الإشراف
على مذاهب العلماء 46 - كتاب الدعوى
والبينات
قال الله جل ذكره: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} الآية، وقال جل ذكره:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ} الآية.
1 - باب تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم -[1/
200/ألف] أمته عقوبة من أخذ مالا بغير حقه
قال أبو بكر:
(ح 938) ثبث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحلف رجل على صبر
يقتطع بها مالاً هو فيها فاجر، إلا لقي الله عَزَّ وَجَلَّ وهو عليه غضبان،
قال الأشعث بن قيس: فيَّ أنزلت [هن] (1) وفي رجل خاصمتُه في بئر، فقال
النبي- صلى الله عليه وسلم - ألك بينة؟ قلت: لا، فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: فيحلف، قلت: إذاً يحلف، قال؟ فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية،
ففيه نزلت.
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع
(4/211)
2 - باب ما يفعله
الحاكم إذا تقدم إليه الخصمان وتعريفه إياهما بما يجب الحكم عليهما
(ح 939) ثبت أن رجلاً من حضرموت، ورجلا من كنده جاء إلى النبي - صلى الله
عليه وسلم - فقال الحضرمي: إن هذا قد غلبني على أرض في يدي، أزرعها ليس له
فيها حق، وهي أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها ليس له
فيها حق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: ألك بينة؟ قال:
لا: قال: فلك ليمينه، قال يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: هو رجل فاجر
ليس يبالي ما حلف عليه، ليس يتورع من شيء، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم
-: ليس لك إلا ذلك، قال: فانطلق ليحلف، فما أدبر، قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: أما إنه إن يحلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو معرض
عنه.
قال أبو بكر:
م 2025 - وقد أجمع أهل العلم على أن البينة على المدعى واليمين على المدعى
عليه، ومعنى قوله: "البينة على المدعى يعني يستحق بها ما ادعاه، لا أنها
واجبة عليه يؤاخذ بها، ومعنى قوله: "اليمين على المدعى عليه": أن يبرأ بها،
لا أنها واجبة عليه يؤخذ بها على كل حال، فإذا تقدم الخصمان إلى الحاكم
فادعى أحدهما، على صاحبه شيئاً نظر فيما يدعيه، فإن كان ذلك معلوما سأل
المدعى عليه عما ادعى، فإن أقر به، وسأل المدعى الحاكم إثبات ذلك في كتاب،
أثبته له وأشهد عليه، وإن سأله أن يدفع إليه ما أقر له به، أمره بدفعه
(4/212)
إليه، فإن فعل بريء، وإن امتنع أن يدفعه
إليه، وسال حبسه، ففي قول أكثر أهل العلم: يأمر بحبسه، إلا أن يعلم الحاكم
أنه معدم لا مال له، فلا يسعه حبسه، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية.
وإن أنكر المدعى عليه ما ادعاه، سأل الحاكم المدعى بينة تشهد له بما يدعى،
فإن أتاه بشاهدين [1/ 200/ب] يشهدان له على ما ادعى، أو رجل وامرأتين استحق
ما ادعى، ووجب على الحاكم أن يقضي له بحقه، وإن ذكر أن لا بينة له، وسأل
استحلافه يستحلفه له، فإن ادعى المشهود عليه بعد أن أقام المدعى البينة،
أنه قد قبض ذلك منه، وسأل استحلافه، أحلف على دعواه وأمر المدعى عليه
بالخروج من المال، وليس للحاكم استحلاف المدعى عليه حتى يسأله المدعى ذلك.
3 - باب الأيمان التي يجب استحلاف الخصوم
عليها، كيف يجب اليمين على من وجبت عليه
م 2026 - واختلفوا في كيفية اليمين التي يحلف المدعى عليه، فكان مالك يقول:
يحلف بالله الذي لا إله إلا هو.
وفيه قول ثان: هو أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة،
الرحمن الرحيم، الذي يعلم السر ما يعلم من العلانية، هذا قول الشافعي.
(4/213)
وحكى عن النعمان أنه قال: يحلفه بالله الذي
لا إله إلا هو، فإن اتهمه القاضي غلط عليه، وقال: احلف فقل: والله الذي لا
إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم
من العلانية، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وقالت طائفة: يستحل بالله لا يزاد عليه.
قال أبو بكر: فأي ذلك استحلفه الحاكم يجزي، غير أن الذي اختار أحب أن
يستحلفه به بالله الذي لا إله إلا هو، استدلالا:
(ح 940) بحديث ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: واحلف
بالله الذي لا إله
إلا هو ماله عندك شيء، وإن استحلف حاكم بالله أجزا.
قال عثمان لابن عمر: تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه.
وليس للحاكم أن يستحلف بالطلاق، والعتاق، والحج، والسبيل، وما أشبه ذلك، لا
أعلم أحدا من أهل العلم يرى أن يستحلف بشيء من ذلك.
4 - باب استحلاف أهل الكتاب
قال أبو بكر: دخل في جملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: واليمين على
المدعى عليه" المسلم، وأهل الكتاب، والرجال، والنساء، والأحرار، والعبيد.
م 2027 - واختلفوا في المواضع التي يستحلف فيها أهل الكتاب، وفي كيفية
أيمانهم.
(4/214)
فقالت طائفة: يستحلفون بالله، هذا قول
مسروق، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وعطاء بن أبي رباح، والحسن
البصري، وشريح، والنخعي، وكعب بن سور، وبه قال مالك، والثوري، وأبو عبيد
غير أن كعب بن سور قال: اذهبوا به إلى المذبح، واجعلوا التوراة، في خجرة،
[1/ 201/ألف] وإلا تحمل على رأسه.
وقال مالك: يستحلف النصراني حنث تعظيم من الكنائس وغيرها، وقال الشافعي
كذلك، وقد روينا عن شريم أنه كان يستحلف أهل الكتاب بدينهم.
وروينا عن الشعبي أن نصرانيا قال له: أحلف بالله، فقال له لا يا خبيث، قد
فرطت في الله، ولكن اذهب إلى البيعة واستحلفه بما يستحلف به مثله.
وقال أصحاب الرأي: يحلف بالله الذي أنزل إلا نجعل على عيسى ويحلف اليهودي
بالله الذي أنزل التوارة على موسى، وقال محمد: استحلف المجوس بالله الذي
خلق النار، وإستحلفه في بيت النار.
قال أبو بكر (1): أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم بين أهل
الكتاب بالقسط، والذي يجب أن يستحلف أهل الكتاب بما يستحلف به أهل الإسلام،
ولا نعلم توجب أن يستحلفوا في مكان بعينه، ولا يمين غير اليمين التي يستحلف
المسلمون.
5 - باب اليمين بمكة بين البيت والمقام
قال أبو بكر:
__________
(1) في الأصل "وقال أبو بكر".
(4/215)
م 2028 - واختلفوا في وجوب اليمين بمكة بين
البيت والمقام.
فقالت طائفة: يستحلف بين البيت والمقام إذا كان ما يدعيه المدعي
عشرون دينارا، ويحلف على الطلاق، والحدود كلها، والجراح العمد صغرت أو
كبرت، وعلى جراح الخطأ إن بلغ أرشها عشرون ديناراً، هذا قول الشافعي قال:
ولو أخطأ الحاكم في رجل عليه اليمين بين البيت والمقام، وأحلفه في مكان آخر
بمكة، ففيها قولان: أحدهما: أن لا يعاد عليه، والآخر: يعاد عليه اليمين.
قال أبو بكر: وأصح مذهبه أن لا يعاد عليه.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يجب الاستحلاف بين البيت والمقام إلا عند منبر
النبي- صلى الله عليه وسلم -، ولكن الحاكم يستحلفه في مجلسه، هذا قول
النعمان، ويعقوب، ومحمد.
6 - باب اليمين بالمدينة عند منبر النبي - صلى
الله عليه وسلم -
قال أبو بكر:
(ح 941) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من حلف على
منبري هذا ولو
على سواك أخضر تبوأ مقعده من النار.
قال أبو بكر:
(4/216)
م 2029 - وقد تكلم الناس في اليمين عند
منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان مالك يقول: يحلف على منبر النبي -
صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة دراهم، ويحلف قائما عندي أبين، والأمان في
القسامة، وفي الدماء، واللعان، والحقوق التي تكون بين الناس ليس يحلف أحد
عند منبر إلا منبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا أرى أن يحلف على
المنبر على أقل من ثلاثة دراهم.
وقال الشافعي: من ادعى مالا أو ادعى قبله فكانت يمينا نظر، فإن
كان [1/ 201/ب] عشرين دينارا فصاعدا، فإن كان بالمدينة حلف على منبر رسول
الله- صلى الله عليه وسلم -.
وقالت طائفة: لا يجب اليمين في مكان بعينه، ولكن الحاكم يستحلف من وجب عليه
اليمين في مجلسه، هذا قول النعمان، ويعقوب، ومحمد.
وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر بمن أنهم من عمال سليمان بفلسطين،
أن يحملوا إلى الصخرة، يستحلفوا حولها.
وقال مالك: يحلف الناس بغير المدينة في مسجد الجماعات لتعظيم ذلك، وقال
الشافعي: وإن كان بيت المقدس أحلفناه في موضع الحرمة من مسجدها، وأقرب
المواضع من أن يعظم، قياسا على
7 - باب الاستحلاف على المصحف
قال أبو بكر: لم نجد خبرا يوجب الاستحلاف على المصحف وإنما يجب الاستحلاف
بالله.
(4/217)
م 2030 - وحكى الشافعي أنه رأى مطرفا
بصنعاء يحلف على المصحف، وقيل لمالك: هل يستحلف عند الصحف؟ قال: بل يستحلف
في المسجد، وقال يستحلف قائما.
وقال الشافعي: رأيت حكامنا يستحلفون قائما، وقال أصحاب الرأي لا يستقبل
القاضي بالذي يستحلفه القبلة، ولا يدخله المسجد، حيث ما حله فهو مستقيم،
وقال مالك: لا يجلب إلى المدينة للأيمان من بعد، إلا في الدماء، والأيمان
في القسامة.
