التَّبْيِين للزَّوْج فَقَط.
وَظَاهر مَذْهَب أَحْمد صِحَّته على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي النِّكَاح، هَل هُوَ حَقِيقَة فِي الوطىء أم العقد أم هما؟
فَقَالَ أَصْحَاب أَبُو حنيفَة: هُوَ حَقِيقَة فِي الوطىء مجَاز فِي العقد.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: هُوَ مجَاز فِي الوطىء حَقِيقَة فِي الوطىء وَالْعقد جَمِيعًا وَلَيْسَ هُوَ بِأَحَدِهِمَا أخص مِنْهُ بالأخر.
وَاخْتلفُوا فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف على الْإِجَازَة من الْمَنْكُوحَة أَو الْوَلِيّ أَو الناكح هَل يَصح أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ صَحِيح مَوْقُوف على الْإِجَازَة فَمَتَى وجدت ثَبت على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَا يَصح على الْإِطْلَاق.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يَصح جملَة.
وَالْأُخْرَى: يجوز إِذا أخْبرت بِقرب ذَلِك من غير تراخ شَدِيد.

(2/126)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: لَا يَصح على الْإِطْلَاق، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَالثَّانيَِة يَصح مَعَ الْإِجَازَة كمذهب أبي حنيفَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعدْل إِذا كَانَ وليا فِي النِّكَاح فولايته صَحِيحَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي صِحَة ولَايَة الْفَاسِق فِيهِ.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: تصح وَينْعَقد بهَا النِّكَاح.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الْمَنْصُوص عَلَيْهِ: لَا ينْعَقد وَلَا يَصح.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: الْمَنْع من الصِّحَّة، وَالْأُخْرَى: يَصح.
وَاخْتلفُوا هَل الشَّهَادَة شَرط فِي صِحَة النِّكَاح؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: هِيَ شَرط فِي صِحَّته.
وَقَالَ مَالك لَيْسَ بِشَرْط وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد.
وَاخْتلفُوا فِي التواصي بكتمان النِّكَاح هَل يُبطلهُ؟

(2/127)


فَقَالَ مَالك: يُبطلهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يُبطلهُ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه إِن حَضَره شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَإِن التواصي بِهِ لَا يُبطلهُ.
وَالْأُخْرَى: يبطل بالتواصي بكتمانه.
وَاتَّفَقُوا على أَن حُضُور الشَّاهِدين العدلين ينْعَقد بهما النِّكَاح مَعَ الْوَلِيّ.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الشَّاهِدين الْفَاسِقين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينْعَقد بهما.
وَعند مَالك الشَّهَادَة لَيست بِشَرْط فِي الصِّحَّة فَينْعَقد عِنْده.
وَاخْتلفُوا هَل يثبت النِّكَاح بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ؟
فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح.
وَمَالك على أَصله أَن النِّكَاح لَا يفْتَقر إِلَى الْإِشْهَاد فَيصح عِنْده.
وَاخْتلفُوا هَل يَصح النِّكَاح بِشَهَادَة أعميين؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: ينْعَقد.

(2/128)


ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان.
وَمَالك على أَصله الْمَذْكُور من قبل.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُسلم يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الكتابيات الْحَرَائِر.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن يُزَوّجهَا مُسلم بِشَهَادَة كتابين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَصح
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُسلمِ أَن يتَزَوَّج كِتَابيه بِولَايَة كتابي؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح.
وَاتَّفَقُوا على أَن السَّيِّد الْمُسلم يملك تَزْوِيج أمته الْكَافِرَة، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه لَا يملك ذَلِك.
وَاخْتلفُوا هَل يَصح للصغيرة إِذا كَانَت بنت سبع سِنِين الْإِذْن فِي النِّكَاح لمن لَا يملك إجبارها؟

(2/129)


فَقَالُوا: لَا يَصح.
وَقَالَ أَحْمد: يَصح.
وَاخْتلفُوا هَل يملك السَّيِّد إِجْبَار عَبده الْكَبِير على النِّكَاح؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: يملك ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد وَأحمد: لَا يملك ذَلِك.
وَاخْتلفُوا هَل يجْبر السَّيِّد على بيع عَبده أَو نِكَاحه إِذا طلب العَبْد مِنْهُ النِّكَاح فَامْتنعَ السَّيِّد؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يجْبر السَّيِّد على ذَلِك.
وَقَالَ أَحْمد: يجْبر على ذَلِك.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا هَل يجب على الإبن أَن يعف أَبَاهُ إِذا طلب النِّكَاح؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يلْزم الإبن ذَلِك.
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ: يلْزم الإبن ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِي الْمولى: هَل يجوز لَهُ أَن يُزَوّج أم وَلَده بِغَيْر رِضَاهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَهُ ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَيْسَ لَهُ ذَلِك.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ: أعتقت أمتِي وَجعلت عتقهَا صَدَاقهَا بِمحضر من

(2/130)


شَاهِدين هَل يثبت الْعتْق صدَاق وَينْعَقد النِّكَاح بذلك؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: النِّكَاح غير مُنْعَقد.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهبهم، وَالثَّانيَِة: ينْعَقد النِّكَاح وَيثبت الْعتْق صَدَاقا إِذا كَانَ بمحضره شَاهِدَانِ وَلَا يعْتَبر رِضَاهَا.
وَأَجْمعُوا على أَن الْعتْق لَهَا وَاقع صَحِيح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت: أعتقني على أَن أتزوجك وَيكون عتقي صَدَاقي، فَأعْتقهَا على ذَلِك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْعتْق وَاقع. وَأما النِّكَاح: فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: هِيَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَت تزوجته وَإِن شَاءَت لم تتزوجه، وَيكون لَهَا إِن اخْتَارَتْ تَزْوِيجه صَدَاقا مستأنفا، وَإِن كرهته وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتى كرهته فَلهُ عَلَيْهَا قيمه نَفسهَا.
وَقَالَ أَحْمد: من أعْتقهَا على أَن تزَوجه نَفسهَا فَقبلت ثمَّ أَبَت فَهِيَ حرَّة

