اختلاف
الفقهاء للمروزي بَاب الرضاع
[الرضاع المحرم]
118- قَالَ سُفْيَانُ: ما كَانَ من رضاع قليل أَوْ كثير أَوْ سعوط أَوْ
وجور فِي الحولين فَهُوَ يحرم وما كَانَ بَعْد الحولين فلا يحرم.
وَهُوَ قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ فِي قليل الرضاع وكثيره يحرم.
وكذَلِكَ قَالَ مَالك
(1/274)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: لَا يحرم دون خمس
رضعات" ذهب إِلَى حَدِيْث عَائِشَة أَنَّهُا قالت: كَانَ فيما أنزل الله من
القرآن: وعشر رضعات يحرمن" ثُمَّ نسخن "بخمس معلومات" قالت: فهن مما يقرأ
من القرآن".
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: لا تحرم المصة والمصتان يعني علي حَدِيْث
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاوز ذَلِكَ فَهُوَ يحرم.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ مثل قَوْل أبي عُبَيْد
وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا أحرم دون خمس رضعات
(1/275)
بَاب فِي النفقة
[نفقة المطلقة ثلاثا وسكناها]
119- واخْتَلَفَأَهْل العلم فِي المطلقة ثلاثا هل لها السكنى والنفقة أم
لا؟
فقَالَ مَالِكٌ والْأَوْزَاعِيّ وأَهْل الْمَدِيْنَة والشَّافِعِيّ
وأَبُوْعُبَيْدٍ: لها السكنى ولا نفقة لها.
واحتجوا فِي إيجاب السكنى وإبطال النفقة لها بقول الله تَعَالَى:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا
تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 6}
قَالُوْا: فعم بالسكنى المطلقات كلهن ولم يخص منهن مطلقة دون أُخْرَى وخص
بالنفقة أولات الأحمال خاصة فدل ذَلِكَ عَلَى أنغَيْر الحامل لَا نفقة لها
لِأَنَّ النفقة لو وجبت لغير الحوامل لعمهن جيمعا بالنفقة كما
(1/276)
عمهن بالسكنى.
واحتجوا بحَدِيْث فاطمة بنت قيس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لم يجعل لها نفقة.
قَالُوْا: فأما أمره إياها بالانتقال [31/أ] فذَلِكَ لعلة.
واخْتَلَفُوْا فِي علته:
فروى هشام بْن عروة عَن أبيه عَن فاطمة بنت قيس أَنَّهُا قالت: يا رَسُوْل
اللهِ! إن زوجي طلقني ثلاثا وإني فِي دار أخاف أن يقتحم علي فيها" فقَالَ
لها رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انتقلي.
وَقَالَ سعيد بْن المسيب: تلك امرأة استطالت عَلَى أحمائها بلسانها فأمرها
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنتقل.
وَعَلَى هَذَا تأولت عَائِشَة رضي الله عنها انتقالها
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قوله تَعَالَى:
(1/277)
: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ
وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [الطلاق:
1} قَالَ: إلا أن تبذو عَلَى أَهْل زوجها بلسانها فتخرج" فقَالُوْا: إنما
أمرت بالانتقَالَ لهَذِهِ العلة.
قَالَ: وإنما أنكر عُمَر بْن الخطاب وغيره من أَصْحَاب رَسُوْل اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها فِي روايتها أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها بالانتقَالَ ولم ينكروا النفقة
لِأَنَّ السكنى له أصل فِي الْكِتَاب ولَيْسَ للنفقة أصل فِي الْكِتَاب،
ولذَلِكَ قَالَ عمر: لَا ندع كتاب الله ولا سنة نبينا لقول امرأة" وإنما
أراد السكنى لَا النفقة
(1/278)
وقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: لها
السكنى والنفقة جميعا.
واحتجوا فِي السكنى مثل ما احتج بِهِ أَهْل الْمَدِيْنَة.
واحتج محتجهم فِي النفقة بأن قَالُوْا: وجدنا للحامل النفقة فِي الْكِتَاب
فشهبواغَيْر الحامل بالحامل.
وَقَالَ طَائِفَة أُخْرَى: لَيْسَ للمطلقة ثلاثا سكنى ولا نفقة.
يروى هَذَا عَن جماعة من أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ والتابعين.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وأبي
ثور.
وكَانَ هَذَا آخر فتيا إِسْحَاق
(1/279)
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وأحب الأقوال
إلي قَوْل مَالك.
[إكراه العبد عَلَى النكاح]
120-قَالَ سُفْيَانُ: لَا بَأْسَ أن يكره الرَّجُل عبده ووليدته عَلَى
النكاح.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: له أن يكره أمته ولَيْسَ له أن يكره عبده.
وَقَالُوْا: إن زوج أمته بغير رضاها
(1/280)
فالنكاح جائز عليها وإن زوج عبده بغير رضاه
فلم يجز النكاح عليه. وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَبُوْثَوْرٍ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهذ الْقَوْل أحب إلي.
[نكاح الحر المملوكة الكافرة]
121-قَالَ سُفْيَانُ: يكره أن يتزوج المسلم المملوكة النَّصْرَانِيّة
والْيَهُوْدِيّة لِأَنَّ الله عز وجل قَالَ: {مِّن فَتَيَاتِكُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ [النساء: 25}
وَقَالَ مَالِكٌ والْأَوْزَاعِيّ والشَّافِعِيّ
(1/281)
وأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ: لَا
يجوز أن يتزوج المسلم بالأمة [32/أ] الْكِتَابية.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ أن يتزوج بالأمة الْيَهُوْدِيّة
والنَّصْرَانِيّة.
(1/282)
[بَاب خيار العيب في النكاح]
[أثر العيب في النكاح]
122- واخْتَلَفُوْا فِي رد العيب فِي النكاح:
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: لَا ترد الْمَرْأَة من عيب ولا
الرَّجُل، ولَيْسَ ينبغي لهم أن يدلسوا.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُُ وأَبُوْعُبَيْد: لا ترد بشيء من العيوب إِلَّا بالعيب الذي
ذكرت عَن عُمَر بْن الخطاب وهي: الجنون والجذام والبرص.
وَقَالَ بعضهم: والرتق فإنه
(1/283)
إِذَاوجد بِهَا أحد هَذِهِ العيوب
الأربعة فَهُوَ بالخيار إن شاء فسخ وإن شاء أقام معها فإن هو فسخ النكاح
ولم يدخل بِهَا فلا مهر لها. وإن دخل بِهَا فلها المهر.
[على من يرجع الزوج بالمهر؟]
123- اخْتَلَفُوْا فِي المهر هل يرجع عَلَى من غره أم لا؟ ففي حَدِيْث
عُمَر بْن الخطاب أَنَّهُ قَالَ: يرجع بالمهر عَلَى وليه الذي غره منها
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَس: إن كَانَ الذي زوجه أب أَوْ أخ أَوْ من يَرَى
أَنَّهُ يعلم ذَلِكَ يرجع بذَلِكَ عليه، وإن كَانَ ابْن عم أَوْ رجلا من
العشيرة أَوْ مولى ممن لَا يَرَى أَنَّهُ يعلم بذَلِكَ ردت المرأة [32/ب]
عَلَيْهِ ما أخذت وتَرَكَ لها أقل ما يستحل بِهِ الفرج.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ والْأَوْزَاعِيّ: يرجع بالمهر عَلَى الولي إن كَانَ
قد علم بذَلِكَ فإن ادعى أَنَّهُ لم يعلم حلف فلم يرجع عَلَيْهِ بشيء.
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل بهَذَا وَهُوَ ببغداد: له أن يرجع بالمهر
عَلَى الذي غره ثُمَّ قَالَ بمصر: إِذَا دخل بِهَا فلها المهر ولا يرجع
بِهِ عَلَى أحد لِأَنَّ المهر عوض من الوطء واحتج بحَدِيْث عَائِشَة عَن
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما امرأة نكحت بغير بإذن
وليها فالنكاح باطل ولها المهر بما استحل من فرجها"
وَقَالَ أَحْمَدُ: يرجع بالصداق
(1/284)
على من غره
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: لا يرجع بالصداق عَلَى الولي وإن علم الولي
بذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصداق إنما وجب عَلَيْهِ عوضا من الْوَطْء فَإِذَاكَانَ
الصداق عوضا من الْوَطْء فالْوَطْء عوض منه فَإِذَاكَانَ أحد عوضه فغير
جائز أن يرجع بِهِ عَلَى أحد ولو وجب أن يرجع بِهِ عَلَى أحد لم يقض بِهِ
إِلَّا عَلَى الْمَرْأَة لِأَنَّ الْمَرْأَة نفسيها قد غرته وهي كانت أعلم
بنفسها من غيرها فلا يجوز أن تعطي هي وهي الغارة ويرجع بِهِ عَلَى غيرها.
[إِذَاوجدت الْمَرْأَة عيبا في الرَّجُل]
124- وكذَلِكَ [33/أ] قَالُوْا في الرَّجُل إِذَا وجدت الْمَرْأَة بِهِ أحد
هَذِهِ العيوب أَنَّهُابالخيار إن شاءت فسخت النكاح وإن شاءت أقامت معه
وَهُوَ قَوْل مَالك والشَّافِعِيّ وأبي عُبَيْد.
وقَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أميل إِلَى هَذَا
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: فإن اختارت الْمَرْأَة فراقه ولم يكن دخل بِهَا
فلا مهر لها، وإن اختارت فراقه بَعْد الدخول فإن الشَّافِعِيّ قَالَ: لها
المهر ولها فراقه حَتَّى إِذَا لم تعلم بِهِ الْمَرْأَة حين دخل بها.
(1/285)
[بَاب الرجعة]
[كَيْفَ تكون الرجعة؟]
125- واخْتَلَفُوْا فيمن يراجع امرأته فيجامعها أَوْ يقبلها أَوْ ينظر
عَلَى فرجها لشهوة هل يكون بذَلِكَ مراجعة أم لا؟
فقَالَ سُفْيَانُ الثوري: إِذَا أراد أن يراجع إمرأته فليشهد رجلين عَلَى
رجعتها وعن هو جامع ولم يشهد فقد راجع وهي امرأته وجماعه رجعة ولكن يشهد
فإن قبل فهي رجعة ويستغفر.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالُوْا: وكذَلِكَ إِذَا نظر إِلَى
فرجها بشهوة فَهُوَ مراجعة نوى ذَلِكَ أَوْ لم ينو.
قَالَ مَالِكٌ: إنما الرجعة الغشيان خاصة مَعَ نية المراجعة فإن لم يرد
بِهِ مراجعة لم يكن ذَلِكَ مراجعة.
(1/286)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ وأَبُوْثَوْرٍ: لَا
تكون الرجعة إلا باللسان حَتَّى يَقُوْل قد راجعتك.
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: لَا تكون الرجعة إِلَّا بالغشيان خاصة والغشيان
مراجعة نوى أم لم ينو ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: فإن جامعها من قبل أن يراجعها فلها
(1/287)
عَلَيْهِ مهر مثلها وتستأنف العدة من
الْجِمَاع وله عليها الرجعة ما لم تنقض عدتها من الطلاق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا جامعها فقد راجعها.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والقياس عِنْدِيْ أن لَا يكون رجعة إِلَّا
باللسان وإن جامعها ونوى رجعة لم يكن رجعة.
[المملوكة تبين من سيدها بالطلاق مَتَى تحل له؟]
126- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا كانت المملوكة تحت الحر فطلقها تطليقتين فبانت
منه ثُمَّ اشتراها بَعْد ذَلِكَ فلا تقع عليها حَتَّى تنكح زوجا غيره فيدخل
بِهَا وهَذَا قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ: لَا بَأْسَ أن يقع عليها إِذَا اشتراها لِأَنَّ المملوكة
إِذَا كانت تحت حر لَا تبين إِلَّا بثلاث تطليقات لِأَنَّ الطلاق عندهم
بالرجال والرَّجُل حر فَإِذَاطلق ثلاثا ثُمَّ اشتراها لم تحل له أن يطأها
حَتَّى تنكح زوجا غيره فيدخل بها
(1/288)
[إجبار الأم عَلَى الرضاع]
127- واخْتَلَفُوْافي إجبار الأم [34/أ] عَلَى إرضاع ولدها
فقَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ للرجل أن يجبر الْمَرْأَة عَلَى الرضاع إِذَا
كرهت كانت عنده أَوْ فارقها إِلَّا أن لَا يوجد له ظئر فإن لم يوجد له ظئر
وخشي عَلَيْهِ أجبرت عَلَى رضاعه بأجر إن شاءت أخذت الأجر وإن شاءت لم
تأخذه وتعطى أجر مثلها للرضاعة
وَقَالَ يحيى بْن آدم: سألت شَرِيْكا عَن الرَّجُل تأبى عَلَيْهِ امرأته أن
ترضع ولدها منه فقال: ذَلِكَ لها وعَلَيْهِ أن يستأجر لها ظئرا. فقلت: فإن
جعل له الزوج أجرا عَلَى الرضاع وهي امرأته قَالَ: ذَلِكَ لها.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَيْسَ عَلَى الأم أن رضع ولدها كانت عنده
أَوْ كانت مطلقة وَعَلَى الزوج أن يستأجر لولده ظئرا إِذَا أبت أن ترضع
ولَيْسَ لها أن تأخذ أجرا من الزوج
(1/289)
إلا أن تكون مطلقة فإن كانت مطلقة فلها أن
تأخذ الأجر
وَقَالَ يحيى بْن آدم: سألت الْحَسَن بْن صَالِح أن الْمَرْأَة تأبى أن
ترضع ولدها من الرَّجُل؟ فقال: لَيْسَ للزوج أن يجبر امرأته عَلَى رضاع
ولده منها ما لم يطلقها لِأَنَّ عَلَيْهِ نفقتها وإنما يكون أجر الرضاع
للمطلقة لِأَنَّ قوله تَعَالَى: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ
أُخْرَى [الطلاق: 6} فِي سورة الطلاق.
وَقَالَ المطلقة أحق بولدها أن ترضعه.
وَقَالَ أَبُوْثَوْرٍ: إِذَا كانت الْمَرْأَة عِنْدَ زوجها فعليها رضاع
ولدها لقول الله عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ
[البقرة: 233}
(1/290)
ثم أخبر فِي المفارقة إِذَا أرضعت أن لها
أجرا ثُمَّ قَالَ: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى
[الطلاق: 6}
فأبان حكم الزوجة من حكم المفارقة.
قَالَ أَبُوْ الْفَضْل: وجدتُ فِي موضع آخر قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ:
هَذَا صحيح.
[بَاب اختلاف الزوجين في متاع البيت عِنْدَ الفراق]
[لمن المتاع عِنْدَ الفراق؟]
128- واخْتَلَفُوْا فِي متاع البيت إِذَا فارق الرَّجُل امرأته
فقَالَ سُفْيَانُ: ما كَانَ من شَيْء يعرف أَنَّهُ للنساء فَهُوَ للمرأة
وما كَانَ من سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ للرجل إِلَّا أن تقيم الْمَرْأَة البينة.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: كل ما فِي أيديهم فَهُوَ بينهما نصفين وسواء فِي
ذَلِكَ متاع الرجال والنساء إِلَّا أن يقيم أحد منهما بينة عَلَى شَيْء
فيكون له وَهُوَ قَوْل أَبِيْ ثَوْرٍ.
واختلف
(1/291)
أَصْحَاب الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ؛ فقَالَ
أَبُوْ حَنِيْفَةَ: ما كَانَ للرجل فَهُوَ للرجل وما كَانَ للنساء فَهُوَ
للمرأة وما كَانَ للرجال والنساء فَهُوَ للباقي منهما الْمَرْأَة كانت أَوْ
الرَّجُل والباقي للزوج فِي الطلاق.
وَقَالَ أبويوسف: أعطها ما تجهز بِهِ مثلها والْفَضْل [35/أ] للزوج.
وَقَالَ ابْنُ الْحَسَن: ما يكون لهما جميعا فَهُوَ للزوج عَلَى كُلّ حال.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى: إِذَا مَاتَ الزوج أَوْ طلق فمتاع البيت كله
للرجل إِلَّا الدرع والخمار وشبهه إِلَّا أن يقوم أحدهما بينة عَلَى دعواه.
[نفقة الحامل بَعْد وفاة زوجها]
129- واخْتَلَفُوْا فِي نفقة الحامل بَعْد وفاة زوحها
فقَالَ سُفْيَانُ وابْن أَبِيْ لَيْلَى: ينفق عليها من جميع المال حَتَّى
تضع
(1/292)
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
وَهُوَ قَوْل شريح وإِبْرَاهِيْم النخعي والشعبي وحماد.
وروي ذَلِكَ عَن عَبْد اللهِ وعلي وابن عُمَر رضي الله عنهم.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: لا ينفق علهيا إِلَّا من نصيبها.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ.
وروي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس وجابر وابن الزبير رضي الله عنهم.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ
(1/293)
[نفقة الصَّبِيّ إِذَا وضعته أمه]
130- واخْتَلَفُوْا فِي نفقة الصَّبِيّ إِذَا وضعت الْمَرْأَة حملها ولم
يبلغ نصيب ما ينفق عَلَيْهِ عَلَى من تكون نفقته
فقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا وضعت الْمَرْأَة أنفق عَلَى الصَّبِيّ من نصيبه
فإن لم يبلغ نصيب الصَّبِيّ ما ينفق عَلَيْهِ أجبرت العصبة الذين يرثونه
عَلَى أن يسترضع الصَّبِيّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يجبر عَلَى رضاع الصَّبِيّ ونفقته عَلَى ذي
رحم محرم
وَقَالَ الْحَسَنُ بْن صَالِح وابْن أَبِيْ لَيْلَى: يجبر عَلَى نفقة كُلّ
وارث عَلَى قدر ميراثه عصبة كانوا أَوْ غيرهم
(1/294)
وهَذَا قَوْل أَحْمَد وإِسْحَاق وأبي ثور.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَس: لَا يجبر عَلَى نفقة الصَّبِيّ إِلَّا
الوالدين وَهُوَ
(1/295)
قول الشَّافِعِيّ.
ومن قَالَ هَذَا تأول قوله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ
ذَلِك [البقرة: 233} من أن لَا تضار الوالدة بولدها إِلَّا عَلَى الرضاع
والنفقة.
[مَتَى يجب الصداق كاملًا؟]
131- واخْتَلَفَأَهْل العلم مَتَى يجب الصداق كاملا عَلَى الزوج؟
فقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا تزوج الرَّجُل فخلا بِهَا وأغلق بِهَا وأرخى
الستار فلها المهر كاملا وإن لم يدخل بِهَا إِذَا جاء ذَلِكَ من قبله
وعليها العدة جامع أَوْ لم يجامع
(1/296)
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
والْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا دخل [الرَّجُل] على امرأته فِي بيتها صدق عليها
وإِذَادخلت [عليه] فِي بيته صدقت فِي المسيس.
فظاهر الآية أن من طلقت قبل المسيس لَيْسَ لها إلا نصف المهر. والخلوة
لَيْسَت بمس.
(1/297)
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَاأغلق البَاب وأرخى
الستار فقد وجب الصداق وذهب عَلَى حَدِيْث عُمَر وعلي وزيد بْن ثابت
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: لَا يجب الصداق الكامل إِلَّا بالمسيس ولا تجب
العدة لقول الله عز وجل: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ
مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب: 49} وهَذَا قَوْل أَبِيْ ثَوْرٍ.
وَقَالَ جل ثناؤه فِي الصداق [36/أ] : {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ
أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ [البقرة: 237}
(1/298)
وهَذَا الْقَوْل يروى عَن عَبْد اللهِ بْن
مسعود وابن عَبَّاس وجابر وشريح وطاوس رضي الله عنهم.
[بَاب الخلع]
[عدة المختلعة]
132- قَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَاب الرَّأْيِ ومَالك واللَّيْث بْن سعد
والشَّافِعِيّ وأَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: عدة المختلعة إن كانت ممن تحيض ثلاث
حيض وإن كانت ممن يئسن من الحيض فثلاثة أشهر
(1/299)
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن عُمَر وعلي رضي
الله عنهما.
وَقَالَ إِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ: عدتها حيضة.
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
حَدِيْث هشام بْن يوسف عَن معمر عَن عَمْرو بْن مسلم عَن عكرمة عَنِ ابْنِ
عَبَّاس أن امرأة ثابت بْن قيس اختلعت منه فجعل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدتها حيضة.
وروى عبد الرزاق عَن معمر عَن عَمْرو بْن مسلم عَن عكرمة مرسلا.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وأنا أذهب فِي هَذَا إِلَى أن عدتها ثلاثة
أقراء لِأَنَّ الأمة قد اجتمعت عَلَى أن كُلّ مفارقة سِوَى المختلعة مطلقة
كانت أَوْ غير
مطلقة أن عدتها ثلاثة قروء وكذَلِكَ المختلعة قياسا من المفارقات.
(1/300)
[هل الخلع طلاق أم فسخ؟]
133- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: الخلع تطليقة بائنة لَا يملك
رجعتها ويخطبها فِي عدتها ولا يخطبهاغَيْر زوجها. وكذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: الخلع فرقة ولَيْسَ بطلاق إِلَّا أن يسمى
طلاقا فإن سمى تطليقة فهي تطليقة بائنة وإن سمى أكثر فَهُوَ ما سمى
(1/301)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ فِي آخر قوله:
إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا خلع امرأته نوى الخلع طلاقا أَوْ سماه فَهُوَ طلاق
فإن كَانَ قد سمى واحدة فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا ولا سماه لم تقع
الفرقة.
وَقَالَ أَبُوْثَوْرٍ: إِذَا لم يسم طلاقا فانخلع فرقة ولَيْسَ بطلاق فإن
سمى تطليقة واحدة فهي واحدة والزوج مَالك برجعتها ما دامت فِي العدة
واخْتَلَفُوْا فِي المشرك يسلم وعنده أكثر من أربعة نسوة
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا أسلم الرَّجُل المشرك وعنده
ثمان نسوة أَوْ تسع أَوْ عشر فإن كَانَ نكحهن جميعا فِي عقد فرق بينه
وبينهن وإن كَانَ نكح واحدة بَعْد الأُخْرَى حبس أربعا منهن الأولى فالأولى
وتَرَكَ سائرهن
(1/302)
وكذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وأَبُوْعُبَيْدٍ: يختار منهن سِوَى نكحهن فِي عقدة واحدة أَوْ
واحدا [37/أ] بَعْد واحد.
