اختلاف الأئمة العلماء

بَاب الْخلْع
اخْتلفُوا هَل هُوَ فسخ أَو طَلَاق؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هُوَ طَلَاق بَائِن.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق، وَهُوَ أظهرهمَا.

(2/162)


وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يَصح الْخلْع مَعَ استقامة الْحَال بَين الزَّوْجَيْنِ.
وَاخْتلفُوا هَل يكره الْخلْع بِأَكْثَرَ من الْمُسَمّى؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكره ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ النُّشُوز من قبلهَا فَيكْرَه للزَّوْج أَن يَأْخُذ أَكثر من الْمُسَمّى، وَإِن كَانَ النُّشُوز من قبله فَيكْرَه أَخذ شَيْء مَا عوضا عَن الْخلْع.
وَيصِح مَعَ الْكَرَاهَة فِي كل الْحَالين.
وَعَن أَحْمد: يكره الْخلْع على أَكثر من الْمُسَمّى سَوَاء أَكَانَ النُّشُوز من قبلهَا أَو من قبله إِلَّا أَنه على الْكَرَاهَة يَصح عِنْده.
وَاخْتلفُوا فِي الرجل إِذا طلق زَوجته المختلعة مِنْهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْحقهَا طَلَاقه فِي مُدَّة الْعدة إِذا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق بِغَيْر عوض، أَو اعْتدي، أَو استبري رَحِمك، وَأَنت فِي وَاحِدَة، وَلَا يلْحقهَا مُرْسل

(2/163)


الطَّلَاق أَو كنايته.
وَقَالَ مَالك: إِن طَلقهَا عقب خلعه مُتَّصِلا بِالْخلْعِ طلقت وَإِن كَانَ الْقَصْد الطَّلَاق عَن الْخلْع لم تطلق.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يلْحقهَا الطَّلَاق.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا خلعها على رضَاع وَلَدهَا سنتَيْن جَازَ ذَلِك، فَإِن مَاتَ وَلَدهَا قبل الْحَوْلَيْنِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يرجع عَلَيْهَا بِبَقِيَّة الرَّضَاع للمدة الْمَشْرُوطَة.
وَقَالَ مَالك: لَا يرجع بِشَيْء فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد.
وَللشَّافِعِيّ فِيهَا قَولَانِ، أَحدهمَا: يسْقط الرَّضَاع وَلَا يقوم غير الْوَلَد مقامة، وَالثَّانِي: لَا يسْقط الرَّضَاع بل يَأْتِي بِولد آخر مثله فترضعه.
فعلى القَوْل الأول إِلَى مَاذَا يرجع؟ إِلَى مهر الْمثل أَو إِلَى أُجْرَة الرَّضَاع، قَولَانِ، جديدهما يرجع إِلَى مهر الْمثل، وقديمهما: إِلَى أُجْرَة الرَّضَاع.
وَاخْتلفُوا هَل يملك الْأَب أَن يخالع عَن ابْنَته الصَّغِيرَة بِشَيْء من مَالهَا؟

(2/164)


قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يملك ذَلِك.
وَقَالَ مَالك: يملك ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت لَهُ: طَلقنِي ثَلَاث على ألف أَو بِأَلف، فَطلقهَا وَاحِدَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَن قَالَت لَهُ: طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف فَطلقهَا وَاحِدَة لم يكن لَهُ شَيْء، فَإِن قَالَت لَهُ: بِأَلف فَطلقهَا وَاحِدَة فَأَنَّهُ يسْتَحق عَلَيْهَا ثلث الْألف سَوَاء طَلقهَا ثَلَاث أَو وَاحِدَة لِأَنَّهَا تملك نَفسهَا بِوَاحِدَة كَمَا تملك بِالثلَاثِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يسْتَحق ثلث الْألف فِي الْحَال.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يسْتَحق شَيْئا فِي الْحَالين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت لَهُ: طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَطلقهَا ثَلَاثًا.
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: تطلق ثَلَاثًا، وَيسْتَحق الْألف عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسْتَحق عَلَيْهَا شَيْئا وَطلقت ثَلَاثًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا علق طَلاقهَا بِالصّفةِ مثل أَن يَقُول: إِن دخلت الدَّار فَأَنت