وقال الشافعي: لا يجلب أحد من بلد به حاكم لحق إلى مكة، والمدينة، ويحكم
عليه حاكم بلده.
8 - باب استحلاف من لا يعلم بينه وبين صاحبه
معاملة
قال أبو بكر:
(ح 942) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جعل البينة على المدعى،
واليمين على المدعى عليه.
دخل في ذلك الأخيار، والأشرار، ومن علم بينة وبين المدعى معاملة، أو لم
يعلم.
م 2031 - وقد اختلفوا في هذه المسأله، فكان الشافعي، وأصحابه، وأصحاب
الحديث، ولا أظنه إلا قول أصحاب الرأي يقولون بظاهر الحديث.
(4/218)
وقد روينا عن القاسم بن محمد أنه قال: إذا
ادعى الرجل الفاجر، على الرجل الصالح الشيء، يرى الناس أنه باطل، ولم يكن
بينهما معاملة: أن لا يستحلف له.
وذكر مالك عن جميل بن عبد الرحمن الموزن أنه حضر عمر بن عبد العزيز قضاء
بنحو من ذلك. قال مالك بعد ذكره حديث جميل: وذلك الأمر عندنا.
قال أبو بكر: الأول أولى [1/ 202/ألف].
9 - باب من جحد خصمه وأبى أن يحلف له
قال أبو بكر:
م 2032 - واختلفوا في الرجل يدعى قبل الرجل مالاً. فينكر ذلك المدعى عليه،
ويمتنع من اليمين.
فقالت طائفة: يرد اليمين على المدعى إذا حلف استحق ما ادعى، وروينا هذا
القول عن شريح، وابن سرين، وبه قال مالك، وسوار، وعبيد الله بن الحسن،
والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، والمزني، وكان الشافعي يرى رد اليمين في كل
شيء.
وقالت طائفة: المال يلزم بنكول المدعى عليه، هذا قول النعمان، وكان أحمد لا
يرى رد اليمين، ويحلف الرجل مع بينة، واختلف فيه عن أحمد فحكى إسحاق بن
منصور عنه أنه رأى رد اليمين، وقال في مكان آخر: إذا نكل لزمه دعوى صاحبه.
وقال أصحاب الرأي: إذا أبى أن يحلف، لزمه الحق.
(4/219)
قال أبو بكر: وقد بلغني عن بعضهم أنه قال:
يقول له القاضى: إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات، فإن حلفت، وإلا ألزمتك
دعوى الرجل.
وفي المسألة قول ثالث: وهو أن المدعى عليه إذا أبى أن يحلف أخذه الحاكم
باليمين؛ لأن قوله: اليمين على المدعى عليه "إيجاب عليه أن يحلف، فإذا
امتنع مما يجب له عليه آخذه به، وكان ابن أبي ليلى يقول في الخصم: يقول
للقاضي: لا أقر ولا أنكر: لا أدعه حتى يقرأ أو ينكر.
قال أبو بكر: وبالأول أقول.
م 2033 - واختلفوا في المدعى يرد عليه اليمين فلا يحلف.
فقالت طائفة: بطل حقه إلا أن يأتي بينة على أصل المال فيستحق المال ببينة،
فممن قال إذا أد اليمين على الطالب، فلم يحلف لم يعط شيئاً، شريح، وعبد
الله بن عتبة، ومالك، والشافعي.
وقال أبو ثور: إذا امتنع المدعى عليه من اليمين، وسأل المدعى حبسه، ففيها
قولان: أحدهما، أن يحبس له: والآخر: لا يحبس له.
10 - باب استحلاف المدعى مع بينة والاختلاف فيه
م 2034 - واختلفوا في المدعى، يثبت البينة على المال الذي يدعيه، هل للحاكم
أن يستحلفه مع بينة أم لا؟.
فكان شريح، والنخعي: يريان أن يستحلف الرجل مع بينته، وقال عبد الله بن
عتبة في رجل أقام بينة، وامتنع أن يحلف مع بينة: لا أقضي لك بمال لا تحلف
عليه، وهذا قول سوار.
(4/220)
وقال إسحاق: إذا استراب الحاكم، أوجب ذلك
[1/ 202/ب].
قالت طائفة: لا يستحلف الرجل مع بينته، هذا قول مالك، والشافعي، إلا أن
يدعى المدعي عليه أنه قد قضى المال الذي كان عليه، وقال أحمد، وأبو عبيد،
والنعمان: إذا جاء بالبينة، فلا يمين عليه.
قال أبو بكر: هكذا أقول.
(ح 943) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال قال للحضرمي: ألك بينة.
ولم يقل: وتحلف معها.
11 - باب وجوب قبول البينة بعد اليمين
م 2035 - واختلفوا في الرجل يقوم خصمه إلى الحاكم، فيستحلفه، ثم يأتي
بالبينة بعد ذلك، فكان شريح، والنخعي يقولان: تقبل البينة، وبه قال مالك،
والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب.
وفيه قول ثان: وهو أن البينة لا تقبل بعد يمين المدعى عليه، هذا قول ابن
أبي ليلى، وأبي عبيد.
م 2036 - واختلفوا في قول المدعى: "لا بينة لي"، ثم يأتي بالبينة، فكان
النعمان يقول: أقبل ببينته، وقال ابن الحسن: لا أقبلها.
قال أبو بكر: أقبل البينة؛ لأن المدعى قد يغفل ذلك، ثم يذكر.
(4/221)
12 - باب اليمين على
العلم يستحلف الخصم أم على البتّ
م 2037 - واختلفوا في استحلاف المدعى عليه على البت.
فقالت طائفة: يستحلف فيما وليه الإنسان بنفسه على البت، وما وليه غيره
استحلف على العلم، هذا قول النخعي، وبه قال الشافعي، وأحمد، والنعمان، وكان
شريح يستحلف في الداء الباطن على العلم، وفي الظاهر على البت، وبه قال ابن
شبرمة، وابن أبي ليلى.
م 2038 - وقال مالك، والشافعي: يحلف الورثة بالله ما علمنا اقتضى شيئاً،
ويأخذ الذي عليه.
وقال مالك: وإن كان فيهم صغيراً، أخذ حقه ولم يحلف، وفي قول الشافعي: يحلف
إذا كبر على عمله.
وفيه قول ثان: وهو أن يستحلف الوارث وغيره على البت، هذا قول شريح،
والشعبى، قالا: يستحلف الوارث البتة.
وفيه قول ثالث: وهو أن يستحلف الناس في الأشياء على العلم في المواريث،
والدعوى يدعيها الرجل في البيوع وغير ذلك، هذا قول ابن أبي ليلى.
قال أبو بكر: إن استحلف الحاكم المدعى عليه على البت، فلا شيء على الحالف
إذا كان صادقا عند نفسه، ويرجع ذلك إلى العلم، وإن استحلفه على علمه فغير
جائز إعادة ذلك عليه؛ لأن معناهما واحد، فإنما يستحلفون على العلم
استدلالا:
(4/222)
(ح 944) بحديث الأشعث بن قيس أن النبي- صلى
الله عليه وسلم - قال: [1/ 203/ألف] للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، ولكن نحلف
بالله الذي لا إله إلا هو ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه.
13 - باب استحلاف الرجل للمدعي عليه بالطلاق
والعتق
م 2039 - أجمع أهل العلم على وجوب استحلاف المدعى عليه في الأموال على سبيل
ما ذكرناه عنهم.
م 2540 - واختلفوا في وجوب اليمين في النكاح، والطلاق، والعتاق.
فقالت طائفة: عمّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بقوله: "اليمين على
المدعى عليه" كل مدعى عليه، ثم خص القسامة، فدخل في ذلك الأموال، والنكاح،
والطلاق، والعتاق، وسائر الأحكام، هذا قول الشافعي وكان سوار يستحلف في
الطلاق، وكان يعقوب، وابن الحسن يريان أن يستحلف على النكاح، فإن أبى أن
يحلف، ألزم النكاح.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يمين في الطلاق، والعتق، إلا أن يقيم المدعى
شاهداً واحداً، فإذا أقام شاهدا واحدا استحلف المدعى عليه، هذا قول مالك.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
(4/223)
14 - باب صفة اليمين
التي تجب استحلاف المدعى عليه
م 2041 - كان شريح يقول: يستحلف بالله ماله عندك حق، ولا يستحلف ما أقرضك
كذا وكذا، وقال مالك: يحلف بالله ماله عنده حق، وما أذهبت إلا باطلا.
قال أبو بكر: هكذا قول، وهذا على مذهب أهل الكوفة من أصحاب الرأي.
وقد روينا عن الشعبي أنه قال: يحلفه ما اشترى منه كذا وكذا.
قال أبو بكر: وهذا غلط. يبيعون، ويشترون، ويستقرضون، ويزول ذلك عنهم
لموجوه.
15 - باب اباحة أن يحلف المرء فيها هو صادقا
فيه
قال أبو بكر:
م 2042 - إذا ادعى الرجل مالاً يعلم المدعى عليه أن المدعى مبطل في دعواه
حلف ولا مأثم عليه. فإن كره اليمين وأراد أن يفتدى يمينه بمال يعطيه المدعى
فيها قولان، أحدهما: أن له ذلك، روينا عن حذيفة أنه بذل دنانيراً يفتدى بها
يمينه، والقول الثاني: أن يحلف ولا يجمع بين شيئين، أحدهما: أن يضيع ماله،
وقد نهى عن ذلك، والآخر: أن يطعم أخاه المسلم حراماً، وليس ذلك من نصحه.
وقد كان سوار أثار على رجل أن يحلف على حق له، ويأخذه.
(4/224)
16 - باب المدعى
عليه يجحد ما ادعى الخصم فيقوم عليه [1/ 203/ب] البينة فيأتي ببينة تشهد له
بالبراءة
م 2043 - واختلفوا في الرجل يدعى قبل الرجل المال، فيحجده فيقيم الطالب
البينة، فيأتي المطلوب ببينة تشهد بالبراءة فيما يدعيه عليه.
