الإشراف
على مذاهب العلماء 42 - كتاب قسم أربعة
أخماس الغنيمه
1 - باب قسم الغانم بين أهل العسكر وإن اختلف
أفعالهم وحازها بعضهم دون بعض
قال الله جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية.
(ح 855) وروينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم بدر: من قتل
قتيلاً فله كذا، ومن أسر أسيراً فله كذا، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات،
وأما الشباب فسارعوا إلى القتل، والمغانم، قال: قالت الشيخة للشبان:
أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءاً، ولو كان منكم شيء لجأتم إلينا، فأبوا،
فاختصموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفَالِ} الآية، فقسم الغنائم بينهم بالتسوية.
(4/96)
2 - باب الجيش
يلحقهم جيش لم يشهدوا القتال
(ح 856) روينا عن أبي هريرة أن قوما قدموا على رسول الله بخيبر بعد أن
فتحها، فسأل بعضهم أن يقسم لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
م 1875 - واختلف أهل العلم فيمن لحق بجيش قد غنموا.
فقالت طائفة: لا سهم لهم، ثبت أن عمر بن الخطاب قال: إن الغنيمة لمن شهد
الوقعة.
قال أبو بكر: هذا موافق لخبر أبي هريرة، وبه قال مالك، والليث بن سعد،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور.
وقالت طائفة: في الجيش يدخل أرض الحرب فيغنموا غنيمة، ثم يلحقهم جيش آخر
قبل أن يخرجوا بها إلى دار الإسلام: أنهم شركاء فيها، هذا قول النعمان،
واحتج قائله بخبر رواه الشعبي عن عمر، منقطع لا يصح، والأول أثبت، وبه
نقول.
وكان الشافعي يقول: [1/ 174/ب] ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل العدل
يشركوهم في الغنيمة، وقال الأوزاعي في سرية خرجت فاخطأ بعضهم الطريق، ولقي
بعضهم العدو فأصابوا غنيمة، قال: تقسم فيهم جميعاً.
(4/97)
3 - باب رد السرايا
ما يغنم على أهل العسكر
(ح 857) روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: وترد سراياهم على
قعدتهم.
قال أبو بكر: ومعنى، وسراياهم على قعدتهم بعد ما تقبض السرية، فما جعل لها
وخص بها من النفل في البدأة الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس،
إذا جعل لهم الإمام ذلك.
م 1876 - واختلفوا فيما تصيب السرايا، فقال كثر من أهل العلم: إذا خرج
الإمام أو القائد إلى بلاد العدو وأقام بمكان وبعث من الجيش سرية، أو سرايا
في وجوه شيء، فما أصابت السرايا مغنما، أن ما أصابت بينها وبين العسكر،
وكذلك لو أصاب العسكر شيئاً، شرك من خرج في السرية؛ لأن كل فريق منهم ردأ
لصاحبه، هذا قول مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقد قال حماد بن أبي سليمان: إن السرية يردون على الجيش، لأنهم ردءاً لهم
إلا أن يقول الإمام: من أخذ شيئاً فهو له.
وقال الحسن البصري غير ذلك، قال: إذا خرجت السرية بإذن الأمير، فما أصابوا
من شيء خمسه الإمام، وما بقي فهو لتلك السرية، وإذا خرجت بغير إذنه، خمّسه
الإمام وكان ما بقي بين الجيش كلهم.
(4/98)
وقال النخعي في الإمام يبعث السرية فيصيبوا
المغنم، إن شاء الإمام خمسه، وإن شاء نفلهم.
4 - باب ما يستحقه الفارس والراجل من السهام
قاله الله جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية.
فأعلم الله في كتابه من يستحق خمس الغنيمة، ولم يذكر في كتابه مستحقي أربعة
أخماسها، فتولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قسم ذلك، وبيان ما يستحقه
الفارس والراجل منه.
(ح 858) فأثبت للفارس: ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه.
إذا كان الله فرض على الناس طاعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فأوجب
عليه البيان، قال الله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية، وجاء الحديث عن عمر بن الخطاب
أنه فرض للفرس سهمين وللراجل سهم، هذا مذهب عمر بن عبد العزيز،
(4/99)
[1/ 175/ألف] وبه قال الحسن البصري، وابن
سيرين، ومكحول، وحبيب بن أبي ثابت، وبه قال عوام علماء الأمصار في القديم
والحديث.
وممن قال ذلك مالك ومن تبعه من أهل المدينة، وكذلك قال الأوزاعي ومن وافقه
من أهل الشام، وكذلك قال الثوري ومن وافقه من أهل العراق، وهو قول الليث بن
سعد ومن تبعه من أهل مصر، وكذلك قال الشافعي وأصحابه. وبه قال أحمد،
وإسحاق، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد، ولا نعلم أحدا خالف ذلك إلا النعمان،
بأنه خالف فيه السنن وما عليه حمل أهل العلم في القديم والحديث، قال: لا
يسهم للفرس إلا سهماً واحداً، وخالفه أصحابه، فبقي قوله منفرداً مهجوراً.
5 - باب الفرسين (1) يكونان مع الرجل الواحد والأفراس
م 1877 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا حضر معه
بأفراس في أرض العدو، إن سهمه وسهم فرس واحد له يجب.
م 1878 - واختلفوا إعطاء الفارس لأكثر من سهم واحد.
فقالت طائفة: لا يسهم إلا لفرس، هذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور،
والنعمان، ويعقوب، وروينا ذلك عن عمر بن عبد العزيز.
__________
(1) في الأصل: "الفرس" والتصحيح من الأوسط.
(4/100)
وقالت طائفة: يسهم للفرسين، لا يسهم لأكثر:
من ذلك، هذا قول الأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وبه قال الحسن البصري،
ومكحول.
ومن حجة من قال القول الأول: أنهم أجمعوا على أن سهم فرس واحد يجب مع ثبوت
الخبر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه أوجب ذلك قلنا بذلك، إذ هو سنة،
وإجماع، ووقفنا عن القول بأكثر من ذلك إذ فيه اختلاف، لا حجة مع القائل به.
وقد احتج من قال بخلاف هذلقول بحديث لابن عمر، لا يثبت، لأنه قد عارضه
غيره، وكان يحيى القطان لا يحدث عن عبد الله العمري ويضعفه، وضعفه أحمد.
وقد روينا عن سليمان بن موسى أنه قال غير ذلك، قال: "إن أدرب الرجل بأفراس،
كان لكل فرس سهمان، قيل له: وإن قاتل عليهلعبد؟ قال: نعم".
6 - باب الهجين والبراذين والأسهام لها
م 1879 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من قاتل أو حضر القتال
على العراب من الخيل أن سهم فارسريجب له.
م 1880 - واختلفوا فيمن يقاتل على الهجين، أو البراذين.
(4/101)
فقالت طائفة: البراذين، والمقاريف يسهم لها
(1) سهمان كالخيل العربية لأنها يعني غناماً (2) في كثير من [1/ 175/ب]
المواضع، واسم الخيل جامع لها.
قال الله جل ذكره: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}
الآية، وقال عَزَّ وَجَلَّ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية.
فممن قال إن الخيل والبراذين سواء الحسن البصري، ومكحول، وكتب عمر بن عبد
العزيز: إن البراذين من الخيل، وهو قول مالك في البراذين والهجين أنها من
الخيل.
وقال الثوري: البراذين والخيل سواء، وقال الشافعي: "أحب إلى أن البراذين
والمقاريف يسهم لها سهمان الخيل".
وقال أبو ثور: في الهجين كذلك، وقال النعمان: سهم الفرس والبراذين سواء،
وقال يعقوب: في الهجين كذلك.
وفيه قول ثان: وهو أن يسهم للفرس سهمان وللبرذون سهم، هذا قول الحسن
البصري.
وسئل أحمد عن سهم للبرذون؟ قال: سهم واحد، قيل: معه برذونين، قال: يسهم
للإثنين.
__________
(1) في الأصل "له".
(2) كذا في الأصل وفي الأوسط "تغني غناءها".
(4/102)
وفيه قول ثالث: وهو أن لا يسهم للبراذيك،
كذلك قال مكحول، قال: للفرس سهمان، وللمقرف سهم، وليس للبغال والبراذيك
شيء.
وقال الأوزاعي: يسهم لما يشبه العروب من الهجين، ويسهم لما يشبه بالهجين من
المقاريف، يسهم ويترك للبراذيك.
م 1881 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من غزا على بغل، أو
حمار، أو بعير فله سهم راجل كذلك قال الحسن البصري، ومكحول، والثوري،
والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا أعلم أحداً خالف ذلك.
وقال الشافعي: "وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل، فلا يدخل إلا شديداً، ولا
يدخل حطماً ولا قحماً ضعيفاً ولا جزعاً ولا أعجفاً رازحاً، ان فعل فشهد رجل
على واحدة من هذه فقد قيل: لا سهم له لأنه ليس من عني الخيل، ولو قال رجل:
أسهم للفرس كما أسهم للرجل، ولم يقاتل، كانت شبهة، ولكن في الحاضر غير
المقاتل العون بالرأي والدعاء وليس ذلك فيما وصفناه من الخيل".
وقال مالك: إذا أدخل الرجل فرساً كبيراً فلم يكن فيه ما يركب أو
ينتفع به حتى فرغ الناس من الغنائم فلا يسهم لصاحبه سهم فارس.
7 - باب غزاة البحر يكون معهم الخيل
م 1882 - كان مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأبو ثور يقولون في غزاة
(4/103)
البحر: إذا كان مع بعضهم الخيل أسهم للفارس
سهم فارس، وللراجل سهم للراجل.
وقال الوليد بن مسلم: سألت أبا عمرو عن أسهام الخيل من غنائم الحصون؟ فقال:
كنت الولاة قبل عمر بن عبد العزيز، الوليد، وسليمان لا يسهمون للخيل من
الحصون [1/ 176/ألف] ويجعلون الناس كلهم رجالة، حتى ولي عمر بن عبد العزيز
فأنكر ذلك، وأمر بإسهامها من فتح الحصون، والمدائن.
8 - باب الدابة تموت بعد دخول الجيش أرض العدو
قبل الغنيمة
م 1883 - أجمع أهل العلم على أن من قاتل على دابته حتى يغنم الناس، ويجوزا
المغانم، ثم تموت الدابة أن صاحبها مستحق لسهم الفارس.
م 1884 - واختلفوا فيمن ماتت دابته قبل ذلك وبعد دخولهم أرض العدو.
فإن الشافعي يقول: إنما يسهم للراجل سهم الفارس إذا حضر القتال فارساً قبل
أن تنقطع الحرب، فأما إذا دخل بلاد العدو فارساً وماتت دابته قبل القتال،
فلا يسهم له سهم فارس.
وقال أحمد: إذا ماتت فرسه فلا يسهم له إلا لمن شهد الواقعة.
وقال إسحاق: كلما لم يقاتل عليه فلا يسهم له، وبه قال أبو ثور.
(4/104)
م 1885 - وقال إسحاق في رجل جاوز الدروب،
وباع فرسه من راجل، أن يسهم الفرس لمن اشترى الفرس، وبه قال الأوزاعي.
