اختلاف الأئمة العلماء

بَاب الْإِيلَاء

اتَّفقُوا على أَنه إِذا حلف بِاللَّه لَا يُجَامع زَوجته أَكثر من أَرْبَعَة أشهر، كَانَ موليا، فَإِن حلف أَلا يقربهَا أقل من أَرْبَعَة أشهر لم يتَعَلَّق بِهِ حكم الْإِيلَاء.

(2/182)


وَاخْتلفُوا فِي الْأَرْبَعَة أشهر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا حلف لَا يقربهَا أَرْبَعَة أشهر سَوَاء كَانَ موليا.
وَقد رُوِيَ هَا هُنَا عَن أَحْمد مثله.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور: لَا يكون موليا
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَقع عَلَيْهِ طَلَاق وَلَا يُوقف حَتَّى يمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر، فَإِذا مَضَت فَهَل يَقع الطَّلَاق بمضيها أَو يُوقف؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَقع الطَّلَاق بِمُضِيِّ الْمدَّة حَتَّى يُوقف ليفي أَو يُطلق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا مَضَت الْمدَّة طلقت وَلَا يُوقف.
وَاخْتلف من قَالَ يُوقف لَهَا بعد أَرْبَعَة أشهر فِيمَا إِذا امْتنع من الطَّلَاق هَل يُطلق الْحَاكِم عَلَيْهِ؟
وَرُوِيَ عَن أَحْمد: يضيق عَلَيْهِ حَتَّى يُطلق.
وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَتَى بِغَيْر الْيَمين بِاللَّه أَن لَا يُصِيب زَوجته كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَصدقَة المَال وَإِيجَاب الْعِبَادَات هَل يكون موليا أم لَا؟

(2/183)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون موليا سَوَاء قصد الْإِضْرَار بهَا أَو قصد دفع الضَّرَر عَنْهَا مثل أَن تكون مُرْضِعَة فيخاف إِن وَطئهَا أَن تحمل فيخف اللَّبن أَو تكون مَرِيضَة فَيكون الوطىء يضر بهَا أَو يقْصد دفع الضَّرَر عَن نَفسه بِأَن كَانَ الوطىء يضر بِهِ.
وَقَالَ مَالك: لَا يكون الْحَالِف بترك الوطىء موليا إِلَّا أَن يكون فِي حَالَة غضب أَو قَاصِدا الْإِضْرَار بهَا فَإِن كَانَ للإصلاح أَو لنفعها لم يكن موليا.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يكون موليا إِذا قصد دفع الضَّرَر عَنْهَا فَإِن قصد الْإِضْرَار بِالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يكون موليا.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين الْجَدِيد مِنْهُمَا أبي حنيفَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فَاء الْمولى هَل يلْزمه الْكَفَّارَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: يلْزمه الْكَفَّارَة.
وَاخْتلف مَذْهَب الشَّافِعِي على قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: لَا يلْزمه وَهُوَ الْقَدِيم، وَقَالَ فِي الْجَدِيد يلْزمه الْكَفَّارَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك وطىء زَوجته مضرا بهَا من غير يَمِين أَكثر من أَرْبَعَة أشهر، هَل تصرف الْمدَّة لَهُ وَيكون موليا؟

(2/184)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تصرف الْمدَّة لَهُ وَلَا يكون موليا.
وَقَالَ مَالك وَاحْمَدْ فِي إِحْدَى روايتيه: تصرف لَهُ مُدَّة الْإِيلَاء.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
قَالَ الْوَزير: أرى أَنه يسْتَحبّ للرجل أَن يعف أمته إِمَّا بنكاحها أَو بإنكاحها وَلَيْسَ وَطئهَا بِوَاجِب عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِي إِيلَاء العَبْد. فَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ الزَّوْج عبدا فمدة إيلائه شَهْرَان سَوَاء كَانَت زَوجته حرَّة أَو أمة، وَإِن كَانَ حرا فمدته أَرْبَعَة أشهر.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الِاعْتِبَار فِي الْمدَّة بِالنسَاء، فَمن كَانَت تَحْتَهُ أمة فمدة إيلائه شَهْرَان، سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا، وَإِن كَانَت الزَّوْجَة حرَّة فمدتها أَرْبَعَة أشهر حرا كَانَ الزَّوْج أَو عبدا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: مُدَّة إِيلَاء العَبْد أَرْبَعَة كَالْحرِّ وَلَا فرق بَين أَن يكون تَحْتَهُ أمة أَو حرَّة.
كمذهب مَالك.
وَاخْتلفُوا هَل يَصح إِيلَاء الْكَافِر؟

