الإشراف على مذاهب العلماء

41 - كتاب تعظيم أمر الغلول [1/ 166/ب]
قال الله جل ذكره: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية.
قال أبو بكر:
م 1838 - وقد اختلف في معنى قوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} وفي قراءته.
فكان ابن عباس يقرأ يُغل، وكذلك قرأها أبو وائل، وأبو عبد الرحمن السلمي، والكسائي.
وقد اختلف من قرأ هذه القراءة في معنى ذلك.
روينا أن قطيفة فقدت حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين،
فقال الناس: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}.
وقال بعض من قرأ هذه القراءة معناه: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغلَّ} يقسم لبعض ويترك بعضا، كذا قال الضحاك.

(4/63)


وروى عن ابن جريج وعن ابن عباس كذلك، وزاد: وأن يجوز في الحكم والقسم.
وقال محمد بن إسحاق معنا ثالثاً: ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس، ولا رغبة، ومن يغلل أي يفعل ذلك يأتي بما غل يوم القيامة.
وكان الحسن البصري يقرأ: يغل: يخان، وكذلك قال النخعي،
وقال مجاهد: يغل: يجوز، وقال قتادة: يغل: يغله أصحابه.
وقال بعضهم: كلا القراءتين صواب، وهو أن يخان أو يخون.
وقال الضحاك في قوله: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ} الآية قال: من لم يُغل، {كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} الآية.

1 - باب التغليظ في الغلول
(ح 835) ثبت أن عبداً لرسول الله أصابه سهم فمات، وكان غل شملة يوم خيبر، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: كلا والذي نفسي بيده أن الشملة التي غلها يوم خيبر من المغانم، لم تصيبها المقاسم تشعل عليه نارا، فجاء رجل بشراك أو شراكين، فقال

(4/64)


رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: شراك أو شراكان من نار.
(ح 836) وثبت أن رجلاً توفي في يوم خيبر وأنهم ذكروه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه القوم لذلك، فزعم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إن صاحبكم قد غل في سبيل الله"، ففتحنا متاعه، فوجدنا خرزات من خرز اليهود ما يساوي درهمين.

2 - باب ما يعاقب به الغال من تحريق رحله
(ح 837) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من غل فاضربوه واحرقوا رحله".
م 1839 - واختلفوا فيما يفعل بالغال.
فقالت طائفة: يحرق رحله، كذلك قال الحسن البصري، ومكحول، [1/ 167/ألف] وسعيد بن عبد الملك، والوليد بن هشام، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.

(4/65)


وقال الحسن البصري: "ألا أن لا يكون حيواناً أو مصحفاً" لا يحرق ما غل ويحرق متاعه الذي غزا به وسرجه، وإكافه، ولا تحرق دابته، ولا نفقته إن كانت في خرجه، ولا سلاحه، ولا ثيابه التي عليه، وما أبقت النار من حديدة أو غيرها فصاحبه أحق به أن يأخذه، ويغرم إن كان استهلك ما غل، فإن رجع الغال إلى أهله احترق متاعه الذي غزا به.
وقال في الغلام الذي لم يحتلم يغل: لا يحرق متاعه، ويحرم سهمه، ويغرم إن كان استهلك ما غل، والمرأة يحرق متاعها إن غلت، والعبد إذا غل رأي الغمام في عقوبته ولا يحرق متاعه؛ لأنه لسيده، وإن استهلك ما غل فهو في رقبة العبد، إن شاع مولاه أفتكه وإن شاء دفعه لحياته، ولا أرى بأسا أن يحرق متاع المعاهد إن غل، هذا قول الأوزاعي، وقال في الرجل الذي يوجد معه الغلول فيقول: ابتعته، لا يحرق متاعه إذا دخلته شبهة.
وقال أحمد: لا تحرق ثيابه التي عليه، ولا سرجه، ولا يحرق ما يلبسه من سلاحه.
وقالت طائفة: لا يحرق رحله، ولا يعاقب في ماله، هذا قول مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وكان الليث بن سعد يرى عليه العقوبة، وكذلك قال الشافعي إذا كان عالما بالنهي، وقال الشافعي: لا يعاقب الرجل في ماله إنما يعاقب في بدنه، وقد ذكرت حجة الذين

(4/66)


رأوا العقوبات في الأموال في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب.

3 - باب توبة الغال وما يصنع بما غل
م 1840 - أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب القسم إذا وجد السبيل ولم يغرق الناس.
م 1841 - واختلفوا فيما يفعل به إذا افترق الناس، ولم يصل إليهم.
فقالت طائفة: يرفع إلى الإمام خمسة ويتصدق بالباقي، هذا مذهب الحسن البصري، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وروينا معنى ذلك عن معاوية بن أبي سفيان، وروينا عن ابن مسعود أنه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه، وروينا معنى ذلك عن ابن عباس.
وقال أحمد في الحبة، والقيراط يبقى على الرجال للبقال، ولا يعرف موضعه، يتصدق به، وكان الشافعي يرى الصدقة به، وقال: "لا أعرف لقول من قال: "يتصدق به"، وجها [1/ 167/ب] وإن كان

(4/67)


مالاً له فليس له أن يتصدق، وإن كان مالاً لغيره فليس له الصدقة بمال غيره".

