الإشراف
على مذاهب العلماء 51 - كتاب النكاح
1 - باب التحذير من فتنة النساء والحث على
النكاح والترغيب فيه لمن قدرعليه
أخبرنا أبو بكر محمد بن ابراهيم بن المنذر قال:
(ح 1047) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت بعدي في
الناس فتنة
أضر على الرجال من النساء.
(ح 1048) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يا معشر الشباب! من
استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع
فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
2 - باب مناكحة الأكفاء وما عليه أمر الناس
ثبت عن عائشة أنها قالت إن أبا حذيفة بن عتبة تبنى سالماً
(5/5)
وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو مولى
لامرأة من الأنصار.
(ح 1049) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة بنت قيس:
"أنكحي أسامة، قالت: فنكحت فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به".
قال أبو بكر:
م 2557 - واختلفوا في باب الكفاءة.
فقالت طائفة: الكفاءة في الدين، وأهل الإسلام بعضهم أكفاء ببعض كذلك قال
مالك، وسئل مالك عن نكاح المولى من العرب، فقال: لا بأس، ألا ترى إلى ما في
كتاب الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما بقي شيء من أمر الجاهلية، غير أني لست
أبالي أي المسلمين نكحت، وأيهم أنكحت.
وعن ابن مسعود أنه قال لأخته: أنشدك الله أن تزوجين إلا مسلماً ولو كان
أحمراً رومياً، أو أسود حبشياً، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز، وحمّاد بن
أبي سليمان، وبه قال عبيد الله بن عمير، وابن سيرين، وابن عون.
وحكى البوطي عن الشافعي أنه قال: الكفؤ هو في الدين.
(5/6)
(ح 1050) وقد ثبت أن نبي الله قال: "تنكح
المرأة لأربع، لمالها ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت
يداك".
وفيه قول ثان: وهو أن العربية لا تزوج من المولى، وكان الثوري يرى التفريق
إذا نكح [2/ 2/ب] المولى عربية ويشدد فيه، وبه قال أحمد، وقال: يفرق بينهما
وقال أصحاب الرأي: قريش بعضها أكفاء لبعض، والعرب أكفاء بعضهم لبعض، فإذا
[[زوجت]] المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما، ولا يكون
ذلك إلا عند القاضي، ولا يكون أحد من العرب بكفؤ لقريش، ولا يكون أحد من
الموالي بكفؤ للعرب.
3 - باب اباحة النظر إلى المرأة قبل الخطبة إذا
أراد خطبتها
قال أبو بكر:
(ح 1051) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه رخص في النظر إلى
المرأة إذا أراد الرجل نكاحها.
(5/7)
م 2558 - ورخص في ذلك الأوزاعي قال: ينظر
إليها، ويجتهد، وينظر إلى مواضع اللحم، وقال الثوري: لا بأس أن ينظر إلى
المرأة إذا أراد أن يتزوجها إلى وجهها وهي مستترة بثيابها.
وقال الشافعي، ينظر إلى وجهها وكفيها، وقال أحمد: لا بأس به ما لم [[يرى
منها]] محرماً، وبه قال إسحاق.
4 - باب إباحة التعريض بالخطبة للمرأة في العدة
قال الله جل ذكره: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّسَاءِ} الآية.
(ح 1052) وروينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال لفاطمة بنت قيس:
"انتقلي إلى أم شريك ولا [[تسبقيني]] بنفسك".
م 2559 - وكان ابن عباس يقول في قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} الآية، قال: يقول: بأني
فيك لراغب، ولوددت أني تزوجتك.
وممن رخص في مثل قوله: إنك لجميلة، وإنك لحسناء، إنك لنافقة، إنك إلى خير
مجاهد، وبمعناه قال الثوري، والأوزاعي: وألفاظهم ومعانيهم في ذلك قريبة
بعضها من بعض.
(5/8)
م 2560 - واختلفوا في الرجل يخطب المرأة في
العدة، جاهل بذلك ويسمى الصداق ويواعدها فكان مالك يقول: فراقها أحب إلي،
دخل بها أم لا يدخل ويكون تطليقة واحدة، ثم يدعها حتى تحل ويخطبها.
قال الشافعي: وإن صرح بالخطبة وصرحت له بالإجابة، ولم يعقد النكاح في
الحالين، [2/ 3/ألف] حتى تنقضي العدة، فالنكاح ثابت، والتصريح لهما مكروه.
5 - باب اختطاب النساء وعقد نكاحهن
(ح 1053) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخطب أحدكم على
خطبة أخيه".
(ح 1054) وفي بعض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يخطب
الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك.