وقال أبو عمرو في رجل دار الحرب بفرس، ثم باعه من رجل ودخل دار الحرب
راجلاً وقد غنم المسلمون غنائم قبل شرائه وبعده، قال: يسهم للفرس مما غنموا
قبل الشري للبائع، ومما غنموا بعد الشراء فسهمه (1) للمشتري.
قيل لأبي عمرو: ان اشتبه على صاحب المقسم؟ قال: يقسمه بينهما، وبه قال
أحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: هذا على مذهب الشافعي، إلا قوله: فإن اشتبه ذلك، فإن مذهب
الشافعي أن يوقف الشيء الذي أشكل من ذلك بينهما حتى يصطلحا.
وقال النعمان: إذا دخل الرجل في الديوان راجلاً، ثم دخل أرض العدو غازياً
راجلاً، ثم ابتاع فرساً يقاتل عليه وأُحرِزَتِ الغنيمة وهو فارس، أنه لا
يضرب له إلا بسهم راجل.
9 - باب موت الرجل قبل الوقعة أو بعدها
م 1886 - كان الشافعي، وأبو ثور يقولان: إذا حضر القتال ومات بعد أن تحاز
الغنيمة، ضرب له بسهمه وأعطى ورثته بعده، وفي قولهما: إن مات قبل القتال
فلا شيء له.
وقال مالك: لا أرى القسم إلا لمن شهد القتال.
__________
(1) في الأصل "قسمه".
(4/105)
وقال الأوزاعي: إذا مات أو قتل بعد ما يدرب
فاضلاً في سبيل الله، أسهم له.
م 1887 - وقال مالك، والليث بن سعد، والثوري، والشافعي: إذا حضر القتال
مريضاً، أو صحيحاً فله سهم للقاتل.
10 - باب التجار يحضرون القتال [1/ 176/ب]
قال أبو بكر:
م 1888 - وإذا حضر الرجل التاجر القتال قاتل، أو لم يقاتل، وجب سهمه كسائر
الجيش، هذا قول الحسن البصري، وابن سيرين، والشافعي، والثوري، وأحمد.
وكذلك قال الأوزاعي، قال: إلا نقد يدين وهم الشعاب، والبيطار، والحداد،
ونحوهم.
وقال مالك: يسهم له إذا قاتل.
11 - باب الأجير يحضر الوقعة
م 1889 - كان الأوزاعي، وإسحاق يقولان: المستأجر على خدمة القوم لا سهم له.
وفيه قول ثان: وهو أن يسهم له إذا قاتل، ولا يسهم له إذا اشتغل بالخدمة،
هذا قول الليث بن سعد.
وقال الثوري: يقسم له إذا غزا وقاتل، ويرفع عمن استأجره بقدر ماشغل عنه.
(4/106)
وفيه قول ثالث: وهو أن يسهم له إذا شهد،
وكان مع الناس عند القتال، هذا قول أحمد. ٍ
وبه نقول: إذا قاتل الأجر فسهمه ثابت، استدلالاً بخبر سلمه بن الأكوع.
(ح 859) قال سلمة: كنت تابعاً لطلحة بن عبيد الله وأنا غلام شاب، فأعطاني
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سهماً للفارس والراجل جميعاً.
12 - باب اكتراء الدابة غزاة إلى رجوع الناس
قال أبو بكر:
م 1890 - إذا اكترى الرجل دابة في الضائعة إلى رجوع الناس بدناً غير
معلومة، فإن أدرك ذلك قبل خروج الناس، وقبل استعمال المكتري الدابة فسخ
ذلك، وإن لم ينظر فيه حتى فرغ الناس من غزاتهم فعليه كرى مثل دابته، كان
ذلك أقل مما سموه، أو أكثر، وهذا على مذهب الشافعي، وبه قال أحمد.
وكان الأوزاعي يقول: يسمى له حين يؤاجره أياماً معلومة، فإن زاد فبحساب
ذلك.
وقال مالك: قد عرف وجه ذلك، وأرجو أن يكون خفيفاً.
(4/107)
مسألة
م 1891 - واختلفوا في الرجل يعطي فرسه على شطر ما يصيب عليه، فكره ذلك
مالك، وهو غير جائز على مذهب الشافعي.
وأجاز ذلك الأوزاعي.
وقال أحمد بن حنبل: أرجو أن لا يكون بذلك بأساً.
13 - باب الجعايل في الغزو
م 1892 - روينا عن ابن الزبير أنه سئل عن الجعايل، فقال: تركها أفضل، وإن
أخذتها فأنفقها في سبيل الله.
وروينا عن ابن عمر أنه قال: كان القاعد يتبع الغازي، فأما أن يبيع لرجل
غزوة فلا أدري ما هو؟
وقال الزهري: إذا أخذ الرجل بينه (1) يتقوى به فلا بأس.
وقال مالك: كان يجعل القاعد للخارج جعلاً، وأهل المدينة كانوا يفعلون ذلك.
وقال أصحاب الرأي: لا بأس أن يجعل إذا كان [1/ 177/ألف] محتاجاً فيخرج
غازياً في سبيل الله، ولا بأس إذا أحس الموسر من نفسه جبناً أن يجعل لرجل
جعلاً فيغزو في سبيل الله.
__________
(1) كذا في الأصل , وعند "عب" بدينه".
(4/108)
قال أبو بكر: وكرهت طائفة ذلك.
روينا عن ابن عمر رواية ثانية أنه كره ذلك.
وقال شريح: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
وقال الشافعي: "ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال رجل، وإن غزا به فعليه أن
يرده إنما إن أجزت له هذا من السلطان أنه يغزو بشيء من حقه".
وقد روينا عن ابن عباس قولاً ثالثاً: قيل له: إنه يخرج علينا للبعث في
الجعائل فيخرج أربعة عن واحد. فقال: إن كان في كراع، أو سلاح فلا بأس، وإن
جعلها في عبد، أو أمة، أو غنم فهو غير طائل.
وقد حكى عن الأوزاعي أنه قيل له: العطاء يقدم لمدة معلومة فيتنافس القوم
فيه ويتجاعلون؟ قال: إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا أرى بأساً.
14 - باب النهي عن الاستعانة بالمشركين على
المشركين
(ح 860) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل جاءه:
ارجع فلن أستعين بمشرك.
(4/109)
(ح 861) وأنه قال: إنا لا نستعين بالمشركين
على المشركين.
م 1893 - واختلفوا فيما يعطاه المشرك إذا استعين به على حرب العدو، فإن
الزهري، والأوزاعي يقولان: يعطون سهاماً كسهام المسلمين، وبه قال إسحاق،
وكان الشافعي، والنعمان، وأبو ثور يقولان: لا يسهم لهم، وكان الشافعي مرة
يقول: أحب إلي أن يعطى من الفيء شيء ويستأجر إجارة من مال لا مالك له
بعينه، وهو سهم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أحمد: الغالب على أن يستعان بمشرك.
وقال قتادة: إذا غزوا مع المسلمين، فلهم ما صولحوا عليه.
قال (1) أبو بكر: لا يستعان بهم لحديث أبي حميد، وحديث عائشة، ولا نعلم أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بهم، والذي ذكر أنه استعان بهم غير
ثابت.
فإن استعان بهم إمام أعطوا أقل ما قيل، وهو أن يرضح لهم شيئاً ولم نعلم مع
من قال: يسهم لهم حجة.
15 - باب ما يجب لمن حضر الوقعة ممن لم يبلغ
(ح 862) ثبت عن ابن عمر أنه قال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم -
عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس
عشرة
__________
(1) في الأصل: "وقال أبو بكر".
(4/110)
فأجازني، وقال بن عبد العزيز، وذكر له
هذلحديث [1/ 177/ب] فقال: هذا فرق بين الذرية والمقاتلة.
م 1894 - واختلفوا فيما يعطى غير البالغ، فكان الليث بن سعد، والثوري،
والشافعي، والنعمان، وأبو ثور يقولون: يرضخ لهم، وليس لهم سهم أول البالغ.
وقال أحمد بهذا.
وقال ابن المسيب: كان الصبيان، والعبيد يحذون من الغنائم إذا حضروا الغزو
في صدر هذه الأمة.
وفيه قول ثان: وهو أن يسهم لهم، هذا قول الأوزاعي، وروينا عن القاسم، وسالم
أنهما قالا: في الصبى يغزكتابه، والجارية، والمرأة الحرة، لا يرى لهالأولا
لهما من غنائم المسلمين شيئاً، وبه قال مالك في النساء، والصبيان، والعبيد،
قال مالك في الغلام الذي قد بلغ، وأطاق القتال ولم يحتلم: إن قاتل ومثله قد
بلغ القتال، أسهم له.
16 - باب العبيد يحضرون الحرب وما يعطون
م 1895 - كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن المرأة، والعبد يحضران الفتح
(4/111)
هل يسهم لهما قال: كتبت تسألني عن المرأة
والعبد يحضران الفتح هل يسهم لهما؟ لا يسهم لهما, ولكن يجزيان.
م 1896 - واختلفوا في العبيد يحضرون قسم الغنائم، وقد حضروا الوقعة.
فروينا عن الأسود بن يزيد أنه قال: شهد فتح القادسية عبيد فضرب لهم
سهمانهم، وهذا قول الحسن البصري، والنخعي، وروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز،
وقال أبو ثور يسهم لهم إن اختلفوا فيه، وحرمته كحرمة الحر من طريق الدين،
وفيه من الغناء مثل ما في الحر.
وفيه قول ثان: وهو أن ليس له من المغنم شيء، روينا هذا الحديث عن عمر بن
الخطاب، وروى ذلك عن ابن عباس، وبه قال مالك، وأحمد.
وفيه قول ثالث: وهو أن لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم، روى ذلك عن ابن عباس.
وقال الليث بن سعد: لا يسهم لهم إلا أن يحذوا من الغنائم، وقال الثوري:
يحذون.
وقال الأوزاعي: لا يسهم لهم، ولا يرضخ لهم إلا أن يجيئوا بغنيمة، أويكون
لهم بلاءً فيرضخ لهم.
وقال أحمد، وإسحاق: يرضخ لهم.
(4/112)
قال أبو بكر:
(ح 863) في حديث عمير (1) مولى أبي اللحم أنه شهد مع رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - خيبر، وهو مملوك قال: فأعطاني من حرثي (2) المتاع.
17 - باب المرأة تحضر القتال مع الناس
م 1897 - روينا عن ابن عباس أنه قال في المرأة، والعبد يحضران الناس في
القتال، قال: ليس لهما سهم، وقد يرضخ لهما، وبه قال الليث بن سعد،
والشافعي، والنعمان [1/ 178/ألف] وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا سهم لهما، ولا يحذين شيئاً، هذا قول مالك.
وفيه قول ثالث: قاله الأوزاعي قال: أسهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم
-للنساء بخيبر، وأخذ المسلمون بذلك.
__________
(1) في الأصل "أبي عمير" والتصحيح من الأوسط وغيره.
(2) في الأصل "حرثي المال" والتصحيح من حاشية المخطوط, والأوسط وغيره من
الكتب المخرجة منها الحديث.
(4/113)
18 - باب الجماعة
يغنمون من بلاد العدو بغير إذن الإمام
م 1898 - واختلفوا في الواحد والجماعة يغنمون.
