الإشراف على مذاهب العلماء

40 - كتاب الجزية
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر قال الله جل ذكره: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية.
قال أبو بكر: أمر الله أمراً عاماً، أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فقتال أهل الكتاب على ظاهر كتاب هو كتاب الله يجب [1/ 160/ب] حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية، دخل في ذلك العرب والعجم لأن الكتاب على العموم وليس لأحد أن يخص منهم أحداً إلا بحجة، ولا نعلم حجة توجب استثناء أحد منهم.
م 1800 - وممن رأى أن تؤخذ الجزية من العرب إذا كانوا أهل كتاب مالك، والأوزاعي، والشافعي وأبو عبيد.
وقال النعمان: فأما مشركو العرب من أهل الحرب فإنهم إذا أرادوا منا أن يعطونا الخراج ويكونون ذمة، فليس ينبغي لنا أن نفعل هذا، وإن ظهرنا عليهم كان صبيانهم ونساءهم لنا، ولا يجبرون على الإِسلام، فأما رجالهم فإنا نعرض عليهم الإِسلام، فإن أسلموا وإلا قتلوا.
قال أبو يكر: وبالقول الأول أقول استدلالا بكتاب الله، وبأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -:

(4/37)


(ح 824) أمر معاذاً حين بعثه إلى اليمن وهم عرب أهل الكتاب معروف مشهور عندهم، ولم يبلغنا في شيء من الأخبار أن ناساً من العجم، كانوا باليمن سكانه، حيث وجه النبي- صلى الله عليه وسلم - معاذ إلى اليمن.
ولوكان به قوم من العجم لكان في أمره إياه أن يأخذ من كل حالم ديناراً، أمر أن يؤخذ من جميعهم من كل واحد ديناراً عربياً، كان أو أعجمياً، ولو أراد بعضهم لبيّن ذلك.

1 - باب الحكم في نصارى بني تغلب
م 1801 - جاء الحديث عن عمر بن الحطاب أنه بعث مصدقاً فأمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشور، ومن أهل الكتاب نصف العشور.
واختلف أهل العلم في الحكم في نصارى بني تغلب.
فقالت طائفة: حكمهم حكم سائر عبدة الأوثان الذين لا يجوز قبول الجزية منهم، ولا يقبل منهم إلا الإسلام، أو القتل.
وقالت طائفة: لا تؤكل ذبائحهم، ولا يجوز نكاح نساءهم، وقالت: إنما صالحهم عمر لما خوف من أمرهم، وقيل لا تقوي عدوك عليك بهم.
م 1802 - واحتج بعضهم بمنع علي بن أبي طالب من أكل ذبائحهم، ولو كانوا عنده من أهل الكتاب ما كره ذلك، وكره ذبائحهم عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومحمد بن علي.

(4/38)


وقال آخرون: إن حكم عمر ماض عليهم، يؤخذ منهم ما صالحهم عليه عمر بدلا من الجزية، وحكم ما يؤخذ منهم حكم الجزية لا حكم الصدقة، ويوضع في مال بيت الفيء.
فممن رأى أن تضعف عليهم الصدقة، ابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، والشافعي، ويعقوب.
وقد روى عن عمر بن عبد العزيز (1): أنه أبى علي نصارى بني تغلب إلى الجزية.
وقال: لا والله إلا الجزية [1/ 161/ألف] وإلا فقد آذنتكم بحرب.
وممن كان يرى أكل ذبائح نصارى بني تغلب النخعي، والشعبى، والزهري، وعطاء الخراساني، والحكم، وحماد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

2 - باب أخذ الجزية من المجوس
(ح 825) روينا عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أخذها يعني الجزية من مجوس هجر، وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
__________
(1) في الأصل عمر بن الخطاب, والتصحيح من الحاشية المخطوطة.

