اختلاف الفقهاء للمروزي

 [بَاب طلاق الحر والعبد]
[هل الطلاق بالرجال أم بالنساء؟]
111- وإنما اخْتَلَفُوْا فِي الطلاق
فقَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة والشَّافِعِيّ وأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء؛ فَإِذَاطلق الحر أمته وهي حرة أَوْ مملوكة فطلاقها سواء ثلاث تطليقات وإن طلقها واحدة أَوْ اثنتين فَهُوَ أملك برجعتها ما كانت فِي العدة وإن طلقها ثلاثا لم تحل له حَتَّى تنكح زوجا غيره.
وإِذَاطلق العبد امرأته وهي حرة أَوْ مملوكة فطلاقه تطليقتين فإن طلقها تطليقتين حرمت عَلَيْهِ ولا تحل له حَتَّى تنكح زوجا غيره فإن طلقها واحدة فَهُوَ أملك برجعتها ما دامت فِي العدة.
وعدة الأمة قرءان تحت عبد كانت أَوْ حر.
وهَذَا قَوْل عثمان بْن عفان وزيد بْن ثابت

(1/260)


وعَائِشَة وابن عَبَّاس "إن الطلاق بالرجال"
وقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: الطلاق والعدة جميعا بالنساء فَإِذَاطلق الحر امرأته وهي أمة تطليقتين حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنكح زوجا غيره.
وعدتها حيضتان وإِذَاطلق العبد امرأته وهي حرة تطليقتين لم تحرم منه بتطليقتين حَتَّى يطلقها ثلاثا فَإِذَاطلقها ثلاثا حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنكح زوجا غيره وعدتها

ثلاث حيض.
وهَذَا قَوْل علي بْن أبي طالب وابن مسعود
وروي عَنِ ابْنِ عُمَر قَوْل ثالث إن الطلاق بأيهما رق- يعني الزوجين- أيهما كَانَ مملوكا الرَّجُل أَوْ الْمَرْأَة فطلاقه

(1/261)


تطليقتان وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ.

[بَاب إسلام أحد الزوجين]
[إِذَاأسلمت النَّصْرَانِيّة فما حكم الزوج؟]
112- واخْتَلَفُوْا فِي النَّصْرَانِيّة إِذَا أسلمت وزوجها نصراني
فقَالَ مَالِكٌ والْأَوْزَاعِيّ: إِذَا أسلمت امرأة النَّصْرَانِيّ فمَتَى ما أسلم الزوج قبل أن تنقضي عدتها فَهُوَ أحق بِهَا وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق سواء عندهم كَانَ فِي دار الإسلام أَوْ فِي دار الحرب أَوْ افترق دارهما

(1/262)


قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا تزوج النَّصْرَانِيّ بالنَّصْرَانِيّة فأسلمت عرض عَلَى زوجها الإسلام فإن أسلم فهما عَلَى نكاحهما وإن أبى أن يسلم فرق بينهما فعن دخل بِهَا فلها المهر فإن لم يكن دخل بِهَا فلها نصف المهر
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا كانا جميعا فِي دار الإسلام فَإِذَاعرض عَلَيْهِ الاسلام فإن أبى أن يسلم فرق بينهما الحاكم فإن أسلمت الْمَرْأَة ثُمَّ لحق الزوج بدار الحرب

(1/263)


فخرجا أَوْ واحدا منهما عَلَى دار الإسلام فَهُوَ أحق بِهَا إن أسلم قبل أن تنقضي عدتها فَإِذَاانقضت عدتها فلا سبيل له عليها.
هَذَا كله قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ

وروي عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيْزِ والْحَسَن وعكرمة والحكم: إِذَا أسلمت بانت من زوجها من ساعتها فإن أسلم بَعْد ذَلِكَ فَهُوَ خاطب لَا تحل له إِلَّا بنكاح جديد وَهُوَ قَوْل ثور
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: هَذَا أصح الأقاويل عندنا فِي النظر. وَاللهُ أَعْلَمُ.

(1/264)


[إِذَاأسلم المجوسي وأبت زوجته الإسلام]
113- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أسلم المجوسي وتحته المجوسية ولم يكن دخل بِهَا فأبت أن تسلم فلَيْسَ لها مهر وَقَالَ إن أسلمت تحت مجوسي فأبى أن يسلم ولم يكن دخل بِهَا فلها نصف المهر.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي كلا المسألتين وإنما فرقوا بين المسألتين لِأَنَّ قولهم: " كُلّ فرقة جاءت من قبل الْمَرْأَة ولم يكن دخل بِهَا الزوج فلَيْسَ لها صداق" وذَلِكَ كالأمة تعتق وهي تحت عبد أَوْ حر فتخير فتختار الفراق فإن لم يكن دخل بِهَا زوجها فلا صداق لها لِأَنَّ الفرقة جاءت من قبلها.
وكذَلِكَ كُلّ ما أشبه هَذَا.
وكل فرقة جاءت من قبل الزوج وإن لم يكن دخل بِهَا فلها نصف المهر" قَالُوْا فِي المجوسيين إِذَا أسلمت الْمَرْأَة قبل الرَّجُل فأبى الرَّجُل أن يسلم فإنها جاءت الفرقة من قبل الرَّجُل لأنه أبى الإسلام ولو أسلم لكانت امرأته فجعلوا لها نصف المهر إِذَا أبى أن يسلم وإِذَاأسلم الرَّجُل وأبت أن تسلم هي فلا مهر لها لِأَنَّ الفرقة جاءت من قبلها إِذَا امتنعت من الإسلام فلو أسلمت كانت امرأته
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ مثل قولهم فِي أن الفرقة إِذَا جاءت من قبل الْمَرْأَة فلا مهر لها وإِذَاجاءت من قبل الزوج فلها نصف المهر إلا