فقالت طائفة: يخمس، ويكون ألباقي لها، أوله، هذا قول الثوري، والأوزاعي،
والشافعي، وأبي ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا شيء لها.
قال الحسن البصري: أيما سرية سارت بغير إذن إمامها لا في مصالحته، فغنمت،
فلا غنيمة لها.
وفيه قول ثالث: قاله النعمان: وهو أن لا يخمس، ما أصابت فهو لها، هذا قول
النعمان.
م 1899 - وقال الثوري في المشركين يخرجون بغير إذن الإمام فيصيبون غنيمة،
فحالهم في ذلك كحال المسلمين، إذا فعلوا ذلك بغير إذن الإمام.
وقال قال سفيان الثوري في الذمي يغير وحده: يخمس ما أخذه، وبقيته له.
وقال الأوزاعي: يؤخذ منه الخمس، وبقيته للأنباط، كتب بذلك عمر بن عبد
العزيز، وبه قال المزني، وكذلك قال في صبيان المسلمين، وقال في عبيد
المسلمين: أربعة أخماسها لمواليهم.
19 - باب المال يغلب عليه العدو ويستنقذه
المسلمون، ثم يدركه صاحبه قبل القسم وبعده
م 1900 - واختلفوا في مال المسلم يغلب عليه العدو، وثم يأخذه المسلمون
(4/114)
منهم فيأتي صاحبه قبل القسم أو بعده.
فقالت طائفة: صاحبه أحق به ما لم يقسم، إذا أدركه وقد قسم فهو أحق به
بالثمن، كذلك قال النخعي، والثوري، والأوزاعي، والنعمان، غير أن النعمان
قال: العبد يأسره العدو كما قال هؤلاء، قال في العبد يأبق إلى العدو: إن
أدركه السيد قبل القسم وبعده يأخذه مولاه بغير قيمة؛ لأن المسلمين لا
يحرزوه.
وقالت طائفة: يأخذه صاحبه ما لم يقسم، فإذا قسم فلا حق له، روى هذا القول
عن عمر بن الخطاب، وهو قول سلمان بن ربيعة، وعطاء بن أبي رباح، والليث بن
سعد، وأحمد، وقال مالك مرة: في المال يصيبه العدو من أموال أهل الإسلام
هكذا، وقال في العبد: صاحبه أحق به ما لم يقسم، فإذا قسمت الغنائم فلا أرى
بأساً أن يكون له بالثمن إن شاء.
وفيه قول ثالث: [1/ 178/ب] وهو أن لا يرد إلى صاحبه، هو للجيش، هذا قول
الزهري، وقال عمرو بن دينار: سمعنا أن ما أحرز العدو وهو للمسلمين،
يقسمونه.
م 1901 - وقال الأوزاعي في العبد يأبق إلى العدو: وإن أخذ قبل أن يدخل حصنا
من حصونهم رد إلى مولاه، وإن دخل حصنا فسبى، فهو بمنزلة أهل الحصن يجعل في
الفيء.
وقالت طائفة: "سواء أبق العبد إلى العدو، أو أخذ العدو العبد فأحرزه، لا
فرق بينهما، وهما لسيدهما إذا ظفر بهما قبل أن يقتسما، وبعد القسم سواء
يأخذهما السيد قبل القسم وبعده.
(4/115)
هذا قول الشافعي، واحتج:
(ح 864) بحديث عمران بن الحصين: أن امرأة سبيت، وقد كانت ناقة رسول الله-
صلى الله عليه وسلم - أصيبت قبلها، فقعدت على عجز الناقة، فانطلقت، فلم
تقدر عليها، فجعلت لله عليها إن الله نجاها عليها لتنحرها، فقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: بئس ما جزمها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا
فيما لا يملك العبد، أو ابن آدم.
وهذا قال أبو ثور، وقال الثوري: إذا أبق العبد إلى العدو، ثم أصابه
المسلمون، فصاحبه أحق به قسم أو لم يقسم.
م 1902 - وقال الثوري: إذا أصاب العدو مملوكا، فاشترك رجل من المسلمين
فأعتقه، فليس لمولاه عليه سبيل، هو استهلاك، وكذلك إذا كانت جارية فاشتراها
رجل فوقع عليها فولدت، فليس لمولاها شيء.
قال أبو بكر: بقول الشافعي أقول.
20 - باب أم الولد تسبى
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر:
م 1903 - واختلفوا في أم الولد تسبى، ثم يأخذها المسلمون ويجرى عليها
القسم.
(4/116)
فقالت طائفة: يأخذها سيدها بقيمة عدل، كذلك
قال الزهري.
وقال مالك: "لا أرى أن تسترق، وأرى أن يفديها الإمام لسيدها، فإن لم يفعل
فأرى على سيدها أن يفديها ولا يدعها، ولا أرى للذي صارت إليه أن يسترقها،
ولا يستحل فرجها، وإنما هي بمنزلة الحرة".
وقال الليث بن سعد مثل ذلك، وقال: إن لم يكن عنده ما يفديها به، كان ذلك
ديناً عليه يبيع به.
وكان الشافعي يقول: لا تكون أم الولد أم ولد ولا يغرم السيد شيئاً، وبه قال
أبو ثور.
وقال النعمان: أم الولد، والمدبر ليس يملكها العدو عليه.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول.
21 - باب الجارية يشتريها الرجل من المغنم فيجد
معها مالاً
م 1904 - واختلفوا في الجارية تُشترى من المغنم فيجد معها المشتري مالا.
فقالت طائفة: يجعل في بيت المال، كذلك قال الشعبي (1).
وفيه قول ثان: وهو أن يرد إلى المغانم للجيش الذين غنموها، هذا قياس قول
الشافعي، وبه نقول.
وممن روينا عنه أنه قال ذلك مكحول، وحزام بن حكيم، ويزيد بن أبي مالك.
__________
(1) في الأصل "الشافعي" والتصحيح من الأوسط 11/ 194 رقم المسألة 1884.
(4/117)
وقال أحمد: يرد، وكذلك قال إسحاق، وكان
مالك يسهل في القليل منه، وفي اليسير، والكثر مثل القرطين، وما أشبهها، ولا
يرى ذلك في الكثير.
22 - باب قسم الغنائم في دار الحرب
م 1905 - واختلفوا في قسم الغنائم في دار الحرب.
فكان مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور يقولون: يقسمها الإمام في دار
الحرب إن شاء.
وقال أصحاب الرأي: "لا ينبغي لإمام المسلمين إذا أصابوا غنائماً في دار
الحرب أن يقسموا شيئاً من ذلك حتى يحرزوه إلى دار الإسلام، وإن قسموة في
دار الحرب، كانوا قد أساؤا، وجائز ذلك".
قال أبو بكر: وبقول مالك، والشافعي أقول، وذلك للثابت.
(ح 865) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قسم يوم خيبر (1) للفرس سهمين،
ولصاحبه سهماً.
23 - باب استئجارالإمام على الغنائم من يحملها
ويقوم بحفظها
م 1906 - كان الأوزاعي يقول في الإمام تجتمع عنده الغنيمة: لا أعلم بأساً
أن يقول: من حرس الليلة العسكر فله كذا من السبي، أو الدابة من
__________
(1) في الأصل "حنين" والتصحيح من حاشية المخطوط, والأوسط.
(4/118)
الفيء، ويجعل الأمام للراعي، والدليل من
جماعة المال، ويعطي الجاسوس من المال الذي يجهز به والي الصائفة، فإذا لم
[يكن معه] (1) أعطاه من جملة الغنيمة وينفق على جماعة السبي، والأسراء من
جملة الغنيمة.
وقال الشافعي: إذا حرس الإمام الغنيمة عن موضعه إلى موضع غيره، إن كانت معه
حمولة حملها عليه، وإن امتنع الناس أن يحملوه فوجد مكارى على الغنائم، أن
يكرى من جميع المال.
وكره أحمد أن يستأجر القوم على سباق الرمل على فرس جيش، ولا بأس أن يواجر
الرجل نفسه على دابته.
24 - باب اختلاف أهل العلم في قسم الأشياء ومما
يغنم مما يختلف في بيعها
م 1907 - واختلفوا في المصاحف من مصاحف المسلمين في المغانم.
فكان الثوري، والأوزاعي يقولان: إن لم يوجد صاحبه جعل في المغانم فيبيع،
وفي قول الشافعي: إذا علم أنه مما أخذ من المسلمين، يوقف ولا يقسم حتى يأتي
صاحبه.
وبه نقول.
م 1908 - وقال الأوزاعي في المصحف من مصاحف الروم، يدفن أحب إلي [1/
179/ب].
وقال الثوري: إذا لم يدر ما فيه كيف يباع، وقال الشافعي: "يدعو
__________
(1) ما بين المعكوفين من الأوسط.
(4/119)
الإمام من يترجمه، فإن كان طب أو غيره لا
مكروه فيه باعه، وإن كان شرك شق الكتاب، وانتفع بأوعيته".
م 1909 - واختلفوا في الفرس يوجد موسوماً عليه حبيساً في سبيل الله.
فكان الأوزاعي، والشافعي يقولان: يرد كما كان.
وقال الثوري: يقسم ما لم يوجد صاحبه، وقال أحمد: إن لم يعرف صاحبه حبس كما
كان.
وقال الأوزاعي: إن كان سيفاً ليس السيف مثل الفرس، والسيف مما تبايعه
القوم.
قال أبو بكر: ليس بينهما فرق.
م 1910 - واختلفوا في الكلب يصاب.
فقال الأوزاعي: لا يباع هو لمن أحرزه، وقال الشافعي: "الكلب لا يباع ولكن
إن كان للصيد، أو الماشية، أو الزرع، أخذه أحد يريده لذلك، أو يعطيه أهل
الأخماس إن أراده أحد منهم، وإلا قتله، أو خلاه".
م 1911 - وقال أحمد [في] (1) كلب الصيد: لا يجعل في فيء المسلمين ثمن
الكلب.
وكره ثمن الكلب الحسن البصري، والحكم، وحماد.
وقياس قول من رخص في ثمن الكلب أن يقسم ما كان من كلب
__________
(1) ما بين المعكوفين من الأوسط.
(4/120)
الصيد، ورخص في ثمن الكلب النخعى، وعطاء بن
أبي رباح، وإسحاق بن راهويه.
وكان مالك يكره أثمان الكلاب كلها، ويرى على من قبل كلب صيد، أو ماشية
قيمته.
وكان النعمان يرى بيع الكلاب كلها، ويوجب على قاتله الغرم.
وقال مالك في كلب كثرت قيمته وذكروه بالغنا وفي السبع فراه إلى صاحب
المقاسم.
قال أبو بكر: لا يجوز بيع شيء من الكلاب، ولا يقسم إن وقع في المغانم، ولكن
الإمام يعطي ما كان منه ما يجوز الانتفاع به من شاء من أصحاب المقاسم،
وإنما منعنا من قسمته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، وذلك
على العموم.
م 1912 - واختلفوا في الهر يؤخذ في المغانم.
فروينا عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، ومجاهد، وطاووس، وجابر بن زيد،
والأوزاعي أنهم كرهوا ثمن الهر.
وروينا عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً بثمنه.