(4/39)


م 1803 - وأجمع عوام أهل العلم من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر على أخذ الجزية من المجوس.
م 1804 - واختلفوا في معنى الذي له أخذت الجزية منهم.
فقالت طائفة: إنما أخذت الجزية منهم لأنهم أهل كتاب. وذلك أن الله جل ذكره إنما أمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب، واحتجوا بقول علي بن أبي طالب أنهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وأراه قال عمر: منهم الجزية.
وكان الشافعي يقول: إن الجزية أخذت منهم لأنهم أهل كتاب، وكان لا يرى نكاح نساءهم، ولا أكل ذبائحهم.
وقال آخرون: الجزية مأخوذة من أهل الكتاب بالكتاب، ومن المجوس بالسنة، هذا قول أبي عبيد.
وقال آخر: الجزية تؤخذ من المجوس لسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعمل الخلفاء الراشدين المهديين، ثم اتفاق أهل العلم على القول به.
وقال أحمد في قوله سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب: إنما هذا في الجزية.
قال أبو بكر: فالجزية يجب أخذها من المجوس للأخبار التي جاءت في ذلك، ولأني لا أعلم في ذلك اختلافاً، ولا يصح أن المجوس أهل الكتاب، لأني لا أعلم حجة تدل عليه، وإنما أخذت الجزية منهم لأخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولفعل الخلفاء بعده، وليس في قوله جل ثناءه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية دليل على أن الجزية لا يجوز أخذها

(4/40)


من غيرهم، لأن الله لم ينه أن تؤخذ الجزية من غيرهم فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أن يزيد في البيان، ويفرض ما ليس بموجود ذكره في الكتاب، حرم الله الأمهات ومن ذكر معهن في الآية، وحرم النبي- صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها، وليس ذلك بخلاف لكتاب الله، بل حرم الله في الآية من حرم من الأمهات، وغيرهن، وحرم أن تنكح المرأة على عمتها، أو على خالتها لسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.

3 - باب أخذ الجزية من الصابين والسامرة [1/ 161/ب]
م 1805 - واختلفوا في الصابين، فكان مجاهد يقول: هم قوم بين اليهود والنصارى، وليس لهم كتاب، وليس بيهود ولا نصارى.
وقال الحسن البصري، وسعيد بن جبير: هم بين اليهود والنصارى.
وروينا عن ابن عباس أنه قال: لا تؤكل ذبائحهم وبه قال يعقوب.
وقال إسحاق بن راهويه: لا بأس بذبائحهم لأنهم من أهل الكتاب.
وقال السدي، والربيع بن أنس: هم طائفة من أهل الكتاب.
فقياس قول من جعلهم من أهل الكتاب أن تؤخذ منهم الجزية، وفي قول من قال: ليسوا من أهل الكتاب لا تؤخذ منهم الجزية، وهذا أصح القولين؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قد فصل بينهم وبين اليهود والنصارى، كما فصل بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى.
قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (1) وَالَّذِينَ هَادُوا} الآية.
__________
(1) في الأصل "إن الذين هادوا".

(4/41)


م 1806 - وأما السامرة فأعلى شيء رويناه في أمرهم خبر عمر بن الخطاب أنه كتب: أنهم طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب.
ورخص يعقوب في ذبائحهم، ومناكحة نسائهم إذا كانوا يهوداً أو نصارى.

4 - باب أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العجم وسائر المشركين سوى اليهود والنصارى، والمجوس
م 1807 - واختلفوا في أخذ الجزية من سائر المشركين سوى اليهود، والنصارى، والمجوس.
فقالت طائفة: تؤخذ منهم الجزية، وإن لم يكونوا من أهل الكتاب من عبدة الأوثان، والنيران، وكل مشبهة في الأرض، وكل جاحد ومكذب، بربوبية الرب تبارك وتعالى، والسنة فيهم أن يقاتلوا على الإِسلام، فإن هم أبوه وبذلوا الجزية قبلت منهم، ثم كانوا في حالهم وتحريم مناكحتهم، وذبائحهم وغير ذلك من أمورهم المجوس، هذا قول الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
قال أبو عبيد: العجم تؤخذ منهم الجزية على كل حال، قال أبو عبيد: الأمر عندنا في الصابي على ما قال مجاهد، والحسن، والحكم، والأوزاعي، ومالك: أنهم كالمجوس.

(4/42)


قال أبو بكر: وكان مالك يرى أن أخذ الجزية من الغرازنة، وممن لا دين له من أجناس المشركين، والهند، وحكمهم حكم المجوس. وبه قال أصحاب الرأي.
وفي قول الشافعي، وأبي ثور لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، أو من المجوس.

