الإشراف على مذاهب العلماء

31 - كتاب الحج
قاله الله جل ثناءه: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} الآية.
وقال جل ثناءه ى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية.
وقال تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} الآية.
م 1243 - وأجمع أهل العلم: على أن على المرء في عمره حجة واحدة حجة الإِسلام، إلا أن ينذر [1/ 97/ألف] المرء نذراً فيجب عليه الوفاء به.

1 - باب اختلافهم في معنى الاستطاعة
م 1244 - اختلف أهل العلم: في معنى قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
فقالت طائفة: الآية على العموم وعلى كل مستطيع للحج يجد السبيل إليه بأي وجه كانت الاستطاعة، الحج على ظاهر الآية.
وروينا عن عكرمة أنه قال: الاستطاعة الصحة.

(3/174)


وقال الضحاك: "إذا كان شاباً فليواجه نفسه بأكله وعقبه حتى يقضي نسكه".
وقال مالك: ما ذاك إلا على قدر طاقة الناس، الرجل يجد الزاد والراحلة ولا يقدر على المشي، وآخر يقدر أن يمشي على رجليه ولا صفة، في هذا أبين مما أنزل الله جل ثناءه: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
وقال الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق: الاستطاعة الزاد والراحلة.
قال أبو بكر: ولا يثبت في هذ الباب حديث مسند؛ لأن الذي روى الحديث إبراهيم الخوزي.
وقال يحيى بن معين، وغيره: ليس بثقة.
وكان الشافعي يقول: "الاستطاعة: وجهان، أحدهما: أن يكون مستطيعاً ببدنه واجداً من ماله ما يبلغه الحج، والثانية: أن يكون مضنوا في بدنه لا يثبت على مركب، وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بأجره وغير أجره".

2 - باب سقوط الحج عن المرأة التي لا محرم لها
قال أبو بكر:

(3/175)


(ح 582) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها.
م 1245 - واختلفوا في وجوب الحج على المرأة التي لا محرم لها.
فقالت طائفة: المحرم من السبيل، منهم النخعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، أصحاب الرأي.
وقال الحسن البصري: لا تحج إلا مع ذي محرم.
وأغفل قوم القول بظاهر الحديث، وشرط كل رجل منهم شرطاً لا حجة معهم فيما اشترطوه.
قال مالك: تخرج مع جماعة من النساء.
وقال الشافعي: تخرج مع ثقة حرة مسلمة.
وقال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به.
وقال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول، وتتخذ سلماً تصعد عليه وتنزل، ولا يقر بها رجل إلا ليأخذ برأس [1/ 98/ألف] البعير ويضع رجله على ذراعه.
قال أبو بكر: ظاهر الحديث أولى، ولا يعلم مع هؤلاء حجة توجب ما قالوا.

3 - باب منع الرجل زوجته من الحج
قال أبو بكر:

(3/176)


م 1246 - أجمع أهل العلم على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع.
واختلفوا في منعه إياها من حجة الإسلام.
فقال إبراهيم النخعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: ليس له منعها من حجة الإِسلام.
وقال الشافعي: "إن أهلت بغير إذنه ففيها قولان: أحدهما: أن تكون كمن أحصر فتذبح، وتقصر، وتحل، والآخر أن عليه تخليتها".
قال أبو بكر: وأصح مذهبيه المذهب الذي يوافق سائر العلماء، ولا أعلمهم يختلفون أن ليس له منعها من صوم، ولا صلاة واجبة.

4 - أبواب المواقيت
قال أبو بكر:
(ح 583) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرن.
م 1247 - وأجمع عوام أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث.
م 1248 - واختلفوا فيما يفعل من مرّ بذات عرق، فثبت أن عمر بن

(3/177)


الخطاب وقت لأهل العراق ذات عرق، ولا يثبت فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة.
م 1249 - واختلفوا في المكان الذي يحرم من أتى العراق، وعلى ذات عرق، فكان أنس يحرم العقيق واستحب ذلك الشافعي.
وكان مالك، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يرون الإحرام من ذات عرق.
قال أبو بكر: والإحرام من ذات عرق يجزي، وهو من العقيق أحوط، وقد كان الحسن بن صالح: يحرم من الربزة، وروى ذلك عن خصيف، والقاسم بن عبد الرحمن.
قال أبو بكر: وقول عمر بن الخطاب أولى، وتبعه عليه عوام أهل العلم.

5 - باب استحباب الإحرام من المواقيت
قال أبو بكر:
(ح 584) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أمرهم أن يهلوا من المواقت إلى ذكرناها وأحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- من المواقيت الذي سنه لأهل المدينة، وترك أن يحرم من منزله، وتبعه عليه أصحابه وعوام أهل [1/ 98/ب] العلم.
م 1250 - وأجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم.

(3/178)


م 1251 - واختلفت الأخبار عن الأوائل في هذا الباب، فثبت أن ابن عمر أهل من إيلياء وكان الأسود، وعلقمة، وعبد الرحمن، وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم.
ورخص فيه الشافعي.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة.
وكره الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، ومالك: الإحرام من المكان البعيد.
وقال أحمد، وإسحاق: وجه العمل الإحرام من المواقيت.

6 - باب من مر بذي الحليفة ولم يحرم منها وأحرم من الجحفة
قال أبو بكر.
م 1252 - كان الشافعي يقول: إذا مرّ بذي الحليفة وهو يريد الحج أو العمرة فلم يحرم، فعليه دم.
وكره أحمد، وإسحاق: مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة.
وقال سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير: يهل من حيث أهل النبي- صلى الله عليه وسلم -.
وكان أبو ثور يرخص أن يجاوز من مرّ بذي الحليفة إلى الجحفة، وبه قال أصحاب الرأي غير أن الوقت أحب إليهم، قال أبو بكر: وبهذا أقول، وكانت عائشة: إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة، وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة.

(3/179)


7 - باب من جاوز الميقات وهو يريد الإحرام غير محرم
م 1253 - واختلفوا فيمن جاوز الميقات غير محرم، فقالت الثوري، والشافعي، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد: يرجع إلى الميقات، فإن لم يفعل أهراق دماً.
وكان جابر بن زيد، والحسن البصري، وسعيد بن جبير: يرون أن يرجع الميقات إذا تركه.
وفي قول الشافعي، والثوري، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد: إن جاوز ْالميقات فأحرم، ثم رجع إلى الميقات فلا شيء عليه، وإن لم يرجع إلى الميقات فعليه دم.
وقال مالك: كقول هؤلاء إذا جاوز الميقات فأحرم ومضى إلى مكة، فإن لم يرجع إلى الميقات فعليه دم، وإن جاوز الميقات وأحرم، ثم رجع إلى الميقات لم ينفعه الرجوع والدم عليه.
وقال ابن المبارك: لا ينفعه الرجوع والدم عليه [1/ 99/ألف].
وقال النعمان: إذا جاوز الميقات وأحرم فإن رجع إلى الميقات فلبى سقط الدم وإن لم يلبّ لم يسقط عنه الدم.
قال أبو بكر: وفي المسألة أقاويل غير ذلك: أحدها: أن لا شيء على من ترك الميقات، هذا أحد قولي عطاء، وروينا ذلك، عن الحسن، والنخعي، والقول الثاني: رويناه عن ابن الزبير أنه يقضي حجة ثم يرجع إلى الميقات فيهل بعمرة، والقول الثالث: أنه لا حج له، هذا قول سعيد بن جبير.

(3/180)


8 - باب إحرام من منزله أقرب إلى الحرم من المواقيت
قال أبو بكر:
(ح 585)، ثبت أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ذكر المواقيت التى ذكرناها عنه وقال: "هن لهن ولكل من أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان أهله دونهن فمهله من أهله، وكذلك فكذلك، حتى أن أهل مكة يهلون منها.
م 1254 - واختلفوا فيمن مرّ بالميقات لا يريد حجاً ولا عمرة، ثم بدأ له أن يحرم بعد أن جاوز الميقات، فكان مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد يقولون: يحرم من مكانه الذي بدأ له أن يحرم منه ولا شيء عليه، روى ذلك عن عطاء.
وقال أحمد في الرجل يخرج لحاجة وهو لا يريد الحج فجاوز ذا الحليفة ثم أراد الحج قال: يرجع إلى ذي الحليفة ويحرم، وبنحوه قال إسحاق.
قال أبو بكر: ظاهر الحديث أولى، وقد أحرم ابن عمر من الفرع.
م 1255 - واختلفوا فيمن أراد الإحرام وموضعه دون المواقيت إلى مكة، فكان طاووس، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، يقولون: يحرم من موضعه وهو ميقاته.
وقال أصحاب الرأي: يحرم من موضعه فإن لم يفعل لم يدخل الحرم إلا حراماً، فإن دخله غير حرام فليخرج من الحرم، فليهل من حيث شاء.

(3/181)


وقد روينا عن مجاهد أنه قال: إذا كان الرجل أهله بين مكة وبين الميقات أهل من مكة.
قال أبو بكر: بقول مالك، والشافعي أقول.

9 - باب من ترك الميقات فأحرم بعد أن جاوزه ثم أفسد حجه
م 1256 - قال سفيان الثوري، وأصحاب الرأي: يمضي في حجة [1/ 99/ألف] وعليه حج من قابل، وليس عليه دم لتركه الميقات، لأن عليه القضاء.
وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: عليه دم لتركه الميقات، لأن يلزم المفسد.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي نقول.

10 - باب النصراني يسلم بمكة، والصبي يبلغ، والعبد يعتق بها
قال أبو بكر:
م 1257 - كان أبو ثور يقول: يحرمون من مكة ولا شيء عليهم، وكذلك قال عطاء، والثوري، وأحمد، وإسحاق: في النصراني يسلم بمكة.
وقال مالك: في النصراني يسلم عشية عرفة، والعبد يعتق، يحرمان لا دم عليهما.

(3/182)


وقال أصحاب الرأي: في النصراني يسلم بمكة، والغلام يدخل مكة، ثم يحتلم، يحرمان وليس عليهما شيء، وفي العبد يدخل مكة بغير إحرام، ثم أذن له مولاه فاحرم بالحج، عليه دم إذا اعتق لترك الوقت.
وقال الشافعي بمصر: "إذا بلغ غلام، أو أعتق مملوك، أو أسلم كافر بعرفة أو مزدلفة، فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج، ثم وافى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة فقد أدرك الحج وعليه دم لترك الميقات، ولو أحرم الكافر من ميقاته، ثم أسلم بعرفة، لم يكن بد من دم يهريقة، وليس ذلك على العبد والغلام يحرمان من الميقات، ثم يعتق بهذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة".

11 - باب أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - النفساء بالاغتسال عند الإحرام
قال أبو بكر:
(ح 586) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمر أسماء وهي نفساء أن تغتسل وتحرم.
م 1258 - واستحب الاغتسال عند الإحرام طاووس، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكان ابن عمر: يتوضأ أحياناً، ويغتسل أحياناً.

(3/183)


م 1259 - وقد أجمع عوام أهل العلم على أن الإحرام جائز بغير اغتسال.
م 1260 - وأجمعوا على الاغتسال للإحرام غير واجب إلا ما روى عن الحسن البصري، فإن الحسن قال: إذا نسى الغسل عند إحرامه يغتسل إذا ذكر.
وقد اختلف فيه عطاء وقال مرة: يكفي منه الوضوء، وقال مرة غير ذلك.
قال أبو بكر: استحب الاغتسال عند الإحرام، [1/ 100/ألف] وليس بواجب.

12 - باب الأمر بالإحرام في الأزر، والأردية، والنعال
قال أبو بكر:
(ح 587) ثبت أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: وليحرم أحدكم في إزار، ورداء، ونعلين.
م 1261 - وكان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي ومن تبعهم يقولون: يلبس الذي يريد الإحرام إزاراً ورداء.

(3/184)


13 - باب الطيب عند الإحرام
قال أبو بكر:
(ح 588) ثبت عن عائشة أنها قالت: طيبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
م 1262 - واستحب قوم ذلك منهم سعد بن أبي وقاص، وابن الزبير، وابن عباس، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكان عطاء: يكره الطيب قبل الإحرام، وبه قال مالك.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.

14 - باب الإحرام دبر الصلاة
قال أبو بكر:
(ح 589) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -صلى الظهر بذي الحليفة، ثم أتى براحلته فلما على، على البيداء أهل.
م 1263 - وكان ابن عمر يقول: لا يحرم في دبر صلاة مكتوبة وبه قال ابن عباس.

(3/185)


واستحب عطاء، وطاووس، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، الإحرام بعد الصلاة.
قال أبو بكر: الإحرام في دبر الصلاة أحب إلي وإن أحرم ولم يكن صلى أجزاه.

15 - باب النية للإحرام
قال أبو بكر.
(ح 590) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى.
والحج عمل من الأعمال داخل في جملة قوله: "الأعمال بالنية".
م 1264 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أراد أن يهل بحج فأهل بعمرة، أو أراد أن يحرم بعمرة فلبى بحجة أن اللازم له من ذلك ما عقد عليه قلبه لا ما نطق به لسانه.
م 1265 - وأجمعوا على أن من أهل في أشهر الحج بحجة ينوي بها حجة الإسلام أن حجته تجزيه من حجة الإسلام.
م 1266 - واختلفوا فيمن حج ينوي بحجته تطوعاً وعليه حجة الإسلام، فكان الشافعي يقول: يجزيه من حجة الإسلام.
وقال الثوري: لا يجزيه.
ومذهب مالك، وأحمد، وإسحاق كمذهب الثوري. وبه نقول.

(3/186)


16 - باب [1/ 100/ب] الاشتراط عند الإحرام
قال أبو بكر:
(ح 591) ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لضباعة بنت الزبير حجي واشترطي أن محلي جبث حبستنى.
م 1267 - وممن روينا عنة أنه رأي الاشتراط عند الإحرام عمر الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وهو مذهب عبيدة السلماني، والأسود بن يزيد، وعلقمة، وشريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وعطاء بن يسار، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وبه قال الشافعي: إذ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر.
وكان ابن عمر: يكره الاشتراط في الحج، وأنكر ذلك طاووس، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، والنعمان.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.

17 - باب تقليد الهدى وإشعاره
قال أبو بكر:
(ح 592) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قلد الهدى.

(3/187)


م 1268 - وكان مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يرون تقليد الهدى.
م 1269 - واختلفوا في تقليد الغنم، ورأت ذلك عائشة أم المؤمنين، وكان عطاء بن أبي رباح، وعبيد الله أبي يزيد، وعبيد الله بن عبيد بن عمير، ومحمد بن علي [يقولون]، رأينا الغنم تقدم مقلده.
وقال بعضهم: رأينا الكباش تقلد.
وكان الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، يرون تقليد الغنم.
وأنكر مالك، وأصحاب الرأي: تقليد الغنم.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
(ح 593) للثابت عن عائشة أنهما قالت: كنت أقتل قلائد الغنم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيبعث بها، ثم يمكث حلالاً.

18 - باب استحباب أن يقلد المرء نعلين
قال أبو بكر:
(ح 594) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قلد الهدى نعلين.
م 1270 - وبه قال ابن عمر، والشافعي،

(3/188)


وقال مالك، والزهري والشافعي: إن النعل الواحدة تجزئ.
م 1271 - واختلفوا في المرء يقلد هديه، فكان ابن عمر يقول: إذا قلد هدية فقد أحرم، وبه قال الشعبي، والنخعي.
وقال عطاء: سمعنا ذلك.
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: إذا قلد فقد وجب عليه، وبه قال أصحاب الرأي.
وفيه قول ثانٍ: وهو أن لا يحرم إلا [1/ 101/ألف] من أهل أو لبى، هذا قول عائشة أم المؤمنين.
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور: لا يكون الرجل بالتقليد محرماً حتى يحرم.
وبهذا نقول.
(ح 595) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلد الهدى، ولم يحرم.

19 - باب إشعار الهدى
قال أبو بكر:
(ح 596) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قلد الهدى وأشعره.

(3/189)


م 1272 - وممن رأى أن البدنه تشعر ابن عمر، والحسن البصري، والقاسم، وسالم، وعطاء، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد.
وأنكر يعقوب: الإشعار.
وبالقول الأول أقول.

20 - باب إشعار البقر وتقليدها
م 1273 - واختلفوا في إشعار البقر وتقليدها، فكان ابن عمر يقول: تشعر البقر في أسنمتها.
وقال عطاء، والشافعي، وأبو ثور: البقر تقلد وتشعر.
وقال مالك: لا بأس أن تشعر إذا كان لها سنام، ولا تشعر التي لا سنام لها وتقلد.
وروينا عن سعيد بن جبير. أنه قال: البقر تقلد ولا تشعر.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.

21 - باب الشق الذي لا تشعر منه البدنه
قال أبو بكر
(ح 597) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أشعر جانب السنام الأيمن.

(3/190)


م 1274 - واختلفوا في الشق الذي منه تشعر البدنه، فقالت طائفة: تشعر من الجانب الأيمن، كان ابن عمر يفعل ذلك، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور.
وقال إسحاق مرة: كقول أحمد، ومرة قال من أي الجانبين شاء.
وقال مالك: تشعر من الجانب الأيسر، ولا أرى بأساً بالأيمن.
وقال سالم بن عبد الله: من شقه الأيسر.
وقال مجاهد: من حيث شاء.
وبالقول الأول أقول.

22 - باب تجليل البدن
قال أبو بكر:
(ح 598) ثبت عن علي أنه قال: أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه، وأقسم جلودها وجلالها.
م 1275 - وكان مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يرون: أن تجلل البدن.
وكان ابن عمر " يجلل البدن الإنماط، والبرود، والحبر حين يخرج من المدينة ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة [1/ 101/ب]

(3/191)


فيلبسها إياها حتى ينحرها، ثم تصدق بها وربما دفعها إلى بني تسيية".
قال أبو بكر: ولا أحب أن تشق الجلال، كان ابن عمر: لا يشق جلال بدنه.

23 - أبواب التلبية
قال الله عز وجل: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} الآية.
م 1276 - وكان ابن عمر: يقول: الفرض التلبية، وبه قال عطاء، وعكرمة، وطاووس.
وقال ابن عباس: الفرض الإهلال.
وقال ابن مسعود: الفرض الإحرام، وبه قال ابن الزبير.
وقالت عائشة: لا إحرام إلا لمن أهل أو لبى.
وقال الثوري: الفرض الإحرام، والإحرام التلبية، والتلبية في الحج مثل التكبير في الصلاة.
وقال أصحاب الرأي: إن كبر أو سبح، أو هلل ينوي بذلك الإحرام فهو محرم.

(3/192)


قال أبو بكر: أحسن ما عقد به المرء الإحرام أن يعقد بقلبه ما يريد منه إما حجاً وإما عمرةً، وإما قراناً، ويلبي بلسانه فإذا فعل ذلك كان محرماً.

24 - باب تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
قال أبو بكر.
(ح 599) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
(ح 600) وزاد ابن عمر من قوله: لبيك لبيك وسعديك لبيك والرغباء إليك والعمل.
(ح 601) وفي حديث أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: "لبيك إله الحق".
م 1277 - واختلفوا في الزيادة على تلبية: رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
فكان أنس بن مالك يقول في تلبية: لبيك حجاً حقاً تعبداً ورقاً.

(3/193)


وروينا عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول بعد التلبية: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرغوباً ومرهوباً إليك.
ورخص في الزيادة على تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي: "لا أحب أن أزيد على تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يرى شيئاً يعجبه فيقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة".
وقد روينا عن سعد بن أبي وقاص: أنه سمع رجلاً يقول: لبيك ذا المعارج، فقال: ما كنا نقول على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو بكر: الإقتصار على تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[1/ 102/ألف]- صلى الله عليه وسلم - أحب إلي فإن زاد زائد في تلبيتة مثل ما روى عن أصحاب رسول الله لم أكره ذلك، لأن في حديث جابر دلالة على إباحة ذلك.
(ح 602) قال جابر: وأهل الناس بهذا الذي يهلون، فلم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، ولزم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- تلبيته.

25 - باب رفع الصوت بالتلبية
قال أبو بكر:
(ح 603) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: أتاني جبريل فأمرني أن

(3/194)


آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال.
م 1278 - وقد اختلف في رفع الصوت في بعض المواضع، فكان مالك يقول: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مسجد الجماعة، يسمع نفسه ومن يليه، إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما.
وكان الشافعي يقول: بمثل قوله في القديم ويريد مع ذلك مسجد عرفة ثم قال بمصر: يرفع صوته في جميع المساجد.
قال أبو بكر: وهذا أصح؛ لأنه يوافق ظاهر الحديث.
وكان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية.
وقال ابن عباس: هي زينة الحج.
وقال أبو حازم كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا يبلغوا الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية.
م 1279 - وقال ابن عمر: المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية وبه قال عطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال سليمان بن يسار: السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال.
وقد روينا عن ميمونة: أنها كانت تجهر بالتلبية.
م 1280 - واختلفوا في التلبية في الطواف، فكان ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وابن أبي رواد، والشافعي، وأحمد لا يرون به بأساً.

(3/195)


وروينا عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال لا يلب حول البيت.
وقال ابن عيينة: ما رأيت أحداً يقتدى به يلبى حول البيت إلا عطاء بن السائب.
م 1281 - واختلفوا في تلبية الحلال، فكان الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا يرون به بأساً.
وبه قال النخعي، والحسن البصري، وعطاء بن السائب، وروي ذلك عن ابن مسعود.
وكان [1/ 102/ب] مالك يكره ذلك.
قال أبو بكر: لا بأس به.
م 1282 - واختلفوا فيمن لم يلب من حين بدأ الحج إلى أن فرغ منه، فحكى عن الشافعي أنه قال: لا شيء عليه وقد أساء.
وقال أصحاب الرأي: إذا لبى مرة فقد أساء، ولا شيء عليه.
وقال ابن القاسم صاحب مالك: عليه أن يهريق دماً.

26 - باب أشهر الحج
قال الله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} الآية.
م 1283 - واختلفوا في قوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}.
فقال ابن مسعود، وابن الزبير، والشعبى، والنخعي، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وأبو ثور: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.

(3/196)


وقال مالك: أشهر الحج ثلاثة، فقيل: ذو الحجة كله، فقال: نعم.
وقد اختلف عن ابن عمر، وابن عباس فيه، فروي عنهما أنهما قالا: كما قال ابن مسعود، وروي عنهما أنهما قالا: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
وقال الفراء: "الأشهر" رفع لأن معناه: وقت الحج أشهر معلومات.
وقال غير الفراء: الحج أشهر معلومات، يريد أن الحج في أشهر معلومات.

27 - باب الإهلال بالحج في غير أشهر الحج
قال أبو بكر:
(ح 604) روينا عن ابن عباس أنه قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج.
م 1284 - واختلفوا في ذلك، فقال الشافعي، وأبو ثور: ليس لأحد أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج فإن فعل ذلك كانت عمرة.
وقال الأوزاعي. يحل بعمرة.
وقال أحمد: هذا مكروه.
وقال إسحاق: كنت قائلاً له اجعلها عمرة.
وروينا عن عطاء، وطاووس، ومجاهد أنهم قالوا: يجعلها عمرة.

(3/197)


وكان الثوري ومالك، والكوفي يجيزون الإحرام بالحج قبل أشهر الحج.
وكان مالك: يكرهه.
وروينا عن النخعي أنه قال: لا يحل حتى يقضي حجه.

28 - باب إباحة الإفراد والإقران والتمتع
قال أبو بكر:
(ح 605) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل.
م 1285 - واختلف أهل العلم أي ذلك أفضل، فاستحب مالك، والشافعي، وأبو ثور الإفراد.
وكان ابن عمر، [1/ 103/ألف] وجابر، وعائشة: يرون إفراد الحج.
وكان الثوري، وأصحاب الرأي: يستحبون القرآن، وذكر إسحاق أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان قارناً.
وكان أحمد بن حنبل: يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل، ولا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً، واحتج من رأى التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل:
(ح 606) بقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: لو استقبلت من أمري ما استدبرت

(3/198)


ما سقت الهدى، ولجعلتها عمرة.
ولما أباح لهم النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يهلوا بما أحبوا من الإقران والإفراد والتمتع جاز أن يقال: أن النبى -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك كما يقال: رجم النبي-صلى الله عليه وسلم -ماعزاً، وقطع في مجن، والنبي- صلى الله عليه وسلم- لم يحضر رجم ماعز، وفي هذا الباب كلام كثير وقد بينته في المختصر الكبير، وكتاب الأوسط.

29 - باب ما يلزم من أهل بحجتين
م 1286 - واختلفوا فيمن أهل بحجتين، فقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: لا يلزمه إلا حجة واحدة، وليس عليه في الأخرى شيء.
وقال النعمان: إذا أهل بحجتين أو بعمرتين يكون رافضاً لإحديهما حين يسير متوجهاً إلى مكة.
وقال يعقوب: أما أنا فأراه رافضاً لإحديهما حين أهل بهما قبل أن يسير إلى مكة.
وقال سفيان الثوري: من أهل بحجتين قضى حجة، وجعل الأخرى عمرة يطوف لها ويسعى، ويحل ويهريق دماً لما أحل منه، ويحج من قابل.
قال أبو بكر: أقول بقول الشافعي ومن وافقه.
م 1287 - واختلفوا فيمن أهل بحجة فجامع فيها، ثم أهل بأخرى، فكان أبو ثور يقول: لا يلزمه إلى أهل بها بعد، ولكنه يمضي في الحجة التي أهل بها أولاً حتى يفرغ منها، وعليه حج قابل والهدى.