ورخص في ثمنه الحسن البصري، وابن سيرين، والحكم، وحماد بن أبي سليمان،
ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
(4/121)
م 1913 - فأما الصقر والبازي، والعقاب
فبيعها جائز، وقسم أثمانها جائز، كما يجوز بيع الخمر، والبغال، وإن لم يجز
أكلها، وهذا على مذهب الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
25 - باب بيع الرقيق الذين لم يسلموا من أهل
الشرك
م 1914 - واختلفوا في بيع السبي الرجال، والنساء من أهل الحرب [1/ 180/ألف]
منهم.
فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: لا بأس ببيعهم منهم.
وكان مالك، والثوري، وأصحاب الرأي لا يرون بأساً ببيعهم من أهل الذمة.
وقال أحمد، وإسحاق: لا يباعون صغاراً كانوا أم كبار من اليهود والنصارى.
وقال الأوزاعي: كان المسلمون لا يرون بأساً ببيع السبي منهم، وكانوا يكرهون
بيع الرجال، إلا أن يفاد بهم أساري المسلمين.
وقال النعمان في السبي الرجال والنساء: أكره أن يباعوا من أهل الحرب فيتقوى
بهم أهل الحرب، وبه قال يعقوب.
وكان الشافعي يقول في الصبيان: ليس مع أحد منهم من والديه فلا يباعون منهم.
وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: يرد إليهم صغيراً بمسلم، ويرده
الله إلينا كبيراً فنضرب عنقه.
(4/122)
26 - أبواب الحكم في
رقاب أهل العنوة من الأساري والغداة أو القتل
قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَا} الآية.
أبو بكر: جاءت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه سن في
الأسارى سنناً ثلاثة، المن، والفداء والقتل، فمما يدل من سننه على المن
قوله في أساري بدر:
(ح 866) لو كان مطعم بن عدي حياً فكلمني في هؤلاء لتركتهم إطلاقه له.
(ح 867) ودل إطلاقه مناً أبي العاص بن الربيع على مثل ذلك.
وفعل ذلك بأهل مكة حيث فتحها فقال:
(ح 868) "من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن
ألقى سلاحه فهو آمن".
(ح 869) ومن على أهل خيبر فلم يقتلهم وفتحها عنوة، فقسم أراضيها، ومن
(4/123)
على رجالهم وتركهم عمالاً في الأرض والنخل
على الشطر حتى أخرجهم عمر حين استغنى عنهم.
ومما يدل على أن الإمام أن يفدي بأساري المشركين أساري المسلمين:
(ح 870) خبر عمران بن الحصين أن النبي- صلى الله عليه وسلم - فدى رجلين من
المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل.
وأما سنته في قتل الأساري:
(ح 871) فقتله قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ.
(ح 872) وأمره أن يقتل ابن خطل يوم دخل مكة.
(ح 873) وقتله عقبة بن أبي معيط، وما قبل الفداء، قام إليه علي بن أبي طالب
فقتله صبراً.
م 1915 - واختلفوا في الأساري.
فقال الشافعي: إن شاء قتلهم وإن شاء من عليهم، وإن شاء فدى بهم، هذا قول
الشافعي، وأحمد، وأبي ثور.
(4/124)
وقال مالك في الرجال البالغين: إن شاء
قتلهم وإن شاء فادى بهم أسارى المسلمين، وبه قال الثوري، وأبو عبيد، وقالا:
وإن شاء أسترقهم.
وقال [1/ 180/ب] الأوزاعي كما قال الشافعي، وقال: إن شاء عرض عليه الإسلام،
فإن أسلم فهو عبد للمسلمين.
وقال أصحاب الرأي: إن شاء ضرب أعناقهم وإن شاء أن يمن عليهم ويصيّرهم فيئاً
بين المسلمين فعل، وإن شاء أن يعرض عليهم الإسلام فعل، وينبغي للإمام أن
ينظر في ذلك مصلحة المسلمين.
وكان عمر بن عبد العزيز، وعياض بن عقبة بن نافع يقتلان الأساري.
وقال مجاهد في أميرين أحدهما يقتل الأساري والآخر يفادى، قال: الذي يقتل
أفضل.
وقال مالك: أمثل ذلك عندي في الأساري أن يقتل كل من خيف منه.
قال إسحاق: الإثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفاً يطمع به الكثير.
م 1916 - وقد اختلفوا معنى قوله تعالى: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}
الآية، فكان مجاهد يقول: الإثخان: القتل.
وقال مجاهد: قتل الأسر خير من إمساكه، وقال محمد بن إسحاق صاحب المغازي:
حتى يثخن عدوهم حتى ينفيه من الأرض.
وقال أبو عبيدة معناه: حتى يغلب ويبالغ.
(4/125)
وقال محمد بن إسحاق في قوله: {تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا}: الآية المتاع الفدا، بأخذ الرجال: {وَاللَّهُ يُرِيدُ
الْآخِرَةَ} الآية أي يقتلهم لظهور الدين الذي يريدون إطفاءه، الذي به تدرك
الآخرة.
قال أبو بكر:
م 1917 - وقال غير واحد من الأوائل: إن قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية، نزل بعد قوله: {َإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً} الآية، روينا هذا القول عن مجاهد، والضحاك بن مزاحم،
وابن جريج، والسدي، ومن حجة من رأى أن أخذ الفداء والمن على الأسير أولى من
القتل؛ لأن أكثر أساري بدر أخذ منهم الفداء.
(ح 874) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - فادى الرجل بالرجلين اللذين أسرا
من أصحابه.
وكان الحسن البصري، وعطاء ويكرهان قتل الأسير، قالا: من عليه أو فاده، وبه
قال سعيد بن جبير، وقال الحسن البصري: يصنع به صنع رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - بأساري بدر، يمن عليه، أو يفادى به.
27 - باب الأسير يقتله الرجل من العامة
م 1918 - واختلفوا في الأسير يقتله الرجل من العامة، فكان الشافعي
(4/126)
يقول: لا غرم عليه، وقد أساء، ولكنه لو قتل
طفلا، أو امرأة عوقب، وغرم أثمانهما.
وقال الأوزاعي: إن كان قتله قبل أن يصلي به الإمام بعد ما أسر عوقب، وإن
قتله بعد ما يبلغ الإمام غرم ثمنه.
وقال الثوري: لا يقتله حتى يرفع إلى الإمام، إلا أن يخافه.
وقال أحمد في الرجل يقتل أسير غيره: إلا أن [1/ 181/ألف] يشاء الوالي ليكون
له نكاية في العدو، وبه قال إسحاق.
28 - باب بيع الدرهم بالدرهمين من أهل الحرب
م 1919 - واختلفوا في بيع الدرهم بالدرهمين من أهل الحرب، فكان الأوزاعي،
والشافعي، وإسحاق، ويعقوب يقولون: لا يجوز ذلك.
وكره ذلك أحمد.
وحكى يعقوب عن النعمان أنه كان يبيح ذلك.
29 - باب وجوب فكاك الأساري من أيدي المشركين
(ح 875) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: أطعموا الجائع،
وعودوا المريض، وفكوا العاني.
(ح 876) وروينا عنه أنه كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا
معاقلهم، وأن يفكوا عانيهم بالمعروف.
(4/127)
(ح 877) وفادى رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - برجل من العدو برجلين من المسلمين.
م 1920 - وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: واعلموا أن كل أسير من أسرى
المسلمين، إن فكاكه من بين مال المسلمين.
وروينا عن ابن الزبير أنه سأل الحسن بن علي بن أبي طالب عن فكاك الأسير
قال: يعني على الأرض التي تقاتل عنها.
وممن كان يرى فك الأسارى عمر بن عبد العزيز، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
30 - باب ما يجب من حياطة أهل الذمة
م 1921 - روينا عن عمر بن الخطاب أنه كان في وصيته عند موته: أوصى الخليفة
من بعدي بكذا أو كذا، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -
خيرا، أن يقاتل من ورائهم، وان لا يكلفوا فوجب طاقتهم.
وقال عوام أهل العلم في أهل الذمة: يسبون، ثم يصيبهم المسلمون بعد: إنهم لا
يسترقون، ويرون إلى ذمتهم، هذا قول النخعي، والشعبي، وبه قال مالك، والليث
بن سعد، والأوزاعي، والشافعي.
وقال عمر بن عبد العزيز، والليث بن سعد: يفدى أسيرهم.
(4/128)
31 - باب الحكم في الرجل من المسلمين يشتري
أسيراً من أهل دار الحرب بإذن الأسير أو بغير إذنه
م 1922 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا اشترى أسيراً
من أسارى المسلمين من العدو بأمره بمال معلوم، ورفع المال بأمره، أن له أن
يرجع بذلك عليه.
م 1923 - واختلفوا فيه إن اشتراه بغير أمره، فقال أكثر أهل العلم: يأخذ منه
ما اشتراه به، كذلك قال الحسن البصري، والنخعي، والزهري، ومالك، والأوزاعي،
وأحمد، وإسحاق [1/ 181/ب].
م 1924 - وقال الأوزاعي: إذا اختلف الأسير والمشتري، فالقول قول المشتري،
وفي قول الشافعي: إن اشترى بأمره واختلفا، فالقول قول الأسير.
وفيه قول ثان: وهو أن الأسير إن كان مؤسراً دفع إلى المشتري ثمن ما اشتراه
به، وإن كان معسراً رأيت ذلك في بيت مال المسلمين، فإن لم يفعل ذلك السلطان
كان الثمن دينا عليه، هذا قول الليث بن سعد.
وقالت طائفة: لا شيء على الأسير مما اشتراه به إذا كان ذلك بغير أمره، هذا
قول الثوري، والشافعي.
وبه نقول؛ لأن ذلك متطوع بالشري.
(4/129)
32 - بال الأسير
يرسله العدو على أن يجيئهم بمال، أو يبعث به إليهم
م 1925 - وأختلفوا في الأسير يشتري نفسه من العدو على أن يبعث إليهم
بالثمن، فكان الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وأحمد يقولون في هذا: يفي
لهم، وقال الأوزاعي: يرجع إليهم أو يبعث بها.
وقال الشافعي: " إذا خلوه على فداء يدفعه إليهما إلى وقت، وأخذوا عليه إن
لم يدفع الفداء أن يرجع في إسارهم، فلا ينبغي أن يعود، ولا ينبغي للإمام أن
يدعه والعودة وإن كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه، فلا يعطهم
شيئاً، وإن صالحهم على شيء مبتدئا ابتغاء، له أن يؤديه إليهم، إنما أطرح
عنه ما استكره عليه".
وقال الليث: إذا خلوه على أن لا يبرح من عندهم، فأعطاهم على ذلك عهد الله
وميثاقه، لا أرى أن يفارقهم، فإن هو فعل كان قد حضر بالعهد.
33 - باب رقيق أهل الذمة يخرجون إلى دار
الإسلام
(ح 878) جاء الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه خرج إلى رسول الله وهو
محاصر أهل الطائفة ثلاثة وعشر من عبدا، فأعتقهم رسول الله- صلى الله عليه
وسلم -.
(4/130)
م 1926 - وبهذا قال الثوري، والشافعي،
والأوزاعي، فإن جاء السيد فأسلم، وجاء العبد فأسلم، رد إلى سيده.