م 2561 - وقد اختلف في هذا فكان مالك يقول: تفسير قول النبي - صلى الله
عليه وسلم - يخطب أحدكم على خطبة أخيه" أن يخطب الرجل المرأة، فتركن إليه
ويتفقان على صداق معلوم، فتراضيا عليه، وهي تشترط لنفسها، فتلك الحال التي
نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، وبنحو قول مالك قال يحيى الأنصاري،
والشافعي، وأبو عبيد.
(5/9)
واحتج الشافعي، وأبو عبيد:
(ح 1055) بحديث فاطمة بنت قيس، أن زوجها طلقها فقال لها النبي- صلى الله
عليه وسلم -: إذا حللت فأذنيني، فلما حلت أخبرته أن معاوية، وأبا جهم
خطباني، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أما معاوية فصعلوك لا ماله
له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه أنكحي أسامة، قالت: فكرهته وقال:
أنكحي أسامة، فنكحته فجعل الله فيه خيراً، فاغتطبت به".
وقال الشافعي: كان بيناً أن الحال التي يخطب فيها رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فاطمة على أسامة، غير الحال التي نهى عن الخطبة فيها.
م 2562 - وقد اختلفوا في عقد نكاح من خطب على خطبة أخيه في الحال المنهي
عنه، فكان مالك يقول: إن لم يكن دخل عليها، فرق بينهما، وإن كان دخل مضى
النكاح وبئس ما صنع.
وقال الشافعي: هي معصية يستغفر الله منها، فإن تزوجت بتلك الحال فالنكاح
ثابت بعد الخطبة.
قال أبو بكر: هكذا أقول، لأن النكاح لا يخلو من أحد معنيين، إما أن يكون
انعقد فلا معنى للتفريق بين زوجين قد انعقد فلا بغير حجة، أو لا يكون
انعقد، فغير جائز أن تصير امرأة ليست بزوجة بالوطئ زوجة [2/ 3/ب].
(5/10)
6 - باب الخطب عند
النكاح
(ح 1056) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كل أمر ذي بال لا
يبدأ فيه بالحمد لله أقطع".
(ح 1057) وروينا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كل خطبة ليس فيها
شهادة فهي كاليد الجذماء".
(ح 1058) وثبت عن ابن مسعود أنه قال: علمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم
- خطبة الحاجة، الحمد لله، نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ هذه الآيات (1) الثلاث: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} الآية.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ
__________
(1) في الأصل "هؤلاء"
(5/11)
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا} الآية.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} الآية.
قال أبو بكر:
م 2563 - ما أحب ترك هذه الخطبة عند النكاح، فإن اختصر على بعضها أو زاد
عليها، أو تركها وعقد النكاح، فالنكاح جائز وقد روينا عن ابن عمر أنه عقد
نكاحاً فما زاد على أن قال: قد أنكحتك على أن تمسك بمعروف أو تسرح بإحسان.
وروينا عنه أنه قال: نحمد الله تعالى، ونصلي على النبي، وقد أنكحتك على ما
أمر الله تبارك وتعالى، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد روينا عن الحسين
بن علي أنه زوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق.
ولا أعلم أحداً من أهل العلم أفسد نكاحاً، ترك المعاقد الخطبة عنه.
(5/12)
7 - باب النشر
والنهاب في النكاح وغيره
م 2564 - واختلفوا في القوم ينشرون السكر، واللوز، وما أشبه ذلك وقت
النكاح، فكره ذلك قوم، وممن روي عنه أنه كره أبو مسعود البدري، وعكرمة،
وابن سيرين، وعطاء، وعبد الله بن يزيد الخطمي.
ورخص فيه الحسن البصري، والنخعي، وقتادة، وأبو عبيد.
قال أبو بكر: [2/ 4/ألف] وبه نقول.
(ح 1059) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نحر البدن فإنه قال: "من
شاء اقتطع".
وأباح الأخذ من لحومهن، وكذلك إذا أباح لهم مالك اللوز، والسكر فلهم أخذ
ذلك.
جماع أبواب نكاح الأولياء
8 - باب إبطال النكاح بغير ولي
قال أبو بكر:
(ح 1060) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا نكاح إلا بولي".
(5/13)
م 2565 - واختلف أهل العلم في النكاح بغير
ولي.
فقال كثير من أهل العلم: لا نكاح إلا بولي، روي هذا القول عن عمر بن
الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وبه قال
سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد،
والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وابن المبارك، والشافعي، وعبيد الله
بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.
وفيه قول ثان: وهو أن الولي والسلطان إذا أجازه جاز، وإن عقد بغير ولي،
روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب، وابن سيرين، والقاسم بن محمد، والحسن
بن صالح، وإسحاق، وأبي يوسف.