(3/199)


قال أبو بكر: وهذا على مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أصحاب الرأي: يرفض الأخرى، ويمضي في التي جامع فيها حتى يقضيها مع الناس، وعليه حجة مكانها، وعليه عمرة وحجة مكان التي رفض، ودم.
قال أبو بكر: قول أبي ثور صحيح.

30 - باب جماع أبواب ما يحرم على المحرم أن يفعل في إحرامه
م 1288 - أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار.
م 1289 - وأجمعوا على أن الحج لا يفسد بإتيان [1/ 103/ب] شيء من ذلك في حال الإحرام، إلا الجماع.
م 1290 - فإن عوام أهل العلم قد أجمعوا على أن من جامع عامداً في حجة قبل وقوفه بعرفة أن عليه حج قابل، والهدى، إلا شيئاً يختلف فيه عن عطاء، وقول لقتادة: وأنا ذاكر ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى.

31 - باب ما نهى عنه المحرم من الجماع والقبلة والمباشرة
قال الله جل ذكره: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} الآية.

(3/200)


م 1291 - وكان ابن عباس، وابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، ومجاهد، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والزهري، وقتادة، يقولون: "الرفث" الجماع، وكذلك قال أبو عبيدة وجماعة، روينا عن ابن عباس أنه قال: "الرفث" غشيان النساء والقبلة والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك.
قال أبو عبيد: في قوله: فلا رفث أي لا لغا من الكلام.
قال العجاج: عن اللغاء، ورفث التكلم.
وقال ابن عباس: "الفسوق " المعاصي، و "الجدال" أن تمارى صاجك حتى تغضبه.

32 - باب الجماع في الحج
قال أبو بكر: أعلى شيء روى فيمن وطى في حجه، حديث ابن عباس:
م 1292 - سئل ابن عباس: عن رجل وقع على امرأته وهو محرم فقال: عليهما الحج من قابل، ويتفرقان من حيث يحرمان، ولا يجتمعان حتى يقضيا حجهما، وعليهما الهدى.
قال أبو بكر:
م 1293 - وقد روينا هذا القول، عن عمر بن الخطاب وبه قال سعيد المسيب، وعطاء، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، غير أن بعضهم لم يذكر يفرقان.

(3/201)


وكان الحسن البصري آخر قوليه يقول: تصير الحجة التي جامع فيها عمرة، وعليه حج قابل، والهدى، روينا ذلك عن مجاهد، وطاووس.
وقال مالك في الذي يفسد حجة بإصابة أهله: لا ينبغي أن يقيم على حج فاسد، ولكن ليجعلها عمرة إلى قابل، فإذا حج فعليه الهدى، أو الصيام إن لم يجد هديا، وروينا عن عطاء رواية أخرى، روينا عن عطاء أنه قال: إذا كانت عليهما مهلة فاستطاعا أن يرجعا إلى مهلهما، فليهلا منه ما لم يخشيا أن يفوتهما الحج فليفعلا.
وقال قتادة: إذا كان عليهما مهل يرجعان إلى أحدهما ويهلان [1/ 104/ألف] ويفترقان ويهديان هديين، يعني من وطي امرأته في الحج وهما محرمان.

33 - باب ما يجب على المحرمين من الهدي إذا أفسدا حجهما بجماع
م 1294 - واختلفوا فيما يجب عليهما من الهدي إذا أفسدا حجهما بالجماع، فكان ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والضحاك، والحكم، وحماد، والثوري، وأبو ثور يقولون: على كل واحد منهما هدي.
وقال النخعي: بدنه على كل واحد منهما، وبه قال مالك.
وقال أصحاب الرأي إذا كان ذلك قبل عرفة فعلى كل واحد منهما شاة.

(3/202)


وقال أحمد مرة: أرجو أن يجزيهما هدي، وقال مرة: على كل واحد منهما هدي.
وقال عطاء: يهديان هدياً واحداً وبه قال الشافعي وإسحاق، قال أبو بكر: بقول ابن عباس أقول.

34 - باب افتراق المحرمين إذا قضيا حجهما ومتى يفترقان
م 1295 - واختلفوا في افتراق المحرمين يفسدان حجهما، ومتى يفترقان، فقال ابن عباس، ومالك، وأحمد، يفترقان من حديث يحرمان، ولا يجتمعان حتى يقضيا نسكهما.
وقال سعيد بن المسيب: إذا أتيا على المكان الذي أحرما منه تفرقا وأهديا.
وقال الثوري، وإسحاق: يفترقان من المكان الذي أصابها فيه إذا أمرا به، ولا يجتمعان حتى يفرغا من حجهما.
وقال عطاء، وأصحاب الرأي: لا يفترقان.
وقال الشافعي: يفترقان حتى يقضيا نسكهما، ولو لم يفترقا لم يكن في ذلك فدية.
زقال أبو ثور: إن لم يفترقا لم يضرهما.
قول الشافعي حسن.

(3/203)


35 - باب الهدي الذي يجب على المجامع
م 1236 - واختلفوا في الهدي الذي يجب المجامع في الإحرام.
فقال ابن عباس: إهد ناقة ولتهد ناقة.
وقال عطاء، وطاووس، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأبو ثور: عليه بدنه.
وقال سفيان الثوري، وإسحاق: عليه بدنه، فإن لم يجد بدنه أجزأته شاة.
وفيه قول ثالث: هو أن الجماع إن كان قبل عرفة فعلى كل واحد منهما شاة، وليقضيان نسكهما وعليهما الحج، من قابل، وإن كان الجماع بعدما تزول الشمس وهو بعرفة، أو ليلة المزدلفة فعليه جزور، ويقضي ما بقى من حجه، وليس عليه شيء غير ذلك، هذا قول أصحاب الرأي.

36 - باب من جامع في الحج مراراً
م 1297 - واختلفوا فيما يجب على من جامع في الحج مراراً، فقال عطاء، ومالك، والشافعي، وإسحاق: عليه [1/ 104/ب] كفارة واحدة.
وقال أبو ثور: عليه لكل وطيء بدنه.
وقال آخر: إذا جامع في مقام واحدة امرأة أو امرأتين، فعليه دم واحد، وإذا جامع في مقامين امرأة أو امرأتين، فعليه دمان، ويمضي حتى يفرغ من عمرته، وعليه قضاءها.

(3/204)


وقال ابن الحسن: في هذا عليه كفارة واحدة ما لم يكفر، فإذا كفر، ثم جامع وجبت كفارة أخرى.

37 - باب المحرم يواقع نسوة محرمات
م 1298 - واختلفوا في المحرم يواقع نسوة محرمات، فقال مالك: عليه كفارة واحدة، وقال عطاء: نحوه.
وقال مالك: إن أكرهن فعليه الكفارة عن كل واحدة كفارة كفارة.
قال الشافعي: إن كن محرمات ينحر عن كل واحدة منهن بدنه.

38 - باب القارن يفسد إحرامه
م 1299 - قال عطاء، وابن جريج، والشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: عليه هدي واحد للإفساد، وعليه دم القارن في قول مالك، والشافعي.
وقال الحكم: عليه هديان.
وقال أصحاب الرأي: إن جامع قبل أن يقف بعرفة فعليه شاتان، وعليه حج قابل وعمرة مكانها، ولا يكون عليه دم القران.
وقال سفيان الثوري: إذا جامع القارن قبل أن يأتي مني فقد طاف وسعى لعمرته فعليه شاة لعمرته، وينحر بدنه لحجة، وعليه الحج من قابل.

(3/205)


39 - باب المحرم يأتي زوجته وهي نائمة أو مستكرهة
م 1300 - قال عطاء: وإن أصابها وهي حرام وليس هو حرام فقالت: غلبني على نفسي، فعليه الهدى وافياً عنها، وعليه النفقة عليه في قضائها ذلك الحج، ولا بد لها من قضائه، وإن كان أكرهها فلا غدر لها بأن تقول: غلبني على نفسي.
وقال مالك: إذا أكرههن فعليه أن يحججن، ويهدي عن كل واحدة منهن بدنه.
وقال الشافعي: عليه بدنه، وحج قابل، وأن يحج بامرأته طاوعته أو أكرهها.
وقال أصحاب الرأي: عليها دم، وعليه دم آخر ويقضيان ما بقى من إحرامهما عليهما قضاء ذلك الإحرام، والنائم، والمكره في ذلك سواء
وقيل لأحمد: هل على المرأة شيء إذا كانت كارهة؟ قال المستكره لا، وبه قال إسحاق، وأبو ثور.
قال أبو بكر: هذا أصح على النظر.

40 - باب المكان الذي يحرم منه من أفسد حجة من قابل [1/ 105/ألف]
م 1301 - قال ابن عباس: يحرم من المكان الذي كان أهل بالحجة التي أفسدها، وبه قال سعيد بن المسيب، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وبه نقول.
وقال النخعي: يحرم من المكان الذي جامعها فيه.

(3/206)


41 - باب من جامع دون الفرج
م 1302 - واختلفوا فيما يجب على من جامع دون الفرج فأنزل، فقال الشافعي، وأبو ثور: لا يفسد الحج إلا بالتقاء الختانين، وهذا على مذهب الثوري، وأصحاب الرأي فيمن جامع دون الفرج وأنزل.
م 1303 - واختلفوا في الدم الذي يجب عليه، فكان سعيد بن جبير، والثوري، وأحمد، وأبو ثور يقولون: عليه بدنه.
وقال الشافعي: شاة.
وقال أصحاب الرأي: دم.
وقال عطاء، والقاسم بن محمد، والحسن، ومالك: عليه حج قابل، والهدى إذا أمنى، وبه قال إسحاق.
وقال أحمد مرة: إذا أمنى أفسد حجه، ومرة قال: أجبن عنه.
قال أبو بكر: يجب عليه شاة لا غير.

42 - باب المحرم يباشر زوجته
م 1304 - واختلفوا في المحرم يباشر زوجته، فقال عطاء، والشافعي: عليه شاة.
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: عليه دم.
وقال الحسن: في رجل ضرب بيده على فرج جاريته، عليه بدنه.
وقال سعيد بن جبير. إذا نال منها دون الجماع، عليه بقرة.
قال أبو بكر: قول الثوري حسن.

(3/207)


43 - باب المحرم يقبل زوجته
م 1305 - واختلفوا فيمن يقبل زوجته وهو محرم، فقال عطاء، وابن المسيب، وابن سيرين، والزهري، وقتادة، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: عليه دم.
روينا ذلك عن ابن عباس أنه قال لرجل فعل ذلك أفسدت حجك.
وقال عطاء قولاً ثانياً: يستغفر الله.
وكلت سعيد بن جبير أربع روايات، أحدها: كقول ابن المسيب، والثاني: أن عليه بقرة، والثالث: أفسد حجه، والرابع: ما نعلم فيها من شيء فاستغفر الله.

44 - باب المحرم يردد النظر إلى زوجته حتى يمنى من غير لمس ولا حس
م 1356 - فيمن ردد النظر حتى أمنى ولم يلمس، فقال الحسن البصري، ومالك: عليه حج قابل، والهدي.
وقال عطاء: عليه حج قابل.
وروينا عن ابن عباس قولين: أحدهما: أن عليه دماً، والثاني: أن عليه بدنه، وحجه تام.
ومال الثوري: إلى القول الآخر.
وقال سعيد [1/ 105/ب] بن جبير: يهريق دماً، وأعجب أحمد ذلك، وبه قال إسحاق.
وقال أبو ثور: لا شيء عليه، وحكى ذلك عن الشافعي والكوفي.

(3/208)


45 - باب المحرم يصيب امرأته في دبرها، أو يلوط، أو أتى بهيمة
م 1307 - واختلفوا في المحرم يصيب امرأته في دبرها، أو يلوط، أو يفعل ذلك ببهيمة، فقال الشافعي، وأبو ثور، أفسد حجه.
وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: ليس بمفسد قال: وقال أصحابه: اللوطي بمنزلة الزاني، وقالوا جميعاً في البهيمة: أنه ليس بمفسد.
وقال الشافعي: وأحمد: فيمن جامع ناسياً عليه القضاء.
وقال الشافعي. عليه الجزاء.

46 - باب الجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل الرمي يوم النحر
م 1308 - واختلفوا فيمن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الرمي، فقال عطاء، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور: عليه حج قابل.
قال عطاء، والشافعي: عليه بدنه.
وقال أبو ثور: عليه الهدي.
وقال مالك في الموطأ: "عليه الهدي، وحج قابل".
وزعم ابن أبي حازم: أن مالكاً رجع عما قال في الموطأ وقال: عليه عمرة وهدي.
وقال أصحاب الرأي: إذا كان مفرداً فعليه جزور، ويقضي ما بقى من حجه.

(3/209)


47 - باب من جامع بعد رمي الجمرة يوم النحر قبل الإفاضة
م 1309 - واختلفوا فيما على من أتى أهله بعد رمي الجمرة يوم النحر قبل الإفاضة، فقال الحسن البصري، والزهري، وحماد بن أبي سليمان: عليه حج.
وروينا ذلك عن ابن عمر.
وقال النخعي، والزهري، وحماد: عليه الهدى مع حج قابل.
وقال عكرمة، وربيعة، ومالك: يعتمر من التنعيم ويهدي.
وقال إسحاق: يعتمر من التنعيم.
وقال الأثرم: قال أحمد: يعتمر وعليه دم.
وقال ابن عباس، وعطاء، والشعبي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، عليه بدنه وحجة تامة.
م 1310 - واختلفوا فيمن قبل زوجته بعد الرمي في الإفاضة، فقال عمرو بن أبي دينار: لا شيء عليه.
وقال عطاء: لا أحب أن يقبل وقال مرة: عببه شاة إن قبل.

48 - باب ما يجب على من أخذ شعره في الإحرام
قال الله جل ثناءه: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} إلى قوله {أَوْ نُسُكٍ} الآية.

(3/210)


م 1311 - روينا عن ابن عباس أنه قال: يعني بالمرض أن يكون برأسه أذىً، أو قرح، [1/ 106/ألف] "أو به أذىً من رأسه"، وهو القمل.
وقال عطاء: المرض الصداع، والقمل وغيره.

49 - باب الفدية تجب على من حلق رأسه وهو محرم
قال الله جل ثناءه: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} الآية.
ودل حديث كعب بن عجرة على أن الحالق وهو محرم يجزيه أحد هذه الأشياء.
قال أبو بكر:
(ح 607) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عجرة لما أذا القمل في رأسه، أن يحلق رأسه وقال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان، أو أنسك شاة أي ذلك فعلت أجزا عنك.
م 1312 - وقال بظاهر خبر كعب بن عجرة هذا: مجاهد، والنخعي، وأبو مجلز، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
واختلف الناس فيه، فقال أحمد مرة: ما قال مالك، وقال مرة: إن أطعم براً فمدّ لكل مسكين، وإن أطعم تمراً فنصف صاع لكل مسكين.

(3/211)


وقال الثوري: في الفدية من البر نصف صاع، ومن التمر، أو الشعير، أو الزبيب، صاع صاع.
قال أبو بكر: وهذا غلط لأن بعض أخبار كعب:
(ح 608) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين.
وقال الحسن، وعكرمة، ونافع، الصيام عشرة أيام، والصدقة على عشر مساكين.
وقال أصحاب الرأي: نحوا مما قال الثوري.
م 1313 - وقد أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من حلق رأسه، جزّة،
وإتلافه بحلق، أو نورة، أو غير ذلك إلا في حال العلة.
م 1314 - وأجمعوا على وجوب الفدية على من حلق وهو محرم بغير علة.
م 1315 - واختلفوا فيما على من فعل ذلك، أو لبس، أو تطيب بغير عذر.
فقال مالك: هو في ذلك بالخيار بين الصدقة، والصيام، والنسك.
وقال أبو ثور: عليه دم، ولا خيار له، حكى ذلك عن الكوفي.

50 - باب تفريق الفدية إذا وجبت أين تكون
م 1316 - واختلفوا فيما يجب على المحرم من الفدية أين تفرق،

(3/212)


فقال عطاء: ما كان من دم فبمكة، وما كان من طعام، أو صيام فحيث شاء، وبنحو ذلك قال أصحاب الرأي.
وقال طاووس، والشافعي: الدم، وإلا الطعام بمكة، والصوم حيث شاء.
وقال مجاهد ومالك: حيث شاء صاحبه.
وقال أحمد: الفدية تمضي على حديث على إلا ما كان مما ترك من الحج، وبه قال إسحاق.
وقال أبو ثور: وما كان من قص ظفر، أو حلق شعر، أو غير ذلك فحيث فعله يجزيه، وما كان من هدي المتعة، وخبرا الصيد، ودم القران، ذبح بالحرم، وهدي الإحصار يذبح حيث أحصر.

51 - باب ما [1/ 106/ب] على من حلق موضع المحاجم، أو تنور أو طلا، وهو محرم
م 1317 - واختلفوا فيما يجب على من حلق موضع المحاجم، أو تنور أو طلأ بدنه بنورة، أو استحد، أو نتف إبطه، ففي قول عطاء: في كل واحدة من ذلك فدية، ولم يذكر موضع المحاجم، وقياس قوله: أن يكون عليه في ذلك مثل ما ذكر في سائر الأشياء التي ذكرت.
وقال قتادة في محرم أخذ من شاربه، أو قص أظفاره، أو نتف إبطه، أو تنور: عليه في كل واحدة منه إذا فعله دم، وهذا قول مالك والشافعي.
وقال أصحاب الرأي: "في المحرم يأخذ من شاربه، ويمس لحيته فينشر منها شعر، عليه في كل شيء من ذلك صدقة، فإن أخذ

(3/213)


ثلث رأسه، أو ثلث لحيته، أو نصفه، فعليه دم، فإن نتف ابطيه أو أحدهما فعليه دم، وكذلك إن استحد، أو أطلى بنورة، فإن نتف من إبطه شعراً قليلاً تصدق بشيء، وإن احتجم بحلق مواضع المحاجم فعليه أن يتصدق بشيء ففي قول يعقوب، ومحمد.
وقال النعمان: "من حلق موضع المحاجم عليه دم، وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم في قولهم جميعاً".
وفي قول الشافعي، وأبي ثور، عليه في كل شيء بما ذكرناه عن الكوفيين دم.
م 1318 - ولا فرق في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور بين القارن، والمفرد، والمعتمر في ذلك.
وقال أصحاب الرأي: في كل ذلك شيء يجب على المفرد فيه كفارة، وعلى القارن كفارتان.
قال أبو بكر: وبقول مالك، والشافعي أقول.

52 - باب المحرم ينتف من رأسه الشعرة والشعرتين والثلاث
م 1319 - واختلفوا فيمن نتف رأسه أو لحيته وهو محرم شعره أو شعرتين أو ثلاث شعرات، فروينا عن الحسن البصري أنه قال: عليه في الشعرة مدّ، وفي الشعرتين مدان، وفي ثلاث دم، وبه قال ابن عيية، والشافعي.

(3/214)


وحكى ابن عيينة عن عطاء: أن في ثلاث شعرات دماً، وبه قال أبو ثور وقال: فيما دون ذلك فدية.
وقال مالك: فيمن نتف شعراً يسيراً لا شيء عليه، إلا أن يكون أماط به عنه أذىً فأرى أن يفتدي.
وقال عبد الملك صاحبه: فيما قل من الشعر إطعام طعام، وفيما كثير فدية ثم قال: وذلك قول مالك.
وقال أحمد: الدم في الثلاث شعرات كثير.
وقال إسحاق: فيه دم، وقد ذكرت قول أصحاب الرأي فيما مضى وقد [1/ 107/ألف] روينا عن عطاء ثلاث روايات: إحداها: أن في ثلاث شعرات دماً، وروينا عنه أنه قال: ليس في الشعرة والشعرتين شيء وقال: فيمن مس لحيته فوقعت في يده شعرة أو شعرتان يطعم كفارة عن طعام.

53 - باب المحرم يأخذ من شعره ناسياً
م 1320 - قال عطاء: لا شيء على من مس لحيته، أوحكها فخرج في يده شعر، وكذلك قال الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال إسحاق: فيمن حلق ناسياً، لا شيء عليه وكذلك إن تطيب.
والشافعي يوجب في الحلق ناسياً الفدية.
وقال مالك بن أنس في الموطأ: "فيمن حلق عن شجه في رأسه لضرورة، أو حلق شعره لوضع المحاجم، وهو محرم ناسياً أو جاهلاً عليه الفدية".

(3/215)


وحكى ابن نافع عنه أنه قال: في الرجل ينزع مخاطاً ناسياً من أنفه فنزع معه شعرا، أو نفخ تحت قدره، أو أدخل يده في التنور فأصاب شعره لهب النار، لا فدية عليه.
وقال الثوري: من حلق متعمداً أو ناسياً عليه الكفارة.
قال أبو بكر: لاشيء عليه.

54 - باب أخذ الأظفار في الإحرام
م 1321 - أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره.
م 1322 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسراً منه، وممن حفظنا ذلك عنه ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، والحميدي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 1323 - واختلفوا فيما يجب على من أخذ جميع أظفاره، فقال حماد الكوفي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: عليه دم.
وقال عبد الملك الماجشون: فيه فدية.
واختلف فيه عن عطاء، فروينا عنه أنه قال: في أظفاره دم، وأصح من ذلك قوله: لا فدية عليه.

(3/216)


55 - باب من أخذ بعض أظفاره وهو محرم
م 1324 - واختلفوا فيمن أخذ بعض أظفاره وهو محرم، فقال الشافعي، وأبو ثور: إن أخذ ظفراً أطعم مسكيناً واحداً، وإن أخذ ظفراً ثانياً أطعم مسكينين، فإن أخذ ثلاثاً في مقام واحد أهراق دماً.
وفي قول أصحاب الرأي: "فيمن قص ظفراً من أظفاره أو اثنين، عليه إطعام مسكين لكل ظفر نصف صاع من حنطة، وإن كان قارناً أضعفت عليه الكفارة، فإن قص ثلاثة أظافر فعليه دم، ثم رجع النعمان عن هذا فقال: لا أرى عليه دماً حتى يقص أظافر يدٍ كاملة [1/ 107/ب] أو رجل كامل، وهو قول يعقوب، ومحمد، إلا أن محمداً قال: فإن قص خمسة أظافير متفرقة من يدين، أو رجلين أو يدٍ أو رجل كان عليه دم".

56 - باب المحرم يصيبه في أظفاره أذى فيقصها
م 1325 - قال أصحاب الرأي: "إذا أصابه من أظفاره أذىً فقصها، كفر بأي الكفارات شاء".
وقال أبو ثور: فيها قولان، هذا أحدهما، والثاني لا شيء عليه.
وقال ابن القاسم صاحب مالك: "فيمن أراد أن يداوي قرحه فلم يقدر على ذلك إلا أن يقلم أظفاره، لا شيء عليه".

(3/217)


57 - باب المحرم يقص أظفار الحلال أو يحلقه
قال أبو بكر:
م 1326 - كان عطاء، ومجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: في محرم أخذ شارب حلال لاشيء عليه.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
وقال سعيد بن جبير: يتصدق بدرهم.
واختلف عن مالك في هذا، فحكى ابن القاسم عنه أنه قال: في المحرم يحلق رأس الحلال عليه الفدية، وحكى معن عنه أنه قال: في المحرم يقص شعر الحلال وأن تيقن أنه لم يقتل قملاً، لا شيء عليه.

58 - باب ما على من حلق رأس محرم مكرها له أو وهو نائم
م 1327 - قال الشافعي: في هذه المسألة على المحرم الفدية يرجع به على المحل، يعني الفاعل به، إلا أن يصوم المحرم فلا يرجع بشيء المحلق.
وقال أبو ثور، وابن القاسم صاحب مالك، وإسحاق: لا شيء على المحرم.
وبه نقول.
وفيه قول ثالث: وهو أن على المحلوق دماً، وعلى الحالق صدقة.
هذا قول أصحاب الرأي.
وقال عطاء: في محرم أخذ من شارب المحرم، عليهما الفدية.

(3/218)


59 - باب من لبس وتطيب وحلق في وقت واحد
م 1328 - واختلفوا فيما يجب على من حلق، ولبس، وتطيب في وقت واحد، أو أوقات، فقال عطاء، وعمرو بن دينار: إذا حلق، ثم احتاج إلى الطيب، أو قلنسوة أو إليهما، فليطيب ويلبس القلنسوة، وإن كان بينهما أيام، فليس عليه إلا فدية واحدة.
وقال عطاء: إن لبس ولم يكفر، وتطيب ما لم يكفر (1) الأول فكفارة واحدة.
وقال الحسن البصري: إن لبس القميص، وتطيب، وتعمم، فعل ذلك جميعاً فليس عليه إلا كفارة واحدة.
وقال مالك: [1/ 108/ألف] فيمن حلق، ولبس الثياب، وتطيب، وقلم أظفاره في فور واحد فعليه فدية، فإن فعل ذلك شيئاً بعد شيء، فعليه في كل شيء فعله من ذلك كفارة كفارة.
وقال ابن القاسم: قال مالك: إن كانت نيته حين لبس الثياب أن يلبسها إلى برئه فجل يلبسها بالنهار ويخلعها بالليل، حتى مضى عشرة أيام فعليه كفارة واحدة.
وقال أحمد، وإسحاق: إن مس طيباً، ولبس، وحلق عليه كفارة واحدة، وإن فعل ذلك واحداً بعد واحد، فعليه في كل واحد دم.
وقال الشافعي: إن أخذ من شعره، وأظفاره، وتطيب فعليه في كل واحدة كفارة، وإن كان في مقام واحد، وإن لبس قميصاً وسراويل وخفين، عليه كفارة، فإن فرق فعليه في كل واحد كفارة.
__________
(1) تكرر في الأصل "وطيب ما لم, وطيب ما لم يكفر".

