الإشراف
على مذاهب العلماء 47 - كتاب الشهادات
وأحكامها وسننها
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر:
ندب الله جل ثناءه إلى الإشهاد على الدين فقال يعقب قوله: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
فَاكْتُبُوهُ} الآية إلى قوله {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية، وقال {وَأَشْهِدُوا إِذَا
تَبَايَعْتُمْ}: الآية وقال عند ذكر الطلاق والرجعة {فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآيهَ، وقال: {لَوْلَا جَاءُوا
عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية.
وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية.
1 - باب فضل الشهادة قبل أن يسأل الشاهد
إقامتها
قال أبو بكر:
(4/264)
(ح 966) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها".
(ح 967) وثبت أن رسول الله- صلى الله [2/ 214/ألف] عليه وسلم قال: أكرموا
أصحابي فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى
يحلف الإنسان على اليمين لا يسألها، ويشهد على الشهادة لا يسألها فمن سره
بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.
قال أبو بكر: الفرق بين المذموم من الشهادة وهو شهادة الكذب، وبين الشهادة
التي المرء فيها صادق ما في الحد، فليس من الفرق بين الشهادتين، ألا تراه
قال في الخبر الأول: "ألا أخبركم بخير الشهداء"، وقال في الثاني: "ثم يظهر
الكذب"، فيدل على ذلك أن الشهادة المذمومة شهادة الكذب خلاف الشهادة التي،
الشاهد بها صادق في شهادته.
م 2136 - وقال مالك في تفسير خبر زيد بن خالد: إن الرجل يكون عنده الشهادة
في الحق يكون للرجل، لا يعلم بذلك، فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان.
(4/265)
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: إذا كانت
عندك شهادة فسئلت عنها فاخبر بها، ولا تمهل، لعله يرجع أو يرعوى.
وقال أبو بكر: الواجب أن يخبر بالشهادة؛ لأنه إن لم يفعل أتعب التي الطالب
بالسعي، وأثم المطلوب بالجحد حتى يقوم عليه الشهادة.
2 - باب التغليظ في شهادة الزور أنها من
الكبائر
قال أبو بكر:
(ح 968) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سئل أو ذكر عنده الكبائر
فقال: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول
الزور.
م 2137 - وكان ابن مسعود يقول: عدلت شهادة الزور بالشرك بالله، ثم قرأ
{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ
الزُّورِ، حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} الآية.
وكان مجاهد يقول في قوله: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} الآية، قال:
الكذب، وكذلك قال أبو عبيدة.
م 2138 - واختلفوا فيما يفعل بشاهد الزور.
(4/266)
فروينا عن عمر بن الخطاب أنه أمر أن ينكت
به، ويخلى سبيله.
وكان شريح إذا أخذ شاهد الزور، إن كان سوقياً بعث به إلى سوقه، فقال: إن
هذا شاهد زور، وإن لم يظن سوقياً بعث به إلى قومه وقال: إن هذا شاهد زور.
وكان سوار يأمر به [[يلبب]] بثوبه، ويقول بعض أعوانه: اذهبوا به إلى مسجد
الجامع يدور، وأنه على حلق المسجد ينادي من رآني فلا يشهد بزور، وكان [1/
214/ب] النعمان يرى أن يبعث فيه إلى السوقة إن كان سوقيا، وإلى مسجد قومه،
فيقول القاضي، يقرئكم السلام، ويقول: إن وجدنا هذا شاهد زور، فاحذروه،
وحذروه الناس ولا عليه تعزيراً.
ورأت طافة أن يجلد أسواطاً، ويوقف للناس، كذلك قال شريح القول الثاني عنه،
وبه قال الحسن البصري.
وقال مالك: أرى أن يفضح، ويشهر به، ويعلق به، ويوقف، ولا أريد الفداء، وأرى
أن يضرب ويشاربه.
وقال أحمد، وإسحاق: يقام للناس، ويعرف به، ويؤدب.
وقال أبو ثور: يعاقب.
وقال الشافعي: يعزر، ولا يبلغ بالتعزير أربعين سوطاً، ويشهر بأمره.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه طاف به، وأوقفه للناس، وحبسه يوما وخلى
عنه.
وفيه قول خامس: وهو أن يضرب شاهد الزور خمسة وسبعين سوطاً، ولا يبعث به،
هذا قول ابن أبي ليلى، وبه قال يعقوب أحد قوليه.
(4/267)
وفيه قول سادس: وهو أن يضربا إذا كانا
اثنين وقد شهدا على طلاق ففرق بينهما، ثم أكذبا أنفسهما، مائةً مائةً،
ويغرمان للآخر الصداق، هذا قول الأوزاعي.
وقد روينا عن القاسم، وسالم غير ذلك قالا في رجل وجد شاهد زور وقد أمر
الوليد بن عبد الملك بقطع لسانه، فقالا: سبحان الله، يحبسه أن يحقق سبع
حقيقات، ويقام بعد العصر فيقال: هذا أبو قيس وجدناه شاهد زور، ففعل ذلك به.
وقد روينا عن عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة أنه أمر بحلق أنصاف رؤوسهم،
وتسخم وجوههم، ويطاف بهم في الأسواق، والذي شهدوا له معهم.
قال أبو يكر: من شهد شهادة الزور فاحتمل أن يكون فيها مخطئا، أو مفغلا، أو
له مخرج مما شهد به بوجه من الوجوه، فلا شيء عليه، وإذا لم يكن له من ذلك
مخرج، وثبت عند الحاكم شهر به عند الناس، لئلا يغتر به، ولو أدبه الحاكم
كان حسنا، والله أعلم.
مسألة
م 2139 - واختلفوا فيمن شهد بزور، ثم تاب وأناب، وظهرت توبته فعلى مذهب
الشافعي، والكوفي يجب قبول شهادته إذا أتت على ذلك مدة تظهر في مثلها
توبته، وبه قال أبو ثور.
قيل لمالك: أترى أن تبطل شهادته آخر الدهر، أم ترى إذا تاب أجزت شهادته؟
فقال: كيف يؤمن هذا، لا والله.
قال أبو بكر: الأول أصح.
(4/268)
3 - باب من يجوز
شهادته ومن لا يجوز قبول شهادته
قال أبو بكر:
م 2140 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن شهادة الرجل المسلم،
البالغ العاقل [1/ 215/ألف] الحر الناطق، المعروف النسب، البصير، الذي ليس
بوالد للمشهود له، ولا ولد، ولا أخ، ولا زوج، ولا أجير، ولا صديق، ولا خصم،
ولا عدو، ولا وكيل، ولا شريك، ولا جار بشهادته إلى نفسه شيئاً، ولا يكون
صاحب بدعة، ولا شاعر يعرف بأذى الناس، ولا لاعب بالشطرنج يشتغل به عن
الصلاة حتى يخرج وقتها، ولا شارب خمر، ولا قاذف للمسلمين، ولم يظهر منه
ذنب، هو مقيم عليه صغيراً ولا كبيرا، وهو ممن يؤدي الفرائض ويجتنب المحارم،
جائزة شهادته، يجب على الحاكم قبولها، إذا كانا رجلين، أو رجل وامرأتان،
إذا كان ما شهدا عليه مالاً معلوماً يجب أدائه، وادعاه المدعي.
4 - باب شهادة الوالد لولده والولد لوالده
م 2141 - واختلفوا في الشاهد يكون بالصفة التي ذكرناها، غير أنه والد
للمشهود له، أو ولد: فأبطل شهادته بعضهم لبعض، الحسن البصري، والشعبي،
والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو عبيد، والنعمان.
(4/269)
وأجازت طائفة شهادة الوالد لولده، والولد
لوالده لظاهر قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية روينا
هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال إسحاق، والمزني،
وأبو ثور.
وأجاز إياس بن معاوية شهادة رجل لابنه، وذكر الزهري قوله: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ
وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} الآية
قال: فلم يكن منهم في سلف المسلمين بها والد لولده، ولا ولد لوالده، ولا أخ
لأخيه، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، إذا رضى شهادتهم (1) قال: ثم
دخل الناس بعد هذا فنزلت: "شهادتهم".
قال أبو بكر: وبهذا نقول اتباعا لظاهر الكتاب، ولإيجاب الله القيام بحقه في
عباده فيما فرض لبعضهم على بعض، ولقوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ
لِلَّهِ} الآية، ولا يجوز أن يتهم شاهد، ولا يجوز أن يظن المرء بأخيه إلا
خيرا.
(ح 969) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وقال: "إياكم والظن فإنه
أكذب الحديث".
__________
(1) في حاشية المخطوطة: "هديهم".
(4/270)
م 2142 - وقال الشعبي: لا تجوز شهادة ابن
لأبيه وتجوز شهادة الأب لابنه.
وقال الحسن: تجوز شهادة الولد لوالده، ولا تجوز شهادة الوالد لولده.
وقد روينا عنهما غير ذلك.
م 2143 - ولا تجوز شهادة الجد لولد ولده، ولا شهادة الرجل لجده في قول
الشافعي، والكوفي، وابن القاسم صاحب مالك.
وشهادتهم قول الآخرين [1/ 215/ب] جائزة.