وقال الليث بن سعد في العبد من عبيد العدو يفرُّ إلى دار الإسلام ويسلم،
قال: هو حر، وقال النعمان: إذا أسلم عبد الحرب في دار الحرب، ثم ظهرنا على
الدار فهو حر، وإذا أسلم عبد الحرب في دار الحرب، ثم خرج إلينا فهو حر.
م 1927 - وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن رقيق أهل الذمة إذا
أسلموا أن بيعهم يجب عليهم، وممن حفظنا ذلك عنه عمر بن عبد العزيز، والحسن
البصري، والنخعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 1928 - وكان مالك، والشافعي يقولان: إذاً اشترى [1/ 182/ألف] النصرأني
عبداً مسلما فالشرى جائز ويباع عليه.
م 1929 - وقال النعمان في الحرب يدخل إلينا بأمان، فيشتري عبداً مسلما، ثم
يدخله معه دار الحرب قال: يعتق العبد.
وقال يعقوب ومحمد: لا يعتق.
قال أبو بكر: لا يعتق.
34 - باب التفرقة بين الجماعة من السبي يصيرون
في ملك الرجل من المسلمين
(ح 879) جاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من فرق
بين والدة
(4/131)
وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم
القيامة.
م 1930 - وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن التفرقة بين الولد وبين
أمه، والولد طفل لم يبلغ سبع سنين ولم يستغن عن أمه غير جائز.
قال يحمله هذا القول مالك، ومن تبعه من أهل المدينة، والأوزعي ومن وافقه من
أهل الشام، والليث ومن قال بقوله من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 1931 - واختلفوا في الوقت الذي يجوز أن يفرق بين الوالدة وولدها.
فقال مالك: حد ذلك إذا أثغر.
وقال الليث بن سعد: حد ذلك أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو
نحو ذلك، وقال الأوزاعي: إذا استغنى عن أمه فقد خرج من الصغر.
وقال الشافعي: لا يفرق بينهما حتى يصير ابن سبع أو ثمان سنين.
وقال أبو ثور: إذا كان يلبس وحده، ويتوضأ وحده، فلا بأس أن يفرق بينهما.
وقال سعيد بن عبد العزيز: لا يفرق بينها في البيع، حتى يرفع عنه اسم
اليتيم.
(4/132)
وقال أحمد قولاً سادساً، قال: السبي خاصة
لا يفرق بينهما، قيل: فالمحتلمين لا يفرق بينهما؟ قال: لا.
قيل لأحمد: يفرق بين المرأة، وأمها، والأخوين؟ قال: لا يفرق بين اثنين من
السبي، والصغير، والكبير، والذكر، والأنثى سواء.
واحتج بعمر (1) أنه قال: لا يفرق بين أهل البيت، بد من أن يكون فيهم كبارا،
وقال النعمان وأصحابه: لا يفرق بين الجارية وولدها، إذا كانوا صغارا، وإن
كانوا رجالا، ونساء، أو غلمانا وقد احتلموا، فلا بأس أن يفرق بين هؤلاء.
قال أبو بكر: كلما ذكرناه إنما هو في التفريق بين الأم، وولدها في البيع.
م 1932 - فأما التفريق بين الوالد، وولده، فإن مالكا قال: ليس من ذلك شيء.
وقال الليث بن سعد: أدركت الناس وهم يفرقون بين الوالد وولده في البيع، ولا
يفرقون بين الأم وولدها حتى يبلغ.
وفيه قول ثان: وهو [1/ 182ب] أن لا يجوز أن يفرق بينهما، هذا قول أحمد،
وهذا قول أصحاب الرأي، وهذا يشبه مذهب الشافعي.
35 - باب التفرقة بين سائر القرابات مثل الأخوة
وغيرهم
م 1933 - واختلفوا في التفرقة بين الأخوة، وكل ذي رحم محرم من الرجال
والنساء.
__________
(1) في الأصل , وفي حاشية المخطوط "بعثمان" وكذا في الأوسط.
(4/133)
فقالت طائفة: لا يفرق بين شيء من السبي،
كذلك قال أحمد، قال: والصغير، والكبير، والذكر، والأنثى فيه سواء.
وقال راشد بن سعد: كانوا يكرهون [أن] (1) يفرقوا بين القرابة في بيع الأم
وولدها، والأخ وأخته.
وفي قول أصحاب الرأي: لا يجوز التفرقة بين الوالدين والوالد، وبين الأخوة
والأخوات، وكذلك الصبى أو الصبية، إذا كان مع كل وأحد منهما عمه، أو خاله،
أو جده، أو جدته، أو أبن أخته، أو ذو رحم محرم من قبل الرجال والنساء، فلا
ينبغي للوالي، أن يفرق بن أحد منهم في قمسة، ولا في بيع.
وقالت طائفة: تجوز أن يفرق بين كل من سوى الوالدين والولد، هذا قول
الشافعي، وأحمد، وقال الليث بن سعد: أدركت الناس وهم يفرقون بين الأخوين في
البيع، وبين الوالد وولده، ولا يفرق بن الأم وولدها حتى يبلغ أن ينفع نفسه،
ويستغنى عن الأم فوق عشر سنين، أو نحو ذلك.
قال أبو يكر: قول الشافعي صحيح.
36 - أبواب الأمان
(ح 880) ثبت أن علي بن أبي طالب قيل له: هل عهد إليك رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - شيئاً لم يعهده إلى أحد؟ قال: لا، إلا ما في قرابى هذا،
__________
(1) ما بين العكوفين من الأوسط 11/ 253 رقم المسألة 1917.
(4/134)
قال: فأخرج كتاباً فإذا في كتابه ذلك:
المؤمنون تتكافأ دماءهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.
(ح 881) وروينا عنه أنه قال: المسلمون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم،
ويرد عليهم أقضاهم.
37 - باب أمان العبد
م 1934 - أجمع أهل العلم على أن أمان والي الجيش، أو الرجل الحر الذي يقاتل
يقاتل جائز على جميعهم.
م 1935 - واختلفوا في أمان العبد.
فأجازت طائفة أمانه، وممن أجاز ذلك عمر بن الخطاب.
وأجاز أمان العبد ولم يشترط كان ممن يقاتل أو لم يكن سفيان الثوري،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن القاسم صاحب مالك، وأبو ثور.
وقال الأوزعي، والشافعي، أبو ثور: قاتل أو لم يقاتل.
(4/135)
وقال الليث بن سعد: أرى أن يجاز أمانه أو
يرد إلى مأمنه.
وقال النعمان ويعقوب: أمان العبد إذا كان يقاتل جائز [1/ 183/ألف] وإن كان
لا يقاتل إنما جاء يخدم مولاه، فأمنمهم، لم يكن ذلك أماناً لهم.
م 1936 - وقالا: وأما الأجير، والوكيل، والسوقي فأمنهم جائز قاتلوا أو لم
يقاتلوا.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
38 - باب أمان (1) المرأة
(ح 882) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لأم هانيء: "قد أجرنا
من أجرت".
(ح 883) وأجارت زينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أبا العاص بن
الربيع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "قد أجرنا من أجارت".
م 1937 - وقالت عائشة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم -: إن كانت المرأة
لتأخذ على القوم، تقول: يجير عليهم.
__________
(1) في الأصل "أمانة" والتصحيح من الأوسط 11/ 260.
(4/136)
وممن قال أمان المرأة جائز مالك، والثوري،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول، للثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أجاز أمان أم
هانيء.
قال أبو بكر: وشذ عبد الملك بن الماجشون عن جماعات الناس فقال قولاً كأنه
دفع لما قلناه.
39 - باب أمان الذمي
م 1938 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن أمان الذمي لا يجوز.
كذلك قال الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول، لأن في قوله: "يجير عليهم أدناهم" دلالة على أن من كان من
غيرهم لا يجير عليهم.
وقد روينا عن الأوزاعي أنه قال: إذا غزا مع المسلمين، فإن شاء الإمام أجاز
وإن شاء رده إلى مأمنه.
40 - باب أمان الصبي
م 1939 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن أمان الصبى غير جائز.
(4/137)
كذلك قال الثوري، والأوزاعي، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
41 - باب الإشارة بالأمان، وإعطاء الأمان بأي
لغة تفهم أعطوا بها الأمان
م 1940 - روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه
إلى السماء إلى مشرك، فنزل إليه فقتله، لأقتله به.
وقال مالك، والشافعي: الإشارة بالأمان أمان.
قال أبو بكر: كذلك نقول.
م 1941 - وقال أبو وائل: كتب إلى عمر بن الخطاب فقال: إذا لقي الرجل الرجل
فقال: "مترس" فقد أمنه، وإذا قال: لا تخف، فقد أمنه، وإذا قال: لا تدهل فقد
أمنه، إن الله يعلم الألسنة.
قال أبو بكر: وهذا على مذهب أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال الأوزاعي: إذا قال له قف، أو قم، أو الق سلاحك، فوقف، فلا
(4/138)
قتل عليه، ويباع، إلا أن يدعى أماناً،
فيقول: إنما رجعت [1/ 183/ب] أو وقفت لندائك، فهو آمن.
42 - باب أمان التاجر والأسير
م 1942 - كان الثوري يقول في أمان الأسير، والتاجر في أرض الحرب يؤمنان
المشركين: لا يجوز أمانهما على المسلمين.
وقال أحمد: لو أن أساري في عمورية نزل بها المسلمون، فقال: الأساري: أنتم
آمنون، يريدون بذلك القربة إليهم، قال: يرحلون عنهم، وقال في أمان الأجير:
جائز.
43 - باب المشرك يطلب الأمان ليسمع كتاب الله وشرائع الإِسلام ويراه إلى ما
منه
قال الله جل ذكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}
الآية.
وقال قتادة حتى يسمع كلام الله، أي كتاب الله، فإن أمن فهو الذي دنا منه،
وإن أبى فعليه أن يبلغه إلى مأمنه.
وبه قال الأززاعي، والشافعي، وقال الأوزاعي: هي إلى يوم القيامة.
(4/139)
قال أبو بكر: قد بلغنا أن عمر بن عبد
العزيز كتب بذلك إلى الناس، وروينا عن مكحول مثله.
44 - باب الحربي يصاب في بلاد الإسلام ويقول
جئت مستأمناً
م 1943 - واختلفوا في الحربي يوجد في ديار المسلمين يقول: جئت مستأمناً.
فقال مالك: الإمام في ذلك بالخيار يرى فيه رأيه، وقال الأوزاعي: أمره إلى
الإمام إن شاء قتله، وإن شاء استحياه.
وقال أصحاب الرأي: إذا قال: أنا رسول الملك ولا يعلم ذلك، لم يقبل منه،
وصار فيئاً للمسلمين.
وقال الأوزاعي، والنعمان: إن علم أنه رسول الملك فهو آمن، ولا يعرض له، وهو
قول الشافعي، ويعقوب.
45 - باب أمان الرجل الرجل ثم يخفى ويشتبه على
من أمنه
م 1944 - واختلفوا في العلج يشرف (1) من حصن فيؤمن، فلما فتح الباب ادعى كل
واحد منهما أنه الذي أومن.
فقال أحمد: لا يقتل أحد منهم.
وقال الشافعي: يمسك عن كل واحد من شك فيه، فلم يقتله، ولم تسب ذريته.
__________
(1) في الأصل "يسرق" والتصحيح من الأوسط.
(4/140)
قال أبو بكر: وهذا نحو قول أحمد.
