الإشراف
على مذاهب العلماء 32 - كتاب العمرة
قال الله تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
الآية.
ففي هذه الآية دليل على وجوب العمرة؛ لأن الله أمر بإتمامها كما أمر بإتمام
الحج.
(ح 736) وقال الصبي بن سعد: كنت رجلاً أعرابياً نصراياً، فأسلمت، وإني وجدت
الحج والعمرة مكتوبين علي، وإني أهللت بهما
[1/ 137/ألف] فقال عمر بن الخطاب: هديت لسنة نبيك.
قال أبو بكر:
م 1608 - وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى وجوب الحج والعمرة، وممن قال ذلك عمر،
وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وطاؤس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير،
والحسن البصري، وابن سرين، والشعبى، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى، وعبد
الله بن شداد، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.
وقال مالك، وأصحاب الرأي، وأبو ثور: هي سنة ليست واجبة،
(3/376)
وكذا قال النخعي، وروى ذلك عن ابن مسعود
قال أبو بكر. وبالقول الأول أقول.
1 - باب العمرة في الشهر مراراً
م 1609 - واختلفوا في العمرة في الشهر مراراً، فروى عن علي، وابن عباس،
وابن عمر، وأنس، وعائشة، وعطاء، وطاؤس، وعكرمة، والشافعي أنهم قالوا: لا
بأس أن يعتمر في السنة مراراً.
وكره العمرة في السنة مرتين: الحسن، وابن سرين، ومالك، وقال النخعي: ما
كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة.
وقال عكرمة: يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره، وقال عطاء: إن شاء اعتمر في كل
شهر مرتين، وكذلك قال أحمد.
قال أبو بكر: اعتمرت عائشة بأمر النبي- صلى الله عليه وسلم في شهر مرتين،
عمرة مع قرانها، وعمرة بعد حجها.
(ح 737) وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال العمرة إلى العمرة
كفارة لما بينهما.
(3/377)
2 - باب الوقت الذي
يقطع فيه المعتمر التلبية
م 1610 - واختلفوا في الوقت الذي يقطع فيه المعتمر التلبية، فقالت طائفة:
يقطع التلبية إذا افتتح الطواف، هذا قول ابن عباس، وعطاء، وعمرو، وابن
مسعود، وطاووس، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور،
وأصحاب الرأي، وهو قول أكثر أهل العلم.
وروى عن ابن عمر أنه قال يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم، وبه قال
الحسن البصري، وقال بعض أهل العلم: قطع التلبية إذا انتهى إلى مكة، وروى
ذلك عن عروة بن الزبير، وابن عمر.
وكان مالك يقول: إذا اعتمر من التنعيم قطع التلبية حين يرى البيت، وإذا أهل
من المواقيت قطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم.
قال أبو بكر:
(ح 738) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه كان يلبيّ في العمرة
[1/ 137/ب] حتى يستلم الحجر، وفي الحج حتى يرمي الجمرة.
وبه نقول.
(3/378)
3 - باب وطئ المعتمر
بعد السعي بين الصفا والمروة قبل أن يقصر
م 1611 - واختلفوا في المعتمر يطأ بعد الفراغ من الطواف بالبيت والسعي قبل
أن يقصر، فقال ابن عباس، والثوري، وأصحاب الرأي: عليه دم.
وقال مالك: عليه الهدي.
وقال الشافعي: هو مفسد، ولا أحفظ ذلك عن غيره.
وروينا عن عطاء أنه قال: يستغفر الله.
وقال الحسن مرة: عليه بقرة أو بدنة، وقال مرة: إذا ظن أنه قد حلّ فغشى
النساء فلا شيء عليه.
قال أبو بكر: ليس في إثبات شيء أعلى من قول ابن عباس.
م 1612 - واختلفوا في المعتمر يصطاد صيداً عازماً من الحرم بعد فراغه من
الطواف والسعي في أن يقصر أو يحلق، فكان مالك، وأبو ثور يقولان (1): لا شيء
عليه.
وقال مالك: يستغفر، وبه قال أصحاب الرأي: عليه الجزاء إذا فعل ذلك.
وحكى الثوري عن عطاء أنه قال: إن لبس ثوباً قبل أن يقصر فلا شيء عليه.
وقال الثوري. دم أحبّ إليّ.
__________
(1) في الأصل "يقولون".