5 - باب شهادة الأخوة والأخوات والقرابات بعضهم
لبعض
م 2144 - أجمع عوام أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه، جائزة إذا كان
عدلاً.
روينا هذا القول عن ابن الزبير، وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز،
والشعبي، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 2145 - وفي قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي شهادة العم، والخال
جائزة.
وكذلك تجوز شهادة الرجل لابنه وابنه من الرضاعة.
وقال مالك: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النسب، وتجوز في الحقوق.
قال أبو بكر: وكقول ابن الزبير ومن وافقه أقول.
(4/271)
6 - باب شهادة الزوج
لزوجته والمرأة لزوجها
م 2146 - واختلفوا في شهادة الزوج لزوجته، والمرأة لزوجها فأجاز ذلك الحسن
البصري، والشافعي، وأبو ثور.
وأجاز شريح شهادة رجل لامرأته.
وقال النخعي، والشعبي، ومالك بن أنس، وأحمد، وإسحاق: لا تجوز شهادة واحد
منهما لصاحبه.
وفيه قول ثالث: وهو إجازة الرجل لامرأته، ورد شهادة المرأة لزوجها هكذا قال
الثوري.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، وذلك لقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ} الآية، ولا نعلم حجة توجب استثناء الزوج، والزوجة من جملة
الأئمة.
7 - باب شهادة الأعمى
2 - واختلفوا في شهادة الأعمى.
فقال محمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، والزهري، ومالك، وابن أبي
ليلى: شهادته جائزة.
وقال النخعي، وأبو هاشم، والشافعي، والنعمان: لا تجوز شهادة الأعمى
واختلفوا فيه عن الحسن البصري، وإياس بن معاوية، وابن أبي ليلى، وقد روينا
عن شريح أنه كان يجيز شهادة الأعمى
(4/272)
مع الرجل العدل إذا عرف الصوت، وبه قال
قتادة وسئل الحكم عن شهادته فقال: رب شيء يجوز فيه.
م 2148 - وقال أحمد: يجوز في المواضع في النسب، وكل شيء يضبطه وعرفه معرفة
لا يخفى عليه، وبه قال إسحاق.
وقال النعمان: تجوز شهادته في الإنساب.
وقال الحسن: لا تجوز إلا أن يكون شيئاً قد رآه قبل أن يذهب بصره، وبه قال
الشافعي.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
8 - باب [1/ 216/ألف] شهادة العبد
م 2149 - واختلفوا في شهادة العبد.
فقالت طائفة: شهادته كشهادة الحر إذا كان رضي لدخوله في جملة قوله:
{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية روى هذا القول عن علي بن أبي
طالب، وبه قال أنس بن مالك وقال: ما علمت أن أحداً رد شهادة العبد، وهو قول
محمد بن سيرين، وشريح، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وقال الشعبى، والنخعي: تجوز شهادته في الشيء اليسير.
وفيه قول ثان: وهو أن شهادته لا تجوز، هذا قول الحسن البصري، وعطاء بن أبي
رباح، ومكحول، والزهري، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والنعمان، والشافعي،
وأبي عبيد.
م 2150 - وقال شريح: لا تجوز شهادته لسيده، وبه قال النخعى.
(4/273)
قال أبو بكر:
م 2151 - وحكم المكاتب كحكم العبد.
روينا عن عمر أنه قال: لا تجوز شهادة المكاتب، وبه قال النخعي، وعطاء، وفي
القول الأول: شهادته جائزة إذا كان عدلا.
قال أبو بكر: شهادة العبد جائزة لدخوله في جملة {لا} الآية.
9 - باب شهادة الطفل غير البالغ
م 2152 - واختلفوا في شهادة الطفل الذي لم يبلغ.
فكان ابن عباس يقول: لا تقبل شهادته، وبه قال القاسم، وسالم، ومكحول.
وقال عطاء، والشعبي، وشريح، والحسن البصري، لا تجوز شهادته، وبه قال ابن
أبي ليلى، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور،
والمزني، والنعمان وأصحابه.
وأجازت طائفة شهادتهم في الجراح، والدم ما لم يتفرقوا، ويجنبوا، ويعلموا،
إذا شهد بعضهم على بعض، هذا قول مالك، وبه قال النخعي، وأبو الزناد.
م 2153 - وقال الحسن البصري: تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض إذا فرق
بيهم.
كان شريح يجيز شهادتهم في السن، والموضحة.
وقال الزهري: شهادتهم جائزة، يستحلف أولياء المشجوح، روى ذلك عن الزهري عن
مروان.
(4/274)
وقد روى عن علي بن أبي طالب أنه كان عيّر
شهادة الصغير على الصغير.
وقال ابن الزناد: إن أخذوا عنده صاف ذلك، فالتجوا أن يعقلوا، أو يحفظوا، ما
رأوا، وأن يفرقوا، فليس ممن أمرنا أن تقبل شهادتهم.
قال أبو بكر: قول ابن عباس أصح.
10 - باب شهادة البدوي على القروي
قال أبو بكر:
(ح 970) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا تجوز
شهادة بدوي على صاحب [1/ 216/ب] قرية.
م 2154 - واختلفوا في شهادة البدوي على القروي:
(4/275)
فقالت طائفة: شهادته جائزة إذا كان عدلا
على ظاهر قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية، هذا قول ابن
سيرين، والشافعي، وأبي ثور، وبه قال النعمان وأصحابه.
وبه نقول إذا كان عدلا لظاهر الآية.
(ح 971) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قبل شهادة أعرابي
على هلال رمضان.
في ذلك بيان على أن شهادة البدوي مقبولة إذا كان عدلا، وقد تكلم في الحديث
الذي بدأنا بذكره، فدفع بعضهم أن يكون ثابتاً، وقال بعضهم: هوغلط.
وقال أبو عبيد: لا أرى شهادات الأعراب على أهل القرى ردت للتهمة بشهادة
الزور، ولكني أرى ذلك، لما فيهم من الجهالة بحدود الله، والجفاء في الدين.
وقال آخر: لما كان الأغلب والأظهر أن أهل البدو يجهلون الأحكام، ولا يحسنون
إكمال الشهادات، ولا تأديتها قائما، أسقطت شهادتهم على الأغلب والأظهر من
أمرهم.
وفيه قول ثالث: قاله مالك قال: لا يجوز شهادة بدوي على قروي في الحضر، إلا
أن يكون القروي في السفر فباع، أو أمضى، فأشهدهم، فأرى أن شهادتهم جائزة
إذا كانوا عدولا.
(4/276)
11 - باب شهادة ولد
الزنا
م 2155 - واختلفوا في شهادة ولد الزنا.
فقالت طائفة: تجب قبولها إذا كان عدلا على ظاهر قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية، هذا قول عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري،
والشعبي، والزهري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، والنعمان وأصحابه.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
وقالت طائفة: لا تجوز شهادته، كذلك قال نافع مولى ابن عمر، وبه قال الليث
بن سعد في الشهادة على الزنا، إذا كانوا أربعة أحدهم ولد الزنا، قال: ترد
شهادتهم، ولا حد عليهم.
وفيه قول ثالث: قاله مالك في ولد الزنا: أنه في شهادته بمنزلة رجل من
المسلمين، ولا تجوز شهادته في الزنا وما أشبه، وبه قال الليث بن سعد، وقال
بعض من يحفظ هذا القول إنما أسقط يعني مالكاً شهادته في الزنا خاصة، لأن في
الجملة فيمن فعل شيئاً قبيحاً أنه يجب أن يكون له فيه نظيراً، قد حكى عن
عثمان أنه قال: ودّت الزانية لو أن النساء كلهن زنين.
قال أبو بكر: وفي الكلام غلط من وجوه: أحدها: إن ولد الزنا لم يفعل فعلا
قبيحا فيجب أن له في نظير، والثاني: إني لا أعلم ما ذكر عن عثمان ثابتا
عنه، وأشبه ذلك إلا أن يكون ثابتاً، وغير جائز أن يطلق عثمان كلاما بالظن
[1/ 217/ألف] على ضمير امرأة لم يسمعها تذكره.
(4/277)
ولو كان مكان ولد الزنا الزانية، أو الزاني
فتابا، لوجب قبول شهادتهما، ولا يجوز أن يلزم ولد الزنا من فعل أمه شيئاً،
لأن الله قال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى} الآية، وولد الزنا لم يفعل شيئاً فيستوجب به حكماً.
12 - باب شهادة الشريك لشريكه
م 2156 - واختلفوا في شهادة الشريك لشريكه.
فقالت طائفة: لا تجوز شهادة الشريك لشريكه، هذا قول شريح، والنخعي، وبه قال
الثوري إذا جر بشهادته إلى نفسه شيئاً، هذا قول الشافعي، وأحمد، وأصحاب
الرأي.
وكذلك قالوا ماخلا الحدود، والقصاص، والنكاح، فإن هذا ليس من التجارة، ولا
مما لشريكه فيه شيء.
قال أبو بكر: لا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما قد اشتركا فيه، أو فيما فيه
شريكان، وتجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا شركة فيه للشاهد، ويشبه
هذا مذهب الشافعي.