(2/131)


ويلزمها قيمَة نَفسهَا، وَإِن رَضِيا بِالْعقدِ جَازَ الْعتْق مهْرا وَلَا شَيْء لَهَا سواهُ.
وَاخْتلفُوا هَل للإبن أَن يُزَوّج أمه؟
فَقَالَ مَالك وَاحْمَدْ وَأَبُو حنيفَة: يجوز.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز.
ثمَّ اخْتلفُوا موجبوا الْولَايَة لَهُ فِي تَقْدِيم الْأَب عَلَيْهِ إِذا اجْتمعَا.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: الْأَب مقدم عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك: الإبن وَابْن الإبن مقدم على الْأَب. وَاخْتلفُوا فِي الْجد وَالْأَخ والإبن إِذا اجْتَمعُوا، أَيهمْ أولى؟ فَقَالَ مَالك: الابْن وَابْنه، وَالْأَخ وَابْنه مقدمون على الْجد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الابْن أولى من الْجد وَالْأَخ إِذا اجْتَمعُوا فَإِن لم يكن ابْن وَكَانَ أَخ وجد، فالجد أولى من الْأَخ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْجد مقدم على الْأَخ.

(2/132)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: أَن الْجد مقدم.
وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اجْتمع أَخ لِأَبَوَيْنِ وَأَخ لأَب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: يقدم ولد الْأَبَوَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: هما سَوَاء.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عقد الْأَبْعَد من عصباتها مَعَ الْقُدْرَة على أَن يعْقد الْأَقْرَب وَلم يكن (بشاح) وَلَا عضل.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يَصح النِّكَاح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا عقد الْوَلِيّ الْأَبْعَد مَعَ الْقُدْرَة على عقد الْوَلِيّ الْأَقْرَب فَإِنَّهُ ينْعَقد مَوْقُوفا على إجَازَة الْأَقْرَب أَو إِلَى أَن تبلغ الصَّغِيرَة فتختار إِن شَاءَت.
وَقَالَ مَالك: الْولَايَة فِي النِّكَاح نَوْعَانِ، أَحدهمَا: ولَايَة إِجْبَار تثبت من غير اسْتِئْذَان كولاية الْأَب على الصَّغِيرَة، وَالْآخر: ولَايَة إِذن.
وَلَكِن يقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب كالأخ يقدم على الْعم، فَإِذا تقدم الْأَبْعَد على

(2/133)


الْأَقْرَب من غير اسْتِئْذَان جَازَ إِذا لم (يتشاحا) ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْولَايَة فِي النِّكَاح لَا تثبت إِلَّا لمن يَرث بِالتَّعْصِيبِ عدا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة: أَن الْوَلِيّ كل وَارِث سَوَاء كَانَ إِرْثه بِفَرْض أَو تعصيب.
وَاخْتلفُوا فِي شُرُوط الْكَفَاءَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ النّسَب وَالدّين وَالْحريَّة للآباء حَتَّى لَا يكون من لَهُ أَب فِي الْإِسْلَام كُفؤًا لمن لَهُ أَب وجد فِي الْإِسْلَام، وَلَا من لَهُ أَب وجد فِي الْإِسْلَام كُفؤًا لمن لَهُ أَكثر من ذَلِك وَالْقُدْرَة على الهمة وَالنَّفقَة والصناعة.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يعْتَبر الصِّنَاعَة.
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن نصير عَنهُ: أَنَّهَا الدّين وَالْحريَّة والسلامة من الْعُيُوب الْمُوجبَة للرَّدّ.
وَحكى ابْن الْقصار عَن مَالك الْكَفَاءَة فِي الدّين فَحسب.
قَالَ عبد الْوَهَّاب: فِي الصِّنَاعَة نظر يجب أَن تكون من الْكَفَاءَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ خَمْسَة: النّسَب وَالدّين وَالْحريَّة والصناعة وَالْمَال، فِي أحد الْوَجْهَيْنِ.

(2/134)


وَالْآخر؛ هِيَ النّسَب وَالدّين فَقَط.
وَاخْتلفُوا فِي قيد الْكَفَاءَة، هَل يُورد فِي إبِْطَال النِّكَاح؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فقد الْكَفَاءَة يُوجب للأولياء حق الِاعْتِرَاض.
وَقَالَ مَالك: لَا يبطل النِّكَاح فقدها.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنه يبطل النِّكَاح عدمهَا. وَالْقَدِيم: لَا يبطل.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه يبطل النِّكَاح فقدها. وَالْآخر: لَا يُبطلهُ فقدها وتقف على إجَازَة الْأَوْلِيَاء واعتراضهم. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا زوج بعض الْأَوْلِيَاء بِغَيْر كفؤ بِرِضَاهَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول فِيهَا: فقد الْكَفَاءَة لَا يبطل وَيصِح النِّكَاح ولبقية الْأَوْلِيَاء الِاعْتِرَاض.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط حَقهم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رضيت الْمَرْأَة بِدُونِ مهر الْمثل؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ للأولياء اعْتِرَاض عَلَيْهَا.