(3/379)
4 - باب وطئ المعتمر
بعد الطواف بالبيت قبل السعي بين الصفا والمروة
م 1613 - كان الشافعي يقول: إذا وطئ بعد الطواف بالبيت قبل السعي بين الصفا
والمروة، فهو مفسد، وعليه عمرة أخرى مكانها وبدنة، وبه قال أحمد، وأبو ثور:
غير أنهما قالا: عليه الهدي.
وقال عطاء: عليه شاة، ولم يذكر القضاء.
وقال الثوري: يهريق دماً وقد تمت عمرته، وبه قال إسحاق.
وقال ابن عباس: العمرة الطواف، واحتج إسحاق بذلك.
وقال أصحاب الرأي: إن كان طاف أربعة أشواط بالبيت، ثم جامع فعليه دم، ويقضي
ما بقي من عمرته ولا شىِء عليه، وإن كان طاف ثلاثة أشواط، ثم جامع فعليه
دم، ويقضي ما بقي من عمرته، وعليه عمرة مكانها.
م 1614 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنه إن وطئ قبل أن يطوف
ويسعى أنه مفسد.
م 1615 - واختلفوا فيما عليه من الهدي إذا فعل ذلك، ومن أين يقضي عمرته،
فقال الأوزاعي: يتم عمرته، ثم يرجع إلى ميقاته فيحرم بعمرة مكانها، وعليه
الهدي وبه قال الشافعي، غير أنه قال: عليه بدنة، ويحرم بعمرة أخرى [1/
138/ألف] يهريق دماً.
وقال مالك: يرجع إن كان قريباً، وإن لم يفعل فلا شيء عليه.
وروينا عن مجاهد أنه قال: عليه دم، وروينا عنه أنه كان كما قال مالك.
(3/380)
قال أبو بكر: قول مالك حسن.
م 1616 - واختلفوا في وجوب طواف الوداع على من منزله بالقرب من الحرم، فكان
أبو ثور يقول: طواف الوداع عام لكل خارج من مكة إلى منزله، قرب ذلك أم
بَعُد، وهذا قياس قول مالك فيما ذكر ابن القاسم.
قال أبو بكر: وهذا يلزم من قال بظاهر الأخبار.
وقال أصحاب الرأي: في أهل بُستان ابن عامر، أو أهل المواقيت أنهم بمنزلة
أهل مكة في طواف الصدر.
م 1617 - واختلفوا فيمن طاف طواف الوداع، ثم حضرت صلاة مكتوبة فصلى مع
الناس، فكان عطاء يقول: يعيد حتى يكون آخر عهده بالبيت.
وقال مالك، والشافعي: يصليها ولا يعيد طوافاً.
م 1618 - واختلفوا فيمن طاف طواف الوداع، ثم بدأ له في شراء حوائج من
السوق، فقال عطاء: إذا لم يبق إلا الركوب ختم سبعة به، فكان آخر عهده
بالبيت، وقال: إنما هو خاتم يختم به، وقال بنحو قول عطاء الشافعي، وهذا على
مذهب الثوري، وأحمد، وأبي ثور.
وقال مالك: لا بأس أن يشتري بعض جهازه وطعامه بعد الوداع وحوائجه في السوق.
وقال الشافعي: إذا اشترى شيئاً على طريقه لم يُعد.
وقال أصحاب الرأي: إذا طاف طواف الصدر أو طاف طوافاً ينوي به التطوع وذلك
بعد ما حل النفر، ثم أقام بها شهراً أو أكثر من ذلك فإنه يجزيه من طواف
الصدر، فلا بأس أن يطوف، ثم يقيم بعده ما شاء لحاجته، ولكن أفضله أن يكون
طوافه حين يخرج.
(3/381)
قال أبو بكر: هذا خلاف ظاهر قوله:
(ح 739) "حتى يكون آخر عهده بالبيت".
وزعم هذا إن آخر عهده إن كان بالتجارة فلا شيء عليه.
م 1619 - واختلفوا في حبس الحمّال على المرأة الحائض، فكان مالك يقول: تحبس
عليها كريها أقصى ما يحبسها الدم ثم تستطهر بثلاث.
وقال الشافعي: ليس على حمالها أن تحبس عليها، ويقال مكانك مثلك.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 1620 - واختلفوا في المعتمر الخارج إلى التنعيم هل يودع؟ فقال مالك،
والشافعي: ليس عليه وداع.
وقال الثوري: إن لم يودع فعليه دم.