5 - باب الخبر الدال على أن لا جزية على النساء والصبيان
(ح 826) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا [1/ 161/ألف] إلى اليمن أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر.
م 1808 - فدل ذلك على أن لا جزية على غير البالغ، ولا على النساء، وثبت أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأخبار ألا تضربوا الجزية إلا من جرت عليه الموسى، ولا ضرب الجزية على النساء ولا الصبيان.
قال أبو بكر: وفي نفس الآية التي أمر الله فيها بأخذ الجزية من أهل الكتاب، دليل على أن لا جزية على النساء والصبيان لأن الرجال الذين خوطبوا بالأمر والنهي، هم الذين أمرنا بقتالهم في قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية، هم الذين تؤخذ الجزية منهم، فلما أمر

(4/43)


الله تعالى بقتال أهل الكتاب حتى يؤدوا الجزية، ونهى عن قتل النساء والصبيان، دل ذلك على أن الجزية إنما تجب على من أمرنا بقتاله إذا لم يؤدها، دون أمرنا بالكف عنه من الذرية والنساء.
وممن حفظنا عنه أنه لا جزية إلا على الرجال البالغين دون النساء، مالك، والشافعي، وأبو ثور، والنعمان، وأصحابه، ولا يحفظ عن غيرهم خلاف قولهم.

6 - باب من تؤخذ منه الجزية ولا تؤخذ
م 1809 - كان الشافعي يقول: "لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أن لا دين له يتمسك به، فترك له الإِسلام"، وبه قال أصحاب الرأي.
م 1810 - واختلفوا فيمن يجن ويفيق، فكان الشافعي يقول: "من غلب على عقله أياما، ثم أفاق، أو جن، فأفاق تؤخذ منه الجزية لأنه يجري عليه القلم في حال أفاقته".
وقال أصحاب الرأي: إن أفاق في أول السنة قبل أن توضع الجزية على رؤوس الرجال، وهو موسر وجبت عليه، وإن كان إنما أفاق في آخر السنة لم توضع عليه الجزية، فإن تم على أفاقته وضعت، عليه في السنة المستقبلة وما بعدها.
م 1811 - واختلفوا في أخذ الجزية من الشيخ الفاني، فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: تؤخذ من الشيخ الفاني.

(4/44)


وقال أصحاب الرأي لا تؤخذ من الشيخ الفاني الذي لا يستطيع أن يعمل.
م 1812 - واختلفوا في أخذ الجزية من الفقير، فكان الشافعي يقول: يكون دينا عليه، وقال أبو ثور: تؤخذ من الغني، والفقير.
وقال أصحاب الرأي: لا تؤخذ من المحتاج الذي لا يقدر على شيء، وقال الشافعي: لا تؤخذ الجزية على شيخ ولا مقعد.
م 1814 - وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: تؤخذ الجزية من الرهبان.
قال أبو بكر: والقسيس [1/ 162/ب] وأصحاب الصوامع كذلك عندهم.
م 1814 - وقال الشافعي: تؤخذ من الزمن. وقال أصحاب الرأي: لا تؤخذ منه.
م 1815 - وكان أبو ثور يقول: تؤخذ الجزية من الأجير، وكل مدرك.

7 - باب سقوط الجزية عن العبيد
م 1816 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن لا جزية على العبيد.
م 1817 - وقال أصحاب الرأي: لا تؤخذ من مدبر، ولا مكاتب، ولا من أم ولد، وهنا قياس قول الشافعي، وأبي ثور.
م 1818 - واختلفوا من العبيد من أهل الكتاب يعتق.
فقالت طائفة: تؤخذ منه الجزية، وروينا ذلك عن

(4/45)


عمر بن عبد العزيز. وبه قال سفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: وسواء أعتقه مسلم أو كافر، وبه قال الليث بن سعد، وابن لهيعة.
وروينا عن الشعبى أنه قال: إذا أعتق الرجل غلاما له نصرانيا فلا جزية عليه، وذمته ذمة مواليه.
واختلف عن مالك بن أنس فيه، فقال مرة في الرجل يعتق العبد النصراي: لا جزية عليه، وقال آخر: قال مالك: أما إذا أعتقه المسلم فلا أرى عليه جزية، ولم أزل أقوله، وإذا أعتقه النصراني فلا أدري، وحكى ابن وهب عنه أنه قال في العبد يعتقه السيد: عليه الجزية.