(2/135)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُم الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا غَابَ الْأَقْرَب من الْأَوْلِيَاء غيبَة متقطعة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: تنْتَقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد مِنْهُم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان.
وَاخْتلفُوا فِي حد الْغَيْبَة المتقطعة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَن لَا تصل الْقَافِلَة مِنْهُ إِلَّا مرّة فِي السّنة.
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة: حَدهَا مَا لَا يصل فِيهِ للكوفة إِذا خضر حَتَّى يَجِيء الْإِذْن من الْغَائِب.
وَقَالَ الشَّافِعِي: حَدهَا مَا يقْتَصر فِيهِ الصَّلَاة.
وَاخْتلفُوا هَل للرجل إِذا كَانَ هُوَ الْوَلِيّ أَن يُزَوّج نَفسه مِنْهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجوز لَهُ ذَلِك على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز لَهُ ذَلِك بتوليته لنَفسِهِ وَلَا بتوكيله لغيره فِيهِ وَلَا يَصح حَتَّى يُزَوجهُ الْحَاكِم إِلَّا أَن يكون الإِمَام الْأَعْظَم، فَفِيهِ وَجْهَان لأَصْحَابه.

(2/136)


وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز لَهُ ذَلِك بِنَفسِهِ بل إِن وكل غَيره ليوجب لَهُ جَازَ لِئَلَّا يَلِي العقد لنَفسِهِ.
وَاخْتلفُوا هَل ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظَة الْهِبَة وَالْبيع؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينْعَقد بِهِ وَبِكُل لفظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك والتأبيد دون التَّأْقِيت.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد بذلك.
وَأما مَالك فقد ذكر أَصْحَابه عَنهُ أَنه لَا ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة، وكل لفظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك.
وَذكر ابْن الْقَاسِم هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ الْهِبَة لَا تحل لأحد بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِن كَانَت هبة أَبَاهَا لَيست على النِّكَاح، وَإِنَّمَا وهبتها لتحصنها أَو تكفلها، فَلَا أرى بذلك بَأْسا.
وَإِن وهبت ابْنَته لَهُ صدَاق كَذَا فَلَا أحفظه عَن مَالك وَهُوَ عِنْدِي جَائِز.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ الْوَلِيّ: زَوجتك أَو أنكحتك وَقَالَ الزَّوْج: قبلت هَذَا
النِّكَاح أَو رضيت هَذَا النِّكَاح أَنه ينْعَقد النِّكَاح إِذا كَانَ مَعَ بَقِيَّة شُرُوطه على اخْتِلَاف فِيهَا.

(2/137)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الْوَلِيّ: زَوجتك أَو أنكحتك الْمَذْكُورَة، فَقَالَ الزَّوْج: قبلت.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: ينْعَقد النِّكَاح.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا ينْعَقد حَتَّى يَقُول: قبلت هَذَا النِّكَاح.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْحرّ أَن يجمع بَين أَكثر من أَربع حرائر.
وَاخْتلفُوا فِي العَبْد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز لَهُ أَن يجمع بَين أَكثر من زَوْجَتَيْنِ.
وَقَالَ مَالك: هُوَ كَالْحرِّ فِي جَوَاز جمع الْأَرْبَع.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للرجل أَن يتَزَوَّج بِامْرَأَة كَانَ زنى بهَا من غير تَوْبَة؟
فَقَالَ مَالك: يكره تَزْوِيج الزَّانِيَة على الْإِطْلَاق، وَلَا يجوز لَهُ إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء سَوَاء كَانَ المتزوج بهَا هُوَ الزَّانِي بهَا أَو غَيره، واستبراؤها ثَلَاث حيض فِي أحد

(2/138)


الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَالْأُخْرَى حَيْضَة تجزىء وَالثَّلَاث أحب إِلَيْهِ، وَلَا يعْتَبر التَّوْبَة وَلَا الِاسْتِبْرَاء.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز العقد من غير تَوْبَة وَلَا اسْتِبْرَاء وَكَذَلِكَ الوطىء عِنْد الشَّافِعِي.
وَأما أَبُو حنيفَة فَقَالَ: لَا يجوز الوطىء حَتَّى يستبرأها بِحَيْضَة، وَيُوضَع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: وجود التَّوْبَة مِنْهَا، والاستبراء بِوَضْع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا، الإقراء أَو الشُّهُور عِنْد عدم الإقراء.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة المحصنة بالزواج إِذا زنت لم يَنْفَسِخ نِكَاحهَا من زَوجهَا. وَاخْتلفُوا هَل يجوز للرجل أَن يتَزَوَّج امْرَأَة الرَّابِعَة من نِسَائِهِ فِي عدته من طَلَاق

(2/139)


بَائِن أَو تَزْوِيج الْأُخْت وَأُخْتهَا فِي عدَّة مِنْهُ من طَلَاق بَائِن أَو تَزْوِيج كل وَاحِدَة مِمَّن يحرم عَلَيْهِ الْجمع بَينهمَا وَمن الثَّانِيَة مِنْهُ وَهِي فِي الْعدة بعد؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز.
وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز الْجمع بَين نِكَاح الْخَامِسَة وَالرَّابِعَة فِي الْعدة، وَلَا بَين الْأُخْت وَأُخْتهَا. وَأَنه لَا يجوز أَن يتَزَوَّج بِكُل وَاحِدَة مِمَّن يحرم عَلَيْهِ الْجمع بَينهمَا وَمن الْمُعْتَدَّة مِنْهُ إِذا كن المعتدات الْمَذْكُورَات من طَلَاق رَجْعِيّ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ فِي استباح الوطىء بِملك الْيَمين كَمَا لَو ينْعَقد النِّكَاح عَلَيْهِمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَبَين الْمَرْأَة وخالتها.
وَاتَّفَقُوا على أَن نفس العقد على الْمَرْأَة يحرم أمهَا على الْعَاقِد على التَّأْبِيد وَلَا

(2/140)


يعْتَبر الوطىء فِي ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل إِذا دخل بِزَوْجَتِهِ حرمت عيها بنتهَا على التَّأْبِيد وَإِن لم تكن الربيبة فِي حجرَة.
وَاخْتلفُوا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تثبت الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تثبت.
وَعَن مَالك رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة باللواط الْمحرم مَعَ الذُّكُور.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تثبت بِهِ الْحُرْمَة.
وَقَالَ أَحْمد: تثبت بِهِ تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة.
وَاخْتلفُوا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بالخلوة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يثبت التَّحْرِيم بذلك، وَإِنَّمَا يثبت باللمس والقبلة.