وكذَلِكَ إِذَا أسلم
وعنده أختان فاختار منهما أيتهما شاء
وفي قَوْل سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ تحبيس فهما 5 وذهب مَالك
والشَّافِعِيّ عَلَى حَدِيْث غيلان بْن سالم أَنَّهُ أسلم وعنده عشر نسوة
فأمره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتخير منهن أربعا
وحَدِيْث فيروز
الديلمي أسلم وعنده أختان فأمره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أن يختار أيتهما شاء
(1/303)
[بَاب أحكام المرتد]
[في ميراث المرتد وقتله]
135- واخْتَلَفُوْا فِي ميراث المرتد
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا ارتد الرَّجُل عَن الإسلام
عرض عَلَيْهِ الإسلام فإن أبى أن يسلم قتل وميراثه لولده المسلمين
(1/304)
وَقَالَ ربيعة بْن أبي عَبْد الرَّحْمَن
وابْن أَبِيْ لَيْلَى: ميراث المرتد فيء.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وأَبُوْثَوْرٍ.
وَقَالَ قتادة: ميراثه لورثته من أَهْل ملته.
[في قتل المرتدة]
136- واخْتَلَفُوْا فِي قتل المرتدة إِذَا ارتدت عَن الإسلام فقَالَ
سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا ارتدت الْمَرْأَة حبست ولم تقتل
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ
(1/305)
وأَبُوْعُبَيْدٍ: تقتل الْمَرْأَة إِذَا
ارتدت عَن الإسلام لقول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدل
دينه فاقتلوه لحَدِيْث ابْن عَبَّاس
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: على هَذَا أذهب.
[إِذَاأسلمت الأمة الموطوءة]
137- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا هي أسلمت عرضت عَلَيْهِ الإسلام فإن أسلم كانت
أم ولده فإن أبى أن يسلم قومت عَلَيْهِ قيمتها فسعت فِي قيمتها وإن أسلم
بَعْد ذَلِكَ فلَيْسَ له أن يأخذها أم ولد له ولكن تسعى له فإن مَاتَ قبل
أن تؤدي فليسى عليها شَيْء وهي حرة.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
ويروى
(1/306)
هَذَا عَن الْحَسَن.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْد الْعَزِيْزِ يؤدى عَلَيْهِ قيمتها من بيت المال
وتعتق
وَقَالَ مَالِكٌ هي حرة ولا شَيْء عليها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تسعى فِي نصف قيمتها وهي حرة
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْن الْحَسَن: تؤدي عَلَيْهِ فِي كُلّ يوم قيمة
خدمتها فإن هي أدت فِي قيمة الخدمة ما يبلغ قيمة رقبتها قبل أن يموت مولاها
فهي حرة وإن مَاتَ مولاها قبل أن تؤدي قيمة رقتبها عتقت
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا أسلمت حولت عنه وأخذ بالنفقة عليها وله أن
يستعملها فيما شاء وهي معتزلة عنه ويؤاجرها عَلَى أن يموت فَإِذَامات فهي
حرة
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أذهب عَلَى هَذَا ولا أعلم بين أَهْل العلم
اختلاف أن الرَّجُل إِذَا مَاتَ عَن أم ولده فلَا بَأْسَ أن تطيب وتخرج
وتخضب ولا تتزوج حَتَّى تمضي عدتها
(1/307)
[عدة أم الولد من الوفاة أو العتق]
138- واخْتَلَفُوْا فِي عدتها من وفاة سيدها ومن عتقه إياها فقَالَ
سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: عدتها ثلاث حيض فِي الوفاة والعتق جميعا
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وأَبُوْعُبَيْدٍ
وأَبُوْ ثَوْرٍ وأَحْمَد: عدتها حيضة فِي العتق والوفاة.
وذهبوا إِلَى حَدِيْث ابْن عمر.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُُّ: عدتها فِي الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وفي العتق
ثلاث حيض.
وكذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ واحتج بحَدِيْث عَمْرو بْن العاص: لا تلبسوا
علينا
(1/308)
سنة نبينا عدة أم الولد إِذَاتوفي عنها
سيدها أربعة أشهر وعشرا.
وضعف أَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ حَدِيْث عَمْرو بْن العاص ولم يثبتاه.
[في كنايات الطلاق]
بَاب اعتدي
[الطلاق باعتدي وأخواتها]
139- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ إِذَاقَالَ الرَّجُل لامرأته:
اعتدي وَهُوَ
ينوي ثلاثا فهي واحدة ويكون أحق بها.
وقول أَهْل الرَّأْيِ فِي المكني كله-سوى اعتدي- إن نوى ثلاثا فَهُوَ ثلاث
وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وَقَالُوْا
(1/309)
في"اعتديط واحدة يملك الرجعة.
وهَذَا تناقض.
[بَاب النية في الطلاق]
[إِذَاطلق ونوى ثلاثًا]
140- واخْتَلَفُوْا فِي الرَّجُل يَقُوْل لامرأته أَنْتَ طالق وَهُوَ ينوي
ثلاثا
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَابُ الرَّأْيِ: هي واحدة وَهُوَ أحق بها.
ووافقهم عَلَى هَذَا الْقَوْل ِ الْأَوْزَاعِيُّ
(1/310)
وأَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وإِسْحَاق: إن نوى
ثلاثا فَهُوَ ثلاث إِذَاقَالَ لها: أَنْتَ طالق.
وإن نوى اثنين فَهُوَ اثنين.
وهَذَا الْقَوْل أحب إلي.
[بَاب الإحصان]
[هل يحصن المسلم بالذمية؟]
141- واخْتَلَفُوْا فِي المسلم هل يحصن بغير المسلمة فقَالَ سُفْيَانُ
وأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يحصن المسلم بالنَّصْرَانِيّة ولا بالمملوكة ولا
يحصن إِلَّا بمسلمة حرة وتأول بعضهم في
(1/311)
ذَلِكَ الْحَدِيْث الذي يروى عَن كعب بْن
مَالك أَنَّهُ أراد أن يتزوج بيهودية فقَالَ له النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعها عنك فإنها لَا تحصنك"
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق:
الْيَهُوْدِيّة والنَّصْرَانِيّة إِذَا كانت تحت مسلم ودخل بِهَا فزنا أَوْ
زنت رجم أيهما زنا واحتجوا بأَنَّ النَّبِيَّ صلى اله عَلَيْهِ وسلم رجم
يهوديا ويهودية وَقَالُوْا: إنما كانا محصنين إذ رجمها النَّبِيّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي الأمة لَا تحصن الحر لأنها إن زنت لم
(1/312)
ترجم.
وأما حَدِيْث كعب بْن مَالك فلَيْسَ له إسناد يحتج بمثله ولو كَانَ ثابتا ل
كَانَ معناه عَلَى خلاف ما ذهبوا إِلَيْهِ والإحصان فِي كلاما لعرب يقع
عَلَى معان منه العفة
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ هَذَا التأويل الذي تأوله هؤلاء فِي حَدِيْث كعب
بْن مَالك من أوحش ما يتأول عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وفي أَصْحَابه أن يظن بهم الزنا ولَيْسَ هَذَا من مذهب الأنبياء
ولا كلامهم ولكنه أراد عندنا تنزيهه عنها طلاية التي فيها شرط المحصنات
دعها عنك فإنها لَا تحصنك يَقُوْل إِذَا كانت مشركة لم تؤمن أن تكونغَيْر
عفيفة لم
(1/313)
يضعك عَن جماعها بموضع الحصانة منها ولكنها
تكون قد أوطأتك من نفسهاغَيْر عفاف.
وهَذَا هوالطريق الذي سلكه عُمَر فِي كتابه إِلَى حذيفة فيما كتب.
وكذَلِكَ حَدِيْث ابن
عمر: من أشرك بالله فلَيْسَ بمحصن" إنما أراد عندنا ما أعلمتك.
(1/314)
[قول الرَّجُل لامرأته: اذهبي إِلَى أهلك
ونحوه]
142-واخْتَلَفُوْا فيما نوى بِهِ من الطلاق مما يشبه الطلاق
فقَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْل الرَّجُل لامرأته: اذهبي إِلَى أَهْلك أَوْ
أخرجي أَوْ حبلك عَلَى غاربك أَوْ لَيْسَ لي عَلَيْك سبيل": أَنَّهُ إِذَا
نوى طلاقا كانت نيته فإن نوى ثلاثا فَهُوَ ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة
بائنة وهي أحق بنفسها. وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَّا أَنَّهُم
قَالُوْا: إن نوى اثنتين لم تكن ثنتين
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ والْأَوْزَاعِيُّ
(1/315)
والشَّافِعِيُّ وأَبُوْعُبَيْدٍٍ: كما أراد
بِهِ الطلاق من هَذِهِ الأُخْرَى التي ذكرها سُفْيَان فهي تطليقة يملك
الرجعة إِلَّا أن ينوي أكثر من ذَلِكَ فتكون عَلَى ما نوى ثنتين أَوْ ثلاثا
والْقَوْل عِنْدِيْ عَلَى ما قَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة.
(1/316)
[إذاقَالَ لامرأتيه: إحداكما طالق]
143- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي رجل قَالَ لامرأتين:
إحداكما طالق" أيتهما نوى فهي طالق وإن لم ينو اختار إحداهما.
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: إِذَا قَالَ: إحداكما طالق فإن كَانَ المطلق اعتقد
في
نفسه خيارا إِلَى أن ينظر فِي أمره ويروى ثُمَّ يعزم عَلَى إحداهن كَانَ له
ذَلِكَ فإن لم يعتقد ذَلِكَ فِي نفسه ولكنه أوقع الطلاق عَلَى إحداهن حتما
من ساعته مِنْ غَيْرِ نظرة ولا روية اشترطها لنفسه فلا مذهب له إِلَّا
اعتزالهن جميعا لأنه قد علم أن إحداهن مطلقة مِنْ غَيْرِ تعريف بعينها ولا
خيار له فيها
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: إِذَا قَالَ: إحداكما طالق ولا نية له فِي واحدة
بعينها فَإِنَّهُ يقرع بينهما فمن أصابته القرعة طلقت
(1/317)
وكانت الأُخْرَى امرأته.
[اختلاف الزوجين في المهر]
144- واخْتَلَفُوْا فِي اختلاف الزوج والْمَرْأَة فِي المهر إِذَا قالت
الْمَرْأَة أكثر مما أقر بِهِ الزوج:
فقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا اختلفا ولَيْسَ بينهما بينة فلها مهر مثلها من
نسائها.
وهَذَا الْقَوْل روي عَن إِبْرَاهِيْم وَهُوَ قَوْل حماد وأبي عُبَيْد
وبعضِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الشعبي والحكم وابن شُبْرُمَةَ وابْن أَبِيْ لَيْلَى: الْقَوْل
قَوْل الزوج مَعَ يمينه.
وَقَالَ مَالِكٌ: إن لم يكن دخل بِهَا فإنهما يتحالفان فإن حلف ولم ترض
الْمَرْأَة بقول الزوج
(1/318)
فسخ النكاح.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: يتحالفان ولها مهر مثلها والنكاح ثابت وسواء
اختلفا قبل الدخول أَوْ بعده.
بَاب الْمَرْأَة تبلغها وفاة زوجها فتنكح ثُمَّ يأتيهاالزوج
[إِذَاغاب الزوج فتزوجت المرأة]
145- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا غاب الرَّجُل عَن امرأته فبلغها أَنَّهُ قد
مَاتَ فتزوجت ثُمَّ جاء زوجها الْأَوَّل بَعْد وقد دخل بِهَا هَذَا الزوج
الآخر فلها المهر من
الآخر ويعتزلها الآخر حَتَّى تمضي عدتها ثُمَّ ترجع عَلَى الْأَوَّل والولد
للزوج الأخير فإن فارقها الزوج الْأَوَّل وهي عِنْدَ الأخير فتكفيها عدة
منهما
(1/319)
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَّا
فِي الولد الذي ولدت عَلَى فراش الثاني فإن كبيرهم قَالَ: يلحق بالزوج
الْأَوَّل وخالفه أَصْحَابه فقَالُوْا: يلحق الولد بالثاني وكذَلِكَ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ.
(1/320)
[بَاب تأثير الزنا عَلَى عقد النكاح]
[إِذَافجرت الْمَرْأَة قبل الدخول]
146- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَافجرت الْمَرْأَة قبل أن يدخل بِهَا زوجها أقيم
عليها الحد ونكاحها كما هو.
وكذَلِكَ قَالَ في الرَّجُل إِذَا زنى [40/ب] يجلد وينفى سنة إِذَا لم يكن
دخل بالْمَرْأَة وإن كَانَ قد أحصن يرجم.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مثل قولهم إِلَّا فِي النفي فإنهم قَالُوْا:
لَا ينفى الزاني ولا الزانية
(1/321)
[الزواج بالزانية]
147- وقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا فجر الرَّجُل بالْمَرْأَة ثُمَّ أحب أن
يتزوجها فعل وإن فجرت بغيره أيضا فلَا بَأْسَ أن يتزوجها.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأَحْمَد.
ويروى هَذَا عَن أبي بكر
(1/322)
وعمر وابن عَبَّاس وجابر رضي الله عنهم.
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍٍ: إِذَا كانا قد تابا فلَا بَأْسَ أن يتزوجا وإن لم
يكونوا تابا فلَيْسَ له أن يتزوج بها.
روي هَذَا عَن عَبْد اللهِ بْن مسعود وسعيد بْن المسيب والْحَسَن وطاوس رضي
الله عنهم.
(1/323)
وَقَالَت عَائِشَة والبراء: هما زانيان
إِلَى يوم القيامة.
وقد روي هَذَا عَنِ ابْنِ مسعود
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أحب الأقوال إِلَيَّ ما قاله سُفْيَان ومن
وافقه.
[إِذَاتزوج بامرأة ثُمَّ قبل أمها]
148- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا تزوج الرَّجُل بالْمَرْأَة ثُمَّ نظر عَلَى
فرج أمها أَوْ قبلها أَوْ لمسها فإن ابنتها تكره له وإِذَافعل ذَلِكَ
بامرأة ابنه فسدت عَلَى ابنه وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ
(1/324)
[إِذَاجامع الرَّجُل الْمَرْأَة وابنتها]
149- وقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا جامع الرَّجُل [41/أ] امرأته وابنة امرأته
فسدت عَلَيْهِ البنت والأم وكذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وأَصْحَابه
وأَبُوْ ثَوْرٍ وغيره: إِذَا زنى الرَّجُل بالْمَرْأَة فلَا بَأْسَ أن
يتزوج بأمها وابنتها وكذَلِكَ إِذَا تزوج بامرأة ثُمَّ زنى بأمها أَوْ
ابنتها لم تحرم عَلَيْهِ امرأته وذهبوا إِلَى حَدِيْث ابْن عَبَّاس فِي رجل
زنا بأم امرأته ألا تحرم عَلَيْهِ امرأته.
ويروى ذَلِكَ عَن سعيد بْن المسيب وعروة بْن الزبير والزُّهْرِيّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إِذَا زنى بالْمَرْأَة فلَيْسَ له أن يتزوج
بأمها ولا ابنتها وإن قبلها أَوْ باشرها فلَا بَأْسَ أن يتزوج بأمها أَوْ
ابنتها.
وكذَلِكَ إن كَانَ قد تزوج ثُمَّ زنى بأم امرأتهأ وابنتها حرمت عَلَيْهِ
امرأته وإن قبلها
(1/325)
أَوْ باشرها لم تحرم عَلَيْهِ ويروى هَذَا
عَن أبي هريرة.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والذي أذهب إِلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ وأَهْلِ
الْمَدِيْنَة والشَّافِعِيِّ وَأَبِيْ ثَوْرٍ وَمَنْ تَبِعَهُمْ.
[عدة التي ارتفع حيضتها]
150- واخْتَلَفُوْا فِي الْمَرْأَة تطلق فتحيض حيضة أَوْ حيضتين ثُمَّ
ترتفع حيضتها:
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: تنتظر حين تيأس من المحيض
فَإِذَايئست من المحيض اعتدت ثلاثة أشهر.
وهَذَا آخر قَوْل الشَّافِعِيِّ.
وذهبوا إِلَى حَدِيْث ابْن مسعود نحو هَذَا
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: تربص سنة ثُمَّ تزوج.
وكذَلِكَ
(1/326)
قَالَ أَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ؛
وذهبوا إِلَى حَدِيْث عُمَر بْن الخطاب أَنَّهُ قَالَ: إِذَاارتفعت حيضتها
فإنها تربص تسعة أشهر للحمل ثُمَّ تعتد ثلاثة أشهر ثُمَّ تتزوج".
وهَذَا إِذَا كَانَ ارتفاع حيضتها لغير علة تعرف وإِذَاارتفعت حيضتها لعلة
مرض أَوْ رضاع فإنها تربص حَتَّى ترتفع عنها تلك العلة إن كانت مريضة
حَتَّى تبرأ وإن كانت مرضعة حَتَّى تفطم ولدها فإن عاودها الحيض بَعْد
ذَلِكَ اعتدت بالحيض وإلا تربصت سنة ثُمَّ تتزوج.
هَذَا فِي قَوْل مَالك ومن ذكرنا من متابعته.
(1/327)
[بَاب العشرة الزوجية]
[الإقامة عِنْدَ البكر والثيب]
151- واخْتَلَفُوْا فِي العقامة إِذَا البكر إِذَا تزوجها عَلَى الثيب وعند
الثيب إِذَا تزوجها عَلَى البكر.
فقَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة: إِذَا تزوج البكر عَلَى الثيب أقام
عندها سبعا ثُمَّ قسم وإِذَاتزوج الثيب عَلَى البكر أقام عندها ثلاثا ثُمَّ
قسم.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وأَبُوْعُبَيْدٍٍ.
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ يقال: إِذَا تزوج الرَّجُل [42/أ] البكر عَلَى
الثيب أقام عندها ثلاثا ثُمَّ قسم بينهما بعده وإِذَاتزوج الثيب عَلَى
البكر أقام عندها ليلتين ثُمَّ قسم بينهما.
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن الْحَسَن وابْن سِيْرِيْنَ وكَانَ الْأَوْزَاعِيّ
يَقُوْل مثل ذَلِكَ
(1/328)
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا تزوج
الْمَرْأَة بكرا كانت أَوْ ثيبا وله امرأة غيرها لم يقم عندها إِلَّا كما
يقيم عِنْدَ التي كانت عنده ويقسم بينهما سواء ولا يفضلها بشيء.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: وهَذَا خلاف السنة والأثر عَن أَصْحَاب النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/329)
[بَاب الْمَرْأَة تهب زوجها شيئًا]
[هبة الْمَرْأَة زوجها]
152- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا أعطت الْمَرْأَة زوجها
شيئا فقبضه فلَيْسَ لها أن ترجع عليه
وَقَالَ أَحْمَدُ وأَبُوْ ثَوْرٍ: لَيْسَ لقريب ولا لبعيد أن يهب هبة فيرجع
فيها إِلَّا الوالد فيما يعطي ولده.
وروي هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَر وابن عَبَّاس عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/330)
وكَانَ إِسْحَاق يَقُوْلُ: للمرأة أن ترجع
فيما وهبت زوجها ولَيْسَ للزوج أن يرجع فيما وهب لامرأته.
روي ذَلِكَ عَن جماعة من التابعين.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والذي أذهب إِلَيْهِ قَوْل أَحْمَد وأَبِيْ
ثَوْرٍ
(1/331)
[بَاب تعليق الطلاق]
[إن تزوجت فلانة فهي طالق]
153- واخْتَلَفُوْا فِي الطلاق قبل النكاح
فقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ: إن تزوجت فلانة فهي طالق وإن تزوجت من بني
فلان أَوْ من البصرة أَوْ من الْكُوْفَة أَوْ وقت سنة أَوْ أكثر" فإن تزوج
وقع عليها الطلاق فلها نصف المهر. وإن كَانَ دخل بِهَا فلها المهر بما دخل
بِهَا ويفرق بينهما فإن لم يكن دخل بِهَا فلها نصف المهر ويفرق بينهما
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وسواء عندهم عم بقوله النساء كلهن أَوْ
خص بعضهن دون بعض.
قَالَ مَالِكٌ: إن سماها أَوْ خص بلدا أَوْ قبيلة أَوْ وقت وقتا وقع الطلاق
فإن عم فلَيْسَ بشيء.
وَكذَلِكَ قَالَ
(1/332)
ابْن أَبِيْ لَيْلَى.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُُّ: إن كَانَ قد تزوجها لم آمره أن يفارقها وإن لم
يكن تزوجها آمره أن يتزوجها.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إن تزوج لم آمره أن يفارقها
وَقَالَ ابْن عيينة: لَا بَأْسَ أن يتزوج بما خص أَوْ عم.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يذهب إِلَى هَذَا.
وَهُوَ قَوْل أَبِيْ ثَوْرٍ
(1/333)
وَكَانَ إِسْحَاق يقف فِي المنصوبة خاصة
فلا يفتي فيها وكلما لم يسم امرأة بعينها، وكَانَ يَقُوْلُ: لَا بَأْسَ أن
يتزوج بها.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والذي أذهب إِلَيْهِ أن المنصوبة وغيرها سواء
فِي ذَلِكَ وأنه إن تزوج بِهَا لم يقع عليها الطلاق. والذي اختاره له أن
يتزوج بها.
[بَاب الْمَرْأَة المطلقة ثلاثًا تستحل بنكاح الذمي]
[المطلقة ثلاثا تستحل بنكاح الذمي]
154- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا طلق الرَّجُل امرأته وهي نصرانية فتزوجها
نصراني ودخل بِهَا ثُمَّ طلقها فَهُوَ زوج فلَا بَأْسَ أن ترجع إِلَى زوجها
الْأَوَّل وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأبي عُبَيْد.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا ترجع إِلَى زوجها الْأَوَّل حَتَّى يتزوج بِهَا مسلم.
(1/334)
وَقَالَ مَالِكٌ: وكذَلِكَ المسلم يتزوج
المسلمة ثُمَّ يجامعها حائضا فَإِنَّهُ لَا يحلها لزوجها ولا يحلها إِلَّا
الْوَطْء الحلال.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تحل لزوجها كما يحل الْوَطْء فِي الطهر
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إِذَاوطئها فِي الحيض فقد حل للزوج الْأَوَّل
لأنه قد وطئها.
وكذَلِكَ قَالَ في الأول.
[بَاب نكاح التحليل]
[نكاح التحليل]
155- واخْتَلَفُوْا فِي الرَّجُل يطلق امرأته فتتزوج زوجا ليحلها لزوجها
الأول:
فقَالَ سُفْيَانُ الثوري والْأَوْزَاعِيّ ومَالِكٌ: لَا تحل لزوجها
الْأَوَّل،
وَكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق؛ لِأَنَّ النكاح فاسد
إِذَا تزوج بِهَا ليحلها للأخبار التي جاءت عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لعن الله المحلل
(1/335)
والمحلل له.
وحَدِيْث عمر: لَا أوتى بمحلل ولا محلل له إِلَّا رجمتهما".
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا تزوج بِهَا ليحلها فالنكاح ثابت إِذَا لم
يشترط ذَلِكَ فِي عقد النكاح مثل أن يَقُوْل: أنكحك حَتَّى أصيبك فتحلين
لزوجك الْأَوَّل فَإِذَاأصبتك فلا نكاح بيني وبينك فَإِذَااشترط هَذَا
فالنكاح باطل ولَيْسَ هو حالا ولا محللا له.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أذهب إِلَى قَوْل سُفْيَان ومَالك
والْأَوْزَاعِيّ.
