الإشراف
على مذاهب العلماء 38 - كتاب الصيد
قال الله جل ذكره: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}
إلى قوله: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} الآية.
(ح 785) وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح أكل ما أصطاد الكلب
المعلم إذا سمى الله صاحبه عليه عند إرساله.
م 1735 - وأجمع عوام أهل العلم [1/ 149/ب] على أن الكلاب جوارح يجوز أكل ما
أمسكن على المرسل إذا ذكر اسم الله عليها، وكان المعلم مسلماً، إلا ما
اختلف فيه من صيد الكلب الأسود.
م 1736 - واختلفوا في غير الكلاب من الفهود، والصقور، والبزاة، وسائر
الطيور، والسباع.
فروينا عن ابن عباس أنه قال: في قوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية، قال: هي الكلاب المعلمة والبازي، وكل
طير يعلم الصيد، والفهود، والصقور، وأشباهها، وبمعنى قول ابن عباس قال
طاووس، ويحيى بن أبي كثير، والحسن البصري، ومالك، والشافعي، والنعمان، وابن
الحسن، وأبو ثور.
(3/446)
وقال عطاء: شأن الكلب والباز واحد.
وقال الثوري في البازي، والعقاب، والصقر يأكل من صيده: كل إنما تعليمه
إجابته.
وفيه قول ثان: وهو أن العقاب، والبزاة، والصقور، ليس من الجوارح.
قال قائل: قال الله عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ
مُكَلِّبِينَ} الآية، فذكر الكلب دون غيرها، فهذا الاسم لا يقع على شيء من
الطير، لأن الكلاب مقصود قصدها.
وكان مجاهد يكره صيد الطير ويقول: إنما قال الله عز وجل: {وَمَا
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} فإنما هي الكلاب.
وكان ابن عمر يقول: فأما ما اصطاد من الطير، والبزاة، وغيرها من الطير، فما
أدركت ذكاته فذكه فهو لك، وإلا فلا تطعمه.
وسئل أبو جعفر عن البازي، والصقر يحل صيده؟ قال لا إلا أن تدرك ذكاته،
واستثنى آخر البزاة، واحتج.
(ح 786) بحديث عدي بن حاتم قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيد
البازي، فقال: "إذا أمسك عليك فكل".
(3/447)
وزعم بعضهم: أن الجوارح ما جرح من الدواب،
والطير، وذوات الأظفار التي تجرح بأظفارها، وتمسك الشيء على نفسها قال فكل
جارح قياساً على الكلب.
وأنكر بعضهم ذلك، وقال: الجوارح الصوائد، يقال: فلان جارحه أهله أي كاسبهم،
وفي رواية أخرى: أجرحوا من يجترح أي يكتسب.
وقال مجاهد في قوله: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} الآية،
وقال: ما كسبتم.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: كل شيء صياد فهو جارح.
1 - باب صيد الكلب الأسود
م 1737 - واختلفوا في صيد الأسود.
فكره صيد الكلب الأسود البهيم الحسن البصري، وإبراهم النخعي، وقتادة.
وقال أحمد: ما أعرف أحداً يرخص فيه إذا كان بهيماً، وبه قال إسحاق.
قال أبو بكر: فأما عوام أهل المدينة من أهل العلم، وأهل الكوفة فالذي هو
مشهود من مذاهبهم، إباحة أكل كل ما اصطاد كل كلب معلم.
(3/448)
قال أصحاب الرأي في الكلب الكردي، والكلب
[1/ 150/ألف] الأسود: لا بأس بما صاد كل واحد منهما إذا كان معلماً، وهذا
يشبه مذاهب مالك، والشافعي وأبي ثور.
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ
مُكَلِّبِينَ} الآية.
(ح 787) وقال النبي- صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم: إذا أرسلت كلبك
فأخذ وقد قتله فكل".
فالقول بظاهر الكتاب، والسنة يجب، ولا يجوز أن يستثنى منهما إلا بكتاب أو
بسنة.