8 - باب النصراني يسلم بعد ما يحول عليه الحول أو قبل ذلك
(ح 827) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ليس على المسلم جزية.
م 1819 - وأجمع أهل العلم على أن لا جزية على المسلمين.
م 1820 - واختلفوا في الذمي يسلم بعد ما يحول عليه الحول، أو قبل ذلك هل تؤخذ منه بعد إسلامه جزية لما مضى أم لا؟ فكان أبو عبيد يقول: لا جزية عليه أسلم قبل الحول أو بعده، ولا يجوز أن يطالب مسلم بجزية، وقال مالك: الصواب أن توضع الجزية عن

(4/46)


من أسلم حين يسلم، ولو لم يبق من السنة إلا يوم واحد، وقال: يقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية ما قد مضى قبل الإِسلام من دم، أو مال، أو شىء.
وقال الثوري في الذمي يسلم وعليه شىء من الجزية-، قال: لا تؤخذ وقال أصحاب الرأي: إذا مات أحد منهم وعليه شىء من جزية رأسه لم تؤخذ بذلك ورثته، ولم تؤخذ ذلك من تركته؛ لأن ذلك ليس بدين عليه، وإن أسلم أحدهم وقد بقي عليه شىء من جزية رأسه لم تؤخذ بذلك سقط عنه، وكذلك إن عمي [1/ 163/ألف] بعضهم أو صار معقداً، أو زمنا، أو صار شيخاً كبيرا لا يستطيع أن يعمل عملاً.
وقالت طائفة: إذا أسلم الذمي قبل أن يحول الحول فإنه تسقط عنه الجزية، وإن أسلم بعد حولها عليه.
هذا قول الشافعي، وقال: لو حال عليه حول، أو أحوال ولم تؤخذ منه، ثم أسلم أخذت منه ليس للإمام تركه، لأنها لجماعة المسلمين وجبت عليه، وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.

9 - باب المقدار الذي إذا أبذله أهل الذمة عن كل رأس وجب قبوله
م 1821 - واختلفوا فيما يؤخذ من أهل الذمة إذا اختلف الإمام وهم: فكان الشافعي يقول: يجب قبول دينار عن كل رأس من الأحرار البالغين،

(4/47)


واحتج بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - هو المبين عن الله عَزَّ وَجَلَّ معنى ما أراد، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جزية أهل اليمن ديناراً في كل سنة أو قيمته من المعافر، وسواء موسرهم أو معسرهم، وبه قال أبو ثور.
وقالت طائفة: إنما الجزية والخراج على قدر الطاقة من أهل الذمة بلا حمل عليهم، ولا أضرار بفيء المسلمين، ليس فيه حد مؤقت. هذا قول أبي عبيد.
وقال آخر: ذلك إلى رأي الأئمة في كل وقت وزمان، يصالحونهم على ما يرون فيه الصلاح والنظر للإسلام وأهله.
قال الثوري: "ذكرت عن عمر ضرائب مختلفة على أهل الذمة الذين أخذوا عنوة.
قال الثوري: "وذلك أن الوالي يريد عليهم بقدر يسرهم، ويضع عنهم بقدر حاجتهم، فأما من لم يؤخذ عنوة حتى صولحوا صلحا فلا يزاد عليهم شيء على ما صولحوا عليه، فالجزية عليهم على ما صولحوا عليه من قليل أو كثير في أرضتهم وأعناقهم".

10 - باب الأخبار التي جاءت عن عمر بن الخطاب في هذا الباب
م 1822 - ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام.