وفيه قول ثالث: وهو أنها إذا تزوجت بغير إذن وليها كفواً لها، جائز، كذلك
قال الشعبي، والزهري.
وفيه قول رابع: وهو قول من فرق بين المسكينة، والمعتقة، ومن كل امرأة لها
قدر وغنى، وكان مالك يقول: إذا لم يكن لها خطب فلا بأس أن تستخلف على نفسها
من يزوجها، فأما كل امرأة لها قدر وغنى، فلا ينبغي لها أن يزوجها إلا
الأولياء أو السلطان.
وفيه قول خامس: وهو أن البكر أو الثيب إذا زوجت نفسها بشاهدين وهو كفء فهو
جائز، هذا قول النعمان.
وقال محمد: إن زوجت بغير إذن ولي، فالنكاح موقوف حتى يجيزه القاضي أو
الولي.
(5/14)
قال أبو بكر: أما تفريق مالك بين المسكينة
والتي لها قدر وغنى، فغير جائز؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قد ساوى
بين أحكامهن في الدماء فقال:
(ح 1061) "المسلمون تكافؤ دماؤهم".
وإذا كانوا في الدماء سواء، فهم في غير ذلك شيء واحد.
وأما ما قال النعمان، فمخالف للسنة، خارج [2/ 4/ب] عن قول أكثر أهل العلم،
وبالخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نقول: ويدل قوله: {وَإِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}
الآية، على أن للولي منع المرأة من نفسها.
(ح 1062) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم -، لما أنزل الله تعالى هذه الآية
دعا معقلاً حتى زوج
أخته من الرجل الذي خطبها.
م 2566 - واختلفوا في الولي، فقالت طائفة: الأولياء العصبة، هكذا قال مالك،
والليث بن سعد، والثوري، والشافعي.
وخالفهم أبو ثور وقال: كل من لزمه اسم ولي، يعقد النكاح، وبه قال محمد بن
الحسن.
(5/15)
9 - باب استئمار
الأولياء النساء الثيبات، واستئذان الأبكارعند النكاح
(ح 1063) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنكح الثيب حتى
تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف إذنها يا رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - قال: الصمت".
قال أبو بكر: ودل هذا الحديث على أن البكر الذي أمرنا باستئذانها، البالغ
إذ لا معنى لاستئذان من لا إذن لها من الصغار، إذ سكوتها وسخطها سواء.
م 2567 - واختلفوا في البكر البالغ يعقد عليها أبوها النكاح بغير إذنها.
فقالت طائفة: نكاحه إياها جائز، كذلك قال مالك، وابن أبي ليلى، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق.
وأبطلت طائفة نكاحها فقالت: لا يجوز للأب أن يزوج البالغ البكر والثيب إلا
بإذنها هذا قول الأوزاعي، والثوري، وأبي ثور، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
وذلك لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال قولاً عاماً: "لا تنكح البكر حتى
تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر".
وكل من عقد نكاحاً على غير ما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فباطل
لأنه الحجة على الخلق، فليس لأحد أن يستثني من السنة إلا بسنة مثلها، فلما
ثبت أن أبا بكر الصديق زوج عائشة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهي
(5/16)
صغيرة، لا أمر لها في نفسها، كان عقد الأب
على البكر الصغيرة وهي لا أمر لها في نفسها جائز، وكان ذلك مستثنى من قول
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: لا تنكح البكر حتى تستأذن".
(ح 1064) وقد روينا عن ابن عباس [2/ 5/ألف] بكراً زوّجها أبوها وهي كارهة،
فأتت النبي- صلى الله عليه وسلم -، ففرق بينهما.
م 2568 - واختلفوا في الولي غير الأب يزوج البكر البالغ، فتقول: زوجني بغير
إذني، وقال الزوج: بل قد أذنت، ففي قول الشافعي، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد:
تستخلف فإذا حلفت بطل النكاح، وفي قول النعمان: لا يمين عليها.
م 2569 - فإن لم تحلف ففي قول الشافعي، وأبي ثور: يحلف الزوج، ويثبت
النكاح، وفي قول يعقوب ومحمد، يلزمها النكاح إذا نكلت.
10 - باب صفة إذن الثيب والبكر
(ح 1065) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال في البكر: "سكوتها
رضاءها".
م 2570 - وممن قال بأن إذنها صماتها شريح والشعبي، وابن سيرين، والنخعي،
والثوري، والأوزاعي، وابن شبرمة، والنعمان.
(5/17)
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق في الثيب إذا
زوجت، فضحكت أو بكت أو سكتت فلا يجوز حتى تتكلم.
وقال أبو ثور: لا يكون إذن الثيب إلا بكلام.