(3/219)


وقال أصحاب الرأي. "إن لبس القميص أو السراويل يوماً إلى الليل فعليه دم، وإن لبس أقل من يوم فعليه صدقة".

60 - باب ما نهى عنه المحرم من اللبس
م 1329 - أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص، والعمائم، والقلانس، والسراويلات، والخفاف، والبرانس.
(ح 609) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس ذلك كله.
(ح 610) وروينا عنه أنه نهى عن لبس الأقبية.
م 1330 - واختلفوا في لبس الأقبية للمحرم، فكره ذلك مالك.
وقال الأوزاعي، والشافعي، على من لبس القباء وهو محرم الفدية.
وقال عطاء يتردا به.
وقال النخعي: لا بأس أن يدخل منكبيه في القباء، وبه قال أصحاب الرأي، وأبو ثور.

(3/220)


61 - باب ما نهى عنه النساء من النقاب والقفازين
م 1331 - أجمع أهل العلم على أن للمرأة المحرمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف.
(ح 611) وجاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تنتقب المرأة المحرمة أو تلبس القفازين.
وقد اختلفوا في ثبوت ذلك، فجعل بعضهم ذلك من كلام ابن عمر.
م 1332 - واختلفوا في لبسها وهي محرمة القفازين، والنقاب، فقال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين.
وقال الأسود، وعلقمة: لا تنتقب المرأة.
وقال الحكم، وحماد: لا تلبس البرقع، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وكان مالك يكره القفازين، والنقاب.
وقال الثوري. لا تتبرقع، ولا تلتثم.
قال أبو بكر: أما البرقع والنقاب فمكروه، لأن كراهية ذلك ثابتة عن [سعد] (1) وابن عمر، وابن عباس، وعائشة.
ولا نعلم أحدا من. . . . . . . . (2)
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (مسعد)، والتصويب من المغني
(2) بدأ السقط من هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: جاء في المغني:
«وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ وَجْهِهَا فِي إحْرَامِهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّيهِ بِالسَّدْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَافًا
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَكَرَاهِيَةُ الْبُرْقُعِ ثَابِتَةٌ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ.» اهـ من المغني

(3/221)


[69 - باب المحرم لبس أو تطيب ناسيا]

(3/226)


ـ. . . . . . . . . . . . . (1) [1/ 108/ب] إلى الليل فعليه دم،
وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة يتصدق بها.
قال أبو بكر: لا شيء عليه إذا كان ناسياً أو جاهلاً استدلا [لا]:
(ح 615) بخبر يعلى بن أمية.

70 - باب ما يفعله من أحرم وعليه قميص
م 1341 - قال عطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وطاووس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: فيمن أحرم وعليه قميص ينزعه ولا يشقه.
واحتج الشافعي، وإسحاق.
(ح 616) بخبر يعلى بن أمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر السائل صاحب الجبة بنزعها.
وقد روينا عن النخعي أنه قال: ليشقه ويجعله من أسفل.
وقال أبو قلابة: يشقه.
وقال الشافعي: يخرق ثيابه.
قال أبو بكر: بالأول أقول.
__________
(1) انتهى السقط
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في المغني لابن قدامة ما يلي:
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَيَخْلَعُ اللِّبَاسَ، وَيَغْسِلُ الطِّيبَ، وَيَفْرَغُ إلَى التَّلْبِيَةِ)

• الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُتَطَيِّبَ أَوْ اللَّابِسَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ. قَالَ سُفْيَانُ: ثَلَاثَةٌ فِي الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ سَوَاءٌ؛ إذَا أَتَى أَهْلَهُ، وَإِذَا أَصَابَ صَيْدًا، وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا جَامَعَ أَهْلَهُ بَطَلَ حَجُّهُ. لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ فَقَدْ ذَهَبَ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدَّهُ، وَالشَّعْرُ إذَا حَلَقَهُ فَقَدْ ذَهَبَ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ فِيهَا سَوَاءٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ النِّسْيَانِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، مِثْلُ إذَا غَطَّى الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ ثُمَّ ذَكَرَ، أَلْقَاهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَوْ لَبِسَ خُفًّا، نَزَعَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

• وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ.

وَرَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ، أَوْ قَالَ: أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: اخْلَعْ عَنْك هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْك أَثَرَ هَذَا الْخَلُوقِ أَوْ قَالَ: أَثَرَ الصُّفْرَةِ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، «أَحْرَمْت بِالْعُمْرَةِ، وَعَلَيَّ هَذِهِ الْجُبَّةُ». فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ مَعَ مَسْأَلَتِهِ عَمَّا يَصْنَعُ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ إجْمَاعًا، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ، وَالْجَاهِلُ وَالنَّاسِي وَاحِدٌ

قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في المحلى لابن حزم:
وقال أبو حنيفة: من غطى رأسه، أو وجهه، أو لبس ما نهي عامدا، أو ناسيا، أو مكرها يوما إلى الليل فعليه دم، فإن فعل ذلك أقل من يوم فعليه صدقة،. . . . .
قال أبو محمد: أما أقوال أبي حنيفة فظاهرة الفساد والتناقض ولا نعلمها عن أحد قبله، ولا دليل على صحة شيء منها لا من قرآن، ولا من سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس؛ لأن تفريقه بين ذلك يوما أو أقل من يوم: دعوى فاسدة. . . . . . . .

(3/227)


(ح 617) لنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال.
(ح 618) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بنزع الجبة.

71 - باب من لبس المعصفر من الثياب
م 1342 - واختلفوا فيمن لبس المعصفر من الثيلب في الإحرام، فكانت عائشة، وأسماء ابنتي أبي بكر: تلبسان المعصفرات، وبه قال ابن عمر، وجابر.
وروينا عن عبد الله بن جعفر: أنه لبس ثوبين مضرجين وهو محرم.
وروينا عن عقيل بن أبي طالب أنه أحرم في موردتين، وبه قال الشافعي، وأحمد.
وكان عطاء: لا يرى بالممشق بأساً.
م 1343 - وكان عمر بن الخطاب: يكره لبس الثياب المصبغة.
وكان عطاء لا يراه طيباً.
وكان الثوري، وابن الحسن، وأبو ثور يقولون: لا يلبس المحرم المصبوغ بالعصفر.
وكره مالك: لبس المقدم بالعصفر للرجال والنساء أن يحرموا فيه لا ينتقض.

(3/228)


72 - أبواب ما نهى عنه المحرم من قتل الصيد
قال الله جل ثناءه: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} الآية وقال: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية.
م 1344 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المحرم إذا قتل صيداً عامداً لقتله، ذاكراً لإحرامه الجزاء، إلا مجاهد فإنه قال: من قتله متعمداً لقتله، ناسياً لحرمه فهو الخطأ المكفر، فإن قتله متعمداً لحرمه متعمداً له لم يحكم عليه.
قال أبو بكر: صواب ذاكراً لحرمه، متعمداً لقتله، ولا نعلم أحدا وافق مجاهداً على هذا القول، إذ هو خلاف الآية.
م 1345 - واختلفوا فيمن قتل صيداً خطأ وهو محرم، [1/ 109/ألف].
فقالت طائفة: لا شيء عليه، كذلك قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاووس، وأبو ثور.
وكذلك نقول.
وقال الحسن البصري، وعطاء، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: عليه الجزاء.

(3/229)


73 - باب من قتل الصيد في الإحرام مرة بعد مرة
قال أبو بكر:
م 1346 - كان ابن عباس يقول: لا يحكم عليه إلا في المرة الأولى، وبه قال شريح، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والنخعي، وقتادة.
وقال عطاء، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: يحكم عليه كلما أصاب الصيد، وذكر أبو ثور: ذلك عن مالك، والكوفي.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.

74 - باب إثبات الخيار لقاتل الصيد بين الهدى، والطعام والصيام
قال أبو بكر:
م 1347 - كان ابن عباس يقول: إن كان عنده جزاء ذبحه، وتصدق به، وإن لم يكن عنده جزاءه قوم جزاؤه دراهم، وقومت الدراهم طعاماً وصام، إنما أريد بالطعام الصيام، وبه قال الحسين البصري، والنخعي، وأبو عياض.
وقال الثوري: إن لم يجد هدياً أطعم، فإن لم يجد طعاماً صام.
وقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: هو بالخيار إن شاء أتى بالهدى، وإن شاء صام، وإن شاء تصدق، وقال عطاءكذلك.

(3/230)


وقد روى عن عطاء أنه قال: إنما جعل الطعام ليعلم به الصوم.
وقالت طائفة رابعة: إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الهدي، هذا قول سعيد بن جبير، والحسن بن مسلم.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: كل شيء في القرآن أو فهو مخير، وما كان فإن لم يجد فهو الأول فالأول.

وبقول مالك والشافعي أقول.

75 - باب معنى قوله: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} الآية.
قال أبو بكر:
م 1348 - كان ابن عباس يقول: جزاؤه من النعم دراهماً، ثم يقوم الدراهم طعاماً، ثم يصوم عن كل نصف صاع يوماً، وبه قال الحسن البصري، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
واحتج أحمد بقول ابن عباس واحتج غيره.
(ح 619) بخبر كعب بن عجرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمره أن يعطي كل مسكين نصف صاع من بر [1/ 109/ب].

(3/231)


وقال عطاء، ومالك، والشافعي: يصوم عن كل مد يوماً.
قال أبو بكر: والقول الأول أولى.
قال أبو بكر: وفي هذه المسألة سوى هذين القولين أربعة أقاويل، أحدهما: أن الصيام في جزاء الصيد ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، هذا قول سعيد بن جبير.
والقول الثاني: قول أبي عياض أن أكثر الصوم يكون أحد وعشرين يوماً.
وقد روينا عن ابن عباس قولاً ثالثاً. وهو أنه إن قتل ظبياً فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وإن قتل أيلاً أو نحوه فعليه بقرة، فإن لم يجدها أطعم عشرين مسكيناً فإن لم يجد صام عشرين يوماً، وإن قتل نعامة أو حمار وحش فعليه بدنه من الإبل، فإن لم يجدها أطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يجد صام ثلاثين يوماً والطعام مداً مداً.
قال أبو بكر: وهذا غير ثابت عن ابن عباس.
والقول الرابع، قول مال إليه أبو ثور: أن الخبراء في ذلك مثل كفارة الآدمي.

76 - مسائل من جزاء الصيد
قال أبو بكر:
م 1349 - كان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: إذا لم يجد الطعامٍ صام، ولا يجوز عندهم أن يطعم عن بعض الجزاء ويصوم بعضاً.

(3/232)


وقال ابن الحسن: إذا أطعم بعض المساكين، ثم عجز عن ذلك ولم يقدر على ما يطعم بقيتهم يصوم بقدر ما بقي لكل مسكين يوماً.
قال أبو بكر: الأول صحيح.
م 1350 - وقول عطاء، والشافعي إذا كان جزاؤه من الطعام أقل من مد، وأراد الصيام صام يوماً.
وقال النخعي، وحماد، والكوفي، والثوري، وأحمد، وإسحاق: إذا كان الذي يبقى أقل من نصف صاع صام يوماً.
م 1351 - وقال أبو ثور: الصيام في جزاء الصيد متتابعاً أحب إلي، ويجزيه أن يفرق، وبه قال أصحاب الرأي، ويجزيه ذلك على مذهب الشافعي.
م 1352 - وقال الشافعي وإسحاق: يحكم الذي أصاب الصيد على نفسه ورجل معه، وقد روينا عن النخعي أنه قال: إذا علم قاتل الصيد الحكم على نفسه لم يجزه حتى يحكم عليه، لقوله جل ذكره {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول لموافقة قول عمر.
كان عطاء يقول: ما جرا فيه الحكم أبيع يعني في جزاء الصيد، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وكان مالك يقول: يستأنف فيه [1/ 110/ألف] الحكم ولا أرى أن يخرج مما جاء فيه الاجتهاد عن آثار من مضى.
م 1353 - وروينا عن ابن عباس أنه قال: الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء، وبه قال عطاء، والشافعي، وأبو ثور.

(3/233)


وقال النخعي: الدم بمكة، والطعام والصوم حيث شاء، وهذا قول مالك، وبه قال أصحاب الرأي فيما احتسب.
م 1354 - قال الشافعي، وأبو ثور: لا يجزئ أن يفرق جزاء الصيد على مساكين أهل الذمة، ويجزئ في ذلك في قول أصحاب الرأي قالوا: وفقراء المسلمين أحب إلينا.
م 1355 - وإذا أعطى فقيراً في الظاهر، ثم علم أنه غني، لم يجزيه في قول يعقوب، وأبي ثور، ويجزيه في قول النعمان، ومحمد.
قال الشافعي: في نحو ذلك قولان: أحدهما: كقول يعقوب، والآخر كقول النعمان.
قال أبو بكر: قول يعقوب صحيح.

77 - باب ما يجزئ به الصيد من أراد أن يجزيه من النعم
قال أبو بكر:
م 1356 - روينا عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان أنهم قالوا: على من قتل نعامة وهو محرم بدنه من الإبل، وبه قال عطاء، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأكثر من لقيناه من أهل العلم.
وبه نقول.
وقد روينا عن النخعي أنه قال: في النعامة وأشباهها يصيبه المحرم ثمنه.

(3/234)


78 - باب بيض النعام تصيبه المحرم
م 1357 - واختلفوا في بيض النعام تصيبه المحرم.
فقالت طائفة: فيه ثمنه.
كذلك قال ابن عباس، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وبه قال الشعبي، والنخعي، والزهري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وفه قول ثان: وهو أن في صوم يوم، أو إطعام مسكين، روينا ذلك عن أبي عبيدة، وأبي موسى الأشعري.
وفي قول ثالث: وهو أن يحمل الفحل على إبلك فإذا نسبن لك لقاحها سميت عدل ما أصبت من البيض فقلت: هذا هدى ثم ليس عليك ضمانها، فما صلح من ذلك كما صلح وما فسد كما فسد فليس عليك كما البيض منه ما يصلح ومنه ما يفسد، وروينا ذلك عن علي بن أبي طالب.
وقال الحسن: فيه جنين من الإبل.
وقال مالك: "فيه عشر ثمن البدنه، كما يكون في جنين الحرة غرة عبد أو وليدة، وقيمة الغرة خمسون ديناراً [1/ 110/ب] فكذلك عشر دية أمه".
وقد روينا عن عطاء: في هذه المسألة خمسة أقوال.
أحدها: كقول علي، والثاني كقول الحسن، والثالث: أن فيها كبشاً، والرابع: أن فيها درهماً، والخامس: كما قال علي، فإن لم يكن له إبل ففي كل بيضة درهمان.

(3/235)


79 - باب حمار الوحش وبقرة الوحش يصيبها المحرم
قال أبو بكر:
م 1358 - روينا عن أبي عبيدة، وابن عباس، والنخعي أنهم قالوا: في حمار الوحش يصيبه المحرم بدنه.
وقال عطاء، ومجاهد، والشافعي: بقرة.
م 1359 - وروينا عن ابن مسعود، وعطاء بن أبي رباح، وعروة، وقتادة، والشافعي أنهم قالوا: في بقرة الوحش بقرة.
وقال ابن عمر: في الأروى بقرة.
وروينا عن ابن عباس أنه قال: في الأيل بقرة، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكيناً، فإن لم يجد صام عشرين يوماً.

80 - باب الضبع يصيبه المحرم
قال أبو بكر:
م 1360 - ثبت أن عمر بن الخطاب قال: في الضبع كبش، وبه قال ابن عباس، وعطاء، والشافعي، وأبو ثور.
وقال مالك: على قاتله الجزاء.
وقد روينا عن علي أنه قال: "إن قتله قبل أن يعدوا عليه ففيه شاة مسنة".

(3/236)


وقال الأوزاعي: كان العلماء بالشام يعدونها من السباع، ويكرهون أكلها.
قال أبو بكر: وبقول عمر نقول.
(ح 620) وفي حديث مسند أن منه كبشاً إذا أصابه المحرم.

81 - باب الظبى يصيبه الحرم
قال أبو بكر:
م 1361 - ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال: فيه شاة، وروى ذلك عن علي.
وقال عطاء، وعروة بن الزبير، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي: فيه شاة.
وكذلك نقول، ولا يحفظ فيه عن غيرهم خلاف.

82 - باب الأرنب يصيبه المحرم
م 1362 - قال عمر بن الخطاب: في الأرنب عناق، وبه قال الشافعي.
قال أبو ثور: فيه جزاؤه من النعم.
وقال ابن عباس: في الأرنب جمل.
وقال عطاء: شاة، وقال: قيمتها طعاما.

(3/237)


وقال النعمان: في قيمته، فإن كان قيمته دون ما يكون جذع من الضأن، أو ثنى من المعز، ففيه صدقة أو صيام.
وقال يعقوب، ومحمد: يجزيه للآثار التي جاءت في ذلك.
وكان الحسن البصري: لا يؤقت فيه شيئاً.

83 - باب اليربوع يصيبه المحرم
م 1363 - قال عمر بن الخطاب: في اليربوع جفرة، [1/ 111/ألف] وروى ذلك عن ابن مسعود، وبه قال عطاء، والشافعي، وأبو ثور.
وقال مجاهد مرة: سخلة، وقال مرة، فيه شاة.
وقال إسحاق: فيه ثمنه.
وقال مالك: فيه قيمته طعام، فإن شاء أطعم كل مسكين مداً وإن شاء صام لكل مدٍ يوماً.
وقال النعمان: فيه قيمته.
وقال يعقوب، ومحمد: تجزأ للآثار التي جاءت في ذلك.
وقال عمرو دينار: ما سمعنا أن الضبع واليربوع يؤذيان.

84 - باب الثعلب يصيبه المحرم
قال أبو بكر:
(ح 621) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل ذي ناب من السباع.

(3/238)


م 1364 - واختلفوا في الثعلب يقتله المحرم، فقال الزهري: الثعلب سبع.
وقال عمرو بن دينار ما سمعنا أن الثعلب يفدى.
وقال ابن أبي نجيح: ما كنا نراه إلا سبعاً.
وقال طاؤس، وقتادة، والشافعي: الثعلب يؤكل وهو صيد.
وقال مالك: يفدى المحرم الثعلب إذا قتله.
وكان الحسن: لايوقت منه شيئاً.
وقال أحمد: أمر يشتبه.
وقد اختلف فيه عن عطاء، فروى عنه أنه قال: فيه شاة وقال مرة: قد سمعت الثعلب، وما سمعت فيه من ثبت.
قال أبو بكر: الثعلب سبع داخل فيما حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- من السباع، غير خارج منه بسنة.

85 - باب الضب يصيبه المحرم
م 1365 - قال عمر بن الخطاب: في جدى، قد جمع الماء والشجر، وبه قال الشافعي.
وقال جابر بن عبد الله، وعطاء: فيه شاة.
وقال مجاهد: حفنة من طعام.
وقال قتادة: فيه صاع من تمر.
وقال مالك: فيه قيمته من الطعام وهو مخير إن شاء صام، وإن شاء أطعم.

(3/239)


وقال أبو ثور: فيه جزاؤه من النعم.
وقال النعمان: فيه قيمته.
وقال يعقوب، ومحمد: يجزئ للآثار التي جاءت في ذلك.

86 - باب الوبر (1)
م 1366 - قال مجاهد: فيه شاة، وقال كذلك عطاء: إن كان يؤكل.
وقال الشافعي: إن كانت العرب تأكله، ففيه جفرة.

87 - باب الورل
قال أبو بكر:
م 1367 - روى عن عطاء: أنه قال فيه، وفي القطاة، والحجلة شاة.
وروى ذلك عن جابر بن عبد الله.
وروى عن مجاهد أنه قال: فيه طعام.
__________
(1) في الأصل: الورك" وظن أنه الورل, بفتحتين من اللام, والأنثى ورلة, وهي دابة على خلقه الضب, أعظم منه, طويل الذنب دقيقة, وقال عبد الرزاق: الورل شبه الضب "عب" 4/ 530 رقم 8747.

(3/240)


88 - باب [1/ 111/ب] حمام الحرم
قال أبو بكر:
م 1368 - كان ابن عباس، وابن عمر يقولان: فيها شاة.
وروينا عن عثمان، ونافع بن عبد الحارث أنهما حكما بذلك على عمر بن الخطاب، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
وكان النعمان من بينهم يقول: في حمام الحرم قيمته.
م 1369 - واختلفوا في حمام الحل، فقال ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: فيها شاة.
قال عطاء: في كل شيء سمته العرب حماماً فأصابه المحرم ففيه شاة.
وقال النخعي، والزهري، والنعمان: في حمام الحل ثمنه.
وقال مالك: فيها حكومة، ولا يشبه حمام مكة.
وقال قتادة فيه درهم.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: كل شيء سوى حمام الحرم ففيه ثمنه.

89 - باب بيض الحمام
قال أبو بكر:
م 1370 - روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: في كل بيضتين درهم، وبه قال عطاء.
وقال الزهري، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبو ثور: قيمته.

(3/241)


وروينا عن الحسن أنه كان لا يوقت في المحرم يصيب البيض شيئاً.
وقال مالك: في بيض حمام الحرم بمكة عشر دية أمه، وفي أمه شاة.

90 - باب الحمام الأهلي
م 1371 - قال عطاء: الحمامة الشامية ليس يصيد.
وكان مالك: يكره ذبحه للمحرم، الوحشي وغير ذلك.
وقال أصحاب الرأي: إن الحمام أصله كله صيد، فلا ينبغي للمحرم أن يذبحه.
وقد روينا عن عطاء أنه قال: في الحمام الشامي ثمنه.
والله أعلم بالصحيح من قوليه.

91 - باب الدبسي، والحجلة، وغير ذلك
م 1372 - واختلفوا في الدبسي، والحجلة، والقطاة، والحبارى.
فروينا عن ابن عباس: أنه قال: شاة شاة، وكذلك روى عن جابر ابن عبد الله أنه قال: في الحجلة والقطاه، والحبارى.
وقال عطاء: في الحمامة، والقمري، والدبسي، واليعقوب، والحجلة، والقطاة، والحبارى، والكروان، والكركي، وابن الماء

(3/242)


ودجاجة الحبش، والخرب شاة شاة، وخالفه في سائر ما ذكرناه عنه فجعل في كل واحدة من ذلك قيمته.

92 - باب العصفور
م 1373 - قال الأوزاعي: فيه مد من طعام.
وقال الشافعي، وأبو ثور: فيه قيمته.
وقال عطاء: في نصف درهم، ومرة قال: يحكم به ذوا عدل [1/ 112/ألف].

93 - باب من أخذ حمامة ليخلص ما في رجليها فماتت
قال أبو بكر:
م 1374 - كان عطاء يقول: لاشيء على من أخذ حمامة ليخلص ما في رجليها فتموت.
وقال قتادة: عليه الجزاء.
وقال الشافعي: يحتمل ما قال عطاء، ولو قال لرجل: هو ضامن، كان وجهاً محتملاً.
قال أبو بكر: لا شيء عليه.

(3/243)


94 - باب الجماعة يشتركون في قتل الصيد
م 1375 - واختلفوا في الجماعة يشتركون في قتل الصيد، فكان ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: عليه جزا واحد.
وروى عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف أنهما قالا: في رجلين أصابا ظبياً فيه شاة.
وقال الحسن البصري، والشعبى، والنخعي ومالك، والثوري، والماجشون، وأصحاب الرأي: على كل واحد منهم جزاء.
وقال عطاء: إن أكلا فعلى كل واحد منهما جزاء.
م 1376 - واختلف مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، في الجماعة يقتلون الإنسان خطأ، فقال مالك: على كل واحد منهم كفارة.
وقال الأوزاعي، وأبو ثور: عليهم كفارة واحدة، وقال أبو ثور: مثله في جزاء الصيد.
وفرق الشافعي: بين المسألتين فجعل في باب الصيد عليهم جزاءً واحداً، وقال في باب القتل: على كل واحد منهم كفارة.

95 - باب المحرم يدل المحرم على الصيد
م 1377 - واختلفوا في محرم دل محرماً على صيد فقتله الذي دل عليه.
فقال عطاء: وحماد بن أبي سليمان: عليهما كفارة واحدة.

(3/244)


وقال الشعبى، والحارث العكلي: على كل واحد منهما كفارة، وبه قال أصحاب الرأي.
وقال سعيد بن جبير: على كل واحد من القاتل، والآمر، والمشير، والدال جزاء.
وقال الشافعي، وأبو ثور: الجزاء على القاتل، لأن الله تبارك وتعالى إنما ألزم الجزاء القاتل.
م 1378 - واختلفوا في محرم دل حلالاً على صيد فقتله، فروى عن علي، وابن عباس أنهما قالا: عليه الجزاء، وبه قال عطاء، وبكر بن عبد الله المزني، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال مالك، والشافعي، والماجشون وأبو ثور: لا شيء على الدال.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.

96 - باب المحرم يذبح الصيد
م 1379 - واختلفوا في المحرم يذبح الصيد،. . . . . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط من هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة، ما يلي:
وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً، يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: يَأْكُلُهُ الْحَلَالُ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ، أَنَّهُ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَبَاحَتْ ذَكَاتُهُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَبَاحَتْ الصَّيْدَ، كَالْحَلَالِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَحِلَّ بِذَبْحِهِ كَالْمَجُوسِيِّ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، وَفَارَقَ غَيْرَ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَرَّمُ ذَبْحُهُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ.