13 - باب شهادة الخصم على من هو مخاصم له
وشهادة العدو على عدوه
م 2157 - كان الزهري يقول: مضت السنة في الإسلام بأن لا تجوز شهادة
(4/278)
خصم، ولا ظنين، وقال شريح: لا أجيز شهادة
خصم، ولا شريك، وبه قال ربيعة في شهادة الخصم، وهو قول الثوري، وأحمد،
وإسحاق.
قال أبو يكر: إذا كانت الخصومة قائمة بين الشاهد والخصم، لم تقبل شهادته،
لا أعلم في ذلك اختلافا، ولو اصطلحا وأقاما زمانا، ثم شهدا عليه بشهادة وجب
قبولها، وهذا على مذهب مالك، والشافعي، وإذا شهد على رجل بشهادة فقال
المشهود عليه: هو لي خصم، أو عدو، ولا يعلم ذلك، لم يقبل منه؛ لأنا لو
قبلنا قوله لم يشأ أحد أن يشهد عليه بشهادة، إلا أبطلها بدعواه.
(ح 972) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا تجوز شهادة
خائن، ولا خائنة، ولا محدود في الإسلام، ولا ذي غمر على أخيه.
وكان أبو عبيد يقول: وقوله: "الخائن، والخائنة": لا نراه خص به أمانات
الناس دون ما أفرض الله على عباده، وقال الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية.
(4/279)
قال أبو عبيد: فالأمانة على هذا التأويل
ينبغي أن يكون جميع ما أفرض الله تعالى على العباد القيام به، وجميع ما
أفرض [1/ 217/ب] الله عليهم اجتنابه من صغير ذلك وكبيره، فمن ضيع شيئاً مما
أمر الله به، أو ركب شيئاً مما نهاه الله عنه، فليس ينبغي أن يكون عدلا على
تأويل الخائن والخائنة؛ لأنه قد لزمه اسم الخيانة.
14 - باب شهادة الأجير والصديق والوكيل
م 2158 - كان شريح يقول: لا تجوز شهادة الأجير لمن استجاره، وبه قال
الأوزاعي، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: لا تجوز شهادة الأجير لمن استجار فيما يتولى قبضه الأجير،
وشهادته جائزة له فيما لا يتولاه الأجير، ولا يلي قبضه، وهذا يشبه مذهب
الشافعي، وبه قال أبو ثور.
م 2159 - وشهادة الوكيل لمن وكله بمنزلة شهادة الأجير.
م 2160 - فأما شهادة الصديق لصديقه، فذلك جائز في قول الشافعي، وأبي ثور.
وبه نقول.
م 2161 - وقال مالك في شهادة الود للرجل المصاحب له، يصله، ويعطف عليه، لا
أرى شهادته جائزة له، وإذا كان لا يناله معروفه، فإن شهادته جائزة.
قال أبو بكر:
م 2162 - إذا كان الرجل مهاجرا لرجل لغير معنى يحب أن يهجره لذلك المعنى،
فشهد عليه بشهادة، فتلك غير مقبولة لأنه غاص:
(4/280)
(ح 973) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -:
"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام".
وقال مالك: إذا كانت هجرته معروفة، فلا شهادة له.
15 - باب شهادة الأخرس
م 2163 - واختلفوا في شهادة الأخرس.
فكان مالك يقول: إذا كانت إشارته فشهادته تجوز، وطلاقه يجوز إذا كتبه بيده،
وذكر المزني أن هذا قياس قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: لا تجوز شهادته.
وقال الثوري: إذا سئل المريض عن المشي فأومأ برأسه، أو بيده، فليس بشيء حتى
يتكلم.
قال أبو بكر: شهادته جائزة إذا كانت إشارته تفهم استدلالا:
(ح 974) بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - صلى وهو جالس وهم قيام، فأشار
إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، لما فهموا عنه إشارته.
16 - باب شهادة أهل الأهواء
م 2164 - واختلفوا في شهادة أهل الأهواء.
(4/281)
فرأت طائفة رد شهادتهم، وممن رأى ذلك شريك،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، ورد شريك شهادة يعقوب، فقيل له: أترد
شهادته؟ فقال: ألا أرد شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان، وقال
شريك: أربعة لا تجوز شهادتهم، رافض يزعم أن لمن في الأرض إمام مفترض طاعته،
وخارجي يزعم أن الدنيا دار حرب، وقدري يزعم أن المعصية إليه [1/ 218/ألف]
ومرجى.
وقال أحمد: ما يعجبني شهادة الجهمية، والرافضة، والقدرية المعلنة، وبه قال
إسحاق، وقد حكى عن مالك أنه قال في شهادة القدرية: لا تجوز.
وأجازت طائفة شهادة أهل الأهواء إذا لم يستحل الشاهد منهم شهادة الزور، هذا
قول ابن أبي ليلى، والثوري، والشافعي، وكان سوار يقبل شهادة ناس من بني
العنبر ممن يرى الاعتزال إذا كانوا عدولا.
وقال الشافعي: لا ترد شهادة أحد بشيء من التأويل، كان له وجه يحتمله، وإن
بلغ فيه استحلال الدم، والمال، أو المفرط من القول، وأجاز النعمان شهادة
أهل الأهواء.
17 - باب شهادة الشعراء
قال أبو بكر:
(ح 975) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: إن من الشعر حكمة.
فدل قوله هذا على أن من تكلم بالحكمة وقالها، مقبول الشهادة.
(4/282)
(ح 976) وقال الشريد: ردفني رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - قال: هل معك من شعر أمية بن الصلت شيء؟ قال: نعم، قال:
هيه، فانشدته بيتا، فقال: هيه، فأنشدته بينا حتى بلغت مائة بيت.
قال أبو بكر: فدل هذا على أن إنشاد أشعار الجاهلية مباح، وان منشدها لا كون
ساقط الشهادة.
م 2165 - وكان الشافعي يقول: "الشعر كلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح
الكلام، فمن كان من الشعراء لا يعرف بنقص المسلمين وأذاهم، والإكثار من
ذلك، ولا بأن يمدح فيكثر الكذب، لم ترد شهادته".
وسئل مالك عن شهادة الشاعر، فقال: إن من الشعراء من لا يوذي شأنه الجميل
بمدح، يريد بذلك أن يجاز، وإن لم يعط لم يوذ، فأرى هذا مقبول شهادته، ومن
آذا وشتم إذا منع، فلا أرى أن تقبل شهادته.
قال أبو بكر: قول مالك حسن.
18 - باب شهادة اللاعب بالشطرنج والنرد
م 2166 - قال مالك: أما من أدمنها فلا أرى شهادته طائلة؛ لأنه من الضلال،
قال الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} الآية،
وسئل مالك عن الذين يلعبون بالنرد يمر الرجل عليهم، أيسلم عليهم؟ قال: نعم.
(4/283)
وروينا عن سعيد بن جبير أنه مر على أصحاب
النرد ولم يسلم عليهم، وروينا عن ميسرة قال: مر عليّ عليه السلام على قوم
يلعبون بالشطرنج فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
عَاكِفُونَ} الآية.
وقال الشافعي: "لا أحب اللعب بالشطرنج، وهي أخف من النرد، فمن لعب بشيء من
هذا على الاستحلال لم ترد شهادته، فإن اغفل به عن صلاة فأكثر حتى تفوته [1/
218/ب] وعاد له، رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة".
وقال أبو ثور: من لعب النرد أو الشطرنج، أو تلهّى ببعض الملاهي التي تشغل
عن الصلاة، لم تقبل شهادته.
قال أبو بكر:
(ح 977) وقدر روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من لعب
بالنرد، فقد عصا الله ورسوله.
19 - باب شهادة الخمر يتوب أو هو مقيم عليه
قال أبو بكر:
م 2167 - وإذا كان الرجل ممن يشرب الحرام من الشراب حتى يسكر، ثم تاب، فشهد
بشهادة، وجب أن تقبل شهادته إذا كان عدلا، وهذا لا
(4/284)
أعلمهم يختلفون فيه، وقد روينا عن عمر أنه
كتب إلى أبي موسى في رجل شرب الخمر قال: إن تاب قبلت شهادته.
م 2168 - واختلفوا فيمن شرب مسكرا متناولا وغير متناول.
فكان الشافعي يقول: "من شرب من الخمر شيئاً وهو يعرفها خمرا، والخمر عصير
العنب الذي لا يخالطه ماء، ولا يطبخ بنار، ويعتق حتى يسكر، فهو مردود
الشهادة، لأن تحريمها في نص كتاب الله، أسكر أو لم يسكر، وما شرب من سواها
من الأشربة من المنصف والخليطين مما آل أن يكون خمرا، وإن كان يسكر كثره
فهو عندنا مخطئ، بشربه آثم به، ولا أرد شهادته، فإذا سكر منه فشهادته
مردودة، من قبل أن السكر عند جميع أهل الإسلام محرم".
وكان سوار يرى أن تقبل شهادة من يمنع الباطنة،، ويدير الكأس.
وقال أبو ثور: من عاقر الشراب وسكر، وكان ذلك يدعوه إلى ترك الصلاة، لم تجز
شهادته.
وقال أصحاب الرأي: لا تجوز شهادة مد من خمر، ولا شهادة مد من السكر، ولا
المخنث.
