الإشراف على مذاهب العلماء

39 - كتاب الجهاد
1 - باب فرض الجهاد
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر قال: بعث الله جل وعز رسوله إلى الناس جميعاً أهل كتاب وسائر المشركين، فقال جل ذكره: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} الآية، وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} فقد بعث الله نبيه إلى جميع خلقه وهم أهل كتاب، أو أميين.
وثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بمثل معنى كتاب الله عز وجل:
(ح 798) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعطيت خمسا لا يعطهن أحد قبلي، بعثت إلى الأحمر، والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولا تحل [1/ 154/ب] لأحد قبلي، ونصرت بالرعب،

(4/5)


فيرعب العدو وهو مني على مسيرة شهر، وقيل لي: سل تعط (1)، واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".
قال أبو بكر: فأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بمكة مدة طويلة يدعوا إلى الله والإيمان به، وينهى عن الشرك بالله وعبادة الأوثان، وذلك قبل أن أمره الله عَزَّ وَجَلَّ بالإعراض عنهم، فقال: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} الآية، وقال: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الآية، ثم أذن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة، فخرج إلى المدينة، ولم يؤذن لهم في شيء من ذلك بقتال المشركين، ولم يحرم عليهم المقام بمكة، ثم أذن لهم في القتال فقال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية.
يقال: أنها أول آية نزلت إذن فيها بالقتال، ثم أوجب عليهم الخروج من مكة إلا من استثنى منهم في آخر الآية، وأمرهم أن يهجروا دار الشرك؛ لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما خرج عنهم إلى المدينة اشتد بعض من كان بمكة من المشركين على من أقام عندهم بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين، فقال جل ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ
__________
(1) في الأصل: "نطعمه".

(4/6)


كُنْتُمْ} إلى آخر الآية، واستثنى منهم المستضعفين {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة} قيل: مخرجاً، {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}، طريقاً إلى المدينة بعد، وهؤلاء لم يعرض عليهم الخروج، فقال: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}: الآية.

2 - باب وجوب الجهاد
قال الله جل وعز: تب {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} الآية.
وقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} الآية.
وقال: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية.
وهذه الآيات ناسخات اللاتي أمر الله فيها بالعفو والصفح فقال: ({فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الآية، فأتى الله بأمره لما أمر بقتال المشركين.

(4/7)


وجاءت الأخبار الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - موافقة لظاهر هذه الآيات.
(ح 799) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلله، فمن قال: لا إله إلله عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه، وحسابه على الله".
قولاً عاماً لم يخص منهم أحداً دون أحد، دخل في ذلك جميع الناس أهل الكتاب، وسائر المشركين من العرب والعجم، الأحمر منهم والأبيض والأسود، أهل الأوثان وغيرهم، فدل قوله تعالى جل ثناءه: {قَاتِلُولَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا [1/ 155/ألف] يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُولْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُولْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية، على أن الله تعالى إنما أراد قتال أهل الشرك من أهل الأوثان وغيرهم دون من أعطى الجزية من أهل الكتاب.
م 1772 - واختلفوا في معاني الآيات التي أمر الله تعالى فيها بقتال المشركين، والآية التي أمر الله تعالى فيها بأخذ الجزية من أهل الكتاب.
فقالت فرقة: فرض الله عَزَّ وَجَلَّ على رسوله وعلى المسلمين أن يقاتلوا المشركين كافة أهل الكتاب وغيرهم، حتى نزلت سورة البراءة، ونزل قوله: {قَاتِلُولَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ} الآية، إلى قوله {حَتَّى يُعْطُوا

(4/8)


الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية فنسخ من جملة ما أمر الله بقتاله من المشركين من أهل الكتاب، فصار الأمر بقتالهم إذا أرادوا الجزية منسوخاً.
كان أبو عبيد القاسم بن سلام يميل إلى هذا القول، ويحتج بحديث ابن عباس: كانت البراءة من آخر ما نزل من القرآن، وكذلك قال البراء: آخر سورة نزلت كاملة البراءة، وروي هذلمعنى عن عثمان بن عفان.
وقالت طائفة: الآيات التي نتلوها في الأمر بقتال المشركين، والآية التي فيها الأمر بأخذ الجزية، ليس في شىء منها ناسخ ولا منسوخ، بل هى محكمات غير أن الآية التي فيها الأمر بقتال المشركين ظاهرها ظاهر عام، والمراد منها أن الله تعالى أراد بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية، غير أهل الكتاب الذين أمر الله بأخذ الجزية منهم، وتركهم، وهذا على مذهب الشافعي.
كما كان الأمر بقطع السراق، والمراد منه بعض السراق دون بعض.
قال أبو بكر: ودل خبر ابن عباس على الهجرة إنما كانت واجبة إلى أن فتح الله على نبيه مكة، ثم زال فرضها.

(4/9)


(ح800) ثبت عن ابن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوم الفتح: "لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا".

3 - أبواب فرض القتال ومن يلزمه الحضور ومن له عذر لا يأثم أن يخلف من أجله
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} الآية.
كان مجاهد يقول في هذه الآية: وذلك حين أمر بغزوة تبوك بعد الفتح، وبعد الطائف، وبعد حنين، أمروا بالنفير في الصيف حين حرقت النخل وطابت الثمار واشتهوا الطل وشق عليهم المخرج.
قال أبو بكر: قال الله جل ثناءه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ [1/ 155/ب] كُرْهٌ لَكُمْ} الآية، فاحتمل أن يكون الغزو مفروضاً على الجميع كالصوم، والصلاة، واحتمل أن يكون مفروضاً على الكفاية، فإذا قام بثغور المسلمين من فيه الكفاية ودفع العدو عن المسلمين سقط الفرض عن الباقين، فوجب لما احتمل ذلك ما قلنا، وعلى أهل العلم طلب الدلالة على صحة أحد القولين، فدل الكتاب

(4/10)


والسنة على سقوط فرض الغزو عن المتخلفين إذا أقام به منهم من فيه الكفاية، فأما ما دل عليه الكتاب من ذلك فقوله عز وجل: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} الآية، ففي هذا بيان على سقوط المآثم عن المتخلفين إذا قام بالغزو من فيه الكفاية، لأن المتخلف لو كان حرجاً لم يكن يستوجب الحسنى، ففيها وعد المتخلف عن الجهاد من الحسنى، أبين البيان على أن في تخلفه غير حرج ولا إثم.
ودل قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا} الآية، على مثل ما دلت عليه هذه الآية قبلها، ودلت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على مثل ما دل عليه كتاب الله.
لا نعلم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - غزوة خرج فيها إلا وقد يتخلف (1) عنه فيها رجال، وتخلف - صلى الله عليه وسلم - عن سرايا أخرجها.
(ح 801) ثبت عنه أنه قال: "لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف خلف سرية تخرج في سبيل الله، ولكني لا أجد ما أحمله عليه ولا يجدون
__________
(1) في الأصل: "يختلف".

(4/11)


ما يحملون عليه يتحرجون، وشق عليهم أن يتخلفوا بعدي، ولوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا، ثم أقتل".
(ح 802) وروينا عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة غزاها
بني لحيان" لينبعث من كل رجلين رجل والأجر بينهما".
ففي تخلفه عن الخروج مع السرايا مع إذنه في أن ينبعث من كل رجلين رجل، دليل بين على أن فرض الجهاد ساقط عن الناس إذا قام منهم من فيه الكفاية.

4 - باب المتخلف عن الخروج إلى الجهاد من أجل الوالدين
(ح 803) ثبت أن رجلاً قال: "يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إني أريد الجهاد، قال: أحي والديك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد".
(ح 804) وروينا عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً هاجر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من اليمن فقال يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إني هاجرت، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: قد هجرت الشرك، ولكنه الجهاد، هل لك أحد باليمن؟ قال: أبوان!