فقالت طائفة: تقبل ببينة، هذا قول الشافعي، والنعمان.
وقالت طائفة: لا يقبل منه بعد الإنكار مخرجا، هذا قول مالك، وابن أبي ليلى،
وبه قال أحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: الأول أصح.
17 - باب الأيمان في الدماء
م 2044 - اختلف أهل العلم في استحلاف المدعي: عليه القتل.
فقالت طائفة: الأيمان في الدماء مخالفة جميع الأيمان الذي لا يبرأ منه إلا
بخمسين يمينا، وما يبرأه يستحق ويبرأ منه بيمين واحدة، إلا اللعان، هذا قول
الشافعي، وحجته في خبر القسامة.
وفيه قول ثان: وهو أن الذي يستحلف عليه في غير باب القسامة يمين واحد، هذا
قول أصحاب الرأي، ولا أحسبه إلا مذهب المديني.
قال أبو بكر: وبهذا نقول، والحجة فيه:
(ح 945) الثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لو يعطى الناس
بدعواهم لادّعى ناس دمآء رجال، وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه.
(4/225)
ففي هذا الخبر بيان أن الدم لا يمين على
المدعى عليه، فيه إلا بيمين واحد.
مسائل
م 2045 - واختلفوا في وجوب الأيمان على الأمناء، ففي مذهب الشافعي، وأبي
ثور، والكوفي: يستحلفون فيما يذكرون من تلف أو غيره.
وقد روينا عن الحارث العكلي عن علي عليه السلام أنه قال: ليس على مؤتمن
يهبن.
قال أبو بكر: الأول أصح.
م 2046 - واختلفوا في الرجل المعسر يدعى عليه المال، ويريد المدعى
استحلافه، فكان أبو ثور، وآخر من أصحاب الشافعي يقولان: له أن يحلف مما
عليه حق، واحتجا بقول الله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} الآية.
وخالهما المزني فقال: لو لم يكن عليه حق لاستحال أن ينظر بحق ليس عليه.
م 2047 - واختلفوا في المدعى عليه يسكت، لا يقول، ولا ينكر، فكان مالك
يقول: يجبر حتى يقرّ أو ينكر، ولا يترك وما أراد، وكذلك قال ابن أبي ليلى.
(4/226)
وفي قول الشافعي: إذا فعل ذلك رد اليمين
على المدعى يحلف، واستحق مدعاه.
وفيه قول ثالث: وهو أن يقال له: احلف مرارا، فإن لم يحلف قضى عليه، هذا قول
يعقوب.
18 - باب الحكم باليمين مع الشاهد
قال أبو بكر:
(ح 946) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قضى [1/ 204/ألف]
باليمين مع الشاهد.
وقال بعض الرواة: في الحقوق.
م 2048 - وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وإياس بن معاوية، وعبد الله بن
عتبة، ويحيى بن يعمر، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور،
والمزني.
وقال باليمين مع الشاهد ابن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير،
وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود، وخارجه بن زيد بن
(4/227)
ثابت، وسليمان بن يسار، أبو الزناد، وأبو
سلمة بن عبد الرحمن.
وروى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، ولا يصح ذلك عن أحد منهما.
وقالت طائفة: لا يحكم باليمين مع الشاهد، كذلك قال النخعي، والشعي، وابن
أبي ليلى، والأوزاعي، وأصحاب الرأي.
م 2049 - وكان مالك، والشافعي يقولان: إذا أقام العبد شاهدا أن مولاه
أعتقه، لم يحلف العبد مع شاهده، ولا يستحق العبد الحرية إلا بشاهدين.
م 2050 - وقال مالك في الشهادة في الولاء لا أرى أن يجزيها ولا يوالى، فإن
طال ذلك ولم يجيء المال طالب، فأرى أن يحلف ويأخذ المال، ولا يجزيه.
وفيه قول الشافعي: لا يجزيه، ولا يثبت به مال من جهة جر الولاء.
م 2051 - ويحلف النصراني مع شاهده في قولهما جميعاً، وقول أحمد، ويستحق
المال.
م 2052 - ولا يحلف الغلام الذي لم يبلغ مع شاهده قول مالك والشافعي.
م 2053 - وتحلف المرأة المسلمة في قولهما، مع شاهدها وتأخذ الكتاب.
م 2054 - وقال مالك في العبد يأمره سيده أن يدفع مالاً من دين عليه، إلى
رجل فدفعه بشاهد عدل، فقال مالك: يحلف العبد ويبوأ السيد.
(4/228)
وفيه قول الشافعي: لا يحلف العبد ويحلف
الذي أنكر، وعلي السيد قضاء الدين.
م 2055 - وكان الشافعي يرى أن يستحق المدعى أرش الجناية الخطأ بيمين وشاهد.
م 2056 - وقال الشافعي: ولو أتى قوم بيمين وشاهد أن لأبيهم على فلان بن
فلان حقا، أو أن فلانا أوصى لهم بوصية، فمن حلف منهم مع شاهده أخذ مورثه،
أو وصيته دون من لم يحلف، ويوقف حق الطفل منهم، والمغلوب على عقله، حتى
يبلغ هذا، ويفيق الآخر، ويحلفان ويأخذان حصتهما.
م 2057 - وإذا كان لرجل على الناس ديون بشاهد واحد وعليه للناس ديون، قال
الغرماء: ما نحلف ونأخذ حقنا لم يحلفوا في قول الشافعي، فقال للورثة: إن
حلفتم ثبت الحق للميت [1/ 204/ب] بأيمانكم مع الشاهد وأديتم ما على أبيكم،
وإن لم يحلفوا لم يقبضوا شيئاً.
وفي قول مالك: يحلف الغرماء، ويأخذون حقوقهم.
م 2058 - ولو أقام شاهد أنه سرق متاعا من حرز سرا ما يقطع فيه اليد، حلف مع
الشاهد، واستحق المال، ولا يقطع من شهد عليه الشاهد الواحد بالسرقة.
م 2059 - واختلف مالك، والشافعي في المرأتين تشهدان، هل يحلف الطالب مع
شهادتهما في الحقوق فكان مالك يقول؟ يحلف الطالب مع شهادتهما ويستوجب
المال.
وقال الشافعي: لا يحلف مع شهادتهما.
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح.
(4/229)
19 - باب البيّنتين تتكافيا الدعوى في
الشيء الواحد ولا بينة لهما
قال أبو بكر:
(ح 947) روينا عن أبي موسى الأشعري أن رجلين اختصما رسول الله- صلى الله
عليه وسلم-في بعير، فأقام كل واحد منهما شاهدين، فقضى رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - في البعير نصفين.
م 2060 - وإذا ادعى الرجل دارا فقال كل واحد منهما: داري وفي يدي فليس على
الحاكم أن ينظر في أمرهما، لأن كل واحد منهما لا يدعى قبل صاحبه شيئا، ولا
في يديه فإن كانت الدار في أيديهما، وأقام كل واحد منهما بينة عادلة، وصدق
دعواه، فكان الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: يترك
في أيديهما، وكان لكل واحد منهما النصف، روينا معنى ذلك عن أبي الدرداء.
م 2061 - وإن أقام أحدها بينة، ولم يكن للآخر بينة فالدار شهدت له البينة
في قولهم (1) جميعاً.
م 2062 - وإن لم يكن لأحد بينة، والدار بأيديهما، فادعى كل واحد منهما جميع
الدار، حلف كل واحد منهما لصاحبه، وكانت الدار بأيديهما على ما كان.
م 2063 - وإن حلف أحدهما ولكل الآخر، رد اليمين على صاحبه، فحلف واستحق ما
بيد صاحبه في قول الشافعي، وأبي ثور.
__________
(1) في الأصل "قولهما".
(4/230)
وفي قول أصحاب الرأي: لا شيء للناكل ويجعل
جميع الدار بيد صاحبه الذي حلف.
م 2064 - والجواب في العبد الصغير الذي لا يتكلم في قولهم كالجواب في
الدار، وإن كان العبد كبيرا يتكلم ولا بينة لهما فقال: أن عبد أحدهما، ففي
قول النعمان، ويعقوب، ومحمد: هو عبد لهما، ولا يقبل قوله: أنه لأحدهما.
وكان أبو ثور يقول: القول قول العبد ويحتج [1/ 205/ألف] بأن المدعى عليه
العبودية، أو قال: أنا حر الأصل، كان القول قوله، وكذلك القول قوله إذا
قال: أنا عبد أحدهما.
20 - باب البينتين تستويان للمتداعيين والشيء
ليس في أيديهما
قال أبو بكر:
م 2065 - اختلف أهل العلم في الرجلين يدعيان الشيء ليس في أيديهما، ويقيم
كل واحد منهما بينة تصدق قوله.
فقالت طائفة: يقرع بينهما، لأنهما استويا في الحجة، فمن خرجت له القرعة صار
له ما ادعى، هذا قول أحمد، وإسحاق، وأبي عبيدة، وبه كان يقول الشافعي إذ هو
بالعراق.
وقد روينا عن عبد الله بن عمر، وابن الزبير ما يوافق هذا القول.
(4/231)
وقالت طائفة: يقضي بينهما نصفين، هذا قول
الثوري، وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي بمصر: فيها قولان، أحدهما: كما قال أحمد، والقول الثاني: كما
قال الثوري.
وقالت طائفة: قد اتفقت البينتان على أنها ليست للذي هي في يديه فيخرج عن
يده، ويوقف حتى يعلم من يستحقها فيدفع إليه، ومحال أن يكون الدار كل في وقت
واحد للرجلين لكل واحد منهم جميعاً على الكمال، وإحدى البينتين إما كاذبة
وإما غالطة، وليست الدار بأيديهما.