م 2169 - وكان شِريح يقول: كل صاحب حد، فشهادته جائزة، إذا كان يوم شهد
عدلا، إلا الفاسق.
وقال الحسن في السارق: إذا قطعت يده، والزاني، والسكران، إذا أقيم عليه
الحد، شهادتهم جائزة، إذا كانوا عدولاً يوم شهدوا.
وممن رأى أن شهادة من أتى حدا، ثم تاب جائزة، مالك، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور.
(4/285)
20 - باب شهادة
القاذف إذا تاب
م 2170 - أجمع كل من يحفظ من أهل العلم على أن من أتى حدا من الحدود، فأقيم
عليه، ثم تاب وأصلح، أن شهادته مقبولة.
م 2171 - إلا القاذف فإنهم، اختلفوا في قبول شهادته إذا حد ثم تاب.
فقالت طائفة: تقبل شهادته إذا حد ثم تاب [1/ 219/ألف]، هذا قول عطاء،
والشعبى، وطاووس، ومجاهد، والزهري، وعبد الله بن عتبة، وحبيب بن أبي ثابت،
وأبي الزناد، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، إسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد،
وقال ربيعة، ويحيى الأنصاري: المحدود إذا تاب تقبل شهادته.
وقالت طائفة: لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب، هذا قول شريح، والحسن البصري،
والنخعي، وسعيد بن جبير، والثوري، وأصحاب الرأي.
واختلف فيه عن ابن عباس، روينا عنه القولين جميعاً، ولا يصح ذلك عنه.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول لقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ} الآية ولان الثنيا على أول الكلام وآخره، وهو قوله: {إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا} الآية وإذا كان الزاني قد تاب، وجب قبول
(4/286)
قبول شهادته فليس يكون القول بالشيء أكثر
من الفعل، وقال عمر لأبي بكرة: إن ثبت قبل شهادتك.
21 - باب شهادة الأقلف
م 2172 - واختلفوا في شهادة الأقلف.
فروينا عن علي، وابن عباس أنهما قالا: لا تجوز شهادته، وليس يصح ذلك عن
واحد منهما.
وقال الحسن البصري: شهادته جائزة، وصلاته مقبولة.
22 - مسائل من أبواب الشهادات
قال أبو بكر:
م 2173 - أجمع أهل العلم على أن لا شهادة لمجنون في حال جنونه.
م 2174 - وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الذي يجن ويفيق إذا شهد
في حال إفاقته التي يعقل فيها، أن شهادته جائزة، إذا كان عدلا، وممن حفظت
هذا عنه منهم مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، ولا أحسبه
إلا مذهب أهل الكوفة.
م 2175 - وقال مالك في المولى عليه: إن كان عدلا فشهادته جائزة.
فكان الحسن البصري، والشافعي يقولان في قوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ
رُشْدًا} الآية أي صلاحاً في دينه، وحفظا لماله.
(4/287)
م 2176 - وقال الشافعي في الرجل: "يتخد
الغلام، والجارية المغنيين: إن كان يجمع عليها ويغشى أو كان لذلك مرضا،
وكان مستعليا به، في منزلة سفه، يردا شهادته".
وقال عبيد الله بن الحسن في رجل عنده جوار يغنين، ويضربن عنده البيع، ولا
يشرب عنده نبيذ، وكان عدلا، رأيت شهادته جائزة.
وقال أصحاب الرأي: لا تجوز شهادة صاحب الغنا الذي يحاذي عليه بجمعهم، ولا
شهادة النائحة.
م 2177 - وقد روينا عن أبي هريرة أنه كان لا يجيز شهادة أصحاب الخمر، وذكر
ذلك لأحمد [1/ 219/ب] فقال: لا أدري، وقال إسحاق: إذا كانوا عدولا جاز، وهو
قول أبي عبيد، وقال قتادة: شهادة القائم في ما هو أهل أن تجوز شهادته.
م 2178 - وقد روينا عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة صاحب حمام.
وقال أصحاب الرأي: لا تجوز شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن.
م 2179 - وقال الشافعي: من تأكدت عنه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير
ضرورة، ولا يستحل صاحب الطعام، فتتابع (1)، عليه، ردت شهادته؛ لأنه يأكل
محرما، وإذا نتر على الناس في الفرح، فأخذه بعض من حضره، لم يكن هذا مما
يجرح له شهادة أخذه، وأنا أكره لمن آخذه".
قال أبو بكر: لا يكره أخذه، لأنه أخذ ما أبيح له استدلالا.
__________
(1) في الأصل "فتتابعت" والتصحيح من الأم.
(4/288)
(ح 978) بحديث عبد الله بن قرط أن النبي-
صلى الله عليه وسلم - قدم إليه ست بدنات، أو خمس، فطفقن يزدلفن أيتهن يبدأ
بها، فقال: كلمة خفية، فقيل لي: قال: من شاء اقتطع.
فكلما نثر، أو أبيح في الملاك وغيره، فأخذه مباح، استدلالا بأن النبي- صلى
الله عليه وسلم - قال لهم: إن من شاء اقتطع.
م 2180 - وكان عبد الملك بن يعلى، ومالك لا يجيزان شهادة من يقوم عليه
البينة، أنه ترك ثلاث جمعات لم يحضر الصلاة فيهن.
قال أبو بكر: إذا كان ذلك بغير عذر.
(ح 979) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من ترك الجمعة ثلاث مرات
تهاونا بها طبع الله على قلبه.
23 - باب شهادة المختفي
م 2181 - أجمع أهل العلم على أن رجلاً لو قال لشاهدين: اشهد على لفلان بن
فلان على مائة دينار مثاقيل، أن عليهما أن يشهدا بها إذا دعاهما الطالب إلى
إقامة الشهادة.
م 2182 - واختلفوا في الرجلين يخفيهما الرجل، ويحضر خصما له يستمعان ما
يعرفه خصمه، ثم يسألهما الشهادة.
__________
في الأصل "فقالت".
(4/289)
فقالت طائفة: يشهدان بما سمعا، ويجب أن
يفضى شهادتهما، روينا هذا القول عن عمر بن حريث، وقال: كذلك فلنفعل
بالخائن، والفاجر وهذا على مذهب الثوري، وأصحاب الرأي، وبه قال أحمد،
وإسحاق، وهو مذهب الشافعي، وابن أبي ليلى، وقد روينا عن الشعبى، والنخعى
أنها قالا: السمع شهادة، وقال ابن سيرين: إذا قالوا: لا تشهد علينا، فأشهد
بها، نسمعه.
وفيه قول ثان: وهو أن لا تجوز شهادة المختفيين؛ لأنهم ليسا بعدلين حيث
اختفيا لرجل لا يعلم بهما ولا هم بجواز شهادة المختفى، هذا قول الشعبي،
والنخعي.
قال أبو بكر: فكان الشعبي، والنخعي قالا: السمع ليس بشهادة، وأبيا أن يجيزا
شهادة المختفى [1/ 220/ألف].
24 - باب شهادة أهل الكتاب وسائر أهل الملل
بعضهم على بعض
م 2183 - اختلف أهل العلم في شهادة أهل الملل بعضهم على بعض.
فمن رأى أن شهادة أهل الكتاب جائزة بعضهم على بعض شريح، وعمر بن عبد
العزيز، والزهري، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، والنعمان.
وقالت طائفة: لا تجوز شهادة أهل الشرك على مسلم، ولا مشرك، هذا قول مالك،
والشافعي، وأبي ثور، وبه قال الحسن البصري، وأحمد، والمزني.
وفيه قول ثالث: وهو أن شهادة أهل كل ملة مقبولة على ملتها، ولا تقبل على
الملة الأخرى، هذا قول قتادة، كأنه يرى أن شهادة اليهودي
(4/290)
على اليهودي جائزة، ولا تقبل شهادة اليهودي
على النصراني، وبه قال الزهري، وقال: لا تجوز شهادة أحدهما على الآخر،
للعداوة التي ذكر الله تعالى بينهما.
وقال الشعبي: لا تجوز شهادة أهل ملة على أهل ملة إلا المسلمين، فإن شهادتهم
تجوز على الملل كلها، وبه قال الحكم وإسحاق، وأبو عبيد.
قال أبو بكر: لا تجوز شهادة مشرك على مسلم، ولا مشرك.
25 - باب قبول شهادة أهل الذمة على وصية المسلم
في السفر
م 2184 - اختلف أهل العلم معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ
الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية.
فقالت طائفة: في قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} الآية من أهل
الكتاب.
روينا عن أبي موسى الأشعري أنه أجاز شهادة أهل الذمة على الوصية السفر.
وقال عبيدة السلماني، وابن سيرين، ومجاهد: في قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ} أنه من غير أهل الملة.
وقال ابن المسيب، وسعيد بن جبير، والشعبي: من أهل الكتاب.
(4/291)
وقال الحسن البصري: من غير قبلتكم.
وقال عكرمة: من غير حيكم.
م 2185 - واختلفوا في قبول شهادة أهل الكتاب على المسلم في الوصية في السفر
في حال الضرورة.
فأجاز ذلك شريح، والنخعي، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة.