وقال الأوزاعي: إذا أشرف عليهم رجل فأسلم، ثم أشكل ذلك وادعى كل رجل منهم
أنه أسلم وهم عشرة، يسعى كل رجل منهم في قيمته إذا لم يعرف، ويترك له عشر
قيمته.
46 - باب الحربي يسلم في دارالحرب وله بها مال
م 1945 - واختلفوا في الحربي يسلم في دار الحرب وله بها مال، ثم يظهر
المسلمون على تلك الدار.
فقالت طائفة: يترك له ما كان في يديه من ماله، ورقيقه، ومتاعه، وولد صغار،
وما كان من أرض، [1/ 184/ألف] أو دار فهو فيء، وامرأته فيء إذا كانت كافرة،
فإن كانت حبلى فما في بطنها فيء، هذا قول النعمان.
وخالفه الأوزاعي فقال: كانت مكة دار حرب ظهر عليها رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - والمسلمون، فلم يقبض لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
داراً، ولا أرضاً، ولا امرأةً، فأمن الناس كلهم، وعفا عنهم.
وقال الشافعي: فأما ولده الكبار، وزوجته فحكمهم حكم أنفسهم، يجري عليهم ما
يجري على أهل الحرب من القتل، والسبي، وإن سبيت امرأة حاملاً منه، فلا سبيل
إلى ما في بطنها، لأنه مسلم بإسلام أبيه.
وقال في المال كما قال الأوزاعي.
(4/141)
47 - باب الشهادة
على الأمان
م 1946 - واختلفوا في شهادة الشاهد الواحد على الأمان، فكان الأوزاعي يقول:
إذا قال رجل من المسلمين إني قد أمنتهم، جاز أمانه عليهم، وقال النعمان:
إذا صاروا في الغنيمة وقال رجل قد أمنتهم، لم يصدق على ذلك، لأنه أخبر عن
فعل نفسه.
وقال الشافعي: يقبل قوله فيهم قبل أن يصيروا فيئاً، فإن صاروا في أيدي
المسلمين، لم يقبل قول أحد إلا ببينة، وقال: إذا لم أقبل قوله فحقه منهم
[باطل] (1) لا يجوز أن يملكه.
مسألة
م 1947 - واختلفوا في المشرك يخرج إلينا بأمان، ثم يسلم، فغزا المسلمون تلك
الدار، فأصابوا أهله، وماله: فكان مالك، والليث بن سعد يقولان: أهله وماله
فيء للمسلمين.
ومن قول الشافعي: لا سبيل عليه ولا على ماله.
وقال النعمان: يترك ما كان في يديه من ماله، ورقيقه، ومتاعه وولد صغير، وما
كان من أرضه أو داره فهو فيء.
48 - باب المستأمن يسرق أو يقذف أو يزني
م 1948 - واختلفوا في المستأمن يسرق، أو يقذف، أو يزني، أو يصيب بعض
الحدود، فكان الشافعي يقول: "ما كان من حق الله لا حق للآدميين
__________
(1) ما بين المعكوفين من الأوسط 11/ 274.
(4/142)
فيه؛ فهو معطل عنهم، ويقال لهم: تؤمنوا على
هذا فإن كففتم، وإلا ألحقناكم بما صدر منكم، ونقضنا الأمان بيننا وبينكم،
وما كان من حق الآدميين أقيم عليهم الحد، وذلك مثل القصاص، والحد في
القذف".
وقال الأوزاعي في الزنا، والسرقة، والقذف: يؤخذون به، فإنهم لم يؤمنوا على
إتيانه فينا، وإظهار الفواحش، وقال النعمان: ويعقوب في الزنا والسرقة: لأ
حد عليهم، وتضمن السرقة.
49 - باب إقامة الحدود [1/ 184/ب] في دار الحرب
م 1949 - واختلفوا في إقامة الحدود في دار الحرب، فكان الأوزاعي يقول: تؤخر
إقامتها حتى يخرجوا من دار الحرب، وقال أحمد: في المسلم يسبيه العدو، فيقتل
هناك مسلماً، أو يزني، قال: يقام عليه الحد إذا خرج، وكذلك قال إسحاق: وقال
أحمد في إقامة الحدود في الجيش: لا، حتى يخرجوا من بلادهم، قال إسحاق: إذا
كان الإمام لم يرى إقامة الحد أحسن.
وقالت طائفة: تقام الحدود في دار الحرب كما تقام في أرض الإسلام، وذلك أن
الله تعالي أمر بقطع السارق، وحد الزاني، والقاذف، وأوجب القصاص، فعلى
الإمام أن يقيم ذلك ولا تؤخر ذلك، ولا نعلم حجة توجب تأخير ذلك، هذا قول
مالك، والشافعي، وأبي ثور.
وبه نقول.
(4/143)
وقال أصحاب الرأي في الرجل المسلم يكون في
دار الحرب، فزنا هناك وحرج، فأقر به، لم يحد لأنه زنا حيث لا يجري عليه
أحكام المسلمين.
م 1950 - وقال النعمان في الحربي يسلم في دار الحرب فيدخل رجل مسلم فيقتله
في دار الحرب عمداً أو خطأً، لا شيء عليه، إلا أن عليه في الخطأ الكفارة.
وفي قوله الشافعي: إذا علمه مسلماً، فعليه القود إن شاء ورثة المقتول، أو
الدية.
وبه نقول.
50 - باب الرجل من المسلمين يطلع على أنه عين
للمشركين قد كتب بأخبار المسلمين إليهم
م 1951 - واختلفوا فيما يفعل بالرجل من المسلمين قد كاتب المشركين وأخبرهم
بأخبار المسلمين، فقال مالك: ما سمعت فيه بشيء، وأرى فيه اجتهاد الإمام:
وقال الأوزاعي: يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، وإن أبى عاقبه الإمام عقوبة
موجعة، ثم غرّ به إلى بعض الآفاق، أو ضمن الحبس.
وقال الأوزاعي: وإن كان ذمياً قتل، قد نقض عهده، وإن كان من أهل الحرب
بعثوا إليهم بأموال على مناصحتهم، قبض تلك الأموال فوضع في بيت المال، وقال
أصحاب الرأي: يوجع عقوبة، ويُطال حبسه.
(4/144)
وقال الشافعي: "لا يحل دم من قد ثبت له
حرمة الإسلام، إلا أن يزني بعد إحصان، أو يقتل، أو يكفر كفراً بيناً بعد
الإيمان".
واحتج:
(ح 884) بحديث روضة خاخ في قصة حاطب بن أبي بليقة، وأن النبي- صلى الله
عليه وسلم- يعاقبه.
وقال الشافعي: "وإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة أحببت أن يتجافى
عنه، وإن كان غر ذي الهيئة، كان للإمام، وإن أعلم تعزيره".
51 - باب المستأمن يطلع عليه أنه عين للمشركين
يكتب [1/ 185/الف] إليهم بأخبار المسلمين
قال أبو بكر:
(4/145)
م 1952 - قد ذكرت فيما مضى عن الأوزاعي أنه
قال: إن كان ذمياً، قتل، فقد نقض عهده.
وقال أصحاب الرأي: ليس ذلك نقضاً للعهد، وينبغى للإمام أن يوجعه عقوبة،
ويطيل حبسه.
وقال الشافعي: " إذا قال: لم أراد بهذا انقضاءً للعهد: فليس بنقض للعهد،
ويعزر ويحبس".
52 - باب أم الولد الحربي وغيرها تسلم وتخرج من
دار الحرب إلى دار الإسلام
قال أبو بكر: قد ذكرت فيما مضى:
(ح 885) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتق يوم الطائف من رقيق
المشركين.
وقال به كل من يحفظ عنه من أهل العلم.
م 1953 - واختلفوا في أم الولد الحرب تسلم في دار الحرب، ثم تخرج إلى دار
الإسلام، فكان النعمان يقول: إنها تزوج إن شاءت ولا عدد عليها، وقال
الأوزاعي: أي امرأة هاجرت إلى الله بدينها، فحالها كحال المهاجرات، لا
تتزوج حتى تنقضي عدتها.
وقال الشافعي: تستبرأ بحيضته، وقال يعقوب: على أم الولد العدة، وعلى المرأة
الحرة العدة، كل واحد منهن ثلث حيض، لا
(4/146)
يتزوجن حتى تنقضي (1) عدتهن، ولا سبيل
لأزواجهن، ولا لمواليهن إليهن آخر الأبد.
وقال الشافعي في المرأة تخرج من دار الحرب مسلمة، وزوجها كافر يقيم بدار
الحرب: لا تتزوج حتى تنقضى عدتها كعدة الطلاق.
53 - باب النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو
(ح 886) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى
أرض العدو خشية أن يناله العدو.
م 1954 - وبه قال مالك وأحمد.
وخالف النعمان الخبر الثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في هذا
الباب، وما جاء في ذلك عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وقال: لا بأس
أن يسافر بالقرآن في أرض الحرب.
54 - باب وطئ الرجل جارية يشتريها في دار الحرب
م 1955 - واختلفوا في وطئ الرجل أمته التي يشتريها في دار الحرب، فأباح
وطيها مالك، والأوزاعي، والشافعي، والثوري، وأبو ثور،
__________
(1) في الأصل "تنقضين".
(4/147)
وقال النعمان، ويعقوب: لا يطأها إن شاء على
ظاهر ما أباح الله من وطئ ملك اليمين، قال الله: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}، الآية.
55 - باب وطئ [1/ 185/ب] الرجل زوجته وأم ولده
اللتين قد سباهبما العدو
م 1956 - واختلفوا في وطئ الرجل زوجته، أو أم ولده إذا أمكنه وطئهما، وهما
بأيدي العدو، فقال النعمان: لا بأس أن يطأهما إذا لقيهما، هذا قول النعمان.
وقال الأوزاعي: لا يطأ فرجاً يتعاوره رجلان، هو في السر زوجها، والكافر في
العلانية، ولا يقعها، وليست بذات زوج فيهم، ماله أن يطأها حتى نجلو بينه
وبينها، فيخرج بها إلى دار الإسلام.
56 - باب الأسير المسلم يدخل دار الحرب بأمان
فيغدر
م 1957 - واختلفوا في الأسير المسلم في دار الحرب، أو المسلم يدخل دار
الحرب بأمان، هل له أن يأخذ من أموالهم أم لا؟
(4/148)
فمذهب الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، لا
يخونهم، ولأ يأخد من أموالهم.
وقال النعمان: إن قتل منهم أو أخذ منهم مالاً، ثم خرج إلى دار الإسلام ما
كنت أرده عليهم.
قال أبو بكر: بل يرده إليهم؛ لأنه مال له أمان.
(ح 887) كان المغيرة بن شعبة صحب قوماً فأخذ أموالهم، فقال النبي - صلى
الله عليه وسلم -: أما الإسلام فأقبل، وأما الأموال فلست منه في شيء.
والغدر لا يجوز.
وقال مالك في الرجل من أهل الحرب دخل دار الإسلام بأمان فقتله رجل من
المسلمين: يدفع ديته إلى ورثته في دار الحرب، وبه قال الأوزاعي.
م 1958 - وقال النعمان في رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فأدانه حربي ديناً،
ثم خرج الحربي مستأمناً فأراد الحربي أن يأخذ بدينه، قال: لا يقضى له على
المسلم بدينه.