(2/185)


فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إيلاؤه.
وَفَائِدَته أَنه يُوجد بعد إِسْلَامه بِهِ من أَن يُوقف وَيُطَالب بالكفاءة، أَو يُطلق.
وَقَالَ مَالك: لَا يَصح إيلاؤه.

بَاب الظِّهَار

اتَّفقُوا على أَنه إِذا قَالَ لزوجته: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، فَإِنَّهُ مظَاهر لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يقدم الْكَفَّارَة، وَهِي عتق رَقَبَة إِن وجد، فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، فَإِن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا.
وَاخْتلفُوا فِي مُظَاهرَة الذِّمِّيّ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا تصح.

(2/186)


وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يَصح.
وَاخْتلفُوا هَل يَصح مُظَاهرَة السَّيِّد من أمته؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح.
وَقَالَ مَالك: يَصح.
وَاتَّفَقُوا على أَن الظِّهَار يَصح من العَبْد وَأَنه يكفر بِالصَّوْمِ وبالإطعام إِن ملكه السَّيِّد عِنْد مَالك خَاصَّة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته أمة كَانَت أم حرَّة: أَنْت عَليّ حرَام؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن نوى الطَّلَاق كَانَ طَلَاقا، وَإِن نوى الثَّلَاث فَهُوَ بِالثلَاثِ، وَإِن نوى وَاحِدَة أَو اثْنَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة بَائِنَة، وَإِن نوى التَّحْرِيم، وَلم ينْو الطَّلَاق أَو لم يكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ يَمِين وَهَذَا مؤول إِن تَركهَا أَرْبَعَة أشهر وَقعت طلقه بَائِنَة، وَإِن قَالَ للْحَاكِم: أردْت الْكَذِب قضي الْحَاكِم عَلَيْهِ وَإِن نوى الظِّهَار كَانَ مُظَاهرا وَإِن نوى الْيَمين كَانَ يَمِينا وَيرجع إِلَى نِيَّة كم أَرَادَ بهَا وَاحِدَة أَو أَكثر، سَوَاء أَكَانَ مَدْخُولا بهَا أَو غير مَدْخُول بهَا.
وَقَالَ مَالك: هُوَ طَلَاق ثَلَاث فِي حق الْمَدْخُول بهَا وَوَاحِدَة فِي غَيرهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا نوى الطَّلَاق أَو الظِّهَار كَانَ مَا نَوَاه وَإِن نوى الْيَمين لم يكن يَمِينا وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين، وَإِن لم ينْو شَيْئا فعلى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: لَا شَيْء عَلَيْهِ،

(2/187)


وَالثَّانِي: يلْزمه كَفَّارَة يَمِين.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه صَرِيح فِي الظِّهَار نَوَاه أَو لم يُنَوّه وَفِيه كَفَّارَة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّهَا يَمِين وَعَلِيهِ كفارتها، وَعنهُ رِوَايَة ثالثه أَنَّهَا طَلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي الرجل يحرم طَعَامه أَو شرابه أَو أمته.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ حَالف وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين بِالْحِنْثِ والحنث يحصل بِفعل جُزْء مِنْهُ، وَلَا يحْتَاج إِلَى كل جَمِيعه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن حرم أمته فعلى قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَيْسَ بِيَمِين وَإِن حرم مَا سوى النِّسَاء فَلَيْسَ شَيْء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك: لَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا هَل يحرم على المظاهرة الْقبْلَة واللمس بِشَهْوَة؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يحرم ذَلِك عَلَيْهِ.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنه يُبَاح. وَالْقَدِيم: هُوَ حرَام كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كَذَلِك أظهرهمَا: أَنه حرَام.
قَالَ الْوَزير: وَالصَّحِيح أَنه يحرم عَلَيْهِ ذَلِك مَا لم يكفر لقَوْله تَعَالَى (من قبل