(1/336)
[طلاق المكرَه وعتقه]
156- وَاخْتَلَفُوْا فِيْ طَلَاقْ الْمُكْرَهِ:
فَقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أخذ السلطان رجلا فأكره عَلَى طلاق أَوْ عتق
فأحلفه جاز عَلَيْهِ إِلَّا أن يكون درك ذَلِكَ عَلَى شَيْء ينوي شيئا
وكذَلِكَ قَالَ: أَصْحَاب الرَّأْيِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ومَالك بْن أَنَس وأَهْل الْمَدِيْنَة وأَحْمَد
بْن حَنْبَلٍ وإِسْحَاق: لَا يجوز طلاق المكره ولا عتاقه.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْثَوْرٍ
(1/337)
واحتجوا بقول الله تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106} .
قَالُوْا: فرخص الله للمكره أن يفكر بلسانه قَالَ: فيما دون الكفر من أفعال
اللسان أولى أن يكون مرخصا فيه واحتجوا بالأخبار التي [44/ب] رويت أن
أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُم لم يجيزوا
طلاق المكره يروى ذَلِكَ عَن علي بْن أبي طالب وابن عَبَّاس وابن عُمَر
وابن الزبير عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
رفع الله عَن هَذِهِ الأمة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عَلَيْهِ إِلَّا
أَنَّهُ لَيْسَ له إسناد
يحتج بمثله.
والحجة
(1/338)
لمذهب سُفْيَان حَدِيْث علي: كل طلاق جائز
إِلَّا طلاق المعتوه"
ويذهب أَبُوْ عَبْد اللهِ فِي هَذَا إِلَى أَنَّهُ لَا يجوز طلاقه.
وقد أجمعوا أَنَّهُ لَا يجوز بيعه ولا إقراره إِذَا أقر بدين؛ وكذَلِكَ
طلاق المكره قياسا عَلَى هَذَا.
(1/339)
[بَاب الاشتراط في النكاح]
[إِذَااشترط أن لايتزوج عليها ونحوه]
157- واخْتَلَفُوْا فِي الرَّجُل يتزوج الْمَرْأَة ويشترط لها أن لَا
يخرجها من دارها ولا يتزوج عليها ونحو هَذَا
فقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا تزوجها خرج بِهَا إن شاء وتزوج عليها إن شاء ولكن
أحسن أن يفي بالشرط أن لَا يخرجها وأما التزويج فليتزوج وإن شرط لها إن هو
تزوج عليها فلها كَذَا وكَذَا فلَيْسَ يؤخذ بشيء من ذَلِكَ إن فعل وكذَلِكَ
قَالَ الشَّافِعِيُُّ.
وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ وأَهْلِ الْمَدِيْنَة
وأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ أبي عُبَيْد.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُُّ: الشرط جائز ولَيْسَ له أن يخرج بِهَا من بلدها.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ
وكذَلِكَ إِذَا اشترط أن لَا يتزوج عليها فإن تزوج
(1/340)
فالنكاح جائز والشرط لازم
قَالَ أَحْمَدُ: فإن هو تزوج عليها فهي مخيرة واحتجوا بحَدِيْث عقبة بن
عامر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن أحق
الشروط أن يوفى بِهِ ما استحللتم بِهِ الفروج".
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: يبطل الشرط ويثبت النكاح لِأَنَّ الله تعالى قد
أباح للرجل أن يتزوج أربعا وأن يتسرى فَإِذَاهي شرطت عَلَيْهِ أن يتزوج ولا
يتسرى فقد شرطت عَلَيْهِ تحريم ما أحل الله.
وفي حَدِيْث النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
المسلمون عند
(1/341)
شروطهم إِلَّا شرطا أحل حراما أَوْ حرم
حلالا".
وقوله فِي قصة بريرة حين شرطوا عليها الولاء فأبطل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرط ثُمَّ خطب الناس فقال: ما بال أقوام يشترطون
شروطا لَيْسَ من كتاب الله ألا إن كُلّ شرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ
باطل وإن كَانَ مائة شرط".
[الواجب لها عند من أبطل الشروط]
158- واخْتَلَفُوْا الذين أبطلوا هَذِهِ الشروط فيما يجب لها من المهر
إِذَا هي نقصته من مهر مثلها بسبب هَذِهِ الشروط التي شرطت عليه
فقَالَ سُفْيَانُ ومَالك إن كانت نقصته من مهر مثلها عَلَى أن لَا يخرجها
من دارها كَانَ له أن يخرجها ولا يلزمه
(1/342)
الصداق أكثر مما سمى لها.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: يكمل لها مهر مثلها ويبطل الشرط مثل أن يشترط
عليها أن يقسم لها الليالي أقل مما يقسم لسائرها أَوْ ينفق عليها أقل مما
يجب عَلَيْهِ فالشرط باطل ولها مهر مثلها وتبطل الزيادة التي زادها بسبب
هَذِهِ الشروط.
فإن هي كانت شرطت عَلَيْهِ عنه أن أخرجها فصداقها ألفان وإن لم يخرجها
فصداقها ألف فإن شريحا قضى بتجويز الشرط عَلَى ما اشترطا وكذَلِكَ قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ وأَحْمَد بْن حَنْبَلٍ.
وأما الذين أبطلوا الشرط فإنهم اخْتَلَفُوْا فِي ذَلِكَ
فقَالَ طَائِفَة أُخْرَى: له أن يخرجها والشرطان جميعا جائزان
وفي قَوْل الشَّافِعِيّ: الشرط باطل ولها مهر مثلها أخرجها أَوْ لم يخرجها
كَانَ مهر مثلها أقل أَوْ أكثر مما سمى لها.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهكَذَا الْقَوْل عِنْدِيْ عَلَى ما قَالَ
الشَّافِعِيُُّ.
(1/343)
[إِذَاطلق امرأته ثُمَّ راجعها فتزوجت]
159- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا طلق الرَّجُل امرأته
واحدة أَوْ اثنتين ثُمَّ إنه سافر وأشهد عَلَى رجعتها قبل أن تمضي عدتها
أَوْ لم يبلغها ثُمَّ تزوجت فَهُوَ أحق بِهَا دخل بِهَا الآخر أَوْ لم يدخل
بها.
وروي هَذَا الْقَوْل عَن علي بْن أبي طالب.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: إِذَا لم يبلغها الرجعة فتزوجت
ثُمَّ جاء زوجها الْأَوَّل فأثبت أَنَّهُ قد راجعها فِي العدة فإن لم يكن
دخل بِهَا الآخر فَهُوَ أحق بِهَا ترد عَلَيْهِ وإن كَانَ دخل بِهَا لم يكن
للأول عليها سبيل وهي امرأة الآخر.
يروى هَذَا عَن عُمَر بْن الخطاب
(1/344)
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والْقَوْل
المروي عَن علي، الذي قَالَ بِهِ سُفْيَان أحب إِلَيَّ. وإن جاءت بولد
فالولد للآخر.
وَقَالَ النعمان: الولد للأول.
[الزواج بامرأة عَلَى طلاق أُخْرَى]
160- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا قَالَ الرَّجُل لامرأة:
أتزوجك على
طلاق امرأتي هَذِهِ" وله امرأة فتزوجها عَلَى ذَلِكَ فلها مهر مثلها إن
كَانَ دخل بِهَا وإن لم يكن دخل بِهَا فطلقها فلها المتعة فإن مَاتَ عنها
فلها مهر مثلها.
وفي قَوْل الشَّافِعِيّ: إن طلقها قبل الدخول بِهَا فلها
(1/345)
نصف المهر مثلها كذَلِكَ كُلّ مهر مجهول
فَإِنَّهُ فاسد وتم عقد النكاح عَلَيْهِ ثُمَّ طلق قبل الدخول فلها نصف مهر
مثلها فِي قَوْل الشَّافِعِيّ وذَلِكَ مثل أن يتزوج عَلَى حكمها أَوْ حكمه
أَوْ يتزوجها عَلَى ثمرة لم يبدو صلاحها وما أشبه ذَلِكَ من الصداق المجهول
أَوْ الفاسد.
وفي قَوْل سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ: فِي هَذَا كله إِذَا طلقها قبل
الدخول فلها المتعة وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْثَوْرٍ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهَذَا أصح الْقَوْل ين عِنْدِيْ.
[الرَّجُل يعلق طلاق امرأته عَلَى شَيْء ثُمَّ يطلقها]
161- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا قَالَ: الرَّجُل لامرأته
إن دخلت دار فلان فأنت طالق ثلاثا فطلقها تطليقة بائنة ثُمَّ دخلت لم يقع
عليها الطلاق بدخولها.
وكذَلِكَ قَالَ إِسْحَاق.
وفي قَوْل مَالك والشَّافِعِيّ وأَصْحَابه وأبي عُبَيْد: إِذَا قَالَ
لامرأته: أَنْتَ طالق تطليقة بائنة" وقد دخل بِهَا فإن له عليها الرجعة ما
دامت فِي عدتها وقوله بائنة باطل؛ لأن
(1/346)
الله جل وعلا قد جعل للمطلق واحدةً [أو]
اثنتين، الرجعة ما دامت فِي العدة فقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [البقرة: 228} .
إِلَى قوله عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ
[البقرة: 228} قَالُوْا: فلا يبطل ما جعله له وملكه إياه بقوله كما لو أعتق
عبدا له عَلَى أن لَا دلالة كَانَ العتق جائزا وكَانَ الولاء له لِأَنَّ
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الولاء لمن أعتق" فلا
يبطل الولاء بإبطاله إياه.
وكذَلِكَ الرجعة لَا تبطل بإبطاله إياه.
ويروى هَذَا عَن عَبْد اللهِ بْن مسعود من حَدِيْث ابْن أَبِيْ لَيْلَى
أَنَّهُ قَالَ: لا يكون طلاق بائن إِلَّا فِي خلع وإِيلاء.
وفي قَوْل الشَّافِعِيّ ومن سمينا إِذَا قَالَ لها: أَنْتَ طالق ثلاثا إن
دخلت دار فلان ثُمَّ قَالَ لها: أَنْتَ طالق تطليقة بائنة" ثُمَّ دخلت
الدار قبل أن تنقضي عدتها فإنها تطلق ثلاثا بالْحَدِيْث لأنه لَا يملك
رجعتها ولكن إن لم تدخل الدار حَتَّى تنقضي عدتها ثم
(1/347)
دخلت لم يحنث فإن هو تزوج بِهَا بَعْد
ذَلِكَ فهي امرأته ولا يحنث أبدا بَعْد ذَلِكَ إن دخلت الدار أَوْ لم تدخل
لِأَنَّ الحنث قد وقع ولَيْسَت فِي ملكه فِي قَوْل الشَّافِعِيّ
وأَصْحَابه.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والْقَوْل عندنا أَنَّهُا لَا تبين بواحدة
إِلَّا بَعْد انقضاء العدة
بَاب الإيلاء
[بم يكون الإيلاء؟]
162-اخْتَلَفَأَهْل العلم فِي الرَّجُل يحلف عَلَى أربعة أشهر فما دونها أن
لَا يقرب امرأته فيها هل يكون بذَلِكَ موليا أم لا؟
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: لَا يكون موليا حَتَّى يحلف عَلَى
أربعة أشهر فصاعدا.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى
(1/348)
وشَرِيْك مَعَ طَائِفَة من أَهْل الكوفة:
إِذَا حلف عَلَى قليل من الأوقات أَوْ كثير أن لَا يجامع امرأته فيها
فتَرَكَ أربعة أشهر لم يجامعها فَهُوَ مول.
وقد روي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مسعود أن رجلا حلف أن لَا يقرب امرأته عشرا
فتركها أربعة أشهر فأبانها منه.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وأَبُوْعُبَيْدٍ:
لَا يكون موليا يجب عَلَيْهِ حكم الإيلاء حَتَّى يحلف أن لَا يجامع امرأته
أكثر من أربعة أشهر فَإِذَاحلف عَلَى أكثر من أربعة أشهر ثُمَّ تركها أربعة
أشهر لم يجامعها وجب عَلَيْهِ حكم الإيلاء.
وقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: المولي الذي يحلف أن لَا يأتي
امرأته أبدا
(1/349)
[مَتَى تبين الْمَرْأَة في الإيلاء؟]
163- واخْتَلَفُوْا ما الذي يجب عَلَيْهِ من حكم الإيلاء بَعْد مضي الأربعة
أشهر
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ وابْن أَبِيْ لَيْلَى: إِذَاحلف
الرَّجُل أن لا
يجامع امرأته أربعة أشهر أَوْ أكثر ثُمَّ تركها فلم يراجعها أربعة أشهر
بانت منه بتطليقة وتعتد بَعْد الأربعة الأشهر ثلاث حيض ويخطبها زوجها فِي
عدتها ولا يخطبها غيره فإن شاءت تزوجه فِي عدتها.
وَقَالَ مَالِكٌ والشَّافِعِيّ وأَبُوْ ثَوْرٍ وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَحْمَد
وإِسْحَاق: إِذَا مضت أربعة أشهر فرافعته الْمَرْأَة عَلَى الحاكم تطالبه
بالْجِمَاع وقفه الحاكم لها إما أن يفيء وإما أن يطلق ولا
(1/350)
تبين منه دون أن يوقف الحاكم فَإِذَاوقفه
الحاكم فإن هو فاء فبقي امرأته عَلَى حالها. وإن طلق طلقت تطليقة وَهُوَ
أملك برجعتها.
فأما أن لم ترافعه ورضيت أن لَا يجامعها فهي امرأته أبدا حَتَّى ترافعه
وتطالبه.
وهَذَا الْقَوْل يروى عَن علي بْن أبي طالب وعمر بْن الخطاب وعثمان بْن
عفان وابن عُمَر وعَائِشَة وأبي الدرداء رضي الله عنهم.
وَقَالَ سهيل بْن أبي صَالِح عَن أبيه: سألت اثني عشر رجلا من أَصْحَاب
رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرَّجُل يولي من امرأة
فكلهم يقولون: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء
وإلا طلق
(1/351)
وقَالَ ابْن شُبْرُمَةَ: إِذَا مضت أربعة
أشهر فلم يجامعها طلقت تطليقة وَهُوَ
أملك برجعتها.
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن سعيد بْن المسيب وأبي بكر بْن عَبْد الرَّحْمَن
ومكحول والزُّهْرِيّ.
[إِذَالم يفئ الزوج ولم يطلق]
164- قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: فإن لم يفئ ولم يطلق فإن الشَّافِعِيّ
قَالَ: يطلق عَلَيْهِ الحاكم تطليقة ويكون أملك برجعتها.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ.
وبه أقول.
(1/352)
[كَيْفَ يفيء العاجز؟]
165- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا كَانَ الرَّجُل مريضا لم
يقدر أن يجامع أَوْ كبر أَوْ حبس أَوْ كانت حائضا أَوْ نفساء لَا يقدر أن
يجامعها فكَيْفَ بلسانه يَقُوْل قد فئت فَإِنَّهُ يجزيه ذَلِكَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا أوقفه الحاكم فحاضت أَوْ مرضت مرضا يمنع
الإصابة لم يكن عَلَيْهِ سبيل حَتَّى تطهر أَوْ تبرأ من
(1/353)
مرضها ثُمَّ يوقف فإما أن يفيء أَوْ يطلق.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ قَالَ: لا يجزئه الفيء باللسان من الْجِمَاع
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وبه أقول.
فإن قَالَ لها: أَنْتَ علي كظهر أمي إن جامعتك فمضت أربعة أشهر قبل
أن يجامعها فإن سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ قَالُوْا: قد وقع عليها
الإيلاء وبانت منه بتطليقة قَالُوْا: فإن جامعها بَعْد الأربعة الأشهر وقع
عليها الظِّهَار ولا يجامعها بَعْد جماعه الْأَوَّل حَتَّى يكفر وسقط
الإيلاء وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كلا المسألتين.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا جعلها عَلَيْهِ كظهر أمه إن قربها سنة
فتركها سنة فهي امرأته ولا يدخل عليها الإيلاء
(1/354)
[إذاقال: إن قربتك فأنت طالق]
167- فإن قَالَ لها: فإن قربتك فأنت طالق ثلاثا فتركها أربعة أشهر لم
يقربها فَهُوَ مول فِي قَوْل سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ والشَّافِعِيّ
وأَبِيْ عُبَيْدٍ.
قَالَ عَطَاء بْن أبي رباح: لَا يكون موليا لِأَنَّ الطلاق لَيْسَ بيمين.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والْقَوْل عندنا ما قَالَ سُفْيَانُ ومن تابعه
فِي هده المسألة والتي قبلها.
(1/355)
[إن ظاهر منها فوقت وقتا]
168- فإن ظاهر منها فوق سنة أَوْ شهر أَوْ يوما
فإن سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ قَالُوْا: لَا يكون إيلاء إنما هو ظهار.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ ومَالك: إن كَانَ المظاهر يريد الإضرار
بظهاره كَانَ كالمولي وإن لم يرد اضرارا فلا يكون إيلاء.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
ويروى عَن جابر بْن زيد وقتادة أَنَّهُما قَالَا: إِذَا تركها حَتَّى تمضي
أربعة أشهر لم يجامعها ولم يكفر فِي الظِّهَار فَهُوَ مولي
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: الْقَوْل عِنْدِيْ ما قَالَ سُفْيَانُ ومن
تابعه.
(1/356)
[إن آلى ثُمَّ فارق بواحدة أو اثنتين]
169- فإن آلى الرَّجُل ثُمَّ فارق بواحدة أَوْ اثنتين
فإن سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ قَالُوْا: لَا يهدم ذَلِكَ الإيلاء وإن
مضت أربعة أشهر قبل أن تحيض ثلاث حيض بانت منه.
وَقَالَ مَالِكٌ وأَبُوْعُبَيْدٍ: إن انقضت الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي
عدة الطلاق فَإِنَّهُ يوقف فَإِذَاأوقف فإن صار عَلَى الرجعة والفيء فهي
امرأته وإن لم يف وطلق فهما تطليقتان.
ويروى عَن عَطَاء وإِبْرَاهِيْم أن الطلاق قد هدم فإن مضت الأربعة الأشهر
قبل أن تنقضي عدة الطلاق فلا شَيْء عَلَيْهِ من وقوف ولا غيره.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا آلى ثُمَّ طلقها ومضت الأربعة الأشهر قبل أن
تنقضي عدة الطلاق فلا وقوف عَلَيْهِ ولا طلاق ما لم يراجعها لأنه لَيْسَ له
أن يجامعها ما لم يراجعها.
(1/357)
[إن آلى ثُمَّ طلق فانقضت عدتها]
170- فإن آلى منها ثُمَّ طلقها فانقضت عدتها قبل مضي الأربعة الأشهر فإن
سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ قَالُوْا: بانت منه بالطلاق فإن هو تزوج
بَعْد ذَلِكَ فالإيلاء كما هو لَا ينتقض فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها
بانت منه وهي أحق بنفسها.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا تزوج بِهَا بَعْد انقضاء العدة استأنف أربعة
أشهر من يوم تزوج بِهَا فإن تركها بَعْد التزويج أربعة أشهر وطالبته
بالْجِمَاع وقف.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: إِذَا انقضت عدتها قبل مضي الأربعة الأشهر ثُمَّ
تزوج
بها بَعْد سقوط الإيلاء فلا يعود عَلَيْهِ حكم الإيلاء إِلَّا أن يجدد
الإيلاء فإن هو جامعها يكفر عَن يمينه فلا شَيْء عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وبه أقول.
(1/358)
[إن آلى ثُمَّ أتاها فيغَيْر الفرج]
171- فإن هو آلى منها ثُمَّ أتاها فِي فرج فلا أعلم بين أَهْل العلم
اختلافا أن ذَلِكَ لَا يكون فيئا.
[الإيلاء عَن أم ولد]
172- قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: ولا إيلاء عَن أم ولد.
[بَاب كفارة الظِّهَار]
[كفارة الظِّهَار]
173- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا ظاهر الرَّجُل امرأته فلا يحل له أن يقربها
حَتَّى يكفر والكفارة إن كَانَ يجد أن يعتق رقبة فإن لم يجد فليصم شهرين
متتابعين فإن لم يستطع أن يصوم أطعم ستين مسكينا.
(1/359)
[قدر الطعام في الكفارة]
174- واخْتَلَفُوْا فِي قدر الإطعام:
فقَالَ سُفْيَانُ: يطعم كُلّ مسكين نصف صاع من بر أَوْ صاعا من تمر أَوْ
صاعا من شعير وذهب إلى حَدِيْث عُمَر بْن اخطاب أَنَّهُ قَالَ ليسار: إِذَا
أطعمت عني فِي كفارة الدين فأطعم كُلّ مسكين نصف صاع".
وَقَالَ مَالِكٌ: فِي كفارة الدين أن يطعم كُلّ مسكين
(1/360)
مدًّا بمد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وأما في كفارة الظِّهَار فَإِنَّهُ قال: عَلَيْهِ أن يطعم مدا بمد هشام بن
إسماعيل، وهو أكثر من مد النبي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم بنحو من ثلثه.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ وأحمد وأبوعبيد وإسحاق: عليه
(1/361)
عَلَيْهِ أن يطعم في الظِّهَار وفي اليمين
جميعا كُلّ مسكين مدا بمد النبي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: يؤدي كُلّ يوم من قوتهم الذي يقتاتونه إن كَانَ
قوتهم البر أعطى كُلّ مسكين مدا من بر. وكذَلِكَ إن كَانَ قوتهم التمر أَوْ
الشعير
أعطى كُلّ مسكين مدا من تمر أَوْ شعير.
وذهبوا إلى حَدِيْث سلمة بْن صخر عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ أعطاه خمسة عشر صاعا فقال: تصدق بِهِ عَلَى ستين مسكينا"
وحَدِيْث سعيد بْن المسيب عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي كفارة الْجِمَاع فِي رَمَضَان" أَنَّهُ
(1/362)
أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا أَوْ عشرين
صاعا فأمره أن يطعم ستين مسكينا.
[صام أيامًا ثُمَّ وجد رقبة]
175- واخْتَلَفُوْا فِي المظاهر إِذَا صام أقل من شهرين ثُمَّ وجد رقبة
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: يعتق رقبة وذهب صومه وَهُوَ قَوْل
أبي عُبَيْد.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وقتادة ومَالك وأَهْل الْمَدِيْنَة واللَّيْث بْن سعد
والشَّافِعِيُّ:
وأَحْمَد
(1/363)
بن حَنْبَلٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ: إِذَا وجد
الرقبة لم ينتقض صومه ومضى فيه أجزأه ذَلِكَ.
قَالَ أَبُوْعَبْد اللهِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يعتق وينتقض صومه.