وقال الميموني: سألت أبا عبد الله عن شهادة أهل الكتاب قلت: قد أمر الله
بشهادتهم، وقال لي في ذلك الموضع: للضرورة.
قال أبو بكر: واحتج بعض من أجاز ذلك بخبر ابن عباس في قصة تميم الداري،
وعدي بن بدا، وقال القائل بخلاف هذا القول تارك القول لظاهر القرآن وبظاهر
الأخبار [1/ 220/ب] ومعنى ذلك أن العرب إنما تكن عن المذكور في أول الكلام
وليس لقبيلة ذكر في أول الكلام، حتى يكون قوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} عائدا
إلى غير القبيلة، وقال: ألم يسمع إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية،
فأوقع الذكر بهم باسم الإيمان الجامع لهم، ثم قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ} الآية، ولا يجوز في اللغة غير ذلك.
وقالت عائشة: في سورة المائدة: أما أنه في آخر السورة نزلت: فما وجدتم فيها
من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه.
(4/292)
26 - شهادة النساء
وحيث يجب أن تقبل شهادتهن وترد
قال الله جل ذكره: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية.
م 2186 - وأجمع أهل العلم على أن القول بظاهر كتاب الله، وعلى أن شهادتهن
جائزة مع الرجال في الديون، والأموال.
م 2187 - وأجمع أكثر أهل العلم على أن شهادتهن لا تقبل في الحدود، هذا قول
الشعبي، وابن المسيب، والنخعي، والحسن البصري، وحماد بن أبي سليمان،
والزهري، وربيع، ومالك، والشافعي، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
27 - باب شهادة النساء في الطلاق والنكاح
م 2188 - واختلفوا في شهادة النساء في النكاح والطلاق.
فقالت طائفة: لا تجوز شهادتهن في ذلك، هذا قول النخعي، والزهري، ومالك،
وأهل المدينة، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وبه قال ربيعة.
وقال الحسن البصري، وابن المسيب: لا تجوز شهادتهن في الطلاق.
وأجاز شهادتهن مع الرجل في الطلاق، والنكاح الشعبى، وجابر بن زيد، والثوري.
وأجاز إياس بن معاوية شهادة رجل وامرأتين في طلاق، وبه قال إسحاق، وأصحاب
الرأي، وقال عطاء نحو ذلك في النكاح.
(4/293)
28 - باب شهادة
النساء في العتق والجراح وغير ذلك
م 2189 - كان الحسن البصري، وربيعة، ومالك، والشافعي، يقولون: لا تجوز
شهادتهن في العتق.
وأجاز شريح شهادتهن في العتق.
وقال الزهري: لا تجوز إلا ومعهن رجل.
وقال أهل العراق: شهادة النساء جائزة مع الرجل في النكاح، والطلاق،
والعتاق، سوى الحدود، والقصاص.
م 2190 - وقال قتادة، وأبو هاشم، والزهري، والشافعي: لا تجوز شهادتهن في
قتل عمد، ولا تجوز شهادتهن في قول الزهري في النكاح، والطلاق، والعتق.
وقال الشعبي، والشافعي: تجوز شهادتهن فيما كان من [1/ 211/ألف] الجراحات
خطأ، ولا يجوز ذلك في العمد.
م 2191 - وأجاز مالك شهادتهن مع الرجل في الوكالة في المال، ولا تجوز في
قول الشافعي، ويحلف الطالب مع المرأتين، ويستحق المال في قول مالك، ولا
يجوز ذلك في قول الشافعي.
م 2192 - وقال الأوزاعي: شهادة الرجل مع المرأتين جائزة في الوصية، ولا
يجوز ذلك في قول الشافعي، وهذا إذا شهدت على إثبات كتاب الوصية، فإن شهد
رجل وامرأتان على أن فلانا أوصى لفلان بثلث ماله، فذلك جائز في قول
الشافعي؛ لأن ذلك استحقاق مال، والأول استحقاق كتاب وصية.
م 2193 - وقالت طائفة: لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين، في المال،
وبحيث لا يرى الرجل من عورات النساء، هذا قول الشافعي، وهذا
(4/294)
على مذهب الحسن، وشريح، وقال الأوزاعي: إن
شهدن على عقد النكاح لم يجز، وإن شهدن مع رجل على اعتراف الرجل بالمهر جاز.
قال أبو بكر: لا تجوز شهادتهن إلا مع الرجل في الديوان، والحقوق، وتجوز
شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال، وأجمع أهل العلم على أن شهادتهن في
الحدود لا تجوز، وكذلك الطلاق، والعتاق، والنكاح لا تجوز شهادتهن في ذلك،
[[لأنا]] لم نجد دلالة توجب قول شهادتهن في شيء من ذلك.
29 - باب عدد من يجب قبول شهادته من النساء على
ما لا يطلع عليه الرجال
قال أبو بكر:
م 2194 - اختلف أهل العلم في عدد من تجوز شهادته من النساء على ما لا يطلع
عليه الرجال.
فقالت طائفة: لا يقبل في ذلك أقل من أربع، هذا قول عطاء بن أبي رباح،
وقتادة، والشافعي، وأبي ثور، وقال الشافعي في الصبي: إذا شهد أربع نسوة أنه
استهل، صلى عليه [[ويـ]] ورث.
وفيه قول ثان: وهو إجازة شهادة امرأتين، هذا قول مالك بن أنس، وابن أبي
ليلى، وابن شبرمة، وبه قال الحكم، وحماد، وفيما لا يطلع عليه الرجال.
وفيه قول ثالث: وهو أن شهادة المرأة تقبل فيما لا يطلع عليه الرجال، هذا
قول النعمان وأصحابه، وقد روينا عن علي رضي الله عنه
(4/295)
أنه أجازه شهادة القابلة وحدها في
الاستهلال من حديث جابر الجعفى، وجابر كذاب لا يقبل حديثه.
وكان شريح يجيز شهادة امرأة في الاستهلال، وبه قال الحسن البصري، والحارث
العكلي، وحماد بن أبي سليمان.
م 2195 - واختلفوا في عدد من تقبل منهن شهادته على الرضاع:
فروينا عن ابن عباس أن شهادتها [1/ 221/ب] جائزة في الرضاع إذا كانت مرضية،
وتستحلف مع شهادتها، وبه قال الحسن البصري، وأحمد، وإسحاق.
وقال طاؤس: شهادة المرأة في الرضاع تجوز، وإن كانت سوداء.
(ح 980) وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ما رأيت من ناقصات
عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم، من احداكن يا معشر النساء، فقلن له: ما
نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أو ليس شهادة
المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أو ليست
إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال فذلك من نقصان دينها.
30 - باب شهادة الأوصياء
م 2196 - واختلفوا في قبول شهادة الأوصياء.
فقالت طائفة: لا تجوز شهادتهم، هذا قول الشعبى، والنعمان.
(4/296)
وفيه قول ثان: وهو أن لا تجوز شهادتهم فيما
يكون من قبض المال للورثة، فإن كان الورثة كبارا يلون أنفسهم فشهادته لهم
جائزة، هذا قول مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، وأحمد.
وقالت طائفة: شهادة الأوصياء جائزة، هذا قول شريح، وأبي ثور.
وقال أبو ثور: إذا كان الخصم غيره، وقال الثوري: إذا شهد الوصي على الورثة
جاز، وإذا شهد لهم لم يجز، وبه قال أحمد.
31 - باب شهادة بعض الورثة بدين الإنسان أو
بوصية
م 2197 - واختلفوا في الوارث أو الورثة ليشهدون على الميت بدين لقوم: فكان
الشعبي، والحسن البصري، يقولان: إذا شهد على الميت رجلان من الورثة، أو رجل
وامرأتان جاز على جميعهم، وبه قال الشافعي، وأحمد.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك في نصيب المقر منهم، كذلك قال الشعبي آخر قوليه.
وهو قول حماد بن أبي سليمان، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: إن كان الذين شهدوا عدولا، كان في مال الميت، وإن لم يكونوا
عدولا كان عليهم على قدر حصصهم.
32 - باب شهادة أهل الوصايا بعضهم على بعض
قال أبو بكر:
(4/297)
م 2198 - وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم على
بعض بأن الميت أوصى لهم بالثلث، لم تجز الشهادة، لأنهم يجرون [[إلى]]
أنفسهم بشهادتهم مالاً، وهذا قول الشافعي، ويعقوب.
وحكى أشهب بن عبد العزيز عن مالك أنه قال: إن كان الذي أوصى به للشاهد
شيئاً يسيراً لا يتهم أن يكون يشهد في مثله رأيت شهادته [1/ 222/ألف] جائزة
لنفسه، ولغيره، وإن كان شيئاً له بال، رأيت أن ترد شهادته.
مسألة
م 2199 - قال الشافعي: وإذا ادعى رجل دينا على ميت، فشهد له شاهدان على
حقه، وشهد هو آخر على وصية، ودين لرجل عليه، فإن شهادته جائزة، لأن الغرم
يضر بنفسه بشهادته، وبه قال النعمان.
وقال ابن أبي ليلى: لا تجوز، رد شهادته.