(2/141)


وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تثبت الْحُرْمَة بِحَال.
وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَأحمد: يثبت بِهِ التَّحْرِيم.
وَاخْتلفُوا هَل يلْحق بِالزِّنَا فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة النّظر إِلَى فرج الْمَرْأَة بِشَهْوَة واللمس بلذة والقبلة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تحرم الْمُصَاهَرَة بِهِ، وَتحرم بِهِ الربيبة.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه: لَا يثبت التَّحْرِيم وَلَا يلْحق بالوطىء، وَالْقَوْل الآخر: يلْحق بالوطىء وَيثبت بِهِ لتَحْرِيم.
وَاخْتلف أَصْحَابه عَنهُ فِي هَذِه الرِّوَايَة، هَل يعْتَبر فِي التَّحْرِيم بِهِ الشَّهْوَة أم لَا؟
فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: الشَّهْوَة مُعْتَبرَة.
وَقَالَ بَعضهم: لَا تعْتَبر الشَّهْوَة فمجرد اللَّمْس والقبلة يثبت التَّحْرِيم للمصاهرة فِي الربيبة.

(2/142)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه لَا يثبت التَّحْرِيم.
وَاخْتلفُوا فِي اعْتِبَار التَّحْرِيم بذلك هَل يكون فِي الْفِعْل الْحَلَال مِنْهُ مثبتا للْحُرْمَة أَو فِي الْفِعْل الْحَرَام والحلال مَعًا؟
فَكل من جِهَة الوطىء الْحَرَام مُوجبا لنشر الْحُرْمَة جعل هَذِه الدَّوَاعِي وَإِن كَانَت على وَجه حرَام مأثرة للْحُرْمَة، وَمن لم يثبت الْحُرْمَة بالوطىء عِنْده إِلَّا أَن يكون حَلَالا فَكَذَلِك اعْتبر فِي دواعيه.
وَاخْتلفُوا فِي المخلوقة من مَاء الزِّنَا، هَل يجوز لمن خلقت من مَائه أَن يَتَزَوَّجهَا؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمُسلمِ نِكَاح المجوسيات وَلَا الوثنيات وَلَا غَيْرهنَّ من أَنْوَاع المشركات اللَّاتِي لَا كتاب لَهُنَّ، وَسَوَاء فِي ذَلِك حرائرهن وإمائهن. وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز نِكَاح الْمُسلمين حرائرهم وعبيدهم إِمَاء الكتابيات.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يجوز نِكَاح إمائهن.

(2/143)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه لَا يجوز، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأَبُو حَفْص وَأَبُو بكر، وَالْأُخْرَى: يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُحرمَات فِي كتاب الله أَرْبَعَة عشر من جِهَة النّسَب سبع، وَمن جِهَة السَّبَب سبع. فَأَما النّسَب فالأم وَالْجدّة وَإِن علت سَوَاء كن من جِهَة الْأَب أَو الْأُم، وَالْبِنْت وَبنت الإبن، وَبنت الْوَلَد وَإِن سفلن، وَالْأَخَوَات، وبناتهن وَإِن سفلن، والعمة وَيجوز تَزْوِيج بنتهَا، وَالْخَالَة وَيجوز تَزْوِيج بنتهَا، وَبَنَات الْأُخْت وَإِن سفلن. وَأما الْمُحرمَات من السَّبَب فهن: الْأُمَّهَات من الرضَاعَة، وأمهاتهن وَإِن بَعدت، وَالْأُخْت من الرضَاعَة وبناتها وَإِن سفلن، وَأم الزَّوْجَة والربائب الْمَدْخُول بأمهاتهن، وحليلة الابْن وَإِن سفل مُحرمَة على الْأَب وَإِن علا وَسَوَاء دخل الابْن بامرأته أم لم يدْخل وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ من النّسَب وَالرّضَاع، وَامْرَأَة الْأَب مُحرمَة على الابْن وَإِن سفل وَكَذَلِكَ امْرَأَة الْجد وَإِن علا.
وَحرمت السّنة الْجمع بَين امْرَأَة وعمتها، وَبَينهَا وَبَين خالها كَمَا قدمنَا.
وَبَين كل امْرَأتَيْنِ لَو كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا رجلا لم يجز أَن تتَزَوَّج بِالْأُخْرَى.
وَاتَّفَقُوا على أَن عمَّة الْعمة تنزل فِي التَّحْرِيم منزلَة الْعمة إِذا كَانَت الْعمة الأولى أُخْت الْأَب لِأَبِيهِ.