وكان مالك يقول: إذا تكافت بينتاهما لا أقضى بها لواحد منهما إذا لم يكن في
يد واحد منهما، وقال مرة: أذهب إلى العدول أيها أعدل، وكان الأوزاعي يقول
في رجل باع بيعاً، واختلفا في الثمن، وأقام كل واحد منهما بينة، يؤخذ بقول
أعد لهما بينة، فإن اعتدلتا أخذنا بأكثر البينتين عددا.
وقد روينا عن شريح أنه قال في رجلين أقام كل واحد منهما البينة: إنه أفتح
وأبلد، يقضي لأكثرهما بينة، وكان النخعي، والشافعي يقولان: إذا أقام أحدهما
شاهدين، والآخر أربعة: هي بينهما نصفين، وكان أبو ثور يقول: وإذا تداعياها
يعني الدار، وهي في يدي غيرهما، لم يدفع إليهما ولم يخرج من يدي من هي
بيده، وذلك أن البينتين قد تكاذبتا وتهاترتا.
(4/232)
21 - باب الأخبار
التي احتج بها من رأي استعمال القرعة في الشي الذي يتداعياه الرجلان
(ح 948) روينا عن ابي هريرة أن رجلين اختصما إلى رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - في دابة، وليس لهما بينة فأمرهما رسول الله [1/ 205/ب]- صلى الله
عليه وسلم - أن يستهما على اليمين، وقال أحمد في القرعة خمس سنين، أقرع بين
نساءه، وأقرع في ستة مملوكين، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
استهما.
قال أبو عبد الله: قال أبو الزناد: يتكلمون في القرعة، وقد ذكرها الله
عَزَّ وَجَلَّ موضعين من كتابه {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}
الآية.
قال أبو بكر: وقد اختلف كيفية القرعة، فقال أحمد: قال سعيد بن جبير:
بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب، فاخرج خاتم هذا وخاتم هذا، ثم قال:
يخرجون الخواتيم، ثم يدفع إلى الرجل فيخرج منها واحدا.
(4/233)
وكان الشافعي يقول: "يجعل رقاعا صغارا،
ويكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماهم، ثم تجعل في بنادق طين
مستوية، ثم تستجف قليلاً، ثم تلقى في ثوب رجل لم يحضر الكتاب، ويغطى عليها
ثوبه، ثم يدخل يده فيخرج بندقة وينظر من صاحبها، فيدفع إليه الجزء الذي
أقرع عليها، هكذا حتى ينفذ".
قال أبو بكر:
(ح 949) وخبر عمران بن حصين خبر ثان، أن رجلاً من الأنصار أعتق ستة أعبد في
مرضه، لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم
فجزاهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال قولاً شديدا.
(ح950) وخبر عائشة في حديث الإفك خبر ثالث وهو أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهما خرج بها رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - معه.
(ح 951) وخبر النعمان بن بشير خبر رابع، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه
وسلم -: مثل القائم على حدود الله والمراهن (1) فيها كمثل قوم استهموا على
سفينة وذكر الحديث.
__________
(1) كذا في الأصل، وعند البخاري "والواقع فيها"
(4/234)
(ح 952) وخبر خامس مما فيه ذكر الاستهام
ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لو يعلم الناس ما في النداء
والصف الأول لاستهموا عليها.
(ح 953) وفي حديث الزبير استعمال القرعة في أكفان الموتى، قال: لما انكشف
المشركون عن أحد، وقد أصيب من أصيب من المسلمين، وأن صفية جاءت ثوبين ليكفن
فيهما (1).
قال حمزة: فوجدنا إلى جنبه قتيلا من الأنصار، فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري
ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر، فأقرعنا عليهما، ثم كفنا كل واحد
منهما في الثوب الذي صار له.
وبيان سادس.
(ح 954) وفي حديث زيد بن أرقم أن ثلاثة نفر من أهل اليمن [1/ 206/ألف] أتوا
عليا يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد فقال: أنتم شركاء
متشاكسون وإني مقرع بينكم، فمن قرع منكم فله الولد، ولصاحبه عليه ثلثا
الدية، فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
حتى بدت أضراسه، أو نواجذه.
__________
(1) في الأصل "فيها".
(4/235)
قال أبو يكر: وقد جاءت القرعة من وجوه سبعة
أو ثمانية، وذكر القرعة في أخبار غير هذه الأخبار هي مذكروة في كتاب الدعوى
والبينات.
22 - باب الشي يكون بيد الرجل يدعيه آخر ويقيم
كل واحد منهما البينة على أن الشيء له
م 2066 - واختلفوا في الشيء يكون بيد الرجل فيدعيه آخر ويقيم كل واحد منهما
بينة على أن الشيء له:
فقالت طائفة: صاحب اليد أولى، هذا قول شريح، والشعبي، والنخعي، والحكم،
ومالك، والشافعي، وقال: ليفضل قوة سببه.
وقالت طائفة: البينة بينة المدعى الذي ليست الدار في يديه.
(ح 955) لان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البينة على المدعي واليمين
على المدعى عليه.
لأن المدعى عليه في يده الدار، هذا قول أحمد، وإسحاق.
23 - باب القوم يختلف دعواهم (1) وتستوي حججهم
م 2067 - واختلفوا في الدار يدعيها أربعة نفر، ادعى أحدهم أنه له جميع
الدار، وادعى الآخر أن له ثلثي الدار، وادعى الثالث أن له نصف الدار، وادعى
الرابع أن له ثلث الدار، أقام كل واحد منهم شاهدي على دعواه، فحكى بعض
أصحابنا أن في هذه المسألة أربعة
__________
(1) كذا في الأصل، وفي حاشية المخطوطة "دعاويهم".
(4/236)
أقاويل، أحدها: إن الدار تقسم على ستة
وثلاثين سهما، يعول ثلثها وهو اثنا عشر سهما، يدفع إلى مدعي الجميع، لأن
مدعي النصف، ومدعي الثلاثين، ومدعي الثلث قد يبرأوا من هذا الثلث فلم يدعوا
فيه شيئاً، ثم يؤخذ سدس الدار وهو ستة أسهم من ستة وثلاثين سهما، فيقسم بين
مدعي الجميع ومدعي ثلثيها، لأنهما مدعيان في لهذا السدس ويبرأ منه مدعي
النصف، ومدعي الثلث، ويؤخذ سدس آخر فيقسم بين مدعي الجميع، ومدعي ثلثيها،
ومدعي لنصفها أثلاثا، لأنهم جميعاً قد استووا في الدعوى في هذا السدس،
ويبقى ثلث الدار فيقسم هذا الثلث بينهم أرباعا فيصير في يدي مدعي جميع
الدار عشرون سهما [1/ 206/ب] من ستة وثلاثين سهما من جميع الدار وفي يدي
مدعي ثلثيها ثمانية أسهم من ستة وثلاثين سهما من جميعاً، وفي يدي مدعي
النصف خمسة أسهم من ستة وثلاثين سهما من جميعها، وفي يدي مدعي ثلثيها
ثمانية أسهم من ستة وثلاثين سهما من جميعها، هذا قياس قول الحرث العكلي،
وقتادة، وابن شبرمة، وحماد بن أبي سليمان، والنعمان.
وفيه قول ثان: وهو أن الدار يقسم بينهم على خمسة عشر أنهم، والمدعي ثلثها
سهمان، هذا قول ابن أبي ليلى، وناس من أصحاب الرأي، وهذا قياس على عول
الفرائض.
وفيه قول ثالث: وهو أن ثلث الدار يدفع إلى مدعي الجميع، لأنه لا منازع له
فيه، ويقرع بين مدعي الجميع ومدعي الثلثين في سدس الدار، فأيهما أصابته
القرعة حلف وقضي له به، ويقرع بين مدعي الجميع ومدعي الثلثين ومدعي النصف
في سدس آخر، فأيهم أصابته القرعة حلف وقضي له به، ويقرع بين أربعتهم جميعاً
في الثلث الباقي من الدار،
(4/237)
فأيهم أصابته القرعة حلف وقضي له به، هذا
قياس قول أحمد، وأبي عبيد، وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق.
وفيه قول رابع، وهو أن ثلث الدار يعزل، فيدفع إلى صاحب الجميع، ويوقف سدس
الدار على مدعي الجميع، ومدعي الثلثين حتى يصطلحا فيه، ويوقف سدس آخر على
مدعي الجميع ومدعي الثلثين، ومدعي النصف، حتى يصطلحوا فيه، ويوقف ثلث الدار
عليهم جميعاً حتى يصطلحوا فيه، هذا قول أبي ثور.
وقد اختلف عن مالك في هذه المسأله، فروى عنه أنه قال نحو ما حكى عن ابن
شبرمة.
وروى عنه أنه قال بالقول الأول الذي ذكر عن أبي ثور.
24 - باب دعوى النتاج
م 2068 - اختلف أهل العلم في الدابة تكون بيد الرجل، وادعاها آخر، أقام كل
واحد منهما بينة على أنها دابته نتجتها عنده.
فقال (1) الشافعي: هي للذي هي في يده، وبه قال شريح، والنخعي، وأبو ثور،
وأصحاب الرأي، وكذلك العبد، والأمة.
وكان أحمد يقول: لا فرق بين النتاج وغيره، ويقض بالدابة للذي ليست في يديه.
م 2069 - وإذا كان ثوب خز في يد رجل فادعاه آخر أنه ثوبه نسجه، وأقم على
ذلك بينة، وأقام الذي هو في يديه البينه على مثل ذلك، فهو للذي هو في يديه
في قول الشافعي، [1/ 207/ألف] وأبي ثور.
__________
(1) في الأصل "فكان الشافعي".
(4/238)
وقال أصحاب الرأي: إن كان مما ينتج مرتين
قضيت به للمدعي، وإن كان مما لا ينتج إلا مرة، قضيت به للذي هو في يديه،
وإن كان مشكلا قضيت به للمدعي، حتى يعلم أنه مما لا ينتج مرتين، وبه قال
أحمد.