(2/188)


أَن يتماسا} .
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطىء الْمظَاهر فِي صَوْم الْمظَاهر أَو فِي خلال الشَّهْر لَيْلًا أَو نَهَارا عَامِدًا أَو نَاسِيا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يسْتَأْنف الصَّوْم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن وطىء بِالنَّهَارِ نَاسِيا أَو بِاللَّيْلِ نَاسِيا أَو عَامِدًا لم يلْزم نَفسه الِاسْتِئْنَاف، وَإِن وطىء بِالنَّهَارِ عَامِدًا فسد صَوْمه وَانْقطع التَّتَابُع وَلَزِمَه الِاسْتِئْنَاف لنَصّ الْقُرْآن.
وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْإِيمَان فِي الرَّقَبَة الَّتِي يكفر بهَا الْمظَاهر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَيْسَ بِشَرْط فِيهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ: هُوَ شَرط.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شرع فِي الصّيام ثمَّ وجد الرَّقَبَة.
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه الْخُرُوج مِنْهُ وَالْعِتْق بل إِن شَاءَ بنى

(2/189)


على صَوْمه، وَإِن شَاءَ أعتق إِلَّا أَن مَالِكًا فرق فَقَالَ: إِن كَانَ قد شرع فِي الصّيام الْيَوْم واليومين وَالثَّلَاث، عَاد إِلَى الْعتْق، وَإِن كَانَ قد مضى فِي صَوْمه أتمه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه الْعتْق وَلَا يجْزِيه الصّيام.
وَاتَّفَقُوا على انه لَا يجوز لَهُ الْمَسِيس حَتَّى يكفر. وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز لَهُ دفع شَيْء من الْكَفَّارَات إِلَى الْكَافِر الْحَرْبِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي الذِّمِّيّ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز دفع ذَلِك إِلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد:: لَا يجوز دفع ذَلِك إِلَيْهِ كالحربي.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا.
وَقَالَ احْمَد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي أظهرها: يجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة إِذا وَطئهَا.
وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.

بَاب اللّعان وَالْقَذْف

وَأَجْمعُوا على أَن من قذف امْرَأَته بِالزِّنَا وَلَا شَاهد لَهُ عَلَيْهَا سوى نَفسه أَنه

(2/190)


يُكَرر الْيَمين أَربع مَرَّات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين، ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة: ولعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين فَحِينَئِذٍ يلْزمهَا الْحَد.
وَالَّذِي يدرؤه عَنْهَا أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين، ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة: أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَت من الْكَاذِبين.
قَالَ الْوَزير: وَمن الْفُقَهَاء من اشْترط أَن يُزَاد بعد قَوْله: من الصَّادِقين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا وَكَذَلِكَ تَقول هِيَ فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا وَلَا أرَاهُ يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَن الله سُبْحَانَهُ أنزل ذَلِك وَبَينه وَلم يذكر هَذَا الِاشْتِرَاط وَذَلِكَ مِمَّا أرى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: من الصَّادِقين بِالْألف وَاللَّام فَإِنَّهُ يسْتَغْرق الْجِنْس، فَلَو كذب فِي عمْرَة كذبه لم يكن من الصَّادِقين فَكيف هَذِه الْحَالة الَّتِي لَاعن بهَا.
وَقَوله تَعَالَى {ويدرؤا عَنْهَا الْعَذَاب} [النُّور: 8] الْآيَة نَص فَإِن نكل الزَّوْج عَن اللّعان فَإِن عَلَيْهِ الْقَذْف عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد عَلَيْهِ بل يحبس حَتَّى يُلَاعن أَو يقر، فَإِن نكلت الزَّوْجَة عَن اللّعان لم تحد عِنْد أبي حنيفَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى تخلى وَلَا تحبس.