قال أبو بكر: لا دم عليه، وليس [1/ 138/ب] عليه أن يودع إذا خرج إلى قرن
الحرم.
5 - أبواب الإحصار
قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ} الآية.
(3/382)
(ح 740) وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه
وسلم - خرج زمن الحديبية فأمر أصحابه حين أحصروا أن ينحروا ويحلقوا.
م 1621 - واختلفوا في المحصر بغير عذر، فقال ابن عباس: لا حصر إلا حصر
العدو.
وقال ابن عمر: من حُبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت
وبالصفا والمروة، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عذر ومرض وغير ذلك، هذا قول
النخعي، وعطاء، والثوري، وأصحاب الرأي.
وروينا عن ابن مسعود: معنى هذا القول، وبه قال أبو ثور.
6 - باب وقوف المحصر عن الإحلال ما دام راجياً لتخلية سبيله
(ح 741) في بعض الأخبار عن كعب بن عجرة: أنهم كانوا بالحديبية، ثم تبيّن
لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع من أن يدخلوا مكة.
قال أبو بكر:
م 1622 - وهذا يدل على أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن
يقيم حتى ييئس من الوصول فيحل، وقال من أحفظ عنه من أهل
(3/383)
العلم: أن من ائس أن لا يصل إلى البيت فجاز
له أن يحل فلم يفعل حتى خلى سييله، أو عليه أن يمضي إلى البيت ليتم مناسكه.
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور: إذا كان معه هدي نحر وحلق أو قصّر، ويرجع
ولا قضاء عليه إلا أن يكون ضرورة.
وقد روينا عن مجاهد، والشعبى، وعكرمة أنهم قالوا: يحج من قابل.
وقال النخعي: عليه حجة وعمرة، وبه قال أصحاب الرأي.
7 - باب نهي المحصر بالعدو عن الإحلال إذا كان ساق هدياً وإيجاب الفدية
عليه إن حلق رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله
قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} الآية.
وهذا ينصرف على وجهين أحدهما: أن بلوغه النحر أو الذبح، وإن كان ذلك في
الحل، هكذا يفعل المحصر، فنحر هديه حيث أحصر اقتداءً بما فعل النبي- صلى
الله عليه وسلم - زمن الحديبية، قال الله تعالى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا
أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} الآية قيل: محبوساً.
هذا إذا كان محصراً ممنوعاً من الوصول إلى البيت فأما قوله: {هَدْيًا
بَالِغَ
(3/384)
الْكَعْبَةِ} الآية وقوله: {ثُمَّ
مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الآية، فالمخاطب به الآمن الذي يجد
السبيل إلى الوصول إلى البيت والله أعلم، وليس للمحصر يقدم أن يفعل شيئاً
مما يحرم على المحرمين حتى ينحر هديه، فإن فعل من ذلك شيئاً مما فيه الفدية
فعليه الفدية.
(ح 742) استدلالاً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عجرة
بالفدية لما حلق.
م 1623 - وهذا على مذهب مالك، والكوفي، والشافعي.
م 1624 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لسيد العبد منعه من
الحج، إلا من شذ ممن لا نذكره في الاختلاف.
م 1625 - واختلفوا [1/ 139/ألف] فيمن أحرم بغير إذنه ومنعه، وقال أصحاب
الرأي: عليه إذا منعه المولى وأعتق عليه حج، وعمرة، ودم.
وقال الشافعي: فيها قولان: أحدها: أن السيد إذا جلسه عن إتمام حجه أن عليه
شاة يقومها دراهم ثم الدراهم طعاماً، ثم يصوم عن كل مدٍ يوماً والثاني:
يحل، ولا شيء عليه حتى يعتق، فيكون عليه شاة.
وكان أبو ثور يقول: عليه إذا لم يعطه المولى ما يذبح، صيام ثلاثة أيام
وسبعة بعدها، قياساً على هدي التمتع، ولم يجعل عليه القضاء.
قال أبو بكر: لا قضاء عليه.
(3/385)
8 - باب المكي يحصر
بمكة
م 1626 - واختلفوا في المكي يلبّي بالحج، ثم يحصر بمكة، فكان الشافعي، وأبو
ثور يقولان: حكمه كحكم الغريب يطوف ويسعى ويحل.
وقال مالك إذا بقي محصوراً حتى يفرغ الناس من حجهم يخرج إلى الحل فيلبّي من
الحل ويفعل ما يفعل المعتمر ويحل، وعليه الحج من قابل والهدي مع الحج
قابلاً، وقال: في الغريب يقدم فيحصر بها مثل هذا.