(3/245)


[104 - باب أكل الصيد إذا كان محرما]

(3/249)


(1) [1/ 112/ب] أبي طالب، وابن عمر لا يريان أكل الصيد إذا كان محرماً.
وكره ذلك طاووس، وجابر بن زيد، والثوري، وإسحاق.
وقد روينا عن ابن عباس، وعطاء قولاً رابعاً، قالا: ما ذبح وأنت حرام، فهو عليك حرام.

105 - باب العبد يصيب الصيد وهو محرم
م 1389 - قال الحسن البصري: في الصيد إذا قتله العبد وهو محرم فعليه جزاؤه، وقال مالك: كفارته مثل كفارة الحر.
وقال أبو ثور: إن أعطاه مولاه ما يكفر به عن الصيد كفر، وإلا صام.
وقد روينا عن الحسن أنه قال: يلزم السيد جزاء الصيد إذا كان أذن في الحج له.
وفيه قول ثالث: وهو أن الذي يلزمه الصوم لا يجزيه غير ذلك، هذا قول الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.

106 - باب الجراد يصيبه المحرم
م 1390 - واختلفوا في الجراد يصيبه المحرم، فروينا عن ابن عباس، وكعب أنهما قالا: هو من صيد البحر.
قال عروة: الجراد من نثرة حوتٍ فكلوه براً وبحراً.
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: جاء في (الاستذكار) لابن عبد البر، في مسألة (أكل المحرم لما صاده الحلال) ما يلي:
وَهَذَا بَابٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْخَلَفُ وَالسَّلَفُ
• فَكَانَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَرَوْنَ لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ كُلِّ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي يَحِلُّ لِلْحَلَالِ أَكْلُهُ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ. . . . .

• وَقَالَ آخَرُونَ لَحْمُ الصَّيْدِ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَجُوزُ لِمُحْرِمٍ أَكْلُ صَيْدٍ أَلْبَتَّةَ عَلَى ظَاهِرِ عُمُومِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) [الْمَائِدَة: 96]، قال ابن عَبَّاسٍ: هِيَ مُبْهَمَةٌ
وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وبن عُمَرَ لَا يَرَيَانِ أَكْلَ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ مَا دَامَ مُحْرِمًا
وَكَرِهَ ذَلِكَ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ مِثْلُ ذَلِكَ. . . . .

• وَقَالَ آخَرُونَ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَمَا لَمْ يَصِدْ لَهُ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ فَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ بِأَكْلِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ. . . .

(3/250)


وقال آخرون: فيه صدقة إذا أصابه المحرم. وروى معنى هذا القول عن عمر بن الحطاب، وعن عبد الله بن عمر، وأن في الجراد تمرة.
وقال ابن عباس: فيمن قتل جرادة وهو محرم تصدق بقبضة من طعام.
وقال عطاء: في الجرادة قبضة أو لقمة.
وقال الشافعي، وأبو ثور: في الجرادة القيمة.

107 - باب طير الماء
قال أبو بكر:
م 1391 - كان الأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يرون طير الماء من صيد البر، ويجعلون فيه على المحرم بقتله الجزاء، وهذا قول عوام أهل العلم.
وقد روينا عن عطاء أنه قال في طير الماء: حيث يكون أكثر فهو صيد.
قال أبو بكر: القول الأول أولى.

108 - باب صيد البحر
م 1392 - أجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباح للمحرم إصطياده،

(3/251)


وأكله، وبيعه، وشراءه.
م 1393 - واختلفوا في معنى قوله: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} الآية (2).
فقال ابن عباس: طعامه ما لفظ البحر.
وقال: ما ألقى.
وقال سعيد بن المسيب: صيده ما اصطدت، وطعامه ما تزودت مملوحاً.
وقال سعيد بن جبير: المالح.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: طعامه مليحه.

109 - باب الدواب التي أبيح للمحرم قتلها
قال أبو بكر:
(ح 622) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام الغراب، [1/ 113/ألف] والحدأة، والفأر، والعقرب، والكلب العقور.
م 1394 - وقال بظاهر هذا الخبر الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، غير أن أحمد لم يذكر: الفأر.

(3/252)


وكان مالك يقول: "الكلب العقور: ما عقر الناس وعدا عليهم مثل الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، وأما مالا يعدو من السباع مثل الضبع، والهر، والثعلب، فلا يقتلهن المحرم، فإن قتل شيئاً منهن فداه".
وقال ابن عيينة: معناه كل سبع يعقر ولم يخص به الكلب.
وكذلك قال أبو عبيد.
وقال أصحاب الرأي في المحرم يقتل السبع: "إن كان السبع ابتدأه فلا شيء عليه، وإن كان المحرم ابتدأ السبع فعليه قيمته إلا أن يكون قيمته أكثر من الدم فعليه دم ولا يجاوزه، وليس على من قتل الكلب والذئب شيء إبتدياه، وابتداهما".

110 - باب الحية
قال أبو بكر:
م 1395 - ثبت أن عمر بن الخطاب: أمر المحرمين بقتل الحيّات وبه قال ابن عباس، وسالم، ونافع مولى ابن عمر، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلمهم اختلفوا في ذلك.
وبه نقول.

(3/253)


111 - باب الغراب
قال أبو بكر:
م 1396 - أباح أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم قتل الغراب في الإحرام، وروينا عن ابن عمر: أنه كان يرمي غراباً وهو محرم.
وكان مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور وأصحاب الرأي، يبيحون قتله للمحرم.
وروينا عن عطاء أنه قال في محرم كسر قرن غزال قال: إن أدماه فعليه الجزاء، وإن لم يدمه أطعم شيئاً.
وقال بعض أهل الحديث: المباح منه أن يقتل في الإحرام الغراب الأبقع دون سائر الغربان.
قال أبو بكر:
(ح 623) وقد روينا في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه احتج هذا القائل.

112 - باب الفارة
قال أبو بكر:
(ح 624) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خمس لا جناح على من قتلهن في

(3/254)


الإحرام، فذكر الفارة.
م 1397 - وروينا إباحة ذلك عن أبي سعيد الخدري، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور: وأصحاب الرأي ومن تبعهم.
وقال عطاء في الجرذ الوحشي: ليس بصيد فاقتله.
ومنع النخعي المحرم من قتل الفارة، وهذا لا معنى له، لأنه خلاف السنة، وقول أهل العلم.

113 - باب قتل المحرم السباع
م 1398 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السبع إذا بدأ للمحرم فقتله فلاشيء عليه.
م 1399 - واختلفوا فيمن بدأ السبع وهو محرم فقتله، فكان مجاهد، والنخعي، يقولان: لا يقتل المحرم من السباع إلا ما عدا عليه.
وقال ابن عمر: ما حل بك من السباع فأحل به، وبه قال الشعبي، والثوري، وبمعناه قال أحمد، وإسحاق.
وقال عطاء، وعمرو بن دينار، والشافعي، أبو ثور: لا [1/ 113/ب] بأس بقتله للمحرم عدا عليه أو لم يعد.
وبه نقول.

(3/255)


م 1400 - وأباح قتل الذئب عمر بن الخطاب، وعطاء، وقبيصة بن ذويب، ومالك، والشافعي وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم من أهل العلم.

114 - باب قتل المحرم البعوض، والبراغيث، والبق، والزنبور
قال أبو بكر:
م 1401 - كان الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: لا شيء على من قتل البعوض، والبراغيث، والبق في الإحرام، وكذلك قال عطاء: في البعوض، والبراغيث، والبق، والذباب.
وكان مالك يقول: "الذباب، والذر، والنمل إذا وطئ عليهن فقتلهن أرى أن يتصدق بشيء من الطعام".
وكان الشافعي يكره: قتل النملة، ولا يرى على قاتلها شيئاً.
وأما الزنبور: فقد ثبت عن (1) عمر بن الخطاب أنه كان يأمر بقتله.
وقال عطاء، وأحمد: لا جزاء فيه.
وقال مالك: يطعم شيئاً.
__________
(1) في الأصل "أن عمر".

(3/256)


115 - باب حجامة المحرم
قال أبو بكر:
(ح 625) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم.
م 1402 - واختلفوا في حجامة المحرم، فرخص فيه مسوق، وعطاء، وعبيد بن عمير، والثوري، والشافعي وأحمد، وإسحاق ما لم يقطع الشعر.
وقال قوم: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة، ثبت ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك.
وروينا عن الحسن أنه كان يرى على المحرم يحتجم دماً يهريقه.
قال أبو بكر: للمحرم أن يحتجم من علة للأخبار التي رويناها في ذلك، ولا شيء عليه إن احتجم بغير ضرورة، وعليه إن حلق موضع المحاجم الفدية.

116 - باب اغتسال المحرم
قال أبو بكر:
م 1403 - كان عمر بن الخطاب يغتسل وهو محرم.
وممن رخص في ذلك جابر بن عبد الله، وابن عمر، وسعيد بن جبير، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

(3/257)


وكان مالك يكره للمحرم أن يغطس في الماء ويغيب رأسه فيه.
م 1404 - وقد أجمع أهل العلم على أن على المحرم أن يغتسل من الجنابة.
وبقول عمر نقول.

117 - باب غسل المحرم رأسه بالسدر
قال أبو بكر:
م 1405 - كره جابر بن عبد الله، ومالك: غسل المحرم رأسه بالخطمى.
وقال مالك: عليه الفدية، وبه قال النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: عليه صدقة.
وقال الشافعي: لا يغسل المحرم رأسه بسدر ولا خطمى.
وقال أبو ثور: إن [1/ 114/ألف] ذلك فلا شيء عليه.
وقد روينا عن طاووس، ومجاهد، وعطاء أنهم رخصوا لمن لبّد رأسه فشق عليه الحنق، له أن يغسله بالخطمى حتى يلين.
وكان ابن عمر يفعل ذلك.
قال أبو بكر. ذلك مباح.
(ح 626) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يغسلوا الميت المحرم بماء وسدر، وقد أمرهم
أن يجنّبوا مما يجتنب المحرم الحيّ.
فدلّ ذلك على إباحة غسل الرأس بالسدر للمحرم، والخطمى في معناه.

(3/258)


118 - باب معالجة العين إذا أصابه المحرم رمدٌ بالصَّبِر
قال أبو بكر:
م 1406 - ثبت أن ابن عمر قال: يكتحل المحرم بكل كحل ما لم يكن فيه طيب، ويتداوى كل دواء ما لم يكن فيه طيب.
ورخص في الكحل للمحرم الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، غير أن أحمد، وإسحاق قالا: لا يعجبنا ذلك للزينة.
وقال الشافعي: إن فعلا فلا أعلم عليهما منه فدية، يعنى الرجال والمرأة.
وقال مالك: لا بأس أن يكتحل المحرم من حرٍّ يجده في عينه بالإثمد وغيره.
وكان مجاهد يكره ذلك.
م 1407 - وكره الإثمد للمحرمة الثوري، وأحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: لا أعلم ذلك مكروهاً.
(ح 627) وقد ثبت إباحة ذلك بالصبر للمحرم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

119 - باب السواك للمحرم
(ح 628) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: (1) لولا أن أشق على
__________
(1) في الأصل "أبو بكر لولا".

(3/259)


أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء.
م 1408 - [قال أبو بكر] (1): دخل في ذلك المحرم والصائم في شهر رمضان وغيره، ولا أعلم أحداً منع السواك.

120 - باب شم الريحان للمحرم
قال أبو بكر:
م 1409 - وممن قال: لا بأس أن يشم المحرم الريحان ابن عباس، والحسن البصري، ومجاهد، وإسحاق.
وكره ذلك جابر بن عبد الله، وابن عمر، والثوري، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال مالك، وأصحاب الرأي: لا شيء عليه إن شم الريحان.
وقال الشافعي، وأبو ثور: عليه الفدية.
واختلف فيه عن عطاء، وأحمد.

121 - باب إدهان المحرم
م 1410 - واختلفوا في المحرم يدهن بالبنفسج، فكره ذلك مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال أصحاب الرأي: إن إدّهن بالبنفسج وأكثر فعليه دم.

(3/260)


وقال الأوزاعي: لا يدهن بدهن فيه طيب، [1/ 144/ب] وإن فعل أفدى، وقال الشافعي: ليس بطيب.
م 1411 - واختلفوا في جلوس المحرم عند العطار، فقال عطاء: إن جلس عنده متعمداً كفر.
وكره ذلك مالك.
وقال الشافعي: لا شيء عليه.
قال أبو بكر:
م 1412 - أجمع أهل العلم على أن للمحرم أن يأكل الزيت، والشحم والسمن، والشيرج.
م 1413 - وأجمع عوام أهل العلم على أن للمحرم أن يدهن بدنه بالشحم، والزيت والسمن.
م 1414 - وأجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه ففرقوا بين الطيب، والشحم والزيت.
م 1415 - وكره مالك، والشافعي، والأوزاعى، وأبو ثور: أن يدهن المحرم رأسه بالزيت، والسمن.
وكان مالك، والشافعي، وأبو ثور يقولون: عليه الفدية إن فعل ذلك.
وقال عطاء: عليه الكفارة إن دهّن رأسه بالزيت لأنه قد زيته، وكان النعمان يقول: إن دهن بزيت غير مطبوخ عليه دم.
وقال يعقوب، ومحمد: عليه إطعام فإن كان زيتاً قد طبخ وجعل فيه طيب فعليه دم.
قال أبو بكر: لا أعلم عليه شيئاً، لأني لا أعلم حجة توجب ذلك.

(3/261)


وقد حكى عن الحسن بن صالح: أنه أمر رجلاً أن يدهّن رأسه بدهن سمسم وهو محرم، أظنه رأى به شعثاً شديداً.

122 - باب الخشكنانج الأصفر للمحرم
م 1416 - واختلفوا في أكل الخشكنانج الأصفر للمحرم، فروي عن ابن عمر، وعطاء ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاؤس، والنخعي، أنهم لم يكونوا يرون بأكله بأساً، وهذا على مذهب أصحاب الرأي.
وقال مالك: لا بأس مما مسّت النار من الطعام بالذي فيه زعفران، وبه قال الحميدي، وأحمد، وقال أحمد: إذا لم يوجد له طعم ولا ريح.
م 1417 - وكان سفيان، والثوري، ومالك، والحميدي، وإسحاق: يكرهون الملح الأصفر للمحرم، ويفرقون بينه وبين ما مسّت النار منه.
وقال أصحاب الرأي: لا بأس بما مسّت النار منه أو لم تمسّه النار.
وكره أكل الخشكنانج الأصفر للمحرم جعفر بن محمد.
وقال الشافعي مرة: إن وجد ريح الزعفران، أو طعمه، أو صبغ لسانه إقتدائيا كان أو نضيجاً، وقال مرة: يفتدى إذا ظهر ريح الزعفران أو طعمه، وإن ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد.

123 - باب لبس الحلي للمرأة المحرمة
قال أبو بكر.
م 1418 - رخص في لبس الحلي للمرأة المحرمة عائشة أم المؤمنين، وأحمد، وأصحاب الرأي.

(3/262)


وقال عطاء: أكره الزينة والحلي للحرام، وكره ذلك الثوري، وأبو ثور.
قال أبو بكر: لا يجوز منع [1/ 155/ألف] المحرم منه بغير حجة.

124 - باب الخضاب للمحرمة
قال أبو بكر:
م 1419 - كان مالك، وابن الحسن يكرهان الخضاب للمحرمة، وألزماها الفدية إذا اختضبت بالحناء.
وقال الشافعي مرة: كذلك إذا ألقت على بدنها، وقال مرةً: لاشيء عليها.
وقد روينا عن عكرمة أنه قال: كانت عائشة وأزواج النبي- صلى الله عليه وسلم -صلى الله عليه وسلم - يختضبن بالحناء وهن حرم.
قال أبو بكر: ليس على المحرمة في الخضاب شيء.

125 - باب نظر المحرم في المرآة
قال أبو بكر:
م 1420 - كان ابن عباس، وطاووس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق يقولون: لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم، وكان أبو هريرة يفعل ذلك.
وكره ذلك عطاء الخراساني.

(3/263)


وقال مالك: لا يفعل ذلك إلا من ضرورة، ويبقى في هذه المسألة قولان أحدهما: أن لا بأس به، والآخر: أن لا ينظر لزينة.
قال أبو بكر: لا بأس به.

126 - باب المحرم يتقلد السيف
قال أبو بكر:
م 1421 - كان عطاء، والشافعي يقولان: يتقلد المحرم السيف.
وقال مالك، يتقلد إن احتاج إليه.
وقد روينا عن الحسن أنه كره ذلك.
وبقول عطاء أقول.

127 - باب في دخول المحرم الحمام
قال أبو بكر:
م 1422 - ثبت أن ابن عباس قال: يدخل المحرم الحمام.
وكان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، وصاحباه لا يرون به بأساً.
وقال مالك: من دخل الحمام فتدلك وأنقى الوسخ، فعليه الفدية.

(3/264)


قال أبو بكر: قول ابن عباس، وسائر أهل العلم أولى، ولا حجة لمن منع منه.

128 - باب غسل المحرم ثيابه
قال أبو بكر:
م 1423 - كان جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابن عباس، وابن جريج، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور لا يرون بأساً أن يغسل المحرم ثيابه، وحكى ذلك أبو ثور عن الكوفي.
وقال مالك: أكره ذلك إلا أن تصيبه جنابة فغسله بالماء وحده احتساباً أن يقتل الدواب.
قال أبو بكر: لا بأس به.

129 - باب القملة يقتلها المحرم
قال أبو بكر:
م 1424 - روينا عن ابن عمر أنه قال: في القملة يقتلها المحرم يتصدّق بحفنة من طعام.
وروينا عنه أنه قال: أهون مقتول.
وقال عطاء: قبضة من طعام، وكذلك قال قتادة.
وقال مالك: حفنة من طعام.

(3/265)


وقال أحمد: يطعم عنه شيئاً.
وقال إسحاق: [1/ 115/ب] تمرة فما فوقها.
وقال أصحاب الرأي: ما يصدق به إذا قتلها فهو خير منها.
وقال الثوري: يقتلها ويكفر إذا أكثر.
وكان طاووس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأبو ثور يقولون: ليس فيها شيء.
وقال الشافعي: إن قتلها من رأسه افتدى بلقمة، وإن كانت ظاهرة على جسده فقتلها فلا فدية عليه.
قال أبو بكر. لا شيء فيها، وليس مع من أوجب عليه في قتلها فدية حجة.

130 - باب حك المحرم رأسه
قال أبو بكر:
م 1425 - رخص في حك المحرم رأسه جابر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وكان ابن عمر يحك: بأنامله.
ورخص الشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق وقالا: بقول ابن عمر.
وقال الثوري: أرفق برأسك إذا حككته، وكذلك قال أصحاب الرأي.
قال أبو بكر. هو مباح.

(3/266)


131 - باب تقريد المحرم بعيره
م 1426 - واختلفوا في تقريد المحرم بعيره، فممن أباح ذلك عمر بن الخطاب، وابن عباس، وجابر بن زيد، وعطاء، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وكان ابن عمر يكره ذلك، وتبعه مالك.
وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: في المحرم يقتل قراداً يتصدق بتمرة أو تمرتين.
قال أبو بكر: لا بأس به.

132 - باب استحباب دخول مكة نهاراً
قال أبو بكر:
(ح 629) ثبت أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بات بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة.
م 1427 - وكان ابن عمر يفعله، واستحب النخعي، وإسحاق: دخولها نهاراً، وكانت عائشة أم المؤمنين، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز يدخلون مكة ليلاً وكان طاؤس، وعطاء، لا يرون بذلك بأساً.

(3/267)


وقال عطاء، والثوري: إن شئت دخلتها ليلاً أو نهاراً.
قال أبو بكر: دخولها نهاراً أحب إلىّ، ولا بأس بدخولها ليلاً.
(ح 630) وقد دخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلاً عام اعتمر من الجعرانة.

133 - باب استحباب الاغتسال لدخول مكة
قال أبو بكر:
(ح 631) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما دخل ذا طوى حتى أصبح فاغتسل ثم دخل مكة من أعلى مكة من كَدا.
م 1428 - وكان ابن عمر، وعروة، [1/ 116/ألف] يغتسلان بذي طوى.
واستحب ذلك الشافعي.
واغتسل الأسود بن يزيد، وعمرو بن ميمون، والحارث بن سويد ببئر ميمون.

134 - باب استحباب تجديد الوضوء للطواف بالبيت
قال أبو بكر:

(3/268)


(ح 632) روينا عن عائشة أنه أول شيء بدأ به تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت.
قال أبو بكر:
(ح 633) وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: اقضي ما يقضيه الحاج غير أن لا تطوفي
باليت حتى تطهري " وكانت حائضاً.
دلالة على أن الطواف لا يجزئ إلا طاهراً.
م 1429 - وقال بجملة هذا القول ابن عمر، والحسن بن علي، وأبو العالية، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.

135 - باب رفع اليدين عند رؤية البيت
قال أبو بكر:
(ح 634) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ترفع الأيدي في سبع مواطن، عند افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، وعلى الصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين.

(3/269)


م 1430 - وروينا عن ابن عمر، وابن عباس، أنهما قالا: ترفع الأيدي، فذكر مثل هذا، وممن كان يرفع يديه إذا رأى البيت الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق.
وكان مالك: لا يرى رفع اليدين عن الاستلام.
قال أبو بكر: الأول أولى.

136 - باب الإضطباع بالرداء عند الطواف للحج والعمرة
قال أبو بكر:
(ح 635) روينا عن ابن عباس: أنه لما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على قريش واجتمعت نحو الحجر اضطبع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
م 1431 - وممن رأى ذلك عبد الرحمن بن الأسود، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وكل من لقيته من أصحابنا إلا مالك فإنه قال: لم أسمع أحداً من أهل العلم ببلادنا يذكر أن الإضطباع سنة.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.

(3/270)


137 - باب استلام الركن عند ابتداء الطواف
قال أبو بكر:
(ح 636) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته أتى البيت فطاف فاستلم الركن.
م 1432 - واختلفوا في تقبيل اليد عند استلام الركن، فمن رأى أن [1/ 116/ب] يقبل يده عند استلام الركن ابن عمر، وجابر بي عبد الله، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدرى، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وعروة بن الزبير، وأيوب السختياني، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال عمرو بن دينار: كان يجفأ من استلم ثم لا يقبل يده.
وقال مالك: يضع يده على فيه من غير تقبيل، وروى ذلك عن القاسم بن محمد.
قال أبو بكر: بالأول أقول، لأن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد فعلوه، وتبعهم على ذلك جُمل الناس.
(ح 637) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم -أنه فعل ذلك.

138 - باب السجود على الحجر
قال أبو بكر:

(3/271)


م 1433 - كان عمر بن الخطاب، وابن عباس، يسجدان على الحجر.
وفعل ذلك طاووس، وبه قال الشافعي، وأحمد بن حنبل.
وأنكر مالك من بين الناس ذلك وقال: بدعة.
وبما روى عن عمر، وابن عباس نقول.
قال أبو بكر:
(ح 638) وقد روينا فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً أنه فعل ذلك.

139 - باب استلام الركنين اللذين يليان الحجر
قال أبو بكر:
(ح 639) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان يستلم الركن اليماني، والركن الأسود ولا يستلم الآخرين.
م 1434 - وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وبه نقول.
وقد روينا عن جابر بن عبد الله، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وعروة أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها، وروينا ذلك عن الحسن، والحسين.
قال أبو بكر: وبالقول الأول نقول.

(3/272)


140 - باب الرمل
قال أبو بكر:
(ح 640) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رمل ومشى أربعاً.
(ح 641) وثبت عنه أنه رمل من الحجر إلى الحجر.
م 1435 - وكان عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عمر: يرملون من الحجر إلى الحجر.
وبه قال ابن الزبير، وعروة، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب، ومحمد.
قال أبو بكر:
(ح 642) روينا عن ابن عباس أنه قال: رمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في عمره كلها، وفي حجته، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والخلفاء.
وبه نقول.
وقد روينا عن جماعة أنهم كانوا يرون المشي بين الركنين اليمانيين منهم طاؤس، ومجاهد، وعطاء، والحسن البصري، وسعيد [1/ 117/ألف] بن جبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله.

(3/273)


141 - باب ما يجب على من ترك الرمل
م 1436 - واختلفوا فيما يجب على من ترك الرمل، فكان ابن عباس، وعطاء، وابن جريج، وأيوب السختياني، والأوزاعي، والشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: لا شيء على تركه.
وقال الحسن البصري، والثوري والماجشون: عليه دم.
واختلف فيه عن مالك، فقال معن: قال مالك: عليه دم، وقال ابن القاسم: رجع مالك بعد ذلك فقال: لا دم عليه.
قال أبو بكر: لاشيء عليه.

142 - باب إسقاط الرمل عن النساء
م 1437 - أجمع أهل العلم على أن لا رمل على النساء حول البيت، ولا سعي بين الصفا والمروة، إنما تمشي المرأة حيث يرمل الرجال، وحيث يسعى الرجال.
م 1438 - وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: إن ترك الرمل في طواف رمل في اثنين، فإن تركه في اثنين رمل في واحد، وإن تركه في الثالثة لم يقص.