(4/48)


وفي حديث آخر عن عمر بن الخطاب أنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وأرزاق المسلمين من الحنطة مدين أو ثلاثة [1/ 163/ب] أقساط زيت لكل إنسان كل شهر، وعلى أهل الورق أربعين درهماً وخمسة عشر صاعا لكل إنسان، قال: ومن كان من أهل مصر فأردباً كل شهر لكل إنسان، قال: ولا أدري كم ذكر عن الودك والعسل.
وقال مالك: لا يزداد عليهم ولا يؤخذ منهم إلا ما فرض عمر بن الخطاب، وقال الشافعي: وصالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير، فلا بأس بما صالح عليه أهل الذمة، وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شيء مسمي بعينه، وإن كان على أضعاف هذا، ولا يجوز أن يزاد عليهم ولا على أحد منهم بالغ لِيُسر ما بلغ.
وروينا عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين، وأربعة وعشرين، واثني عشر. وذكر أحمد الجزية، فذكر هذا عن عمر فقيل له: فكيف هذا؟ فقال: على قدر ما يطيقون قال: ويزاد فيه وينقص على قدر طاقتهم، على قدر ما يرى الإمام، وقال أحمد: أكثر ما يؤخذ من الغني ثمانية وأربعين درهما، والوسط أربعة وعشرون، والفقير اثنى عشر.
وقال أصحاب الرأي: توضع الجزية على رؤوس الرجال يؤدونها كل سنة، توضع على الموسر منهم ثمانية وأربعين، وأربعة وعشرين، واثني عشر.

(4/49)


وقد روينا عن عمر بن الخطاب: أنه قضى على أهل الذمة ضيافة ثلاثة أيام، أو علف دوابهم وما يصلحهم.
وقال الأوزاعي: ولا يكلفون الشعير، ولا الذبيحة.

11 - باب أخذ العروض مكان الجزية
(ح 828) فذكرنا فيما مضى خبر معاذ بن جبل أن النبي- صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر.
م 1823 - فعلى هذا الحديث أخذ العروض مكان الجزية جائز، وقيل لأحمد: يؤخذ من الجزية غير الذهب والفضة، فقال: نعم أو عدله معافر، وقد كان عمر بن الخطاب يؤتى بنعم كثير من نعم الإبل يأخذها في الجزية.
قال: وذلك في القيمة تكون جزيته عشرة دنانير، فتقام بنت مخاض بكذا وابن لبون بكذا، فيكون ذلك بالقيمة.
وروينا عن علي أنه قال: يأخذ الجزية من كل ذي صنع، من صاحب الإبر إبر، ومن صاحب المال مال، ومن صاحب الحبال حبال ثم يدعوا العرفاء فيعطهم الذهب والفضة فيقسمونه، ثم يقول: خذوا هذا فاقتسموه، فيقولون: لا حاجة لنا فيه فيقول: أخذتم خياره وتركتم علي شراره لتحملنه، وهذا على مذهب أبي عبيد أن يؤخذ على القيمة.

(4/50)


12 - باب [1/ 164/ألف] أخذ الجزية من ثمن الخمر والخنازير
م 1824 - واختلفوا في أخذ أثمان الخمر والخنازير في الجزية.
ففي قول الشافعي، وأبي ثور: لا يجوز أخذ أثمان الخمر والخنازير فيها، وكان مالك يقول في أهل الكتاب يعطون الجزية من ثمن الخمر والخنازير فيها. قال: ذلك حلال للمسلمين أن يأخذوه من أهل الكتاب في الجزية.
م 1825 - واختلفوا في الخمر والخنازير يمر بها على العاشر.
فممن رأى أن يعشر الخمر مسروق، والنخعي، والنعمان.
وقال ابن الحسن: أما الخنازير فلا يعشرها، وأما الخمر فيأخذ نصف عشر قيمتها.
وكان الحسن بن صالح يقول: يقوم عليهم العاشر الخمر، والخنازير إذا اتّجروا فيها، ويأخذ عشرها من القيمة.
وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: الخمر لا يعشرها مسلم، وهذا على مذهب أبي ثور، وأبي عبيد.
م 1826 - وكان أحمد لا يوجب على من أهراق لذمي خمراً أو قتل له ختريراً شيئاً، وهذا على مذهب الشافعي.
قال أبو بكر: وقياس قول من كره تعشير الخمر، والخنازير أن يكره أخذها في الجزية، ويشبه أن يكون قياس قول من رأى للعاشر

(4/51)


أن يعشر الخمر عليهم ويأخذ عشرها، أن يأخذ الخمر في الجزية، ولا معنى لتفريق من فرق بين الخمر، والخنازير.