وفي قول أحمد: الثوب الذي ليس في يديه، فإذا كان الصوف في يدي رجل فأقام
رجلٌ البينة أنه صوفه جزه من غنمه، وأقام الذي في يديه البينة على مثل ذلك،
فهو للذي هو في يده. وكذلك المرعى، والشعر، والخز في قياس قول الشافعي، وبه
قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 2070 - وإذا كانت أرض، أو نخل في يد رجل، فأقام رجل آخر عليها البينة
أنها أرضه، ونخله، وغرسه فيها وأقام الذي في يده الأرض على مثل ذلك، فإذا
اثبتوا له الأرض ملكا، والنخل كانت للذي في يده، في قياس قول الشافعي، وبه
قال أبو ثور وقال أصحاب الرأي: يقضي به للمدعي.
م 2071 - فإذا كانت حنطة في يدي رجل فأقام رجل البينة أنها حنطة زرعها،
فأقام الذي هي في يديه البينة على مثل ذلك، فإنها للذي في يده قياس قول
الشافعي، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: يقضي بها للمدعي.
وقياس قول: أن الشيء للذي ليس في يده.
م 2072 - فإذا كان عبد في يدي رجل فادعى رجل آخر أنه عبده ولد في ملكه من
أمته هذه، ومن عبده هذا، فأقام البينة على ذلك، وأقام الذي هو العبد في يده
البينة مثل ذلك، فإنه للذي العبد في يده قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
(4/239)
وكان أبو ثور يقول: وإذا كان عبد في يدي
رجل، فأقام رجل عليه البينة أنه عبده ولد من أمته هذه ومن عبده هذا، وأنه
ولد في ملكه، وأقام الآخر البينة على مثل ذلك، فإنه يوقف حتى يعلم لمن هو
منها، إذا لم يوقف الشهود، ويخرج من يدي الذي هو في يديه، فيوقف حتى يعلم،
أو يصطلحوا عليه، لأنهم قد زالوا ملكه عنه.
وقال النعمان: يقضي بينهما نصفين، وقال أبو يوسف، ومحمد: لا يثبت نسبه من
الأمتين؛ لأن علمي يحيط أنه لا تلده اثنتان، وقد يشرك الأبوان في الولد.
م 2073 - وإذا كان كوز صفر، أو نور، أو طست، أو آنية من آنية الحديد، أو
الصفر، أو النحاس، أو الشبه، أو الرصاص في يد رجل، فأقام رجل البينة إنه
صاغه في ملكه، وأقام الذي في يده البينة على مثل ذلك، فإنه للذي في يده في
قول أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إن كان هذا الإيصاغ إلا مرة، فإنه للذي هو في يده، وإن
كان يصاغ [1/ 207/ب] غير مرة فهو للمدعي.
م 2074 - قال أبو ثور: وإذا كانت دجاجة في يد رجل، فأقام رجل البينة، أن
البيضة التي منها هذه الدجاجة كانت له، قضي له بالدجاجة لأنها خرجت من ملك
له.
وقال أصحاب الرأي: يقضى على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها إذا أقر أنه
فرخها، ولا يشبه هذا الولادة والنتاج.
(4/240)
25 - باب الدعوى
أحدهما وقته قبل وقت صاحبه
م 2075 - كان الشافعي يقول: إذا كان العبد في يد رجل فأقام رجل البينة أنه
له منذ سنين هو في يديه، وأقام الآخر البينة إنه له منذ شهر، فهو للذي في
يديه، والوقت الأول والآخر سواء.
وقال أبو حنيفة: إذا كان العبد في يد رجل، فأقام رجل آخر البينة أنه عنده
ملكه منذ سنة، فأقام الذي هو في يديه البينة أن له منذ سنين، فهو للذي هو
في يديه، وقال يعقوب: هو للمدعى، ثم رجع إلى قول أبي حنيفة، وهو قول محمد،
وقال أبو ثور: هو للذي في يده.
م 2076 - وإذا كانت الدابة في يدي رجل وأقام رجل البينة أنها له منذ سنة،
وأقام آخر البينة أنها له منذ سنين، فإنه يقضي بها لصاحب السنين في قول أبي
حنيفة، وأبي يوسف الآخر، ومحمد، وقال أبو ثور كما قال النعمان.
م 2077 - وقال أبو ثور: إذا كانت الدابة في يدي رجل، فأقام آخر البينة أنها
له منذ عشر سنين، فنظر الحاكم في سن الدابة، فإذا هي بنت ثلاث سنين بطلت
بينته، وكانت للذي في يديه ويستحلف للمدعي.
وقال أصحاب الرأي: لا يقبل بينته على ذلك.
م 2078 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا كانت الدار في يد رجل فادعاها
رجل وأقام البينة أنها له منذ سنة، وأقام آخر البينة أنه اشتراها من آخر،
وهو يملكها منذ سنتين، فإنه يقضي بها لصاحب الشرى.
(4/241)
26 - باب الدعوى في
الشرى والهبة
م 2079 - واختلفوا في الدار تكون بيد رجل فادعاها رجلان ادعى أحدهما أنه
اشتراها بمائة درهم ونقد الثمن، وادعى الآخر أنه اشتراها بمائتي درهم ونقد
الثمن، ولم يوقت واحد من البينتين وقتا، فقال الشافعي: كل واحد منهما
بالخيار أن يأخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده، ورجع على البائع بنصفه،
وإن شاء رده، فإن اختار البيع فهو جائز لهما، وإن اختار أحدهما البيع
واختار أحدهما الرد فللذي اختار نصفها بنصف الثمن، وبه قال النعمان،
ويعقوب، ومحمد.
وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال: أقرع بينهما، فعلى هذا القول يجعل الدار
لمن أصابته القرعة، ويرجع [1/ 208/ألف] الآخر على البيع بالثمن.
وفيه قول للشافعي: وهو أن البيع ينفسخ بعد الأيمان إذا لم يعرف أيهما أول،
وكان أبو ثور يقول: فيها قولان: أحدهما: أن يجيز الحاكم على فسخ البيع حق
يرجع إلى مالكها، والآخر أن يؤخذ البائع برد الثمنين، وتوقف السلعة حتى
يتبين لمن هي، أو يصطلحا.
وقال أبو ثور والنعمان: إذا وقفت البينة هي للأول، ويرجع على البائع
بالثمن.
27 - باب الدعوى في الميراث
م 2080 - واختلفوا في الرجل يدعي داراً في يد رجل، ويقيم البينة أن أباه
مات وتركها ميراثا، لا وارث له غيره، وادعاها آخر وذكر أن أخاه
(4/242)
مات وترك هذه الدار، لا وارث له غير هذا،
والذي في يديه الدار منكر، فكان الشافعي يقول: في هذه قولان: أحدهما: أن
يكون بينهما نصفين، والآخر: أن يقرع بينهما، فأيهما خرجت له القرعة كانت
له.
وقال أبو ثور: إن وقتت البينتان فهي للأول، وإن لم توقتتا تهاترتا،
وألغيناهما جميعاً واستحلفنا الذي الشيء في [[يده]]، فإن حلف لهما لم يخرج
الشيء من يديه، وقال أصحاب الرأي: يقضي بالدار بينهما نصفين.
قال أبو بكر:
م 2081 - وإذا كانت أمه في يد رجل فادعاها رجل وأقام البينة أنها كانت
لأبيه، وإنه مات، ولا يعلمون له وارثا غير هذا، وأقام آخر البينة أنه
اشتراها من أبي هذا بمائة درهم ونقده الثمن، فإنه يقضي بها للمشترى في قول
الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ولا أحفظ عن غيرهم في خلاف قولهم.
م 2082 - وكذلك لو شهدوا على صدقة مقبوضة، أو هبة، أو نحل، أو عطية، أو
عمرى في قولهم جميعاً.
وكذلك نقول.
م 2083 - وإذا كانت في دار في يد رجل عليها البينة أن أباه مات وتركها
ميراثا، ولم يشهدوا على الورثة، ولا يعرفونه، فإن القاضي يكلف الورثة
البينة أنهم ولد فلان بن فلان لا يعلمون له وارثا غيرهم، فإن أقام البينة
على ذلك دفعت الدار إليهم، وإن لم تكن بينة وقفت الدار أبدا حتى يأتوا
ببينة أنهم ذريته، لا وارث له غيرهم وهذا قول الشافعي، والنعمان، وأبي ثور.
(4/243)
م 2084 - وإذا كانت الدار في يد رجل فأقام
رجل البينة أن أباه مات وتركها ميراثا، وأقام آخر بينه أن أبا هذا المدعى
تزوج [1/ 208/ب] عليها أم هذا، وأن أمه فلانة ماتت وتركتها ميراثا، فإنه
يقضي بها لابن المرأة، هذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
قال أبو بكر:
م 2085 - وفي شهادة رجلين على شهادة رجلين قولان، أحدهما أن لا يجوز على
شهادة كل رجل إلا رجلان، هذا قول الشافعي، ومال أبو ثور إلى هذا القول.
والقول الثاني: أن شهادة رجلين على شهادة رجلين جائزة، هذا قول أصحاب
الرأي.
م 2086 - ولا تجوز شهادة النساء في الطلاق، والنكاح في قول الشافعي، وأبي
ثور.
وفي قول أصحاب الرأي: شهادتهن جائزة في ذلك.
م 2087 - وإذا كانت دار في يدي ورثه، وأحدهم غائب، فادعى أحدهم أنه اشترى
من الغائب حصته وأقام على ذلك بينة، فإن بينته تقبل في قول الشافعي، وأبي
ثور، وكذلك نقول.
وقال أصحاب الرأي: لا تقبل بينة على الغائب.