[إِذَاصام شهرًا ثُمَّ جامع]
176- قَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إن صام شهرا ثُمَّ جامع ليلا
أَوْ نهارا هدم صومه.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا جامع نهارا مثل قولهم وإن جامع ليلا لم ينتقض
صومه.
(1/364)
[شرط الإيمان في الرقبة]
177- واخْتَلَفُوْا فِي الرقبة إِذَا كانت يهودية أَوْ نصرانية أَوْ مشركة
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: يجزئ ذَلِكَ كله فِي الظِّهَار.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْثَوْرٍ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ والْأَوْزَاعِيّ والشَّافِعِيّ
وأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ: لَا يجزئ فِي الظِّهَار إِلَّا أن
يعتق رقبة مؤمنة
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أرجو أن يجزئه رقبة مشركة
(1/365)
[عتق الصَّبِيّ في الظِّهَار]
178- والصَّبِيّ يجوز عتقه فِي الظِّهَار.
[بَاب الظِّهَار]
[إِذَاشبه الزوجة بشعر أمه]
179- فَإِذَاقَالَ الرَّجُل لامرأته: أَنْتَ علي مثل شعر أمي أَوْ مثل رجل
أمي
فقَالَ سُفْيَانُ الثوري والشَّافِعِيّ: هو ظهار
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: كُلّ ما كَانَ من العورة فَهُوَ بمنزلة الظهر
كالفخذ والفرج والبطن فَإِذَاقَالَ لامرأته: أَنْتَ علي كفرج
(1/366)
أمي أَوْ كفخذ أمي أَوْ كبطنها فَهُوَ
مظاهر فإن قَالَ: أنت علي كوجه أمي أَوْ كرأسها أَوْ يدها أَوْ قدمنيها
فلَيْسَ مظاهر وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
[الظِّهَار من نسوة]
180- فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَيْهِ لكل واحدة منهن
كفارة. وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وأَحْمَد وأَبُوْ عبيد
(1/367)
وإِسْحَاق: لَيْسَ عَلَيْهِ إنما كفارة
واحدة وذهبوا إِلَى حَدِيْث عُمَر بْن الخطاب فِي رجل ظاهر عَن أربع نسوة
قَالَ: عَلَيْهِ كفارة واحدة.
[توقيت الظِّهَار]
181- واخْتَلَفُوْا إِذَا ظاهر منها يوما أَوْ شهر أَوْ سنة
فقَالَ سُفْيَانُ وأصجاب الرَّأْي إِذَا انتهى ذَلِكَ الوقت فلا أرى
عَلَيْهِ ظهارا ولا كفارة ويروى هَذَا عَن عَطَاء
وَقَالَ مَالِكٌ وابْن أَبِيْ لَيْلَى: إِذَا قَالَ: أنت علي كظهر أمي
اليوم إلى الليل فإن عَلَيْهِ الكفارة وإن لم يطأها إلى الليل.
ويروى هَذَا عَن طَاوُس والزُّهْرِيّ
(1/368)
وقَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إن كَانَ أجمع
عَلَى غشيان امرأته قبل انقضاء الوقت لزمه الكفارة من ساعته كَانَ بَعْد
جماع أَوْ لم يكن لِأَنَّ الله إنما أوجب الكفارة بالإرادة والعزم، ألا
تسمع إلى قوله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [المجادلة: 3]
فإن لم يكن كذَلِكَ ولكنه كَانَ مجمعا عَلَى تَرَكَ مسيسها حَتَّى مضت
الوقت فلا كفارة عليه.
[معنى العود في الآية]
182- قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وذهب أَبُوْعُبَيْدٍ عَلَى أن قوله: {
{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [المجادلة: 3] يعني نية الْجِمَاع.
وقد قَالَ قوم: هو الْجِمَاع ولا يصح ذَلِكَ لِأَنَّ الله تعالى قَالَ:
(1/369)
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن
يَتَمَاسَّا [المجادلة: 3}
[عتق الصَّبِيّ في الكفارات]
183- قَالَ سُفْيَانُ: الصَّبِيّ الذي لم يصل بجزء فِي الظِّهَار واليمين
ولا يجزئ فِي القتل الصَّبِيّ ولا الْيَهُوْدِيّ ولا النَّصْرَانِيّ ولا
تجزئ إِلَّا رقبة مؤمنة قد صلى، صغيرا كَانَ أَوْ كبيرا بَعْد أن يكون يعقل
الصَّلَاة وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الظِّهَار واليمين.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْثَوْرٍ
(1/370)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: لَا يجزئ فِي
الظِّهَار والقتل واليمين جميعا إِلَّا رقبة مؤمنة فإن أعتق فِي الظِّهَار
أَوْ اليمين أَوْ القتل صبيا وأَبَوَاهُ مؤمنان أَوْ أحدهما أجزأه لِأَنَّ
حكمه حكم الكفارة.
فإن سبيت صبية مَعَ أَبَوَيْهَا كافرين فعقلت فوصفت الإسلام إلا أَنَّهُا
لم تبلغ فأعتقها عَن ظهار لم تجز حَتَّى تصف الإسلام بَعْد البلوغ
فَإِذَاعقلت وأعتقها جاز.
قَالَ: ووصفها الإسلام أن تشهد أن لَا إله إِلَّا الله وأن مُحَمَّدا
رَسُوْل اللهِ وتبرأ مما خالف الإسلام من دين فَإِذَافعلت هَذَا فقد أجزأت
وأحببت أن تمتحنها بالإقرار بَعْد الموت وما أشبهه.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: هو عِنْدِيْ فِي القتل عَلَى ما قَالَ
الشَّافِعِيُّ وفي الظِّهَار واليمين أرجو أن يكون مثل قَوْل سُفْيَان
(1/371)
[المباشرة بما دون الفرج]
184- واخْتَلَفُوْا فِي المظاهر [هل له] له أن يقبل أَوْ يباشر أَوْ يأتيها
فِيغَيْر الفرج؟
فقَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة وأَصْحَاب الرَّأْيِ: لَيْسَ له أن
يقبل ولا يباشر حَتَّى يكفر كفارة الظِّهَار.
وبه قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن إِبْرَاهِيْم
قَالَ سُفْيَانُ: لَا بَأْسَ أن يقبل أَوْ يباشر أَوْ يأتيها زوجها
فِيغَيْر الفرج ما لم يكفر وإنما نهى عَن الْجِمَاع.
ويروى هَذَا الْقَوْل عَن الْحَسَن وعَطَاء والزُّهْرِيّ وقتادة
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أَمِيْلُ إِلَى قَوْل مَالِكٍ
(1/372)
[الظِّهَار من الأمة]
185- وإن ظاهر من أم ولده أَوْ جاريته
فإن سُفْيَان ومَالكا قَالَا: هو ظهار
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ: إِذَا ظاهر من أمته-أم ولد كانت
أَوْغَيْر أم ولد- لم يلزمه الظِّهَار.
واحتج الشَّافِعِيّ فِي ذَلِكَ بأن الله قَالَ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
مِن نِّسَائِهِمْ [المجادلة: 3} ولَيْسَ من نسائه ولا يلزمه الإيلاء ولا
الطلاق فيما لَا يلزمه الظِّهَار.
وكذَاَ قَالَ [الله تبارك وتعالى] : لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن
نِّسَآئِهِمْ [تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة: 226} فلو آلى من
أمته لم يلزمه الإيلاء وكذلك] قَالَ
(1/373)
: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
[النور: 6} فلَيْسَت من الأزواج.
[موت المظاهر قبل الكفارة]
186- فإن مَاتَ المظاهر قبل أن يكفر أَوْ ماتت المرأة
فإن سُفْيَان الثوري ومَالكا والْأَوْزَاعِيّ قَالُوْا: يورثها ولا كفارة
عليه.
وكذلك يروى عَن الْحَسَن وعَطَاء
وَقَالَ قتادة: يكفر ويرثها
(1/374)
[إن جامعها ثُمَّ ماتت]
187- فإن هو جامعها ثُمَّ ماتت فإنهم اخْتَلَفُوْا:
فقَالَ مَالِكٌ: قد وجبت عَلَيْهِ الكفارة لما جامع وإن ماتت
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إن ماتت فلا كفارة عليه
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: إن كَانَ قربها بَعْد الظِّهَار أَوْ اعتزم عَلَى
أن يقربها ثم
ماتت فالكفارة لازمة لأنها قد وجبت عَلَيْهِ حين عاد لما قَالَ: فلا يسقط
دين الله عَلَيْهِ موتها ولا حياتها
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: إن لم يكن نوى جماعا حَتَّى ماتت فلا كفارة عليه
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: هَذَا عِنْدِيْ حسن.
(1/375)
[بَاب اللعان]
[التفريق بين المتلاعنين]
188- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا لاعن الرَّجُل امرأته عِنْدَ الْإِمَام ثُمَّ
فرق الحاكم بينهما لم يجتمعا أبدا، فقد مضت السنة بذَلِكَ.
(1/376)
وَقَالَ مَالِكٌ: مضت السنة عندنا فِي
المتلاعنين إِذَا كذب نفسه جلد الحد وألحق بِهِ الولد ولا يجتمعان أبدا.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْثَوْرٍ.
وَقَالَ النعمان: إِذَا كذب نفسه جلد وكَانَ خاطبا من
من الخطاب وخالفه أَصْحَابه.
(1/377)
[اللعان بين الحر والمملوكة]
189- واخْتَلَفُوْا فِي الحر والمملوكة هل بينهما اللعان:
فقَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ بين الحر والمملوكة إِذَا كانت تحته لعان.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ ومَالك وأَبُوْ الزناد وغيرهما: اللعان بين
كُلّ زوجين من الحر والأمة والعبد والحرة.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْثَوْرٍ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهَذَا عِنْدِيْ عَلَى ما قَالَ مَالِكٌ وأَهْل
الْمَدِيْنَة ومن تابعهم لِأَنَّ الله تعالى يَقُوْل: {وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور: 6} ولم يخص زوجا دون زوج.
(1/378)
[اللعان بين المسلم والذمية]
190- واخْتَلَفُوْا فِي المسلم والنَّصْرَانِيّة هل بينهمالعان إِذَا كانت
تحته؟
فقَالَ سُفْيَانُ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: لَيْسَ بينهما لعان ويلزق بِهِ
الولد
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
(1/379)
وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ:
يلاعن بينهما ولا يلحق بِهِ الولد.
[شرط الرؤية في اللعان]
191- وإِذَاقذف الرَّجُل امرأته فإنهم اخْتَلَفُوْا هل يسأل عَن الرؤية أم
لا؟
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: كُلّ من رمى زوجته بالزنا لاعنها
سواء قَالَ: رأيتها تزني أَوْ لم يقل.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَبُوْعُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ- يحيى بْن سعيد وأَبُوْ ازناد ومَالك بْن
أَنَس-: لَا لعان بين الرَّجُل وامرأته حَتَّى يَقُوْل: رأيتها تزني فإن
قَالَ: هي زانية ولم يقل: رأيتها تزني" لم يلاعنوا
(1/380)
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إِذَاقَالَ
لها: يا زانية لاعن لِأَنَّ الله تعالى يَقُوْل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ [النور: 6} ولم يقل برؤية ولا بغيررؤية كما قَالَ:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور: 4}
192- فأجمعوا أن كُلّ من رمى محصنة بالزنا وجب عَلَيْهِ الجلد. قَالَ:
رأيتها أَوْ لم يقل برؤية.
[قذفغَيْر المسلم]
193- فإن قَالَ [53/ب] رجل ليهودي أَوْ نصراني: يا ابْن الزانية. أَوْ: يا
زاني" لم يجب عَلَيْهِ الجلد ويعزر ولا اختلاف فِي ذَلِكَ فِي أَهْل العلم
فيما أعلمه.
(1/381)
[بَاب الخلية والبرية]
[ما يقع بالخلية والبرية]
194- واخْتَلَفُوْا فِي الخلية والبرية والبائنة والحرام:
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا قَالَ الرَّجُل لامرأته:
أَنْتَ طالق البتة أَوْ قَالَ: أنت مني برية، أَوْ: أَنْتَ مني خلية، أَوْ:
أَنْتَ مني بائنة، كانت نيته فِي ذَلِكَ فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى
واحدة فهي واحدة بائنة وهي أحق بنفسها وإن شاء خطبها فِي عدتها وإن نوى
اثنتين فلا يكون اثنتين هي واحدة وهي أحق بنفسها.
(1/382)
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ
وابْن أَبِيْ لَيْلَى: كُلّ هَذِهِ الكلمات ثلاثا ثلاثا لَا نية له فِي
شَيْء من ذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مثل ذَلِكَ إِلَّا فِي الخلية فَإِنَّهُ جعلها
واحدة يملك الرجعة
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا أراد بهَذَا الطلاق فهي واحدة يملك الرجعة
إِلَّا أن ينوي أكثر من ذَلِكَ فإن نوى اثنين أَوْ ثلاثا فَهُوَ عَلَى ما
نوى.
(1/383)
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ مثل قَوْل مَالك
إِلَّا فِي الحرام فَإِنَّهُ وقف به
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: كُلّ هَذِهِ الكلمات واحدة يملك الرجعة وإن نوى
أكثر من ذَلِكَ لم يكن إِلَّا الحرام
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أقول بقول الشَّافِعِيِّ.
[إذاقال: أنتِ عليَّ حرام]
195- فَإِذَاقَالَ لها: أَنْتَ علي حرام فإنهم اخْتَلَفُوْا فِي ذَلِكَ:
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى
واحدة فهي واحدة بائنة وهي أحق بنفسها وإن نوى يمينا فهي يمين يكفرها وعن
لم ينو فرقة
(1/384)
ولا يمينا فلَيْسَ بشيء هي كذبة.
قَالَ مَالِكٌ وابْن أَبِيْ لَيْلَى: إِذَا قَالَ لها: أَنْتَ عليَّ حرام
فهي طالق ثلاثا نوى أَوْ لم ينو.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إن أراد الطلاق فهي طالق واحدة يملك الرجعة إِلَّا
أن ينوي أكثر منه فيكون عَلَى ما نوى فإن لم ينو الطلاق فعَلَيْهِ كفارة
يمين.
(1/385)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: عَلَيْهِ
كفارة الظِّهَار نوى ذَلِكَ أَوْ لم ينو.
قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: عَلَيْهِ كفارة يمين نوى ذَلِكَ أَوْ لم ينو.
وَقَالَ مسروق وأَبُوْ سلمة بْن عَبْد الرَّحْمَن: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
هو بمنزلة رجل حرم الطعام والشراب عَلَى نفسه
(1/386)
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إن نوى الطلاق
فَهُوَ عَلَى ما قَالَ الشَّافِعِيُُّ: تطليقة يملك
الرجعة، وإن أراد الظِّهَار فعَلَيْهِ كفارة الظِّهَار وإن لم ينو طلاقا
ولا ظهارا فلا شَيْء عليه.
[بَاب الخيار والتمليك]
[حكم الخيار والتمليك]
196- واخْتَلَفَأَهْل العلم فِي الخيار
فقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا قَالَ الرَّجُل لامرأته: اختاري"
أَوْ: أمرك بيدك" فهما سواء.
كَانَ عُمَر وعَبْد اللهِ يقولان: إِذَا خير الرَّجُل امرأته
(1/387)
فإن اختارت زوجها فلَيْسَ بشيء وإن اختارت
نفسها فهي واحدة وَهُوَ أحق بها.
وكَانَ عَلِيٌّ يَقُوْلُ: إِذَا اختارت زوجها فلَيْسَ بشيء وإن اختارت
نفسها فهي واحدة ويخطبها عَلَى نفسها.
واختار سُفْيَان فِي الخيار قَوْلَ عُمَرَ وَعَبْدِ اللهِ وأخذ بقولهما.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا قَالَ لها: اختاري" فاختارت زوجها
فلَيْسَ بشيء وإن اختارت نفسها فهي تطليقة وإن نوى ثلاثا لم
(1/388)
يكن ثلاثا إلاأن يَقُوْل لها: اختاري" ثلاث
مرات وإن جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها فهي واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا
فَهُوَ عَلَى ما نوى.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: إِذَا قَالَ لها: اختاري" فاختارت
زوجها فلَيْسَ بشيء وإن اختارت نفسها أَوْ طلقت نفسها ثلاثا فقَالَ الزوج:
إنما أردت واحدة" لم يقبل منه وكانت واحدة يملك الرجعة.
(1/389)
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: الخيار والتمليك
سواء. فَإِذَاخير الرَّجُل امرأته وملكها
أمرها فطلقت نفسها ثلاثا فقَالَ الزوج: لم أرد إِلَّا واحدة أَوْ لم أنو
ثلاثا فهي طالق واحدة يملك الرجعة ولا تطلق أكثر من ذَلِكَ إِلَّا أن يريد
أكثر من ذَلِكَ.
وَهُوَ قَوْل أبي عُبَيْد.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وأنا أقول مثل قَوْل الشَّافِعِيّ
قَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا
خيرها فلم تخير فِي مجلسها فلَيْسَ بشيء
(1/390)
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أمرها
بيدها ما لم يجامعها.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: أمرها بيدها أبدا حَتَّى ترد الأمر أَوْ تطلق نفسها
أَوْ يخرجها الزوج من يدها.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: هَذَا عِنْدِيْ أصح الأقاويل.
ويدل عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَة
حيث خيرها قَالَ لها: لَا عَلَيْك أن لَا تعجلي حَتَّى تستأمري أَبَوَيْكِ"
فهَذَا يدل عَلَى أن
(1/391)
لها الخيار بَعْد القيام من المجلس.
وكذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ أن الأمر بيدها مالم تقض.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: فِي أمرك بيدك" أمرها بيدها ما لم يمسّها
عَلَى قَوْل حفصة لزبير.
قَالُوْا: والخيار إِذَا أخذ فِي معنىغَيْر الذي كانوا فيه فلَيْسَ لها
أمر.
(1/392)
[بَاب الحج]
[أنواع الحج]
198- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أردت الحج والعمرة فإن قرنت فحسن وإن تمتعت
فحسن [55/ب] وإن أفردت فحسن كُلّ ذَلِكَ قد فعل.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: لم يخلتف أَهْل العلم أن كُلّ هَذَا جائز عَلَى
ما قَالَ سُفْيَانُ.
واخْتَلَفُوْا فِي الخيار:
فروى أَهْل الْمَدِيْنَة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عله وسلم أفرد الحج
فاختاروا ذَلِكَ منهم مَالك وغيره.
وكَانَ الشَّافِعِيّ يذهب إلى هَذَا المذهب وأَبُوْثَوْرٍ.
(1/393)
وذهب أَصْحَاب الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن
فاختاروا القران.
واختار أَهْل مكة التمتع.
وإلى ذَلِكَ ذهب أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ والْحُمَيْدِيّ.
واحتجوا بقول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلت من
أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة" هَذَا آخر اختيار النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكَانَ إِسْحَاق يختار القران-إِذَا كَانَ معه سوق هدي فإن لم يسق فالتمتع-
يذهب إِلَى أن القران لَا يكون إِلَّا بسوق.
وَقَالَ سائر من ذكرنا: الإقران بغير سوق جائز وَعَلَى القارن ما استيسر من
الهدي مثل ما عَلَى المتمتع.
(1/394)
[فسخ العمرة إلى الحج]
199- وَقَالَ هؤلاء كلهم: لَا يجوز فسخ الحج وإنما كَانَ الفسخ لأَصْحَاب
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصةغَيْر أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ
حَنْبَلٍ ذهب إِلَى أن الفسخ ثابت إِلَى اليوم وأن له فسخ حجه إِذَا لم يكن
ساق هديا اتباعا للأحاديث التي رويت عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُوْ الْفَضْل: أظنه قَالَ: ولم يثبت حَدِيْث الحارث بن بلال الذي
احتجت بِهِ أولئك الذي قَالَ للنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بَلْ لكم خاصة
(1/395)
وضعف حَدِيْث أبي ذر وَقَالَ: إنما رواه
مرقع، ومن مرقع؟
وَقَالَ: فِي فسخ الحج أحاديث ثبتت فلا يتَرَكَ مثل هَذَا لذَلِكَ.
ومن روى عنه من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن
النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام في
فسخ الحج: يروى
عَن جابر
وعن عَائِشَة
وأسمَاء بنت أبي بكر
وابن عَبَّاس
وأبي موسى الأشعري
وأنس بن
(1/396)
مَالك
وسهل بْن حنيف
وأَبُوْ سعيد الخدري
والبراء بْن عازب
وابن عمر
وسمرة أَوْ سبرة الجهني
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي فسخ الحج: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل إِذَا أَهَلَّ
بالحج والعمرة من مكة إن شاء جعلها عمرة وإن أَهَلَّ بالحج والعمرة فأحب أن
يجعلها عمرة فعل.
[كم يطوف المتمتع؟]
200- قَالَ سُفْيَانُ فِي المتمتع: إِذَا أراد أن يتمتع بدأ بالعمرة فقال:
اللهم إني أريد العمرة فتقبلها مني" فَإِذَاكَانَ يوم التروية أَهَلَّ
بالحج مَعَ الناس.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إِذَاأراد أن يحرم بالحج من مكة [56/ب] ليطوف
طوافا ليودع بِهِ البيت ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ خلف المقام ثُمَّ
يحرم بالحج فِي دبر صلاته ويمضي إِلَى منى فَإِذَارجع طاف طوافا
(1/397)
واحدا لهما جميعا، ويطوف بين الصفا
والمروة، قَالَ ذَلِكَ الْحُمَيْدِيّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: يطوف طوافين طوافا لحجه وطوافا لزيارته، وإن طاف بين
الصفا والمروة فَهُوَ أجود وإن لم يطف بين الصفا والمروة فلَا بَأْسَ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وَأَحَبُّ إِلَيَّ إِذَا رجع أن يطوف طوافين
طوافا لحجه وطوافا لزيارته عَلَى ما قَالَ أَحْمَد لِأَنَّ فِي حَدِيْث
الزبير عَن عروة عَن عَائِشَة قالت: فطاف الذين أَهَلُّوا بالعمرة بالبيت
وبين الصفا والمروة ثُمَّ حلوا ثُمَّ طافوا طوافا آخر بَعْد أن رجعوا من
منى لحجهم.
ولَيْسَ عليهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة إِلَّا فِي حَدِيْث أبي الزبير
عَن جابر أَنَّهُ قَالَ: قدمنا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مهلين بالحج فلما قدمنا طفنا بالبيت ثُمَّ الصفا والمروة فأمرنا
النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أن نحل فأحللنا فلما كَانَ يوم التروية
أَهْللنا بالحج وكفانا الطواف الْأَوَّل بين الصفا والمروة. [57/أ]
وكذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس وسعيد بْن جبير وعَطَاء ومجاهد: لَيْسَ
عَلَيْهِ إِذَا رجع من منى
(1/398)
أن يطوف بين الصفا والمروة.