4 - باب ما هو مباح أخذه وخارج من أبواب الغلول
(ح 838) ثبت عن عبد الله بن مغفل أنه قال: دلي جراب من شحم يوم خيبر فذهبت ألتزمه وقلت: لا أعطى اليوم أحداً منه شيئاً، فالتفت فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يبتسم إلي.
م 1842 - وقال ابن عمر كنا نصيب العسل، وذكر الفاكهة في مغازينا فنأكله ولا نرفعه.
م 1843 - وأجمع عوام أهل العلم إلا من شذ عنهم، على أن للقوم إذا دخلوا الحرب أن يأكلوا طعام العدو، وأن يعلفوا دوابهم من أعلافهم، وممن رخص في الطعام من طعام العدو سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، والبصري، والقاسم، وسالم.
م 1844 - ورخص في العلف الحسن البصري والقاسم، وسالم، والشعبى، والثوري، والأوزاعي، والشافعي.
م 1845 - ورخص مالك والثوري، والليث، والأوزاعي، والشافعي في أكل الطعام في بلاد العدو.

(4/68)


م 1846 - وذبح الأنعام من الإبل، والبقر، والغنم للأكل جائز في قول مالك، والليث، وجماعة من أهل العلم.
م 1847 - وكان الزهري يقول: لا يؤخذ الطعام في أرض العدو إلا بإذن الإمام، وقال سليمان بن موسى: لا يبقى الطعام بأرض العدو، ومن سبق إلا شيء أخذه إلا أن ينهى الأمير عن شىء، ترك لنهيه.
وكان مكحول يأكل بما جاء به أعوانه من الطعام مما أصابوه دون المسالح، ولا يأكل ما جاءوا به فيما يخلف المسالح.
قال أبو بكر: وقد ذكرنا ما حضرنا من الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في تعظيم أمر الغلول والتغليظ فيه، ثم ذكرنا ما دل على إباحة الطعام وما عليه حمل أهل العلم منه، فالطعام هو المرخص فيه من بين الأشياء، والعلف في معناه، وليس لأحد أن ينال من أموال العدو، وشيئاً سوى الطعام للأكل، والعلف للدواب، وكل مختلف فيه بعد ذلك من ثمن طعام، أو فضله طعام يقدم به إلى أهله، أو جراب، أو حبل، وغير ذلك مردود إلى قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
(ح 839) "أدوا الخيط والمخيط".

(4/69)


5 - باب كراهة بيع الطعام وأخد ثمنه
م 1848 - روينا عن فضالة بن عبيد أنه قال في الطعام: ما بيع منه بذهب، أو فضة، أو غيره ففيه خمس الله وسهم المسلمين. وهذا قول سليمان بن موسى، والثوري، والشافعي، وكره القاسم [1/ 168/ألف] وسالم، ومالك بيعه.
وروينا عن عبد الرحمن بن معاذ بن جبل أنه قال: كلوا لحم الشاة وردوا إهابها إلى المغنم، فإن له ثمناً، وبه قال الليث.
وكره أحمد شرى العلف من علف الروم وأبَى أن يرخص فيه.

6 - باب النعل يتخذه الرجل من جلد الثور، والجراب يتخذه من الإهاب، وغير ذلك
م 1849 - واختلفوا في النعل يتخذه الرجل من جلود البقر، والجراب من الإهاب، فروينا عن سلمان أنه رخص في الجراب يتخذ من أهب الغنم، والشعر يتخذ منه الحبل. ورخص في جلود البقر يتخذ منها النعل مالك، والأخفاف يتخذ من الجلود كذلك.
وكره ذلك يحيى بن أبي كثير، وإسماعيل بن عياش، والشافعي.

(4/70)


وقال الشافعي: "فإن أتلفه فعليه قيمته، وإن انتفع به فعليه ضمانه حتى يرده، وما نقصه الانتفاع فأجر مثله، إن (1) كان لمثله أجر".
م 1850 - ورخص مالك في الإبرة يأخذها الرجل من الغنم، وقال: أراه خفيفاً.
وقال الشافعي: ذلك محرم.
وبقول الشافعي نقول، وحجة قوله: "أدوا الخيط والمخيط".
م 1851 - واختلفوا في صيد الطير من أرض العدو، فقال مالك: إذا باعه أدى ثمنه إلى صاحبه.
وقال الشافعي: إذا كان صيداً ليس بملك لأحد، فهو لآخذ، وقد روينا عن القسم، وسالم أنهما قالا بقول الشافعي.
وقال الأوزاعي في الحطب يحتطبه الرجل في أرض العدو، والحشيش يختشه، إن باعه فله ثمنه، ولا خمس فيه، وكذلك قال فيما لم يحرزوه في بيوتهم نحو الشجر، والأقلام، والأحجار، والمسن، والأدوية، إن لم يكن لشيء منها ثمن أخذه من شاء، وإن عالجه، وصار له ثمن، هو له ليس فيه شيء. وبه قال مكحول، وهو قول الشافعي. وإن كان له ثمن حين أخذه مما ليس ملك لهم.
وقال الثوري في ذلك: إذا جاء به إلى دار الإِسلام، فكان له ثمن دفعه إلى المقسم وإن لم يكن له ثمن حين عمله فعالجه، أعطى بقدر عمله فيه، وكان بقيته في المقسم.
__________
(1) في الأصل "وإن كان".

