الإشراف
على مذاهب العلماء 43 - كتاب قسم الفيء
1 - باب الفرق بين قسم الغنائم الموجف عليها
بالخيل والركاب، والفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب
قال الله جل ذكره: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}، إلى قوله {رَءُوفٌ
رَحِيمٌ} الآية.
أبو عبيدة يقول: "الإيجاف: وجيف الغرس أوجبته أنا، الخيل هي الخيل، والركاب
هي الإبل، والإيجاف: الإيضاع، وإذا لم يغزوا فلم يوجف عليها".
وقال قتادة في قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا
رِكَابٍ}، ما قطعتم إليها وادياً، ولا سيرتم إليها دابة ولا بعيراً، إنما
كان حوائط لبني النضير أطعمها الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -
2 - باب الخبر الدال على الفرق بين مال الفيء
ومال الغنيمة وعلى أن يجمع الناس في الفيء حق إلا بعض الرقيق
قرأ عمر بن الخطاب: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
حتى بلغ
(4/166)
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الآية ثم قال:
هذه لهؤلاء، ثم قرأ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى} حتى بلغ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} الآية إلى آخر الآية
فقال: هذه للمهاجرين، ثم تلا: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى آخر الآية فقال: هذه للأنصار، ثم قرأ
(1): [والذين جاءوا من بعدهم] الآية ثم قال: هذه استوعبت الناس عامة، ولئن
عشت ليأتين الراعي وهو بسَرْوِ حِمْيَر يصيبه منها، لم يعرق فيها جبينه،
وقال: ما على الأرض مسلم إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم.
وكان الشافعي يقول: ولم يختلف أحد لقيناه في أن ليس للمالك في العطاء حق،
ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة.
وقال الثوري: الغنيمة والفيء يختلفان، أما الغنيمة فما أخذ قهراً، فصار في
أيديهم من الكفار، فالخمس من ذلك يضعه الإمام حيث
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدر المنثور.
(4/167)
أراه (1) الله، والأربعة الأخماس الباقية
للذين غنموا تلك الغنيمة والفيء ما وقع من صلح بين الإمام والكفار في
أعناقهم، وأرضيهم، وزرعهم [1/ 190/الف] وفيما صالحوا عليه مما لم يأخذه
المسلمون عنوة، ولم يحرروه، ولم يقهروهم عليه، حتى وقع بينهم فيه صلح، فذلك
إلى الإمام يضعه حيث أمره الله تعالى.
وكان الشافعي يقول: أصل ما يقوم به الولاة من حمل المال ثلاث وجوه، أحدهما:
ما جعله الله طهراً لأهل دينه قال الله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً} الآية.
والوجه الثاني: الفيء وهو مفهوم في كتاب الله في سورة الحشر قال الله جل
ذكره: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ
عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} الآية فهذان المالان اللذان حولهما
الله من جعلهما له من أهل دينه، والغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معاً
الخمس من جميعها لمن سما الله، ومن سماه الله له في الاثنين (2) سواء
مجتمعين غير متفرقين، ثم يتفرق الحكم في الأربعة أخماس مما بين الله على
لسان نبيه وفعله، فالغنيمة لمن حضر من غني وفقير، والفيء ما لم يوجف عليه
بخيل ولا ركاب، وكانت سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في قرى عرينة أن
أربعة أخماسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصة دون المسلمين،
يصنعه (3) رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حيث أراه الله.
__________
(1) كذا في الأصل، وفي حاشية المخطوطة "أمر الله".
(2) كذا في الأصل، وفي الأم "آيتين".
(3) كذا في الأصل، وفي الأم "يضعه".
(4/168)
والجزية من الفيء وسبيلها سبيل ما أخذ من
مشرك، وكان ما أخذ من مشرك بغير إيجاف، وذلك ما يؤخذ منه إذا اختلف في بلاد
المسلمين, ومثل ما أخذ منه إذا مات ولا وارث له، وغير ذلك.
ووافق بعض أصحاب الشافعي في عامة ما حكيناه، وخالفه في إيجاب الخمس من
الفيء، ولعمري لا يحفظ عن أحد قبل الشافعي، قال: إن في الفيء خمس كخمس
الغنيمة، وأخبار عمر تدل على غير ما قاله الشافعي.
قال أبو بكر: ويعطي من مال الفيء أعطية المقاتلة، وأرزاق الذرية، وما يجري
على الحكام، والولاة، وعلماء المسلمين، وقرائهم، وما ينفق في النوائب التي
تنوب المسلمين كإصلاح الطرق، والجسور، والقناطير، وغير ذلك، ولا خمس في شيء
منه.
وقال أحمد، وإسحاق: الغنيمة: ما غلب عليه بالسيف، والفيء ما صولحوا عليه،
هو والجزية: جزية الرؤوس وِخراج الأرضين.
3 - باب التسوية بين الناس في الفيء والتفضيل
على سابقة الآباء
م 1978 - واختلفوا فيما روى عن الصديق، والفاروق في التسوية بين الناس،
والتفضيل على مسابقة الآباء، فروى [1/ 190/ب] عن أبي بكر الصديق أنه ساوى
بين الناس، وقال: وددت أن أتخلص مما أنا فيه بالكفاف، ويخلص لي جهادي مع
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
(4/169)
وروينا عنه أنه قال لما كلم في أن يفضل بعض
الناس في القسم فقال: فضيتهم عند الله، فأما هذا المعاش فالتسوية فيه خير.
واختلفت الأخبار عن عمر بن الخطاب في هذا الباب، والمشهور من قول عمر عند
كثير من أهل العلم والتفضيل على السوابق والغناء عن أهل الإسلام.
والمشهور عن علي أنه ساوى بين الناس.
ومال الشافعي إلى قول أبي بكر قال: "وذلك إني رأيت قسم الله في المواريث
على العدد يكون الأخوة متفاضلين، الغنا على الميت، والصلة في الحياة،
والحفظ بعد الموت، فلا يفضلون، وقسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لمن
حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد، ومنهم من يغني غاية الغناء ويكون
الفتوح على بديه، ومنهم من يكون محضره إما غير نافع، وإما ضار بالخيس (1)،
والهزيمة تكون بسببه".
4 - باب الفرض للنساء والمماليك من الفيء
(ح 902) روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا جاءه فيء قسمه
من يومه، فأعطى
الذي له الأهل له ولأمته حظين، وأعطي الأعزب حظاً واحداً.
وكان الشافعي يقول: "ينبغي للإمام أن يحصي جميع من في البلدان من
__________
(1) كذا في الأصل، وفي الأم "الجبن".
(4/170)
المقاتلة، وهم من قد احتلم، أو استكمل خمس
عشرة من الرجال، ويحصي الذرية، وهم من دون المحتلم ودون البالغ خمس عشرة،
والنساء صغيرتهن وكبيرتهن، ويعرف قدر نفقاتهم، وما يحتاجون إليه من مؤناتهم
بقدر معاش مثلهم في بلدانهم، ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم، والذرية
والنساء ما يكفيهم لسنتهم في كسوتهم ونفقتهم طعاماً، أو قيمته دراهم، أو
دنانير يعطى المنفوس شيئاً، ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته، وهذا مستوي
لأنهم يعطون الكفاية على قدر اختلاف أسعار البلدان، وحالات الناس فيها، ولم
يختلف أحد بغيته من أن ليس للمماليك في العطاء حق، ولا للأعراب الذين هم
أهل الصدقة، ويعطى من الفيء من رزق من ذلك، وكاتب جندى ممن لا غنا لأهل
الفيء عنه، رزق مثله".
(4/171)
|