2 - باب التعليم الذي يكون به الكلب معلماً
م 1738 - كان ربيعة يقول: إذا دعي الكلب فأجاب، وزجر عن الصيد فأطاع، فهو
العلم الضاري، وأما البزاة، والصقور، والعقبان، فما أجاب منها إذا دعي فهو
المعلم الضاري.
وحكى عن مالك أنه قال: المعلم الذي يذهب إذا أرسله، ويجيبه، إذا دعاه.
وقال أبو ثور: كقولهما غير أنه قال: ما لم يأكل.
وقال الشافعي: "الكلب المعلم الذي إذا أشلى استشلى، وإذا أخذ
(3/449)
حبس ولم يأكل، فإذا فعل هذا مرة بعد مرة
كان معلماً يأكل صاجه ما حبس عليه".
وقال أصحاب الرأي: إذا أجابه إذا دعاه وأرسله على الصيد، فإذا فعل ذلك
مرتين فلم يأكل، ثم صاد الثالث فلم يأكل، فهذا معلم يؤكل صيده.
قالوا: والمعلم عندنا ثلاث مرات، إذا أرسله على ذلك يقتل فلا يأكله منه،
وهذا قول يعقوب، ومحمد.
وكان النعمان لا يؤقت في ذلك وقتاً.
وقال قائل: إذا دعا الكلب صاجه فأجابه، واستشلاه، فاتبع الصيد وأمسكه، فهو
معلم بأول فعلة يفعلها، ويؤكل ما اصطاد في المرة الثانية؛ لأن الله عَزَّ
وَجَلَّ أباح أكل صيده، بعد استحقاقه لاسم معلم.
3 - باب الكلب يعلمه غير مسلم
م 1739 - واختلفوا في الاصطياد بكلب المجوسي، وبازه، وصقره.
فكرهت طائفة: أن يصطاد بكلب المجوسي، وممن روي عنه أنه كره ذلك، جابر بن
عبد الله، والحسن البصري، وعطاء، ومجاهد، والنخعي، والثوري، وإسحاق.
وكره الحسن البصري الصيد بكلب اليهودي، والنصراني، وأول قوله
(3/450)
تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية المسلمين، ورخص فيه إسحاق.
ورخصت طائفة أن يؤكل صيد كلب المجوسي إذا كان المرسل مسلماً.
قال بهذا القول ابن المسيب، والزهري، والحكم.
وقال ابن المسيب: هو مثل شفرته، وبه قال الحكم.
وقال عطاء، وهو أصح قوليه. إذا أرسلت كلب المجوسي قد علم فقتل فكل، وبه قال
مالك، وقال: [1/ 150/ب] هو بمنزلة شفرته وقوسه، وكذلك قال الشافعي، وأبو
ثور، وأصحاب الرأي.
وقال أحمد: كلب اليهودي، والنصراني أهون، وبه قال إسحاق.
4 - باب الكلب يأكل من الصيد
م 1740 - واختلفوا في الكلب يأكل من الصيد.
فقال ابن عباس: لا يؤكل إنما أمسك على نفسه، وروي ذلك عن أبي هريرة، وبه
قال الشعبى، وسعيد بن جبير، والنخعي، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وقتادة،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنعمان وأصحابه.
وأباحت طائفة: أكل ما أكل الكلب منه، وممن رأى أن يؤكل ذلك سعد بن مالك،
وابن عمر، وروي ذلك عن سلمان، وبه قال مالك.
م1741 - وقال ابن عباس: لا تأكل مما أكل الكلب منه، وكل ما اصطاد الصقر وإن
أكل منه.
(3/451)
ورخص فيما أكل البازي منه النخعي، وحماد بن
أبي سليمان، والثوري، والنعمان وأصحابه.
قال أبو بكر: ومن حجة من منع من الأكل منه.
(ح 788) حديث عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا
أرسلت كلبك وسميت فكل ما أمسك عليك كلبك المكلب وإن قتل، فإن أكل منه فلا
تأكل إنما أمسك على نفسه".
قال أبو بكر: وبه أقول، وليس لحمل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
فيه خبر على النظر معنىً.