(2/144)


وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن خَالَة الْخَالَة تنزل فِي التَّحْرِيم منزلَة الْخَالَة إِذا كَانَت الْخَالَة الأولى أُخْت الْأُم لأمها.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للرجل أَن يَأْتِي زَوجته وَلَا أمته فِي الْموضع الْمَكْرُوه إِلَّا مَا رُوِيَ عَن مَالك، ويعزى إِلَى قَول الشَّافِعِي.
قَالَ الْوَزير: وَالصَّحِيح أَن ذَلِك غير جَائِز لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} والحرث هُوَ مَا يزكوا فِيهِ الْبذر، وَكَذَلِكَ الْموضع هُوَ مَوضِع فرث لَا مَوضِع حرث.
وَاخْتلفُوا فِيمَن أسلم وَتَحْته أَكثر من أَرْبَعَة نسْوَة.
فَقَالَ الشَّافِعِي مَالك وَأحمد: يخْتَار مِنْهُنَّ أَرْبعا وَكَذَلِكَ يخْتَار من الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ العقد وَقع عَلَيْهِنَّ فِي حَالَة وَاحِدَة فَهُوَ بَاطِل، وَإِن كَانَ فِي عُقُود صَحَّ النِّكَاح فِي الْأَرْبَعَة الْأَوَائِل، وَكَذَلِكَ فِي الْأُخْتَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ارْتَدَّ أَحدهمَا قبل الدُّخُول أَو بعدة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تتعجل الْفرْقَة على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ الارتداد قبل الدُّخُول أَو بعدة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِن كَانَ الارتداد قبل الدُّخُول تعجلت الْفرْقَة، وَإِن كَانَ

(2/145)


بعده توقفت على انْقِضَاء الْعدة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة وَاحِدَة كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ المسلمان مَعًا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ بِمَنْزِلَة ارتداد أَحدهمَا فِي الْفرْقَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تقع فرقة.
وَاخْتلفُوا فِي أنكحة الْكفَّار.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ صَحِيحَة مُتَعَلقَة بهَا الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِأَحْكَام الْمُسلمين.
وَقَالَ مَالك: هِيَ فَاسِدَة. وَاخْتلفُوا فِي الْحر إِذا لم يجد طول حرَّة، وَيخَاف الْعَنَت، هَل يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أمة؟
فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: يجوز لَهُ ذَلِك مَعَ وجود الشَّرْطَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز للْحرّ أَن يتَزَوَّج أمة مَعَ عدم الشَّرْطَيْنِ. وَإِنَّمَا الْمَانِع

(2/146)


للْحرّ أَن ينْكح أمة بِشَيْء وَاحِد وَهُوَ أَن تكون الْحرَّة فِي جنسه زوجية أَو فِي عدَّة مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا هَل للْحرّ أَن يتَزَوَّج من الْإِمَاء أَرْبعا إِذا كَانَ الشَّرْطَيْنِ قَائِمين.
فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك عِنْد قيام الشَّرْطَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج مِنْهُنَّ أَرْبعا وَإِن لم يكن الشرطان قَائِمين إِذا لم يكن تَحْتَهُ حرَّة.
وَاخْتلفُوا فِي العَبْد هَل يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الْأمة وَتَحْته حرَّة، أَو يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الْأمة مَعَ كَونه مستغنيا عَن نِكَاحهَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يجوز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَب، هَل يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أمة ابْنه؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجب على الْأَب الْحَد بوطىء جَارِيَة ابْنه.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَب، هَل يجوز لَهُ أَن يُزَوّج بالشغار؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يَصح. وَصفته عِنْدهمَا أَن يَقُول أحد الْمُتَعَاقدين للْآخر: زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك بِغَيْر صدَاق، أَو زَوجتك مولاتي على

(2/147)


أَن تزَوجنِي مولاتك بِغَيْر صدَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ بَاطِل إِلَّا أَنه لَا يكون شغارا عِنْده حَتَّى يَقُول وَيَضَع كل وَاحِد مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: العقدان يصحان مَعًا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا مهر الْمثل.
وَأَجْمعُوا على أَن نِكَاح الْمُتْعَة بَاطِل لَا خلاف بَينهم فِيهِ وعَلى أَن الْمُسلم تحل لَهُ أمته الْكِتَابِيَّة دون الْمَجُوسِيَّة والوثنية وَسَائِر أَنْوَاع الْكفَّار.
وَاخْتلفُوا فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة على أَن يحللها لرجل قبله فَيشْتَرط وَيَقُول: إِذا حللتك للْأولِ فَلَا نِكَاح بَيْننَا أَو يَقُول: إِذا وطأتك فَأَنت طَالِق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح النِّكَاح دون الشَّرْط، وَهل يثبت الْحل للْأولِ بعد الْإِصَابَة من الزَّوْج الثَّانِي؟ عَنهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا: لَا تحل، وَالثَّانِي: تحل.
وَقَالَ مَالك: مَتى وَقع الطَّلَاق الثَّلَاث فَلَا تحل للْأولِ مَا لم يَتَزَوَّجهَا غَيره نِكَاحا صَحِيحا، نِكَاح رَغْبَة بِقصد الاستباحة دون التَّحْلِيل وَيدخل بهَا وطئا حَلَالا لَا

(2/148)


فِي حيض وَلَا إِحْرَام، فَإِن شَرط التَّحْلِيل أَو نَوَاه من غير شَرط فسد العقد، وَلَا تحل للثَّانِي.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن قَالَ إِذا أحللتك للْأولِ فَلَا نِكَاح بَيْننَا يَصح النِّكَاح، يَصح النِّكَاح وَهُوَ قَوْله فِي عَامَّة كتبه، وَعنهُ: لَا يَصح قَالَه فِي الْقَدِيم، فعلى القَوْل الأول الَّذِي يَقُول بِصِحَّة النِّكَاح فَإِنَّهُ إِذا أَصَابَهَا حلت للْأولِ قولا وَاحِدًا، وعَلى القَوْل الثَّانِي الَّذِي يَقُول فِيهِ بِفساد النِّكَاح، هَل إِذا أَصَابَهَا تحل للْأولِ؟ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: يَصح بِهِ الْحل للزَّوْج الأول وَهُوَ الْقَدِيم.
وَالثَّانِي: لَا يحصل بذلك الْإِحْلَال.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح ذَلِك على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِيمَن تزوج امْرَأَة وَشرط لَهَا أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا ينقلها من بَلَدهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَملك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزم هَذَا الشَّرْط.