143 - باب الذكر في الطواف
قال أبو بكر:

(3/274)


(ح 643) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إنما جعل الطواف بالبيت وبين
الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
(ح 644) وروينا عنه أنه قال: الطواف صلاة، إلا أن الله أحل لكم فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير.
(ح 645) وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: بين ركن بني جمح والركن الأسود {رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
م 1439 - واختلفوا في قراءة القرآن في الطواف، فكان عطاء يقول: أحب إليّ أن يدع الحديث كله إلا ذكر الله والقرآن.
وكان مجاهد يعرض عليه القرآن في الطواف.
وقال ابن المبارك: ليس شيء أفضل من قراءة القرآن في الطواف.
وكذلك قال الثوري، وقال الشافعي: استحب قراءة القرآن، والقرآن أفضل ما يتكلم به المرء.

(3/275)


وكان أبو ثور: يرى القراءة في الطواف، وبه قال أصحاب الرأي: إذا قرأه فيما بينه وبين نفسه.
وكره الحسن البصري، وعروة بن الزبير، ومالك: قراءه القرآن في الطواف.
قال أبو بكر: الأول أولى.
وكان عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف يقولان: في الطواف: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
وروينا عن عبد [1/ 117/ب] الرحمن أنه كان يقول: في الطواف: رب قني شحّ نفسي.
وروينا عن ابن عمر أنه كان يقول في الطواف: لا إله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير" ثم قال: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" فقيل له: فقال: أثنيث على ربي، وشهدت شهادة حق، وسألت من خير الدنيا والآخرة.
وروينا عن عروة بن الزبير أنه كان يقول حول البيت: "اللهم لا إله إلا أنت، أو أنت تحي بعد ما أمتنا، قال: وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون ذلك.

144 - باب أخذ الطائف ذات اليمين بعد استقبال الحجر
(ح 646) روينا عن جابر بن عبد الله أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة أتى لحجر،

(3/276)


ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً.
م 1440 - واختلفوا فيمن طاف منكوساً على خلاف ما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته، فكان الشافعي، والحميدي، وابن القاسم صاحب مالك، وأبو ثور وعوام أصحابنا يقولون: لا يجزيه وعليه الإعادة.
وقال أصحاب الرأي فيمن طاف منكوساً قالوا: يعيد إن كان بمكة، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم.
قال أبو بكر: سن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الطواف وأخذ عن يمينه لما استلم الركن، فمن طاف كما طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فهو طائف يجزئ طوافه، ومن خالف ذلك فأمره مردود للحديث الذي رويناه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(ح 647) " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فأمره مردود".

145 - باب الطواف من وراء الحجر
كان ابن عباس يقول: الحجر من البيت.
قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الآية.

(3/277)


(ح 648) وقد طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم -من وراء الحجر.
م 1441 - وقد اختلف أهل العلم فيمن سلك الحجر في طوافه، فكان عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور يقولون: يبنى على ما كان طاف قبل أن يسلك الحجر ولا يعتد بما سلك منه من الحجر.
وقال الحسن البصري: يعيد فإن كان أحل أهراق دماً.
وقال أصحاب الرأي: إن كان بمكة فمضى ما بقي عليه من ذلك، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم.
قال أبو يكر: لا يجزيه [1/ 118/ألف] الطواف الذي سلك
فيه الحجر.

146 - باب طواف القارن
(ح 649) روينا عن ابن عمر أنه قال: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: من أهل بالحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد، ثم لا يحل حتى يحل منهما.
م 1442 - واختلفوا فيما على القارن من الطواف والسعي، فقال ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومجاهد،

(3/278)


وطاؤس، ومالك، والشافعي، وعبد الملك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: يجزيه طواف واحد وسعي واحد.
وأوجبت طائفة على القارن طوافين وسعيين، يروى هذا القول عن الشعبي، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، ولا يثبت عن علي خلاف قول ابن عمر، وإنما روى مالك بن الحارث عن أبي نصر عن علي، وأبو نصر مجهول، مع أن الحديث لو كان ثابتاً كان قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أولى.

147 - باب الشراب في الطواف
(ح 650) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه شرب ماءً في الطواف.
م 1443 - ورخص في الشرب في الطواف عطاء، وطاووس، وأحمد، وإسحاق.

(3/279)


ولا أعلم أحداً منع منه الطائف.
وبه نقول.

148 - باب من طاف الطواف الواجب أقل من سبع
م 1444 - واختلفوا فيمن طاف الواجب أقل من سبع ورجع إلى بلده، فكان الشافعي. وأبو ثور يقولان: عليه الرجوع وإكمال الطواف.
وكان عطاء، وأحمد بن حنبل، وإسحاق يقولون: لا يجزئ إلا سبع طواف.
وحفظى عن مالك أنه قال ذلك.
وقال أصحاب الرأي: إذا طاف من يوم النحر ثلاثة أشواط وترك أربعة ولم يطف طواف الصدر، ثم رجع إلى الكوفة، فعليه أن يعود حتى يطوف ما بقي عليه من يوم النحر، وعليه لتأخيره إياه دم، فيطوف طواف الصدر، وإن كان طاف أربعة أطواف من طواف يوم النحر كان عليه دمان، دم لا بقي عليه من طواف يوم النحر، والآخر لطواف الصدر.
قال أبو بكر: كما قال عطاء أقول، والنبي - صلى الله عليه وسلم - المبيّن عن الله عز وجل معنى ما أراد، فلما كان النبي- صلى الله عليه وسلم - المنبئ عن الله عَزَّ وَجَلَّ أن فرض صلاة الظهر أربع ركعات، كذلك هو المنبئ عن الله أن فرض الطواف سبع.

(3/280)


ولا يجزئ أقل منه، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قال: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} الآية.
وقال [1/ 118/ب] {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فبين النبي- صلى الله عليه وسلم - عدد ذلك كله.

149 - باب ما يجب على من ترك الطواف بالبيت عند قدومة
م 1445 - واختلفوا فيمن قدم مكة فلم يطف حتى أتى منىً، فكان أبو ثور يقول: عليه دم.
واحتج بقول ابن عباس: من ترك من نسكه شيئاً فليهريق دماً لذلك.
وقد اختلف في هذه المسألة عن مالك فحكى أبو ثور أنه قال: يجزيه طواف الزيارة للدخول والزيارة للصدر، وحكى غير أبي ثور عن مالك أنه قال: إن كن مراهقاً فلا شيء عليه، وإن كان غير مراهق فعليه دم.
وقال الشافعي، وأصحاب الرأي. لا شيء على من ترك الطواف عند القدوم، وبه أقول.

150 - باب الشك في الطواف
م 1446 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على (1) أن من شك في طوافه بني على اليقين.
__________
(1) في الأصل "عن".

(3/281)


وروينا ذلك عن علي بن أبي طالب، وبه قال عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وكذلك نقول.
م 1447 - واختلفوا في الطائفين يختلفان في عدد طوافهما، فقال الفضيل بن عياض: يقلد صاحبه الذي لا يشك، وروي ذلك عن عطاء.
وقال مالك: أرجو أن يكون فيه بعض السعة.
فأما الشافعي: فمذهبه أن لا يجزيه إلا علم نفسه، لا يقبل قول غير.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.

151 - باب القرآن في الطواف
(ح 651) طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بالبيت سبعاً، وصلى ركعتين.
م 1448 - وأجمع أهل العلم على أن فاعل ذلك مصيب.
م 1449 - واختلفوا فيمن جمع أسابيع، ثم ركع لكل سبع منها.
فرخص في ذلك المسور بن مخرمة، وعائشة، وعطاء، وطاؤس، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق، ويعقوب.
وكره ذلك ابن عمر، والحسن البصري، والزهري، ومالك، وأبو ثور، والنعمان، ومحمد بن الحسن.
وكان عروة لا يفعله.
قال أبو بكر: القول الثاني أحبّ إليّ، ويجزئ من جمع بينهما.

(3/282)


152 - باب الطائف يقطع عليه الطواف للصلاة المكتوبة
م 1450 - واختلفوا فيمن بعض سبعة، ثم قطع عليه للصلاة المكتوبة، فقال أكثر أهل العلم ممن نحفظ [1/ 119/ألف] عنه: يبنى من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، روينا هذا القول عن ابن عمر، وبه قال عطاء، وطاؤس، ومجاهد، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
ولا يعلم أحد خالف ذلك إلا الحسن البصري فإنه قال: يستأنف.
وبقول ابن عمر نقول.

153 - باب الجنازة تحضر والرجل يطوف
كان عطاء يقول: في الطائف تحضره جنازة لا يخرج إليها، وبه قال عمرو بن دينار، ومالك، والشافعي.
وقال أصحاب الرأي: يينى إذا خرج إليها، وبه قال الحسن بن صالح.
وقال أبو ثور: إن خرج استأنف الطواف ليس هذا بعذر.
قال أبو بكر: لا يخرج فإن خرج بني إذا صلى عليها.

154 - باب طواف المرأة متنقبة
م 1451 - كانت عائشة أم المؤمنين- رحمة الله عليها- تطوف متنقبة، وبه قال الثوري، وأحمد، وإسحاق.

(3/283)


وكره طاؤس، وجابر بن زيد ذلك.
قال أبو بكر: لا بأس بذلك إذا كانت غير محرمة.

155 - باب المريض يطاف به
م 1452 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المريض يطاف به، ويجزئ عنه، إلا عطاء.
وممن نحفظ ذلك عنه الرخصة في ذلك النخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال عطاء: فيها قولان: أحدهما: أن يطاف به، والآخر: أن يستأجر من يطوف عنه.

156 - باب الطواف راكباً من غير علة
م 1453 - واختلفوا فيمن طاف محمولاً من غير عذر، فكان الشافعي يقول: يجزيه ولا أحبه.
وقال أصحاب الرأي: إن كان بمكة يعيد، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم.
قال أبو بكر:
(ح 652) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طاف على راحلته.
ولا قول لأحد مع فعله.

(3/284)


157 - باب الطواف بالصبي الصغير
م 1454 - روينا عن أبي بكر الصديق أنه طاف بابن الزبير في خرقة.
وأجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الصبى الصغير يطاف به، هذا قول النخعي، وعطاء، ومالك، والشافعي.
م 1455 - واختلفوا فيمن طاف بصبى وتراً بطوافه عنه وعن الصبي.
فقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: يجزيه إذا نوى ذلك.
وقال الشافعي: [1/ 119/ب] الطواف طواف المحمول لا طواف الحامل، على الحامل الإعادة.
وحكى عن مالك أنه قال: الطواف طواف الحامل.
قال أبو بكر: إذا طاف رجل برجل ونوى كل واحد منهما طوافه أجزاهما.

158 - باب الطائف يطوف وفي ثوبه نجاسة لا يعلم بها
م 1456 - كان أبو ثور يقول: إذا طاف في ثوب نجس وهو لا يعلم يجزئه.
وحكى عن الكوفي أنه قال: إن طاف فيه فلا شيء عليه.
قال الشافعي: لا يجزيه.
قال أبو بكر: قول أبي ثور صحيح.

(3/285)


159 - باب الطواف خارج المسجد
م 1457 - قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا يجزيه الطواف خارج المسجد حتى يطوف في المسجد، ويجزيه أن يطوف من وراء السقاية، ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم.
قال أبو بكر: وبه أقول.

160 - أبواب صلاة الطواف
(ح 653) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.
(ح 654) وثبت عنه أنه نهى عن الصلاة عند الزوال.
ودلت الأخبار الثابتة عنه على أن نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات إنما وقع على وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال.
(ح 655) قال عقبة بن عامر: ثلاث ساعات نهانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم الظهر حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس حتى تغرب.

(3/286)


وذكرت باقي الدلائل على ذلك في مكان آخر.
م 1458 - واختلف أهل العلم في الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح، فممن طاف بعد العصر وصلى ركعتين ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، والحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب، وعطاء، وطاؤس، ومجاهد، والقاسم بن محمد.
وكان ابن عمر، وابن الزبير، وعروة، وعطاء، وطاؤس، يطوفون بعد صلاة الصبح ويصلون ركعتين.
وممن رخص في الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح مجاهد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وأنكرت طائفة: الصلاة بعد العصر وبعد الصبح للطواف ولغير [1/ 120/ألف] الطواف، واحتجت بظاهر نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وممن هذا مذهه مالك بن أنس.

161 - باب الصلاة للطواف خلف المقام وفي الحجر
(ح 656) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طاف ثم صلى الركعتين عند المقام.
م 1459 - وأجمع أهل العلم على أن الطائف يجزيه ركعتا الطواف حيث ما صلاهما إلا مالكاً، فإنه كره أن يصلي ركوع الطواف في الحجر.

(3/287)


فأما عطاء، والثوري، والشافعي، وأكثر من لقيناه من أهل العلم فإنهم يقولون: ذلك جائز في الحجر.
وكان ابن الزبير: يطوف بعد الغداة، ثم يصلي في الحجر قبل أن
تطلع الشمس، وصلى سعيد بن جبير في الحجر.
وابن عمر صلى في البيت ركعتي الطواف.
وقال مالك: إن صلى صلاة الطواف الواجب في الحجر أعاد الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، وإن لم يركعهما حتى بلغ بلده أهراق دماً ولا إعادة عليه.
قال أبو بكر: وليس يخلو من صلى في الحجر ركوع الطواف أن يكون قد صلاهما فلا إعادة عليه، أو يكون في مني من لم يصليهما فعليه يعيد أبداً، وأما أن يكون وهو بمكة في معنى من لم يصليهما وإن رجع إلى بلده في معنى من قد صلاهما، فلا أعلم لقائله حجة يرجع إليها في التفريق بينهما، ولا أعلم الدم يجب في شيء من أبواب الصلاة.

162 - باب من لم يركع للطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلد
م 1460 - واختلفوا فيمن نسى ركعتي الطواف حتى خرج من من الحرم أو رجع إلى بلده، فقال عطاء، والحسن البصري، والشافعي، وأصحاب الرأي: يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم.
وقال سفيان الثوري: يركعهما حيث شاء ما يخرج من الحرم.
قال مالك: إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هدي.

(3/288)


قال أبو بكر: أقول كما قال عطاء، وليس ذلك بأكثر من صلاة المكتوبة التي ليس على من تركها إلا قضاها حيث كان، والله أعلم.

163 - باب من عليه ركوع طواف فصلى المكتوبة هل يجزيه ذلك من ركوع الطواف أم لا؟
م 1461 - روينا. . . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط من هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني)، ما يلي:
وَإِذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ، أَجْزَأَتْهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدِ الْمَكْتُوبَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: هُوَ أَقْيَسُ. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، فَلَمْ تُجْزِ عَنْهَا الْمَكْتُوبَةُ، كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ شُرِعَتَا لِلنُّسُكِ، فَأَجْزَأَتْ عَنْهُمَا الْمَكْتُوبَةُ، كَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ.

(3/289)


[169 - باب اختلاف أهل العلم فيمن بدأ بالمروة قبل الصفا]
. . . . . . . . . . . (1) [1/ 120/ ب] فرغ
من طوافه بالبيت، ومن صلاته، بدأ عند خروجه من المسجد
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: قال ابن المنذر في (الإجماع):
وأجمعوا أنه من بدأ بالصفا، وختم سعيه بالمروة أنه مصيب للسنة

(3/293)


بالصفا، وأنه ختم سعيه بالمروة، وأن من فعل ذلك فهو مصيب للسنة.
م 1468 - واختلفوا فيمن بدأ بالمروة قبل الصفا.
فقالت طائفة: يلغى ذلك الشوط ولا يعتد به كذلك قال الحسن البصري، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأصحاب الرأي.
وقد روينا عن عطاء فيه قولين: أحدهما: أنه لا يعتد بذلك الشوط، والآخر: أنه إن جهل ذلك أجزأ عنه.

170 - باب من بدأ فسعى بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت
م 1469 - واختلفوا فيمن سعى بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت، فكان عطاء، وبعض أهل الحديث يقولان: يجزيه ولا يعيد السعي.
وقال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: لا يجزيه غير أن مالكاً قال: إن جهل فخرج من مكة رجع، فإن كان أصاب النساء سعى بين الصفا والمروة واعتمر وأهدى.
وكان الشافعي يقول: يرجع من حيث كان، ويشبه مذهبه إن كان وطئ أن يكون عليه بدنة.
وقال أصحاب الرأي: إن رجع من بلده فعليه دم.

(3/294)


171 - باب الركوب في السعي بين الصفا والمروة
م 1470 - واختلفوا في السعي بين الصفا والمروة راكباً، فكره السعي بينهما
راكباً عائشة، وعروة بن الزبير، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو ثور: لا يجزيه وعليه أن يعيد.
وقال مجاهد: لا يركب إلا من ضرورة.
وقال أصحاب الرأي: إن كان بمكة أعاد ولا دم عليه، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم،
وكان أنس بن مالك يطوف بينهما على حمار.
وقد روينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سعيا على دابتين، وقال الشافعي: يجزيه إن فعل ذلك.

172 - باب الصلاة تقام والرجل يسعي بين الصفا والمروة
م 1471 - رخص أكثر أهل العلم للطائف بين الصفا والمروة إذا أقيمت الصلاة أن يدخل فيصلي فإذا فرغ بني من حيث قطع، هذا قول ابن عمر، وسالم بن عبد الله، وعطاء، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقال مالك يمضي على طوافه ولا يقطعه إلا أن يتخوف أن يضر ذلك بوقت الصلاة.
قال أبو بكر: بقول ابن عمر أقول.

(3/295)


173 - مسائل من باب السعي [1/ 121/ألف] بين الصفا والمروة
م 1472 - كان عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: يجزئ السعي بين الصفا والمروة على غير طهارة.
وكان الحسن البصري يقول: إن ذكر قبل أن يحل فليعد الطواف، وإن ذكر بعد ما حل فلا شيء عليه.
قال أبو بكر:
(ح 662) وفي قول النبي- صلى الله عليه وسلم - لعائشة: إقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت.
دليل على أن ذلك جائز.
وكان ابن عمر، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والقاسم بن محمد: لا يرون بأساً إذا طاف في أول النهار أن يؤخر السعي حتى يبرد، وبه قال أحمد، وإسحاق: إذا كانت عليه.
وقال الثوري: لا بأس به إذا طاف أن يدخل الكعبة، فإذا خرج سعى وبه قال أحمد، وإسحاق.

174 - باب المتعة
م 1473 - أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من الآفاق من الميقات، وقدم مكة ففرغ منها، وأقام بها فحج من عامه، أنه متمتع وعليه الهدي إن وجد، وإلا فالصيام.

(3/296)


م 1474 - واختلفوا فيمن اعتمر في أشهر الحج، ثم سافر ورجع بحج من عامه فحج.
فكان عطاء، وأحمد، وإسحاق، والمغيرة، والمدني يقولون: إذا سافر سفراً يقصر في مثله الصلاة قد فسخ متعته، ولا دم عليه وإن حج من عامه.
وكان مالك يقول: إن كان من أهل الشام، أو من أهل مصر فرجع إلى المدينة، في حج من عامه، فعليه دم المتعة، إلا أن يكون الضرف إلى أفق من الآفاق متباعدٍ من مكة فلا يكون متمتعاً.
وقال مالك: "إذا رجع إلى أهله وحج من عامه فلا شيء عليه.
وقال أصحاب الرأي: إذا رجع إلى المصر الذي فيه أهله سقط عنه دم المتعة.
وقد روينا هذا القول عن طاؤس، ومجاهد.
وقال الحسن: هو متمتع وإن رجع إلى أهله، وحجته ظاهر الكتاب قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} الآية ولم يستثن راجعاً إلى أهله وغير راجع، ولو كان في ذلك مراد لبينه في كتابه، أو على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وقد روينا عن ابن المسيب روايتين. إحداهما: كقول الحسن، والأخرى كقول أصحاب الرأي، وفي هذه المسألة قولان شاذان غير ما ذكرناه.
وروينا عن طاؤس أنه قال: إذا اعتمرت في غير شهر الحج، ثم أقمت حتى الحج، فأنت متمتع، والقول الثاني: أن من اعتمر بعد

(3/297)


[1/ 121/ب] النحر فهي متعة، هذا قول الحسن البصري، ولا يعلم أحد قال بواحد من هذين القولين.

175 - باب الغريب يقدم مكة يريد المقام بها
م 1475 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من دخل بعمرة في أشهر الحج، وهو يريد المقام بها، ثم أنشأ الحج فهو متمتع، هذا قول مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبي ثور، وحكى ذلك أبو ثور عن الكوفي.
وقال مالك، والشافعي، وإسحاق: في المكي ينقطع إلى بلد من البلدان سوى مكة، ثم قدم معتمراً في أشهر الحج، ثم أقام بمكة فحج، أنه متمتع.
م 1476 - واختلفوا في مكي اعتمر في أشهر الحج من مصر من الأمصار، ثم حج من عامه، فقال مالك، وأحمد، لا دم عليه، وهذا على مذهب قول الشافعي.
وقال طاووس: إن اعتمر من مصر من الأمصار متمتعاً أن عليه الدم.

176 - باب اختلاف أهل العلم في حاضري المسجد الحرام
قال الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية.

(3/298)


م 1477 - فقال مالك: هم أهل مكة وأهل ذي طوى.
وقال مجاهد: هم أهل الحرم، وروى ذلك عن طاووس.
وقال أحمد: إذا قدم بعمرة في غير أشهر الحج، ثم اعتمر من التنعيم في شهور الحج واقام إلى عشر ذي الحجة، فهو متمتع.
وقال مكحول: من كان أهله خلف المواقيت إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام، وبه قال الشافعي، إذ هو بالعراق، وفي كتاب ابن الحسن: أن من اعتمر من أهل المواقيت أو ممن دونها إلى مكة، ثم حج من عامه فهوغير متمتع.
وقال عطاء مرة: من كان منزله دون الميقات فهو من حاضري المسجد الحرام، قال مرة: "أما القرى الحاضري المسجد الحرام التي لا يتمتع أهلها فنخلتان، ومرّ الظهران، وعرفة، وضجنان والرجيع، وأما التي ليست بحاضري المسجد الحرام فالسفر، والسفر ما يقصر فيه الصلاة".
وروينا عن ابن عمر قال: إن الله جعلها رخصة لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
وقال الحسن البصري: أهل مكة ليست لهم متعة، وبه قال طاؤس.
وقال ابن الزبير: المتمتع أن يهل الرجل بالحج فيحصر بعذر أو مرض حتى يمضي الحج فيقدم فيجعلها عمرة ويتمتع، فحله إلى العام المقبل، ثم يحج ويهدي، فهذا المتمتع بالعمرة إلى الحج.
وقال ابن عباس: المتعة لمن أحضر ولمن خلى سبيله [1/ 122/ألف].

(3/299)


177 - باب من أهل بعمرة في رمضان وحل في عمرته في شوال
م 1478 - كان قتادة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق يقولون: عمرته للشهر الذي أهل فيه، وروى معنى ذلك عن جابر بن عبد الله.
قال طاؤس: عمرته للشهر الذي يدخل فيه الحرم.
وقال الحسن البصري، والحكم بن عتيبة، وابن شبرمة، والثوري، والشافعي: عمرته للشهر الذي يطوف فيه.
وقال الحسن، وعطاء: عمرته للشهر الذي يحل فيه منها، وحكى ذلك عن مالك.
وفيه قول خامس: وهو إن طاف لها ثلاثة أشواط في رمضان وأربعة في شوال فحج من عامه أنه متمتع، وإن طاف في رمضان أربعة أشواط وفي شوال ثلاثة أشواط لم يكن متمتعاً، وهذا قول أصحاب الرأي.

178 - باب إدخال العمرة على الحج وإدخال الحج على العمرة
م 1479 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لمن أهل بعمرة في أشهر الحج أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت.
م 1480 - واختلفوا في إدخال الحج على العمرة بعد أن يفتتح الطواف، فقال مالك: يلزمه ذلك ويصير قارناً.
وقال الشافعي لا يكون قارناً، وذكر أن ذلك قول عطاء، وبه قال أبو ثور.
وحكى عن الكوفي أنه قال: كقول مالك.

(3/300)


م 1481 - واختلفوا في إدخال العمرة على الحج، فقال مالك وأبو ثور، وإسحاق: لا تدخل العمرة على الحج.
وقال أصحاب الرأي: يصير قارناً وعليه ما على القارن.
وقال الشافعي بالعراق: كما ذكرناه عن الكوفي، وقال بمصر: أكثر من لقيت يقول: ليس له ذلك.
قال أبو بكر: وبقول مالك نقول في هذه المسألة.