(2/191)


وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تحد حد الزِّنَا إِذا امْتنعت من اللّعان.
وَاخْتلفُوا هَل اللّعان شَهَادَة أَو يَمِين.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ يَمِين فَيصح اللّعان بَين كل زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ كَانَا أَو عَبْدَيْنِ أَو أَحدهمَا عَدْلَيْنِ أَو فاسقين أَو أَحدهمَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ شَهَادَة فَلَا يَصح إِلَّا بَين زَوْجَيْنِ يكونَانِ من أهل الشَّهَادَة وَذَلِكَ بِأَن يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ، فَأَما العبدان أَو المحدودان فِي الْقَذْف فَلَا يجوز عِنْده لعانهما وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أَحدهمَا من أهل الشَّهَادَة إِذْ اللّعان عِنْده شَهَادَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كمذهب أبي حنيفَة وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى: كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَهِي أظهرهمَا.
وَاخْتلفُوا هَل يَصح اللّعان لنفي الْحمل قبل وَضعه؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: إِذا نفي حمل امْرَأَته فَلَا لعان بَينهمَا لَا يَنْتَفِي عَنهُ، فَإِن قَذفهَا بِصَرِيح الزِّنَا لَا عَن الْمَقْذُوف وَلم ينتف نسب الْوَلَد سَوَاء وَلدته أشهر أَو الْأَقَل مِنْهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُلَاعن لنفي الْحمل إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن يكون استبرىء بِحَيْضَة أَو ثَلَاث حيض على خلاف مذْهبه بَين أَصْحَابه.
وَاتَّفَقُوا على أَن فرقة التلاعن وَاقعَة.

(2/192)


وَاخْتلفُوا بِمَاذَا يَقع؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يَقع إِلَّا بلعانها وَحكم الْحَاكِم.
وَقَالَ مَالك: يَقع بلعانها خَاصَّة، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد أَيْضا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَقع بِلعان الزَّوْج خَاصَّة.
وَاخْتلفُوا هَل ترْتَفع الْفرْقَة بإكذابه لنَفسِهِ أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرْتَفع بتكذيبه لنَفسِهِ، فَإِن كذب نَفسه جلد الْحَد، وَكَانَ حد الْخطاب.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ فرقه مُؤَبّدَة لَا ترْتَفع أبدا بِحَال وَإِن كذب نَفسه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَالْأُخْرَى: كمذهب أبي حنيفَة.
وَاخْتلفُوا هَل فرقة اللّعان فسخ أَو طَلَاق؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ طَلَاق.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ فسخ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قذف زَوجته بِرَجُل بِعَيْنِه.
فَقَالَ: زنا بك فلَان.

(2/193)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يُلَاعن الزَّوْج ويجلد الْأَجْنَبِيّ إِن طلب الْحَد، وَلَا يسْقط بلعانها عَنهُ.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أَحدهمَا: يجب حد وَاحِد لَهما، وَالثَّانِي: يجب بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا حد، فَإِن ذكر الْمَقْذُوف فِي لِعَانه سقط الْحَد وَإِن لم يذكرهُ فعلى قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: يسْتَأْنف اللّعان وَإِلَّا أقيم عَلَيْهِ الْحَد، وَالثَّانِي: يسْقط حَده.
وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِ حد وَاحِد لَهما وَيسْقط بلعانها سَوَاء ذكر المتذوق بلعانها أَو أغفل ذكره.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الرجل: يَا زَانِيَة، يُرِيد بهَا الْمُبَالغَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون قذفا.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يكون قذفا وَهُوَ قَاذف لَهَا بذلك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو بِكَلِمَات.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يجب لجماعتهم حد وَاحِد سَوَاء أقذفهم بِكَلِمَات أَو بِكَلِمَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: إِن قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أقيم عَلَيْهِ الْحَد،