وكذلك لو كان المسلم هو أدان الحربي ديناً كان سواء، ولم يقض له على الحربي
بدينه، وفي قول الشافعي: يقض بالمال في الوجهين جميعاً.
وبه أقول.
(4/149)
57 - باب إباحة دم
المعاهد وسبي ذراريه وأخذ أمواله إذا انقض العهد
(ح 888) ثبت أن يهود بني قريظة، والنضير حاربوا رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فأجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير، وأقر قريظة،
حتى حاربت قريظة بعد ذلك، فقتل رجالهم وقسم نساءهم، وأولادهم، وأموالهم بين
المسلمين.
قال أبو بكر: فللإمام أن يبدأ من خاف خيانته بالحرب، وليس له أن يفعل ذلك
إلا أن يجد دلالة قوية تدل على نقض العهد، ويقال: إلا الآية نزلت في قريظة
" {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى
سَوَاءٍ} الآية.
وقال أبو عبيدة: "وإما تخافن من قوم خيانة" مجاز [1/ 186/ألف] أي فإما، فإن
تخافن من قوم"، ومعناها: "فإن توقنن منهم خيانة وغدراً وخلافاً، وغشاً ونحو
ذلك".
وقال الكسائي وغيره: السواء: العدل، وقيل: إن قوله: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ
عَلَى سَوَاء} أعلمهم أنك قد حاربتهم حتى يصيروا مثلك في العلم، فذلك سواء.
(4/150)
م 1959 - واختلفوا فيما كان نقضاً للعهد،
كان الأوزاعي يقول: إن كان من أهل الذمة فخبّر أهل الحرب بعورة المسلمين،
ودل عليها، وأوى عيونهم، فقد نقض العهد، وخرج من ذمتهم إن شاء الوالي قتله،
وإن شاء صلبه
وفي قول الشافعي والنعمان: لا يكون ذلك نقضاً للعهد.
58 - باب الصلح والهدنة بين المسلمين والمشركين
إلى مدة من المدد
م 1960 - اختلف أهل العلم في المدة التي كانت بين رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - وبين أهل مكة عام الحديبية، ففي خبر عروة بن الزبير أن قريشاً هادنت
النبي - صلى الله عليه وسلم - على سنين أربع، وقال ابن جريج: المدة التي
كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش ثلاث سنوات، ثم نقضوه
للعام الرابع للحديبية، ذكر ابن جريج أنه قيل له ذلك.
وكان الشافعي يقول: "وكانت الهدنة بينهم يعني قريشاً وبين رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - عشر سنين، قال الشافعي: فأحب إليّ أن الإمام إذا نزلت به
نازلة يكون النظر لهم فيها مهادنة العدو، أن لا يهادنه إلا في مدة، ولا
يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية، كانت النازلة ما كانت، فإن هادنهم أكثر
منها فهي منتقضة لأن الأصل فرض فقال المشركون: حتى يؤمنوا، أو يعطوا أهل
الجزية الجزية".
م 1961 - وقال الأوزاعي: إن صالح المسلمون أهل الحرب على أن يؤدوا إلى
المسلمين كل سنة شيئاً معلوماً، على أن لا يدخل المسلمون بلادهم لم
(4/151)
نعب مصالحتهم، وقد صالح رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - المشركين يوم الحديبية على غير خراج يؤدونه إليه.
وقال أصحاب الرأي: لو أن قوماً من أهل الحرب أهل حصن، أو أهل مدينة، أو أهل
عسكر، أو أهل بلد من البلدان أهل الحرب سألوا المسلمين أن يوادعوهم سنين
معلومة على أن لا يدخل المسلمون بلادهم، وعلى أن لا تجري عليهم أحكام
المسلمين، فإن كان ذلك خيراً للمسلمين، وادعوهم على ذلك، فإن فعلوا، ثم رأى
المسلمون أنهم قوة، فعليهم أن ينبذوا إليهم، ثم يقاتلونهم.
وكان الأوزاعي يقول: لا يصلح أن يودع إمام المسلمين أهل الحرب على فدية أو
هدية يؤديها المسلمون إليهم إلا عن ضرورة، وشغل المسلم أهل العلم حربهم عن
قتال عدوهم، أو فتنة [1/ 186/ب] شملت المسلمين فإذا كان ذلك فلا بأس.
وقال الشافعي: "لا يعطيهم المسلمون شيئاً بحال إلا أن يخافوا أن يصطلحوا
لكثرة العدو، وقتلهم، أو خلة فيهم، فلا بأس أن يعطوا في ذلك الحال لأنه من
معاني الضرورات أو يؤسرون مسلماً فلا يخلى إلا بفدية، فلا بأس؛ لأن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فدى رجلاً برجلين".
وقال الأوزاعي: ولا بأس أن يصالحهم على عدد سبي يؤدونهم إلى المسلمين، ولا
يضر من أحرارهم كان ذلك أو من غيرهم، إذا كان ذلك الصلح ليس بصلح ذمة،
وخراج، يقاتل من ورائيهم، وتجري عليهم أحكام المسلمين، فلا بأس بذلك.
(4/152)
وقال أحمد بن حنبل: إذا صالحهم أهل الإسلام
على ألف رأس كل سنة، فكان يسبي بعضهم بعض ويؤدونه، قال: لا بأس به، ويجيء
به من حيث شاء: وبه قال إسحاق بن راهويه.
وقال النعمان: لا خير في الصلح على أن يؤدوا ذلك من أبنائهم، ولا ينبغي
للمسلمين أن يقتلوا ذراريهم أحداً؛ لأن الصلح وقع عليهم وعلى ذراريهم.
59 - باب نساء المهادنين
قال الله جل ذكره: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا
أَنْفَقُوا} الآية.
قال أبو بكر:
م 1962 - واحتمل قوله: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} من النفقات، واحتمل
الصداق الذي أعطوا، فإن مجاهد، وقتادة يقولان: ذلك الصداق، قال مجاهد في
هذه الآية: "ما ذهب من أزواج أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى
الكفار، فليعطهم الكفار صدقاتهن، وامسكوهن، وما ذهب من أزواج الكفار إلى
أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فكمثل ذلك في صلح كان بين محمد وقريش".
وقال الشافعي: ومثل ما أنفقدا يحتمل، والله أعلم، ما دفعوا بالصداق لا
النفقة غيره.
(4/153)
وفيه قول ثان: وهو أن لا يعطا الزوج المشرك
الذي جاءت زوجته مسلمة؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ فتح ذلك، ثم رسوله - صلى
الله عليه وسلم -، قال: وأشبههما أن لايعطوا عوضاً.
م 1963 - وقال مجاهد: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى
الْكُفَّارِ}: الآية قال بعد الصلح والعهد، {فَعَاقَبْتُمْ} الآية قال:
اقتصصتم أصبتم مغنياً من قريش، أو غيرهم {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ
أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} الآية صدقاتهن عوضاً.
وفية قول ثان: قاله قتادة: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ
إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} الآية وذكر قتادة كلاماً كثيراً، قال: ثم
نسخ هذا الحكم، وهذا العهد في براءة، فنبذ إلى كل ذي عهد عهده".
وقال عطاء: لا يعاض زوجها منها بشيء إنما كان ذلك من النبي- صلى الله عليه
وسلم -: وبين أهل [1/ 187/ألف] عهد بينه وبينهم، وقال الزهري: انقطع ذلك
يوم الفتح لا يعاض زوجها منها بشيء.
وقال الثوري: لا يعمل به اليوم.
(4/154)
60 - باب فتح مكة
واختلاف الناس فيه
م 1964 - اختلف أهل العلم في دخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم - مكة،
فقالت طائفة: دخلها عنوة كذلك قال الأوزاعي قال: فتح رسول - صلى الله عليه
وسلم - مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأراضيهم، ودورهم بمكة، ولم يجعلها
فيئاً.
وقال الشافعي: لم يدخلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم -عنوة، وإنما دخلها
صلحاً، وقد سبق لهم أمان، والذين قاتلوا وأذن في قتالهم بمكة، بنو نفاتة
قتله خزاعة وليس لهم بمكة دار، ولا مال، إنما هم قوم هربوا إليها، وقد تقدم
من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(ح 889) من دخل داره فهو آمن، من ألقى سلاحه فهو آمن".
وقال يعقوب: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مكة وأهلها:
(ح 890) وقال: من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل
دار أبي سفيان فهو آمن".
ونهى عن القتل إلا نفراً قد سماهم، إلا أن يقاتل أحد فيقاتل، وقال لهم حين
اجتمعوا في المسجد:
(ح891) "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
ولم يجعل منها فيئاً، ولم يسب من أهلها أحداً.
(4/155)
وكان أبو عبيدة يقول: فتح مكة ومنّ على
أهلها فردها عليهم، ولم يقسمها، ولم يجعلها فيئاً، فرأى بعض الناس أن هذا
جائز للأمة بعده، ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلاد من جهتين، إحداهما: أن
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان الله قد خصه من الأنفال. والغنائم ما
لم يجعله لغيره، وذلك لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ
الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية، فنرى أن هذا كان خاصة له،
والجهة الأخرى: أنه سن بمكة سنناً ليس لشيء من البلاد، وذكر أبو عبيد
أخباراً رويت في كراهية أجور بيوت مكة.
قال أبو بكر: أما حجة من قال: دخل النبي- صلى الله عليه وسلم - مكة صلحاً،
فما تقدم من النبي- صلى الله عليه وسلم - من الأمان قوله:
(ح 892) ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن ألقى
سلاحه فهو آمن، أو فمن ألقى السّلاح فهو آمن".
واحتج من قال بأنه دخلها عنوة بقوله:
(ح 893) إن الله حبس الفيل عن مكة وسلط عليهم رسوله والمؤمنون أنها لا تحل
لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار وهي ساعتي هذه.
(4/156)
(ح 894) وبحديث أبي هريرة عن النبي- صلى
الله عليه وسلم - أنه قال لهم: أترون أوباش قريش إذاً لقيتموهم غداً [1/
187/ب] واحصروهم حصراً، فلما، كان الغد لقيناهم فلم يشرف لهم أحد إلا
بأمره، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد
اليوم.
قالوا: فكيف يجوز أن يكون دخوله مكة صلحاً وهو يأمرهم أن يحصدوهم حصداً هذا
يستحيل أن يجوز لأحد أن يظن بالنبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أمنهم بمر
الظهران، وقبل (1) دخوله مكة نقض ذلك، أو يكون واعدهم وعداً ثم أخلف ذلك.
(ح 895) ويدل حديث أم هانئ: أجرت حموين لي من المشركين، وقول النبي- صلى
الله عليه وسلم -: قد أجرنا من أجرت، على مثل ذلك.
واحتجوا بقتل ابن خطل، ولو كان دخلها صلحاً ما جاز قتل أحد من أهلها،
وبقوله:
(ح 869) لا يقتل قرشي صبراً بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة.
61 - باب اختلاف أهل العلم في بيع رباع مكة
وأجرة منازلها
م 1965 - واختلفوا في كري بيوت مكة وبيع رباعها: فكرهت طائفة ذلك، كرِهَ
ذلك أبو عبيد.