5 - باب الكلب يشرب من دم الصيد
م 1742 - واختلفوا في الكلب يشرب من دم الصيد.
فقال عطاء، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يؤكل.
قال عطاء: ليس ذلك بأكل، وكره ذلك الشعبي، والثوري.
قال أبو بكر: صدق عطاء.
6 - باب ضرب الكلب على التعليم
م 1743 - روينا عن ابن عباس أنه قال: إذا قتل الكلب فأكل منه فاضربه، حتى
يمسك عليك.
(3/452)
وإذا أرسل الرجل كلبه على صيد وهو جاثم على
الصيد ممسكه قد قتل الصيد، فجائز أكله لظاهر قوله: {َكُلُوا مِمَّا
أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} الآية، وعلى هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي ثور،
وأصحاب الرأي.
7 - باب الكلب يرسل على الصيد فيصيد معه كلب
آخر
(ح 789) جاء الحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما أمسكن
عليك وذكرت اسم الله فكل وإن قتل ما لم يشركها كلب من غيرها".
وقال بظاهر هذا الخبر عطاء بن أبي رباح، والقاسم بن مخيمرة، ومالك،
والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكان الأوزاعي يقول: وإن أرسل كلبه المعلم فعرض له كلب معلم فقتلا فهو
حلال، وإن [1/ 151/ألف] كان غير معلم فقتلا لم يؤكل.
مسائل
م 1744 - واختلفوا في جماعة أصحاب كلاب اجتمعوا وقد أطلقوا كلابهم على صيد،
وسمى كل واحد منهم، وجاء المرسلون لها، فأصابوا الصيد قتيلاً، ولا يدرون من
تولى قتله منهم.
(3/453)
فكان أبو ثور يقول: إذا كان الصيد قد مات
بينهم أكل الصيد، فإن اختلفوا فيه وكانت الكلاب متعلقة به كان بينهم، وإن
كان مع واحد منهما كان صاحبه أولى، وإن كان قتيلاً والكلاب ناحية، أقرع
بينهم فمن أصابته القرعة كان له.
وقال غير أبي ثور: لا يجوز أن يجاوز بالقرعة للواضع التي أقرع النبي- صلى
الله عليه وسلم - فيها، فيوقف الصيد بينهم حتى يصطلحوا، أو إن خيف عليه
الفساد، بيع وأوقف الثمن بينهم حتى يصطلحوا.
م 1745 - وإذا أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى الله، فزجره مجوسي وأخذ الصيد
وقتله أكل، هذا قول أبي ثور، والنعمان وأصحابه.
م 1746 - وإذا أرسله مجوسي فزجره مسلم وأخذ الصيد، لم يؤكل في قول أصحاب
الرأي، وقول أبي ثور في ذلك مختلف.
م 1747 - وإذا أرسل الرجل كلبه على صيد وسمى عليه، فتبعه كلب غير معلم فحاش
عليه الصيد وأشعله مع العلم، فإن أخذاه جميعاً ومات الصيد، لم يؤكل، وإن
أخذ الصيد المعلم منهما دون الآخر أكل، هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
8 - باب الرجل يرسل كلبه على صيد ثم يدركه وهو
حي فلم يمكنه الذبح أو لم يحضر ما يذبح به
م 1748 - واختلفوا في الرجل يرسل كلبه على صيد فيدركه حياً يدي الكلب.
فقالت طائفة: إن مات قبل تمكنه من ذبحه أكل، هذا قول الحسن، وبه قال قتادة.
(3/454)
وقال مالك: إذا أمكنه أن يذبحه فلم يفعل
حتى مات لم يأكله، وبه قال الشافعي، والليث بن سعد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يأكله إذا صار في يده حياً، وإن كان لا يقدر على
ذبحه.
وكان النخعى يقول: إذا لم يكن معك حديدة فأرسل عليه الكلاب حتى تقتله.
وبه قال الحسن البصري.
9 - باب الكلب يرسل على صيد فيأخذ غيره
م 1749 - واختلف في الكلب يرسل على صيد بعينه فيأخذ غيره، فقال الحسن
البصري، والنخعي، وقتادة، والحسن البصري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو
ثور، وأصحاب الرأي: يؤكل.