(2/165)


طَالِق، ثمَّ أَنه أَبَانهَا ثمَّ عَاد وَتَزَوجهَا، وَوجدت فِي الصّفة وَهِي دُخُول الدَّار.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِن كَانَ الطَّلَاق الَّذِي أَبَانهَا دون الثَّلَاث عَادَتْ الْيَمين فِي النِّكَاح الثَّانِي، وَحنث بِوُجُود الصّفة، وَإِن كَانَ ثَلَاثًا لم يعد الْيَمين.
وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال كمذهبهما، وَالثَّانِي: تعود الْيَمين وَيَقَع عَلَيْهَا بِكُل حَال الطَّلَاق سَوَاء بَانَتْ بِالثلَاثِ أَو بِمَا دونهَا، وَالْقَوْل الثَّالِث: لَا تعود الْيَمين بِكُل حَال.
وَقَالَ أَحْمد: تعود الْيَمين وَيَقَع عَلَيْهِ الطَّلَاق سَوَاء بِالثلَاثِ أَو بِمَا دونهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا، إِلَّا أَنَّهَا فعلت الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فِي حَال الْبَيْنُونَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يعود الْيَمين بِحَال وَهُوَ اخْتِيَار عبد الْعَزِيز من أَصْحَاب أَحْمد، وَقَالَ بِهِ بعض أَصْحَاب أَحْمد.
وَقَالَ أَبُو بكر من أَصْحَاب مَالك: يعود فِي الْبَيْنُونَة بِمَا دون الثَّلَاث. وَقَالَ أَحْمد: يعود الْيَمين بِكُل حَال بِعُود النِّكَاح.

(2/166)


كتاب الطَّلَاق

أَجمعُوا على أَن الطَّلَاق فِي حَال استقامة الزَّوْجَيْنِ مَكْرُوه غير مُسْتَحبّ إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: هُوَ حرَام مَعَ استقامة الْحَال.
وَاخْتلفُوا هَل تَنْعَقِد صفته قبل الْملك؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح وَيلْزم سَوَاء أطلق أَو عمم أَو خصص أَو عين من قَبيلَة أَو بَلْدَة أَو امْرَأَة بِعَينهَا وَلَا يلْزم إِذا عَم أَو أطلق وَكَذَلِكَ مَذْهَبهم فِي انْعِقَاد صفة الْعتْق قبل الْملك إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ عَنهُ فِي الْعتْق رِوَايَتَيْنِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق الثَّلَاث بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو كَلِمَات فِي حَالَة وَاحِدَة أَو فِي طهر وَاحِد لم يَخْتَلِفُوا فِيهِ.
ثمَّ اخْتلفُوا بعد وُقُوعه ونفوذه، هَل هُوَ طَلَاق سنة أَو بِدعَة؟

(2/167)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ طَلَاق بِدعَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ طَلَاق سنة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين، وَالثَّانِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ أَنَّهَا طَلَاق سنة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق مثل عدد المَاء وَالتُّرَاب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاحِدَة تبين بهَا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ ثَلَاث.
وَاتفقَ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد على أَن من قَالَ لزوجته: إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا بعد هَذَا الْيَمين، أَن الطَّلَاق الَّذِي أوقعه مُنجزا يَقع، وَيَقَع بِالشّرطِ تَمام الثَّلَاث فِي الْحَال.
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله الْحُسَيْن وغيرة: يَقع مَا بَاشرهُ وَتَمام الثَّلَاث، وَمن الْمُعَلق فِي الْحَال كمذهب الْجَمَاعَة.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم: يَقع عَلَيْهَا مَا بَاشرهُ دون مَا علقه.
وَقَالَ أبوالعباس بن سُرَيج والقفال، وَابْن الْحداد وَغَيرهم: لَا يَقع بهَا طَلَاق أصلا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته: قد سرحتك وفارقتك.