__________
(1) في الأصل "أو قبل"، والصحيح ما أثبته
(4/157)
وقال أحمد: إني لأتوقى الكرى يعني أجور
بيوت مكة، وأما الشرى فقد اشترى عمر دار السجن، وأما البناء بمنى فإني
أكرهه، وقال إسحاق: كل شيء في دور مكة فإن بيعها: وإجارتها، وشرائها مكروه،
ولكن الشري، واستيجار الرجل أهون إذا لم يجد، وأما البناء بمنى على وجه
الاستخلاص لنفسه فلا يحل.
وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكري منازها.
فممن أباح كري مساكنها طاووس، وعمرو بن دينار، واحتج من هذا مذهبه أن عمر
بن الخطاب ابتاع دار السجن بأربعة آلاف، وهذا قول الشافعي قال:
(ح 897) وفي قوله، وهل ترك لنا عقيل منزلاً.
دليل على أنه ملك لأربابها.
واحتج الذين كرهوا ذلك بأخبار رويت عن عبد الله بن عمر، وعطاء وعمر بن عبد
العزيز، في كراهيتهم كرائها، وفي أسانيد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
فقال.
واحتج من أجاز ذلك بقول الله عز وجل: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا} الآية.
(ح 898) وبقول النبي- صلى الله عليه وسلم -من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
ومن أغلق عليه
بابه فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن".
(4/158)
فأثبت لأبي سفيان ملك داره، وأثبت لهم
أملاكهم على دورهم، وإذا ثبت ذلك لهم بالكتاب والسنة، لم يجب دفع ذلك بقول
أحد من الناس، ولا سيما لأخبار واهية تكلم في أسانيدها، وفي شري عمر دار
السجن من صفوان بن أمية بيان لما قلناه، لأنه لا يشتري ما لا يكون له ملك
عليه، ولا يطعم البائع [1/ 188/ألف]، مالاً يحل له.
ويدل مع ذلك على صحة ما ذكرناه دور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-، فممن له بمكة دار أو دور أبو بكر الصديق، والزبير بن عوام، وحكيم بن
حزام، وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية وغيرهم، فبعضها إلى اليوم بأيدي
أعقابهم وقد بيع بعضها، وتصدق بعضها، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا في
أملاكهم، وهو أعلم بالله ورسوله ممن بعدهم، وقد ذكرت باقي الحجج رداً على
الأخبار التي احتج بها من خالفها ما قلناه في الكتاب التي أخرجت منه هذا
الكتاب.
62 - باب الوقت الذي يستحق فيه الغازي الفرس
المحمول عليه
م 1966 - ثبت أن أبن عمر كان إذا حمل على البعير في سبيل الله، أو على
الدابة، أو على السبى قال لصاحبه: لا تبعه، ولا تملكه حتى تخلف وادي الطرس
من طريق الشام، أو حدره من طريق مصر، ثم شأنك وشأنه.
(4/159)
وقال أحمد: إنها فعل ذلك ابن عمر في ملكه،
ورأى أن المحمول عليه الفرس أن ما يستحقه بعد الغزو، وقد روينا عن سعيد بن
المسيب أنه قال: إذا بلغ رأس مغزاه فهو له، وبه قال سالم بن عبد الله،
والقاسم بن محمد بن يحيى الأنصاري، والليث بن سعد، والثوري، وذكر الأوزاعي
قول سعيد بن المسيب كالمفتدى به.
وقد روينا عن النخعي أنه قال في الرجل: يجعل الشيء في سبيل الله فيفصل منه
فصل قال: يجعله في ذلك.
وكان الثوري، وابن عون يعجبهما هذا القول، وقال مالك: من حمل على فرس في
سبيل الله فلا أري أن ينتفع بشىء من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقال له:
شأنك به ما أردته.
قال أبو بكر: إذا حمل رجل رجلاً على فرس في سبيل الله فغزا عليه فهو له:
(ح 899) استدلالاً بحديث عمر أنه حمل على فرس في سبيل الله، وأخبر أن الذي
وقفها عليه أن يبيعها، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتياعها،
فقال: لا تبتاعها ولا ترْجِعنّ في صدقتك.
ولما لم أعلم أحداً يقول: إن من حمل على دابة في سبيل الله، إن للمعطي أن
يبيعة مكانه، لم يجز أن يكون ذلك معنى للحديث، وإذا لم يجز ذلك، فإذا غزا
عليه فهو مال من ماله، يصنع به ما يصنع بسائر ماله، وهذا قول أكثر أهل
العلم.
(4/160)
مسألة
م 1967 - وإذا أعطى الرجل الشيء يجعله في سبيل الله، لم يأخذ لنفسه منه
شيئاً، وقد روينا عن مكحول، والليث بن سعد أنهما قالا ذلك، وهو يشبه مذهب
الشافعي.
وقال مالك مرة في مثل هذا: إذا احتاج الذي بعث به معه أن يأخذ لنفسه أخذ
بالمعروف. قال أبو بكر: الأولى أولى [1/ 188/ب].
63 - باب الفرس الحبيس في سبيل الله يحج عليه
م 1968 - واختلفوا في الرجل يأمر بالشيء في سبيل الله فقال كثير منهم: يجعل
في الجهاد، هذا مذهب يحيى الأنصاري، ومالك، والشافعي.
وقد روينا عن ابن عمر أنه كان يقول: الحج من سبيل الله، وقال مجاهد: كل خير
عمله فهو في سبيل الله.
64 - باب الخير إلى أرض العدو للتجارة
(ح 900) جاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من أقام
مع المشركين فقد برئت منه الذمة.
(4/161)
م 1969 - واختلف أهل العلم في الدخول إلى
أرض الشرك للتجارة فكره ذلك مالك، والأوزاعي، وروينا عن الحسن أنه قال في
الذين يحملون الطعام إلى أرض العدو: أولئك الفساق.
وكره عطاء، وعمرو بن دينار حماد السلاح إليهم، وقال الليث بن سعد: يعاقب من
فعل ذلك.
قال أبو بكر: يكره دخول أرض الحرب حيث تجري أحكامهم على المسلمين، وإن
بايعهم لم يحرم البيع، وأما التجارة في عسكر المسلمين في بلاد الحرب، فجائز
لا أعلم أحداً كره ذلك.
65 - باب حمل الرؤوس
م 1970 - روينا عن عقبة بن عامر أنه قال: جئت أبا بكر بأول فتح الشام ورؤوس
فقال: ما كنت تصنع بهذه شيئاً، وقال الزهري: أول من سن ذلك، ابن الزبير،
حمل إليه رأس ابن زياد وأصحابه.
وكره الأوزاعي حمل رؤوس المشركين.
وقد روينا عن علي أنه حمل إليه رأس ففزع من ذلك، وقال: لم يكن هذا على عهد
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا أبي بكر، ولا عمر، ونهى عن حمل
الرؤوس.
66 - باب الحربية تسبى وزجها أويسبأ أحدهما قبل
صاحبه
م 1971 - واختلفوا في الحربية تسبى فقالت طائفة: السبى يقطع العصمة بينهن
وبين أزواجهن، هذا قول مالك، وسفيان، والشافعي،
(4/162)
وأبي ثور، وحجتهم في ذلك قوله:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
الآية.
(ح 901) وروينا عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن
أزواج فكرهنا أن نقع عليهن، وذكرنا ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم -
فنزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ}.
وروينا ذلك عن ابن عباس، وقال النعمان: إذا سبيت المرأة ثم سبي بعدها زوجها
بيوم وهي في دار الحرب، أنها على النكاح [1/ 189/ألف].
وقال الأوزاعي: ماداما في المقاسم فهما على النكاح، وإن اشتراها رجل فشاء
أن يجمع بينهما جمع، وإن شاء فرق بينهما واتخذها لنفسه، أو زوجها من غيره
بعدما يستبرئها بحيضته.
قال أبو بكر: بحديث أبي سعيد أقول.
67 - باب الواقع على جارية من السبي
م 1972 - واختلفوا في الرجل من الجيش يقع على جارية من السبى، فكان مالك
يقول: عليه الحد، وقال أبو ثور: كذلك إذا كان عالماً بأن هذا لا يحل، وقال
الأوزاعي: كان من سلف من علمائنا
(4/163)
يقيمون عليه أدنى الحدين مائة جلدة، وتقوّم
هى فتكون من الذي وطيها, ويلحق ولده به.
وقال النعمان: ندرأ عنه الحد، ويؤخذ منه العهد، والجارية وولدها في
الغنيمة، ولا يثبت نسب الولد، وكان الشافعي يقول: "إن لم تحمل أخذ منه
عقرها، وردت في المغنم، وإن كان جاهلاً نهى، ولو كان عالماً عذر، ولا حد،
وإن علم حصته رفع عنه من المهر بقدر حصته، وإن حملت تقوم عليه تكون أم ولد
له.
68 - مسائل من هذا الباب
م 1973 - واختلفوا في العبد يسرق من الغنيمة، ومولاه في ذلك الجيش، فقال
النعمان: لا قطع عليه، وكذلك الرجل يسرق من الغنيمة، وقد كان أبوه، أو
أخوه: أو ذو رحم، أو امرأة سرقت من ذلك وزوجها في الجند، لا يقطع أحد من
هؤلاء.
وقال الأوزاعي يقطعون، ولا يبطل الحد عنهم، وقال الشافعي في السارق من
الغنيمة، وقد حضر ابنه، أو أبوه مثل ما قال النعمان، وخالفه في المرأة يحضر
زوجها الغنيمة، والأخ وغيره، وجعل عليها القطع.
م 1974 - واختلفوا في تسخير العلج، فروينا عن جندب بن عبد الله أنه قال كنا
نسخرهم يدلون على الطريق، ثم نرسلهم، وقال أحمد، وإسحاق: إذا يجدوا بداً
سخروا العلج.
(4/164)
قال أبو بكر: إن كان العلج الذي يسخر من
أهل الذمة بطيب من نفسه، فلا شيء عليهم، وإن كان حربياً لا أمان له، فلهم
إكراهه على ذلك.
م 1975 - وكان النعمان يقول في رجل من أهل الحرب دخل بأمان ومعه مولاه
أعتقه في دار الحرب قال: لا يعتق ذلك.
وفي قول الأززاعي والشافعي: هما حران.
وبه نقول.
م 1976 - وإذا دخل الرجل من أهل دار الحرب دار الإسلام ومعه أم الولد
ومدبرته، وأراد بيعهما ففي قول النعمان: يبيع مدبرته، ولا يبيع أم ولده،
وهذا قول الشافعي.
وبه نقول.
وقال الأوزأعي: هما سواء، لا يفرق بين قوله فيهما، وإن مات في دار الإسلام
لا يردهما وليه في الرق.
م 1977 - واختلفوا في الأسير [1/ 189/ب] يكره على شرب الخمر، ففي قول ابن
المبارك، والأوزاعي: لا يشرب الخمر لأن التقية عندهم باللسان لا بالعمل،
وكان مكحول، والحارث العكلى يقولان: إذا اضطر إلى الخمر فلا يشربها.
وكان الثوري يرخص في شربها إذا اضطر إليها، وهذا قول مسروق، وقال الشافعي:
أكره للأسير أن يشرب الخمر، ولا يتبين لي ان يحرم عليه.
(4/165)
|