(4/71)


وكان مالك يرخص في العصا، والدواء يأخذه الرجل، وقال: لا أحب الرخام، والمسن؛ لأنه لم ينل لجماعة الجيش، وسهل في السرج يصنعه، والنشاب.
وقال أصحاب الرأي: كل شيء أصابه المسلمون في دار الحرب مما له ثمن مما في عسكر أهل الحرب، أو مما في الصحاري، والغيطان، والغياض، فهو في الغنيمة لا يحل لأحد [1/ 168/ب] كتمه، ولا يغله من قبل أنه لم يقدر على أخذه إلا بالجند، ولا على مبلغة حيث بلغ إلا بجماعة أصحابه.
وقال أحمد: من أصاب في بلاد الروم مما ليس له هناك قيمة قال: لا بأس بأخذه.
قال الشافعي: "لا يوقح الرجل دابته، ولا يدهن أشعارها من دهان العدو، فإن فعل رد قيمته، والأدوية كلها ليس من حساب المأذون له، والزنجبيل مثله، فأما الألايا فطعام يؤكل".
قال أحمد في الزيت من زيت الروح: إذا أكل من صداع، أو ضرورة فلا بأس، فأما التزين فلا يعجبني.

7 - باب بيع الطعام بالطعام، والطعام يفضل منه فضله
م 1852 - واختلفوا في بيع الطعام، بالطعام، فكان مالك يقول: "لا بأس بالبدل، فأما البيع فلا أرى ذلك".

(4/72)


ورخص في البيع الليث بن سعد.
و [قال] (1) الشافعي: "إذا بايع من حضر الغنيمة بعضهم بعضا، فأما إن دخل رجل لم يشركهم في الغنيمة فبايعه لم يجز له بيعه، والبيع مردود".
م 1853 - واختلفوا في الطعام يأخذه المرء فيفضل منه فضلة، فكان الثوري، والشافعي يقولان: يرد ذلك إلى الإمام، وقد قال الشافعي مرة: إن الذي قاله الأوزاعي من أن ينصرف بفضل الطعام أقرب للقياس.
وقالت طائفة: له أن يحمله إلى أهله، ويهدى بعضهم لبعض، هذا قول الأوزاعي. قال: فأما البيع فلا يصح، فإن باعه وضع ثمنه في مقاسم المسلمين، فإن فات ذلك يصدق بها عن ذلك الجيش، ورخص سليمان بن موسى في الطعام يحمله الرجل إلى أهله.
وقال أبو ثور: فيها قولان: أحدهما أن له ذلك، والثاني: أن يرده إلى الغنيمة، والأول أحبها إلى.
وقال الليث بن سعد: أحب إلى إذا دنا من أهله أن يطعمه أصحابه.
وقال مالك: أما الخفيف من ذلك فلا بأس، إنما هي فضلة زاد تزود، مثل الخبز، واللحم إذا كان يسيراً لا بال له.
وسهل أحمد في القليل منه، وكرهه إذا كثر، وقال النعمان: إن كانت الغنيمة لم تقسم أعاده فيها، وإن قسمت باعه، وتصدق به.
__________
(1) ما بين المعكوفين زيد من عندي.

(4/73)


8 - باب الانتفاع بالمغانم في وقت الحاجة ومعمعة الحرب
(ح 840) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال في غزوة خيبر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من المغانم حتى إذا أنقصها ردها في المغانم، ولا ثوباً يليس حتى إذا أخلقه رده [1/ 169/ألف] في المغانم.
قال أبو بكر: فاستعمال دواب العدو، ولباس ثيابهم غير جائز على ظاهر هذا الحديث، إلا أن يجمع أهل العلم من ذلك على شيء فيستعمل على ما أجمع عليه أهل العلم منه، لعلة ما، ولحال الضرورة في معمعة الحرب، فإذا انقضت الضرورة وزالت العلة التي بها أجمعوا على إباحة ذلك، رجع الأمر إلى الحظر، ووجب رد ذلك إلى جملة المغانم.
م 1854 - وممن رخص في استعمال السلاح في معمعة الحرب، وفي حال الضرورة مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، والنعمان، ويعقوب.
والجواب في الفرس يقاتل عليه في حال الحرب كالجواب في السلام، غير أن الأوزاعي قال: لا يكون ذلك بإذن الإمام إلا أن يقدر على ذلك فيكون ضرورة.

(4/74)


9 - باب الشيء يدركه صاحب المقسم أو الدابة يعجز صاحبها عن سوقها فيدعها
م 1855 - كان الليث بن سعد يقول: من ترك دابة قامت عليه بمضيعة لا تأكل ولا تشرب، فهي لمن أخذها، أو أحياها، إلا أن يكون تركه وهو يريد أن يرجع إليه فرجع مكانه فهو له.
وقال الحسن بن صالح في الرجل يأكل الثمر ويرمى النوى: إن النوى لمن أخذه، وكذلك كل شيء سوى النوني خلا عنه وتركه، وأباحه للناس من دابة أو غير ذلك، فإذا أخذه إنسان، فليس لرب المال (1) أن يرجع فيه.
وقال مالك في القصعة وأشباه ذلك، تلقى من المغانم يأخذها الرجل: أراها له، ولا أرمى فيها خمسا.