م 2200 - واختلفوا في الرجل يترك لورثته، فأقر أحدهم أن أباه أوصى لرجل
بثلث ماله، ثم قال: بل أوصى به لهذا، فالثلث للأول، وليس للآخر شيء في قول
الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: إن وصل الكلام، فالثلث بينهما، وإن قطع الكلام وسكت، ثم
أقر للثاني، فالأول أحق.
م 2201 - واختلفوا في صفة الشهادة على عدد الورثة:
فقالت طائفة: يشهدون أنهم لا يعلمون له وارثا غير من يسمونه من الورثة، هذا
قول مالك، وعبد الله بن الحسن، والشافعي، والنعمان.
(4/298)
وفيه قول ثان: وهو أن شهادتهم لا تجوز إذا
قالوا: لا نعلم له وارثا غير هؤلاء، حتى يثبتوا ذلك، فيقولون: لا وارث له
غيرهم، هذا قول ابن أبي ليلى.
م 2202 - واختلفوا في الرجل يموت بأرض وتشهد البينة أنهم لا يعلمون له بأرض
كذا وكذا وارثا غير فلان، فإن مالك لا يجيز شهادتهم حتى يشهدوا؟ بأنا لا
نعلم له في شيء من الأرض وارثاً، إلا فلان بن فلان، وهذا يشبه مذهب قول
الشافعي، وبه قال يعقوب، ومحمد إذا قالوا: سهمه، لا نعلم له وارثا غيره.
فأما في قول النعمان: فماذا قالوا: لا نعلم بأرض كذا وارثا غير فلان، جاز
ذلك.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
33 - أبواب التعديل في الشهادات والمعنى الذي
يوجب أن يقال للرجل: هو عدل
م 2203 - روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: قد انطلق رسول الله- صلى الله
عليه وسلم -، وانقطع الوصي، وإنما أعرفكم بما أقول لكم، من أظهر لنا منكم
خيراً ظننا به خيراً، وأحببناه [[عليه]]، ومن أظهر لنا منكم شرا ظننا به
شرا، وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم.
(4/299)
وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق، والنخعي: العدل
في المسلمين الذي لم تظهر له ريبة.
وقال أحمد بن حنبل رجل مستور.
وكان الشافعي يقول: إذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره المعصية [1/
222/ب] وخلاف المروة ردت شهادته،، وإن كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره
الطاعة المروة وقبلت شهادته، ومن كان مقيماً على معصية فيها حد واحد، فلا
تجوز شهادته، وكل من كان منكشف الكذب مظهره، وغير مستتر منه، لم تجز
شهادته.
وكان أبو عبيد يقول: من ضيع شيئاً مما أمره الله به، أو ركب شيئاً مما نهاه
الله عنه، فليس ينبغي أن يكون عدلاً على هذا التأويل، يعني قوله: {إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ}
الآية، قال: فالأمانة على هذا التأويل جميع ما افترض الله على عباده القيام
به، وجميع مفترض عليهم اجتنابه.
وقال يعقوب: إذا كانت طاعة الرجل أكثر من معاصيه، وكان الأكثر منه الخير،
قبلت شهاتهن إذا لم يأت شيئاً يجب عليه فيه الحد.
وقال أبو ثور: من كان أكثر أمره الخير، ليس بصاحب خربة في دين، ولا مصر على
ذنب، وإن صغر، وكان مستوراً، قبلت شهادته، وكل من كان مقيماً على ذنب وإن
صغر، لم تقبل له شهادة.
34 - باب الجواب الذي يقنع به الحاكم في تعديل
الشهادة
م 2204 - كان شريح يقول: إذا قالوا: هو عدل مرضي، قنع به الحاكم
(4/300)
وحكم بشهادته، وإن قالوا: الله أعلم، فالله
أعلم، ولا يجيز شهادته.
وقال مالك: يقول: عدلاً رضياً.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يقبل التعديل إلا بأن يوقف العدل فيقول: عدل على
ولي، لا يقبل ذلك حتى يسأله عن معرفته، فإن كانت باطنة متقادمة قبل ذلك
منه، وإن كانت حادثة ظاهرة لم يقبل، هذا قول الشافعي.
وقال بعض من يقول بقول أهل الكوفة: إذا قال: هما عدلان جائز الشهادة لي
وعلي، فإن القاضي نفذ شهادتهما.
وقال مالك: لا أرى عليه أن يقول: جائز لي وعلي.
35 - باب ما يكون جرحاً مما إذا شهدوا به قبل ذلك منهم
35 - كان الشافعي وأبو عبيد يقولان: لا تقبل منه الجرحة إلا بأن يثبتوا ما
يجرح به ما يراه جرحاً، وهذا مذهب سوار.
وكان مالك يكره أن يقال للمشهود عليه: دونك فاجرح، قال: إن فيه توهيباً
للشهادة.
وكان الشافعي، وعبد الله بن الحسن يقولان: لا يمكن الخصم من ذلك.
قال أبو بكر: وهذا أصح؛ لأن الرجل يكون عدلاً في الظاهر، ويكون بينه وبين
المشهود عليه عداوة يخفي ذلك إلا على أهل الخبرة، ويكون عدلاً في الظاهر،
وليس [1/ 223/ألف] بعدل عند جيرانه، وأهل الخبرة به.
(4/301)
36 - باب عدل من
يعدل ويجرح
م 2206 - كان مالك والشافعي يقولان: لا يقبل تعديله إلا من اثنين، وقال
الشافعي: ولا يقبل الجرح إلا من اثنين، والجرح أولى من التعديل، لأن
التعديل يكون على الظاهر، والجرح يكون على الباطن.
وقال النعمان: إذا أرسل القاضي رسوله يسأل عن الشاهدين واحدا، فإن قال:
عدلا أمضى شهادتهما، قال، بقول هذا الواحد والاثنين أفضل، وبه قال يعقوب،
وقال محمد: لا أجيز شهادتهما بتعديل واحد.
وقال أبو عبيد قولاً ثالثا قال: وجه التزكية أن لا يقتصر فيها على واحد،
ولا اثنين، وأدناه ثلالة فصاعدا:
(ح 981) لحديث قبيضة بن مخارق في الفاقة تصيب الرجل، فقال: لا حتى يشهد
ثلاثة من ذوي [[الحجى]] من قومه، أن قد أصابه فاقة.
وقال مالك: إذا عدله قوم وجرح آخرون، نظر إلى الشهود أيهم أعدل اللذان
عدلاه أو اللذان جرحاه.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
37 - باب العدل يقيم شهادة قد كان شهد بها مرة
فردت لعلة كانت
م 2207 - أجمع أهل العلم على أن العبد، والصغير، والكافر إذا شهدوا على
(4/302)
شهادة، فلم يدعوابها، ولم يشهدوا بها حتى
عتق العبد، وبلغ الصبي، وأسلم الكافر، ثم أدوها في حال يجب قبول شهادتهم،
أن قبولها يجب.
م 2208 - واختلفوا فيه إن كانوا دعوا لها مرة وهم على أحوالهم، فشهدوا
فردت، ثم شهدوا بها بعد أن انتقلت أحوالهم، وصاروا ممن لو ابتدأ يشهد
بشهادة وجب قبولها.
فقالت طائفة: إذا ردت مرة لم تجز أبدا، روينا هذا القول عن عثمان بن عفان،
وبمعناه قال الزهري، والنخعي، وقتادة، وبه قال أبو الزناد، ومالك.
وكان الحسن البصري يقول: تقبل شهادة الذين كان أحدهما عبد، والآخر ذمي، إذا
عتق هذا، وأسلم هذا، وإن كنت ردت، وبه قال الحكم في العبد.
وفيه قول ثالث: وهو قبول شهادة العبد، والذمي، والصبي بعد انتقال أحوالهم،
وإن كانت ردت في الأحوال التي كانوا عليها قبل ذلك، فأما الحر يشهد بشهادة
فترد بفسق، ثم انتقل حاله وصلح، فيشهد بتلك الشهادة، بافا لا تقبل أبدا،
هذا قول الشافعي.
وفيه قول رابع: وهو أن شهادتهم كلهم مقبولة إذا انتقل الفاسق، صار عدلا،
وأسلم الكافر، وبلغ الصبي، واعتق العبد، وإن كانت شهادتهم لم تقبل قبل [1/
223/ب] ذلك، هذا قول أبي ثور.
قال (1) أبو بكر: والنظر دال على صحة هذا القول، وذلك أن الحاكم إذا لم
يعرفهم كتب شهادتهم، ثم سئل عنهم فإذا عرف أحوالهم
__________
(1) في الأصل "وقال أبوبكر".
(4/303)
ردها كلها، وإن عرفهم لم يسمع منهم، فأما
أن يستعمل مستعمل في باب الفاسق جهل الحاكم به ليسأل عنه فترد شهادته،
ويجعل الحاكم عالماً في باب العبد، والصبى، والذمي، فليس ذلك تسوية بينهم،
لأن التسوية بينهم أن يكون الحاكم عالماً بهم كلهم، أو جاهلا بهم، ولا يجوز
أن ترد شهادة عدل أمر الله بقبول شهادته بغير حجة، وشهادة العبد جائزة، وإن
لم يعتق إذا كان عدلا، لدخوله في ظاهر قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ} الآية.
38 - أبواب الشهادة على الشهادة
م 2209 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن شهادة أربعة على شهادة
شاهدين، جائزة في الأموال إذا كانوا عدولا.