(2/194)


وَقَالَ فِي الْجَدِيد: يجب بِكُل وَاحِد حد وَهُوَ الْأَظْهر، وَإِن قذف جمَاعَة بِكَلِمَات فَلِكُل وَاحِد حد قولا وَاحِدًا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَات الأول كالقديم من قولي الشَّافِعِي وَهِي المنصورة عِنْد أَصْحَابه.
وَالثَّانيَِة: لكل وَاحِد حد كالجديد من قولي الشَّافِعِي، وَالثَّالِثَة: إِن طَالبه بِحَدّ الْقَذْف عِنْد الْحَاكِم مطالبه وَاحِدَة، فحد وَاحِد، وَإِن طالبوه مُتَفَرّقين حد لكل وَاحِد مِنْهُم حد.
وَاخْتلفُوا فِي التَّعْرِيض هَل يُوجب الْحَد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُوجب الْحَد سَوَاء أنوى بِهِ الْقَذْف أم لم يُنَوّه.
وَقَالَ مَالك: يُوجب الْحَد على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُوجب الْحَد إِلَّا أَن يَنْوِي بِهِ الْقَذْف.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: وجوب الْحَد فِيهِ على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى كمذهب الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد على الْمَرْأَة أَرْبَعَة مِنْهُم الزَّوْج.

(2/195)


فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا تصح الشَّهَادَة وَكلهمْ قذفه يجب عَلَيْهِم الْحَد إِلَّا أَن الزَّوْج يسْقطهُ بِاللّعانِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل شَهَادَتهم وتحد الزَّوْجَة.
وَاخْتلفُوا إِذا لَا عنت قبل الزَّوْج؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتد بِهِ.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يعْتد بِهِ.
وَاخْتلفُوا فِي حد الْقَذْف هَل هُوَ حق الْآدَمِيّ يسْقط بإسقاطه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ حق الله لَا يَصح للمقذوف أَن يسْقطهُ وَلَا يُبرئ مِنْهُ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ حق للْعَبد يَصح لَهُ أَن يسْقطهُ وَيُبرئ مِنْهُ إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: مَتى رفع إِلَى السُّلْطَان لم يكن للمقذوف الْإِسْقَاط.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه حق الْآدَمِيّ، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة.

(2/196)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سبّ ذمِّي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ اتبع ذَلِك بِالْإِسْلَامِ.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يقتل وَيكون ناقضا للْعهد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقتل ولايكون ناقضا للْعهد.
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي وجوب قَتله أَو نقضه الْعَهْد على وَجْهَيْن، فَأَما إِن كَانَ سبه لَهُ بعد أَن اسْلَمْ فَإِنَّهُ يقتل وَلَا يُسْتَتَاب عِنْد مَالك وَأحمد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل مُرْتَدا.
وَقَالَ الشَّافِعِي يُسْتَتَاب فَإِن لم يتب قتل كالمرتد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قذف الْوَالِد وَلَده بِالزِّنَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه الْحَد إِلَّا أَتَى أكره للْوَلَد أَن يُطَالب أَبَاهُ بذلك.
وَاتَّفَقُوا على أَن من قذف عبدا فَإِنَّهُ لَا حد عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ الْمَقْذُوف للقاذف أَو لغيره.
وَاتَّفَقُوا، مَا عدا مَالِكًا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، أَنه إِذا قَالَ لعربي النّسَب: يَا رومي يَا فَارسي على أَنه لَا حد عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: على أَن قَائِل ذَلِك للعربي عَلَيْهِ الْحَد.
وَاتَّفَقُوا إِلَّا أَبَا حنيفَة، على أَن الْأمة تصير فراشا بالوطئ، فَإِذا أقرّ السَّيِّد بِوَلَدِهَا فَمَا أَتَت بِهِ من ولد الْحق بسيدها.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْحقهُ من ذَلِك إِلَّا مَا أقرّ بِهِ.

(2/197)