وقال الأوزاعي: إذا حُبس بمكة بمرض، طاف وسعى وحل بعمرة، وعليه الحج من
قابل.
وقال أحمد: يحل بعمرة يجدد الطواف.
وقال الزهري: في إحصار من أحصر من أهل مكة لا بدّ له من أن يقف بعرفة وأن
يعيش يعشاً.
وقال ابن الحسن: لا يكون محصراً بمكة.
وقال عطاء: في المكي يحصر حتى يفرغ الناس من حجهم، تصير عمرة حين فاته
الحج، فإذا طاف حل ويذبح لما سمي من الحج ثم فاته.
قال أبو بكر: قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} الآية، والكتاب
على العموم ليس لأحد أن يخص قوماً دون قوم.
(3/386)
9 - باب الأجير يحصر
وما يجب على المحصر إذا حل ورجع من القضاء
م 1627 - واختلفوا فيما استوجر ليحرم عن ميت، وأحرم عنه من ميقاته ثم أحصر،
فكان الشافعي يقول: يحل وله من الإجارة بقدر ذلك إلى الموضع الذي أحصر فيه.
وقال أبو ثور: عليه أن يحج الحجة إلى أخذ الأجرة عليها.
وقال أصحاب الرأي: يبعث وصي الميت يهدي من الدراهم على التى دفعها إليه يحج
بها، ويرد ما بقي من الدراهم على وصي الميت، وعلى وصي الميت أن يحج بهذه
الدراهم من حيث بلغ.
م 1628 - واختلفوا فيما يجب على المحصر إذا حل ورجع من القضاء، فقال مجاهد،
والشعبي، وعكرمة: عليه حج قابل.
وقال النخعي، وأصحاب الرأي: عليه حجة وعمرة.
وقال عطاء. إن شاء جاء بعمرة، وإن شاء جاء بحجة، والحج أحب إليّ.
وفيه قول رابع: وهو أن لا قضاء عليه إلا أن يكون حج حجة الإِسلام فيحجها
هذا قول الشافعي، ومالك، وأبو ثور، وبه نقول.
10 - باب ما يفعل من فاته الحج
م 1629 - واختلفوا فيما على من فاته الحج، فقال عمر بن الخطاب، وزيد بن
ثابت، [1/ 139/ب] وابن عمر: يطوف ويسعى، ويحلق
(3/387)
أو يقصر، وعليه حج قابل والهدي، وبه قال
الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: يحل بعمرة وعليه الحج من قابل.
وقال ابن عباس: يحل بعمرة وليس عليه حج.
وقا عطاء مرة: يهريق دماً وليس عليه شيء وقال مرة: يحل بعمرة، فإن كان حج
مرة فليس عليه شيء، فإن لم يكن حج الفريضة حج من قابل.
وقد روينا عن الحسن البصري أنه قال في امرأة حجت فطافت وسعت ولم تأت منىً
ولا عرفات حتى قدمت البصرة قال: تهدي هدياً فإذا كان قابل اعتمرت وحجت.
قال أبو بكر: قول ابن عباس حسن.
م 1630 - واختلفوا فيمن فاته الحج فأقام حراماً إلى قابل، فقال الشافعي،
وأصحاب الرأي: لا يجزيه أن يجج مع الناس من قابل بإحرامه الأول.
وحكى ابن وهب عن مالك أنه قال: كما قال الشافعي.
وحكى ابن نافع عنه أنه قال: إن أحب أن يقيم على إحرامه فعل وأقام حتى يحج
قابل، أو إن أحب حل بعمرة وعليه حج قابل والهدي.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 1631 - واختلفوا في القارن يفوته الحج، فقال مالك، والشافعي، وأبو ثور:
عليه أن يقرن من قابل ويهدي هديين، هدياً لقرانه، وهدياً لفوات الحج ويخرج
من إحرامه بعمل عمرة.
وقال أحمد، وإسحاق: عليه مثل ما أهل به من قابل.
وقال سفيان الثوري: يطوف ويسعى لعمرته ولا يقصر ولا يحلق، ولا يحل حتى يطوف
لحجه بين الصفا والمروة، فيكون عمرة وعليه الحج
(3/388)
من قابل ويهريق دماً، وليس عليه حج غيره،
وبه قال أصحاب الرأي ولم يذكروا الهدي.