م 2088 - وإذا كانت الدار في يدي رجل وابن أخيه، فادعى العم أن أباه مات
وتركها ميراثا لا وارث له غيره، فادعى ابن الأخ أن أباه مات وتركها ميراثا
لا وارث له غيره، فإن لم يكن لواحد منهما بينة، فإنه يقضي بها بينهما نصفين
في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
(4/244)
28 - باب الشهادة
بين أهل الذمة في المواريث
أمر الله جل ذكره بقبول شهادة من يرضى من المسلمين، وأمر برد شهادة الفساق
من المسلمين، إذا لم تجز شهادة الفساق من المسلمين، فشهادة من كذب على
الله، وكفر به وبرسله أولى بالرد، فلا يجوز لحاكم أن يقبل شهادة أحد خالف
دين الإِسلام، وسواء كان المحكوم له، أو المحكوم عليه كافرا لأن الله عَزَّ
وَجَلَّ يقول: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآية.
م 2089 - هذا قول الحسن البصري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا كانت الدار في يدي رجل ذمي فادعاها ذمي آخر، وأقام
البينة من أهل الذمة أن أباه مات وتركها ميراثا له، ولا يعلمون له وارثا
غيره، فإنه يقضي له بالدار، وكذلك إن كان الشهود من المجوس؛ لأن الكفر كله
ملة واحدة.
قال أبو بكر:
م 2090 - وإذا كان الرجل معروفا بالنصرانية فمات، وترك ابنين أحدهما مسلم
والآخر نصراني، فادعى النصراني أن أباه مات نصرانيا، وادعى المسلم أن أباه
أسلم قبل أن يموت، وقامت البينة على أن لا وارث للميت غيرهما, ولم [1/
209/ألف] يشهد على إسلامه، ولا على كفره غير الكفر الأول، فهو على الأصل،
فميراثه للنصراني حتى يعلم إسلامه، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وبه نقول.
(4/245)
م 2091 - ولو أقاما جميعاً البينة، وأقام
النصراني شاهدين مسلمين أن أباه مات نصرانيا، وأقام المسلم شاهدين نصرانيين
أن أباه أسلم قبل أن يموت، فالميراث للنصراني الذي شهد له المسلمان، ولا
شهادة للنصراني، هذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: نجيز شهادة أهل الذمة، ونجعلها للمسلم.
قال أبو بكر: لا تقبل شهادة من خالف دين الإِسلام.
م 2092 - ولو أن دار في يدي رجلين أحداهما مسلم، والآخر نصراني، فأقرا
جميعاً أن أباهما مات وتركها ميراثا، وهما أخوان، وقال المسلم: مات أبي
مسلما، وقال الآخر: مات أبي كافرا, ولم يكن لهما بينة، استحلفا، وكانت
الدار بأيديهما بينهما، وهذا قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: يحكم المسلم.
والجواب في الدار، والعبد، والأمة، والثياب، والحيوان، والذهب والفضة سواء.
ولو أن داراً بيد رجلين فأقرّا جميعاً أن أباهما مات وتركها ميراثا، فقال
أحدهما: كنت مسلما وكان أبي مسلما، وقال الآخر: قد كنت أنا أيضاً مسلما،
وقال آخر: كنت نصرانيا فأسلمت بعد موت أبي، وقال: هو: أسلمت قبل موته، وأقر
الآخر أن أخاه كان مسلماً قبل موت أبيه، فإن الميراث للمسلم الذي يجمع على
إسلامه، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 2093 - وكذلك لو كان عبدا فقال أخوه: أعتقت بعد موت أبيك، وقال الآخر:
أعتقت قبل موت أبي، فالميراث للذي أجمع على عتقه في قولهم جميعاً.
(4/246)
م 2094 - وإذا كانت الدار في يد ذمي فادعى
المسلم أن أباه مات وتركها ميراثا له، لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام على
ذلك بينة من أهل الذمة، وادعى فيها ذمي مثل ذلك، وأقام بينة من أهل الذمة،
فإن الدار لمن هي بيده إذا جحد دعواهم، ويحلف كل واحد منهما في قول
الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي يقضى بها للمسلم لأن بينة الذمي كفار، فلا تجوز شهادتهم
فيهما يضر بالمسلم وينقصه، ولو كانت بينة الذمي مسلمين، قضى بالدار بينهما
نصفين.
وفي قياس قول الشافعي يقضي بها للذي شهدت له البينة من المسلمين، وبه قال
أبو ثور.
قال أبو بكر:
م 2095 - وإذا كانت الدار في يد رجل مسلم فقال: مات أبي وهو مسلم، وترك هذه
الدار ميراثا لي، وجاء أخو الميت وهو ذمي، فقال: مات أخي وهو كافر على
ديني، وابنه هذا مسلم، استحلف الابن على دعوى الأخ، وذلك [1/ 209/ب] أن
الدار في يدي الابن، والأخ مدعٍ، فلا يصدق إلا بحجة، وهذا قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يرث الأخ مع الابن شيئاً.
م 2096 - وكان أبو ثور يقول: إذا كان الرجل كافرا واختلفوا في إسلامه، فهو
على كفره، لا يصلى عليه حتى يشهد شاهدان أن فلان ابن فلان أقر بالإِسلام،
وانتقل عما كان عليه من الكفر إلى الإِسلام، هذا قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: إذا كان بعض الورثة مسلمين جعلت القول قولهم.
(4/247)
قال أبو بكر: كما قال أبو ثور أقول، وإسلام
بعض الورثة لا يدل على إسلام الميت.
م 2097 - واختلفوا في بنت وأخ، وإلى بنت مسلمة والأخ كافر، فقالت البنت:
كان الميت مسلما، وقال الأخ: كان كافراً، أو كانت البنت كافرة والأخ مسلما،
ففي قول أصحاب الرأي: القول قول المسلم منهما.
وفي قول أبي ثور: ينظر إلى الذي بيده الشيء، فيجعل له ويستحلف على دعوى
الآخر.
قال أبو بكر:
م 2098 - وإذا مات المسلم وله امرأة ذمية، فادعت أنها قد أسلمت قبل موته،
فعليها البينة، فإن لم يكن لها بينة فلا ميراث لها، ويحلف لها الورثة، ولو
لم يعلم أنها كافرة، وقالت: لم أزل مسلمة.
وقالت ورثته: كانت كافرة، فالقول قولها مع يمينها، وعلى الورثة البينة.
م 2099 - وكذلك لو قالت: لم أزل حرة، وادعت الورثة أنها أمة، فالقول قولها.
م 2100 - ولو ادعوا أنه طلقها ثلاث، وجحدت ذلك، فالقول قولها مع يمينها،
وهذا كله قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
غير أن أصحاب الرأي لم يذكروا يمينها، ولا يمين الورثة.
قال أبو بكر:
م 2101 - ولو أن المرأة أقرت أنها طلقها واحدة في صحته وانقضت عدتها ثم
قالت: راجعني قبل أن يموت، وقالت الورثة: لم يراجعك، فالقول قول الورثة،
لأنها قد أقرت أنها خارجة من ملكه، وادعت الدخول
(4/248)
في ملكه، فلا يقبل قولها لا ببينة، وهذا
قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 2102 - ولو قالت المرأة: طلقني واحدة ولم تنقض عدتي حتى مات، وقالت
الورثة: انقضت عدتها، فكان القول قولها في قولهم جميعاً.
29 - باب الشهادة الولادة والنسب
قال أبو بكر:
م 2103 - إذا كان العبد صغيرا في يد رجل يدعى أنه عبده، فالقول قوله إذا
كان لا يعبر عن نفسه، بمنزلة الثوب، فإن ادعى آخر أنه ابنه فهو مدع، وعليه
البينة، فإن شهدوا أنه ابنه فلم يزيدوا على ذلك ففيها قولان، أحدهما: قول
أبي ثور: إنه يقضي له به بالنسب ويجعل ابنه وهو عبده للذي هو في يديه،
لاحتمال أن تكون أمه أمة تزوج بها حرا، فيكون الولد رقيقا بأمه، ويكون نسبه
ثابتا.
والقول الثاني: أنه يلحق به نسبه ويكون حرا من قبل النسب الذي شهدوا له به،
هذا قول أصحاب الرأي، وسواء كان الأب من العرب، أو من قريش، أو من الوالي،
أو حراً أهل الذمة فهو سواء.
م 2104 - وقد اختلف أهل العلم في الرجل من العرب يتزوج بأمة قوم، فكان أبو
ثور يقول: إذا كان الأب من العرب يقوم على أبيه ولا يسترق، وقد روينا عن
عمر بن الخطاب أنه قال لابن عباس: اعقل عني ثلاثاً، الإمارة شورى، وفي فداء
العرب مكان كل عبد عبد، وفي ابن الأمة عبدان: وكتم ابن طاووس الثالثة.
(4/249)
وروينا عن ابن المسيب أنه قال في المولى
ينكح الأمة "يسترق ولده وفي العربي ينكحها: لا يسترق ولده، وعليه قيمتهم"
وكان الشافعي يقول: يروى عن عمر لا يسترق عربي وقال: إن سباهم منسوخ، ثم
قال بمصر: "ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سباني عبد المصطلق،
وهو رزن، وقبائل من العرب، وأجرى عليهم الرق، حتى من عليهم بعد"، وذكر
كلاما تركت ذكره، وكان الثوري، وإسحاق يقولان: في العرب يتزوج الأمة: لا
يسترقون، ويقديهم.
وفيه قول ثان: قال مالك، وأصحاب الرأي: وهو إذا علم أنها أمه فأولادها
رقيق، واحتج من قال هذا بأخبار ثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
دالة على صحة هذا المذهب، فمن ذلك:
(ح 956) حديث عمر أنه سمع ناساً يقولون: اعتق رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - رفيق حنين
ومعه غلام من رقيق حنين فقال: اذهب فأنت حر.
قال أبو بكر: وغير جائزان يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعتق
أحرارا، ومن ذلك:
(ح 957) حديث عائشة أن سبيئة كانت عندها من بني تميم فقال: اعتقيها فإنها
من ولد إسماعيل.
(4/250)
(ح 958) وحديث آخر لعائشة قالت: أتى رسول
الله- صلى الله عليه وسلم - سبى بني العنبر فقال لها رسول الله- صلى الله
عليه وسلم -: أعتقي من بني العنبر أو من بني لحيان، ولا تعتقي من بني
خولان.