(4/12)


قال: [1/ 156/ألف] أذنا لك؟ قال: لا! قال: فارجع فاستأذنهما، فإن أذناك، فجاهد، وإلا فبرهما.
قال أبو بكر: وقد ذكر بعض أصحابه وهو عدي كما قال: إن النهي عن الخروج إلى الغزو بغير إذن الوالدين ما لم يقع النفر، فإذا وقع النفر وجب الخروج على الجميع، وذلك بين في:
(ح 805) حديث أبي قتادة قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جيش الأمراء، فذكر قصة زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وإن منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -نادى بعد ذلك: إن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فحمد الله فأثنى عليه فذكر الحديث، ثم قال: أيها الناس اخرجوا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد، قال: فخرج الناس في حر شديد مشاة وركبانا، وذكر باقي الحديث.
قال أبو بكر: وفي قوله: "اخرجوا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد" دليل على أن العذر في التخلف عن الخروج إلى الجهاد إنما هو ما لم يقع النفر لقوله عليه السلام: "اخرجوا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد".
(ح 806) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا.

(4/13)


قال أبو بكر:
م 1773 - وقد روينا عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان ما يدل على أن من أراد الغزو فأمرته أمه بالجلوس أن يجلس، وقال الحسن البصري: إذا أذنت له أمه في الجهاد وعلم أن هواها أن يجلس فليجلس.
ومن رأى أن لا يخرج المرء إلى الغزو إلا بإذن والديه مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وكل من لقيناه من أهل العلم.
وقيل للأوزاعي: رجل غزا بإذن والديه، واشترطا عليه أن لا يقاتل فلقوا العدو؟ قال: لا طاعة لوالدين في ترك الفرائض، والجمع، والحج، والقتال.
قال أبو بكر: صدق الأوزاعي، وخبر أبي قتادة يدل على صحة ما قال، وكان الشافعي يقول: "وإذا أذن للرجل أبواه في الغزو فغزا، ثم أمره بالرجوع، فعليه الرجوع، إلا من عذر حادث مثل خوف الطريق، أو وَجْدٌ بِهْ، أو مرض يحدث به لا يقدر على الرجوع، أو قلة نفقة لا يقدر على أن يستقل معها، أو ذهاب مركب لا يقدر على الرجوع معه، أو يكون غزا بجعل مع السلطان فلا يقدر على الرجوع إلا معه".
م 1774 - واختلفوا في الوالدين المشركين.
كان الثوري يقول: لا يغزو إلا بإذنهما، وقال الشافعي: له أن يغزو بغير إذنهما.

(4/14)


قال أبو. . . . . . . . . . (1)
__________
(1) بدأ السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (تفسير القرطبي)، ما يلي:
واختلفوا في الوالدين المشركين هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية، فكان الثوري يقول: لا يغزو إلا بإذنهما. وقال الشافعي: له أن يغزو بغير إذنهما. قال ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدات أمهات فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا اعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الاخوة وسائر القرابات. وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله عز وجل.

قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة:
فَأَمَّا إنْ كَانَ أَبَوَاهُ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ، فَلَا إذْنَ لَهُمَا. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَغْزُو إلَّا بِإِذْنِهِمَا؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ.
وَلَنَا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُجَاهِدُونَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا؛ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عَتَبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ، كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَبُوهُ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمئِذٍ، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، قَتَلَ أَبَاهُ فِي الْجِهَادِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا} [المجادلة: 22]. الْآيَةَ، وَعُمُومُ الْأَخْبَارِ مُخَصَّصٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ

(4/15)


[9 - باب المبارزة بدون إذن الأمير]
. . . . . . . . . . . . (1) [1/ 156/ ب] بل خبر أبي قتادة يدل على ذلك، لأني [لا] (2) أعلم أن أبا قتادة استأذن النبي- صلى الله عليه وسلم - حين بارز فقال أبو قتادة:
(ح 809) بارزت رجلاً يوم حنين فقتلته، فأعطاني النبي - صلى الله عليه وسلم - سلبه.