10 - باب الركاز يجده الرجل في دار الحرب
م 1856 - واختلفوا في الركاز يوجد في دار الحرب.
فقالت طائفة: هو بين الجيش، كذلك قال مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد.
وقال الشافعي: هو للواجد، إذا كان في غير أملاكهم، ومن الأرض المواث.
وقال النعمان: إذا دخل رجل بأمان فوجد ركازاً في الصحراء فهو له، وليس عليه خمس.
وقال يعقوب، ومحمد: فيه الخمس.
__________
(1) في الأصل "فلرب المال" والتصحيح من الأوسط 11/ 81.

(4/75)


11 - باب قسم خمس الغنيمة
أخبرنا أبو بكر بن محمد بن ابراهيم قال: قال الله جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية.
م 1857 - واختلفوا في معنى قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فقال غير واحد في قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} مفتاح [1/ 169/ب] كلام الله، لأن لله الدنيا والآخرة، وله كل شيء، وإن خمس الخمس خص الله به رسوله، حضر الرسول الغنيمة أو لم يحضرها.
وكان الحسن بن محمد بن الحنيفة يقول: هذا مفتاح كلام.
وقال عطاء، والشعبي: خمس الله وخمس رسوله واحد.
قال أبو بكر: فمن هذا مذهبه يرى أن الغنيمة تجب قيمتها على خمسة أخماس، وأربعة أخماسها لمن قاتل عليها، أو يقسم الخمس على خمسة أخماس، خمس لله والرسول، وخمس لقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في حياته، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل.
وفيه قول ثان: "وهو أن الغنيمة كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقسمها على خمسة أسهم فيعزل منها سهماً ويقسم الأربعة بين الناس، ثم يضرب بيده في السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سمى لا تجعلوا لله نصيباً فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم، سهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وسهم لذوي القربى،

(4/76)


وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل" هكذا قال أبو العالية.
وقال قائل: يقسم الخمس على ستة أسهم، سهم لله، وسهم للرسول، والأربعة أسهم للذين سموا في الآية، قال: فالسهم الذي مردود على عباد الله أهل الحاجة منهم.
وقد احتج بعض من يقول بالقول الأول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(ح 841) "والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم".
قال أبو بكر: فدل قوله هذا على أن الخمس له، وأن قوله "لله" مفتاح كلام، كما قال الحسن بن محمد، وغيره.

12 - باب ما خص الله به لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فجعلها له من جملة الغنيمة في حياته
قال أبو بكر:
م 1858 - خص الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأشياء ثلاثة: أحدها خمس الخمس خصه به من بين الناس، وجعل له سهماً في الغنيمة كسهم رجل ممن حضر الغنيمة حضرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غاب عنها.

(4/77)


وخصه بالصفي، جعل له أن يختار من جملة الغنيمة فرساً، أو عبداً، أو أمة، أو سيفاً، أو ما شاء، ولم يجعل ذلك لغيره، فأما ما جعله له من الخمس، فقد ذكر ذلك من كتاب [الله] عز وجل، ومن سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -[1/ 170/ألف] وأما الصفي.
(ح 842) ففي حديث ابن عباس: قدم وفد عبد القيس فذكر الحديث، وقال: وتعطوا من المغانم سهم النبي- صلى الله عليه وسلم - والصفي.
(ح 843) وفي حديث عائشة: كانت صفية من الصفي، وأما سهمه الذي جعل له من المغانم شهد أو غاب ففي:
(ح 844) حديث العرباض: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ الوبرة من فيء الله، فيقول: ما لي من هذا إلا مثل ما لأحدكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم، فقوله: "إلا ما لأحدكم" يريد: إني إن كنت فارساً فمثل ما للفارس أو راجلاً فمثل ما للراجل منكم.

13 - باب ما يفعل بسهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته
(ح 845) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: "مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس،

(4/78)


والخمس مردود فيكم".
م 1859 - واختلفوا فيما يفعل بسهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته.
فقالت طائفة: يرد على الذين كانوا معه في الخمس، فيقسم الخمس بينهم أرباعا، وذلك أنهم قالوا: إذا فقد صنفاً من سائر الأصناف الذين معه في الخمس رددنا سهمهم على الآخرين، فكذلك سبيل سهمه كما مضى، فسبيله أن يرد على الآخرين.
وقالت طائفة: يرد سهمه إلى الذين شهدوا الواقعة أو وجب لهم أربعة أخماس الغنيمة بين الأصناف الأربعة أرباعا كما كان لهم في الأصل.
وقالت طائفة: هو للخليفة بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقوم مقامه في ذلك فيصرفه فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرفه فيه.
(ح 846) وروى عن أبي بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما أطعم نبياً طعمه، ثم قبضه الله فهو للذي يقوم بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين.
وقالت طائفة: يجعل في الخيل، والعدة في سبيل الله.
قال الحسن بن محمد: "اختلفوا بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في هذين السهمين يعني سهم الرسول، وسهم ذوي القربى، فقال قائل: سهم ذي القربى لقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال قائل: سهم النبي عليه السلام للخليفة بعده، وقال قائل: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة، فأجمع رأيهم على

(4/79)


أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل، والعدة في سبيل الله، فكانا في خلافة أبي بكر وعمر في الخيل والعدة في سبيل [1/ 170/ب] الله".
وقال أحمد في سهم الله والرسول: هى في السلاح والكراع، وقال قتادة في سهم ذوي القربى: كانت طعمه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -في حياته، فلما توفي حمل عليه أبو بكر، وعمر في سبيل الله.
وقال الشافعي: "والذي اختار في سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أن يضعه الإمام في كل أمر خص به الإِسلام وأهله من سد ثغر، أو إعداد كراع، أو سلاح أو إعطائه أهل البلاد في الإسلام نفلا عند الحرب، وغير ذلك".
وقالت طائفة: الغنيمة مقسومة على خمسة أربعة أخماس من الخمس للجيش، وخمس يقوم على ثلالة بين اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، هذا قول أصحاب الرأي.
وكان أبو ثور يقول قولاً، أعلم أحداً سبقه إليه، قال: وإن كان الصفي كان ثابتاً للنبي عليه السلام فللإمام أخذه على نحو ما كان يأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم -، ويجعل بجعل سهم النبي- صلى الله عليه وسلم - من الخمس.
وقال أحمد: الصفي إنما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة.

14 - باب سهم ذي القربى واختلاف أهل العلم فيه
(ح 847) روينا عن جبير بن مطعم أنه قال: وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سهم ذي

(4/80)


القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، وذكر الحديث.
م 1860 - واختلفوا في سهم ذي القربى.
فقالت طائفة: سهم ذي القربى بقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم وبني المطلب دون سائر قرابته، هذا قول الشافعي، وأبي ثور.
قال الشافعي: "فيعطى جميع سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب حيث كانوا لا يفضل أحد منهم حضر القتال على أحد أو لم يحضره".
روينا عن ابن عباس أن محمد بن الحنفية كتب إليه يسأله عن ذي القربى الذين ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه، فكتب إليه إنا نرى أن أنا (1) قرابة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - إياهم، فأبي ذلك علينا قومنا، وقال محمد بن الحنفية في سهم ذي القربى هو لنا أهل البيت.
وقد روينا أن عمر بن عبد العزيز لما قدم بعث إليهم بهذين السهمين سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وسهم ذي القربى يعني بني هاشم.
وقالت فرقة: يجعل سهم الرسول وسهم ذي القربى في الخيل والعدة في سبيل الله، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.
وممن مذهبه أن الخمس يقسم أخماساً فيما مضى خمس لله، وللرسول يضعه النبي- صلى الله عليه وسلم - حيث شاء، وخمساً لذوي قرابة النبي- صلى الله عليه وسلم -، ولليتامى
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، وثبت في صحيح مسلم أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كتب إلى نجدة الحروري، يجيبه عن مسائله، وفيه «إِنَّكَ سَأَلْتَ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ قَرَابَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ نَحْنُ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا»

(4/81)


خمسة، وللمساكين خمسة، ولابن السبيل خمسة مجاهد، وقتادة، وابن جريج [1/ 171/ألف].
وقال مالك: الفيء، والخمس سواء يجعلان في بيت المال.
قال ابن القاسم: "وبلغني عمن أثق به أن مالكاً قال: ويعطي الإماء أقرباء رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على ما يرى ويجتهد".
وقال الثوري: الغنيمة ما أخذه المسلمون قهراً من الكفار، فالخمس في ذلك إلى الإمام يضعه حيث أراه الله.
وقال أصحاب الرأي: سهم الرسول، وسهم ذي القربى سقطا بموت النبي- صلى الله عليه وسلم -، ويجب رد سهامها على الثلاثة الأسهم، سهم اليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.

15 - مسائل من هذا الكتاب
م 1861 - واختلفوا فيما يعطاه الذكر، والأنثى من ذوي القرابة.
فكان الشافعي يقول: يعطى الرجل سهمين، والمرأة سهم، وخالفه أصحابه أبو ثور، والمزني وغيرهما، فقالوا: الذكر والأنثى فيه سواء.
قال أبو بكر: وهذا أصح، لأنهم أعطوا باسم القرابة، الرجل يوصي لبني فلان بثلاثة، وهم يحصون أن الذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء، ألا ترى أن الأب يأخذ مع الجد، وابن الابن يأخذ مع الابن، وكل هذا يدل على أن ذلك ليس على المواريث.

(4/82)


م 1862 - واختلفوا في إعطاء الغني منهم.
فكان الشافعي يقول: لا يفضل فقير على غني لأنهم أعطوا باسم القرابة، وبه قال أبو ثور.
وقد روينا عن مكحول أنه قال: الخمس بمنزلة الفيء فيعطى منه الغني، والفقر.
وقال بعض أصحاب الشافعي: لا حظ فيه لغني.
قال أبو بكر: فقول الشافعي صحيح.

16 - أبواب الأسلاب
قال الله جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}.
فكان اللازم على ظاهر الآية أن إخراج الخمس من جميع الغنيمة للجيش يجب على ظاهر الآية، فلما قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب، دل على أن الله إنما أراد بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} لبعض الغنيمة لا الجميع، وان الأسلاب خارج من جملتها.