[الإحرام قبل الميقات]
201- قَالَ سُفْيَانُ: لَا بَأْسَ أن يحرم قبل الميقات.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: لَا بَأْسَ أن يحرم قبل الميقات من منزله بعمرة فإن
كَانَ فِي أشهر الحج فلَا بَأْسَ أن يهل بالحج وقد أحرم ابْن عَبَّاس فِي
شتاء
شديد.
يروى ذَلِكَ عَن الْحَسَن عَن أبي حمزة القرشي عَنِ ابْنِ عَبَّاس.
وأحرم ابْن عُمَر بعمرة من بيت المقدس. رواه أيوب وعُبَيْد الله.
وأحرم معاذ بْن جبل وكعب من بيت المقدس بعمرة.
وروى ابْن جريج قَالَ: أخبرني يوسف بْن ماهك أَنَّهُ سمع عَبْد اللهِ بْن
أبي عمار يَقُوْل: أقبلت مَعَ معاذ بْن جبل وكعب من بيت المقدس فِي أناس
مهلين بعمرة.
وأَبُوْسعيد وأَبُوْ مسعود أحرما من السليحين
(1/399)
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: لَا بَأْسَ
إِذَا كَانَ يعرف من نفسه قوة.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: كَانَ الأسود وعلقمة يهلان من أهاليهما من الكوفة.
وفي حَدِيْث الأسود أن الصَّبِيّ بْن معبد حين أَهَلَّ من منزله قَالَ:
فلما أتيت العذيب" [57/ب] فذكر ذَلِكَ لعمر فلم ينكر عليه.
[ما يفعله المحصر]
202- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أحصر بالحجة بعث بهدي ينحر عنه يوم النحر فإن
نحر قبل ذَلِكَ لم يجز.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا أحصر الرَّجُل بعث بهدي وواعد المبعوث
معه يوما يذبحه فيه فَإِذَاكَانَ ذَلِكَ اليوم حلق
(1/400)
وقصر وحل ورجع وعَلَيْهِ إن كَانَ مهلا
بالحج قضاء حجة وعمرة لِأَنَّ إحرامه بالحج صارعمرة وإن كَانَ قارنا قضى
حجة وعمرتين وإن كَانَ مهلا بعمرة قضى عمرته سواء عندهم المحصر بالعدو
والمرض.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: إِذَا أحصر الرَّجُل بعدو نحر أَوْ ذبح حين
يحبس وحلق أَوْ قصر وحل من إحرامه ورجع فلَيْسَ عَلَيْهِ قضاء حج ولا عمرة
إِلَّا أن يكون حج حجة الإسلام فيحج هَذَا إِذَا لم يشترط.
وإِذَاأحصر بمرض فلَيْسَ له أن يحل ولكن يثبت عَلَى إحرامه وإن احتاج دواء
تداوى بِهِ إِلَى أن يبرأ من مرضه فَإِذَابرأ مضى إِلَى البيت فطاف بِهِ
وسعى فِي الصفا والمروة وحل، فِي حج كَانَ أَوْ عمرة.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وذهبوا إِلَى قصة الحديبية فِي حصر العدو أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحر الهدي فِي مكانه الذي أحصر
فيه وحل ورجع.
(1/401)
وفي الحصر بالمرض إِلَى ما يروى عَن
أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس
وابن عُمَر وابن الزبير رضي الله عنهم أَنَّهُم قَالُوْا فِي المحصر بالمرض
نحوا من ذَلِكَ.
[الاشتراط في الحج]
203- قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: لَا بَأْسَ بالاشتراط
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا بَأْسَ بِهِ فله شرط عَلَى ما روي عَن
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنغَيْر واحد من أَصْحَابه
(1/402)
[كم يطوف القارن؟]
204- وقَالَ سُفْيَانُ: فِي القارن يطوف طوافا لعمرته وطوافا لحجه.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحُمَيْدِيُّ يجزئ
القارن طوافا واحدا
لحجه وعمرته وذهبوا إِلَى حَدِيْث عَائِشَة فأما الذين جمعوا الحج والعمرة
فإنما طافوا طوافا واحدا.
ويروى ذَلِكَ عَن جابر عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروي عَنِ ابْنِ عُمَر طوافا واحدا وعن جابر وابن عَبَّاس وعن علي
(1/403)
طوافين.
[دخول مكة بدون إحرام]
205- قَالَ سُفْيَانُ: من كَانَ دون الميقات فلا يدخل مكة بغير إحرام فيما
سمعنا.
وكذَلِكَ قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ: لَيْسَ لأحد أن يدخل مكة إِلَّا
بالإحرام أراد الحج والعمرة أَوْ لم يرد واحدا منهما.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ
(1/404)
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ:
لَا بَأْسَ [58/ب] بأن يدخل بغير إحرام إِذَا لم يرد حجا ولا عمرة.
[حكم العمرة]
206- قَالَ سُفْيَانُ: العمرة واجبة فيما سمعنا.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وإِسْحَاقُُ.
روي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس وابن عُمَر وزيد بْن ثابت رضي الله عنهم.
(1/405)
وَقَالَ مَالِكٌ: العمرة سنة ولا أحب
تركها.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
يروى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مسعود بإسناد منقطع أَنَّهُ قَالَ: العمرة تطوع.
[من هو المتمتع؟]
207- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا رجع المتمتع إِلَى أَهْله ثُمَّ بدا له الحج
من عامه لَيْسَ عَلَيْهِ دم ولأنه لَيْسَ بمتمتع إِلَّا من أقام حَتَّى يحج
(1/406)
وَقَالَ عَطَاء: إِذَا خرج إِلَى ما يقصر
فيه الصَّلَاة ثُمَّ رجع فليس
بمتمتع.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ.
ويروى عَنِ ابْنِ عَبَّاس من حَدِيْث يزيد الفقير أَنَّهُ قَالَ لقوم من
أَهْل البصرة اعتمروا فِي أشهر الحج ثُمَّ خرجوا عَلَى الْمَدِيْنَة ثُمَّ
رجعوا إِلَى مكة من قبل أن يرجعوا إِلَى البصرة وَقَالَ لهم ابْن عَبَّاس:
أنتم متمتعون.
[فدية الأذى]
208- قَالَ سُفْيَانُ: فِي الفدية إِذَا كَانَ بِهِ أذى فَإِذَاحلق أطعم
ستة مساكين لكل يوم نصف صاع من بر وإن كان
(1/407)
تمرا أَوْ شعيرا أَوْ زبيبا فصاع.
وَقَالَ فِي حَدِيْث كعب بْن عجرة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمره أن يطعم ثلاثة آصع من تمر بين ستة [59/أ] مساكين.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ يطعم مدين من تمر أَوْ ما كَانَ قوته مدين
وفي سائر الكفارات مدا مدا إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمر كعبا بذَلِكَ وأمر سلمة بْن صخر فِي الظِّهَار مدا مدا من
التمر.
[إذا وقف بعرفة ليلا]
209- قَالَ سُفْيَانُ: من وقف بليل بعرفات قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج
ومن لم يقف بجمع أهرق دما.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ومَالك
والشَّافِعِيّ
(1/408)
وأَحْمَد وذهبوا إِلَى حَدِيْث عَبْد
الرَّحْمَن بْن يعمر وإلى ما يروى عَن أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إِذَالم يدرك الجمع فقد فاته الحج وإن وقف
بعرفة واحتج بحَدِيْث عروة بْن مضرس. وَقَالَ: يروى هَذَا عَن إِبْرَاهِيْم
والشعبي والْحَسَن.
وقَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: العلمَاء عامة عَلَى الْقَوْل الأول.
[أكل المحرم للصيد]
210- قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَاأصاب الصيد الرَّجُل الحلال فإنا نكره أن يأكل
من المحرم وقد كَانَ بعضهم يرخص فِي ذَلِكَ وَأَحَبُّ إِلَيَّنا أن لَا
يأكل
(1/409)
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ
بذَلِكَ للمحرم صيد لأجله أم لا.
قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ صاده الحلال من أجل المحرم لم يأكله المحرم.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ؛ واحتج بحَدِيْث جابر عَن النبي صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا لحم الصيد [59/ب] وأنتم حرم ما لم تصيدوه
أَوْ يصاد لكم.
وعن عثمان قوله.
ومن ذهب إِلَى أَنَّهُ كره ذهب إِلَى حَدِيْث الصعب بْن جثامة حيث رده
عليه.
وأَصْحابُ الرَّأْي ذهبوا إِلَى حَدِيْث أبي قتادة وأنه صاد حمار وحشي
وَهُوَ حلال فأكل منه أصحاب النَّبِيّ
(1/410)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم
محرمون ثُمَّ ذكروا ذَلِكَ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصوب
فعلهم
[من لم يجد نعلين وهو محرم]
211- قَالَ سُفْيَانُ: ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل
الكعبين.
وَقَالَ كبير أَصْحَاب الرَّأْيِ: إن لبس الخفين فقطعهما أَوْ لم يقطعهما
فعَلَيْهِ دم وكذَلِكَ إن لبس السراويل وَهُوَ لَا يجد الإزارا فعَلَيْهِ
دم
(1/411)
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا لم يجد النعلين
فليلبس الخفين ولا يقطعهما. واحتج بحَدِيْث ابْن عَبَّاس.
وهكَذَا قَوْل عَطَاء أيضا لِأَنَّ قطعه فساد.
وروي عَنِ ابْنِ جريج قَالَ: قلت لعَطَاء: أبلغك أَنَّهُ قطعهما حَتَّى
يكونا من أسفل الكعبين؟ قَالَ: لم يبلغني
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ والْحُمَيْدِيُّ بحَدِيْث ابْن عمر: إِذَا لم يجد
نعلين لبس الخفين وليقطعهما حَتَّى يكونا أسفل من الكعبين.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إن ابْن عُمَر قد روى ذَلِكَ مثل ما روى ابْن
عَبَّاس وزاد شيئا فِي الْحَدِيْث لم يذكره [60/أ] ابْن عَبَّاس
(1/412)
[إذا لبس المحرم ثوبًا ناسيًا]
212- قَالَ سُفْيَانُ: وإن لبس رجل ثوبا ناسيا فلَيْسَ عَلَيْهِ كفارة
إِذَا كَانَ قد لبسه ناسياوإِذَاحلق ناسيا أَوْ متعمدا فعَلَيْهِ الكفارة
وإِذَاتطيب ناسيا فعَلَيْهِ كفارة جاهلا كَانَ أَوْ متعمدا.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: فِي هَذَا كله عَلَيْهِ الكفارة ناسيا فعله
أَوْ متعمدا
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحُمَيْدِيُّ: إن لبس
أَوْ تطيب
ناسيا فلا شَيْء عَلَيْهِ وأن فعل ذَلِكَ عمدا فعَلَيْهِ الكفارة وإن حلق
ناسيا أَوْ عمدا فعَلَيْهِ الكفارة.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: هَذَا كله لَا كفارة عَلَيْهِ إِذَا فعله ناسيا
وعَلَيْهِ فِي العمد الكفارة
(1/413)
[إذا مات المحرم]
213- وقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا مَاتَ المحرم بلغنا أن عَائِشَة وابن عُمَر
كانا يقولان: يصنع بِهِ كما يصنع بالحلال يكفن ويطيب ويغطى وجهه ورأسه.
قَالَ سُفْيَانُ: بلغنا من حَدِيْث ابْن عَبَّاس ان النَّبِيّ عَلَيْهِ
السَّلَام سئل عَن رجل وَهُوَ محرم فقال: لَا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبا".
وقول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلينا أن يفعل.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يفعل بِهِ ما يفعل بالحلال سواء.
(1/414)
[ما يحل للمحرم قتله]
214- قَالَ سُفْيَانُ: المحرم يقتل الحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب
والكلب العقور وما عدا عَلَيْك من السباع فاقتله ولَيْسَ عَلَيْك الكفارة.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: الكلب العقور كُلّ ما عقر الناس وعدا عليهم
مثل الأسود-أَوْ: الأسد، الشك من أبي الْفَضْل-والنمر والفهد والذئب فَهُوَ
مثل الكلب. وأما ما كَانَ من السباع لَا يعدو مثل الضبع والثعلب والهرة وما
أشبههن من السباع فلا يقتله المحرم فإن قتله فداه.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: الذئب مثل الكلب فأما ما سِوَى ذَلِكَ فكل ما
لم يؤذ فقتلته فعَلَيْك بِهِ الفدية ولا يجاوز بِهِ دم وما آذاك من ذَلِكَ
فقتلته فلا شَيْء عليك.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: وما ضر من الطير فلا تقتله إِلَّا ما سمى
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغراب والحدأة
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يقتل المحرم من الطير شيئا لم يبتدأه
بأذى إِلَّا الغراب والحدأة فأما العقاب ونحوه فإن أراد الإنسان وَهُوَ
محرم يقتله فلا شَيْء عَلَيْهِ وإن ابتدأ المحرم فقتلهقققق
(1/415)
فعَلَيْهِ الجزاء.
[الإهلال فيغَيْر أشهر الحج]
215- قَالَ سُفْيَانُ: يكره للرجل أن يهل فِيغَيْر أشهر الحج فإن أَهَلَّ
فَهُوَ عَلَى إحرامه حَتَّى يقضي الحج.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ عَطَاء فِي رجل أَهَلَّ بالحج فِيغَيْر أشهر الحج: يكون إحرامه
للعمرة ولايكون للحج.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وإِسْحَاقُ.
(1/416)
[إذا أصاب المحرم الصيد]
216- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أصاب الرَّجُل الصيد يحكم عَلَيْهِ ذوا عدل ما
يعدله من النعم ونحوه حكما عَلَيْهِ فإن بلغ جزورا فجزور وإن بلغ بقرة
فبقرة وإن بلغ شاة فشاة وإن حكموا عَلَيْهِ ولا يجد قوموا عَلَيْهِ ثمنه
طعاما فتصدق وإن لم يجد ما يذبح ولا يطعم صام م كَانَ كُلّ نصف صاع يوما.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: ما أصاب المحرم من ذوات الصيد جزي بأقرب الأزواج
الثمانية من النعم منه شبها.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد.
وَهُوَ قَوْل أَهْل الْمَدِيْنَةِ.
قققققققق
(1/417)
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا أصاب
المحرم الصيد حكم عَلَيْهِ وأعدل بقيمة الصيد فِي الموضع الذي أصيب الصيد
فإن بلغ قيمة الصيد هديا اشترى بِهِ هديا وأهداه ولا يكون الهدي عندهم
إِلَّا ما يجوز فِي الأضحية.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: هو مخير فِي جزاء الصيد لقول الله عز وجل: {هَدْياً
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ
صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [المائدة: 95} [61/ب] واحتج بحَدِيْث
كعب بْن عجرة أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عَلَيْهِ وسلم خيره فِي أن يكفر
بأي الكفارات شاء فِي فدية الأذى
(1/418)
وفرق مَالك وأَهْل الْمَدِيْنَة
والشَّافِعِيّ بين فدية الرأس وجزاء الصيد فِي الإطعام فقَالُوْا فِي جزاء
الصيد: لكل مسكين مدا إِذَا أطعم وإن صام صام م كَانَ كُلّ مد يوما.
وَقَالُوا فِي الفدية: عَلَى حَدِيْث كعب بْن عجرة يطعم كُلّ مسكين نصف
صاع.
[إذا لم يجد المتمتع ما يذبح]
217- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا لم يجد المتمتع ما يذبح ولم يصم فإن الدم
أَحَبُّ إِلَيَّ ومنهم من يرخص يَقُوْل يصوم بَعْد أيام التشريق.
قَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة وأَحْمَد وإِسْحَاق: يصوم أيام التشريق
إِذَا لم يصم قبل ذَلِكَ.
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل بهَذَا ثُمَّ رجع عنه فقَالَ نحو قَوْل
سُفْيَان.
ويروى قَوْل مَالك عن
(1/419)
ابن عُمَر وعَائِشَة، وقول سُفْيَان
والشَّافِعِيّ عَنِ ابْنِ عَبَّاس.
ويروى من حَدِيْث الحجاج بْن أرطاة.
[زواج المحرم]
218- وقَالَ سُفْيَانُ: والمحرم يتزوج ولا يدخل بامرأته.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ:
لَيْسَ للمحرم أن يتزوج فإن فعل فنكاحه فاسد.
وذهبوا إِلَى حَدِيْث [62/أ] عثمان عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ المحرم لَا ينكح ولا
(1/420)
ينكح".
ويروى عَن عُمَر [من] قوله.
و [عن] علي وزيد بْن ثابت
وابن عُمَر أَنَّهُم قَالُوْا: لَا يتزوج المحرم.
[حج الْمَرْأَة معغَيْر محرم]
219- واخْتَلَفُوْا فِي الْمَرْأَة هل لها أن تحج مَعَغَيْر ذي رحم محرم؟
فقَالَ أَصْحَاب الرَّأْيِ: لَيْسَ لها أن تحج إِلَّا مَعَ محرم.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا كَانَ الحج واجبا عليها فإنها تحج مَعَغَيْر
ذي محرم إِذَا كان
(1/421)
معها نسوة ثقات.
وكذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ.
واحتج أَحْمَد بحَدِيْث النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
تسافر الْمَرْأَة إِلَّا مَعَ ذي محرم".
فقِيْلَ له: قَالَ الله تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل
عمران: 97} قَالَ: المحرم من السبيل
وَقَالَ الذين رخصوا فيه-الشَّافِعِيّ وإِسْحَاق-: إنما نهى النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَة عَن السفر فِي التطوع من
الأسفار خاصة.
وقول أَحْمَد أَحَبُّ إِلَيَّ.
بَاب الجراحات
[مقدار الدية]
220- قَالَ سُفْيَان: بلغنا أن عمربن الخطاب جعل الدية عَلَى أَهْل الورق
عشرة آلاف وعَلَى أَهْل الذهب ألف دينار وَعَلَى أَهْل الإبل مائة من
الإبل، وَهُوَ قَوْل أصحاب الرَّأْي.
وروى أَهْل الْمَدِيْنَة عَن عُمَر أَنَّهُ فرض الدية عَلَى أَهْل الورق
(1/422)
اثنى عشر ألف درهم وَقَالُوْا به.
وكذلك قَالَ أحمد وإِسْحَاق.
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل بِهِ ثُمَّ رجع عنه بعد.
قال: وأصل الدية مائة من الإبل عَلَى ما حكم بِهِ النبي صلى الله عَلَيْهِ
وسلم قال: إِذَا لم توجد قومت فِي كُلّ زمان؛ لِأَنَّ عُمَر إنماحكم
بالقيمة فلذلك اخْتَلَفَحكمه فِي القضاء.
(1/423)
[أنواع القتل]
221- قَالَ سُفْيَان: والخطأ فيما سمعنا أن يريد الشيء فيصيب غيره.
وشبه العمد: أن يضرب بالعصا وبالحجر وبالقصبة وبيديه فيموت، فيكون ديته
مغلظة ولَيْسَ فيه القود.
والعمد: ما كَانَ فيه سلاح ففيه القود.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: لَيْسَ القتل إِلَّا خطأ أو عمدًا، فالخطأ
يريد الشيء فيصيب غيره، والعمد: كلما ضربت رجلا بسلاح أو غيره عمدًا فمات
منه فَهُوَ عمد ففيه القود، ولم يقولوا: شبه العمد.
ووافقهم عَلَى هَذَا أبوثور.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: القتل عَلَى ثلاثة وجوه:
خطأ
وعمد
وشبه العمد
فالخطأ يريد الشيء فيصيب غيره، والعمد: أن يضرب الرَّجُل بحديد أو بما يعمل
عمل الحديد أو يضربه بعصا خفيفة، أو بسوط [63/أ] خفيف تتابع
(1/424)
عَلَيْهِ الضرب حَتَّى يصير بحال الأغلب
منه أن يموت من مثل ذلك الضرب. وشبه العمد: أن يضرب بعصا أو بحجر أوغَيْر
ذلك مما الأغلب منه أن لَا يقتل مثله فيحدث منه الموت، فهَذَا شبه العمد،
وقَوْل أحمد وإِسْحَاق خيرمن هَذَا.
[دية الخطأ وشبه العمد]
222-فأما الخطأ فالدية فيه عَلَى العاقلة لَا خلاف فِي ذلك ولاقود فيه،
وكذلك شبه العمد.
[الواجب فِي العمد]
223- وأما العمد فإن الشَّافِعِيّ، وأحمد وإِسْحَاق قَالُوْا: ولي المقتول
عمدًا بالخيار إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية
(1/425)
وإن شاء عفا، وبذلك جاء الخبر عَن النبي
صلّى الله عَلَيْهِ وسلم، رواه أبوهريرة وأبوشريح الخزاعي.
وَقَالَ أصحاب الرَّأْي: لَيْسَ لولي المقتول عمدًا إِلَّا القود والعفو
ولَيْسَ له أخذ الدية إِلَّا أن يصالحهم عَلَى ذلك القاتل فيتراضيان عليه.
(1/426)
[القصاص بين الرَّجُل والْمَرْأَة فيما دون
النفس]
224-قَالَ سُفْيَانُ: ما كَانَ بين الرَّجُل والْمَرْأَة كَانَ فيه القصاص
من جراحة وقتل.
وجراحة الْمَرْأَة وديتها عَلَى النصف من دية الرَّجُل وكذلك يَقُوْل مَالك
والشَّافِعِيّ وأحمد وأبوعُبَيْدة وأبوثور.
وَقَالَ أصحاب الرَّأْي: لَا قصاص بين الرَّجُل [63/ب] والْمَرْأَة فيما
دون النفس، وإن قتل أحدهما صاحبه قتل به.
(1/427)
[دية جراح المرأة]
225-قَالَ سُفْيَان: جراح الْمَرْأَة وديتها عَلَى النصف من جراحة الرَّجُل
ما كَانَ خطأ، وكذلك [قال] أصحاب الرَّأْي: عقلها عَلَى النصف من عقل
الرَّجُل فِي كُلّ شَيْء.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: يستوي عقل الرَّجُل والْمَرْأَة إِلَى ثلث
الدية، فَإِذَابلغ الثلث فصاعدًا فديتها عَلَى النصف من دية الرَّجُل.
روي ذلك عَن زيد بْن ثابت، وقَالَ بهَذَا أحمد بْن حَنْبَلٍ.
(1/428)
[دية العبد]
226- قَالَ سُفْيَان: والعبد لايبلغ بِهِ دية الحر إِذَا قتل خطأ ينقص منه
الدِّرْهَم ونحوه، وهو قَوْل أصحاب الرَّأْي إِلَّا أَنَّهُم قَالُوْا:
ينقص عشرة دراهم.
وَقَالَ مَالِكٌ والشَّافِعِيّ وأحمد وإِسْحَاق وأبوثور: دية العبد قيمته
بالغا ما بلغ أكثر من الدية أو أقل لأنهم أجمعوا عَلَى أن ديته قيمته إِذَا
كانت أكثر؛ لِأَنَّ ديته لَيْسَت بموقتة كدية الحر إنما هي قيمته لأنه مال
من الأموال.