فقد ثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بما ذكرناه، ولم
يعارض ذلك أخبار غيرها، وإنما تؤخذ أحكام الإسلام عنه - صلى الله عليه وسلم
-، فالخبر والنظر على ذلك يدل، فأما الخبر، فقد ذكرناه، وأما النظر فكذلك
دال عليه بذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - سوى بين المسلمين في دمائهم [1/
210/ب] وقد أجمع أهل العلم على القول به، فحكم ما دون الدماء حكم الدماء،
ويجب رد كل مختلف فيه إلا أخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو بكر:
م 2105 - وإذا كان غلام صغير في يدي رجل فادعى أنه ابنه، وادعى آخر أنه
ابنه، وأقام على ذلك بينة، فإن نسبه يلحق بالذي أقام عليه البينة في مذهب
الشافعي، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي يقضي به للمدعى، ويثبت نسبه منه.
قال أبو بكر:
م 2106 - وإذا كان الذي يدعيه حر، والذي أقام البينة عبد، أو ذمي، فإن نسبه
يثبت من المدعى، ويلحق به بشهادة الشهود، ويكون الصبي عبدا للذي هو في يديه
في قول أبي ثور، وبه قال أصحاب الرأي.
إلا في الصبى يدعيه من بيديه إنه عبد له فإنهم قالوا: يكون حراً.
(4/251)
م 2107 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا
كان الصبي في يد رجل فادعى أنه أقام على ذلك بينة، وادعى رجل آخر أنه ابنه،
وأقام على ذلك بينة، فإنه للذي هو في يديه.
قال أبو بكر: وبه نقول، وهذا على مذهب الشافعي.
م 2108 - وإذا كان عبد وامرأته أمة، وفي أيديهما صي فادعاه رجل من العرب،
وأقام البينة أنه ابنه من امرأته هذه، وهي من العرب، وأقام العبد البينة
أنه ابنه، فهو ابن العبد الذي في يديه، وهذا قول أبي ثور.
وبه نقول، وليس بين العجم، والعرب فرق في شيء من أحكام الله عز وجل.
وقال أصحاب الرأي: يقضي به للعربي ولامرأته، للعتق الذي دخل فيه، وكذلك لو
كان المدعي من الوالي عندهم.
قال أبو بكر:
م 2109 - وإذا كان الصبي لقيطا في يدي رجل، فادعاه رجلان، وأقام كل واحد
منهما البينة أنه ابنه، ولد على فراسة بن امرأته هذه إن البينتين قد
تدافعتا وأحدهما كاذبة، ففيها قولان، أحدهما وبه أقول، أن يرى للقافة
فبأيهما ألحقوه به الحق، وهذا على مذهب أبي ثور.
والقول الثاني: أن يكون ابن المرأتين والرجلين، ويقضي به لهما جميعاً، وهذا
قول بعض أصحاب الرأي، وقد ثبت أمر القافة عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وقضى بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بحضرة المهاجرين والأنصار،
فلم يدفعه أحد منهم.
وقال يعقوب، ومحمد: نجعله ابن الرجلين، ولا نجعله ابن المرأتين.
(4/252)
30 - باب إثبات أمر
القافة
(ح 959) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة سرورا تبرق
أسارير وجهه فقال: ألم تسمعي ما قال محيرز المدلجي لزيد، وأسامة [1/
211/ألف] قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
م 2110 - وممن قال بإثبات أمر القافة أنس بن مالك، وعطاء بن أبي رباح، وزيد
بن عبد الملك، ومالك، والأوزاعي، والليث، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور،
واختلف الذين قالوا بالقافة في القائف يقول: هو ابنهما.
وقالت طائفة: إن كان الولد كبر أقيل له: انتسب إلى أيهما شئت، وإن كان
صغيرا انتظر به حتى يكبر، فلينتسب إلى أيهما شاء، وكذلك إن قالت القافة: قد
أخذ الشبه منهما، هذا قول الشافعي، آخر قوليه بمصر، واحتج برواية أخرى رويت
عن عمر أن القافة قالت له: قد أشركا فيه، فقال له عمر: انتسيب، وإلى أيهما
شئت.
م 2111 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا كان صبي في يد رجل، فادعته امرأة
أنه ابنهما، وأقامت شاهدين على ذلك فإنه يقضي به للمرأة، وإن كان للذي هو
في يده يدعيه، لم يقص له به.
قال أبو بكر:
م 2112 - وأقل ما يقبل على الولادة شهادة أربع نسوة، وهذا قول عطاء،
والشعبي، وقتادة، والشافعي، وأبي ثور.
(4/253)
م 2113 - وكان أبو ثور يقول: إذا كان العبد
في يد رجل فادعاه آخر أنه عبده ولد في ملكه، وأنه أعتقه، وأقام الذي في يده
العبد أنه عبده ولد في ملكه بيته، قضى للذي هو في يده.
وقال أصحاب الرأي: يقضي به للذي أعتقه.
قال أبو بكر: قول أبي ثور صحيح (1)، لأن المدعى لم يثبت له شيء فيجوز له
عتقه.
م 2114 - وإذا كان عبد في يد رجل، فأقام رجل البينة أنه ابنه من أمته هذه،
وأقام الذي هو في يده البينة أنه عبده، أو ولد في ملكه، فإنه يقضي به للذي
هو في يده، في قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: يحكم به للمدعي الحرية.
م 2115 - وإذا كان صبي في يدي رجل فادعى أنه ابنه، ولد على فراشه من هذه
الأمة، وادعاه مكاتب أنه ابنه ولد على فراشه من هذه المكاتبة، وأقام كل
واحد منهما على ذلك البينة، فإن هذا يرى للقافة في قول أبي ثور فأيها
ألحقوه به لحق.
وقال أصحاب الرأي يجعل للمكاتب.
قال أبو بكر:
م 2116 - ولو ادعاه يهودي، ونصراني، ومجوسي، وأقام كل واحد منهم بينة أنه
ابنه ولد على فراشه، فإنه يرى للقافة ويلحق بمن ألحقوه به، هذا قول أبي
ثور.
وقال أصحاب الرأي: يجعله ابن اليهودي، أو النصراني.
__________
(1) وفي حاشية المخطوطة "أصح".
(4/254)
قال أبو بكر:
م 2117 - وإذا كانت الدار في يدي رجلين فادعى أحدهما النصف، وادعى الآخر
الكل فإن المدعي صاحب الكل [ثابت] فيقال لصاحب [1/ 211/ب] النصف: ما تقول
فيما يدعي، فإن أقر له به، دفع ما في يده، وإن أنكر حلف، وكان النصف في يده
كان، وهذا قول أبي ثور، وقال النعمان: صاحب النصف مصدق؛ لأن النصف في يديه،
ولم يدع فصل، والذي ادعى الجميع مدعى عليه البينة، فإن قامت لها البينة،
فإنه يقضي بالدار لصاحب الجميع، وهذا قول النعمان، ويعقوب، ومحمد.
31 - باب الدعوى في الحائط
قال أبو بكر:
(ح 960) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد مجهول لا يثبت
من جهة النقل أنه قضى في الخص الذي يليه القمط.
م 2118 - وقد روينا عن علي بن أبي طالب عليه السلام بإسناد فيه مقال
(4/255)
أيضاً أنه للذي يليه القمط وعن شريح أنه
قضى بالقمط، وقال يعقوب، ومحمد: والقضاء بالخص لمن يليه القمط، ويقضي
بالبناء أيضاً لمن كان ظهر البناء، وأنصاف اللبن إليه.
وفيه قول ثان وهو أنه بينهما نصفان فلا يلتفت إلى القمط أن تكون أحدهما،
هذا قول أبي ثور، والنعمان، وكذلك البناء إذا كان وجهه إلى أحدهما، فهو
بينهما نصفان ولا ينظر في ذلك إلى من إليه الوجه، وبه قال النعمان.
قال أبو بكر: وهذا أصح القولين, لأن الخبر لم يثبت، وإذا لم يثبت الخبر
فالاعتماد عليه غير جائز والله أعلم.
م 2119 - وكان الشافعي يقول: إذا تداعى الحائط رجلان فإن كان متصلا ببناء
أحدهما إيصال البنيان الذي لا يحدث مثله إلا من أول البنيان، جعلته له دون
المتقطع منه، فإن كان غير موصل بواحد منهما، أحلفهما، وجعلته بينهما، ولا
أنظر إلى من إليه الخوارج ولا الدواخل، ولا أنصاب اللبين، ولا معاقد القمط،
لأنه ليس في شيء من هذا دلالة، ولو كان لأحدهما عليه جذوع، ولا شيء للآخر
عليه أحلفتهما، وأقررت الجذوع بحالها، وجعلت الجدار بينهما نصفين.
وكان أبو ثور يقول: يحلف كل واحد منهما لصاحبه، ويكون الحائط بينهما نصفين،
ولا ينظر إلى عقد البناء، ولا إلى وجهه غير أنه قال: فإن كان لأحدهما عليه
جذوع، وليس للآخر عليه شيء، فصاحب الجذوع أولى؛ لأنه في يده دون صاحبه، وبه
قال النعمان.
(4/256)
م 2120 - وقال أبو ثور: وإن كان لأحدهما
عليه حوارى، وبوارى فهو له أيضاً، وقال النعمان: لا يستحق لهما شيئاً.
م 2121 - وقال أبو ثور: إذا كان الحائط متصلاً ببناء أحدهما وليس للآخر
عليه [1/ 212/ألف] جذوع فهو بينهما أيضا.
وقال النعمان: هو لصاحب الإتصال.
م 2122 - وقال أبو ثور، والنعمان: إن لم يكن متصلاً ببناء أحدهما، ولا
لواحد منهما عليه جذوع، فهو بينهما نصفين.
م 2123 - وقال أبو ثور، والنعمان: إن كان لأحدهما عليه عشر خشبات، وللآخر
سبعة، فهو بينهما نصفان.