11 - أبواب الحج عن الزمني والأموات والحج عمن
لا يستطيع الحج من الكبر والزمانة
(ح 743) ثبت أن امرأة قالت لرسول الله-صلى الله عليه وسلم - إن فريضة الله
في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة
أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع.
م 1632 - وقد أجمع أهل العلم: على أن من عليه حجة الإِسلام وهو قادر على أن
يحج، لا يجزيه إلا أن يحج بنفسه، لا يجزي عنه أن يحج غيره عنه.
م 1633 - واختلفوا في الحج عن الزمن الذي لا يرجى له برء، ولا يقدر على
الركوب بحال، فكان الشافعي يقول: يحج عنه غيره حجة الإِسلام، يأمره بإجارة
وغير إجارة، وقد روينا عن علي أنه قال لرجل كبير لم يحج: إن شئت تجهّز
رجلاً ثم أبعثه يحج عنك.
وحكى عن مالك أنه قال: لا يجزيه ولا أرى أن يفعل.
قال أبو يكر: بالقول الأول أقول.
(3/389)
12 - باب المريض
يأمر من يحج عنه
م 1634 - واختلفوا في المريض يأمر من يحج عنه، فكان أبو ثور، وأصحاب الرأي
يقولون: إن مات من مرضة وقد حج عنه أجزأت من حجة الإِسلام.
وقال الشافعي: فيها قولان، هذا أحدهما، والقول الثاني: لا يجزئ عنه قال:
وهذا أصح القولين، وبه آخذ.
م 1635 - وقال أحمد: إذا لم يقدر على الحج فحجوا عنه، ثم صح بعد ذلك فقد
قضى عنه الحج، وبه قال إسحاق.
وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا يجزيه وعليه أن يحج.
م 1636 - قال أبو ثور: إذا حج عنه وهو محبوس فمات في الحبس رجوت أن يجزئ
عنه وبه قال أصحاب الرأي.
وقال الشافعي: يجزيه.
قال أبو بكر: لا يجزيه من ذلك كل شيء، إلا الزمن الذي جاء فيه الحديث، ومن
في معناه.
13 - باب الصحيح يأمر من يحج عنه تطوعاً
م 1637 - كان أبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: إذا استأجر من يحج عنه تطوعاً
فهو جائز يكون ذلك تطوعاً عن المحجوج عنه.
وقال أحمد: أرجو أن يكون الصحيح لا يضره.
وقال الشافعي: فيها قولان: أحدهما: أنه جائز، والآخر: لا يجوز.
(3/390)
قال أبو بكر:
م 1638 - وقد أجمعوا على منع أن يتطوع أحد عن أحد بصوم، أو صلاة، أو
اعتكاف، والحج عمل من أعمال البدن كما الصوم، والصلاة، والاعتكاف أعمال
البدن، وقد منع قوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}
الآية من ذلك كله، واستثنى ما استثنه السنة من حجة الإِسلام عن الشيخ الذي
لا يثبت على الراحلة، ومن كان مثله يجب، وكل مختلف فيه بعد ذلك فمردود إلى
قوله:
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} الآية.
14 - باب حج المغمى عليه يُهل عنه أصحابه
م 1639 - واختلفوا في الرجل يوم المبيت يغمى فيهل عنه أصحابه ويحجوا له،
ويشهدوا به المناسك، قال أبو ثور، ويعقوب، ومحمد: لا يجزئ عنه من حجة
الإِسلام.
وهذا يشبه مذهب الشافعي.
وقال النعمان: يجزيه.
وبالقول الأول أقول.
(3/391)
15 - باب حج المرأة
عن الرجل
قال أبو بكر:
م 1640 - أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون: يجوز حج المرأة عن الرجل
وحج الرجل عن المرأة، كذلك قال عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومالك،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وكان الحسن بن صالح يقول: يكره أن تحج المرأة عن الرجل.
قال أبو بكر: وهذه غفلة وخروج عن ظاهر السنة:
(ح 744) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر المرأة أن تحج عن أبيها.
وعليه يعتمد من أجاز حج المرء من غيره.
16 - باب الرجل يحج عن غيره بإجارة وغير إجارة
م 1641 - واختلفوا في الرجل يموت وعليه حجة. . . . . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط من هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة، ما يلي
مَتَى تُوُفِّيَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَمْ يَحُجَّ، وَجَبَ
أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ مَا يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ
وَيُعْتَمَرُ، سَوَاءٌ فَاتَهُ بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ.