(2/168)


فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: هُوَ صَرِيح فِي الطَّلَاق وَإِن لم يُنَوّه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ كِنَايَة مَتى لم ينويه الطَّلَاق لم يَقع.
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة وَهِي خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وحبلك على غاربك، وَأَنت حرَّة وَأَنت الخرج، وأمرك بِيَدِك، واعتدي، والحقي بأهلك. هَل تفْتَقر إِلَى نِيَّة أَو دلَالَة حَال؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يفْتَقر إِلَى نِيَّة أَو دلَالَة حَال.
وَقَالَ مَالك: يَقع الطَّلَاق بمجردها.
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا دلَالَة حَال من ذكر الطَّلَاق أَو الْغَضَب، هَل تفْتَقر إِلَيْهِ أم لَا؟ وَهل إِذا أَتَى بهَا، وَقَالَ: لم أرد الطَّلَاق يصدق أم لَا؟

(2/169)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ فِي ذكر الطَّلَاق وَقَالَ: لم أرده لم يصدق فِي جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة، وَإِن كَانَ فِي حَال الْغَضَب وَلم يجر للطَّلَاق ذكر لم يصدق فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ: اعْتدي واختاري وأمرك بِيَدِك، وَيصدق فِي خلية وبرية وبتلة وَحرَام وبائن.
وَقَالَ مَالك: جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة مثل خلية وبرية وبتلة وَحرَام وبائن وَأَشْبَاه ذَلِك مَتى قَالَهَا مبتدئا أَو مجيبا لَهَا عَن سؤالها الطَّلَاق، كَانَ طَلَاقا، وَلم يقبل مِنْهُ أَن قَالَ لم أرده.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَإِن كَانَت الدّلَالَة وَالْغَضَب موجودين.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَالْأُخْرَى: لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَيَكْفِي دلَالَة الْحَال من ذكر الطَّلَاق أَو الْغَضَب فَإِذا قَالَ: لم أرد الطَّلَاق، لم يصدق.
وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق والسراح والفراق مَتى أوقع الْمُكَلف لَفْظَة مِنْهَا وَقع بهَا الطَّلَاق، وَإِن لم يُنَوّه.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي السراح والفراق: إِن لم يُنَوّه لم يَقع.

(2/170)


وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا نوى بهَا الطَّلَاق وَلم ينْو عددا أَو كَانَ جَوَابا عَن سؤالها الطَّلَاق لم يَقع لَهَا من عدده؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تكون وَاحِدَة مَعَ يَمِينه.
وَقَالَ مَالك: جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا كَانَت بمدخول بهَا وَقعت الثَّلَاث، وَإِن قَالَ: أردْت دون الثَّلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا لم يقبل مِنْهَا إِلَّا أَن يكون فِي خلع، فَإِن كَانَت فِي غير مَدْخُول بهَا فَيقبل مَا يَدعِيهِ مَعَ يَمِينه وَيَقَع مَا ينويه إِلَّا فِي الْبَتَّةَ، فَإِن قَوْله اخْتلف فِيهَا فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يصدق فِي أقل من الثَّلَاث وَرُوِيَ عَنهُ يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يقبل مِنْهُ كل مَا يَدعِيهِ فِي ذَلِك من أصل الطَّلَاق وإعداده.
وَقَالَ أَحْمد: الْكِنَايَة الظَّاهِرَة مَتى كَانَ مَعهَا دلَالَة حَال أَو نوى الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث سَوَاء نَوَاه أَو نوى دونه وَسَوَاء كَانَ مَدْخُولا بهَا أَو غير مَدْخُول بهَا.
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الْحَقِيقِيَّة إِذا أَتَى بهَا وَهِي نَحْو قَوْله: اذهبي واخرجي، وَأَنت مخلاة، ووهبتك لأهْلك وَمَا أشبه ذَلِك.