10 - باب معونة المبارز
م 1781 - اختلفوا في معونة المسلمين المبارز منهم على المشرك فمن رخص في ذلك أحمد، وإسحاق، وقال أحمد: أليس قد أعانوا يوم بدر بعضهم
__________
(1) انتهى السقط هنا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وجاء في (المغني) لابن قدامة، ما يلي:
وَأَمَّا الْمُبَارَزَةُ، فَتَجُوزُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَكَرِهَهَا. وَلَنَا، أَنَّ حَمْزَةَ، وَعَلِيًّا وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، بِإِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبَارَزَ عَلِيٌّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ فَقَتَلَهُ. . . . . . وَلَمْ يَزَلْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَارِزُونَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ وَبَعْدَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. . . . .، وَقَالَ أَبُو قَتَادَةُ بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَتَلْته.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَأْذَنَ الْأَمِيرُ فِي الْمُبَارَزَةِ إذَا أَمْكَنَ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَرَخَّصَ فِيهَا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُمْ الْمُبَارَزَةَ، لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمْ اسْتِئْذَانٌ. . . . .

قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: يظهرمن هذا النقل عن (المغني)، أن ابن المنذر رخص في المبارزة بغير إذن الأمير واحتج بخبر أبي قتادة، وما ذكره المحقق فيما أكمله من نص (الإشراف) مخالف لهذا، والله أعلم

(2) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: زيادة لازمة، ليست في المطبوع، وانظر التعليق السابق

(4/18)


بعضا، وبهذا المعنى قال الشافعي: لا بأس أن يعينه عليه غيره، وذكر قصة علي، وحمزة، وعبيدة، ومعونة بعضهم بعضا.
قال: فأما إن دعا مسلم مشركا، أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له: لا يقاتلك غيري، أو لم يقل له ذلك إلا أن يعرف أن الدعا إلى مبارزة الواحد كالأمر من الفريقين معاً تنوي المبارز من أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره".
وكان الأوزاعي يقول: لا يعينونه على هذا، قيل للأوزاعي: رجل بارز علجاً فخاف المسلمون على صاحبهم قال: فلا يعينونه عليه، قيل: وإن لم يكن اشترط أن لا يخرج إليه غيره؟ قال: ولأن المبارز إنما يكون هكذا، ولكن لو حجروا بينهما ثم خلو سبيل العلج، قال: ان أعان العدو صاحبهم فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم.

11 - باب ما يجب أن يستثنى من ظاهر قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية
م 1782 - دلت الأخبار الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على أن الله جل ثناءه إنما أراد بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}: بعض المشركين دون البعض، بما يجب أن يستثنى من ظاهر الآية قتل الرسل.

(4/19)


(ح 810) قال عبد الله بن مسعود: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء ابن النواحة رسولاً من مسيلمة قد بعثه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا وابن أثال فكلما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهما أي رسول الله: أتشهد أني رسول الله؟ فقالا له: أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله؟ فقال لهما: آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما.

12 - باب النهى عن قتل العسيف المشرك
(ح 811) في حديث رباح بن ربيع أن خرج مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها فمر رباح وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على امرأة مقتولة ووقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عليها ثم قال: ما كانت هذه تقاتل، ثم نظر في وجوه القوم فقال لأحدهم: الحق خالد بن الوليد فلا يقتل ذرية ولا عسيفا.
م 1783 - وقد اختلفوا في الحراثين الأجراء، فروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لا تقتلوا حراثاً، وقال الأوزاعي: يقتل المريض الشاب، ويكف عن الأعمى والحراث إذا علم أنه ليس من المقاتلة، قال: فإن قتل حراثاً، أو راعياً، أو صاحب صومعة، أو شيخا فانيا، أو صغيرا، أو امرأة، يستغفر الله ويتوب.

(4/20)


قال الشافعي: "ويقتل الفلاحون، والأجراء، والشيوخ الكبار حتى يسلموا، أو يؤدوا الجزية".

13 - باب النهي عن قتل النساء والوالدان
قال أبو بكر: ومما يستثنى من ظاهر الآية قتل النساء والوالدان.
(ح 812) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان.
وقال الله جل ذكره: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} الآية.
م 1784 - وروينا عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية قوله: {وَلَا تَعْتَدُوا} الآية يقول: "ولا تقتلوا النساء والصبيان، والشيخ الكبير، ولا من ألقي إليكم السلم وكف لله، فإن فعلتم فقد اعتديتم".
قال أبو بكر: ذلك إذا لم تقاتل المرأة، في خبر رباح بن ربيع دليل على ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقف على المرأة المقتولة قال: "ما كانت هذه تقاتل".