م 1750 - وفي قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: لو أرسل كلباً أو صقراً
على صيد كثير، فأيهما أخذ [1/ 151/ب] كل واحد منهما أكل.
م 1751 - وقال الحسن البصري: في رجل أرسل كلبه، وسمى ولا يرى صيداً، فأخذ
صيداً قال: يأكل، وبه قال معاوية بن قرة.
وقال مالك: في رجل أرسل كلبه على صيد فذهب إلى غيره فقتله، فقال: لا يعجبى
أكله.
م 1752 - وقال مالك: لا بأس بلعاب كلب الصيد يصيب الإنسان.
وقال الشافعي: هو نجس يجب غسله.
(3/455)
م 1753 - وقال مالك: في رجل رمى صيدا فأصاب
رأسه فقطعه، ولم يرد أكله، قال: لا أرى أن يأكل.
والشافعي: سهل في مثله فيمن قطع شيئاً يحسبه خشبة لينة فكانت شاة له.
10 - باب الكلب ينفلت من يد صاحبه فيصطاد
م 1754 - واختلفوا في الكلب المعلم ينفلت من يد صاحبه فيصطاد، فقال عطاء
ابن أبي رباح، والأوزاعي: يؤكل صيده إذا كان أخرجه الصيد.
وقال الأوزاعي: وإن أرسل كلبه المعلم فعرض له كلب معلم فقتلا فهو حلال، وإن
عرض له كلب غير معلم فقتلا لم يأكل.
وقالت طائفة: لا يأكل الصيد الذي قتله، ولم يكن أرسله صاحبه، لأنه خرج بغير
إرسال، هذا قول ربيعة، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 1755 - واختلفوا في الكلب المعلم يأخذ الصيد ويمسكه على صاحبه، ثم أخذ
صيداً بعد ذلك فأكل منه، ففي قول النعمان: لا يؤكل شيئاً من ذلك.
وقال يعقوب: ومحمد بن الحسن، وأبو ثور: يؤكل ذلك كله إلا الصيد الذي أكل
منه.
(3/456)
11 - باب صيد أهل
الكتاب والمجوس
م 1756 - واختلفوا فيما يصيد أهل الكتاب بكلابهم، فقال عطاء، والليث بن
سعد، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا بأس بصيدهم.
وقال مالك: تؤكل ذبائح اليهود والنصارى ولا يؤكل صيدهم.
وتلا قوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} الآية.
قال أبو بكر: الأول أصح.
م 1757 - واختلفوا في صيد المجوس، فكره أكثر أهل العلم أكل صيدهم، هذا قول
عطاء، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والليث بن سعد، والثوري، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: فيها قولان: أحدهما كقول هؤلاء، والآخر أنهم من أهل الكتاب
وهو جائز.
12 - باب صبي المجوس الحيتان والجراد
م 1758 - واختلفوا فيما يصيده المجوسي من السمك والجراد، فكان الحسن
البصري، والنخعي: لا يريان بأسا يصيد المجوسي السمك، وروينا ذلك عن عطاء،
ومجاهد.
وكان الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب [1/ 152/ألف]
الرأي: يرخصون فيما اصطاده المجوسي من السمك والجراد.
(3/457)
وكان مالك، والليث بن سعد: يرخصان فيما
اصطاده المجوسي من الحيتان ويقولان: في الجراد: لا نرى أن يؤكل ما اصطاده
المجوسي.
13 - باب صيد السهام والمعراض
قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ
اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}:
الآية.
(ح 790) وقد روينا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الصيد
بالمعراض فقال: ما أصاب بحده فكل، وما أصيب بعرضه فإنه وقيذ.
قال أبو بكر:
(ح 791) دل قوله - صلى الله عليه وسلم -: لما سئل عن المعراض، فقال: "إذا
أصاب بحده فخزق فكل، وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل".
إنه أراد بقوله: "ما أصاب بحده فخزق فكل، دون ما أصاب بعده فلم يخزق.