[ديةغَيْر المسلم]
227- قَالَ سُفْيَان: ودية الْيَهُوْدِيّ والنَّصْرَانِيّ والمجوسي مثل دية
المسلم، ولَا يقتل مسلم بكافر، ولكن أحب أن يؤخذ بالدية ويضرب ويحبس.
(1/429)
[64/أ] وَقَالَ أصحاب الرَّأْي فِي دية
أَهْل الذمة مثل قَوْل سُفْيَان.
وقَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة: دية الْيَهُوْدِيّ والنَّصْرَانِيّ
عَلَى النصف من دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة.
وكذلك قَالَ أحمد.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دية الْيَهُوْدِيّ والنَّصْرَانِيّ ثلث دية المسلم،
ودية المجوسي ثمانمائة، وكذلك قَالَ إِسْحَاق وأبوثور وذهبوا إِلَى حديث
عُمَر وعثمان أَنَّهُما حكما بذلك.
واحتج أحمد بحديث عَمْروبن شعيب عَن أبيه عَن جده أن النبي صلّى الله
عَلَيْهِ وسلم" جعل دية الْيَهُوْدِيّ والنَّصْرَانِيّ عَلَى النصف من
(1/430)
دية المسلم".
[قتل المسلم بالكافر]
228- وأما قتل المسلم بالكافر فإن مَالكًا وأَهْلَ الْمَدِيْنَة
والشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبَاعُبَيْدٍ وَغَيْرَهُمْ
وَافَقُوْا سُفْيَانَ، قَالُوْا: لايقتل المسلم بالكافر.
وأما أصحاب الرَّأْي فقَالُوْا: يقتل المسلم بالكافر، واحتجوا بظاهر
القرآن: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: 45}
وبقوله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً
[الإسراء: 33} واحتجوا بحديث
(1/431)
ابن البيلماني [وَهُوَ] منقطع: أن النبي
صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم أقاد مسلمًا بكافر، ولايصح هَذَا.
[في القسامة]
229- قَالَ سُفْيَان: فِي القسامة يحلفون خمسين رجلا، يحلف كُلّ واحد منهم:
ما قتلت ولَا علمت قاتلا" ثُمَّ يغرمون [64/ب] الدية وإن لم يبلغوا خمسين
وكانوا عشرة أو عشرين ردت عليهم الأيمان حَتَّى يتموا خمسين.
وَهُوَ قَوْل أصحاب
(1/432)
الرأي.
وَقَالَ مَالِكٌ: الأمر المجتمع عَلَيْهِ عندنا أن يبدأ الذين يدعون الدم
فِي القسامة فيحلف من ولاة الدم خمسون رجلًا خمسين يمينًا، فإن قل عددهم أو
نكل بعضهم ردت الأيمان إِلَّا أن ينكل أحدهم من ولاة الدم الذين يجوز لهم
العفو.
فإن كَانَ من غيرهم ردت الأيمان عليهم، فَإِذَاحكموا استحقوا دم صاحبهم وإن
نكل بعض الولاة ردت الأيمان عَلَى المدعى عليهم فيحلف خمسون رجلا يمينًا
يمينًا فإن لم يتموا ردت الأيمان عَلَى من حلف، فإن لم يكن إِلَّا المدعى
عَلَيْهِ وحده حلف خمسون (؟) يمينًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ للأولياء أن يحلفوا إِلَّا بأحد الأمرين: أن
يَقُوْل المقتول: دمي عِنْدَ فلان أو يأتي الأولياء باللوث من بينة يقع
عَلَى القلب وإن لم يكن قاطعًا.
(1/433)
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يكون القسامة إِلَّا
عَلَى واحد.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي القسامة: إِذَاكَانَ مثل السبب الذي حكم [فيه]
رَسُوْل اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم بالقسامة حكمنا بِهَا وحكمنا فيها
بالدية عَلَى المدعى عليهم [65/أ] فَإِذَالم يكن مثل ذلك السبب لم نحكم
بها.
فإن قَالَ القائل: وما السبب الذي حكم فيه رَسُوْل اللهِ صلّى الله
عَلَيْهِ وسلّم؟
قِيْلَ: كانت دار يهود التي قتل بِهَا عَبْد اللهِ بْن سهل محضة لايخلطهم
غيرهم، وكانت العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة، وخرج عَبْد اللهِ بْن سهل
بَعْد الْعَصْرَ فوجد قتيلًا قبل الليل وكاد أن يغلب عَلَى من عاهد أن لم
يقتله إِلَّا بعض يهود، فَإِذَاكانت دار قوم مجتمعة لَا يخلطهم غيرهم
وكانوا أعداء للمقتول أو لقبيلته ووجد المقتول فيهم فادعى أولياؤه قتله
فلهم القسامة، فَإِذَاأقسموا أوجب الدية، وسواء فِي قوله ادعى عَلَى كُلّ
واحد أو عَلَى جماعة بَعْد أن تكون الْجَمَاعَةممن يمكن أن يكونوا قد
اشتركوا فِي قتله، فإن نكل المدعون عَن اليمين
(1/434)
ردت الأيمان عَلَى المدعى عليهم، فإن حلفوا
برؤوا، ولم يحكم عليهم بدية ولَا غيرها.
وَقَالَ أحمد مثل قَوْل الشَّافِعِيّ: إن القسامة لَا يحكم بِهَا حَتَّى
يكون مثل السبب الذي حكم فيها (؟) النبي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم إِلَّا
أَنَّهُ قال: إِذَاأقسم الأولياء عَلَى رجل أَنَّهُ قتل صاحبهم قتل بِهِ
قودًا، نحو قَوْل مَالك.
قال: والقسامة: عِنْدَ أَهْل الكوفة: أن [65/ب] يوجد القتيل فِي محلة فيحلف
من أَهْلها خمسون رجلًا ما قتلوا ولاعلموا قاتلًا، ثُمَّ يغرمون الدية، فإن
لم يحلفوا حبسوا حَتَّى يقروا فيُقتلوا أو يحلفو فيغرموا الدية.
وروي نحو هَذَا عَن عُمَر بْن الخطاب.
وأما ما ذهب إِلَيْهِ مَالك والشَّافِعِيّ [فهم] ذهبوا إِلَى حديث سهل بْن
أبي خيثمة ورافع بْن خديج
(1/435)
[إِذَاعفا بعض الورثة]
230- قَالَ سُفْيَان: وإِذَاقتل رجل عمدًا فأخذ قاتله فعفا بعض الورثة لم
يقتل وترفع عنه حصة الذي عفا، ويؤخذ للبقية الدية من مال القاتل.
وكذلك قَالَ أصحاب الرَّأْي.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأحمد وإِسْحَاق.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ للرجل ابنان فعفا أحدهما عَن القود فللآخر أن
يقتل. قَالُوْا: وإن كانوا بنين وبنات فعفا البنات
(1/436)
فللبنين أن يقتلوا وإن عفا البنون فعفوهم
جائز، لَيْسَ للنساء فِي العفو شَيْء.
[دية عين الأعور]
231- قَالَ سُفْيَان: والأعور إن فقئت عينه- يعني خطأ-فإنما له نصف الدية
أو فقأ عين رجل عمدًا فقئت عينه: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة: 45} .
وكذلك قَوْل أصحاب الرَّأْي.
وكذلك [66/أ] قول الشَّافِعِيّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: إِذَافقئت عين الأعور خطأ ففيها
الدية كاملة.
وكذلك قَالَ إِسْحَاق وأحمد وأبوثور.
يروى ذلك عَن عمربن الخطاب، وعثمان بْن عفان وزيد بْن ثابت وابن عمر.
(1/437)
[الأعور فقأ عين صحيح]
232- وَقَالَ أحمد فِي أعور فقأ عين صحيح: لَا يستقاد منه وعَلَيْهِ الدية
كاملة، وهكَذَا يروى عَن عثمان بْن عفان، وإن كَانَ خطأ فعَلَيْهِ نصف
الدية، وإن فقأ صحيح عين أعور خطأ ففيه الدية كاملة، وإن كَانَ عمدًا فأحب
الأعور أن يستقيد من إحدى عيني الصحيح فله نصف الدية، وإن أحب أن يأخذ
الدية كاملة فله الدية كاملة، ويروى نحو هَذَا عَن علي بْن أبي طالب
أَنَّهُ مخير.
(1/438)
كتاب الزكاة
[زكاة الحلي]
233- قَالَ سُفْيَانُ: فِي حلي الذهب والفضة زكاة إِذَا بلغ مائتي درهم
أَوْ عشرين مثقالا.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: لَيْسَ فِي حلي الذهب والفضة
زكاة.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق.
وكان
(1/439)
الشَّافِعِيّ يَقُوْل بِهِ ثُمَّ توقف عنه.
[حكم الزائد عَلَى النصاب]
234- وقَالَ سُفْيَانُ: ما زاد عَلَى عشرين مثقالا [66/ب] فزكه وما زاد
عَلَى الأربعين مثقالا فزكه بحسابه.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وأما كبيرهم فقال: لَيْسَ فيما زاد عَلَى المِائَتَيْن حَتَّى يبلغ أربعين
درهما.
وَقَالَ فِي الذهب: حَتَّى يبلغ أربعة وعشرين مثقالا.
روي هَذَا الْقَوْل عَن عُمَر بْن الخطاب وعن الْحَسَن والشعبي وطَاوُس
وعَطَاء وعَمْرو بْن دينار والزُّهْرِيِّ.
(1/440)
وَقَالَ مَالِكٌ والشَّافِعِيّ وأَحْمَد
وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ مثل قَوْل سُفْيَان.
ومازاد فبالحساب.
يروى ذَلِكَ عَن علي بْن أبي طالب وابن عمر.
[في صدقة الفطر]
[صدقة الفطر عن عبيد التجارة]
235- قَالَ سُفْيَانُ: فِي الْعَبِيْد إِذَا كانوا للتجارة لم يطعم عنهم
صدقة الفطر لِأَنَّ فيهم الزكاة.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
(1/441)
وَإِسْحَاقُ: يطعم عنهم صدقة الفطر-للتجارة
كانوا أم لغيرها- لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر
أن يطعم عَن الْعَبِيْد ولم يخص بعضا دون بعض.
[صدقة الفطر عن عبده الذمي]
236- قَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يطعم عَن عَبِيْدِهِ اليهود
والنصارى.
ووافقهم إِسْحَاق.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا
يطعم عَن عَبِيْدِهِ اليهود والنصارى.
(1/442)
وروى مَالك عَن نافع [67/أ] عَنِ ابْنِ
عُمَر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض صدقة الفطر
عَلَى كُلّ صغير وكبير ذكر وأنثى حر أَوْ عبد من المسلمين صاعا من تمر أَوْ
صاعا من شعير ورواه الضحاك بْن عثمان.
[رجل يشتري صدقته]
قَالَ سُفْيَانُ: فِي الصدقة لَا تبتاع بِهَا نسيئة تجر ولاءها.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
(1/443)
وعن ابْن عَبَّاس والْحَسَن أَنَّهُما
قَالَا: لَا بَأْسَ أن تشتري الرقبة من الزكاة وتعتقها.
وبه قَالَ أَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ.
قَالَ الْحَسَنُ: إن ورث منها شيئا جعله فِي الرقاب.
وكذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ لِأَنَّ يعطي فِي الحج. وَقَالَ: يعطي أقرباءه
ممن لا
يعول إِذَا لم يكن يدفع بِهِ عَن نفسه مذمة ولم يق بِهَا ماله.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إن رجع إِلَيْهِ ميراثه بالولاء فَهُوَ له حلال
ولَيْسَ له أن يصرفه فِي شَيْء.
(1/444)
[الزكاة لذي رحم]
238- قَالَ سُفْيَانُ: لَا تدفع من زكاتك إِلَى من تجبر عَلَيْهِ من
أرحامك.
وكذَلِكَ قَالَ أَهْل الْمَدِيْنَة.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ؛ وأَبُوْعُبَيْدٍ لَا يَرَى أن يجبر
الرَّجُل إِلَّا عَلَى نفقة الوالدين والولد والزوجة والمملوكين.
قَالَ: وكل من سِوَى هَذَا فلَا بَأْسَ أن يعطيهم من الزكاة.
وكذَلِكَ قَالَ أَهْل الْمَدِيْنَة ومَالك فِي [67/ب] الإجبار.
وأما سُفْيَان فقوله: يجبر كُلّ وارث عَلَى النفقة: {وَعَلَى الْوَارِثِ
مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة: 233} .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يجبر الرَّجُل عَلَى نفقة كُلّ ذي رحم محرم
وَقَالُوْا: لَا بَأْسَ أن يعطي من الزكاة كُلّ ذي رحم أجبر عَلَى نفقته
أَوْ لم يجبر إِلَّا الوالدين والولد.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ فِي الزكاة: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بأن يعطي
كُلّ ذي رحم إلا
(1/445)
الوالدين والولد.
وأما إعَطَاء الْمَرْأَة زوجها ففي حَدِيْث زينب امرأة عَبْد اللهِ.
وأما من قَالَ في الزوج: إنه يعطي امرأته فلَيْسَ فيه حَدِيْث.
وقد فرق أَبُوْعُبَيْدٍبين من يلزم الرَّجُل نفقته وبين من لَا يلزم
نفقتـ[ـه] .
وقد ذهب قوم إِلَى أن يعطي من الزكاة كُلّ إنسان-الوالدين والولد وغيرهم،
قَالُوْا: لِأَنَّ الله عز وجل قَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60} . ولم يخص أحد دون أحد.
[إخراج الزكاة من بلد المزكي]
239- قَالَ سُفْيَانُ: ولا تخرج بِهَا من مصرك إِلَّا أن لَا تجد من تعطيه.
وقد كَانَ يستحب أن تضعها فِي قرابتك،
(1/446)
قَالَ الْحَسَنُ وإِبْرَاهِيْم: لَا تخرجها
من مصر إِلَّا إِلَى قرابة.
وهَذَا أحب إِلَى أبي عَبْد اللهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ-وسئل عَن رجل له قرابة محتاجون فِيغَيْر بلده الذي فيه
ترى أن يؤخذ إليهم من زكاة ماله؟ -: قَالَ: لا.
[الفقير الذي يستحق الزكاة]
قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا كَانَ للرجل خمسون درهما فلا يأخذ من الزكاة ولا
يدفع من الزكاة إِلَيْهِ أكثر من خمسين درهما إِلَّا أن يكون غارما دفع
إِلَيْهِ قدر دينه ثُمَّ أعطاه بَعْد ذَلِكَ خمسين درهمالا يزيده.
وكذَلِكَ قَالَ ابْن الْمُبَارَك.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ.
ذهبوا إِلَى حَدِيْث ابْن مسعود عن
(1/447)
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من سأل وله ما يغنيه.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يعطى من له مائتا درهم فصاعدا ومن كَانَ
له أقل من مائتي درهم فلَا بَأْسَ.
ويحكى عَن مَالك أَنَّهُ قَالَ: لا يعطى من له أربعون درهما، وذهب إِلَى
الْحَدِيْث الذي رواه عَن زيد بْن أسلم عَن عَطَاء بْن يسار عَن رجل من بني
أسد أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: من سأل وله أوقية فقد
ألحف.
وقد روي عَن مَالك خلاف هَذَا أَنَّهُ كَانَ لَا يوقت.
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق: لَا يعطى من له أربعون درهما.
وكَانَ الشَّافِعِيّ لَا يوقت فيه كم يعطي ومن يعطي، يَقُوْلُ: عَلَى قدر
ما يعرف الناس من حاجة الناس وغناه.
(1/448)
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ:
إِذَا كَانَ الرَّجُل فقيرا فلك أن تعطيه جملة من الزكاة كم شئت [68/ب] ولا
وقت فِي ذَلِكَ. وَقَالَا: إنما التحديد لمن يكون عنده. وكَانَ إِسْحَاق
يستشنع هَذَا الْقَوْلَ.
وأَحْمَد أيضا يكره وَقَالَ بقولِ سُفْيَانَ.
وأَصْحَاب الرَّأْيِ قَالُوْا: فِي المائتين زكاة، ذهبوا إِلَى ما تجب فيه
الزكاة
وَقَالُوْا: يعطي مائتي درهم إِلَّا درهم ولا يعطي مائتي درهم.
[إخراج العروض عن الزكاة]
241-وقَالَ سُفْيَانُ: والعروض تجزئ أن تعطيها عَن زكاة مَالك إِذَا كانت
قيمته ذَلِكَ، وإن تعطيهاعلى وجهها أحب إلي.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَهُوَ قَوْل أَحْمَدوأبي عُبَيْد
وإِسْحَاقَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ
(1/449)
والشَّافِعِيُّ: لَا تجزيه أن يعطي القيمة
وعَلَيْهِ أن يخرج ماوجب عَلَيْهِ بعينه
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والقياس الصحيح هَذَا.
[زكاة مال اليتيم]
قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا كَانَ عِنْدَ رجل مال يتيم فقد بلغنا أن عُمَر
وعليا وعَائِشَة كانوا يزكون مال اليتيم.
قَالَ سُفْيَانُ: وَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يحفظ ما مر
عَلَيْهِ من السنين، وكم فيه؟. فَإِذَابلغ اليتيم فادفع إِلَيْهِ ماله
وأعلمه ما حل فيه من الزكاة فإن شاء زكاه وإن شاء ترك.
(1/450)
وروي عَن ليث عَن مجاهد عَن عَبْد اللهِ
بْن مسعود مثل هَذَا.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وأَحْمَد والشَّافِعِيّ وإِسْحَاق
وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ: [69أ] الزكاة واجبة فِي مال اليتيم،
وَعَلَى الوصي أن يزكي ماله كُلّ عام.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا زكاة فِي مال اليتيم إِلَّا مما أخرجت
أرضه خاصة. واحتجوا بأن القلم قد رفع عَن اليتيم، ولا تجب عَلَيْهِ
الصَّلَاة. فكذَلِكَ لَا تجب عَلَيْهِ الزكاة.
وَقَالُوْا: فيما أخرجت الأرض فيه الزكاة.
فناقضوا قولهم. قَالُوْا: الفرق بين ما أخرجت الأرض أن الذمي يؤخذ مما
أخرجت أرضه العشر وكذَلِكَ المكاتب.
(1/451)
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: والْقَوْل
عِنْدِيْ ما قَالَ-يعني-مَالكًا والشَّافِعِيَّ.
[الزكاة في مال المملوك]
243- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا كَانَ للرجل مملوك له مَال فليزك السيد مال
مملوكه وينبغي للمملوك أن لَا يكتم سيده ماله.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ والشافعي وإِسْحَاق.
يروى ذَلِكَ عَن عُمَر بْن الخطاب
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَأَحْمَدُ وَأَبُوْعُبَيْدٍ:
لَيْسَ عَلَى المملوك فِي ماله زكاة، ولا عَلَى السيد أن يؤدي من مال
مملوكه الزكاة.
ويروى هَذَا عَن جابر وابن عمر.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: الزكاة فِي مال المملوك واجبة عَلَى المملوك لَا
عَلَى سيده -إن كَانَ المملوك مسلما- فإن كان
(1/452)
يهوديا أَوْ نصرانيا فلا زكاة عَلَيْهِ ولا
عَلَى السيد فيما فِي يده.
وذهب إِلَى حَدِيْث ابْن عمر. ورواه [69/ب] أَنَس عَن ابْن سِيْرِيْنَ
قَالَ: سألتُ ابنَ عُمَرَ عَن زكاة مال المملوك فقال: أمسلم هو؟ قُلْتُ:
نعم. قَالَ: فإن عَلَيْهِ فِي كُلّ مائتي درهمٍ، خمسةُ دراهم.
[زكاة الدين]
244- قَالَ سُفْيَانُ: وإن كَانَ لك دين فلَيْسَ عَلَيْك أن تزكيه حَتَّى
تقبضه وإن كَانَ عِنْدَ مليء إِلَّا أن تشاء.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وقول أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ.
(1/453)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: فِي الدين إِذَا
كَانَ عِنْدَ مليء فإن كَانَ حالا وقد حال عَلَيْهِ الحول فَإِذَاكَانَ
يقدر عَلَى أخذه منه فتركه فعَلَيْهِ فيه الزكاة وهَذَا كمالٍ له وديعة فِي
يدي رجل فعَلَيْهِ أن يزكيه إِذَا كَانَ قادرا عَلَيْهِ فإن كَانَ لَا يدري
لعله سيفلس لديه فعَلَيْهِ إِذَا كَانَ حاضرا طلب منه بألح ما يقدر عليه.
فإذا
نض فِي يده فعَلَيْهِ الزكاة لما مضى فِي يده من السنين، فإن تلف قبل أن
يقبضه فلا زكاة عَلَيْهِ فيه. وهكَذَا إِذَا كَانَ صاحب الدين متغيبا.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ نحو قَوْل الشَّافِعِيّ وإِسْحَاق.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى رب الدين إِذَا قبضه-وإن كان
(1/454)
مكث غائبا سنين- إِلَّا زكاة سنة واحدة.
قَالَ: وذَلِكَ أَنَّهُ لم يكن عَلَيْهِ أن يزكي من مال سِوَاهُ.
وقِيْلَ لأَحْمَد: قَوْل أَهْل الْمَدِيْنَةِ يزكيه لسنة؟ [70/أ]
قَالَ: ما أدري ما هَذَا؟
قِيْلَ: فما وجهه؟
قَالَ: لَيْسَ له عِنْدِيْ معنى.
ثم قَالَ: إما أن يكون عَلَيْهِ الزكاة فيزكي لما مضى أَوْ لَا يكون
عَلَيْهِ زكاة فلا يزكي شيئا ولا لسنة.
وقد كَانَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى وحماد بْن أبي سليمان يقولان: زكاة الدين
عَلَى الذي عَلَيْهِ الدين.
ويروى عَنغَيْر واحد من التابعين أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الدين زكاة.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: يعجبني قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِيْ عُبَيْدٍ
وَإِسْحَاقَ.
يروى قولهم عَن عُمَر بْن الخطاب وعثمان وابن عُمَر وجابر رضي الله عنهم.
(1/455)
[تعجيل الزكاة]
245- قَالَ سُفْيَانُ: وكَانَ بعض الفقهاء لَا يَرَى بأسا أن تعجل الزكاة
قبل حلها، وأحب أن لَا يعجلها
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ بتعجيلها.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ وأَبُوْعُبَيْدٍ.
ذهبوا إِلَى حَدِيْث العَبَّاس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إنا تعجلناها منه عام أول.
وعنغَيْر واحد من التابعين-الْحَسَن وإِبْرَاهِيْم وسعيد بْن جبير- لم يروا
بِهِ بأسا.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: لَا يجزئ أن يعجلها.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أقول مثل قَوْل سُفْيَان يعجبني أن لا
(1/456)
يفعل فإن فعل فأرجو أن يجزيه.