أبواب صوم المتمتع الذي لا يجد هدياً
179 - باب الوقت الذي يصوم فيه المتمتع الثلاثة الأيام في الحج
م 1482 - واختلفوا في الوقت الذي يصوم فيه المتمتع الثلاثة الأيام في الحج، فكان ابن عمر، وعائشة أم المؤمنين، والشافعي، وأحمد يقولون: يصومهن ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة.
وقال طاؤس: يصوم ثلاثة أيام أخرها يوم عرفة.
وروى مثل قوله عن الشعبى، وعطاء، ومجاهد، والحسن البصري، والنخعي، وسعيد. . . . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط من هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة، ما يلي:
فَأَمَّا وَقْتُ الثَّلَاثَةِ، فَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ لَهَا أَنْ يَصُومَهَا مَا بَيْنَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَكُونُ آخِرُ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ طَاوُسٌ: يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرَوَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، أَنْ يَصُومُهُنَّ مَا بَيْنَ إهْلَالِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنْ يَجْعَلَ آخِرَهَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي، فِي " الْمُحَرَّرِ ". وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ يَكُونُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا أَحْبَبْنَا لَهُ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ هَاهُنَا، لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِيَصُومَهَا فِي الْحَجِّ، وَإِنْ صَامَ مِنْهَا شَيْئًا قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا وَقْتُ جَوَازِ صَوْمِهَا فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]. وَلِأَنَّهُ صِيَامٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ، كَسَائِرِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ. وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَقْتٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُبْدَلُ، فَلَمْ يَجُزْ الْبَدَلُ، كَقَبْلِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَصُومُهُنَّ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ.
وَلَنَا، أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ أَحَدُ إحْرَامَيْ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]. فَقِيلَ: مَعْنَاهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، إذْ كَانَ الْحَجُّ

(3/301)


[184 - باب إهلال الحج للمكي ومن قدم مكة من المتمتعين]
. . . . . . . . . . . (1) [1/ 122/ ب] وسلم لما ذكر المواقيت، قال وكذلك فكذاك، حتى أهل مكة يهلون منها.
(ح 665) وثبت أنه قال لأصحابه الذين قدموا معه في حجة الوداع: " فإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منىً فأهلوا من البطحاء".
م 1489 - وقال ابن عباس: لرجل سأله من أين أهل بالحج وهو بمكة؟ فقال: من حيث شئت.
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وثبت في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ، قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ، قَالَ: «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَلِكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا»

(3/305)


قال أبو بكر: فليحرم المكي ومن قدم مكة من المتمتعين من حيث يريد التوجه إلى منىً يوم التروية، اتباعاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا انطلقتم إلى منىً فأهلوا".

185 - باب فضل الراكب والماشي في الحج
قال الله جل ذكره: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} الآية إلى قوله {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
م 1490 - كان ابن عباس، يقول: هم المشاة والركبان.
وقال علي: كل ضامر من الإبل.
وقد اختلف في هذا الباب، فكان ابن عباس يقول: ما آسى على شيء إلا إني وددت إني كنت حججت ماشياً، فإن الله تعالى يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} الآية.
وكان الحسن بن علي: يمشي في الحج، وفعل ذلك ابن جريج، والثوري.
وقال إسحاق: المشي أفضل.
وقال مالك: الركوب أحب إليّ من المشي، وبه قال الشافعي. وبه نقول.

(3/306)


(ح 666) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج راكباً.
ولفضل النفقة في الحج، ولأنه إذا جاء مستريحاً كان أقوى له على الدعاء.

186 - باب الإمام يريد الخروج يوم التروية إلى منيً فيوافق يوم الجمعة
قال أبو بكر:
م 1491 - إذا وقف يوم التروية يوم جمعة، أمر الإمام بعض من يتخلف أن يصلي بالناس الجمعة، وخرج قبل زوال الشمس وصلى الظهر بمنىً، فإن لم يقص له الخروج حتى تزول الشمس، لم يخرج حتى يصلي الجمعة ويأمر بعض من يصلي بالحجاج الظهر بمنىً، لأن الجمعة فرض والخروج إلى مني في ذلك الوقت ليس بفرض، يأثم من تركه، وقد وافق ذلك أيام عمر عبد العزيز فخرج إلى مني.
وقال عطاء: كل أدركت يصنعونه أدركتهم، يجمع بمكة إمامهم ويخطب، ومرة لا يجمع ولا يخطب.
وقال مالك: يفعل كفعل عمر بن عبد العزيز.
وقال أحمد: إذا كان والي مكة بمكة يجمع بها.

(3/307)


187 - باب وداع من يريد الخروج يوم التروية إلى مني وعرفة
قال أبو بكر:
(ح 667) ثبت أن رسول [1/ 123/ألف] الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "فإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلو".
وليس في شيء من الأخبار أنهم ودّعوا البيت بطواف سبع عند خروجهم، واستحب غير واحد من أهل العلم للخارج عن مكة إلى مني وعرفة أن يودع البيت بطواف سبع.
استحب ذلك عطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الثوري: لا يخرج أحد من الحرم حتى يودع البيت.
قال أبو بكر: هذا حسن وليس بواجب.
م 1492 - وكان الحسن وعطاء، لا يريان بأساً أن يتقدم الذي يريد الحج إلى مني قبل يوم التروية بيوم أو يومين.
وكره ذلك مالك.
قال أبو بكر: الخروج إلى مني في كل وقت مباح.

188 - باب الخروج إلى منيً وما يفعله الحاج بعرفة
(ح 668) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - صلى بمنى الظهر يوم التروية والعصر، وليلة

(3/308)


عرفة المغرب والعشاء، ويوم عرفة الصبح.
م 1493 - وقال ابن عباس: إذا زاغت الشمس فليرح إلى منىً.
وكان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، يحبون أن يصلي من يريد الحج الظهر يوم التروية بمنىً، وتخلفت عائشة يوم التروية بمكة حتى ذهب ثلث الليل، وصلى أبن الزبير الظهر بمكة يوم التروية.
م 1494 - وكان مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، لا يرون على من بات عن منى ليلة عرفة شيئاً إذا وافى عرفة للوقت الذي يحب.
ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم.
م 1495 - وأجمع أهل العلم على أن الحاج ينزلون من مني حيث شاءوا يوم التروية، وحد منىً ما بين محسر إلى العقبة.
وقال عطاء: كان ينزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنىً في الخيف، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منىً إلى عرفة بعد طلوع الشمس.
م 1496 - وكان ابن مسعود: يغسل يوم عرفة إذا راح.
وروينا عن علي أنه قال: اغتسل يوم عرفة.
واستحب ذلك الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور.
ونحن نستحب ذلك للحاج، ولا شيء على من تركه.
(ح 669) وقد ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، وأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى

(3/309)


الظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب [1/ 123/ب] إلى الموقف.
م 1497 - وقد اختلفوا في الوقت الذي يؤذن فيه المؤذن بعرفة للظهر والعصر، فكان الشافعي يقول: "يأتي الإمام المسجد إذا زالت الشمس فيجلس على المنبر فيخطب الخطبة الأولى، إذا جلس أخذ المؤذنون في الأذان، وأخذ هو في الكلام، وخفف الكلام الآخر حتى ينزل بقدر فراغ المؤذن من الأذان ويقيم المؤذن".
وقال أبو ثور: إذا صعد الإمام المنبر وجلس أخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ المؤذن قام الإمام فخطب، ثم ينزل فيقيم المؤذن الصلاة.
واختلف في هذه المسألة عن مالك، فحكى ابن نافع عنه أنه قال: والأذان بعرفة بعد جلوس الإمام للخطبة، وحكى آخر عنه أنه قال: يؤذن بعد ما يخطب الإمام صدراً من خطبته حتى يفرغ من خطبته مع فراغ المؤذن ويقيم.
قال أبو بكر: ظاهر خبر جابر بن عبد الله يقضي على كل قول.
ذكر جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب وذكر خطبته قال: ثم أذن بلال، فاستِعْمَالُ ما فعله بلال بحضرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أولى.
وبه نقول.
م 1498 - واختلفوا في الأذان للجُمع بين الصلاتين بعرفة.
قال مالك: يصليهما بأذانين وإقامين، لكل صلاة أذان وإقامة.

(3/310)


وقال الشافعي: يصليهما بأذان واحد وإقامتين، وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال أحمد، وإسحاق: الجمع بين الصلاتين بعرفة بإقامة إقامة، هذه حكايته إسحاق الكوسج عنهما.
قال الأثرم: عن أحمد بن حنبل فيمن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة، أي ذلك فعل فهو جائز بأذان واحدٍ وإقامتين، وإن شاء بإقامة إقامة.
قال أبو بكر: يستعمل ما في خبر جابر، أذان وإقامتين.
م 1499 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإمام لا يجهر في صلاة الظهر والعصر بعرفة بالقراءة، هذا قول الزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروينا ذلك عن طاؤس، ومجاهد.
قال أبو بكر: لما قال جابر صلى الظهر والعصر، دلّ على أنه لم يجهر بالقراءة، إذ هاتين الصلاتين لا يجهر فيهما.
م 1500 - وأجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة في يوم عرفة، وكذلك يفعل من صلى مع الإمام.
م 1501 - واختلفوا فيمن فاتته الصلاة يوم عرفة مع الإمام، فكان ابن عمر يجمع بينهما، وبه قال عطاء، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي، ويعقوب، ومحمد.
وبه نقول.
وقال النخعي، والنعمان: إذا فاتته الصلاة مع الإمام صلى كل صلاة [1/ 124/ألف] لوقتها.
وقال الثوري: إن صليت في رحلك فصل كل صلاة لوقتها.

(3/311)


قال أبو بكر: يفعل كفعل ابن عمر.
وثبت أن سالم بن عبد الله قال للحجاج في يوم عرفة: إن شئت تريد أن تصيب السنة فقصّر الخطبة وعجل الصلاة، فقال ابن عمر: صدق.

189 - أبواب الوقوف بعرفة
(ح 670) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "وقفت ها هنا بعرفة وعرفة كلها موقف، وأدفعوا عن بطن عُرنة".
م 1502 - واختلفوا فيمن وقف بعرفة من عرنة، فقال مالك: يهريق دماً وحجه تام.
وقال الشافعي: لا يجزيه ويحج ثانياً إذا وقف ببطن عُرنة، وبه قال أبو مصعب: أن عليه حج قابل.
وكذلك نقول، لا يجزيه أن يقف بمكان أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - أن لا يقف به.
(ح 671) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: من صلى معنا هذه الصلاة، صلاة الغداة بجمع، أو أدرك معنا هذه الصلاة، وقد أتي عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد قضى تفثه وتم حجه.

(3/312)


قال أبو بكر: وفي قوله: "وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه" دليل على أن من وقف بعرفة يوم عرفة، أو ليلة النحر مدركاً لحجه إذ هو واقف، وإن دفع قبل غروب الشمس بيّن ذلك في ظاهر قوله: "وقد أتى عرفات ليلاً أو نهاراً".
م 1503 - وقد اختلف في هذا، فقال أكثرهم: إن أفاض منها قبل غروب الشمس عليه دم كذلك قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم من أهل العلم.
وقال الحسن البصري: عليه هدي من الإبل.
وقال ابن جريج: عليه بدنة.
وقال مالك: عليه حج قابل والهدي ينحره في حج قابل، وهو كمن فاته الحج.
قال أبو بكر: وبقول عطاء، ومن وافقه أقول، وذلك لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "وقد أتى عرفات في ذلك ليلاً أو نهاراً فقد قضى تفثه وتم حجه".
(ح 672) وفي حديث ابن يَعمُر الديلي: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "الحج عرفة فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع تم حجه".
م 1504 - وأجمع أهل العلم على أن الوقوف بعرفة فرض لا حج لمن فاته الوقوف بها.

(3/313)


م 1505 - وأجمعوا على أن من وقف بها من ليل أو نهار بعد زوال الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج، إلا ما ذكرناه عن مالك.

190 - باب من وقف به بعرفة وهو مغمى عليه، أو لا يعلم أن ذلك [1/ 124/ب] عرفة، أو أخطأها يوقف به في غير يوم عرفة
م 1506 - واختلفوا فيمن وقف به وهو مغمى عليه، فقال مالك، وأصحاب الرأي: يجزيه.
وقال الشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق: لا يجزيه، وقد فاته الحج.
وبه نقول.
م 1507 - واختلفوا في الرجل مرّ بعرفة وهو لا يعلم أنها عرفة، أو مرّ بها ليلاً قبل أن ينشق الفجر وهو لا يعلم به، فقالت طائفة: يجزيه.
وحكى أبو ثور هذا القول عن مالك، والشافعي، والكوفي.
وقال أبو ثور: فيه قول آخر: أنه لا يجزيه، وذلك أن لا يكون وافقاً إلا بإرادة.
م 1508 - واختلفوا فيمن أخطأ أنه لا يكون يوم عرفة، فوقف بها في غير يوم عرفة، فقال عطاء، والحسن، والكوفي، يجزيه، حكاه أبو ثور عن الكوفي.
وقال أبو ثور: النظر يدل على أن ذلك لا يجزيه.
م 1509 - واختلفوا فيمن دفع من عرفة قبل غروب الشمس، ورجع إليها قبل طلوع الفجر، فقال مالك، والشافعي: لا شيء عليه.

(3/314)


وقال أصحاب الرأي: لا يسقط عنه الذي يوجب عليه من الدم، وبه قال أبو ثور.
(ح 673) وفي قول النبي- صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "افعلي ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت".
دليل على أن الوقوف بعرفة على غير طهارة جائز.
م 1510 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من وقف بها غير طاهر مدرك للحج، ولا شيء عليه.

191 - باب استحباب الفطر يوم عرفة ووقت الدفع من عرفة
(ح 674) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهو أتى بلَبَن وهو واقف واقف على بعيره، فشرب وهو بعرفة يومئذٍ.
م 1511 - وقد اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفات، فاستحب غير واحد من أهل العلم يوم عرفة بعرفة.
وروينا عن ابن عمر أنه قال: لم يصمه النبي- صلى الله عليه وسلم -، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأنا فلا أصومه، فإن شئت فصم وإن شئت فافطر.

(3/315)


وممن مال إلى الفطر ابن عباس، ومالك بن أنس، والثوري.
وقال عطاء في صوم يوم عرفة: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف.
وقال يحيى الأنصاري: يجب الفطر يوم عرفة.
وكان عثمان بن أبي العاص، وابن الزبير، وعائشة: يصومون يوم عرفة.
قال أبو بكر: الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إليّ، إتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصوم بغير عرفة [1/ 125/ألف] أحب إليّ:
(ح 675) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة
الماضية والباقية".
وقد روينا عن عطاء، أنه قال: من أفطر يوم عرفة يتقوّى على الدعاء كان له مثل أجر الصائم.
(ح 676) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في يوم عرفة: "هذا يوم من ملك
فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له".
(ح 677) وقد ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أفاض من عرفة حين غابت الشمس وقال حين دفعوا: عليكم بالسكينة".

(3/316)


192 - باب الصلاة والوقوف بمزدلفة
(ح 678) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً.
م 1512 - وأجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة: أن يجمع الحاج بجمع بين المغرب العشاء.
م 1513 - واختلفوا في من صلاهما قبل أن يأتي جَمعاً، فقال جابر: لا صلاة إلا بجمع.
وقال الثوري، وأصحاب الرأي: إن صلاهما قبل أن يأتي جمعاً أعاد.
وقال الشافعي: لا يصلي حتى يأتي المزدلفة فإن أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاهما.
وفيه قول ثالث: وهو إن صلاهما قبل أن يأتي جمعاً فلا إعادة عليه، هذا قول عطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبر، والقاسم بن محمد، وسعيد بن جبر، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ويعقوب.
قال أبو بكر: إن صلاها قبل أن يأتي جمعاً فقد أدى ما عليه، ولا أحب أن يفعل ذلك.
(ح 679) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - صل بجمع المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ، وإقامين.
م 1514 - واختلفوا في الأذان والإقامة في الجمع بين الصلاتين، فقال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، بظاهر هذا الحديث.

(3/317)


قال مالك: يصليهما بأذانين وإقامتين.
وروينا هذا القول عن عمر، وابن مسعود.
وقال ابن عمر: يصليهما بإقامتين، وبه قال سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، والشافعي، وإسحاق، وبه قال أحمد: آخر قوليه.
وفه قول رابع: وهو أن يجمع بينهما بإقامة، روينا ذلك عن ابن عمر، وبه قال الثوري.
قال أبو بكر: القول الأول أولى.
قال أبو بكر:
م 1515 - ولا أعلمهم يختلفون أن من السنة أن لا يتطوع بينهما الجامع بين الصلاتين.

193 - باب اختلاف أهل العلم فيمن لم يبت ليلة النحر بالمزدلفة، [1/ 125/ب] ولم يقف بها غداة يوم النحر
م 1516 - واختلفوا فيما يجب على من لم يبت بالمزدلفة ليلة النحر ولم يقف بجمع، فقال عطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب: يهريق دماً.
وفيه قول ثان: "وهو إن خرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه، وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد إلى المزدلفة افتدى، والفدية شاة" هذا قول الشافعي.

(3/318)


وقد كان مالك يقول: "إن مرّ بها فلم ينزل بها فعليه دم، ولمن نزل به، ثم دفع منها بعد ما نزل بها فإن كان دفعه منها في وسط الليل أو أوله، أو آخره، وترك الوقوف مع الإمام، فقد أجزأه ولا دم عليه".
وفيه قول رابع: وهو أنه إذا فاته جمع ولم يقف به، فقد فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة كذلك قال علقمة، والشعبى، والنخعي.
ومن حجة من قال هذا القول ظاهر الكتاب والسنة.
فأما الكتاب، فقوله: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} الآية.
(ح 680) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أدرك جَمعاً فوقف مع الناس حتى يفيض فقد أدرك، ومن لم يدرك ذلك فلا حج له".

194 - باب تقديم الضَعَفَة من جمع بليل
(ح 681) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أرخص في تقديم الضعفة من جمع بليل.

(3/319)


قال ابن عمر: رخص في أولئك رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وفي هذا بيان على أن الرخصة ليست لغيرهم.
م 1517 - وممن كان يقدم ضعفة أهله من جمع بليل عبد الرحمن بن عوف، وعائشة أم المؤمنين، وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

195 - باب التغليس بصلاة الفجر ووقت الدفع وصفة السير من جمع إلى منيً
(ح 682) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - صلى الفجر بالمزدلفة حين تبيّن له الصبح
بأذان وإقامة.
(ح 683) وقال: وقفت ها هنا وجمعٌ كلها موقف.
م 1518 - وكان ابن عمر: يقف على قزح.
(ح 684) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أفاض من جمع قبل طلوع الشمس حين

(3/320)


أسفر جداً.
وكان ابن مسعود: "يدفع كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة".
ودفع ابن عمر: من المزدلفة [1/ 126/ألف] إذا أسفر وأبصرت الإبل مواضع أخفافها.
وقال بظاهر هذه الأخبار الشافعي: وأصحاب الرأي، وعوام أهل العلم غير مالك فإنه كان يرى أن يدفع قبل طلوع الشمس وقبل الإسفار.
قال أبو بكر: وبقول ابن عمر، وابن مسعود أقول.
(ح 685) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال في غداة جَمع حين دفعوا: "عليكم السكينة والوقار، وهو كافٍ ناقته، وأوضع في وادي محسّر".
قال أبو بكر:
م 1519 - كان معنى قوله: "عليكم السكينة والوقار إلا في بطن وادي محسّر".
وممن كان يوضع في بطن وادي محسّر ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وتبعهم عليه كثير من أهل العلم.
(ح 686) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سلك الطريق الوسطى التي يخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة.

(3/321)


196 - باب وقت قطع التلبية في الحج
(ح 687) ثبت أن الفضل بن عباس قال: ردفت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -غداة جمع فم أزل أسمعه يُلبى حتى رمى الجمرة.
م 1520 - وقد اختلف أهل العلم في الوقت الذي يقطع فيه الحاج التلبية، فكان ابن عمر: إذا قدم حاجاً أو اعتمر فرأى الحرم ترك التلبية حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يعود فيها.
وفيه قول ثان: وهو أن الحج يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف.
روينا هذا القول عن سعد بن أبي وقاص، وعائشة أم المؤمنين.
وروينا عن علي بن أبي طالب، وأم سلمة، أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس من يوم عرفة.
وكان مالك: يرى قطع التلبية إذا راح إلى المسجد.
وفيه قول ثالث: قاله الحسن البصري قال: يلبى حتى يصلي الغداة يوم عرفة فإذا صلى الغداة فأمسك عنها.
وفيه قول رابع: وهو أن يلبى حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، إلا أن بعضهم قال: يقطعها مع أول حصاة يرمي بها.
وقال آخرون: حتى يرمي الجمرة، هذا قول ابن مسعود، وابن عباس، وميمونة، وبه قال عطاء، وطاؤس، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشافعي، والثوري، وأحمد بن حنبل، وأصحاب الرأي.

(3/322)


م 1521 - واختلفوا في الوقت الذي يقطع التلبية عند رمي الجمرة يوم النحر، فقال الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأى، يقطعها مع أول حصاة يرمي.
وقالت طائفة: حديث [1/ 126/ب]. . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط من هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة:
(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ)
• وَمِمَّنْ قَالَ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ. ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَيْمُونَةُ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
• وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ. وَعَنْ عَلِيٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُمَا كَانَا يُلَبِّيَانِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: يُلَبِّي حَتَّى يُصَلِّيَ الْغَدَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَكَانَ رَدِيفَهُ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ»، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ. وَاسْتُحِبَّ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ؛ لِلْخَبَرِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ. رَوَاهُ حَنْبَلٌ، فِي (الْمَنَاسِكِ) وَهَذَا بَيَانٌ يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِ. وَفِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُلَبِّي، وَلِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالرَّمْيِ، فَإِذَا شَرَعَ فِيهِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ، كَالْمُعْتَمِرِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِالشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ.

قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: واختاره ابن المنذر، فقال في الإقناع:
ويستقبل الجمرة ويقطع التلبية إذا رماها

(3/323)


[200 - باب الموقف الذي يرمي منه جمرة العقبة]
. . . . . . . . . (1) [1/ 126/ ب] الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
م 1527 - وممن كان يرمي من بطن الوادي جابر بن عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، والقاسم بن محمد، وسالم، ونافع، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال مالك: يرميها من أسفلها أحب إليّ.
وقد روينا عن عمر أنه جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها.
قال أبو بكر: من حيث رماها يجزئ، واستعمال ما فعل ابن مسعود أحب إليّ.

201 - باب التكبير مع كل حصاة
(ح 691) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كبر مع كل حصاة رماها
م 1528 - وبه قال ابن عمر، ومالك، والشافعي.
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وثبت في الصحيحين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، «مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»

(3/326)


وكان ابن عمر، وابن مسعود، يقولان عند رمي الجمار: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.

202 - باب رمي الجمار بما قد رمى به
م 1529 - واختلفوا في الرمي بما قد رمى به، فكره ذلك عطاء بن أبي رباح،
والأسود بن يزيد، وسعيد بن أبي عروبة، والشافعي، وأحمد.
وروينا عن الشعبى أنه رخص فيه.
وقال عطاء: يجزيه، ولا أحب ذلك.
وقال إسحاق: يجزيه.
وكان مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يكرهون ذلك ويقولون: يجزيه.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: الحصى قربان فما يقبل منه رفع، وما لم يقبل منه هو الذي يترك.
قال أبو بكر: يكره أن يرمي بما قد رمى به، ويجزى إن رمى به، إذ لا أعلم أحداً أوجب على من فعل ذلك الإعادة.

203 - مسائل من باب الرمي
م 1530 - ولا يعلم في شيء من الأخبار التي جاءت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه غسل الحصي، ولا أمر بغسله، ولا معنى لغسل الحصى.

(3/327)


وكان عطاء، ومالك، والأوزاعى، وكثير من أهل العلم لا يرون غسله، وقد روينا عن طاؤس أنه كان يغسله.
م 1531 - واختلفوا فيمن رمى سبع حصيات في مرة واحدة، فقال عطاء: يجزيه، ويكبر لكل حصاة تكبيرة، وقال الحسن: إن كان جاهلاً أجزاه، وفي قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: يجزيه.
وقال أحمد: أخشى أن لا يجزيه.
وقال أصحاب الرأي: إن وضعها وضعاً لم يجزه، وإن طرحها طرحاً يجزيه.
وقال ابن القاسم: لا يجزيه في الوجهين جميعاً.
وقال أبو ثور: إن وضعها لم يجزه، وإن كان إذا طرحها سُمّى في اللغة رامياً أجزاه، وإلا لم يجزه.
قال أبو بكر: لا يجزيه، والواضع الحصى والمرسل له في معنى العابث.
م 1532 - واختلفوا فيمن قدم جمرة قبل جمرة [1/ 127/ألف] فقال الحسن،
وعطاء، وبعض الناس يجزيه، واحتج بعض الناس بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(ح692) "من قدم نسكاً بين يدي نسك فلا حرج".
وقال لا يكون هذا أكثر من رجل اجتمعت عليه صلوات أو صيام فقضى بعضاً قبل بعض.
وقال مالك، والشافعي، وعبد الملك بن الماجشون، وأصحاب الرأي: لا يجزيه إلا أن يرمي على الولاء.

(3/328)


قال أبو بكر: هذا أحوط.
م 1533 - واختلفوا في رمي المريض والرمي عنه، فقال النخعي: يوضع الحصى في يده فإن استطاع أن يرمي رمى بها، وإن لم يستطع رمى بها من كفنه.
وقال أصحاب الرأي: يوضع الحصى في كفه، ثم يرمي به، وإن رمى به عنه أجزاه.
قال أبو بكر: يوضع الحصى في يده ليرمي فإن لم يقدر فأمر من يرمي عنه أجزاه.
وقال الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يرمي عن المريض.
وقال مالك: يرمي عن المريض والصبى، ويتحرى المريض حين رمى يكبّر سبع تكبيرات لكل جمرة وعليه الهدي.
م 1534 - فأما الصبي الذي لا يقدر على الرمي فكل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عنه، وكان ابن عمر يفعل ذلك، وبه قال عطاء، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
م 1535 - وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: لا يجوز الرمي إلا بالحجارة.
وقال أصحاب الرأي: إن رماها بحجارة أو بطين يابس فرآها عن ذلك كسبعة أحجار يجزيه، وكذلك كل شيء رماها من الأرض منه فهو يجزئ.
وقال الثوري: من رمى بالخزق، والمدر لم يعد الرمي.
قال أبو بكر: لا يجزئ الرمي إلا بالحصى.