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَسْقُطُ؛ بِالْمَوْتِ؛ فَإِنْ وَصَّى
بِهَا فَهِيَ مِنْ الثُّلُثِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ،
وَالنَّخَعِيُّ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ،
كَالصَّلَاةِ.
(3/392)
[23 - باب الصيد
يخرج من الحل إلى الحرم]
. . . . . . . . . . . (1) يأكله ووافق مالك عطاء، فقال: لا يؤكل ولا جزاء
عليه، وخالفه إن كان أرسله قريباً من الحرم، فإن فعل ذلك فعليه جزاءه.
قال أبو بكر: لا جزاء عليه، ولا يأكله.
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني)، ما يلي:
فَأَمَّا إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَدَخَلَ
الْكَلْبُ الْحَرَمَ، فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَهَذَا
قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَبِي
ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ الْكَلْبَ عَلَى
ذَلِكَ الصَّيْدِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَا
لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ.
وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَدَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ، وَدَخَلَ
الْكَلْبُ خَلْفَهُ، فَقَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ، فَكَذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ
أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ
الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَاهُ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛
لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا، بِإِرْسَالِ كَلْبِهِ عَلَيْهِ،
فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِسَهْمِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ
عَبْدُ الْعَزِيزِ.
وَحَكَى صَالِحٌ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الصَّيْدُ
قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ بِإِرْسَالِهِ فِي
مَوْضِعٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا،
لَمْ يَضْمَنْ؛ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ، فَلَمْ
يَضْمَنْ. كَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا سِوَاهُ، وَفَارَقَ السَّهْمَ؛
لِأَنَّ الْكَلْبَ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ، وَلِهَذَا يَسْتَرْسِلُ
بِنَفْسِهِ، وَيُرْسِلُهُ إلَى جِهَةٍ فَيَمْضِي إلَى غَيْرِهَا،
وَالسَّهْمُ بِخِلَافِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ
الصَّيْدَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا، ضَمِنَهُ أَوْ لَمْ
يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَرَمِيٌّ، قُتِلَ فِي الْحَرَمِ، فَحُرِّمَ،
كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ، وَلِأَنَّنَا إذَا قَطَعْنَا فِعْلَ الْآدَمِيِّ،
صَارَ كَأَنَّ الْكَلْبَ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَهُ.
(3/397)
24 - مسائل من هذا
الباب
م 1650 - واختلفوا فيمن رمى شيئاً في الحل فدخل سهمه الحرم فأصاب صيداً،
فقال الثوري وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: فيضمن، وقال حماد بن أبي سليمان:
أحب إليّ أن لا يأكله، وقال أبو ثور: لا شيء عليه وذلك أنه أرسله عليه
والصيد في الموضع الذي له قتله فيه، وكذلك إن رمى من الحرم إلى الحل فأصاب
صيداً فلا جزاء عليه.
قال أبو بكر: هذا أصح:
(ح 747) لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حرم أن ينفر صيد الحرم.
وصيد الحل غير صيد الحرم.
م 1651 - واختلفوا في الطير يكون على شجرة، بعض أغصانها في الحل وبعضها في
الحرم، فقال الثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور: إن كان الطير على الأغصان
التي في الحل فلا شيء عليه، وإن كان على الأغصَان التي في الحرم فعليه
الجزاء.
وقال أصحاب الرأي: إن كان على الأغصان التي في الحرم فقتله فعليه الجزاء.
وكان عبد الملك بن الماجشون: يوجب عليه الجزاء على أي الأغصان كان، لأنه
مما يسكن إلى الحرم لقربه به.
قال أبو بكر:
(ح 748) قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر صيدها".
(3/398)
وليس ما كان على هو الحل من صيدها، فلا شيء
عليه.
م 1652 - واختلفوا في الصيد والصائد يكونان في الحل، فيرميه الصائد فيمر
السهم علي شيء من الحرم، فقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: لا جزاء عليه.
وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال: عليه الجزاء.
قال أبو بكر: لا شيء عليه.
م 1653 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إن كان بعض قوائم الصيد في الحل
وبعضها في الحرم، فقتله فعليه الجزاء.
م 1654 - واختلفوا فيما يجب على من قتل صيداً في الحرم، فقال مالك،
والشافعي، وأبو ثور: عليه من الجزاء مثل ما على المحرم بقتل الصيد.