13 - باب الجزية كيف تجبى
قال الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية.
م 1827 - واختلف أهل العلم في معنى قوله {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
فقال بعضهم: يمشون بها، وقال بعضهم: نقداً يقول: عن ظهر يد ليس بنسيئة.
وكان الشافعي يقول: سمعت عدداً من أهل العلم يقول: "إن الصغار أن يجري عليهم حكم الإِسلام"، وبه قال الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: "ينبغي للوالي أن يولي الخراج رجلاً يرفق بهم ويعدل عليهم في خراجهم ولا يعذبهم".
وقال أبو ثور: ويرفق بهم في الإستبراء، ولا يضربون ولا يحبسون إلا أن يمنع ذلك، وهو سائر فعاقبه الإمام بحبس أو أدب.
قال أبو بكر: ويرفق في ذلك بهم للحديث الذي رويناه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -.

(4/52)


(ح 829) أنه قال: "من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير".

14 - باب ما يؤمر به أهل الذمة من تغيير الزي خلاف المسلمين
م 1828 - جاء الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأخبار يأمرهم أن يختموا في رقاب أهل الذمة بالرصاص، ويصلحوا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا الأكف [1/ 164/ب] عرضاً ولا يشبهوا بالمسلمين في ركوبهم.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر في أهل الذمة أن يحملوا على الأكف وأن يجزوا نواصيهم.
قال الشافعي: "ينبغي للإمام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم ويأخذ منهم، وعلى أن لا يحدثوا في مصر من أمصار المسلمين كنيسة، ولا مجتمعاً لصلاتهم، ولا ضرب ناقوس، ولا إدخال خنزير، ولا يحدثون ما يطيلون به بناء المسلمين، وأن يعرفوا بين هيأتهم في الملبس

(4/53)


والمركب وبين هيأت المسلمين، وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم، ولا يظهروا الصليب ولا الجماعات في أمصار المسلمين".
وقال أصحاب الرأي: ينبغي أن لا يترك أحد من أهل الذمة يتشبه في لباسه ولا مركبه ولا في هيئته بالمسلمين، ويجعل في وسط كل إنسان منهم كستنجا مثل الخيط الغليظ، ويعقد على وسطه، وأن يؤخذوا بأن يلبسوا قلانساً مضربة، وأن يركبوا البروج على فريوس السروج مثل الرمانه، وأن يجعلوا شرك نعالهم مثلثة، ولا يتخذوها على حذاء المسلمين، ولا يلبسوا طيالسة مثل طيالس المسلمين، ولا أردية مثل أردية المسلمين.
وقال أحمد: وقيل له: للنصارى أن يظهروا الصليب أو يضربوا بالنواقيس؟ قال: ليس لهم أن يظهروا شيئاً ليس في صلحهم.
قال إسحاق: ليس لهم أن يظهروا الصليب أصلاً لما نهى عمر بن الخطاب عن ذلك، ويقولون: إن أظهرنا الصليب إنما هو دعاء يدعوهم إلى ديننا فيمنعون أشد المنع.

15 - باب الامتناع من أخذ الجزية من الكتابي على سكنى الحرم ودخوله
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا

(4/54)


الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} لآية.
م 1829 - وروينا عن الحسن البصري أنه قال: نجس قذر، وقال قتادة: نجس أي أخباث.
وقال أبو عبيدة (1): "وكل نتن وطفس نجس".
وقال جابر بن عبد الله في هذه الآية "إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الجزية".
وقال قتادة كما قال جابر، وقال مرة جابر في الآية: "لا يقربه مشرك".
وقال ابن المسيب: قد كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو مشرك، غير أن ذلك لا يحل في السجد الحرام لما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} الآية.
وقال الشافعي: "لا يدع مشرك أن يطأ الحرم بحال من [1/ 156/ألف] الحالات طبيباً كان أو صانعاً بنياناً كان أو غيره، فإن اغفل فدخلها رجل منهم فمرض، أخرج مريضاً أو مات أخرج ميتاً ولم يدفن بها، ولو دفن بها، نبش ما لم يتغير".
__________
(1) في الأصل "أبو عبيد" والتصحيح من الأوسط 11/ 21, كتاب الجزية.