الاختلاف في هذا الباب
م 1863 - واختلفوا في إخراج السلب من جملة الغنيمة.
فقالت طائفة: يخرج السلب من جملة الغنيمة قبل أن يخمس، هذا

(4/83)


قول الشافعي، أحمد.
وفيه قول ثان: وهو أن الأسلاب إذا كثرت تخمس، فعل ذلك، عمر بن الخطاب، وبه قال إسحاق، إن ذلك إلى الإمام إن استكثر فله أن يفعل كما فعل عمر بن الخطاب.
وكان [1/ 171/ب] مكحول يقول: السلب مغنم وفيه الخمس.
وقال الأوزاعي: بلغني أن عمر بن الخطاب، أمر بخمس السلب.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول لأخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الدالة على ما قلنا.
وقالت طائفة في النفل: لا يكون إلا بعد الخمس.
روينا أن أميراً من الأمراء أراد أن ينفل أنس بن مالك من المغنم، قال: أخمسه، قال: لا، فأبى أن يقبل منه حتى يخمسه.
وقد روينا عن عبادة بن نسي، ورجاء بن حيوة، وعدي بن عدي، ومكحول، والقاسم بن عبد الرحمن، ويزيد بن أبي مالك، ويحيى بن جابر أنهم قالوا: الخمس من جملة الغنيمة، والنفل من بعد الخمس، ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك، هذا قول الأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق.
وقال أبو عبيد: "والناس اليوم على أن لا نفل من جملة الغنيمة حتى تخمس".

(4/84)


وقالت طائفة: إن شاء الأمير نفلهم قبل الخمس، وإن شاء بعد الخمس، هذا قول النخعي.
وكان ابن المسيب يقول: لا تكون الأنفال إلا في خمس الخمس، قال مالك: وذلك رأيي أن النفل من الخمس.
وقالت طائفة: لا يكون النفل إلا في أول المغنم، روينا هذا القول عن رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وعدي بن عدي الكندي، ومكحول، وسليمان بن موسى، ويزيد بن يزيد بن جابر ويحيى بن جابر، والقاسم بن عبد الرحمن، ويزيد بن أبي مالك، والمتوكل بن الليث، وابن عتيبة المحاربي، أنهم كانوا يقولون: لا نفل إلا في الغنيمة.
وقال الأوزاعي: السنة عندنا أن لا نفل في ذهب، ولا فضة، لا لؤلؤ، ولا في أول الغنيمة، ولا سلب في يوم هزيمة، ولا فتح.
وقال سليمان بن موسى: لا نفل في أول شيء يصاب من المغنم، وأنكر أحمد هذا، وقال: النفل يكون في كل شيء، وبه قال إسحاق.
وقالت طائفة: لا نفل في العين المعلوم الذهب والفضة، كذلك قال سليمان ابن موسى، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر.

17 - باباً تكليف طالب البينة على أنه القاتل المستحق للسلب
(ح 848) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال عام الحنين: "من قتل قتيلاً له عليه بينة

(4/85)


فله سلبه".
م 1864 - وقد اختلف أهل العلم في السلب يدعيه (1) من يذكر أنه قاتل.
فقالت طائفة: من أصحاب الحديث: لا يعطى إلا ببينة؛ لأن مدع، واستدلت بهذا الحديث، ورأت أن يعطى من ثبت له شاهد واحد، ويحلف معه.
قال الليث بن سعد له سلبه إذا علم ذلك، وليس له من ماله [1/ 172/ألف] شيء سوى السلب الذي عليه.
وفيه قول ثان: وهو أن يعطاه إذا قال: إنه قتله ولا تقبل على ذلك بينة، هذا قول الأوزاعي.

18 - باب الحكم بالسلب القاتل مبارز أو غير مبارز
(ح 849) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: من قتل كافراً فله سلبه.
(ح 850) وأنه قال: من قتل فله سلبه.
__________
(1) في الأصل "يدعه" والتصحيح من الأوسط.

(4/86)


(ح 851) وأنه قضى بالسلب للقاتل.
م 1865 - وقالت طائفة: بظاهر هذه الأخبار، قالت: وفي قول النبي- صلى الله عليه وسلم - قولاً عاماً مطلقاً أبين البيان (1) على أن ذلك من قتل كافرا في الحرب، وغير الحرب في الإقبال، والإدبار، هارباً أو مدبراً لأصحابه على الوجوه كلها، وليس لأحد أن يخص من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً برأيه، ولا يستثنى من سننه إلا بسنه مثلها، ومن الحجة البنية مع ما ذكرناه خبر سلمة بن الأكوع، وذلك أن سلمة قتل القتيل وهو مولى هارب، وحكم له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلب.
(ح 852) قال سلمة: غزونا مع النبي- صلى الله عليه وسلم - هوازناً، فجاء رجل على بعير أحمر فأطلق حقباً من حقب البعير، فقيد بن البعير، ثم جاء حتى أكل مع القوم، ثم خرج إلى بعيره فأطلقه وقعد عليه، وهو طليقة الكفار فركضه هارباً، فخرجت أعدوا في أثره حتى أخذت بخطام الجمل، وضربت رأسه، فاستقبلني النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال: لك سلبه أجمع.
قال أبو بكر: فهذا مقتول هارباً غير مقبل، وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - لقاتله بالسلب.
وهذا الحديث يلزم من زعم: أن السلب لا يكون لمن قتل مشركاً مقبلاً، لأن سلمة قتله مدبراً، ويلزم من قال؟ إن الذي لا يشك فيه أنه له سلب من قتل المشرك والحرب قائمة، لان سلمة قد حكم له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلب
__________
(1) في الأصل "بين البيان" , والتصحيح من الأوسط.