(2/149)


وَقَالَ مَالك فِي الْأُخْرَى وَأحمد: هُوَ لَازم، فَمَتَى خَالف شَيْئا مِنْهُ فلهَا الْخِيَار فِي الْفَسْخ.
فَأَما الشَّافِعِي فَنَفْس الشَّرْط عِنْده أفسد الْمهْر وَيلْزمهُ مهر الْمثل وَلَا يعْتَبر أَن يَفِي بِمَا شَرط أَو لَا يَفِي.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وفى بِالشّرطِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن خَالف لزم الْأَكْثَر من مهر الْمثل والمسمى.
وَاخْتلفُوا هَل يثبت الْفَسْخ بالعيوب؟ وَهِي تِسْعَة، ثَلَاثَة يشْتَرك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَهِي: الْجُنُون والجذام والبرص، وَاثْنَانِ مختصان بِالرِّجَالِ وهما: الْجب والعنة، وَأَرْبَعَة تخْتَص بِالنسَاء وَهِي: الْقرن وَالْعقل والرنق والفتق، فالجب قطع الذّكر، والعنة أَن لَا يقدر الرجل على الْجِمَاع لعدم الانتشار، والقرن: عظم يعْتَرض فِي الْفرج فَيمْنَع الوطىء، والعضل: لحْمَة تكون فِي الْفرج فَاضل هِيَ رُطُوبَة تمنع لَذَّة الْجِمَاع، والرنق: الانسداد، والفتق: انخراق مَا بَين مَسْلَك الْبَوْل وَمحل الوطىء.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يثبت الْفَسْخ فِي شَيْء من ذَلِك بِحَال وللمرأة الْخِيَار فِي الْجب والعنة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يثبت الْفَسْخ فِي ذَلِك كُله إِلَّا أَن مَالِكًا

(2/150)


وَالشَّافِعِيّ استثنيا الفتق وَلم يرياه مُوجبا للْفَسْخ، فَإِذا حدث شَيْء من هَذِه الْعُيُوب بعد العقد وَقبل الدُّخُول بِأحد الزَّوْجَيْنِ، فَإِن حدث للْمَرْأَة ثَبت خِيَار الْفَسْخ للرجل عِنْد الشَّافِعِي على أحد الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَمذهب أَحْمد.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر: لَا يثبت للرجل الْفَسْخ، فَإِن حدث بِالزَّوْجِ يثبت للْمَرْأَة ولَايَة الْفَسْخ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتقت الْأمة وَزوجهَا عبد فَالْخِيَار ثَابت لَهَا مَا دَامَت فِي الْمجْلس الَّذِي علمت بِالْعِتْقِ فِيهِ، وَإِن كَانَ لَهَا الْخِيَار إِلَى آخر ذَلِك فَإِن علمت بذلك ومكنت من الوطىء فَهُوَ رضَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَهَا الْخِيَار مَا لم تمكنه من وَطئهَا، وَالْقَوْل الثَّانِي؛ أَنه على الْفَوْر، وَالثَّالِث: أَنه إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن عتق الزَّوْج قبل أَن تخْتَار.
فَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يسْقط الْخِيَار، وَالثَّانِي لَا يسْقط.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: مَتى علمت ومكنت من الوطىء سقط خِيَارهَا.
فَلَو أعتقت الْأمة وَزوجهَا حر فَهُوَ يثبت لَهَا خِيَار الْفَسْخ عِنْد أبي حنيفَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يثبت لَهَا الْخِيَار.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يثبت لَهَا الْخِيَار، وَإِن كَانَ زَوجهَا حرا.

(2/151)


وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة إِذا أَصَابَت زَوجهَا عنينا فَإِنَّهُ يُؤَجل لَهَا سنة.
بَاب الصَدَاق
اتَّفقُوا على أَن الصَدَاق مَشْرُوع لقَوْله {وءاتوا النِّسَاء صدقهنَّ نحلة فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا} .
وَاخْتلفُوا هَل يَنْفَسِخ النِّكَاح بِفساد الصَدَاق أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد النِّكَاح بِفساد الْمهْر. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة، وَالْأُخْرَى يفْسد بفساده.
وَاخْتلفُوا هَل يقدر أقل الصَدَاق أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يقدر بِمَا يقطع بِهِ السَّارِق مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي قادره، فَهُوَ عِنْد أبي حنيفَة عشرَة دَرَاهِم أَو دِينَار، وَعند مَالك ربع دِينَار أَو ثَلَاث دَرَاهِم.

(2/152)


وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا حد لأَقل الْمهْر وكل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا جَازَ أَن يكون مهْرا، وَقد حد الْخرقِيّ من أَصْحَاب أَحْمد ذَلِك بِمَا لَهُ نصف يحصل.
وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن يحيى يَقُول: إِنَّمَا يَعْنِي الْخرقِيّ بذلك الْحَد الَّذِي يقبل التجزئه وَهُوَ على ذَلِك كَلَام صَحِيح فَإِنَّهُ لَو طَلقهَا قبل الدُّخُول اسْتحقَّت النّصْف.
وَعَن مَالك نَحْو مَذْهَبهمَا فِيمَا رَوَاهُ ابْن وهب.
وَاخْتلفُوا فِي مَنَافِع الْحر هَل يجوز أَن يكون صَدَاقا؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يجوز ذَلِك إِلَّا أَن مَالِكًا يكره تجويزه، وَقد رُوِيَ عَنهُ الْفرق فِي ذَلِك فِيمَا قبل الدُّخُول وَبعده، وَالظَّاهِر من مذْهبه فِيمَا حكيناه عَنهُ أَولا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي تَعْلِيم الْقُرْآن، هَل يجوز أَن يكون مهْرا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يكون ذَلِك مهْرا.