(4/21)


وفي الآية، وفي هذا الحديث دليل على أنها إن قاتلت قتلت، وفي حديث ابن عباس بيان ذلك، قال:
(ح 813) مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة مقتولة يوم الخندق قال من قتل هذه المرأة؟ قال رجل: أنا يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ولم؟ قال: بارعتني قائم سيفى، قال: فسكت.
قال أبو بكر: وممن رأى أن إباحة قتل المرأة التي تقاتل الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وكل هؤلاء الذين ذكرت ينهون عن قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا.
م 1785 - وكان الليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور يقولون في الصبى الذي يقاتل: يجوز قتله.

14 - باب الخبر الدال على أن النهي إنما وقع على من قصد قصدهم بالقتل لا من يصاب منهم في وقت الغارة
(ح 814) ثبت أن الصعب بن حثامة قال: قلت: يا رسول [1/ 157/ب] الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين؟ قال: هم منهم.

(4/22)


م 1786 - وكان الشافعي يقول: لا إنما معنى نفيه عن قتل النساء والصبيان أن يقصد قصدهم بقتل، وهم يعرفون مميزين ممن أمر بقتله منهم، ومعنى قولهم: "هم منهم" إذا أصيبوا في البيت والغارة.
وقال أحمد: معناه على أنهم يصيبون منهم وهم لا يعلمون.

15 - باب قتل الرهبان
م 1787 - واختلفوا في قتل الرهبان: فروينا عن أبي بكر الصديق أنه أمر بالوقوف عن قتلهم.
وكان مالك، والليث بن سعد، وأبو ثور لا يرون قتل الرهبان.
وقال مالك: يترك لهم ما يصلحهم، وقال الليث بن سعد: يترك له ما يعيش به، ولا يؤخذ ماله كله فيموت جوعا.
وقال مالك: لا يقتل الرواهب يترك لهم من لهم ما يعيشون به ولا يؤخذ جميع مالهم.
وقال أصحاب الرأي: لا يجوز أن يقتل وليد، ولا امرأة، ولا شيخ كبير، ولا أحد به زمانة، ولا يقتل أعمى، وإنما قول أبي بكر الصديق: "ولا تقتل راهباً؛ لأن فتح بلادهم وظفر بها فصارت في أيديهم، ولا ينبغي أن يفعلوا ذلك؛ لأن ذلك قد صار فيئاً للمسلمين.
واختلف قول الشافعي في قتل الرهبان، فقال في كتاب قتال المشركين: يترك قتل الرهبان اتباعا لأبي بكر، ويغنم كل ما لهم في

(4/23)


صومعة، وغير صومعة، وأحب إلي في النساء الرواهب يتركهن كما يترك الرجال".
وقال في كتاب سير الواقدي: ولا أعرف في الرهبان خلافاً أن يسلموا، أو يودوا الجزية، أو يقتلوا".

16 - باب قتل الشيوخ والمرضى وغيرهم
م 1788 - واختلفوا في قتل الشيوخ فروينا عن أبي بكر الصديق أنه نهى عن قتلهم، وكره قتلهم مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وروينا عن مجاهد أنه قال: كنا ننهى عن قتل كل فان، ووليد.
وفيه قول ثان: وهو أنهم يقتلون، هذا قول الشافعي، وبه نقول، إذ هم في حملة من أمر الله بقتله من المشركين غير خارجين من الجملة بحجة.
م 1789 - واختلفوا في قتل المرضى فروينا عن أبي بكر الصديق، وليس بثابت عنه، أنه قال: لا تقتلوا مريضاً.
وقال الأوزاعي: إن كان مريضاً يوقن بموته لم يقتل.
وقال أحمد في الأعمى: إن كان ممن يقاتل، فإنه يقتل.
وقال أصحاب الرأي: لا يقتل أحد له زمانة.
وفي قول الشافعي: يقتل الشيخ المريض، والأعمى ومن به زمانة.
قال أبو بكر: وبه نقول للعلة التي ذكرت في المسألة قبل.