(4/55)


16 - باب منع أهل الذمة سكنى الحجاز
(ح 830) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً.
(ح 831) وقال "لا يترك بجزيرة العرب دينان".
م 1830 - وأجلى عمر بن الخطاب المشركين من جزيرة العرب، وقال: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، وضرب لمن قدم منهم أجلا قدر ما يبيعون سلعهم.
وروينا أن أهل نجران جاءوا إلى علي فقالوا: شفاعتك بلسانك، وكتابك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردها إلينا، فقال: ويلكم أن عمر كان رشيد الأمر، فلا أغير شيئاً صنعه عمر، وروينا عن علي أنه قال لما ورد الكوفة، قال: ما جئت لأحل عقدة شدها عمر، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب ضرب لليهود، والنصارى، والمجوس إقامة ثلاثة أيام يتسوقون بها، يعني بالمدينة، وبه قال مالك، والشافعي.

(4/56)


وقال مالك: وأرى أن يحلوا من المدينة، ومكة، واليمن، وأرض العرب؛ لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لا يبقين دينان بأرض العرب، وقد أجلاهم عمر من فدك، ونجران.
وقال الشافعي: "وليست اليمن بحجاز، فلا يجعلهم أحد من اليمن، وسائر البلدان ما خلا الحجاز، وقال الشافعي: وإن سأل من لم يؤخذ منه الجزية أن يعطيها على أن يسكن بالحجاز لم يكن ذلك له، والحجاز مكة، والمدينة، واليمامة ومخالفيها كلها، ولا يتبين لي أن يحرم أن يمر ذمي ماراً لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال، وذلك مقام مسافر، واحتج (1) بعمر في ذلك".

17 - باب إسقاط الصدقة عن أهل الذمة
أخبرنا أبو بكر قال:
م 1831 - كان مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي وكل من يحفظ قوله عنه من أهل العلم يقولون: ليس على أهل الذمة صدقة في أموالهم، إلا ما ذكرناه من أمر النصارى بن تغلب، وإلا ما يؤخذ من أهل الذمة فيما يريدونه من التجارات إذا دخلوا في بلاد المسلمين.
__________
(1) في الأصل "واعتل" والتصحيح من حاشية المخطوط.

(4/57)


18 - باب أرض السواد
قال الله جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية.
(ح 832) وثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا أن أترك آخر الناس بيانا لا شيء لهم ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر.
م 1832 - واختلفوا في هذا الباب، فروينا عن الزبير بن العوام أنه أمر عمرو بن العاص أن يقسم بينهم مصر لما فتحها، وبه قال الشافعي، [1/ 165/ب] وأبو ثور.
وقالت طائفة: الإمام بالخيار في كل أرض أخذت عنوة إن شاء يقسمها قسمها كما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بخيبر، وإن شاء أن يجعلها فيئاً فلا يقسمها ولا يخمسها، ويكون موقوفة على المسلمين عامة كفعل عمر بن الخطاب بالسواد، فعلى هذا صح قول الثوري، وأبي عبيد.
وقال أحمد: السواد جعلها عمر للناس عامة، وكان لا يرى بأساً أن يستأجر أرض السواد ممن هي في يديه، وكان يقول: أرض السواد
والدخول فيها كان الشراء أسهل، يشتري الرجل قدر ما يكفيه ويغنيه.

(4/58)


من الناس هو رجل من المسلمين، وكره أبو عبد الله البيع في أرض السواد.
وأنكر أبو عبيد أن يكون عمر استطاب أنفس القوم، وكان الشافعي يميل إلى أن عمر استطاب أنفس القوم.
قال أبو بكر: وجاءت الأخبار عن عمر بن الخطاب مختلفة، وأصحها وأظهرها معنى أنه رأى أن يوقفها على المسلمين، يدل على ذلك الأخبار الثابتة عنه.
وقد ذكرناها في كتاب الجهاد.