[ضم القليل إلى الكثير للنصاب]
246- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا كَانَ للرجل مِائَة درهم وعشرة مثاقِيْلَ من
ذهب ضم الكثير إِلَى القليل فإن كَانَ إِذَا ضم الدَّرَاهِم إِلَى الدنانير
كانت عشرين مثقالا
ضمها إِلَى الدنانير وإن كانت الدنانير إِذَا ضمها إِلَى الدَّرَاهِم كانت
مِائَتَيْ درهم ضمها إِلَى الدَّرَاهِم فنظر أكثر ما يكون فيه زكاها عَلَى
ذَلِكَ من الحساب ضم القليل إِلَى الكثير فزكاها.
وكذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ.
وَهُوَ قَوْل كبير أَصْحَاب الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يعطي من كُلّ واحد حصته ولا يقوم أحدهما عَلَى الآخر
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تجعل الدنانير
(1/457)
كل دينار بعشرة عشرة ولا ينظر إِلَى
قيمتها.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى والْحَسَن بْن صَالِح وشَرِيْك والشَّافِعِيّ
وأَحْمَد وَأَبُوْعُبَيْدٍ: لَا يجب عَلَيْهِ فِي واحد منها صدقة حَتَّى
يبلغ كُلّ نوع منها ما تجب فيه الصدقة وذَلِكَ أن تبلغ الدَّرَاهِم
مِائَتَيْ درهم والذهب عشرين مثقالا فإن كَانَ له مائتا درهم وعشرة
مثاقِيْلَ ذهب وجبت عَلَيْهِ فِي الدَّرَاهِم الزكاة ولم تجب عَلَيْهِ فِي
الذهب حَتَّى يبلغ عشرين مثقالا.
وقَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وكذَلِكَ الْقَوْل عِنْدِيْ.
وَهُوَ قَوْل أَبِيْ ثَوْرٍ.
[إذا سُرِقَ مال الزكاة]
247- قَالَ سُفْيَانُ: وإن كَانَ عندك ألف درهم فحال عَلَيْهِ الحول فسرق
منه خمسمائة قبل أن تزكيه فما ذهب فقد ذهب وما بقي [71/أ] زكاه عَلَى حساب
ذَلِكَ. فإن كَانَ صرفه فِي شَيْء فسرق قبل أن يزكيه فَهُوَ ضامن له يزكي
الألف وإن لم يكن صرفه فِي شَيْء فسرق الجميع فلَيْسَ عَلَيْهِ زكاة
(1/458)
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مثل قَوْل
سُفْيَان؛ ذَلِكَ إِذَا لم يكن صرفه فِي شَيْء وكذَلِكَ قَالُوْا: إِذَا
صرفه فِي تجارة ثُمَّ سرق الألف فلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِلَّا أن يهبه
أَوْ يستهلكه فيكون ضامنا.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى والْحَسَن بْن أبي صَالِح وشَرِيْك: إِذَا حلت
عَلَيْهِ الزكاة فسرقت الألف سقطت عنه الزكاة إن لم يكن فرط.
والتفريط عندهم أن يمكنه أن يؤديها فلا يؤديها فَإِذَافرط فَهُوَ ضامن سرقت
بَعْد ذَلِكَ أَوْ لم تسرق.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ.
وإن سرق بعضها زكى الباقي بالحساب إِذَا لم يكن فرط.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهَذَا أصح الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي؛ ْ وبه أقول.
[زكاة المال المستفاد]
248- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا استفدت ألف درهم أَوْ مائتي درهم فما زاد من
شَيْء تكون فيه الزكاة فَكَانَ بينك وبين الحول شهر أَوْ أيام ثُمَّ أصبت
مالا يكون مِائَتَيْ درهم فما زاد عَلَى المائتين فسرق المال الْأَوَّل
الذي كَانَ عندك فَإِذَاأتى عَلَى هَذَا
(1/459)
بقية السنة من المال فزكه.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
قَالَ مَالِكٌ: كل فائدة تكون من أصل المال ونمائه فَإِنَّهُ يضمهما إِلَى
أصل مال التجارة، وربح المال إِلَى أصله ثُمَّ يزكيهما معًا وإِذَاكانت
الفائدة لَيْسَت من أصل المال للتجارة، والمواشي تتولد قبل تمام الحول،
فَإِذَاحال الحول فَإِنَّهُ يضم الأولاد إِلَى الأُمَّهَات كميراث ورثه
أَوْ هبة وهبت له فإنه
لا يضمها إِلَى أصل المال ولكنه يستأنف بِهِ حولا.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وإِسْحَاق.
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي الفائدة زكاة حَتَّى يحول
الحول عَلَيْهِ سواء كانت الفائدة من ربح المال وغيره.
وكذَلِكَ يروى عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيْزِ وعَطَاء
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ في
(1/460)
المواشي: إِذَا توالدت قبل الحول ثُمَّ حال
الحول ضم الأولاد إِلَى الأُمَّهَات وزكاهما جميعا اتباعا لحَدِيْث عُمَر
أَنَّهُ قَالَ: عد عليهم السخلة ولو أتى بِهَا الراعي يحملها عَلَى يديه.
وفرق أَبُوْعُبَيْدٍ بين المواشي وأرباح التجارة.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ.
وقَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهَذَا الْقَوْل أشبه عِنْدِيْ
(1/461)
بَاب العشور
[ما يؤخذ من أهل الحرب]
249-قَالَ [72/أ] سُفْيَانُ: كَانَ عُمَر بْن الخطاب يجعل عَلَى من مر من
المشركين من أَهْل الحرب العشر إِذَا مروا بِهِ للتجارة.
وقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا مروا بخمسين درهما أخذ منه خمسة دراهم فَإِذَاكانت
أقل من خمسين درهما لم يأخذ منها شيئًا. وإِذَامر من أَهْل الذمة أخذ منهم
من مائة درهم خمسة دراهم. فإذا كَانَ أقل من مائة لم يؤخذ منه شَيْء
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لا يؤخذ منهم شَيْء من أَهْل الحرب ولا من
أَهْل الذمة حَتَّى يبلغ ما معه مِائَتَيْ درهم فصاعدا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يأخذ من قليل ما معهم أَوْ كثير العشر من أَهْل الحرب
(1/462)
بَاب زكاة الزروع
[ماذا يزكى من الزرع؟]
250- قَالَ سُفْيَانُ: لَيْسَ فِي شَيْء من الزرع زكاة إِلَّا الحنطة
والشعير والتمر والزبيب.
وكَانَ ابْن عُمَر يَقُوْل: [و] السلت.
ولَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا زكاة حَتَّى يبلغ خمسة أوسق، والوسق فيما بلغنا
ستون صاعا.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى والْحَسَنُ بْنُ صَالِح مثل قَوْلِ سُفْيَان؛
وكَانَ يفتي بِهِ ابْن الْمُبَارَك وأَبُوْعُبَيْدٍ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ومَالك وأَصْحَاب الرَّأْيِ: تجب الزكاة فِي
القطاني كلها وهي صنوف [72/ب] الحبوب: العدس والحمص والأرز وما أشبه
ذَلِكَ.
(1/463)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: ماجمع أن يزرعه
الأدميون وييبس ويدخر ويقتات مأكولا خبزا أَوْ سويقا أَوْ طحينا ففيها
الصدقة.
وكذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ.
وَقَالَ شيخ أَصْحَاب الرَّأْيِ: الزكاة فِي كُلّ ما أخرجت الأرض من قليل
أَوْ كثير إِلَّا الحطب والقصب والحشيش.
[نصاب الزكاة في الزرع]
251- وَقَالَ سائر العلماء: لَا زكاة فيما وجبت الزكاة مما أخرجت الأرض
حَتَّى يبلغ خمسة أوسق، [وبه قال] ابْن المبارك والشافعي، وأحمد وأبوعبيد
وإسحاق.
(1/464)
وقد رجع بعض أَصْحَاب الرَّأْيِ إِلَى
هَذَا الْقَوْل بعدما كَانَ يَقُوْل بالْقَوْل الأول.
[الزكاة في الفواكه والبقول]
252- وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَس: الذي لَا اختلاف فيه عندنا لَيْسَ فِي
شَيْء من الفواكه كلها [73/أ] من الرمان والفرسك والتين وما أشبهه وما لم
يشبه إِذَا كَانَ من الفواكه ولا فِي البقول صدقة.
وكذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ والْأَوْزَاعِيّ وابْن أَبِيْ لَيْلَى
والشَّافِعِيّ وأَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق.
(1/465)
[ضم الحبوب بعضها إلى بعض]
253- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا بلغ كُلّ نوع من هَذِهِ خمسة أوسق عَلَى حدة
ففيه الصدقة فَإِذَاكَانَ دون خمسة أوسق فلَيْسَ فيه شَيْء. ولا يجمع
الشعير مَعَ الحنطة ولا الشعير والحنطة مَعَ الزبيب ولكن إِذَا بلغ كُلّ
نوع منه عَلَى حدة ففيه الصدقة.
والصاع هو قفيز الحجاج.
وكذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وابْن أَبِيْ لَيْلَى وأَصْحَاب
الرَّأْيِ-سِوَى كبيرهم- والشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُُ وإِسْحَاقُ
وَأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ إِلَّا الصاع فإنهم يقولون بصاع النَّبِيّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يضم البر إِلَى الشعير وتضم القطاني بعضها إِلَى بعض.
والقطاني إِلَى البر والشعير.
ويروى هَذَا عَن الزُّهْرِيّ
والوسق ستون صاعا بصاع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والصاع عِنْدَ مَالك وابن أبي ذئب وأَهْلِ
(1/466)
الْمَدِيْنَةِ: خمسة أرطال وثلث رطل [73/ب]
برطل الْعِرَاق يكون منوين وثلثي رطل.
[الزكاة في العنب]
254- والعنب لَا تجب فيه الصدقة حَتَّى يبلغ خمسة أوسق وذَلِكَ ثلاث مائة
صاع يكون ثمان مائة من.
[من يزكي الزرع إذا بيع؟]
255- قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَاباع الرَّجُل نخله أَوْ عنبه أَوْ زرعه قبل أن
يحصده كانت الزكاة فِي التمر عشر التمر أَوْ نصف عشر فيما كَانَ بالدوالي.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
(1/467)
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل: إِذَا باع
الرَّجُل زرعه بألف فالعشر عَلَى مَالك الزرع. وكذَلِكَ لو وهبه له، فإن
أدرك الزرع قائما أخذ منه العشر ويرجع بِهِ المشتري عَلَى البائع لِأَنَّ
الصدقة إنما هي فِي الزرع فحيث كَانَ أخذت منه.
فإن فات الزرع فالوالي بالخيار فِي أخذ الذي استهلك الزرع ويرجع عَلَى
البائع أَوْ أخذ البائع لِأَنَّ الاستهلاك بسببه كَانَ.
ثم رجع عَن هَذَا الْقَوْل فقال: إِذَا باع الرَّجُل نخله أَوْ عنبه وقد
بدا صلاحه فالبيع مفسوخ لِأَنَّ عشرها أَوْ نصف عشرها [74/أ] للمساكين
فكأنه باع شيئا له ولغيره ولكنه يصح أن يبيعه تسعة أعشار الثمر إن كانت
تسقى بعين أَوْ كانت بعلا تسعة أعشارها، ونصف عشرها إن كانت تسقى بغرب
بَاب حد الزنا
[إقامة الحد عَلَى العبيد]
256- قَالَ سُفْيَانُ: يقيم الرَّجُل الحد عَلَى جاريته وعبده إِذَا زنيا
وليحدهما الحد دون السلطان ولا يجرد ولا يمد فِي الحد.
وكذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُُّ: يقيم الرَّجُل عَلَى عبده فِي الخمر
والزنا.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وإِسْحَاق: إِذَا زنا
(1/468)
العبد والأمة-متزوجين كانا أَوْغَيْر
متزوجين- يجلدهما سيدهما خمسين دون السلطان.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إن لم تكن محصنة جلدها السيد وإن كانت محصنة دفعها إِلَى
السلطان؛ ذهب إلى حَدِيْث أبي هريرة وزيد بْن خالد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عَن الأمة إِذَا زنت ولم تحصن؟ قَالَ: اجلدها
خمسين.
وذهب الشَّافِعِيّ وإِسْحَاق إِلَى حَدِيْث علي عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقيموا الحدود عَلَى ما ملكت أيمانكم.
وكَانَ ابْن عَبَّاس وأَهْل مكة لَا يرون أن يقيموا عَلَى الأمة حد الزنا
إِذَا زنت ولم تكن تزوجت، ويتأولون قَوْل الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ [مِنَ الْعَذَابِ [النساء: 25} قَالَ: والإحصان التزويج.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يجلد الرَّجُل
(1/469)
أمته ولا يقطع عبده إِذَا سرق وإن أبى
السلطان أن يقيم عليهما الحد. وكذَلِكَ قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يقيم عَلَى عبده وأمته سِوَى حد الزنا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: يقيم الحدود عَلَى أمته وعبده دون السلطان.
وكذَلِكَ قَوْل أَبِيْ ثَوْرٍ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
بَاب حد شارب الخمر
[إقامة الحد بالريح]
257- قَالَ سفيان: وإن وجد من رجل ريح خمر فلَيْسَ عَلَيْهِ حد حَتَّى تقوم
بينة أو يعترف أَنَّهُ شربها او يوجد سكرانا، ولكن عَلَيْهِ تعزير إذا وجد
ريحه.
والسكر: اختلاس القلب، يستقرأ، فإن أقام القِرَاءَة سئل فتكلم بما يعرف لم
يجلد، وإن خلط في القِرَاءَة أو الكلام الذي يعرفه الناس يجلد. ولَا يجلد
حَتَّى يفيق، يؤمر بِهِ إلى السجن لإغذا أفاق ضرب حق الضرب، ويستحيى.
(1/470)
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ:
كُلّ من شرب مسكرا قليلا أَوْ كثيرا أوجب عَلَيْهِ الحد سكر أَوْ لم يسكر.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: السكر عندهم خمر لحَدِيْث [75/أ]
ابْن عُمَر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كل
مسكر خمر.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: يحد إِذَا شرب المسكر إِذَا أقامت الحجة
عَلَيْهِ أَنَّهُ حرام؛ وذهبوا إِلَى حَدِيْث عُمَر إني وجدت من عُبَيْد
الله وأَصْحَابه ريح
شراب وإني سائل عنه فإن كَانَ يسكر جلدته.
قَالَ السائب: فشهدته بَعْد ذَلِكَ يجلده الحد
قَالَ الشَّافِعِيُُّ وإِسْحَاقُ: المسكر قليله وكثيره حرام ولَيْسَ بخمر
ومن شرب منه قليلا لم يحد حَتَّى يسكر.
قَالَ أَبُوْ الْفَضْلِ الشَّافِعِيّ: قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وقول أبي
ثَوْرٍ حسن.
(1/471)
[إذا فجر الصغيربالكبيرة]
258- وقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا فجر الصغير بالكبيرة فلَيْسَ عليها حد ولكنها
تعزر ولَيْسَ لها مهر إِلَّا أن تكون عذراء فيفتضها بإصبعه وإصبعه وذكره
سواء.
فإن فعل ذَلِكَ فعَلَيْهِ العقر فِي ماله.
وإِذَا فجر الكبير بالصغيرة أقيم عَلَيْهِ الحد ولم يقم عليها ولَيْسَ
عَلَيْهِ مهر لأنه إِذَا فتق الصغير الصغيرة كَانَ فِي ماله عقرها-بإصبعه
كَانَ أَوْ بذكره-.
قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: يحد الكبيرين فِي المسألتين ولَيْسَ عَلَى الصغيرين
حد.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وبه أقول.
[حكم شرب النبيذ]
259- قَالَ سُفْيَانُ: اشرب العصير ما لم يغل، وغليانه أن يقذف بالزبد
فَإِذَاغلى فَهُوَ خمر.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وإِسْحَاقُ: اشرب العصير ما لم يغل ويأتي عَلَيْهِ ثلاثة
أيام فَإِذَاأتى عَلَيْهِ ثلاثة أيام لم يشرب غلى أَوْ لم يغل.
واحتجوا بحَدِيْث ابْن عمر: اشرب العصير ما لم يأخذه شيطانه. قِيْلَ: وما
يأخذه شيطانه؟.
قَالَ: في ثلاثة أيام
قال
(1/472)
الشَّافِعِيُّ: اشرب العصير ما لم يكن خمرا
لِأَنَّ الله إنما حرم الخمر والخمر هو الذي يشتد فيسكر كثيره وما دام حلوا
لم يشتد فَهُوَ حلال، وسواء أتى عَلَيْهِ ثلاثة أيام وأقل وأكثر؛ إِذَا لم
يتغير عَن حاله وكَانَ حلوا مثل ما كَانَ أول ما عصر.
260- قَالَ سُفْيَانُ: ويكره أن يكتب الرَّجُل إِلَى الرَّجُل ببداءة ولكن
يكتب إِلَى أبي فلان.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: هو عِنْدِيْ واسع بدأ بنفسه أَوْ بغيره.
بَاب الذبائح والصيد
[التسمية للذبح]
261- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا ذبحت ونسيت التسمية فكل فإنما ذبحت بيديك
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ.
وَهُوَ
(1/473)
قول أَصْحَاب الرَّأْيِ وَقَالُوْا: فإن
تعمد تَرَكَ التسمية لم تؤكل الذبيحة
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أن تؤكل الذبيحة وإن لم يسم عليها ناسيا تركه
أوعمدا واحتج بذبائح أَهْل الْكِتَاب.
قَالَ: قد أحل الله ذبائحهم وَهُوَ ربما يسمواغَيْر الله
وَقَالَ الشعبي ومُحَمَّد بْن سيرين وعَبْد اللهِ بْن يزيد ونافع: لَا يؤكل
من الذبيحة إِلَّا ما ذكر اسم الله عليه.
وَهُوَ قَوْل أبي ثَوْرٍ وتأولوا قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121}
(1/474)
[إذا أكل الكلب من الصيد]
262-قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَاأرسلت كلبك فنسيت أن تسمي فلَا بَأْسَ أن تأكل
وإن أكل الكلب من صيده فلا تأكل منه فإنما تعليمه أن لَا يأكل.
وقد كَانَ بعضهم يرخص فيه؛ وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لَا يأكل.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأَحْمَد وأبي ثَوْرٍ.
واحتجوا بحَدِيْث عدي بْن حاتم
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: لَا بَأْسَ أن يؤكل من الصيد
إِذَا أكل منه الكلب
(1/475)
ويروى قولهم من حَدِيْث عَمْرو بْن شعيب
عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وعن سعد بْن أبي وقاص وسلمان وابن عُمَر وأبي هريرة رضي الله عنهم.
[إذا أكل الجارح من الصيد]
263-قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أكل الباز أَوْ الصقر والعقاب من صيده فكل
فإنما تعليمه إجابته إِذَا دعوته.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: البازي والصقر والكلب واحد لَا يؤكل من صيد واحد
منهم إِذَا أكل منه.
ويروى ذَلِكَ عن
(1/476)
الْحَسَن وعَطَاءوسعيد بْن جبير وعكرمة.
[إذا قطع من الصيد عضو]
قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قطعت من الصيد يد أَوْ رجل فبان منه فلا تأكل منه
ما يسقط منه وكل ما بقي منه فإن كنت قطعت نصفين فكله جميعا وإن
كَانَ النصف الذي يلي الرأس أكثر من النصف الآخر فكل ما يلي الرأس وإن
كَانَ مما يلي الرأس أقل من النصف الآخر فكله جميعا.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا ضرب الرَّجُل الصيد أَوْ رماه فبان يده أَوْ
رجله فمات من تلك الضربة فسواء ذَلِكَ ولو أبان نصفه
(1/477)
أكل النصفين واليد والرِّجْل وحميع البدن
لِأَنَّ تلك الضربة إِذَا وقعت موقع الذكاة كانت الذكاة عَلَى ما أبان وبقي
كما لو ضربه أَوْ ذبحه فأبان رأسه كانت الذكاة عَلَى الرأس وجميع البدن ولا
تعد الضربة أن تكون ذكاة فالذكاة لَا تكون [77/أ] عَلَى بعض البدن دون بعض
أَوْ تكون ذكاة فلا يؤكل منه شَيْء ولكنه لو أبان منه عضوا ثُمَّ أدرك
ذكاته فذكاه لم يأكل العضو الذي أبان لِأَنَّ الضربة الأولى صارتغَيْر ذكا
وكانت الذكاة الذبح
بَاب كفارة الأيمان
[أنواع اليمين]
265-قَالَ سُفْيَانُ: الأيمان أربعة فيمينان تكفران وَهُوَ أن يَقُوْل
الرَّجُل: والله لَا أفعل فيفعل أَوْ يَقُوْل: ليفعلن فلا يفعل.
ويمينان لَا تكفران وَهُوَ أن يقول: والله ما فعلت وقد فعل. أَوْ يَقُوْل:
والله لقد فعلت وما فعل.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أما اليمينان الأولان فلا اختلاف بين العلمَاء
فيهما عنه عَلَى ما قَالَ. وأما اليمينان الآخران فقد اخْتَلَفَالعلمَاء
فيهما فَإِذَاكَانَ الحالف عَلَى أَنَّهُ لم يفعل كذ وكَذَا أَوْ أَنَّهُ
قد فعل كَذَا وكَذَا عِنْدَ نفسه صادقا يَرَى أَنَّهُ عَلَى ما حلف فلا إثم
عَلَيْهِ ولا كفارة في
(1/478)
قول مَالك وسُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْثَوْرٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: لَا إثم عَلَيْهِ وعَلَيْهِ الكفارة.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: لَيْسَ قَوْل الشَّافِعِيّ هَذَا [77/ب]
بالقوي.
قال: وإن كَانَ الحالف عَلَى زنه لم يفعل كَذَا وكَذَا فعل كَذَا متعمدا
للكذب فَهُوَ آثم ولا كفارة عَلَيْهِ فِي قَوْل عامة العلمَاء منهم مَالك
وسُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ وأَحْمَد وأَبُوْعُبَيْدٍ
(1/479)
وأَبُوْ ثَوْرٍ.
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل: يكفر.
ويروى عَن بعض التابعين مثل قَوْل الشَّافِعِيِّ.
وقَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أَمِيْلُ إِلَى قَوْلِ سُفْيَانَ وأَحْمَدَ.
[يمين اللغو]
266- فأما يمين اللغو التي اتفق عامة العلمَاء أَنَّهُا لغو فَهُوَ قَوْل
الرَّجُل: لَا والله بلا والله فِي حَدِيْثه وكلامهغَيْر معتقد باليمين ولا
مريد لها.