(4/24)


(ح 815) وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا
شرخهم، يعني الصغار، والذرية [1/ 158/ألف].

17 - باب نصب المنجنيق على أهل الحصون
(ح 816) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نصب المنجنيق على أهل الطائف.
قال أبو بكر:
م 1790 - وللإمام إذا حصر قوما من المشركين أن ينصب عليهم المناجيق، ويرميهم بالحجارة، وبما يقوم مقامها.
روينا أن عمرو بن العاص جاء بالهدادات الإسكندرية فنصب عليهم المناجيق.
وممن رأى أن ينصب عليهم المناجيق الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

(4/25)


م 1791 - وقال الثوري: يرمون بالنار، وبه قال الشافعي، والأوزاعي.
وقال الشافعي: ويرمون بالقذرات، والعقارب، والحيات، وكل ما يكرهونه، ويرسلوا عليهم الماء ليغرقوهم، أو يوحلوهم فيه، وسواء كان معهم الأطفال والنساء، والرهبان، أو لم يكونوا غير ممنوعة بإسلام وعهد، وكذلك لا بأس بأن يحرقوا شجرهم المثمرة وغير المثمرة، ويحرقوا عامرهم، وكل ما لا روح فيه من أموالهم".
وقال أصحاب الرأي: إن كان في الحصون امرأة، أو صبى، أو شيخ كبير، أو معتوه، أو أعمى، أو مقعد، أو زمن فلا بأس أن يرموا المشركين في حصونهم بالمنجنيق، وإن كان فيهم من قد سمينا.

18 - باب النهي عن إحراق من له روح بالنار
(ح 817) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال في رجل: إن قدرتم عليه فاقتلوه، ولا تحرقوه بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.
م 1792 - واختلفوا في رمى أهل الشرك بالنار، فكره ذلك عمر بن الخطاب؛ لأنه حرق خالد بن الوليد ناساً من أهل الردة، فقال عمر لأبي بكر: انزع هذا الذي يعذب بعذاب الله.
قال أبو بكر: لا أشيم سيفا سله الله على المشركين.

(4/26)


وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: لوددت أنهم بايعونا لا نقاتلهم بنار، ولا يقاتلونا بها يعني الروم، وهذا مذهب مالك.
وقال أحمد بن حنبل في المطمورة فيها النساء والصبيان: يتقدم إليهم ويسألهم الخروج فيأتون يدخن عليهم، فكرهه، ولم يصرح بالنهي.
قلت: في البحر يرمون بالنيران، قال: إن بدؤوهم فلا بأس.
وكان الثوري يقول: وإذا حاصرت أهل حصن فلا بأس أن يرموا بالمناجيق، والنار.
وقال الأوزاعي في المطامر: فلا بأس أن يدخن عليهم، وإذا لم يكن في المطمورة إلا المقاتلة حرق عليهم، وقتلوا بكل قتله، ولو لقينا سفنهم في البحر رميناهم بالنفط والنيران.
م 1793 - واختلفوا في [1/ 158/ب] المركب من مراكب العدو يرمي بالناس، فيخشى الأسر على نفسه أيطرح نفسه في الماء أم يصير إلى النار، فرخص فيه مالك، والليث بن سعد أن يطرح نفسه.
وقال يحيى الأنصاري ما الفرار منها يعني النار مثل الفرار يعني الغرق.
وقال ربيعة: أما الرجل يفر من النار إلى أمر يعرف أن فيه قتله فلا ينبغي له لأنه إنما يفرق موت إلى موت أشر منه، فقد جاء بما لا يحل له، وإن كان إنما يتحمل في ذلك رجاء النجاة، فكل امرئ يرجوا النجاة في شيء فلا جناح عليه فيه.
وقال الحسن البصري: إذا خاف رجل أن يغلب لا بأس أن يستأسر.