(4/87)


وصاحبه مدبر غير مقبل، والحرب ليس بقائمة، لان سلمة قتل منفرداً في غير حرب، والسلب للقاتل على ظاهر الأخبار، وعلى ظاهر خبر سلمة لكل قاتل، والله أعلم.
وهذا قول طائفة من أهل الحديث، وبه يقول أبو ثور، وبه أقول.
وكان الشافعي يقول: إنما يكون السلب لمن قتل والحرب قائمة، والمشرك مقبل.
قال أبو بكر: ولم يصح عنده حديث سلمة، ولو علمه لقال به ظهر لنا من مذاهبه.
وقال أحمد في السلب للقاتل: إنما ذلك في المبارزة لا يكون في الهزيمة.
قال أبو بكر: "والسلب للقاتل أذن فيه الإمام أو لم يأذن [1/ 172/ب] فيه على ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من قتل كافراً فله سلبه".
وممن قال بأن السلب للقاتل الليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأبو عبيد، وقال أحمد، وأبو عبيد: قاله الإمام أو لم يقله، وهكذا قال الشافعي.
قال أبو بكر: وفيه قول سواه: وهو أن ذلك لا يكون
لأحد [إلا] (1) بإذن الإمام، هكذا قول مالك.
م 1866 - وحكى الشافعي عن النعمان أنه قال في الرجل يقتل الرجل ويأخذ سلبه: لا ينبغي للإمام أن ينفله إياه؛ لأنه صار في الغنيمة.
وكان مسروق يقول: إذا التقى الزحفان فلا نفل، إنما النفل قبل وبعد.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الأوسط

(4/88)


وكان نافع مولى ابن عمر يقول: إذا قتل رجل من المسلمين رجلاً من الكفار فإن له سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال، أو في زحف، فإنه له يدري أحد قتل أحداً.
وقال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم: السلب للقاتل ما لم تشتد الصفوف بعضها على بعض، فإذا كان ذلك قتلاً فلا سلب لأحد.

19 - باب النفر يضربون الرجل ضربات مختلفة
م 1867 - واختلفوا في النفر يضربون الرجل ضربات مختلفة.
فإن الشافعي يقول: "إذا قطع رجل يديه ورجليه ثم قتله آخر فالسلب لقاطع اليدين والرجلين، وإن ضربه وبقي منه ما يمتنع به، ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر، إنما يكون السلب لمن صيره بجال لا يمتنع فيها".
وكان مكحول، وحريز بن عثمان يقولان: إذا قتل الرجل الرجل، وأجاز عليه آخر، فسلبه لمن قتله.
م 1868 - وقال الأوزاعي في مبارز عانق رجلاً وحمل عليه آخر، قال: سلبه للمعانق.
وفي قول الشافعي: سلبه للقاتل.

(4/89)


20 - باب السلب الذي يستحقه القاتل
م 1869 - في حديث أنس بن البراء بن عازب بن مالك بارز مرزبان المرازبة (1) فقتله فبلغ سواريه ومنطقته ثلاثون ألفاً، فقال عمر: إنا كنا لا نخمس الأسلاب ولكن سلب مرزبان مال، فكثره فخمسه.
وفي حديث سعد بن أبي وقاص أنه حكم سلب مقتول منطقة له وسيف، ورايتان، ودرع، وسواران للقاتل.
وكان مكحول يقول للمبارز القاتل سلب المقتول، فرسه بسرجه، ولجامه وسيفه، ومنطقته، ودرعه، وبيضته، وساعداه، وساقاه، ورأيته بما في ذلك كله من ذهب أو فضة أو جوهر، وما كان عليه من قرطه، وطوقه، وسواريه إن كان عليه بما فيهما من جوهر.
وقال الأوزاعي: له فرسه الذي قاتل عليه وسلاحه، [1/ 173/ألف] وسرجه، ومنطقته وقرطاه، وخاتمه، وما كان في سرجه، وسلاحه من حليّه. قال: ولا يكون له الهميان فيه المال، وإن كان قاتله على فرسه ثم نزل عنه فقاتله، ومقود فرسه في يده فقتله، لمن لكن له فرسه إلا أن يكون صرعه هو عن فرسه، فطعنه أو ضربه فيكون له إذا أشعره وهو على دابته فصرع أو نزل هو عن دابته بعدما أشعره فأقبل عليه فقاتله فقتله، كانت دابته له مع سلبه، وقال: له تاج إن كان على رأسه، وما كان مع العلم من دنانير أو ذهب، ليس له ما
__________
(1) كذا في الأصل, وفي الأوسط, وعند "عب" الزارة.

(4/90)