م 1759 - واختلفوا في صيد المعراض.
(3/458)
فقالت طائفة: لا يؤكل إلا ما خزق، ولا يؤكل
ما أصاب بعرضه فقتل، هذا قول مالك، والشافعي، والثوري، والكوفي، وأحمد،
وإسحاق، وأبي ثور.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: وليتق أحدكم أن يخذف الأرنب بالعصا،
والحجر، ثم يأكل، وليذكى لكم الأسل، والرماح، والنبل.
وقال الشعبى، وسعيد بن جبير: يؤكل إذا خزق.
م 1760 - وممن روينا عنه أنه كره صيد البندقة ابن عمر، والنخعي، ومالك،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقد روينا عن عمار بن ياسر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أنهما قالا: في
البندقة يرمى له فتقتل تؤكل، وبه قال ابن المسيب.
قال أبو بكر: خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أولى، إذا رمى فأصاب
بحده وخزق يؤكل، ولا يؤكل ما أصاب بعرضه.
(ح 792) وقد ثبت عن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله إن أهل صيد يرمى أحدنا
الصيد فغيب عنه الليلة والليلتين، ثم يتبع أثره بعد ما طبخ فيجد سهمه فيه،
فقال: "إذا وجدت سهمك قتله فكله".
قال أبو بكر: هذا الحديث مفسر للأخيار إلى ذكرناها في غير هذا الكتاب،
وإنما الذي يأكل إذا علم أن سهمه قتله، إذا شك فيه لم يأكل؛ لأن في:
(ح 793) حديث عائشة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال للسائل: لو أعلم أن
سهمك قتله
(3/459)
أكلته، لا أدرى هو آم الأرض كثيرة.
م 761 أ- وقد اختلفوا في الصيد يغيب عن الرامي، فكان ابن عباس يقول: وقد
سئل عن الرجل يرمى الصيد فيجد سهمه فيه من الغد قال: "لو أعلم أن سهمك قتله
لأمرتك بأكله ولكن لا أدرى لعله قتله قدرى (1)، أو غير ذلك".
قال أبو بكر: وفتيا ابن عباس توافق خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
وقال عطاء: [1/ 152/ب] إذا غاب عنك مصارعة فلا تأكل.
وكره الثوري: أكل ذلك.
وكان الحسن البصري يقول: يأكل ما يقع في ماء، أو يرى فيه أثر سبع، وبه قال
قتادة.
وقال مالك: يأكله ما لم يبت عنه، وإن غاب عنه مصرعه إذا وجد فيه آثراً من
كلبه، أو كان فيه سهمه.
وقال أحمد بن حنبل: إذا غاب الصيد فلا يأكله إذا كان ليلاً، وإذا كان
نهاراً ولم يربه أثرا غيره يأكله.
وقال أصحاب الرأي: في الرجل يرسل كلبه على الصيد، وتوارى عنه كلب الصيد، ثم
وجده وقد قتله وهو في أثره، يأكله، وإن أخذ في عمل غيره حتى إذا كان قريباً
من الليل ذهب، فطلب صيده والكلب، فوجد الصيد ميتاً والكلب عنده، وبه جراحة
لا يدرى، الكلب جرحه أو هو أم، غيره، يكره أكله لأنه في عمل غير ذلك.
__________
(1) كذا في الأصل, وعند "عب" قتله برد أو غير ذلك.
(3/460)
14 - باب النهي عن
أكل ما وقع به السهم وسقط في ماء
(ح 794) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا رميت
سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل، وإن وجدته قد وقع في ماء فمات،
يعني الصيد فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله، أو سهمك.
قال أبو بكر: إذا كان هذا هكذا، فعلم أن سهمه قتله دون الماء، كان له أكله
لارتفاع الشك، ولا يحتمل إذا كان كذلك إن كان الماء قتله، والجواب فيه: إذا
رمى صيداً وأتى على الذابح بم تردى من خيل هكذا، لأنه تردى وهو حلال
بالتذكية قبل تردّيه، فلا تصير شاة مذكاة أن تتردى من خيل، أو تقع في ماء.