(2/171)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ كالكيانات الظَّاهِرَة إِن لم ينْو عددا وَقعت وَاحِدَة مبينَة، وَإِن نوى الثَّلَاث وَقعت الثَّلَاث، وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا أَتَى بالكنايات الْحَقِيقِيَّة إِن نوى طَلْقَتَيْنِ كَانَ طَلْقَتَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِي قَوْله اعْتدي واستبري رَحِمك وَيَنْوِي ثَلَاثًا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع وَاحِدَة رَجْعِيَّة.
وَقَالَ مَالك: لَا يَقع لَهَا طَلَاق إِذا وَقعت ابْتِدَاء إِلَّا أَن يكون فِي ذكر الطَّلَاق أَو فِي غضب فَإِنَّهُ يَقع مَا نَوَاه، فَإِن نوى ثَلَاثًا كَانَ يَقع ثَلَاثًا، وَإِن نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة،
وَيَقَع بهَا النُّطْق عِنْد الطَّلَاق. وَسَوَاء وَقع ابْتِدَاء أَو كَانَ فِي ذكر غضب أَو طَلَاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا أَن يَنْوِي بهَا الطَّلَاق فَيَقَع مَا نَوَاه إِن نوى ثَلَاثًا فثلاثا، وَإِن نوى غير ذَلِك مِمَّا نَوَاه فِي حق الْمَدْخُول بهَا فَوَاحِدَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا: إِنَّهَا كِنَايَة ظَاهِرَة يَقع بهَا الثَّلَاث، وَرُوِيَ عَنهُ: أَنَّهَا خفيه يَقع بهَا مَا نَوَاه.

(2/172)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الرجل لزوجته: أَنا مِنْك طَالِق أَو رد الْأَمر إِلَيْهَا فَقَالَت أَنْت مني طَالِق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يَقع.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: يَقع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الرجل لزوجته: أَنْت طَالِق ونوي ثَلَاثًا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الرِّوَايَة الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ: يَقع وَاحِدَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يَقع الثَّلَاث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهَا: أَمرك بِيَدِك ونوي الطَّلَاق فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن نوي الزَّوْج ثَلَاثًا وَقعت وَإِن نوي وَاحِدَة لم يَقع شَيْء.
وَقَالَ مَالك: يَقع مَا أوقعت من عدد الطَّلَاق إِذا أقرها عَلَيْهِ فَإِن ناكرها حلف وانعقد من عدد الطَّلَاق مَا قَالَه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَقع الثَّلَاث إِلَّا أَن ينويها الزَّوْج وَإِن نوى الزَّوْج دون

(2/173)


الثَّلَاث وَقع مَا نَوَاه.
وَقَالَ أَحْمد: يَقع الثَّلَاث سَوَاء نوى الزَّوْج الثَّلَاث أَو نوى وَاحِدَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفسك وَاحِدَة، فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يَقع شَيْء.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يَقع وَاحِدَة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ الزَّوْج لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا طلقت ثَلَاثًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق بِأَلْفَاظ متتابعة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة.
وَقَالَ مَالك يَقع الثَّلَاث.
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السَّكْرَان.

(2/174)


فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يَقع.
وَقَالَ الشَّافِعِي قَولَانِ، أظهرهمَا: أَنه يَقع.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا أَنه يَقع أَيْضا، اخْتَارَهَا الْخلال.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ والكرخي من الْحَنَفِيَّة، والمزني من الشَّافِعِيَّة: لَا يَقع.
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الْمُكْره وعتاقه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا نطق بهَا دافعا عَن نَفسه لَا يَقع.
وَاخْتلفُوا فِي التوعيد الَّذِي يغلب على الظَّن التوعد بِهِ أَنه إِذا نوى بِهِ هَل يكون إِكْرَاها؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: التوعيد فِي الْجُمْلَة إِكْرَاه.
وَقَالَ أَحْمد رِوَايَات ثَلَاث إِحْدَاهُنَّ كمذهبهم هَذَا، وَلآخر: لَا يكون إِكْرَاها،