(2/153)


وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز أَن يكون مهْرا.
وَعَن أَحْمد مثله.
وَاخْتلفُوا هَل تملك الْمَرْأَة الصَدَاق بِالْعقدِ أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: تملكه بِهِ.
وَقَالَ مَالك: لَا يسْتَقرّ ملكهَا إِلَّا بِالدُّخُولِ أَو موت الزَّوْج وَمَا لم يدْخل بهَا أَو يَمُوت عَنْهَا، فَهُوَ مراعى لَا تستحقه كُله وَإِنَّمَا تسْتَحقّ نصفه.
وَاخْتلفُوا فِي المفوضة للبضع إِذا طلقت قبل الْمَسِيس وَالْفَرْض.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يجب الْمُتْعَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَهَا نصف مهر الْمثل.
وَقَالَ مَالك: لَا تجب الْمُتْعَة بِحَال بل تسْتَحب.
وَاخْتلف موجبوا الْمُتْعَة فِي تقديرها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمُتْعَة درع وخمار وَمِلْحَفَة لَا يزِيد قيمَة ذَلِك على نصف مهر الْمثل ثَلَاثَة أَثوَاب من كسوتها.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه، وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه موكول إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم.
وَعَن الشَّافِعِي قَول: أَنه مُقَدّر بِمَا يَقع الِاسْم عَلَيْهِ كالصداق فَيُصْبِح بِمَا قل وَحل.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا مقدرَة بكسوة تجزئها فِي الصَّلَاة ثَوْبَان درع وخمار.

(2/154)


وَاخْتلفُوا فِي اعْتِبَار مهر الْمثل.
فَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُعْتَبر بقراباتها النِّسَاء من الْعَصَبَات وغيرهن من ذَوي أرحامها.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ مُعْتَبر بقراباتها من الْعَصَبَات خَاصَّة فَلَا يدْخل فِي ذَلِك أمهَا وَلَا خَالَتهَا إِلَّا أَن يَكُونَا من عشيرتها.
وَقَالَ مَالك: يعْتَبر بأحوال الْمَرْأَة فِي جمَالهَا وشرفها وَمَالهَا دون نَسَبهَا إِلَّا أَن تكون من قَبيلَة لَا يزدن فِي صداقهن وَلَا ينقصن.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يعْتَبر بقراباتها دون غَيْرهنَّ. وَعَن أَحْمد مِثْلهنَّ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ بِقَبض الصَدَاق؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: القَوْل قَول الزَّوْجَة على الْإِطْلَاق
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَا فِي بلد الْعرف جَار فِيهِ أَن الزَّوْج ينْقد الصَدَاق فَبل الدُّخُول كَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة، ثمَّ اخْتلف فِي قَبضه بعد الدُّخُول فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول فَالْقَوْل قَوْلهَا.
وَاخْتلفُوا فِي الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح.

(2/155)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ الزَّوْج.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم من قَوْله: هُوَ الْوَلِيّ، وَعنهُ فِي الْجَدِيد أَنه الزَّوْج.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة على الصَدَاق بعد العقد هَل تلْحق بِهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ ثَابِتَة دخل بهَا أَو مَاتَ عَنْهَا، فإمَّا أَن طَلقهَا بعد الدُّخُول لم يثبت وَكَانَ لَهَا نصف الْمُسَمّى فَقَط؟
وَقَالَ مَالك: الزِّيَادَة ثَابِتَة إِن دخل بهَا وَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فلهَا نصف الْمُسَمّى، وَإِن مَاتَ قبل الْقَبْض بطلت وَكَانَ لَهَا الْمُسَمّى وَالْعقد على الْمَشْهُور من رِوَايَة ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ هبة مستأنفة أَن قبضهَا جَازَت وَإِن لم يقبضهَا بطلت. وَقَالَ أَحْمد: حكمهَا حكم الأَصْل.
وَاخْتلفُوا فِي العَبْد إِذا تزوج بِغَيْر إِذن سيدة وَدخل بِالزَّوْجَةِ وسمى لَهَا مهْرا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن عتق لزمَه مهر مثلهَا وَلَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَال.
وَقَالَ مَالك: لَهَا الْمُسَمّى كَامِلا.
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَهَا مهر الْمثل.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي.
وَالْأُخْرَى يجب عَلَيْهِ خمْسا الْمُسَمّى مَا لم يزدْ على قِيمَته، فَإِن كَانَ خمْسا الْمُسَمّى أَكثر من قِيمَته لم يلْزم سَيّده إِلَّا قِيمَته أَو تَسْلِيمه، أَخذ بقول عُثْمَان رَضِي

(2/156)


الله عَنهُ لِأَن مَذْهَب أَحْمد يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ بعد الدُّخُول.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا أَنه يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلمت الْمَرْأَة نَفسهَا قبل قبض صَدَاقهَا وَدخل بهَا الزَّوْج أَو خلى بهَا، ثمَّ امْتنعت بعد ذَلِك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهَا ذَلِك حَتَّى تقبض صَدَاقهَا.
وَقَالَ ملك وَالشَّافِعِيّ: لَهَا ذَلِك إِلَّا فِي الْخلْوَة فَقَط.
وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ لَهَا ذَلِك على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا هَل يسْتَقرّ الْمهْر فِي الْخلْوَة الَّتِي لَا مَانع فِيهَا.
فَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه: لَا يسْتَقرّ بالخلوة وَإِنَّمَا يسْتَقرّ بالوطىء. إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: إِذا بنى عَلَيْهَا وطالت مُدَّة الْخلْوَة فَإِن الْمهْر يسْتَقرّ وَإِن لم يطَأ. وَقد حَده ابْن الْقَاسِم بِالْعلمِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسْتَقرّ الْمهْر بالخلوة الَّتِي لَا مَانع فِيهَا.