(1/265)


أنه قَالَ في المجوسيين

إِذَاأسلم أحدهما قبل الآخر بضد ما قَالُوْا فقال: إِذَا أسلمت الْمَرْأَة قبل الرَّجُل ولم يكن دخل بِهَا فقد وقعت القرقة بينهما من ساعتهما لأنه لَا عدة عليها ولا مهر لها لِأَنَّ الفرقة جاءت من قبلها وإِذَاأسلم الرَّجُل قبلها وقعت الفرقة ساعة أسلم ولها نصف المهر لِأَنَّ الفرقة جاءت من قبله.
وَقَالَ مَالِكٌ: أيهما أسلم قبل صاحبه ولم يكن دخل بِهَا لَا صداق لها
وَقَالَ طَائِفَة أُخْرَى: لها نصف الصداق فِي كلا الحالتين.
وكَانَ أَبُوْعُبَيْدٍ يذهب إِلَى هَذَا وَهُوَ قَوْل أَبِيْ ثَوْرٍ
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: هَذَا أصح إن كَانَ دخل بِهَا فلا اختلاف بينهما أيهما أسلم فلها المهر كاملا فأما من زعم أن لها المهر كاملا أيهما أسلم قبل صاحبه وإن لم يكن دخل بِهَا فهَذَا قَوْل شاذ لم يقل بِهِ أحد من السلف

(1/266)


[المهر في نكاح التفويض]
114- واخْتَلَفُوْا فِي الرَّجُل يتزوج الْمَرْأَة ولم يسم لها صداقا ثُمَّ مَاتَ قبل أن يدخل بِهَا أَوْ ماتت المرأة
فقَالَ مَالِكٌ والْأَوْزَاعِيّ وأَهْل الْمَدِيْنَة والشَّافِعِيّ: أيهما مَاتَ قبل صاحبه ورثه الآخر ولا مهر لها.
وروي ذَلِكَ عَن علي بْن أبي طالب وزيد بْن ثابت وابن عَبَّاس وابن عُمَر وعَائِشَة رضي الله عنهم أجمعين.
وقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: لها مهر نسائها إِذَا مَاتَ الزوج وعليها العدة ولها الميراث وَقَالُوْا فإن هي ماتت ولم يسم لهامهرا وإن لم يكن

دخل بِهَا فلها مهر

(1/267)


نسائها وَهُوَ يرثها.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق وأَبُوْ ثَوْرٍ فيهما جميعا واحتجوا بحَدِيْث بروع بنت واشق

(1/268)


[عدة امرأة المفقود]
115- واخْتَلَفُوْا فِي امرأة المفقود كم تربص؟
فقَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة وأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ: تتربص امرأة المفقود أربع سنين ثُمَّ تتزوج.
ورووا ذَلِكَ عَن عُمَر بْن الخطاب وعثمان

ابن عفان وعلي بْن أبي

(1/269)


طالب وابن عُمَر وابن عَبَّاس رضي الله عنهم.
وقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا فقد الرَّجُل تربصت امرأته حَتَّى تعلم موته وهَذَا أحد قولي الشَّافِعِيّ.
ورووا ذَلِكَ عَن علي بْن أبي طالب

[بَاب طلاق السكران والمكرَه وعتقهما]
[طلاق السكران وعتقه]
116- واخْتَلَفُوْا فِي أحكام السكران
فقَالَ سُفْيَانُ والْأَوْزَاعِيّ ومَالك وعامة أَهْل الكوفة: عتقه وطلاقه

(1/270)


جائز وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَبُوْعُبَيْدٍ.
وَقَالَ ربيعة وعُبَيْد الله بْن الْحَسَن واللَّيْث بْن سعد وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ: لَا يجوز طلاقه ولا عتقه؛ واحتجوا بحَدِيْث عثمان وجعلوه قياسا عَلَى طلاق المجنون

(1/271)


فأما أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ يقف فِي كُلّ أحكام السكران الطلاق والعتاق وغيره

(1/272)


[من هو السكران؟]
117- وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: السكران الذي لَا يعقل الرَّجُل من الْمَرْأَة ولا السمَاء من الأرض.
وقَالَ سُفْيَانُ: السكر اختلاس العقل وَقَالَ: كَانَ لَا يجلد حَتَّى يختل عقله فإن استقرئ وتكلم فخلط فِي قراءته فتكلم بما لَا يعرف جلد وإن أقام القِرَاءَة وتكلم بما يعرف لم يجلد.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: إِذَا تغير عقله إن حال صحته فَهُوَ سكران.
ورأيت إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيْم يَقُوْل نحو هَذَا وينكر قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ ويحتج بحَدِيْث عَطَاء بْن السائب عَن أبي عَبْد الرَّحْمَن السلمي عَن علي شربنا عِنْدَ رجل من الأنصار فأنزل الله تَعَالَى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى [النساء: 43}

(1/273)