(2/175)


وَالَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالْأُخْرَى: إِن كَانَ بِالْقَتْلِ أَو قطع الطّرق فَهُوَ إِكْرَاه، وَإِن كَانَ بِغَيْر ذَلِك فَلَا يكون إِكْرَاها فَإِن كَانَ الْإِكْرَاه من سُلْطَان فَهُوَ يفرق بَينه وَبَين الْإِكْرَاه من غير كلص ومتغلب.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا فرق فِي ذَلِك بَين السُّلْطَان وَغَيره.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأُخْرَى: لَا يكون الْإِكْرَاه إِلَّا من السُّلْطَان.
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته: أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يَقع الطَّلَاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يَقع.
وَاخْتلفُوا فِي المبتوتة فِي الْمَرَض الْمخوف الْمُتَّصِل بِالْمَوْتِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: تَرث إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يشْتَرط فِي إرثها أَن لَا

(2/176)


يكون الطَّلَاق بِطَلَب مِنْهَا.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أظهرهمَا: لَا تَرث، وَالْأُخْرَى: تَرث كَقَوْل الباقيين فعلى هَذَا القَوْل الآخر أَنَّهَا تَرث إِلَى مَتى تَرث على ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: تَرث إِن مَاتَ وَهِي فِي الْعدة، وَإِن مَاتَ وَقد انْقَضتْ الْعدة فَلَا إِرْث، وَالثَّانِي: مَا لم تزوج، وَالثَّالِث: أَنَّهَا تَرث أبدا.
وَاخْتلفُوا هَل تَرث المبتوتة وَإِن انْقَضتْ الْعدة مَا لم تتَزَوَّج وَكَذَلِكَ الْمُطلقَة قبل الدُّخُول؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تَرث فيهمَا.
وَقَالَ مَالك: تَرث وَإِن تزوجت.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد أَقْوَاله الَّتِي قدمناها: لَا تَرث، وَهُوَ أظهرها. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَقع وَاحِدَة.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَقع الثَّلَاث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر الطَّلَاق للمدخول بهَا بِأَن قَالَ: أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق، وَقَالَ: إِنَّمَا أردْت إفهامها بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة.

(2/177)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يلْزمه الثَّلَاث.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه إِلَّا وَاحِدَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق إِلَى سنة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يُطلق فِي الْحَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا تطلق حَتَّى تنسلخ السّنة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلق الصَّبِي وَهُوَ مِمَّن يعقل الطَّلَاق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَقع الطَّلَاق.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: انه يَقع الطَّلَاق، وَالْأُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلق وَاحِدَة من زَوْجَاته لَا بِعَينهَا أَو بِعَينهَا، ثمَّ أنسبها طَلَاقا رَجْعِيًا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن أبي هُرَيْرَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي: لَا يُحَال بَينه وبينهن، وَله أَن يطَأ أيتهن شَاءَ وَإِذا وطىء وَاحِدَة انْصَرف الطَّلَاق إِلَى غير الْمَوْطُوءَة.
وَقَالَ مَالك: يُطَلِّقهُنَّ كُلهنَّ.
وَقَالَ أَحْمد: يُحَال بَينه وبينهن وَلَا يجوز لَهُ وطؤهن حَتَّى يقرع بَينهُنَّ، فَإِن خرجت الْقرعَة عَلَيْهَا كَانَت هِيَ الْمُطلقَة، فَإِن خَالف ووطىء لم يبطل حكم الْقرعَة بالوطىء وَيجب عَلَيْهِ إِخْرَاج إِحْدَاهُنَّ بِالْقُرْعَةِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة وَقعت طَلْقَة.