19 - باب إسلام الرجل من أهل الخراج وما يجب عليه فيما تخرجه أرضه
م 1833 - واختلفوا في الرجل الكتابي يسلم وبيده أرض الخراج زرعها.
فقالت طائفة: عليه العشر، لأن العشر في الحب، والخراج على الأرض، روينا هذا القول عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال الزهري، والمغيرة، ويحيى الأنصاري، وربيعة، ومالك، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن المبارك، ويحيى بن آدم، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.
وقال أصحاب الرأي في أرض الخراج: لا يجب فيما أخرجت عشر، ولا نصف العشر.
وفي كتاب ابن الحسن قلت: أرأيت المسلم يشتري من الكافر أرضاً من أرض الخراج أيكون عليه العشر؟ قال: لا، ولكن عليه الخراج، ولا يجتمع العشر والخراج جميعاً في أرض.

(4/59)


قال أبو بكر: فرض الله الزكاة في غير آية من كتابه، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
(ح 833) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.
(ح 834) وقال: فيما سقت السماء العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر.
قال أبو بكر: فلا يجوز ترك كتاب الله، ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بحالٍ من الأحوال.

20 - باب شراء المسلم أرضاً من أرض السواد [1/ 166/ألف]
م 1834 - واختلفوا في المسلم يشتري أرضاً من أرض السواد.
فمنعت طائفة من بيع ذلك، وأبطل بعضهم البيع، وممن أنكر بيع الأرض التي فتحت عنوة مالك بن أنس، وأنكر على الليث بن سعد دخوله

(4/60)


فيما دخل فيه من أرض مصر، وقال أبو عبيد: "قد تتابعت الأخبار بالكراهية لشراء أرض الخارج".
وقال الأوزاعي: لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شرى أرض الجزية، ويكرهه علماءهم.
وقال النعمان: وقد سئل أيكره أن يودي الرجل الجزية على خراج الأرض؟ قال: لا، وقال النعمان: إنما الصغار خراج الأعناق، وبه قال يعقوب.
وكان الشافعي يقول: "أما خراج الأرض فلا يتبين به صغار، وهو يشبه أن يكون ككري الأرض بالذهب والفضة، وقال الثوري: ما كان من أرض صولح عليها، ثم أسلم أهلها بعد، وضع عنه الخراج، وما كان من أرض أخذت عنوة، ثم أسلم صاحبها، وضعت عنه الجزية، وأقر على أرضه الخراج.

21 - باب الذمي (1) يشتري أرضا من أرض العشر
م 1835 - واختلفوا في الذمي يشتري أرضا من أرض العشر.
فقالت طائفة: لا شيء، عليه فيها، لأن العشر إنما يجب على المسلمين طهورا لهم، وليس على أهل الذمة صدقة في زروعهم، هذا قول مالك بن أنس، وحكى عنه أنه قال: ولكن يؤمر ببيعها لأن
__________
(1) في الأصل "الذي".

(4/61)


في ذلك إبطالا للصدقة، وحكى عن الحسن بن صالح، وشريك وهو قول الشافعي.
وكان أبو ثور يجبر على بيعها.
وفيه قول ثان: وهو أن الذمي إذا اشترى أرض عشر تحولت أرض خراج، هكذا قال النعمان، وقال يعقوب: "يضاعف عليه العشر مضاعفاً وإن اشتراها مسلم بعد ذلك منه، كان عليه العشر مضاعفاً في قول النعمان، وزفر" (1).
م 1836 - وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن كل أرض أسلم عليها أهلها قبل أن يقهروا عليها أنها لهم، وأن أحكامهم أحكام المسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم. وأن عليهم فيما زرعوا الزكاة، وكذلك ثمارهم وسائر أموالهم.
م 1837 - ولا أعلم يختلفون أن لا شيء على أهل الذمة في منازلهم، ودورهم، ورقيقهم، ولا في شيء من أموالهم، إلا ما ذكرناه عنهم من القول في بني تغلب إلا ما يمرون به على العاشر، وقد ثَبّتُ ذلك في كتاب الزكاة.
__________
(1) كذا في كتاب الأصل المخطوط 6/ 123/ ألف.

(4/62)