(4/27)


19 - باب رمي الحصون فيها أطفال المسلمين وأساراهم
م 1794 - واختلفوا في الحصين من حصون المشركين قام العدو على سور الحصين فتترسوا بأطفال المسلمين.
فقالت طائفة: يكفون عن رميهم، فإن برز أحد، (1) منهم رموه، هذا قول الأوزاعي.
وقال الليث بن سعد: ترك فتح حصن يقدر على فتحه، أفضل من قتل مسلم بغير حق، وقالا: قال الله عَزَّ وَجَلَّ في أهل مكة: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية.
قال الأوزاعي: فكيف يرمى المسلمون من لا يرون من المشركين، وهم يعلمون إنما يصيب بها أطفال المسلمين.
وقالت طائفة: للمسلمين أن يرموهم، بالمنجنيق، والنشاب، والنبل، ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين، وما أصاب المسلمون من أطفال المسلمون الذين مع المشركين في رميهم إياهم، فلا دية في ذلك، ولا كفارة، هذا قول النعمان، ومحمد.
وقال الشافعي: والذي قاله الأوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصين، ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم
__________
(1) في الأصل::فإن يرو واحداً منهم".

(4/28)


على أنفسنا إن كففنا عن حربهم، قاتلناهم ولم يعمد قتل مسلم فإن أصبنا كفرنا (1).

20 - باب تغريق النحل وحريقه
م 1795 - روينا عن أبي بكر الصديق أنه قال حين بعث الجيوش إلى الشام فيما يوصيهم به: ولا يغرقن نحلا ولا يحرقها، ولا يعقروا بهيمة.
وروينا عن ثوبان أنه قال: لا يغرقن نحلا ولا يحرقنه.
وقيل لمالك: أنحرق بيوت نحلهم؟ قال: أما النحل فلا أدري ما هو.

21 - باب عقر الدواب خوفا أن يظفر بها العدو
م 1796 - واختلفوا في الفرس يقف على صاحبه فيريد عقره، [1/ 159/ألف] فرخص فيه لهم.
وممن رخص فيه مالك، قال مالك: يعقر ولا يتركه.
وقال النعمان: إذا أصابوا غنائم ذبحوا المغنم، وحرقوا المتاع، وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع به أهل الشرك.
وكرهت طائفة أن يعقر بهيمة إلا لمأكل، وكره ذلك الأوزاعي، والشافعي.
__________
(1) في الأصل "يرهبهم" والتصحيح من حاشية المخطوط.

(4/29)


وقال الليث بن سعد في الدابة يقوم على الرجل، يتركه ولا يعقره.
وبه قال الشافعي. قال لأن روح يألم بالعذاب ولا ذنب له، واحتج في ذلك.
(ح 818) بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتله، قيل: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وما حقها؟ قال: "أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي به".
وقال الشافعي في الفارس من المشركين: للمسلم أن يعقر دابته لأن هذه منزله يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله.
وسئل الثوري عن قتل الخنازير، قال: أكره قتل البهائم.
وقال أحمد: قتل الله كل خنزير، وبه قال إسحاق.
وقال أبو ثور: لا يقتل من مواشيهم، ولا يحرق نحلهم، ولا يعقر دوابهم، ولا يقتل شيء من الحيوان صبراً، وذلك.
(ح 819) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقتل شيء من الحيوان صبراً.

(4/30)


22 - باب إباحة تحريق أموال أهل الشرك وقطع نخيلهم وحرقها وإباحة ترك ذلك
م 1797 - قال الله عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الآية.
قال مجاهد: اللينة: النخلة، فنزل القرآن تصديق من نهى عن قطعها، وبتحليل من قطعها عن الإثم، وإنما قطعها وتركها بإذنه.
وقال الزهري: اللينة: ألوان النخل كلها العجوة، وقال عكرمة: هي دون العجوة.
وقال محمد بن إسحاق: مما خالف العجوة من النخل.
وروينا عن ابن عباس أنه قال: "ما قطعتم من لينة" نخلة، أو شجرة.
(ح 820) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، وقطع البويرة.
وفيها يقول حسان:
وهات علي سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
م 1798 - واختلفوا في تخريب عامر بلاد الشرك، وقطع شجرهم، وإتلاف أموالهم.