(2/178)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ لَهُ أَربع زَوْجَات فَقَالَ: زَوجته طَالِق وَلم يعين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَله صرف الطَّلَاق إِلَى من شَاءَ مِنْهُنَّ.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يُطَلِّقهُنَّ كُلهنَّ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شكّ فِي عدد الطَّلَاق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يبْنى على الْيَقِين.
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَهِي الْمَشْهُورَة من مذْهبه: أَنه يغلب الْإِيقَاع.
وَرُوِيَ أَشهب: أَنه يبْنى على الْيَقِين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَشَارَ بِالطَّلَاق إِلَى مَا ينْفَصل من الْمَرْأَة فِي حَال السَّلامَة كَالرّجلِ وَالْيَد والأصبع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَقع إِلَّا أَن يضيفه إِلَى أحد خَمْسَة أَعْضَاء: الْوَجْه، وَالرَّأْس، وَالظّهْر والرقبة، والفرج. وَفِي معنى هَذِه الْأَشْيَاء عِنْده الْجُزْء الشَّائِع كالنصف وَالرّبع، وَإِمَّا إِن أَضَافَهُ إِلَى مَا ينْفَصل فِي حَال السَّلامَة كالسن وَالظفر وَالشعر فَلَا يَقع.

(2/179)


وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا قَالَ لزوجته: يدك أَو رجلك أَو اصبعك أَو نَحْو ذَلِك، وَجَمِيع الْأَعْضَاء الْمُتَّصِلَة وَقع الطَّلَاق على جَمِيعهَا، فَأَما إِن أَشَارَ للشعر وَالظفر من الْأَعْضَاء الْمُنْفَصِلَة فَلَا يَقع عِنْد أَحْمد، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَقع.
وَاخْتلفُوا هَل يعْتَبر الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء.
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يعْتَبر الطَّلَاق بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء، وَالْعدة بِالنسَاء دون الرِّجَال.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الطَّلَاق يعْتَبر بِالنسَاء.
بَاب الرّجْعَة

اتَّفقُوا على أَن للرجل أَن يُرَاجع الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز وطىء الرَّجْعِيَّة أم لَا؟

(2/180)


فَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَأَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِمحرم.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ محرم.
وَاخْتلفُوا فِي الوطىء فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ هَل يصير مراجعا بِنَفس الواطىء؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: يصير مراجعا، وَلَا يفْتَقر مَعَه إِلَى قَول سَوَاء نوى بِهِ الرّجْعَة أَو لم ينوها.
وَقَالَ مَالك: إِن نوى الرّجْعَة كَانَ رَجْعَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح الرّجْعَة إِلَّا بالْقَوْل.
وَعَن أَحْمد مثله.
وَعَن مَالك رِوَايَة ابْن وهب كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد.
وَاخْتلفُوا هَل من شَرط الرّجْعَة الشَّهَادَة أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَيْسَ من شَرطهَا الشَّهَادَة بل هِيَ مُسْتَحبَّة.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: الشَّهَادَة شَرط فِيهَا.
وَعَن أَحْمد مثله.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا فَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غيرَة.

(2/181)


وَاتَّفَقُوا على أَنه شَرط فِي جَوَاز عودهَا إِلَى الأول.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِنَّمَا يَقع الْحل بالوطىء فِي النِّكَاح الصَّحِيح فَإِن كَانَ الوطىء فِي نِكَاح فَاسد.
فاتفقوا كلهم على أَن الْإِبَاحَة لَا تحصل بِهِ إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا هَل يَقع الْحل فِي النِّكَاح الصَّحِيح؟ فَإِن كَانَ الوطىء فِي نِكَاح فَاسد كوقت الْحيض وَحَالَة الْإِحْرَام.
فَقَالُوا: يَقع الْحل بِهِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَقع الْحل بذلك.
وَاخْتلفُوا فِي وطىء الصَّبِي الَّذِي يُجَامع مثله.
هَل يحصل بِهِ الْإِبَاحَة للزَّوْج الأول؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يحصل بِهِ إِذا وطىء فِي نِكَاح صَحِيح.
وَقَالَ مَالك لَا يحصل.