(3/329)


(ح 693) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بحصى الخذف".
(ح 694) وبالحصى رَمَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -

204 - باب وقت الرمي أيام التشريق
(ح 695) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رمى أول يوم ضحىً، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس.
م 1536 - وأجمع أهل العلم على أن من رمى الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس، أن ذلك يجزيه.
وممن رماها بعد الزوال عمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن الزبير، وابن عباس، وعبيد بن عمر، وسعيد بن جبير، وطاووس، وبه قال مالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وغيرهم كلهم رأى أن من السنة أن يرمي بعد زوال الشمس.
م 1537 - واختلفوا فيمن رمى الجمار قبل زوال الشمس في أيام التشريق، فقالت طائفة: عليه الإعادة، روينا هذا القول عن ابن عمر، وبه قال الحسن البصري، وعطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد بن الحسن.

(3/330)


وقد روينا عن عطاء أنه قال: إن جهل جاهلّ فرمى قبل ذلك [1/ 127/ب] أجزاه.
وكان طاؤس يقول:، شاء رمى من أول النهار وينفر.
قال عكرمة: إن شاء رمى أول النهار، ولكن لا ينفر حتى تزول الشمس.
وقال إسحاق: إذا رمى في اليوم الأول والثاني أعاد، وأما اليوم الثالث فإن رماها قبل الزوال يجزيه، وقال: إذا رمى بعد طلوع الشمس يوم النفر فلا شيء عليه.
قال أبو بكر: لا يجزيه أن يرمي في شيء من الأيام غير يوم النحر إلا بعد زوال الشمس

205 - باب الوقوف عند الجمرة الأولى أمامها مما يلي الكعبة وعند الثانية ذات الشمال مما يلي الوادي مستقبل القبلة عند الجمرتين ورفع اليدين في الدعاء
(ح 696) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان إذا رمى الجمرة الأولى التي تلي مسجد منىً رماها بسبع حصيات، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعوا وكان يطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كل ما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعوا، ثم

(3/331)


يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها".
م 1538 - وكان ابن عمر، وابن عباس: يطيلان الوقوف عند الجمرتين.
وممن كان يطيل القيام عند الجمار سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن الأسود، وطاؤس، والنخعي.
م 1539 - وقد اختلفوا فيمن ترك القيام عند الجمرتين، فكان الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والكوفي يقولون: لا شيء عليه.
وقال الثوري: يُطعم شيئاً وإن يهريق دمَاً أحبّ إليّ.
م 1540 - وقد كان ابن عمر، وابن عباس: يرفعان أيديهما في الدعاء إذا رميا الجمرة، وبه قال مجاهد، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
ولا نعلم أحداً أنكر ذلك غير مالك، فإن ابن القاسم حكى أنه قال: لم يكن يرفع اليدين هنالك.
قال أبو بكر: وإتباع السنة أفضل.

206 - باب رمي الرِعاء
(ح 697) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه رخص للرعاة أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوماً وليلةً، ويرمون من الغد.

(3/332)


وهذا قال عطاء، ومالك، والشافعي.
وقال أحمد: أن يخلفوا بعد [1/ 128/ألف] يوم النحر يوماً، فلا بأس أن يجمعوا الرمي يومين في يوم، فيكون سببها بالقضاء.

207 - باب من فاته الرمي بالنهار حتى غربت الشمس
م 1541 - واختلفوا فيمن فاته الرمي حتى تغيب الشمس، فروينا عن ابن عمر أنه قال: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرمي حتى تزول الشمس من الغد، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال عطاء: لا رمي بالليل إلا لرعاة الإبل، فأما التجّار فلا.
وقال مالك: إذا تركه بالنهار رماه ليلاً وعليه دم، رواه ابن القاسم عنه ولم يذكر في الموطأ أن عليه دماً.
وقال الثوري: إذا أخر الرمي إلى الليل ناسياً أو متعمداً أهراق دماً.
وقال إسحاق: إذا تعمد تركه إلى الليل رمى وعليه دم.
وكان الشافعي، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد يقولون: إذا نسى الرمي حتى أمسى يرمى ولا دم عليه.
وقد روينا عن الحسن أنه كان يرخص في رمي الجمار ليلاً.
وقال عطاء: إذا أخّر رمي الجمرة يوم النحر متعمداً إلى الليل فعليه دم.

(3/333)


وقال النعمان: يرمي ولا شيء عليه، فإن لم يذكرها من الليل حتى يأتي الغد، فعليه أن يرميها وعليه دم.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول.

208 - باب ما يجب على من ترك الجمار كلها أو جمرة منها
م 1542 - كان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: إذا ترك رمي الجمار حتى يمسي من آخر آيام التشريق فعليه دم.
وقال مالك في الموطأ: "فيمن نسي جمرة في بعض أيام مني فلم يذكر حتى صدر فعليه الهدي".
وحكى ابن القاسم عنه أنه قال: إن ترك حصاة فليهريق دماً، فأما في جمرة أوفى الجمار كلها فبدنةً فإن لم يجد فبقرة.
وكان الحسن البصري يقول: فيمن نسى جمرة واحدة تصدق على مسكين.
209 - باب من ترك حصاة أو حصاتين أو حصيات
م 1543 - واختلفوا فيمن ترك حصاة، أو حصاتين، أو ثلاث حصيات من رمي الجمار، فكان أحمد، وإسحاق يقولان: من رمى الجمار بستٍّ فلا شيء عليه، وبه قال مجاهد: إن ترك حصاة أو حصاتين فلا شيء عليه.

(3/334)


واحتج أحمد:
(ح 698) بحديث سعد بن أبي وقاص: رجعنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وبعضنا يقول: رميت بستٍّ، وبعضنا يقول: رميت [1/ 128/ب]. . . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وثبت عند النسائي في سننه من حديث سعد بن أبي وقاص قال: «رَجَعْنَا فِي الْحَجَّةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسِتٍّ، فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» قال الألباني: صحيح الإسناد

(3/335)


[215 - باب استقبال القبلة بالذبيحة]

(3/338)


. . (1) [1/ 128/ب] ابن عمر، وعطاء، وابن سيرين، والثوري، ومالك، والشافعي، أن يستقبل القبلة.
وكان ابن عمر وابن سيرين يكرهان: أن يوكل من ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
قال أبو بكر: يستحب أن يستقبل لها القبلة، ولا يحرم إذا ذبحت لغير القبلة.

216 - باب إباحة اشتراك السبعة في البدنة الواحدة أو البقره الواحدة
(ح 701) قال: جابر بن عبد الله: اشتركنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم - في الحج، والعمرة كل سبعة في بدنة.
(ح 702) قال: ونحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة، ما يلي:
وَيُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَإِنْ قَالَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَسَنٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ذَبَحَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَوَجَّهَ الذَّبِيحَةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، تَرَكَ الْأَفْضَلَ، وَأَجْزَأَهُ. هَذَا قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهَانِ الْأَكْلَ مِنْ الذَّبِيحَةِ تُوَجَّهُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَمْ يَقُمْ عَلَى وُجُوبِهِ دَلِيلٌ.

(3/339)


م 1551 - وهذا قول ابن عمر، وأنس بن مالك، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وطاووس، وسالم بن عبد الله، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: البدنة عن سبعة وإن تمتعوا، وبه قال عطاء، وطاووس، وعمرو بن دينار، والثوري، والشافعي.
وفيه قول ثان: قاله مالك: لا يشترك في شيء من الهدي، ولا البدن، ولا النسك في الفدية، ولا في شيء مما ذكرنا.
وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن الجزور يجزئ عن عشرة، وبه قال إسحاق.
وروينا عن ابن المسيب رواية توافق قول ابن عمر.

217 - باب ما استيسر من الهدي
م 1552 - واختلفوا في معنى قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} الآية، فقالت طائفة: شاة، روينا هذا القول عن علي، وابن عباس.
وقال مالك: هو أحب ما سمعت إليّ، وبه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن ما استيسر من الهدي من الإبل، والبقر، هذا قول ابن عمر، وعائشة.

(3/340)


قال أبو يكر: بالقول الأول أقول، لقول الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} الآية، وفي الضبي عند الجميع شاة.
وقد وقع عليه اسم الهدي لقول: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}.
(ح 703) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أهدى جملاً كان لأبي جهل يوم الحديبية.
م 1553 - وأجاز ذُكرانَ الإبل سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس، وعطاء، والشافعي، واحتج مالك بقوله: {وَالْبُدْنَ} الآية ولم يقل ذكر ولا أنثى.
وقد روينا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحداً [1/ 129/ألف] فاعلاً ذلك، وإن نحر أنثى أحب إلى.
قال أبو بكر: ذلك جائز.

218 - باب العيوب التي لا تجزئ إذا كانت موجودة في الهدي وفي الضحية
(ح 704) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لا يجوز من الضحايا أربع العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة

(3/341)


البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى.
وقال عطاء: أما الذي سمعنا كالأربع بكل شيء من الهدايا سواهن جائز، وبه قال الليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور.
وكان طاؤس يقول، لا يجوز في الذبائح العوراء، والعجفاء، والجرباء، والمصرمة أطناؤها.
وقال عطاء: في الأذن إن جذعت كلها لم يجزيه، وإن كانت جذع منها شيئاً يسيراً أو شقت جازت.
وقال مالك: نحو من قول عطاء كلها.
وكره الثوري، وإسحاق: العجفاء، والجرباء، والعوراء، والجداء.
وقال أصحاب الرأي: في المقطوع الأذن والذاهب العين لا يجزئ واحد منهما، ولا العوراء، ولا العجفاء التي لا تنقى، ويجزئ الخصي والمكسور القرن، وإذا ذهب ثلث العين، أو ثلث الأذن أجزت، ولو ذهب أكثر من ذلك لم يجز، وهذا قول النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: أما نحن نرى إذا كان الذي بقى أكثر مما ذهب ذلك.
وجواب النعمان في الذنب كجوابه في العين.
وقول يعقوب، ومحمد: من الذنب كقولها في العين.
وقال جميعاً: لا يجزئ الأعمى.
وقال مالك: لا يجوز الدبرة من الإبل.

(3/342)


وأجمع أهل العلم: على من أوجب هدياً صحيحاً لا عيب فيه ونحره أنه يجزيه.
م 1554 - واختلفوا في المرء يوجبه هدياً صحيحاً ثم يعيب بعد ذلك، فكان عطاء، والحسن والزهري، والنخعي والثوري، وإسحاق، يقولون: إذا اشتريتها سليمة فأصابها عيب فإنها أجزأت، روينا ذلك عن ابن الزبير.
وقال عطاء: إذا قلد الهدي وهو صحيح سمين ثم عجز بعد ذلك، أو أعور أجزأ عنه، وبه قال مالك، والشافعي.
وقال أصحاب الرأي: لا يجزيه وإن كان اشتراه صحيحاً.

219 - باب إجازة الجذع من الضأن عند الإعسار من المسن
(ح 705) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: لا تذبحوا جذعة من الضأن إلا أن يعسر
عليكم فاذبحوا [1/ 129/ب] جذعة من الضأن.
م 1555 - وقد اختلف فيه، فكان ابن عمر يقول: لا يهدي من الهدي إلا شيء قد أثنى، أو فوق ذلك ولا يضحى من الغنم إلا كذلك.
وكان مالك بن أنس، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: يجزئ الجذع من الضأن في الضحايا والهدي، ولا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فصاعداً.
وكان أبو ثور يقول: في التطوع الجذع من الضأن، والثني من المعز والإبل والبقر.

(3/343)


وقال أنس بن مالك، والحسن البصري: الجذع من الإبل يجزئ عن ثلاثة، وقال عطاء: الجذع من الإبل عن سبعة.

220 - باب الصدقة بلحوم الهدي، وجلودها، وجلال البدن
(ح 706) ثبت أن علياً قال: أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنة وأقسم جلودها، وحلالها، وأمرني أن لا أعطي الجاذر منها شيئاً، وقال: نحن نعطيه من عندنا.
(ح 707) وفي بعض أخبار علي: وأن لا أعطي في جزارتها منها شيئاً.
م 1556 - واختلفوا في بيع جلود البدن، فقال عطاء، والنخعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق: يتصدق وينتفع بها.
وقد روينا عن ابن عمر أنه قال: لا بأس أن يبيع جلد هديه، ويتصدق بثمنه، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وكان أبو ثور: يرخص في بيعه.
وقال النخعي: لا بأس أن يشتري به الغزال والمنخل.
م 1557 - وكان مالك، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: يرون أن لا يُعطى الجزار منها شيئاً، وكان الحسن البصري، وعبد الله بن عبيد بن عمير: لا يريان بأساً أن يُعطى الجزار الجلد.

(3/344)


221 - باب الأكل من لحوم الضحايا والهدايا
قال الله تبارك وتعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} الآية.
وقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الآية.
م 1558 - وقد اختلف أهل العلم فيما يؤكل من الهدي وفيما لا يؤكل منه، فكان ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وأحمد، وإسحاق يقولون: لا يؤكل من النذر، ولا من جزاء الصيد، ويؤكل مما سوى ذلك.
وقال سعيد بن جبير: لا يؤكل من جزاء الصيد، ولا من الفدية.
وقال النخعي: لا يؤكل من جزاء الصيد.
وقال الحكم: يأكل.
وكان الأوزاعي يقول: يكره أن يأكل من الهدي، وما كان من جزاء الصيد، أو فدية، أو كفارة، ويؤكل ما كان من هدي تطوع واستمتاع [1/ 130/ألف] أو نذر.
وقد روينا عن الحسن قولاً ثانياً: هو أن كان لا يرى بأساً أن يأكل من جزاء الصيد، ونذر المساكين.
وقال أصحاب الرأي: يؤكل من هدي القران، والمتعة، والتطوع، ولا يؤكل من غير ذلك.

(3/345)


وقال مالك: يؤكل من الهدي كله الذي ساقه لفساد حجه، أو قران حجه، أو هدي تمتع، أو تطوع، ومن الهدي كله إلا فدية الأذى، أو جزاء الصيد، أو ما نذره للمساكين.
وقال الشافعي، وأبو ثور: ما كان أصله واجباً على الإنسان فليس له أن يأكل منه، وما كان أصله تطوعاً مثل الضحايا والهدايا أكل منه، وأطعم وأهدى، أو ادّخر، وتصدق وممن رأى أن يأكل من لحم أضحية مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنعمان، وأصاحبه، إلا ما تفرد به جابر بن زيد.
وقد روينا عن جابر بن زيد أنه قال: إذا أكلت من الهدي وهو تطوع غرمت.
قال أبو بكر: قول الشافعي حسن.
م 1559 - وقد اختلف الذين رأوا أن يأكل من هدي التطوع في مقدار ما يؤكل منه، فذكر علقمة أن ابن مسعود: أمره أن يتصدق بثلثه، ويرسل إلى آل عتبة بثلثه، ويأكل ثلثاً، وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال عطاء: يؤكل منه ويتصدق ويطعم أثلاثاً.
وقال الثوري: كل من نسكك، وتصدق إلى الثلث وأقل من الثلث وتصدق بأكثره.
وقال أصحاب الرأي: ما كثر فهو أفضل، وما يحب أن يتصدق بأقل من الثلث.

(3/346)


222 - باب إباحة ركوب البدن
(ح 708) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً.
م 1560 - وقد اختلفوا في ركوب البدنة، فرخص فيه عروة بن الزبير، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: لا بأس أن يركب الرجل بدنته ركوباً غير فادح، ولا يركبها بالمحل، ولا يحمل عليها زاده، ولا شيء يتعبها به.
وقال الشافعي: يركبها إذا اضطر إليها ركوباً غير فادح، ولا يركبها إلا من ضرورة، وله أن يحمل المعنى المضطر على بُدنِه.
وقال أصحاب الرأي: لا يركبها فإن احتاج ولم يجد منه بُداً حمل عليه وركبه، فإن نقصه ذلك ضمن ما نقصه وتصدق به.
وقال الثوري في قوله: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} الآية الولد، واللبن، والركوب، فإذا سميت بُدناً ذهبت المنافع.
قال أبو بكر: في قوله: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً"، دليل على المأذون له من ذلك إذا لم يجد ظهراً غيرها، وإذا يوجد ذلك لم يكن له ركوبها.

(3/347)


223 - باب استحباب وقف البدن بالموقف بعرفة
م 1561 - واختلفوا في وجوب [1/ 130/ب] إيقاف البدن بعرفة، فكان ابن عمر: لا يرى الهدي إلا ما عرف به، فيوقف مع الناس لا يدفع به حتى يدفع الناس مقلداً أو مشعّراً.
وقال سعيد بن جبير: لا يصلح ما لم يعرف من البدن والبقر.
وقال مالك: أحب للقارن أن يسوق هديه من حيث يحرم، فإن ابتاعه دُون ذلك مما يلي مكة فلا بأس، وذلك بعد أن يقفه بعرفة.
وقال في هدي المجامع: إن لم يكن ساقه فليشتريه بمكة، ثم ليخرجه إلى الحل، وليسيقه إلى مكة لينحر بها.
وأسقطت طائفة: إيجاب الوقوف بالهدي بالموقف.
ورخصت طائفة: في ذلك.
فقالت عائشة: إن شئت فعرف وإن شئت فلا تعرف بها، روى ذلك عن ابن عباس، وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

224 - باب ما يفعل بالهدي إذا عطب قبل أن يبلغ محله
(ح 709) روينا ناحية الخزاعي أنه قال: قلت: يا رسول الله ما أصنع بما أعطب من البدن قال: انحرها وألق نعلها في دمها، ثم خل بينها ومن الناس فليأكلوها.

(3/348)


قال أبو بكر:
م 1562 - وبهذا المعنى قال مالك، والشافعي، وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 1563 - واختلفوا في الأكل بما يتطوع به المرء من البدن إذا عطبت ونحرت، فكان ابن عمر: يرى الأكل منها والإطعام، قال: وليس عليه البدل إلا أن يكون نذراً، أو جزاء صيد.
وقالت عائشة: كلوه، ولا تدعوه للسباع والكلاب.
وقال ابن عباس. لا يأكل منه ولا رفيقه.
ومنع مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم: أن يأكل منها شيئاً، وهو بمعنى قول الشافعي.
قال أبو بكر: كذلك أقول، لا يأكل منها سائقها، ولا أصحابه، وذلك في:
(ح 710) حديث ذويب عن النبي- صلى الله عليه وسلم -.
م 1564 - واختلفوا فيما يجب أن يبدل من الهدي إذا عطب، قالت عائشة: فإن كان واجباً فليُجهد مكانه هدياً آخر.
وقال ابن عمر: إن كانت نذراً أبدلها، وإن كانت تطوعاً فإن شاء فعل وإن شاء ترك.
وقال سعيد بن جبير: ما كان واجباً فعليه البدل.

(3/349)


وقال الزهري: يضمن جزاء الصيد، والتمتع، والنذر، والإحصار، والوصية.
وقال أحمد: يضمن هدي المتعة، وجزاء الصيد، وكل شيء من الكفارات، وبه قال إسحاق.
وقال عطاء: يضمن هدي المتعة، وجزاء الصيد، والنذر.
م 1565 - واختلفوا في بيع هدي الواجب الذي يجب إبداله إذا عطب، فقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور [1/ 131/ألف] وأصحاب الرأي: يأكل ويبيع ويصنع به ما شاء.
وقال مالك: يأكل منه ويطعم من أحب من الأغنياء، والفقراء، ولا يبيع منه شيئاً.
وقال عطاء: يصنع به ما شاء.
قال أبو بكر: إذا كان له أن يطعم الأغنياء باع وفعل به ما شاء.

225 - باب البدنة توجب فتضل فيبدل صاحبها مكانها، ويوجب البدل ثم يجد الأولى
م 1566 - واختلفوا في المرء يوجب بدنة فتضل فيبدلها، ويوجب البدل، ثم يجد الأولى، فروينا عن عمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن عباس أنهم قالوا: ينحرهما جميعاً، وفعلت ذلك عائشة، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الثوري، وأصحاب الرأي، وأبو ثور: إن نحرهما فهو أفضل، فإن نحر الأول وباع الآخر أجزاه، لأن الآخر لم يكن واجباً عليه.

(3/350)


وفرق الحسن البصري بين الواجب والتطوع فقال في التطوع: ينحرهما جميعاً، وقال في الواجب: إذا ضل فاشترى آخر فنحره، ثم وجد الأول فعل به ما شاء، وروينا ذلك عن عطاء.

226 - باب عدد أيام الأضحى
م 1567 - كان علي بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن، وعطاء يقولون: أيام الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وبه قال الأوزاعي، والشافعي.
واختلف فيه عن ابن عمر، وأثبت الروايين عنه أنه قال: يوم النحر ويومان بعده، وهذا قول الثوري، ومالك، وبه قال أبو مصعب صاحب مالك.
وقال أحمد: النحر ثلاثة أيام، وعن غير واحد من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم -.
وقال ابن سيرين: النحر يوم واحد.
قال أبو بكر: كما روى عن علي أقول.
وقد روينا عن سعيد بن جبير، وجابر بن زيد أنهما قالا: والأضحى في الأمصار يوم واحد، وبمنى ثلاثة أيام.

227 - باب الذبح قبل طلوع الفجر من يوم النحر
م 1568 - واختلفوا في الذبح قبل طلوع الفجر يوم النحر، فقال أكثرهم: لا يجوز؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - سن أن الذبح بالنهار، وهذا قول مالك، وأصحاب الرأي، وقال أحمد، وإسحاق: يذبح هدي المتعة يوم

(3/351)


النحر، وبه قال أبو ثور، وقال في جزاء الصيد والنذر يجزيه لو ذبحه يوم عرفة، وحكى ذلك عن الكوفي.
وقال عطاء في الذبح والنحر: لا ينحر ولا يذبح حتى ينفجر الصبح لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قال: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الآية وذلك بالنهار.
ورخص الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: في الذبح بالليل ليالي أيام التشريق، وبه [1/ 131/ب] قال إسحاق.
قال أبو بكر: لا يجوز الذبح ليلة النحر، ويجوز ليالي أيام التشريق.

228 - باب الوقت الذي ينحر فيه المتمتع هديه
م 1569 - واختلفوا في المتمتع يسوق الهدي متى منحره، فقال أحمد: إن قدم قبل العشر طاف وسعى ونحر هديه، وإن قدم في العشر لم ينحره إلى يوم النحر، وروينا ذلك عن عطاء.
وقال الحسن البصري، والنخعي، والثوري، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا ينحر المتمتع هديه إلا يوم النحر.
وقال مالك: من أهدى هدياً للعمرة وهو ممن تممتع بالعمرة إلى الحج، لم يجز ذلك عن ولكنه ينحره ويهدي هدياً آخر لمتعته، إنما يصير متمتعاً إذا حل من عمرته، ثم إذا أنشأ الحج حينئذ يجب عليه الهدي.
قال أبو بكر: قول مالك صحيح.

(3/352)


229 - باب الرجلين يخطئ كل واحد منهما فينحر هدي صاحبه
م 1570 - واختلفوا في الرجلين يخطئ كل واحد منهما فينحر هدي صاحبه، فكان أبو ثور يقول: يجزيهما، وليس عليه شيء لصاحبه، وبه قال أصحاب الرأي في الهدي، وقالوا: يأخذ كل واحد منهما هديه من صاحبه قالوا: نستحسن ذلك وندع القياس.
وفرق مالك: بين الهدي والضحايا في ذلك، فقال في الهدي كما قال أبو ثور، وقال في الضحايا: لا يجزيهما.
وقال الشافعي: إن أدركه قبل أن يتصدق به كل واحد منهما أخذه، ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حييّن ومنحورين، وأجزأ عنهما، وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه، وإن فات ذلك بصدقة ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة الهدي وعلى كل واحد منهما البدل.

230 - باب الهدي ينحره صاحبه ثم يُسرَق
م 1571 - واختلفوا في الهدي ينحره صاحبه، ثم يُسرق، فقال أصحاب الرأي: يجزيه ذلك في هدي المتعة، والإحضار، وجزاء الصيد.
وقال الثوري: إذا نحر فقد فرغ لا أرى عليه شيئاً، وبه قال ابن القاسم صاحب مالك في الواجب.
وقال أبو ثور: لا يجزيه مثل الزكاة يخرجها ثم تُسرق، لا يجزيه حتى يؤدّيها إلى المساكين.

(3/353)


قال أبو بكر: ويحتمل لو قال قائل: إذا كان واجباً فعلم أن الفقراء أخذوه يجزيه، لأنهم أخذوا حقاً لهم، وإن كان فيهم غنى لم يجزه حصة الغنى، وإن لم يعلم من أخذه لم يجزه، وإن كان تطوعاً فلا شيء عليه لأنه لم يفرط وأصله التطوع.

أبواب الحلق والتقصير [1/ 132/ألف]
231 - باب حلق الرأس بعد الفراغ من الذبح أو النحر واستحباب التيامن في الحلق وفضل الحلق على التقصير في الحج والعمرة واختيار ذلك
(ح 711) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حلق رأسه في حجة الوداع.
(ح 712) وأنه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم ناول الحالق شقه الأيسر فحلقه.
م 1572 - وروينا عن ابن عباس أنه أمر أن يبدأ بالشق الأيمن، وبه قال الشافعي.