يتزين به لحربه، وفي منظقته نفقة، أو كمة، أو نكته، فلا شيء له في ذلك، هو مغنم بين الجيش.
وقال الشافعي: "السلب الذي يكون للقاتل كل ثوب عليه، وكل سلاح عليه، ومنطقته وفرسه، إن كان راكبه أو ممسكه، فإن كان مننعلتا منه، أو مع غيره فليس له، قال: فإن كان في سلبه أسوار من ذهب، أو خاتم، أو تاج، أو منطقة فيها ذهب فلو ذهب ذاهب إن هذا من سلبه كان مذهباً، ولو قال قائل: ليس هذا من عدة الحرب كان وجهاً".
وقال أحمد بن حنبل في المنطقة فيها الذهب والفضة هو من السلب، وقال: الفرس ليس من السلب، وقال في السيف: لا أدري.
وسهل الأوزاعي أن يسلبوا القتلى ويتركوهم عراة، وكره الثوري: أن يتركوا عراة.
قال أبو بكر: الذي قاله الثوري حسن.
م 1870 - واختلفوا في القاتل يكتم السلب خوفا أن لا يعطيه الإمام، فقال الأوزاعي: لا يأخذه إلا بإذنه، وقال أحمد: ما يعجبني أن يأخذه.
وفي قول الشافعي: له أن يأخذه وبه أقول.
م 1871 - وقال الأوزاعي في الأجير الذي إذا استؤجر للخدمة إن بارز فقتل صاحبه فله سلبه، وقال في رجل قتل قبل الفتح: إن له سلب ما كان، وما كان بعد الفتح لا شيء له.
م 1872 - واختلفوا في العلج يحمل عليه الرجل فيستأجره ثم يقتله.
فقال الثوري: له سلبه إذا كان قد بارزه، وقال الأوزاعي: ليس له سلبه إذا لم يكن تجرد إليه سلاحه وإن أسره ثم قتله لم يكن له سلبه،

(4/91)


قيل له: ان أسر رجل علجاً، ثم جاء آخر فقتله؟ قال: لا يكون السلب لأحد منهما، قيل له: ان أسر رجل علجاً، ثم أتى به إلى الأمام، فقتله الإمام؟ قال: لا يكون له سلبه، قيل له: فرجل حمل على فارس فقتله، فإذا هو امرأة؟ قال: إن كانت تجردت له بسلاح فإن له سلبها، والغلام كذلك إذا قاتل فقتل، كان سلبه لمن قتله.
قال أبو عمرو: لا يبارز العبد إلا بإذن مولاه، فإن بارز مولاه فقتله صاحبه لم ينفل سلبه، ويرضح له منه [1/ 173/ب].

21 - باب الخبر المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نفل سرية بعث بها بعيراً لكل رجل منهم
(ح 853) ثبت عن ابن عمران قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سرية قبل نجد فيها ابن عمر، فغنموا إبلا كثيرة، فكانت سهامهم اثنتي عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً، بعيراً.
م 1873 - كان الشافعي يقول: "حديث ابن عمر يدل على أنهم أعطوا ما لهم مما أصابوا على أنهم نفلوا بعيراً بعيراً، والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم، قال: وقول ابن المسيب: كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال، وذلك من خمس النبي - صلى الله عليه وسلم"-.

(4/92)


وكان أبو عبيد يقول بعد ما ذكره خبر بان عمر: "وهذا النفل الذي ذكره بعد السهام ليس له وجه أن يكون من الخمس".
وقال آخر: النفل الذي في خبر ابن عمر إنما هو نفل السرايا، كان النبي- صلى الله عليه وسلم - ينفلهم من غير الخمس أي من الثلث الذي كان النبي- صلى الله عليه وسلم - كان ينفل في البداءة، والربع الذي ينفل في القفول.

22 - باب الخبر الدال على أن الذي كان ينفلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في البداءة الربع بعد الخمس، والقفول الثلث بعد الخمس
(ح 854) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفل الربع مما يأتي به القوم، وفي البداءة بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس.
م 1874 - واختلفوا في الإمام ينفل في البدأة الربع من بعد الخمس: وفي الرجعة الثلث بعد الخمس.
فأباحت طائفة ذلك، وممن رأى ذلك حبيب بن مسلمة، وهو الذي روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم - الحديث، وبه قال الحسن البصري، والأوزاعي، وأحمد.

(4/93)


وقال النخعي: كان الإمام ينفل السرية الثلث، أو الربع يضربهم، أو قال: يحرضهم بذلك على القتال.
وقال مكحول، والأوزاعي: لا ينفل أكثر من الثلث، وقال الأوزاعي: إن زادهم على ذلك فليف (1) لهم به، وليجعل تلك الزيادة من الخمس.
وقال الشافعي: "وقد روى بعض الشاميين في النفل في البدأة والرجعة الثلث في واحدة، والربع في الأخرى، ورواية ابن عمر: أنه نفل نصف السدس، فهذا يدل على أن لبس للنفل حد لا يجاوزه الإمام، وأكثر مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فيها انفال، فينبغي أن يكون ذلك على الاجتهاد من الإمام غير محدد".
وقال أبو ثور: وذكر نفل النبي- صلى الله عليه وسلم -[1/ 174/ألف] في البدأة والرجوع، وحديث ابن عمر، قال: "وإنما النفل قبل الخمس".
وحكى ابن القاسم أن مالكاً كان يكره أن يقول الإمام: من قاتل في موضع كذا وكذا، أو من قتل من العدو وجاء برأسه، فله كذا، أو بعث سرية في وجه من الوجوه فقال: ما غنمتم من شيء فله نصفه، كره أن يقال الرجل على أن يجعل له، ويسفك دمه على مثل هذا.
وقال الثوري في أمر غار فقال: من أخذ شيئاً فهو له: هو كما قال، فلا بأس أن يقول الإمام من جاء برأس فله كذا، من جاء بأسير فله كذا يغريهم.
__________
(1) في الأصل "فيلغي", والتصحيح من الأوسط 11/ 136 رقم السألة 1853.

(4/94)


وقال الحسن البصري: ما نفل الإمام فهو جائز.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشام، قال له عمر: "هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض، وشيء".

(4/95)