[الاستثناء في اليمين]
267- قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَاحلف واستثنى مَعَ يمينه فقال: إن شاء الله
متصلا مَعَ يمينه فلا يحنث فإن استثنى مَعَ يمينه فقال: إن شاء الله متصلا
مَعَ يمينه فلم يحنث فإن استثنى فِي نفسه فلَيْسَ بشيء حتي يتكلم ويتحرك
لسانه وإن لم يسمعه
(1/480)
صاحبه.
وَهُوَ قَوْل مَالك وأَصْحَاب الرَّأْيِ؛ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ إِلَّا
أَنَّهُ قَالَ: إن كَانَ بين يمينه واستثنائه سكتة كسكتة الرَّجُل بين
الكلام للعي والتعسر وانقطاع الصوت ثُمَّ وصل الاستثناء فَهُوَ موصول وإنما
القطع أن يحلف ثُمَّ يأخذ فِي كلام لَيْسَ من اليمين أَوْ يسكت مختارا
للسكت فَإِذَافعل ذَلِكَ ثُمَّ استثنى لم يكن له استثناء.
وَقَالَ أَحْمَدُ: له أن يستثني ما دام فِي مجلسه ما لم يأخذ فِي شَيْء آخر
واحتج بالْحَدِيْث الذي يروى عَن عكرمة بعضهم يرسله وبعضهم يصيره عَنِ
ابْنِ عَبَّاس عَن النَّبِيّ
(1/481)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
والله لاأغزون قريشا
ثم سكت ثُمَّ قَالَ: إن شاء الله
قَالَ إِسْحَاق: إِذَا حلف وَهُوَ يريد أن يستثني فنسي الاستثناء عِنْدَ
فراغه من اليمين فله أن يستثني مَتَى ما ذكر ولا حنث عَلَيْهِ إِذَا استثنى
واحتج بحَدِيْث ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: إِذَانسي الاستثناء فله أن
يستثني ولو بَعْد سنة وقرأ: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24}
وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: معنى حَدِيْث ابْن عَبَّاس أَنَّهُ إِذَا استثنى
بَعْد سنة سقط عنه المأثم وأما الكفارة فإنها لَا تسقط
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وأنا أقول بقول الشَّافِعِيّ
وعن ابْن عُمَر قَالَ: لا أخشين يمين فيها إن شاء الله إِذَا كانت موصولة
(1/482)
[كم يطعم في الكفارة]
268- قَالَ سُفْيَانُ: فِي كفارة اليمين وإن أطعم عشرة مساكين فليطعم كُلّ
مسكين نصف صاع من حنطة أَوْ صاعا من شعير أَوْ صاعا من تمر فليطعم صاعا
[78/ب] من زبيب أَوْ صاعا من حبوب كُلّ شَيْء سِوَى الحنطة فَهُوَ صاع
صاع.
وكذَلِكَ قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يطعم فِي كفارة اليمين مدا من بر بمد النَّبِيّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ وأَبُوْعُبَيْدٍ.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: إِذَاأعطى كُلّ مسكين نصف صاع فَهُوَ أَحَبُّ
إِلَيَّ.
[الكسوة في الكفارة]
269-قَالَ سُفْيَانُ: فَإِذَاكسى الكسوة فليعط كُلّ مسكين ثوبا ثوبا وقميصا
قميصا أَوْ قباءا قباءا أَوْ ملحفة ملحفة أَوْ إزارا أَوْ عمامة عمامة
وَهُوَ يجزئ
وَقَالَ
(1/483)
أَصْحَاب الرَّأْيِ: يكسو كُلّ مسكين ثوبا
جامعا إزارا أَوْ رداءا أَوْ قميصا أَوْ كساءا ولا يجزيه العمامة ولا
السراويل
وَقَالَ مَالِكٌ: إن كسى الرجال كسى كُلّ رجل ثوبا ثوبا وإن كسى النساء
كساهن ثوبين ثوبين درعا وخمارا وذَلِكَ أدنى ما يجوز الصَّلَاة فيه
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: كُلّ ما وقع عَلَيْهِ اسم كسوة من عمامة أَوْ
سروايل أَوْ عزار أَوْ طنفسة أَوْغَيْر ذَلِكَ لرجل أَوْ امرأة أجزأه
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: [79/أ] والذي أختار أن يفعل ما قَالَ مَالِكٌ
وسُفْيَان. وإن فعل ما قَالَ الشَّافِعِيُُّ رجوت أن يجزيه
(1/484)
[لو أطعم مسكينًاواحدًا]
270- قَالَ سُفْيَانُ: ويطعم عشرة مساكين فإن لم يجد عشرة أجزأه أن يعطي
مسكينا واحدا أَوْ اثنين.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إن أطعم مسكينا واحدا عشرة أيام كُلّ يوم نصف
صاع أجزأه وإن أعطى جملة فِي يوم واحد لم يجزه سواء وجد أَوْ لم يجد عشرة
مساكين.
ويروى عَن الْحَسَن والشعبي أَنَّهُما قَالَا: لَا يجزيه حَتَّى يطعم عشرة
مساكين كما قَالَ الله تعالى.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ وأَبُوْعُبَيْدٍ
(1/485)
[إطعام أهل الذمة في الكفارة]
271- قَالَ سُفْيَانُ: فِي كفارة اليمين إن لم يجد مسلمين أجزأه أن يعطي
أَهْل الذمة من أَهْل العهد ولا يعطي أَهْل الحرب.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ ووافقهم أَبُوْثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يجزء أن يطعم إِلَّا المسلمين.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وأَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق؛
قاسوا كفارة اليمين على
الزكاة وذَلِكَ أَنَّهُم قد أجمعوا أَنَّهُ لايجوز أن تعطي الزكاة إِلَّا
مساكين المسلمين.
[إن أطعم بعضا وكسى بعضًا]
272-قَالَ سُفْيَانُ: وإن أطعم بعضهم حنطة وبعضهم [79/ب] شعيرا أَوْ تمرا
أجزأه وإن أطعم بعضا وكسى بعضا أجزأه
(1/486)
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ وإِسْحَاقُ
وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ: لَا يجزيه أن يطعم بعضهم ويكسو بعضهم
عَلَيْهِ أن يطعم عشرة مساكين أَوْ يكسو عشرة مساكين.
[إذا قال: أقسمت بالله وأقسمت]
273- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ: أقسمت بالله وأقسمت فهما سواء تعين
يكفرها وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يكون أقسمت معينا حَتَّى يَقُوْل: بالله
(1/487)
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ.
وكذَلِكَ إِذَا قَالَ: أشهد بالله فَهُوَ يمين.
وَهُوَ قَوْل مَالك وأبي عُبَيْد.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا قَالَ: أقسمت بالله وإِذَاقَالَ: أقسمت ولم يقل
بالله فأراد يمينا يعني فَهُوَ يمين وإن لم يرد يمينا فلَيْسَ بشيء.
[إذا قال: هو يهودي]
274- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ: أنا يهودي أَوْ نصراني أَوْ مجوسي أَوْ
بريء من الإسلام فعَلَيْهِ فِي كُلّ واحد يمين يكفرها.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وأَبُوْعُبَيْدٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ كفارة
(1/488)
[إذا قال: عَلَيْهِ عهد الله]
275- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ: عَلَيْهِ عهد الله وميثاقه" فعَلَيْهِ
يمين يكفرها إِذَا كَانَ يريد بِهَا يمينا.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ وَهُوَ قَوْل مَالك والشَّافِعِيّ وأبي
عُبَيْد [80/أ] وإِسْحَاق. اتفقوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أراد بذَلِكَ اليمين
فَهُوَ اليمين.
[إذا قال: ماله صدقة]
276- وإن قَالَ الرَّجُل: ما له فِي المساكين صدقة" فإن أَهْل العلم
اخْتَلَفُوْا فِي ذَلِكَ:
قَالَ الشعبي والحكم والحارث العكلي وابْن أَبِيْ لَيْلَى: لَيْسَ عَلَيْهِ
شَيْء من كفارة ولا غيره وذهبوا إِلَى أن اليمين لَا يكون إِلَّا بالله
لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(1/489)
لا تحلفوا إِلَّا بالله".
قَالُوْا: فَإِذَاحلف بغير الله فهو
عاص ولَيْسَ عَلَيْهِ كفارة ولا عَلَيْهِ أن يتصدق بماله لأنه لم يقصد قصد
التقرب إِلَى الله بالصدقة وإنما أراد اليمين.
ويروى عَن عُمَر بْن الخطاب وعَائِشَة وابن عَبَّاس وابن عُمَر وحفصة
أَنَّهُم قَالُوْا: عَلَيْهِ كفارة يمين.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد والشَّافِعِيّ وأبي عُبَيْد وأبي ثور.
وَقَالَ مَالِكٌ: يتصدق بثلث ماله وذهب إِلَى كعب بْن مَالك قَالَ له
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يجزئك من ذَلِكَ الثلث
قَالَ أَصْحَاب الرأي: عَلَيْهِ أن يتصدق من ماله ما تجب عَلَيْهِ الزكاة
من الذهب والفضة والمواشي وما ملك من الأموال مما لَا زكاة فيها
(1/490)
من العتاد والأرضين والدور ومتاع البيت
والخيل والبغال والحمير والرقيق قَالُوْا يجب أن يتصدق بشيء منها
قال: وَقَالَ إِبْرَاهِيْم النخعي: عَلَيْهِ أن يتصدق بجميع ماله ويمسك ما
يستغني بِهِ عَن الناس فَإِذَااستعاد مالا تصدق بقدر ما كَانَ أمسك
وَقَالَ إِسْحَاقُ: عَلَيْهِ فِي هَذَا أن يتصدق بكفارة الظِّهَار يعتق
رقبة فإن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
وكَانَ يَقُوْلُ: إن لم يجد يجزيه طعام عشرة مساكين وكذَلِكَ إِذَاحلف
بثلاثين حجة أَوْ بحجة أَوْ بصيام أوجبه عَلَى نفسه أَوْغَيْر ذَلِكَ من
الأيمان سِوَى الطلاق والعتاق ففي قَوْل أَصْحَابنا كلهم: كفارة يمين
ولَيْسَ عَلَيْهِ أكثر من ذَلِكَ.
فإن حلف بطلاق أَوْ عتاق فقد أجمعت الأمة عَلَى أن الطلاق لَا كفارة
عَلَيْهِ وأنه إن حنث فِي يمينه فالطلاق لازم له.
[الحلف بالعتاق]
277- وقد اخْتَلَفُوْا فِي العتاق فقَالَ أكثرهم: العتاق مثل الطلاق ولا
كفارة فيه وممن قَالَ ذَلِكَ مَالك وسُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ
والشَّافِعِيّ وأَحْمَد
(1/491)
وإِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: من حلف بالعتاق فعَلَيْهِ كفارة يمين ولا عتق عليه.
وذهب أَبُوْ ثَوْرٍ إِلَى أن الله عز وجل أوجب فِي كتابه كفارة اليمين
عَلَى من حلف فقال: [81/أ] {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن
لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ
أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة: 89} .
قَالَ: فكل يمين حلف بِهَا الرَّجُل يحنث فعَلَيْهِ الكفارة عَلَى ظاهر
الْكِتَاب إِلَّا أن تجمع الأمة علي يمين أَنَّهُ لَا كفارة فيه فأسقطنا
عَن الحالف بالطلاق الكفارة وألزمناه الحالف بالعتاق لِأَنَّ الأمة لم تجمع
عَلَى أن لَا كفارة عليه. ورووا عَن الأنصاري عَن الأشعث عَن بكر بْن عَبْد
اللهِ عَن أبي رافع أن مولاته حلفت بالمشي إِلَى بيت الله وكل مملوك لها حر
وهي يوم يهودية ويوم نصرانية وكل شَيْء لها فِي سبيل الله أن تفرق بينه
وبين امرأته قَالَ: فسألت ابْن عُمَر وابن عَبَّاس وأبا هريرة وعَائِشَة
وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم فكلهم يقولون لها: كفري عَن يمينك وخلي
بينهما ففعلت ويروى عَن طاوس والْحَسَن مثل قوله.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أذهب إِلَى ما قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَد؛
ُ وذَلِكَ أن الحالف بالعتاق لم يعتق عبده عَلَى وقت وذَلِكَ أن يَقُوْل:
إِذَا جاء شهر كَذَا فأنت حر فهَذَا لَا اختلاف فيه أن يعتق إِذَا جاء
الشهر
(1/492)
بَاب قطع السارق
[نصاب القطع]
278- قَالَ سُفْيَانُ: لَا يقطع السارق إِلَّا فِي عشرة دراهم أَوْ دينار
ولا يقطع حَتَّى يخرج المتاع من ملك الرَّجُل وإِذَاسرق العبد [81/ب] من
سيده فلا قطع وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ: يقطع السارق فِي ربع دينار
فصاعدا.
وكذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ والشَّافِعِيّ وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: إِذَا سرق من الذهب ربع دينار
(1/493)
قطعت يده وإِذَاسرق من الدَّرَاهِم ثلاثة
دراهم فصاعدا قطعت يده وإِذَاسرق عرضا قوم فإن بلغ قيمته ثلاثة دراهم قطعت
يده وذهب عَلَى التقويم عَلَى الدَّرَاهِم عَلَى حَدِيْث ابْن عُمَر أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع فِي مجن قومت ثلاثة دراهم.
وفي الذهب إِلَى حَدِيْث عَائِشَة يقطع السارق فِي ربع دينار وذهب سائر
أَصْحَابنا فِي التوقيت إِلَى حَدِيْث عَائِشَة.
وأَصْحَاب الرَّأْيِ ذهبوا إلى حَدِيْث عَمْرو بْن شعيب عَن أبيه عَن جده.
وَقَالَ ابْن شُبْرُمَةَ وابْن أَبِيْ لَيْلَى: يقطع فِي خمسة دراهم فصاعدا
ذهبوا إلى حَدِيْث الشعبي عَنِ ابْنِ مسعود.
ولا يصح هَذَا
(1/494)
[هل يغرم مع القطع؟]
279-قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا سرق السارق فقطع فلا غرم عليه.
وكذَلِكَ قَوْل أصحاب الرَّأْي.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ موسرا غرم وإن كَانَ معسرا لم يجعل دينا
عَلَيْهِ يروى هَذَا عَن الزُّهْرِيّ.
ويروى عَن الْحَسَن وحماد بْن سلمة.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأَحْمَد وإِسْحَاق وأبي ثَوْرٍ يغرم فِي السرقة
موسرا كَانَ أو معسرا ويكون دينا عَلَيْهِ مَتَى أيسر أدى
(1/495)
[السرقة من ذي رحم]
280- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا سرق الرَّجُل من ذي محرم لم يقطع إِذَا كَانَ
من خاله أَوْ عمه.
وكذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: لَا يقطع الأب إِذَا سرق من مال ابنه ولا الإبن
إِذَا سرق من والده شيئا ولا يقطع إِذَا سرق من غيرهما من ذي محرم حكاه عنه
المزني فِي كتابه.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: تقطع يد كُلّ من سرق لِأَنَّ الله عز وجل قَالَ:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38}
ولم يخص أجنبيا دون ذي رحم ولا خصت السنة والآية عامة عَلَى جميع السراق ما
لم يخصه كتاب أَوْ سنة
(1/496)
[القطع في الثمارواللحم ونحوها]
281- قَالَ سُفْيَانُ: لَا يقطع فِي شَيْء من الثمار إِذَا كانت فِي شجرها
ولكن يغرم وإِذَاسرق من الثمار شيئا مما يفسد ولَيْسَ له بقاءأو سرق ثريدا
أَوْ لحما مما يفيد فلَيْسَ له بقاء فلَيْسَ عَلَيْهِ قطع ولكن يعزر ويغرم.
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: يقطع فِي هَذَا كله إِذَا سرق من حرز بلغ قيمة
ما يسرق ربع دينار فصاعدا.
ويروى حَدِيْث عَبْد اللهِ بْن عَمْرو فِي الثمار: إِذَا آواه الجرين ففيه
القطع إِذَا بلغ ثمن [82/ب] المجن".
وكذَلِكَ قَوْل أبي ثَوْرٍ فِي الثمار إِذَا كَانَ محرزا رطبا كَانَ أَوْ
يابسا والخبز والجبن والنورة والأشنان والزرنيخ والمَاء واللبن والنَّبِيّذ
إِذَا كَانَ ما لَا يسكر
قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: إِذَا سرق ثمرا من نخل أَوْ شجر أَوْ عنبا من كرم أو
بقلا من أرض قائما لم يحصد فَإِذَاكَانَ هَذَا محرزا
(1/497)
فَكَانَ ما سرق من ذَلِكَ ما يقطع فيه اليد
قطعت يده.
قَالَ: ومعنى قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا قطع فِي
ثمر ولا كثر" إنما هو عَلَى الثمر المعلق لَيْسَ فِي حرز.
قَالَ: وكذَلِكَ الكثر وإنما هو الجمار؛ وذَلِكَ أن الأرضين بالْحِجَاز
وغيرها إِذَا كثرت لم يكن عليها حيطان فَكَانَ الشيء لَيْسَ محرزا.
قَالَ: وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا آواه
الجرين أَوْ المراج ففيه القطع"
قَالَ: فهَذَا يدل أَنَّهُ لم يكن محرزا وأما المحرز فيقطع صاحبه.
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: وإن سرق نبيذا لَا يسكر لم أقطعه لأنه حرام
وكذَلِكَ لو سرق خمرا أَوْ خنزيرا لمسلم كَانَ أَوْ لذمي فلا قطع فيه
(1/498)
[شهادة النساء في الحدود]
282- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا شهد امرأتان ورجل عَلَى رجل بالسرقة أخذ
السارق بالمال ولَيْسَ عَلَيْهِ القطع لِأَنَّ شهادات النساء لَا تجوز فِي
الحدود
قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: أجمع [83/أ] أَصْحَابنا عامتهم عَلَى هَذَا.
بَاب المكاتب
[المكاتب يؤدي بعض المال]
283- قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَاكَانَ المكاتب قد أدى النصف أَوْ الثلث
وَأَحَبُّ إِلَيَّ أن لَا يرد لما جاء بِهِ ومنهم من يَقُوْل إِذَا عجز رد
وَقَالَ مَالِكٌ وأَصْحَاب الرَّأْيِ والشَّافِعِيُّ
(1/499)
وأَحْمَد وغيرهم من أَصْحَابنا: هو عبد ما
بقي عَلَيْهِ درهم ومَتَى ما عجز رد فِي الرق.
وَقَالَ علي بْن أبي طالب: يعتق منه بقدر ما أدى وأحكامه وميراثه عَلَى
ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْن مسعود: إِذَا أدى قيمته فَهُوَ غريم من الغرمَاء لَا يرد فِي
الرق.
ويروى عَن عُمَر بْن الخطاب أَنَّهُ قَالَ: إِذَاأدى النصف من كتابته غهو
غريم من الغرماء.
ويروى عنه أَنَّهُ قَالَ: هو عبد ما بقي عَلَيْهِ شَيْء.
وَقَالَ زيد بْن ثابت وابن عُمَر وعَائِشَة: هو عبد ما بقي عَلَيْهِ درهم.
[مكاتبة العبد المشترك]
284- قَالَ سُفْيَانُ فِي عبد بين رجلين: لَيْسَ لأحدهما أن يكاتب نصيبه
بغير إذن شَرِيْكه فإن فعل رددته إِلَّا أن يكون نقده فإن نقده كَانَ هَذَا
شَرِيْكه فيما أخذ منه وعتق العبد وضمن الذي كاتب نصيب الآخر فإن كَانَ
الذي كاتب وفى أخذ منه وإن لم يكن له وفاء سعى العبد فِي نصف قيمته
(1/500)
وصار شَرِيْكه مما أخذ من مكاتبته وتبع
المكاتب كتابته فيما أخذ منه.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا كاتب أحدهما بغير إذن شَرِيْكه فالْكِتَابة
فاسدة فإن أداها عَلَيْهِ فلشَرِيْكه نصفها ولا يعتق.
فإن أداها وأدى عَلَى سيده الذي لم يكاتب مثلها عتق ويتراجع السيد الذي
كاتب المكاتب بقيمة نصفه لأنه عتق بكتابة فاسدة فإن كَانَ ثمن نصفه أقل من
الْكِتَابة ورجع عَلَيْهِ العبد بالْفَضْل عَن الْكِتَابة.
وإن كَانَ ثمن نصفه أكثر من الْكِتَابة رجع السيد بالْكِتَابة ولو أراد
شَرِيْكه الذي لم يكاتب أن يمنع عتقه بأن يَقُوْل: لَا أقبض لم يكن له
وقبضه عَلَيْهِ لأنه قد أدى إِلَيْهِ مثل ما أدى أداء صاحبه فإن كَانَ
السيد هو من ضمن لشَرِيْكه نصف قيمته وإن كَانَ العبد حرا كله وإن كَانَ
معسرا أعتق نصيبه منه وكَانَ المَالك عَلَى نصيبه كما كَانَ قبل
الْكِتَابة.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى وعَبْد اللهِ بْن الْحَسَن: لأحدهما أن يكاتبه
عَلَى حصته ولَيْسَ للشَرِيْك أن يرد الْكِتَابة.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وَقَالَ: ما كسب
المكاتب أخذ الآخر ذَلِكَ فَإِذَاأدى الذي كاتبه جميع كتابته عتق العقد
وضمن لشَرِيْكه الذي لم يكاتب نصف قيمته إن كَانَ موسرا وإن كَانَ معسرا
أعتق منه ونصيب الآخر رقيق عَلَى حاله
(1/501)
[زواج المكاتب
بغير إذن سيده]
285- قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا تزوج المكاتب بغير إذن مواليه أرجئ نكاحه فإن
كَانَ [84/أ] أدى كتابته جاز نكاحه وإن عجز فرد رد نكاحه وإن أعتق عتاقه
أَوْ تصدق بصردة أرجئه أيضا حَتَّى ينظر فإن أدى مكاتبته جاز عتقه وصدقته
وإن عجز رد عتاقه وصدقته.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: جميع ذَلِكَ باطل.
[إذا مات المكاتب وتَرَكَ وفاء]
286- قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَامات المكاتب فتَرَكَ وفاءا أخذ مواليه ما بقي
عَلَيْهِ من كتابته وما بقي كَانَ لورثته.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا مَاتَ من قبل أن يؤدي جميع كتابته تَرَكَ
وفاءا أَوْ لم يتَرَكَ فماله كله لسيده ولا ترثه ورثته لأنه مَاتَ عبدا.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وأَبُوْ ثَوْرٍ.
ويروى هَذَا عَنِ ابْنِ عمر
(1/502)
[المكاتبة ولدت ثُمَّ ماتت]
287- قَالَ سُفْيَانُ: المكاتبة إِذَا ولدت أولادا ثُمَّ ماتت فولدها
بمنزلتها يستسعون فيما بقي عليهم.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: ولده رقيق وماله لسيده.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ.
وَهُوَ قياس قَوْل أَحْمَد. |