وقال عطاء، والثوري: يحكم عليه حكماً واحداً.
قال سفيان: وغير عطاء يقول: حكمين.
وقال أصحاب الرأي: عليه قيمته وإن بلغ ذلك هدياً، فإن لم يجد هدياً أو بلغ
هدياً قوم الثمن طعاماً، فأطعم كل مسكين نصف صاع من حنطة.
25 - باب شجر الحرم [1/ 141/ألف]
قال أبو بكر:
(ح 749) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال في الحرم: لا يعضد
شجرها ولا يختلي شوكها".
(3/399)
م 1655 - وأجمع أهل العلم على تحريم قطع
شجرها.
م 1656 - واختلفوا فيما يجب على من قطع شجرة من شجر الحرم، فقال مالك، وأبو
ثور، لا يجب عليه إلا الاستغفار.
وقال الشافعي: من قطع شجرة من شجر الحرم شيئاً، جزاءه حلالاً كان أو محرماً
في الشجرة الكبيرة بقرة، وقال: في الخشبة وما أشبهه، فيه قيمته بالغاً ما
بلغ دماً كان أو طعاماً.
وقال أصحاب الرأي: فيها قيمتها، والمحرم والحلال في ذلك سواء فإن بلغ هدياً
كان هدياً، وإلا قوم طعاماً فأطعم كل مسكين نصف صاع.
قال أبو بكر: لا أجد دلالة أوجب فيها في شجر الحرم فرضاً من كتاب، ولا سنة،
ولا إجماع، وأقول كما قال مالك: يستغفر الله.
م 1657 - وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة أخذ كل ما ينبته
الناس في الحرم من البقول، والزروع، والرياحين وغيرها.
م 1658 - واختلفوا في أخذ الشوك من شجر الحرم، فروينا عن مجاهد، وعطاء،
وعمرو بن دينار: أنهم رخصوا في ذلك، وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي.
وكان عطاء: يرخص في أخذ ورق السنا يشمشي به، ولا ينزع من أصله، ورخص فيه
عمرو بن دينار.
وقال أصحاب الرأي: كل شيء لا ينبته الناس قطعه رجل فعليه قيمته.
(3/400)
قال أبو بكر: لا أجد دلالة أبيح بها ما
أباحه عطاء من أخذ الشوك وغيره من الحرم، والشيء إذا حُرم حرم القليل منه
والكثير.
م 1659 - واختلفوا في الرعي في حشيش الحرم، فكان الشافعي يقول: أما الراعي
فلا بأس به، لأن الذي حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - منه الاختلاء إلا
الإذخر، والاختلاء الإحتشاش، وبه قال يعقوب وحكى ذلك عن عطاء.
وكان النعمان، ومحمد يقولان: لا يرعى في حشيش الحرم، ولا ينقطع منه إلا
الإذخر.
وقال ابن أبي ليلى: كقول الشافعي.
وقال مالك: لا يحتش أحد لدابته في الحرم.
م 1660 - ورخص أحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: في أخذ ما سقط من الشجر
البالي الميت.
قال أبو بكر: ولا أعلم أحداً منع منه.
وبه نقول.
26 - باب صيد حرم المدينة
م 1661 - واختلفوا في وجوب الجزاء على من قتل صيداً في حرم المدينة.
فقال مالك، والشافعي، وأكثر من لقيناه من علماء الأمصار يقولون: لا جزاء
على قاتله.
وكان ابن أبي ذئب، وابن نافع صاحب مالك يقولون: عليه الجزاء مثل [1/ 141/ب]
صيد مكة.
(3/401)
قال (1) أبو بكر:
(ح 750) وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أحرم
المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة"، ونهى أن يعضد شجرها، أو يخبط أو يؤخذ
طيرها".
وقول ابن أبي ذئب يلزم، لأن ظاهر الخبر يدل عليه، وليس بين تحريم صيد حرم
إبراهيم، وحرم نبينا - صلى الله عليه وسلم - عليهما فرق يلتزم، والقول
بظاهر الأخبار يلزم، وما من الخبرين إلا ثابت.
27 - باب دخول الكعبة
(ح 751) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وصلى فيها ركعتين
بين العمودين الأولين بينه وبين الجلاد ثلاثة أذرع.
م 1662 - وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: دخول البيت ليس من نسككم.
__________
(1) في الأصل "وقال أبو بكر".
(3/402)
|