الإشراف على مذاهب العلماء

44 - كتاب السبق والرمي
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر قال: قال الله جل ذكره: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية.
(ح 903) وروينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال في قوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ألا إن القوة الرمي ثلاثاً، إن الأرض ستفتح عليكم، وتكفون المؤونة، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه.

1 - باب [1/ 191/ألف] الفرق بين المضمرة من الخيل وغيرها والزيادة في أمد المضمره منها على غير المضمرة
(ح 904) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سابق الخيل التي أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها.
م 1979 - وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: لا يحملن على الخيل عند

(4/172)


الإجراء إلا كل محتلم، وكره مالك أن يحمل الصبيان الأصاغر على الخيل التي تجري في الرهان، وأن يجوعوا لذلك.
وكان الليث بن سعد يقول: ما أحب أن أتباع الصبيان الصغار لإجراء الخيل، والتماس الرزق بتعليمهم.

2 - باب الخبر الدال على أن السبق في الرهان في سباق الخيل إنما أبيح يخلل لا شأن أن يسبق الفرسين اللتين وقع عليهما الرهان
(ح 905) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن لا يسبق، فليس بقمار، وإن ادخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار.
م 1975 - ومن قال بهذا المعنى ابن المسيب، والزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، والشافعي.
وقد روينا عن جابر بن زيد أنه قيل له: أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يرون بالدخيل بأساً، قال: هم أعفّ من ذلك، وحكى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن المحلل في الخيل، فقال: الأعلى مثل ما سبق الإمام لا يرجع إليه من سبقه شيء، والرهن مثل ذلك.

(4/173)


وحكى أشهب عنه أنه قال في المحلل في الخيل: لا أحبه، قيل: والرجل يسبق الرجل في فرسه معه، قال: لا أحبه.

3 - باب الخبر الدال على إباحة السبق في النصل والخف والحافر
(ح 906) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وقال: "لا سبق إلا في خف أو حافر، أو نصل".
م 1981 - وبهذا الحديث قال الزهري، ومالك، والشافعي.
قال أبو بكر: ومعنى ذلك إنما هو على الرهان لا على غير معنى الرهان.
(ح 907) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قد سابق عائشة على قدميه.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: اجعلوا لهوكم في ثلاثة، في النساء، والخيل، والنضال، وروينا عن علقمة أنه كان له برذون يراهن عليه.
وذكر مالك أن السبق في غير الخيل، والرمي، والإبل قمار، مثل المراحى، والمزادة، وقال الشافعي: "قول النبي [1/ 191/ب]- صلى الله عليه وسلم -: لا

(4/174)


يسبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل، يجمع معنيين، أحدهما: أن كل نصل رمى به من سهم، ونشابة، أو ما ينكأ العدو نكايتها وكل حافر من إبل نجت، أو عراب، داخل في هذا المعنى يحل من السبق، والمعنى الثاني: أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا".
وقال الشافعي: "لو أن رجلاً سبق رجلاً على أن يسابقا على أقدامهما، أو أن يعدوا بسبق طايرٍ، أو على أن يمسك شيئاً في يده، فيقول: اركن (1)، أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو على أن يصرع رجلاً، أو يداً حي رجلاً بالحجارة فيغلبه، كان هذا كله غير جائز، ومن أكل المال بالباطل".
وقد روينا عن عطاء أنه قال: السبق في كل شيء جائز، فإن كان أراد أن يسبق جائز في غير باب الرهان متأولاً حديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سابقها على قدميه، فهذا سهل، وإن كان أراد من باب الرهبان، في غير ما أجازته السنة، فهو قول لا معنى له، وهو خلاف السنة.

4 - باب النهي عن الجلب والجنب في الرهان
(ح 908) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا جنب ولا جلب".
__________
(1) في الأصل "اذكر" والتصحيح من الأم.

(4/175)


م 1982 - فأما قوله "لا جلب" فهو يفسر بتفسرين، أحدهما: أن ذلك في الماشية، يقول: لا ينبغي للمتصدق أن يقيم بموضع، ثم يرسل إلى أهل المياه ليجلبوا إلى مواشيهم فيصدقها، ولكن ليأتهم على مياههم وأغنيتهم، كذلك قال أبو عبيد.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: صدقوا الناس على مياههم، وأغنيتهم، قال أبو عبيد: ويقال: إنه في رهان الخيل أن لا يجلب جنبها.
قال أبو بكر: من حجة من قال هذا.
(ح 909) حديث ابن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ومن أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا".
" وأما الجنب فقال: قيل: هو أن يجنب الرجل نجب فرسه الذي سابق عليه، فرساً عرياً ليس عليه أحد، فإذا بلغ قريباً من الغاية ركب الفرس العري، فيسبق عليه لأنه أقل عناءً وكلالاً من الذي عليه الراكب".
وكان مالك يقول في الجلب: أن يجلب وراء الفرس حين يدنو أو يتحرك وراءه الشيء ليستحث به السبق.

(4/176)


قال أبو بكر: ولم يختلف عوام من يحفظ عنه من أهل العلم أن السبق في النصل جائز.
قال الشافعي: "والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر، والثالث بينهما المحلل، كهو في الخيل لا يختلفان في الأصل، فيجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الآخر [1/ 192/ألف] ويرد منها ما يرد في الآخر، ثم يتفرعان، فإذا اختلفت عللهما اختلفا، فإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا قرعاً معلوماً خواسق أو حوابى فهو جائز إذا سميا العرض الذي يرميانه، وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة، فإذا تشارطا محاطة أو مبادرة فكلما أصاب أحدهما بعدد، والآخر بمثله، سقط كل واحد من العددين واستأنفا عددا، لأنهما أصابا بعشرة أسهم من عشرة، فسقطت العشرة من بالعشرة، ولا شيء لواحد منهما على صاحبه، وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه، حتى يخلص لأحدهما نصل العدد الذي شرط، فيفصله له ويستحق سبقه، ويكون ملكاً له، إن شاء أطعم أصحابه وإن شاء تموّله".

(4/177)