م 1762 - وقد روينا عن ابن مسعود أنه قال: إذا سقط في ماء، أو تردى أخاف أن
يكون ترد، أو الماء قتله.
قال طاؤس: إذا تردى، أو وقع في ماء فلا تأكله.
وقال عطاء: نحو ذلك، وبه قال إسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال ربيعة: مثله في التردي، وقال بمثل ما قلناه الحسن البصري، ومالك،
والليث بن سعد، والشافعي، وقتادة.
15 - باب الطائر يرمى في الهواء فيصيبه السهم
ويسقط على الأرض، والصيد بالسهم المسموم
م 1763 - وإذا رمى الرجل الطائر فأصابه أي إصابة كانت إذا جرحته فأدمته،
(3/461)
فسقط إلى الأرض ميتاً، لم يدر أتلف في
الهواء، أو بعد ما صار إلى الأرض، أكل في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب
الرأي.
واختلف فيه عن مالك: فحكى ابن وهب عنه أنه قال: كما قال هؤلاء، وحكى ابن
القاسم عنه أنه قال: إذا كان السهم لم ينفذ مقاتله، لا يؤكل.
قال أبو بكر: والنظر قال على هذا، والله أعلم [1/ 153/ألف].
م 1764 - وإذا رمى الصيد بسهم مسموم، فأدرك ذكاته، فإن مالكاً كان يقول: لا
يعجبني أن يؤكل، وبه قال أحمد، وإسحاق: إذا علم أن السم قتله، وقال قائل:
إذا ذكاة فأكله جائز.
16 - باب الصيد يضرب فيبين منه عضواً أو يقطع بنصفين
م 1765 - واختلفوا في الصيد يضرب فيبين منه عضواً، فقالت طائفة: يطرح العضو
الذي بان منه، ويؤكل الباقي، هذا قول ابن مسعود، وقتادة.
وقال ابن عباس: وعطاء: لا تأكل العضو، وذك الصيد.
وقال عكرمة: "إن عدا حيا بعد سقوط عضو منه فلا تأكل العضو منه، وذك الصيد،
وكله، وإن مات حين ضربته فكله كله"، وبه قال قتادة، وأبو ثور، والشافعي،
كذلك قال: إذا كان لا يعيش بعد ضربته ساعة أو مدة أكثر منها.
(3/462)
وقال مالك: إن ضربه فقطعه باثنين أكلها،
وإن بان عضو ثم ذبحه، فكما قال عكرمة، وبه قال الليث بن سعد، وإسحاق،
وأصحاب الرأي، والثوري.
وقال الحسن البصري: في الصيد يقطع منه عضواً، يأكلهما جميعاً ما بان وما
بقى.
قال أبو بكر: إذا رمى صيدا بان منه عضواً، ثم أدرك ذكاته، أكل الصيد
المذكى، ولم يأكل العفو الذي أبين منه؛ لأنه ميت، وإن ضرب صيدا فقطعه
باثنين، أو أبان منه عضوا ومات مكانه، أكلا جميعاً.
17 - باب الراميين يرميان صيداً أو أحدهما بعد الآخر
م 1766 - قال الشافعي: "وإذا رمى رجل صيداً فكسره، أو قطع جناحه، أو بلغ به
الحال التي لا يقدر الصيد أن يمنع فيها من أن يكون مأخوذاً، فرماه أخر
فقتله، كان حراماً وكان على الرامي قيمته، بالحال التي رماه بها مكسوراً أو
مقطوعاً؛ لأنه مستهلك لصيد قد صار لغيره، ولو رماه الأول وأصابه وكان
ممتنعاً، ثم رماه الثاني وأثبته، كان للثاني، ولو رماه الأول في هذه الحال
فقتله ضمن قيمته للثاني، لأنه قد صار له دونه".
قال أبو بكر: وبه نقول.
وقال مالك: في الذي يرمى الصيد فثخنه حتى لا يستطيع الفرار، فرماه آخر بعد
ذلك فقتله، لم يؤكل إلا بذكاة.