(4/31)


فأباحت طائفة ذلك، فممن رخص في قطع شجرهم، وهدم بيوتهم: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، ونافع مولى ابن عمر، وبه قال مالك، والشافعي، واحتجا بقوله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}.الآية.
قال الشافعي: فرض القطع وأباح الترك، قال: والترك موجود [1/ 159/ب] في الكتاب والسنة.
وقال النعمان: لا بأس بقطع شجر المشركين، ونخلهم، وتحريق ذلك.
وكرهت طائفة ذلك، وممن كره ذلك الأوزاعي، واحتج بنهي أبي بكر عن ذلك، وبه قال الليث بن سعد، وأبو ثور.
وقال أحمد وإسحاق: التحريق في أرض العدو نكرهه، إلا أن يكون ذلك يغيضهم، ويبلغ فيهم، وكان يقول في تخريب العامر وتهدم دورهم إذا احتاج إلى الحطب، فأما أن يخرج من غير حاجة إلى العامر فيخربه فلا.
وقال إسحاق: التحريق سنة إذا كان ذلك أنكى للعدو.
قال أبو بكر: والذي أقول به: إن تخريب العامر، وقطع الشجر المثمر وغير المثمر، وتحريق أموالهم لا بأس به، استدلالاً بقوله {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الآية، ولقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقطع النبي- صلى الله عليه وسلم - نخل بني

(4/32)


النضير، فأما الأنعام فلا يجوز ذبحها إلا لحاجة، وقد ذكرنا فيما مضى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

23 - باب الفرار من الزحف
قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} الآية.
(ح 821) وروينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الكبائر سبع أولهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم بداراً أن يكبروا، والفرار من الزحف، ورمي المحصنات، وانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة".
(ح 822) وجاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنا فئة المسلمين".
م 1799 - وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: "أنا فئة لكل مسلم".
وقال مالك بن أنس: ليس عليه العمل يعني لحديث عمر.

(4/33)


وقال الأوزاعي: من كان في سرية عليهم أمير فإن انهزم اللواء والفصل في الثبات، وإن انهزم الوالي فالعسكر لهم فئة.
وقال أبو عمرو: وإن لقي العسكر الأعظم واللواء صبى، وأما لم ينهزم اللواء والإمام، فإن انهزم الإمام، فالإمام بالشام لهم فئة.
وكان الشافعي يقول: "إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو، حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال، أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحب لهم أن يولوا، ولا يستوجبوا السخط عندي من الله لو ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة، وإذا لقي المسلمون العدو فولوا المسلمون متحرفين لقتال، أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا، وإن ولوا على غير نية واحدة من الأمرين، خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا بعد نية [1/ 160/ألف] خير لهم، ومن فعل هذا تقرب إلى الله بما استطاع من خير، بلا كفارةٍ معلومةٍ عليه، ولو شهد القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الأحرار، خفت أن يضيق عليهم من التولية ما يضيق، ولو شهد عبد قد أذن له سيده كان كالأحرار، وإن لم يكن أذن له لم يأثم بالتوية، والصبي لا يأثم بالتولية، وكذلك النساء أرجو أن لا يأثموا! بالتولية، قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه} الآية، معناه لم يعف عنه، يدل على ذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}

(4/34)


لِمَنْ يَشَاءُ} الآية ومما يدل على صحة هذا المذهب قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} الآية فكما عفا عنهم فقد يرجى أن يعف عن من فعل كفعلهم, ويجب لمن بلى بذلك أن يكثر من الاستغفار فان في:
(ح 823) حديث عبد الله بن مسعود عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه ثلاثاً، غفرت ذنوبه، وإن كان فارا من الزحف.
وكان ابن عباس يقول في قوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} الآية قال: فرض الله عليهم أن لا يفر رجل من عشرة، ولا قوم من عشرة أمثالهم، فجهد الناس ذلك شق عليهم، فنزلت هذه الآية الآخرى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}، إلى قوله: {الصَّابِرِينَ} الآية فرض الله عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم، ونقص من النصر بقدر ما خفف من العدو.
وكان الشافعي يقول بظاهر قول ابن عباس.

(4/35)


وقال أحمد بن حنبل قوله: {يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} يقف على هذا، كأنه أمر، وقال غير أحمد معنى: {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} من ألفاظ الأخبار، ومعناه الأمر، واستدل بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}، وإنما يقع التخفيف من الأمر لا من الخبر.

(4/36)