م 2124 - وقال أبو ثور: إن كان لأحدهما عليه عشر خشبات، وللآخر واحدة، فهو
بينهما نصفان.
وقال النعمان: لكل واحد منهما ما تحت خشبة، ولا يكون بينهما نصفين.
م 2125 - وقال أبو ثور: إن كان لأحدهما ستره وللآخر عليه خشب، فهو بينهما.
وقال النعمان: الحائط الأسفل لصاحب الخشب منهما، ولصاحب السترة على حالها.
م 2126 - وقال أبو ثور: إن كان أسفل الحائط وعلوه لرجل، فأراد صاحب الأسفل
أن يهدم السفلي فليس ذلك له، وإن أراد صاحب السفل أن يفتح فيه كوة، أو
يابا، أو يدخل عليه فيه جذعْاً، فإن كان لا يضر بصاحب العلو، فذلك له، وإن
كان يضر به فليس له ذلك.
(4/257)
وقال أبو يوسف، ومحمد له أن يحدث فيه ما
شاء ما لم يضر ذلك بالعلو، وقال النعمان: ليس له أن يفتح فيه كوة، ولا
يابا، ولا يدخل فيه جذعا، لم يكن له ذلك إلا بإذن صاحب العلو.
م 2127 - وقال أبو ثور لصاحب العلو أن يحدث في علوه بناء، أو يدخل فيه جذعا
إذا لم يضر بصاحب السفل، وقال النعمان: ليس له ذلك.
م 2128 - وإن كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السفل والعلو جميعاً، لم
يجبر صاحب السفل على بنيانه ولصاحب العلو أن يبني السفل، ثم يبني العلو
فوقه، ولا يسكن صاحب السفل منزله، حتى يؤدي البنا إلى صاحب العلو، هذا قول
النعمان، ويعقوب، ومحمد.
وقال أبو ثور: يجبر صاحب السفل أن يبني سفله حتى يبني صاحب العلو علوه.
قال أبو بكر: وهذا قول مالك بن أنس.
وفيه قول ثالث: وهو أن صاحب السفل لا يجبر على بناء سفله، فإن تطوع صاحب
العلو فبنى، ورد علوه عليه، فليس له إذا فعل ذلك أن يمنع صاحب السفل أن
يسكنه، وليس على صاحب السفل قيمة البناء، يحكى هذا القول عن الشافعي.
32 - باب النهي عن منع الجار جاره أن يغرز خشبة
في جداره
قال أبو بكر:
(ح 961) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[قال:] لا يمنع أحد لم جاره
أن يغرز خشبه في جداره، وقال أبو هريرة: لما ذكر لهم هذا عن رسول
(4/258)
الله - صلى الله عليه وسلم -: مالي أراكم
[1/ 212/ب] معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم.
(ح 962) وثبت عن - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس لرجل أن يمنع جاره أن يضع
خشبه في جداره، وفي بعض الأخبار: إن شاء وإن أبى.
قال أبو بكر:
م 2129 - وقد اختلف في ذلك فكان أحمد، وأبو ثور، وطائفة من أهل الحديث يرون
الحكم بذلك، قال أحمد: إذا كان حائط وثيق، وحكى مالك عن المطلب أن كان يقضي
به.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - تحضيضاً، ولا
يقضى به على الناس، هذا قول مالك بن أنس.
قال أبو بكر: والقول الأول صحيح؛ لأن الأخبار دالة على أن ذلك من جهة
الوجوب لا من جهة الندب، ويؤيد ذلك قول أبي هريرة "والله لأرمين بها بين
أكفافكم"، وأبو هريرة أعلم بما قد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،
وبمعناه عمن بعده، ولا يجوز أن يلزمهم ما ليس بواجب عليهم، وخبر عمر بن
الخطاب في الخليج الذي ساقه الضحاك بن خليفة بن العريض، فأراد أن يمر به في
أرض لمحمد بن سلمة، وان محمد أبى فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك،
دلالة على صحة هذا القول، لو اعتمد عليه معتمد، فكيف في الخبر عن رسول
الله- صلى الله عليه وسلم - كفاية ومقنع.
(4/259)
م 2130 - واختلفوا في الرجل يستعير حائط من
جار له فيبني عليه ثم يبدو له.
فقالت طائفة: يعطيه قيمة بنائه، وهذا قول شريح، والشعبي.
وقال مالك: إن كان إنما أراد ذلك لحاجة إليه، فأرى ذلك له، فأما أن يكون
على وجه الضرر فلا أرى له ذلك.
33 - باب سعة الطريق إذا تشاح أهلها فيها عند
القسم والدعوى في الطريق
قال أبو بكر:
(ح 963) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ختلفتم في طريق
فاجعلوها سبعة أذرع.
قال أبو بكر:
م 2131 - فإذا كان للرجل باب في دار رجل من داره، فأراد أن يمر فيه فمنعه
صاحب الدار، فله ذلك إلا أن يشهد بينة أن له الدار طريقا ثانيا، وإن لم يكن
له بينة فله استحلاف الرجل، وهذا على مذهب أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 2132 - فإن شهد شاهدان أن هذا كان يتطرق من هذا الباب، ولم يقولوا: يحق
له، لم يثبت له بهذه الشهادة شيء حتى يقولوا يطرق بحق له.
(4/260)
34 - باب التداعي في
الولد وإلحاقه بصاحب الفراش [1/ 213/ألف]
قال أبو بكر:
(ح 964) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، الولد للفراش
وللعاهر الحجر.
م 2133 - وثبت أن عمر بن الخطاب قال: بلغني أن رجالا منكم يعزلون، فإذا
حملت الجارية، قال: ليس مني، والله لأوتي برجل فعل ذلك منكم إلا ألحقت به
ولدها، فمن شاء فليعزل، ومن شاء فلا يعزل، وكان أبو ثور يقول بحديث عمر
وحكى ذلك عن الشافعي.
واحتج أبو ثور بقضاء النبي- صلى الله عليه وسلم - في ابن وليدة زمنه.
وفيه قول ثان: روينا عن زيد بن ثابت أنه كان يقع على جارية له، يطيب نفسها،
فلما ولدت انتفى من ولدها، وضربها مائة، ثم أعتق الغلام.
وروينا عن ابن عباس أنه وقع على جارية له، وقد كان يعزلها، فولدت، فانتفى
من ولدها.
وقال الثوري: ليس للرجل أن ينكر ولد الأمة إذا اعترفت، به، وإذا انتفى منه
قبل أن يعترف به، لم يلحق به، وقال النعمان: إذا أقر الرجل بولده من أمته،
أو زوجته، لم يكن له أن ينفيه أبداً.
(4/261)
قال أبو بكر:
إذا قرأ الرجل بوطئ أمه فجاءت بولد لستة أشهر من يوم أقر بوطئها، فهو لازم
له، لا ينفى عنه أبداً، استدلالا:
(ح 965) بخبر الزهري عن عروة عن عائشة في قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم
- في ابن جارية زمعة.
وكان النعمان يقول: إذا وطىء الرجل أمته فولدت، لم يلزمه ولدها، وإن حضنها
ويبرأها ثيبا، لم يلزمه الولد، إلا أن يقربه، وقال: إذا حضنها فأحب إلي في
دينه أن يقربه، وإن لم يحضنها فهو في سعة من إنكاره.
وهذا خلاف حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في ابن جارية زمعة، وخلاف
حكم عمر بن الخطاب، بين المهاجرين والأنصار على المنبر، مع ترك جميع من
حضره منهم إنكار ذلك عليه، وقول النعمان هذا: خطأ بين، لأنه خلاف السنة،
وخلاف حكم عمر بين المهاجرين والأنصار على المنبر.
م 2134 - وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل، إذا كانت له
جارية، وعلم أنه يطأها، أقر بذلك قبل بيعها، ثم باعها، فظهر بها حمل وولدت
عند المشترى ولدا تاما لأقل من ستة أشهر، من يوم عقد البيع، وادعاه البائع،
أو الولد لا حق به، وان البيع يبطل.
م 2135 - واختلفوا في إذا ولدته لستة أشهر، أو لأكثر، أو لأقل من المدة
التي تحمل المرأة فيه.
(4/262)
فقالت طائفة: إن كان يعلم أن البائع كان
يطأها، فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر ما بينهما، ومن تسعة أشهر
منذ باعها ولم يدعه [1/ 213/ب] المشتري، فهو ابن البائع، ويفسخ البيع ويرد
الثمن، وترجع الجارية إليه، ويكون ابنه، وتكون أم ولد له، فإن جاءت به لأقل
من ستة أشهر، ولم يدعه البائع، وادعاه المشتري، فلا يلحق به النسب، وذلك أن
المرأة لا تلد ولداً يعيش إلا بستة أشهر أو أكثر، فإن جاءت به لستة أشهر أو
أكثر وادعاه المشتري، ولم يدعه البائع، فهو ابن المشتري.
وإن ادعياه جميعاً، وقد علم أن البائع كان يطأها، أرى للقافة فبأيهما ألحق
به، لحق، وإن ألحقوه بهما جميعاً، فهو ابنهما جميعاً، ويرثهما، ويرثانه،
ورد البائع على المشتري نصف الثمن، وتكون الجارية أم ولد لهما جميعاً، وليس
لأحد منهما أن يطأها، وإذا ماتا فهي حرة، وإن أعتقاها جميعاً، فلها أن
تتزوج أيهما شاءت، بعد أن تحيض حيضة استبراء لا عدة عليها، هذا كله قول أبي
ثور.
وقال أصحاب الرأي: إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر، فهو ابن المشتري فإن
ادعاه، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر، فهو ابن البائع إن ادعاه.
وإن ادعياه جميعاً، فإنا ننتظر لكم جاءت به؟ فإن كان جاءت بالولد لأكثر من
ستة أشهر فصاعداً، فهو للمشتري، وإن كان لأقل من ستة أشهر فهو ابن البائع.
فإن شكا فيه فهو عبد للمشتري، وهذا قول النعمان، ويعقوب، ومحمد.
(4/263)
|