(3/463)
وقال أصحاب الرأي: إذا رمى صيداً فأثخنه
حتى لا يستطيع التحريك وسقط، فرماه أخر بسهم فقتله، لم يؤكل.
وقال يعقوب، ومحمد: على الآخر قيمته مجروحاً للأول.
قال أبو بكر: هذا كما قالوا، وإنما حرم أكله:
(ح 795) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عن صبر البهائم.
18 - باب صيد المرتد
قال أبو بكر:
م 1767 - لا يحل أكل ذبيحة المرتد، لأنه غير مسلم، ولا من أهل الكتاب الذي
أبيح لنا أكل ذبائحهم، وكذلك صيد المرتد لا يحل أكله، وهذا على قول
الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
19 - باب [1/ 153/ب] الشبكة والأحبولة يقع فيها
الصيد
م 768 أ- واختلفوا في الشبكة والأحبولة يقع فيها الصيد فيدركه صاحبه وقد
مات.
فقالت طائفة: لا تؤكل إلا أن يدرك ذكاته، هذا قول عطاء، والنخعي، وعمرو بن
دينار، وقتادة، وبه قال ربيعة، والشافعي، وكذلك قال الزهري، ومالك، فيما
قتلت الحباله.
وقال الثوري: لا يعجبني إلا أن يدركه فيذكيه.
(3/464)
وقد روينا عن الحسن أنه رخص في ذلك، ذكر
يونس عنه أنه كان لا يرى بصيد المناجل بأساً، وقال: سم إذا أنصبتها.
وذكر قتادة عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا بها قتل المنجل، والحبل إذا سمى
فدخل فيه وجرحه.
والصحيح من قول عطاء: أنه لا يجوز أكل ما فتلت الأحبولة، والعنزة,
والمرضحة، والشبكة، جعل أمرها واحداً.
قال أبو بكر: لا يجوز أكل ما فتلت الأحبولة وقع به جراح أو لم يقع، وهذا
قول عوام أهل العلم، والسنة تدل على ما قالوه.
وقول الحسن قول شاذ لا معنى له.
20 - باب صيد البحر
قال الله جل ذكره: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا
لَكُمْ} الآية.
(ح 796) وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في البحر: هو الطهور ماؤه
الحل ميتته.
م 1769 - وأجمع أهل العلم على أن صيد البحر حلال للحلال، والحرام اصطيماد،
وأكله، وبيعه، وشراه.
وممن مذهبه إباحة أكل كل ما وجد من الحيتان، عطاء بن أبي رابح، ومكحول،
وابن سيرين، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
(3/465)
وممن قال إن قوله عز وجل: {وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ} إن طعامه ما قذف، كذا قال عمر بن الخطاب، وابن عباس.
وقال ابن عمر: طعامه ما ألقى.
وقال ابن عباس: طعامه ميتة وقال مرة: مليحة.
وقد روينا عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة،
وابن عمر أخباراً تدل على إباحة ذلك، مختلف ألفاظها.
وروينا عن أبي أيوب: أكل سمكة طافية، وفيما طفا من السمك على الماء.
وفه قول ثان: وهو أن يؤكل ما يوجد في حافتي البحر، ويؤكل ما جزر منه، ولا
يؤكل ما كان طافياً منه، هذا قول جابر بن عبد الله، وروينا ذلك عن ابن
عباس، وممن كره أن يؤكل الطافي من السمك طاؤس، وابن سيرين، وجابر بن زيد،
وأصحاب الرأي.
م 1770 - واختلفوا في الحبري من السمك، فرخص فيه أكثر أهل العلم.
وروى ذلك عن علي، والحسن البصري، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب
الرأي: لأنهم يبيحون السمك كله جملة، والحبري داخل فيه [1/ 154/ألف].
وسئل سعيد بن جبير عن الحبري، فقال: ما أعجبك من السمك، فكل، وقد روى عن
علي رضي الله عه بإسناد لا يثبت أنه كره الحبري، والمرماهي.
قال أبو بكر: دل الكتاب والسنة على إباحة صيد البحر جميلة يدخل في ذلك
الحبري والطافي وغير ذلك.