(2/157)


بَاب الْوَلِيمَة

اتَّفقُوا على أَن وَلِيمَة الْعرس مُسْتَحبَّة.
وَاخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا.
فَقَالَ الشَّافِعِي وحدة: هِيَ وَاجِبَة فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ عِنْده.
وَاخْتلفُوا فِي الْإِجَابَة إِلَيْهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ.
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عنة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: هِيَ وَاجِبَة.
وَقد رُوِيَ الطَّحَاوِيّ عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِي الشار فِي الْعرس هَل هُوَ مَكْرُوه، وَهل يكره أَخذه أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا بَأْس بِهِ وَلَا يكره أَخذه.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ مَكْرُوه وَيكرهُ أَخذه.
وَعند أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَمَالك وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة.
وَاخْتلفُوا فِي الْوَلِيمَة فِي غير الْعرس كالختان وَنَحْوه هَل يسْتَحبّ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحبّ.

(2/158)


وَقَالَ أَحْمد: لَا يسْتَحبّ.
وَأَجْمعُوا على أَن للْمَالِك أَن يعْزل عَن أمته وَإِن لم يستأذنها.
قَالَ الْوَزير: وَهُوَ مَكْرُوه عِنْدِي لِأَنَّهُ من جنس الوأد.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَيْسَ لَهُ الْعَزْل عَن الزَّوْجَة الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعَزْل عَن الزَّوْجَة الْأمة تَحت الْحرَّة، هَل يفْتَقر ذَلِك إِلَى الْإِذْن وَلمن هُوَ الْإِذْن.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: لَيْسَ لزَوجهَا أَن يعْزل عَنْهَا إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يعْزل عَنْهَا من غير إِذن مَوْلَاهَا وَلَا إِذْنهَا، وَجَاز ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تزوج امْرَأَة وَعِنْده غَيرهَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن كَانَت الجديدة بكر أفضلهَا بسبعة أَيَّام، ثمَّ دَار.
وَإِن كَانَت ثَيِّبًا خَيرهَا بَين أَن يُقيم عِنْدهَا سبعا وعندهن سبعا سبعا وَبَين أَن يفضلها بِثَلَاث ويدور.

(2/159)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يفضل الجديدة فِي الْقسم بل يُسَوِّي بَينهَا وَبَين اللآتي عِنْده.
وَاتَّفَقُوا على أَن عماد الْقسم اللَّيْل.
فَلَو وطيء أحد زوجتيه فِي لَيْلَتهَا وَلم يَأْتِ الْأُخْرَى فِي لَيْلَتهَا لم يَأْثَم.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأمة على نصف الْحرَّة فِي الْقسم إِلَّا مَالِكًا رويت عنة رِوَايَات، أَحدهمَا: كمذهب الْجَمَاعَة، وَالْأُخْرَى التَّسْوِيَة بَينهمَا، وَبهَا قَالَ أَصْحَابه.
وَاخْتلفُوا هَل للزَّوْج أَن يُسَافر بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يرضين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ ذَلِك وَلم يعْتَبر الْقرعَة.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ أَحدهمَا: يجوز ذَلِك من غير قرعَة وَلَا يضر بِهن، وَالْأُخْرَى: لَا يجوز إِلَّا برضاهن والقرعة وَهِي مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ.
فَإِن سَافر من غير قرعَة وَلَا ترَاض، فَهَل يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لَهُنَّ؟

(2/160)


قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء بِحَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقضيهن.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز للرجل أَن يضْرب زَوجته إِن نشزت بعد أَن يعظها ويهجرها فِي المضجع.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز لَهُ ضربهَا فِي أول النُّشُوز؟
فَقَالُوا: لَا يجوز، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه يجوز لَهُ أَن يضْربهَا فِي أول النُّشُوز وَالضَّرْب الَّذِي أُبِيح لَهُ، أَن يضْربهَا غير مبرح ويجتنب الْوَجْه فِي ذَلِك الضَّرْب.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وَقع الشقاق بَين الزَّوْجَيْنِ وَخيف عَلَيْهَا أَن يُخرجهَا ذَلِك إِلَى الْعِصْيَان فَإِنَّهُ يبْعَث الحكم حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا.
وَاخْتلفُوا هَل لِلْحكمَيْنِ أَن يطلقا من غير إِذن الزَّوْج؟

(2/161)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَأحمد: لَيْسَ لَهما أَن يطلقا إِلَّا أَن يَجْعَل الزَّوْج ذَلِك إِلَيْهَا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر: إِن رَأيا الْإِصْلَاح بعوض أَو بِغَيْر عوض جَازَ، وَإِن رَأيا الْخلْع جَازَ، وَإِن رَأيا الَّذِي من قبل الزَّوْج الطَّلَاق طلق، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن الزَّوْج فِي الطَّلَاق.
وَهل يَنْبَنِي على قَوْلهمَا على أَنَّهُمَا حاكمان لَا وكيلان؟
قَالَ الْوَزير: الصَّحِيح عِنْدِي أَنَّهُمَا حكمان، لِأَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} [النِّسَاء: 35] فسماهما بذلك فِي نَص الْقُرْآن.