(3/354)


(ح 713) وثبت أنه قال: "اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً، قالوا: والمقصرين قال: والمقصرين".
قال أبو بكر: وفي دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -للمحلقين ثلاثاً وتأخيره الدعاء للمقصرين مرة، دليل على أن الحلق في الحج والعمرة أفضل من التقصير.
وممن كان يستحب الحلق ويقدمه على التقصير الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
1573 - وقد أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ، إلا شيئاً ذكر عن الحسن أنه كان يوجب الحلق في أول حجه يحجَها الإنسان.
قال أبو بكر: يجزئ ذلك.

232 - باب أخذ الأظفار مع حلق الرأس
(ح 714) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما حلق رأسه قلم أظفاره.

(3/355)


م 1574 - ويستحب أن يبلغ إذا حلق رأسه العظم الذي عند منقطع الصدغ من الوجه، كان ابن عمر يقول للحالق: بالغ العظمين افصل اللحية من الرأس.
وكان عطاء يقول: من السنة إذا حلق رأسه أن يبلغ العظمين.
وقد كان ابن عمر: يأخذ من لحيته، وشاربه، وأظفاره، إذا رمى الجمرة.
وكان عطاء، وطاؤس، والشافعي يحبون لو أخذ من لحيته شيئاً.
قال الشافعي: حتى يصنع من شعره شيئاً لله.

233 - باب حلق من لَبَّدَ رأسه
(ح 715) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -لبّد رأسه في حجته.
(ح 716) وروينا عنه أنه قال: من لبّد رأسه فليحلق.
(ح 717) وقد ثبت أنه لبّد رأسه في حجته.
(ح 718) وثبت أنه حلق.

(3/356)


م 1575 - وقد اختلف أهل العلم فيما يجب على من لبّد رأسه في حجته، أو عقصه، فثبت عن عمر بن الخطاب، وابن عمر: أنهما أمرا من لبّد رأسه أن يحلق.
وبه قال الثوري.
وكان مالك: يأمر من لبّد رأسه، أو عقص بالحلاق، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو ثور: من لبّد، أو ضفر فليحلق.
وفيه قول ثان: كان ابن عباس يقول: من لبّد، أو ضفر، أو عقد، أو فتل، أو عقص فهو على ما نوى في ذلك، يعني إن كان نوى الحلاقة فليحلق لابدّ، [1/ 132/ب] لم يكن نوى إن شاء حلق وإن
شاء قصّر.
وقال أصحاب الرأي: في الذي يلبّد رأسه بصمغٍ، أو بضفرٍ، فإن قصر ولم يحلق يجزيه.
قال أبو بكر: من لبّد فليحلق على ظاهر الحديث.

234 - باب الأصلع يأتي عليه وقت الحلق وما يجزئ أن يقصر من على رأسه الشعر
م 1576 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الأصلع يمر على رأسه الموسى وقت الحلق، روينا ذلك عن علي، وابن عمر، وبه قال

(3/357)


مسروق، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 1577 - واختلفوا في قدر ما يجزئ من التقصير، فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: يجزئ ثلاث شعرات فصاعداً.
وقال أصحاب الرأي: يجزيه أن يقصر من رأسه النصف، فإن قصر أقل من النصف يجزيه، ولا يجب عليه أن يفعل.
وقيل لابن القاسم: قصر بعض شعره وأبقى بعضه؟ قال: لا يجزيه في قول مالك.

235 - باب من نسي الحلق حتى مضت أيام مني، ومن نسي الحلق أو تركه حتى رجع إلى بلده، وتقصير المرأة وقدر ما تقصر من رأسها
م 1578 - واختلفوا فيمن نسى الحلق حتى مضت أيام مني، فقال أبو ثور، ويعقوب، ومحمد: لا شيء عليه وهو يشبه مذهب الشافعي.
وقال أحمد: إن جاء قدم فلا بأس، وإن لم يجيء فأرجو أن لا يكون عليه شيء.
وقال النعمان: عليه دم، ويحلق أو يقصر.
قال أبو بكر: لا شيء عليه.
م 1579 - واختلفوا فيمن نسي الحلق أو تركه حتى جاء بلده، فقال عطاء: لا شيء عليه، وبه قال أبو ثور، ويعقوب، وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي، وكذلك قال أحمد: إذا حلق خارج الحرم.

(3/358)


وأوجب عليه الثوري، وإسحاق بن راهويه، والنعمان، ومحمد: دماً وكذلك قال مالك: فيمن نسي الحلق حتى يرجع إلى بلده أنه يحلق وعليه الهدي.
قال أبو يكر: لا شيء عليه.
(ح 719) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس على النساء حلق، إنما عليهن التقصير.
م 1580 - وأجمع أهل العلم على القول به في محفوظ ذلك عن ابن عمر، وعطاء، وغمرة، وحفصة بنت سيرين، وعطاء الخرساني، ومالك، والثوري، وسائر أهل الكوفة من أصحاب الرأي، وغيرهم، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وسائر أهل العلم.
ورأت جماعة: إن حلقها رأسها من الثلة.
م 1581 - واختلفوا [1/ 133/ألف] في قدر ما تقصر من رأسها، فكان ابن عمر، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: تقصر من رأسها من كل فرق مثل الأنملة.
وذكر ابن الحسن قول ابن عمر هذا.
وروينا عن عطاء أنه قال: تأخذ قدر ثلاث أصابع مقبوضة، أو أربع أصابع.
وعن النخعي أنه قال: قدر مفصلين.
وقال قتادة: تقصر الثلث أو الربع.

(3/359)


وقالت حفصة بنت سيرين: المرأة التي قعدت تأخذ نحو الربع، وفي السبّابة أشارت بأنملتها تأخذ وتقلل.
وقال مالك: تأخذ من جميع قرون رأسها، وما أخذت من ذلك فهو يكفيها، ولا يجزئ عنده أن تأخذ من بعض القرون وتبقى بعضاً.
قال أبو يكر: يجزئ ما وقع عليه اسم تقصير، والأحوط: أن تأخذ من جميع القرون قدر أنملة.

236 - باب إباحة التطيب يوم النحر بعد الحلق قبل الإفاضة
(ح 720) ثبت عن عائشة أنها قالت: كنت أطيبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
م 1582 - وقد اختلف أهل العلم: فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل الطواف بالبيت، فقال عبد الله بن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم بن عبد الله، وطاؤس، والنخعي، وعبد الله بن الحسن، وخارجة بن زيد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يحل له كل شيء النساء.
روينا ذلك عن ابن عباس.
وقال عمر بن الخطاب، وابن عمر، يحل له كل شيء، إلا النساء، والطيب.
وقال مالك: يحل له كل شيء إلا النساء، والطيب، والصيد.

(3/360)


وقد اختلف فيه عن إسحاق: فذكر إسحاق بن منصور عنه ما ذكرناه عنه، وذكر أبو داؤد الخفاف عنه أنه قال: يحل له كل شيء إلا النساء، والصيد.
وفيه قول خامس: وهو أن المحرم إذا رمى الجمرة يكون في ثوبيه حتى يطوف بالبيت، كذلك قال أبو قلابة.
وقال عروة بن الزبير: أخّر الطواف بالبيت يوم النحر إلى يوم، الصدر، فإنه لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا يتطيب.
وقد اختلف فيه عن الحسن البصري، وعطاء، والثوري، وقد بينته في مختصر الحج.
قال أبو بكر: بظاهر خبر عائشة نقول.

237 - باب ما أبيح لمن رمى الجمرة يوم النحر ولم يحلق
م 1583 - كان عطاء بن أبي رباح، ومالك يقولان: لا بأس أن يتقنع إذا رمى [1/ 133/ب] الجمرة قبل أن يحلق.
وقال أبو ثور: له أن يتطيب، ويصطاد قبل أن يحلق.
والشافعي: إنما يبيح له الأشياء إذا رمى وحلق.
وقال أصحاب الرأي: إذا رمى ولم يحلق حتى أصاب صيداً خارج الحرم، فعليه الجزاء، وإن كان حلق فلا شيء عليه، وكذلك لا يمس طيباً، ولا يخضب رأسه بالحناء قبل أن يحلق، فإن فعل فعليه دم.

(3/361)


238 - باب طواف الإفاضة
قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الآية (1).
م 1584 - وأجمع أهل العلم على أن هذا الطواف هو الطواف الواجب طواف الإفاضة.
(ح 721) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر.
م 1585 - ولا أعلمهم يختلفون أن من أخّر الطواف عن يوم النحر وطاف في أيام التشريق، أنه مؤدٍ للفرض الذي أوجبه الله عليه، ولا شيء عليه في تأخيره.
م 1586 - واختلفوا فيما يجب على من أخّر الإفاضة حتى مضت أيام التشريق، فكان عطاء، والشافعي، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد يقولان: لا شيء عليه.
وكان عمرو بن دينار، وابن عيينة يطوفان طواف الزيارة بعد الصدر بأيام، وقال أحمد، وإسحاق: لا بأس أن يؤخر الإفاضة إلى آخر النفر.
وقال النعمان: فيمن رجع إلى الكوفة قبل أن يطوف طواف الصدر يعود إلى مكة حتى يقضيه، وعليه دم لتأخيره.
وقال مالك: إذا تطاول ذلك فعليه دم وقال مرة: إن عجله فهو أفضل، وإن أخره فلا شيء عليه.

(3/362)


قال أبو بكر: أحبّ أن لا يؤخر عن يوم النحر، فإن أخره وطاف بعد أيام التشريق أجزأه ولا شيء عليه.
م 1587 - واختلفوا فيمن أخّر طواف الزيارة حتى يرجع إلى بلده، فقال عطاء، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يرجع حتى يطوف، لا يجزيه غير ذلك.
قال (1) أبو بكر: كذلك نقول.
وقد روينا عن عطاء قولاً ثالثاً: وهو أن يأتي عاماً قابلاً بحج أو عمرة، وكذلك قال الحسن البصري: يجج من العام المقبل.
م 1588 - واختلفوا فيمن ترك شوطاً من طواف الزيارة، فقال عطاء: لا يجزيه يوم النحر إلا سبعاً وافٍ، وهذا على مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم من أصحابنا.
وكان سعيد بن أبي عروبة يقول: عليه دم.
وقال أصحاب الرأي: فيمن طاف أربعة أشواط من طواف يوم النحر أو طواف العمرة، ثم يسعى بين الصفا والمروة ولم يكن طاف لحجته قبل ذلك ولا سعي، ثم رجع إلى الكوفة، أن سعيه يجزيه، [1/ 134/ألف] وعليه لما ترك من الطواف بالبيت دم.
قال أبو بكر: لا يجزيه حتى يرجع فيطوف طوافاً مستأنفاً كاملاً.

239 - باب الطهارة للطواف
(ح 722) ثبت أن نبى الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة وقد حاضت وهي
__________
(1) في الأصل: "وقال".

(3/363)


محرمة: "اقضي ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت".
(ح 723) مع قوله في قصة صفية: "أحابستنا هي".
م 1589 - ففي ذلك دليل على أن الطواف بالبيت لا يجزئ إلا لطاهراً، فمن طاف بالبيت جنباً، أو على غير وضوء، أو كانت المرأة حائضاً، أو نفساء فهو بمعنى "من لم يطف"، وهذا قول عامة أهل العلم.
م 1590 - وخالف أهل الرأي ذلك، فقالوا: فيمن طاف يوم النحر وهو جنب، أو كانت امرأة فطافت يوم النحر وهي حائض، ثم رجعت إلى الكوفة ولم تطف طواف الصدر، أن على الرجل والمرأة أن يعودا إلى مكة يإحرام جديد حتى يطوفا طواف يوم النحر، وعلى الرجل دم لتأخيره ذلك، وعليه أن يطوف طواف الصدر، فإن لم يفعل ذلك وأقام بالكوفة بعث يجزور أو ثمنها، فيشتري هناك جزوراً فينحر عنه، ويتصدق بلحمه فيكون هذا الدم لطواف يوم النحر، وعليه شاة لطواف الصدر، والحائض يجزيها من ذلك جزور يبعث، وليس على المرأة دم لطواف الصدر، ولا لتأخيرها ذلك.
م 1591 - قالوا: ولو أن قارناً أو متمتعاً أو منفرداً طاف يوم النحر وهو على غير وضوء، ولم يطف طواف الصدر حتى يرجع إلى أهله، أن عليه دمين، أحدهما: لطوافه على غير وضوء، والآخر: لطواف الصدر.

(3/364)


قال أبو بكر: فرض الله عَزَّ وَجَلَّ طواف الإفاضة في كتابه فهو فرض، لا يجزئ عنه غيره.
م 1592 - واختلفوا فيمن انتفض وضوءه وهو في الطواف، فقال أحمد، وإسحاق: يخرج فيتوضأ، ثم رجع فيبني، وبه قال الشافعي، غير
أنه قال: إن تطاول ذلك استأنف.
وقال مالك: يخرج فيتوضأ ويستأنف، إنما هو بمنزلة الصلاة المكتوبة.
وقال في التطوع: إن أراد أن يتم طوافه توضأ واستأنف، وإن شاء تركه.
وقال الحسن البصري: إذا رعف استأنف الطواف.
وقال عطاء: أحبّ إلي أن يستأنف طوافه.
وقال النخعي: يبني.

240 - باب النية للطواف
(ح 724) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله [1/ 134/ب] ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
م 1593 - فلا يجزئ الطواف إلا بالنية لدخوله في جملة الأعمال، وقال بهذا القول أحمد، وإسحاق، وابن القاسم صاحب مالك، وأبو ثور.
وكان الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي يقولون: يجزيه وإن لم ينو الفرض الذي عليه.

(3/365)


قال أبو بكر: وبحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أقول، ولا يصح خبر شبرمة الذي احتج به الشافعي.

241 - باب طواف المتمتع وسعيه
م 1594 - واختلفوا في طواف المتمتع وسعيه، فقالت طائفة: يجزيه طواف واحد وسعي واحد، هذا قول ابن عباس، وعطاء، وطاؤس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق، غير أن أحمد، وإسحاق قالا: طوافان أجود وكان ابن عمر: إذا أفرد في أشهر الحج طاف لكل واحد منهما طوافاً بين الصفا والمروة، وبه قال الشافعي، وعلقمة: علماً الأمصار للتفريق بين العملين وإفراد كل واحد منهما عن الآخر.
وبه نقول، إلا أن يكون مضت السنة وتسلم لها.

242 - باب وقت سعي أهل مكة بين الصفا والمروة
(ح 725) سنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - للقادمين المحرمين بالحج بتعجيل الطواف عند دخولهم، وفعل هو ذلك.
(ح 726) وأمر من حل من أصحابه أن يحرموا إذا أرادوا أن ينطلقوا إلى منىً.

(3/366)


فدل ذلك على أن لمن أحرم من مكة أن يؤخر طوافه وسعيه إلى يوم النحر، خلاف فعل القادمين، لتفريق السنة بينهما.
م 1595 - وكان ابن عباس يقول: لا أرى لأهل مكة أن يحرموا بالحج حتى يخرجوا، ولا أن يطوفوا بين الصفا والمروة حتى يرجعوا.
وكان ابن عمر: يفعل ذلك إذا أحرم من مكة.
وكان ابن عباس يقول: وأما أهل الأمصار فيطوفون إذا قدموا، هذا مذهب مالك، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال مالك: فيمن طاف وسعى قبل خروجه، يعيده إذا رجع وقال: إن رجع إلى بلاده قبل أن يعيد أن عليه دماً.
وكان عطاء، والشافعي يقولان: إن طاف قبل خروجه أجزاه غير أن عطاء قال: تأخيره أفضل، وقد فعل ذلك ابن الزبير، طاف وسعى وخرج وأجاز ذلك القاسم بن محمد.
قال أبو بكر: أي ذلك فعل يجزيه، ويعجبى استعماله ما قاله ابن عباس.

243 - باب ترك الرمل في طواف الزيارة للقارن
(ح 727) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرمل في السبع الذي [أفاض] (1) فيه، ورمل لطوافه في حجته [1/ 135/ألف] لما قدم مكة.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط من الأصل.

(3/367)


م 1596 - فقالت طائفة: يرمل من قدم مكة وقد أحرم من المواقيت، أو من خارج الحرم، وإذا أحرم من مكة لم يرمل.
كان ابن عمر: إذا أهل من مكة لم يرمل.
وقال ابن عباس: ليس على أهل مكة رمل، وهذا مذهب أحمد، وإسحاق.
وقال عطاء، وعروة بن الزبير: لا رمل يوم النحر.
وكان مجاهد: يرمل يوم النحر، وبه قال مالك، والماجشون صاحبه.
وقد روينا عن ابن الزبير: أنه لبى بالحج فأخذ يهرول فأخذ ابن عمر بثوبه وقال: رملاً أبا بكر.
وفيه قول ثالث: وهو أن كل من طاف طوافاً بعده سعى رمل، ومن طاف طوافاً لا سعي بعده لم يرمل، هذا قول الشافعي فيما حفظته عنه.
قال أبو بكر: وهذا أحسن.

244 - باب من قدم نسكاً قبل نسك جاهلاً
(ح 728) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -بينا هو يخطب يوم النحر قال إليه رجل: فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - "افعل ولا حرج" لهن كلهن، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: "افعل ولا حرج".

(3/368)


م 1597 - وقد اختلفوا في هذا الباب، فكان عطاء بن أبي رباح، وأحمد، وإسحاق يقولون: من قدم نسكاً قبل نسك فلا حرج.
وقال سعيد بن جبير، وطاؤس، ومجاهد، والشافعي، وأبو ثور: إذا حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه.
وقال ابن عباس: من قدم من حجه أو أخر فليهريق لذلك دماً، وروى ذلك عن سعيد بن جبير، وقتادة وقال النخعي: من حلق قبل أن يذبح أهراق دماً.
وقال جابر بن زيد: عليه الفدية.
م 1598 - واختلفوا فيمن حلق قبل أن يرمي، فقال الحسن البصري، وطاؤس، وأبو ثور: لا شيء عليه، وكذلك قال أحمد، وإسحاق: إذا فعل ذلك ساهياً، وحفظي عن الشافعي أنه قال: عليه دم.
وقال مالك يفتدي.
قال أبو بكر: كل هذا لا شيء على من فعله، للأخبار الواردة التى رويت:
(ح 729) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ففي بعضها: من قدم نسكاً قبل نسك فلا حرج عليه.
(ح 730) وفي بعضها أن القائل قال: حلقت قبل أن أرمي، وحلقت قبل أن أذبح، أو ذبحت قبل أن أرمي.
م 1599 - وقد اختلفوا فيمن أفاض قبل أن يحلق بعد الرمي، فكان ابن عمر يقول: يرجع فيحلق أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض.

(3/369)


وقال عطاء، ومالك، والشافعي، يجزيه الإفاضة ويحلق ويقصر [1/ 135/ب] ولا شيء عليه.
وقال مالك: وإن أصاب النساء قبل أن يذبح ويحلق وقد أفاض أهراق دماً، وقال مالك: فيمن أفاض قبل أن يرمي الجمرة لا يجزيه الإفاضة، فليرم، ثم لينحر، ثم ليقصر.
ومذهب الشافعي: أن ذلك يجزيه ويرمي وينحره.
قال الأوزاعي: إذا زار البيت قبل أن يرمي جمرة العقبة جاهلاً، ثم واقع أهله يهريق دماً.

245 - باب البيتوتة بمنى ليالي أيام التشريق
(ح 731) روينا عن عائشة أنها قالت: أفاض رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى مني فمكث بها ليالي أيام التشريق.
م 1600 - فالسنة أن يقيم الناس بمنىً ليالي أيام التشريق إلا من نفر النفر الأول، فإنه يسقط عنه بخروجه عن مني المقام بمنى ليلة النفر الكبير، إلا أهل السقاية من أهل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فإنه أذن لهم أن يبيتوا بمكة ليالي مني، وإلا الرِعاء.
م 1601 - واختلفوا فيمن بات عن مني ليلة من ليالي مني غير من ذكرنا، فقال عطاء: عليه دراهم، ومال أحمد إلى هذا القول، وقال مرة يطعم شيئاً وليس فيه وقت.

(3/370)


وقال الشافعي: يتصدق في ليلة بدرهم، وليلتين بدرهمين، وفي ثلاثة بدم، وقال مرة: إذا غفل أحد فبات بغير منىً حتى يصبح، أطعم مسكيناً، فإن بات ليالي منىً كلها أحببت أن يهريق دماً.
وقال مالك: إن بات ليلة كاملة أوجلها في غير منىً، فعليه لذلك دم.
وقال مالك. فيمن زاد البيت فمرض فبات بمكة فإن عليه هدياً يسوقه من الحل إلى الحرم، واحتج بقول ابن عباس: من ترك من نسكه شيئاً فعليه دم.
وقال أصحاب الرأي: لا شيء على من كان بمكة أيام منىً إذا رمى الجمار، وقد أساء، هذا قول أصحاب الرأي.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت، وكان الحسن البصري: لا يبالي إذا زار البيت أن يبيت بمكة إذا كان قد رمى، وقال الشافعي: ليست الرخصة إلا لأهل سقاية العباس دون السقايات، والرعاء.

246 - باب حد مني
قال أبو بكر:
(ح 732) في خبر الفضل بن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: حتى إذا دخل منىً حين هبط من محسّر قال: عليكم بحصى الخذف".
فدل هذا على أن أول حد منىً مما يلي جمع، حين يهبط من محسّر.
م 1602 - وثبت أن عمر بن الخطاب قال: لا يبيتنّ أحد من الحاج من وراء العقبة ليالي مني، وكذلك قال ابن عمر: وروى ذلك عن ابن عباس.

(3/371)


وقال عطاء: [1/ 136/ألف] مني العقبة إلى محسّر وبه قال الشافعي وقال: ليس العقبة من مني ولا بطن المحسّر. وكذلك نقول.

247 - باب قصر الصلاة بمنىً للحاج
(ح 733) ثبت أن ابن عمر قال: صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدراً من إمارته ركعتين، ثم أتمها.
م 1603 - وقد أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من خرج في غير أيام الحج إلى مني أنه لا يقصر الصلاة.
م 1604 - واختلفوا فيمن يحج من مكة من أهلها أو المقيمين بها من غير أهلها، فكان القاسم بن محمد، وسالم بن عبد [الله] (1)، ومالك، والأوزاعي، وإسحاق يقولون: يقصرون الصلاة بمنى وعرفة.
وقال عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، والشافعي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يتمون.
وكذلك نقول لأنهم لما أجمعوا على أن من خرج إلى منىً من مكة في غير أيام الحج أنه يتم الصلاة فإن حكم أيام الحاج بحكم سائر الأيام.
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ليست في المطبوع. وجاء في المغني: «وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَهُمْ الْقَصْرُ»

(3/372)


ولما قصّر النبي- صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر فإنهم كانوا مسافرين، ولا معنى لقول من جعل تقصيرهم حجةً للمقيمين.

248 - باب النفر من مني
قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} الآية.
(ح 734) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: أيام مني ثلاثة من تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه.
م 1605 - وأجمع أهل العلم على أن لمن أراد الخروج من الحاج عن مني شاخصاً إلى بلده، خارجاً عن الحرم، غير مقيم بمكة في النفر الأول، أن ينفر بعد الزوال إذا رمى في اليوم الذي يلي يوم النفر قبل أن يمسى.
وثبت أن عمر بن الخطاب قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس، وهكذا قال ابن عمر، وجابر ابن زيد، وعطاء، وطاؤس، ومجاهد، وأبان بن عثمان، والنخعي، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، وأهل العراق، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق.
وكذلك نقول؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} الآية، فلينفر من أراد النفر ما دام في شيء من النهار.

(3/373)


وقد روينا عن النخعي، والحسن أنهما قالا: من أدركه العصر وهو بمنىً من اليوم الثاني من أيام التشريق لم ينفر حتى الغد، وقد يحتمل أن يكون ما قالا ذلك استحباباً.
وبالقول الأول نقول لظاهر الكتاب والسنة.

249 - باب اختلاف في الرخصة لأهل [1/ 136/ب] مكة في النفر الأول
م 1606 - واختلفوا في أهل مكة ينفرون في النفر الأول، فروى عن عمر بن الخطاب أنه قال من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول آل خزيمة، فلا ينفرون إلا في النفر الآخر.
وكان مالك يقول في أهل مكة. من كان له عذر فله أن يتعجل في يومين، فإن أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا.
وجعل أحمد، وإسحاق معنى قول عمر: إلا آل خزيمة، أي أنهم أهل حرم مكة.
وقال أكثر أهل العلم بجواز النفير في النفر أول لكل أحد، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} وقال عطاء: هي للناس عامة.

(3/374)


250 باب يستحب للحاج أن ينزل بالمحيص
(735) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه وهم بمنى: نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر، وذلك أن قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، يعني بذلك المحيص.
قال أبو بكر:
م 1607 - إذا فرغ الحاج من الرمى، ونفر من مني، استحب له أن يأتي المحيص، وينزل به، ويصلي به الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ويبيت به ليلة الرابع عشر، ولو ترك النزول به فلا شيء عليه.
كان ابن عمر يرى التحصيب سنة، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالمحصبة، وروى عن ابن عباس أنه قال: المحيص ليس بشيء إنما وينزل منزله رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وكذا قالت عائشة وهو قول عامة أهل العلم.

(3/375)