(3/466)
21 - باب دواب البحر
غير الحيتان
(ح 797) دل قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: هو الطهور ماءه الحل
ميتته.
م 1771 - على إباحة أكل جميع دواب البحر المنسوبة إليه، روينا عن أبي بكر
الصديق أنه قال: كل دابة في البحر فقد ذبحها لله لكم، وقال ربيعة: كل ما
كان أصله من الماء وإن خرج في بر، فهو من دواب البحر يحل قتله، ويؤكل على
كل حال من أحرم بالحج وغيره، وكان الأوزاعي يقول: على شيء كان غشيه الماء
فهو حلال، قيل: فالتمساح؟ قال: نعم.
وقال الليث بن سعد في خنزير الماء، وكلب الماء، وإنسان الماء، ودواب الماء
كلها؟ فقال: أما إنسان الماء فلا يؤكل على شيء من الحالات، والخزير إذا
سماه الناس خنزيراً فلا يؤكل، وقد حرم الله الخنزير، وأما الكلاب فليس بما
في البر منها والبحر بأسا.
وقال الثوري في السرطان: أرجو أن لا يكون به بأس، وقال أبو ثور في السرطان،
والسلحفاة ما كان منه يذكى، لم يحل إلا الذكاة، وما كان منه لا يذكى، فمثل
السمك أخذه حي وميت سواء.
قال ابن جريج: سألت عطاء عن ابن الماء أسيد براً وصيد بحر، وعن أشباهه؟
فقال: حيث يكون أكثر فهو صيده.
وفي قول مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، وأبي ثور: طير الماء من
صيد البر.
(3/467)
انتهى الجزء الثالث ويتلوه الجزء الرابع
وأوله كتاب الجهاد
(3/468)
الإشراف
على مذاهب العلماء
لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر
النيسابوري 318هـ
المجلد الأول
حققه وقدم له وخرج أحاديثه
د. أبو حامد صغير أحمد الأنصاري
(4/1)
الإشراف
على مذاهب العلماء
(4/2)
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1425هـ - 2004 م
الناشر
مكتبة مكة الثقافية
هاتف: 2361835 - 7 - 00971
فاكس: 2362836 - 7 - 00971
ص. ب. 2326
رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة
(4/3)
ـ[الرموز والمصطلحات التي استعملت في
الدراسة والتحقيق:]ـ
لقد استعملت خلال ترجمة ابن المنذر، ودراسة الكتاب، وفي تحقيق الكتاب
رموزاً ومصطلحات للاختصار والتسهيل، وهي ليست بجديدة إلا البعض، وقد يتبادر
الذهن إلى الأصول في أول نظرة، لأن معظمها قد تستعمل في كثير من الكتب
المحققة، وهي كالتالي:
1 - حرف "ح" قبل الرقم إشارة إلى الحديث النبوي.
2 - حرف "م" قبل الرقم إشارة إلى المسألة الفقهية، سواء كانت مجمعا عليها
أو مختلفا فيها.
3 - "الأصل" إشارة إلى النسخة الخطية من كتاب الإشراف.
4 - "ألف" إشارة إلى اللوحة الأولى من الورقة من المخطوطة المصورة.
5 - "ب" إشارة إلى اللوحة الثانية من الورقة من المخطوطة المصورة.
6 - وكذلك اختصرت أسماء الكتب ومؤلفيها عند ذكرها في الدراسة والتحقيق، وهي
كالتالي:
بق: البيهقي في السنن الكبرى.
طف: ابن جرير الطبري في تفسيره.
ت: الترمذي في جامعه.
عب: عبد الرزاق في المصنف.
جه: ابن ماجه في سننه.
قط: الدارقطنى في السنن.
حم: أحمد بن حنبل في مسنده.
م: مسلم بن الحجاج في الصحيح.
خ: البخاري في الصحيح.
مط: مالك بن أنس في الموطأ.
د: أبو داود في السنن.
مي: الدارمي في السنن.
شب: ابن أبي شيبة في المصنف.
ن: النسائي في السنن.
ط: طبقات.
(4/4)
|