م 2210 - واختلفوا في الشهادة على الشهادة فيما سوى ذلك من الحدود: فكان
الشعبي، والنخعي يقولان: لا تجوز شهادة الرجل على شهادة الرجل في الحدود،
وبه قال النعمان في الحدود، والقصاص.
وزعم أبو عبيد أن على هذا اجتمعت العلماء من أهل الحجاز، والعراق وغيرهم،
واجتمعت أرائهم على إمضائها على الأموال ثم اختلف في النكاح، والطلاق،
والعتاق، فقال أبو عبيد: لا تجوز في شيء من ذلك.
(4/304)
وكان مالك يقول: تجوز شهادة الرجلين على
الرجل في الحدود، والقذف، وكل شيء من الحقوق، وغيرها، وبه قال أبو ثور.
39 - باب العدول الجائزة شهادتهم على شهادة
غيرهم
م 2211 - واختلفوا في العدول الجائزة شهادتهم على شهادة غيرهم.
فقالت طائفة: تجوز شهادة الرجل على الرجل، هذا قول الحسن البصري، وابن أبي
ليلى، وابن شبرمة، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أن تجوز شهادة شاهدين على شهادة شاهدين، إذا شهد على
شهادة كل واحد منهما أنهما أشهداهما، هذا قول مالك، وعبد الملك صاحبه.
وقال أصحاب الرأي: لا تجوز على شهادة رجل أقل من شهادة رجلين، أو رجل
وامرأتين، وإن شهد رجلان على شهادة رجلين فهو جائز، لأنهما يشهدان جميعاً
على شهادة كل واحد منهما.
وفيه قول رابع: وهو أن لا يقبل على كل شاهد إلا شهادة شاهدين، هذا قول
الشافعي.
40 - باب [1/ 224/ألف] شهادة النساء على شهادة
غيرهن
م 2212 - واختلفوا في شهادة النساء على شهادة غيرهن، ففي قول مالك،
والشافعي: لا تجوز شهاتهن على شهادة غيرهن، وقال الثوري: لا تجوز شهادة
امرأتين على شهادة رجل، وقال أصحاب الرأي: لا تجوز على شهادة رجل أقل من
شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين.
(4/305)
وقال أبو ثور: وشهادة رجلين على شهادة رجل
جائزة، وكذلك على شهادة امرأة، وكذلك شهادة رجل وامرأتين على شهادة رجل
وامرأة، ولا تجوز شهادة رجل على شهادة رجل.
41 - باب القول الذي قاله المشهود علي شهادته
أطلق لمن أشهد عليه القيام به ووجبت قبوله منه
م 2213 - كان شريح لا يقبل أن يقول الشاهد: حدثني بكذا وكذا، وكان رجل
يلقنهم ويقول: قل: أشهد أن ذا عدل أشهدني.
وقال الشافعي: وإذا قال: وأخبرني فلان أنه شهد على فلان بكذا، لم تكن هذه
شهادة، حتى يقول له: أشهد على شهادتي أن فلانا أشهدني على فلان بكذا.
وقيل لأحمد: قال ابن أبي ليلى: السمع سمعان إذا قال: سمعت فلانا أجزته،
وإذا قال: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا، لم أجزه، واستحسن أحمد، وإسحاق
ذلك.
وقال أبو عبيد: ولا يجوز أن يشهد الرجل على شهادة الرجل حتى يأمره الشاهد
الأول بذلك.
وقال أصحاب الرأي: ولو قال رجلان لرجلين أن فلانا أشهدنا أن لفلان عليه ألف
درهم، فاشهدوا على شهادتهما بذلك، فشهد الآخران بذلك عند القاضي، فإن ذلك
جائز، وكذلك لو قالا: تشهدان لفلان على فلان ألف درهم، فاشهدا على شهادتنا
بذلك، كان ذلك جائزاً.
وكان مالك يقول فيمن دعا إلى أن يشهد على شهادة رجل حاضر ليس مريض فقال: ما
أرى أن يشهد على ذلك، وكذلك قال النعمان، إلا
(4/306)
أن يكون المشهود على شهادته مريضا، لا
يستطيع إتيان القاضي، ويكون على مسيرة ثلاثة أيام.
42 - باب الاختلاف في الشهادة
م 2214 - واختلفوا في الشاهدين يختلفان، فشهد أحدهما بألف، والآخر بألفين،
فكان ابن أبي ليلى، ويعقوب، ومحمد، والمزني يقولون: يجاز من ذلك ألف درهم.
وأبطل النعمان هذه الشهادة.
ولو شهد أحدهما بألف، وشهد الآخر بألف وخمس مائة درهم [1/ 224/ب] كانت
الألف جائزة في قول ابن أبي ليلى، والنعمان.
وروينا عن شريح معنى هذا.
وقال مالك: إذا شهد أحدهما بمائة درهم، والآخر بخمسين، إن أراد أخذ الخمسين
بلا يمين، وإن شاء حلف مع الذي شهد له على المائة، وبه قال أبو عبيد،
وإسحاق.
وقال الشافعي في شهادة الرجلين أحدهما بألف، والآخر بألفين، فإن شهد على
إقراره، وقال أحدهما: شككت في ألفين، فقد ثبت عليه ألف بشاهدين، وإن شهد
أحدهما: أن ذلك عليه من ثمن عبد قبضه، وقال الآخر: من ثمن بر قبضه، فلا
يأخذ إلا بيمين مع كل واحد منهما.
43 - باب الاختلاف في الشهادة على الزنا
م 2215 - واختلفوا في الشهود يتفقون على الزنا، ويختلفون في الأمكنة.
(4/307)
فقال مالك: على الشهود حد القذف، وليس على
المشهود عليه حد الزنا.
وقال أبو ثور: شهادتهم في ذلك باطلة، فإن كانوا أربعة فلا حد عليهم، وإن
كان أقل حدوا.
وحكى عن الشافعي أنهم يحدون.
وحكى عن الكوفي أنه قال: إذا شهد قوله بأنه زنى في قرية، وقال: الآخرون:
زنا في قرية أخرى، إن شهادتهم باطلة، ولا يحدون، وإن كانوا أربعة، وإن قال
بعضهم: في من مكان من البيت أوله، أو آخره.
واختلفوا، حدوا، وقبلت شهادتهم.
م 2216 - وقال أبو ثور: إذا شهد أنه زنى بهذه المرأة غدوة، وشهد أربعة أنه
زنى بهذه المرأة لامرأة أخرى ارتفاع النهار، حد الرجل والمرأتان، وذلك أن
الثنتين قد شهدت كل واحدة بهما على حق.
م 2217 - واختلف مالك، والشافعي في الرجلين يشهد أحدهما أن فلانا قال
لفلان: يا زان يوم الخميس، وشهد آخران قال له: يا زان يوم الجمعة، قال
مالك: يحد؛ لأن الشهادة ههنا لم تختلف، وكذلك الطلاق، والنكاح، وقال
الشافعي: لا يحد؛ لأنهما لم يشهدا على قذف واحد، وكذلك الطلاق، والنكاح.
قال أبو بكر: هذا أصح؛ لأن ذلك خلاف الشهادة على الإقرار، وإنما هي شهادة
على الأفعال.
م 2218 - وأجاب الليث بن سعد بمثل جواب الشافعي في الشهادة على القذف إذا
اختلفا، وأوجب الحد على من شهد عليه شاهد، أنه شرب الخمر بكرة، وشهد آخر
أنه شربه عشية.
(4/308)
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح.
م 2219 - واختلفوا في الشاهد يغير شهادته:
فقالت طائفة: تقبل منه، وتؤخذ بإحدى شهادتيه كذلك قال سليمان بن حبيب
[[المحاربي]]، وكان الثوري، وأحمد، وإسحاق يقولون: يغير شهادته، ويزيد،
وينقص ما لم ينقص [1/ 225/ألف] القاضي به، وهذا معنى قول النعمان.
وقال الزهري: لا تقبل شهادته الأولى، ولا الآخرة إذا بدلها أو غيرها. وقال
مالك: يؤخذ بأول قوليه،
44 - باب الشهادة على الخط
قال أبو بكر:
م 2220 - أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يشهد الشاهد على خطه، إذا
لم يكن يذكر الشهادة، قال الشعبي: من شاء كتب كتاباً، ومن شاء نقش خاتما.
واحتج مالك بقوله: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا
لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} الآية، وهذا كله علي مذهب الشافعي، وأبي عبيد، وأهل
الكوفة، وغيرهم ممن حفظنا ذلك عنهم.
(4/309)
45 - باب الشاهدين
يشهدان على ما يوجب قتلا أو قطعا ثم يرجعان عن الشهادة
م 2221 - واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل بقتل فيقتل، أو بقطع يد
فقطعت، ثم يرجعان عن ذلك:
فقالت طائفة: عليهما إن كانا عمدا ذلك القود في النفس، والقصاص في اليد،
وإن قال: أخطأت، فالدية، هذا قول ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبي
عبيد، إلا أن الشافعي جعل الخيار في القود، أو الدية إلى الأولياء.
وقد روينا عن علي أنه ضمن شاهدين شهدا على سرقة فقطعت يد السارق، ثم رجعا
عن الشهادة، دية يد المقطوع السارق، وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما قطعتكما.
وقال أصحاب الرأي: إذا شهدا على قطع يد رجل فقضى القاضي بذلك، ثم رجعا عن
شهادتهما، فإن عليهما الدية، فإن رجع أحدهما فعليه نصف الدية.
وقال الأوزاعي: إذا شهدا على رجل بقتل، فقتل، ثم رجعا عن الشهادة، قال:
يقتلان، فإن رجع أحدهما ضرب مائة وغرم نصف الدية.
وفي قول الشافعي في رجوعها كما قال الأوزاعي، يقتلان، وإن رجع أحدهما فعلى
الراجع القود إذا قال عمدت، والأولياء بالخيار في ذلك.
قال أبو بكر: إذا رجم الرجل بشهادة أربعة، ثم رجع أحدهم، ففي قول النعمان
عليه ربع الدية، يضرب الحد.
(4/310)
وفي قول ابن أبي ليلى، والشافعي: يقتل إذا
قال: عمدت، فإن رجعوا الأربعة قتلوا في قولهما، غير أن الشافعي يقول: في كل
مسألة تجب فيه القود، والأولياء بالخيار.
م 2222 - واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل بأنه طلق زوجته ثلاثا قبل أن
يدخل بها، فيفرق الحاكم بينهما، يرجعان عن الشهادة، فكان الشافعي يقول:
عليهما [[صداق]] مثلها، دخل بها أو لم يدخل ولا ألتفت إلى ما أعطاها.
وقد قال الشافعي [1/ 225/ب] في كتاب الرضاع: في الكبيرة [[ترضع]] الصغار،
وعليها نصف مهر كل واحدةٍ منهن.
وفي قول الكوفي: يرجع على الشاهدين بنصف المهر.
وقال ربيعة، وأبو عبيد: عليهما [[الصداق]].
وقال الأوزاعي: إذا شهدا على رجل بطلاق، ففرق بينهما، ثم أكذبا أنفسهما،
ترد إلى زوجها، وإن تزوجت، تنزع من الآخر وترد على الأول، ويضرب الشاهدان
مائة مائة، ويغرمان للآخر الصداق.
م 2223 - واختلفوا فيه إن شهدا بمال بملك، فأخرجوه منه يديه بشهادتهما إلى
غيره، فقال الشافعي: أعاقبهما على عمد شهادة الزور، ولا أعاقبهما على
الخطاء، ولا أغرهما.
وقال أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: يغرمان المال الذي شهدا به.
م 2224 - وقال أصحاب الرأي: إذا شهد ثلاثة نفر على رجل أن عليه ألف درهم
لرجل فقضى بها القاضي، ثم رجع اثنان عن الشهادة، ضمنا نصف المال؛ لأنه قد
بقى ثم اثنان.
وقال أبو عبيد: لوكانوا عشرة فرجع كل واحد منهم كان عليه العشر.
(4/311)
م 2225 - ولو شهد رجل وامرأتان على رجل
بألف، فقضى القاضي، ثم رجعوا جميعاً فان النعمان قال: على الرجل النصف،
وعلى النساء النصف، وإن رجع الرجل وحده ضمن نصف المال، وإن رجعت امرأة
وحدها ضمنت الربع سوى النصف، وإن لم يرجع الرجل ورجعت المرأة فعليها الربع،
لأنه قد بقى ثلاثة أرباع الشهادة.
م - وإن شهد عشرة نسوة ورجل على حق، فقضى به القاضي، ثم رجعوا جميعاً، فإن
أبا حنيفة قال: على الرجل السدس، وعلى النساء خمسة أسداس.
وقال يعقوب، ومحمد: على الرجل النصف، وعلى النساء النصف، لأن النساء كلهن
بمنزلة الرجل.
م 2227 - وقال النعمان، ويعقوب، ومحمد: لو رجع من النساء ثمان، لم يكن
عليهن ضمان، لأنه قد بقى رجل وامرأتان، ولو رجعت امرأة بعد الثمان كان
عليها وعلى الثمان ربع المال، لأنه بقى ثلاثة أرباع الشهادة، ولو رجعت
العاشرة كان عليها وعلى النساء نصف المال، لأنه بقى نصف الشهادة في قولهم
جميعاً.
قال أبو بكر: المعنى في غريم الشاهدين في العتق أنهما أزالا لملك رجل عن
عبده، وكذلك إذا شهدا لعبد لرجل، أخرجاه بشهادتهما من يدي ملكه وأزالا ملكه
عنه، فلا فرق بين إزالة المالكين عن العبدين، وإخراجهما من يدي المالكين في
أن يغرم كل فريق من الشهود [1/ 226/ألف] ثمن ما أخرجاه من ملك مالكه.
(4/312)
46 - مسائل من كتاب
الشهادات
قال أبو بكر:
م 2228 - وإذا حضر القوم رجلين فقالوا لهما: لا تشهدان علينا ما نقول،
فقالوا: نعم، فأقر بعضهم لبعض بشيء معلوم، ثم سألهم المدعى من القوم
الشهادة، أدوها، ولم يسعهم كتمان الشهادة، وهذا قول ابن سيرين، ومالك،
والثوري.
م2229 - وإذا سئل الشاهد شهادة قبله، فقال: ليس عندي شهادة، ثم أدى
الشهادة، وجب قولها منه؛ لأنه يذكر بعد النسيان، وهذا قول الثوري، وإسحاق.
م 2230 - وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده، فردت شهادتهما، ثم اشتراه
أحدهما، عتق عليه في قول مالك، والأوزاعي وجماعة، غير أن مالكا قال: ولاءه
للبائع.
م 2231 - وإذا ادعى رجل قبل رجل مالاً، وجحد المدعى عليه، فأقام المدعى
بينة أن له قبله حقا ولم تذكر البينة لمن الحق، فإن للمدعي استحلاف المدعى
عليه، بمنزلة من لا بينة له، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأبي ثور.
م 2232 - واختلفوا في الشهادة على الصدقات، والأنساب، والولاء من جهة الخبر
الذايع المستفيض، فكان مالك يقول: ليس عندنا أحد ممن يشهد على أخماس أصحاب
النبي- صلى الله عليه وسلم - إلا على السماع، قال مالك: بشهادة السماع في
الأخماس، والولاء، جائزة، وعلى الدور.
وقال عبد الملك: واقل ما يجوز في الشهادة على السماع أربعة رجال من أهل
العدل أنهم لم يزالوا يسمعون أن هذه الدار صدقة على بني
(4/313)
فلا، محبسة عليهم، وكذلك لم يزالوا يسمعون
أن فلان مولى فلان يتوالاها، وذلك عندهم وكثر سماعهم، فهذا وما أشبهه مما
تجوز فيه شهادة السماع.
م 2233 - وقال الشافعي: لا يسع شاهدا أن يشهد بما يعلم، والعلم من ثلاثة
وجوه: منها ما عاينة الشاهد فليشهد بالمعاينة، ومنها ما شهد فليشهد بما
أثبت سمعا من المشهود عليه ومنها ما تظاهر الأخبار، مثل الشهادة على ملك
الرجل الدار، على أن يظاهر الأخبار على أنه مالك الدار، وعلى أن لا يرى
منازعا لي الدار، لأنه ملك الدار على النسب، إذ أسمعه ينسب زمانا ويسمع
غيره نسبه إلى نسبه، ولم يسمع دافعا له، ولم ير دلالة يرتاب بها.
وفي قول أصحاب الرأي: الشهادة على النسب جائزة، إذا كان معروفا، أو شهد
بذلك عنده عدول.
وقال يعقوب: إذا شهد على ولاء مشهود، فهو كشهادتهم
على [1/ 226/ب] النسب، وإن لم يذكره، ولم يسمعوه.
قال أبو بكر: أما الشهادة على النسب فأمر لا أعلم أحدا من أهل العلم منعاً
منه، وأما على غير النسب، فالشهادة على السماع فيه يجب الوقوف عن الحكم به،
لأني لا أعلم حجة توجب ذاك.
م 2234 - واختلفوا في الشهادة على القتل، فقال كل من يحفظ عنه من أهل العلم
من أهل المدينة، والكوفة، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الحديث،
وأصحاب الرأي: يقتل على القتل عمدا كان القتل أو خطأ بشاهدين عدلين، ويحكم
بشهادتهما، ولا أحفظ عن أحد غير ذلك، إلا الحسن البصري فإنه قال: الشهادة
على القتل كالشهادة على الزنا، لا يقتل أقل من أربعة.
(4/314)
قال أبو بكر: وهذا غير جائز القول به، لأن
الشهادة على الزنا مخصوص، والخاص لا يجوز القياس عليه.
م 2235 - واختلفوا في أربعة شهدوا على رجل بالزنا، والإحصان، ثم غابوا، أو
ماتوا قبل أن يزكوا، ثم زكوا، ففي قول مالك، والشافعي، وأبي ثور: يقام عليه
الحد بشهادتهم.
وقال النعمان: لا يقام الحد حتى يحضروا من قبل أنهم قد يرجعون.
قال أبو بكر: قول مالك صحيح.
(4/315)
|