قال أبو بكر: وكذلك نقول، وإذن البكر صماتها إذا عرفت قبل أن تستأذن إذنها
صماتها، فإذا عرفت ذلك لزمها إذا استؤذنت فصمتت.
11 - باب إبطال نكاح الثيب تزوج بغير رضاها
م 2571 - أجمع عوام أهل العلم أن نكاح الأب ابنته الثيب بغير رضاها لا
يجوز، هذا قول مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وإسحاق، وأبي
ثور.
(ح 1066) وجاء الحديث عن خنساء بنت [[خذام]] أن أباها [[زوجها]] وهي ثيب
فكرهت ذلك فأتت النبي- صلى الله عليه وسلم -، فرد نكاحها.
م 2572 - وقد روينا عن الحسن البصري أنه قال: نكاح الأب جائز على ابنته
بكراً كانت أم ثيباً، كرهت أم لم تكره.
وقال النخعي: يزوج الرجل ابنته، إذا كانت في عياله ولا يستأمرها، فإذا كانت
بائتة في بيتها مع عيالها، استأمرها.
قال أبو بكر: وبالقول (الأول) (1) أقول لحديث خنساء.
__________
(1) سقط لفظ "الأول" من الأصل.
(5/18)
(ح 1067) وللثابت عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر".
دخل في ذلك جميع الأولياء الآباء وغيرهم، إلا الصغيرة التي لا أمر لها في
نفسها فإنها مخصوصة بالسنة.
12 - باب نكاح الأب بنته الصغيرة البكر
(ح 1068) ثبت أن أبا بكر زوج عائشة [[من]] رسول الله- صلى الله عليه وسلم
-، وهي إذ ذاك بنت سبع سنين.
م 2573 - وأجمع أهل العلم على أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز، إذ
زوجها من كفؤ، هذا قول مالك، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، [2/ 5/ب]
وعبيد الله بن الحسن، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وحجتهم في ذلك حديث
عائشة.
وبه نقول.
م 2574 - واختلفوا في إنكاح سائر الأولياء، اليتيمة الصغيرة، فكان مالك،
والشافعي، وأحمد، وأبو عبيد، وأبو ثور يقولون: ليس لغير الأب أن يزوج
اليتيمة الصغيرة، فإن فعل فالنكاح باطل.
(5/19)
وقال الثوري: لا يجوز نكاح الأخ، والعم
الصغيرة إلا أن تكون قد بلغت، فيستأمرها، وبه قال ابن أبي ليلى.
وقالت طائفة: إذا زوج الصغيرين غير الأب، فلها الخيار إذا بلغا، روي هذا
القول عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وطاووس، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة،
وابن سيرين، والأوزاعي.
وكان أحمد يقول: لا أرى للولي ولا للقاضي في أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ سبع
سنين، إذا بلغت سبع سنين، فرضيت فلا خيار لها.
واختلف أصحاب الرأي في الرجل يزوج ابنة أخيه بابن أخيه، وهما صغيران، وهو
وليها، ثم يكبران، والجارية لا تعلم بذلك.
فقال النعمان: لهما الخيار ما لم تعلم بالنكاح، وإذا علمت، فإن سكتت فهو
رضا وهذا قول محمد.
وقال أبو يوسف: لا خيار لهما إذا كبرا، والنكاح جائز.
م 2575 - واختلفوا فيه إذا مات أحدهما قبل أن يبلغ فيختار.
فقالت طائفة: لا يتوارثان، كذلك قال طاووس، وإسحاق، ووقف أحمد عن الجواب
فيها.
وقال النعمان: أيهما مات ورثه الآخر.
وقال قتادة في الصغيرين أنكح أحدهما أبوه، والآخر وليه، ثم ماتا، فإن مات
الذي أنكحه أبوه، ورثه الآخر، فإن مات الذي أنكحه وليه، لم يرثه.
قال أبو بكر: النكاح باطل، فإذا بطل النكاح لم يتوارثا.
(5/20)
13 - باب نكاح الأب
ابنته الطفل
م 2576 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نحفظ الأب ابنته الصغيرة
جائز، كذلك قال الحسن البصري، والزهري، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوري،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأصحاب الرأي.
واحتج أحمد بحديث ابن عمر أنه زوّج ابنه وهو صغير، وأنهم اختصموا [2/
6/ألف] إلى زيد فأجازاه.
14 - باب انكاح الأوصياء
م 2577 - واختلفوا في انكاح الوصي الصغير أو الصغيرة.
فقالت طائفة: ليس إلى الوصي من ذلك شيء، روي هذا القول عن الشعبي، والنخعي،
والحارث العكلي، وبه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.
وفيه قول ثان: وهو أن إنكاح الوصي جائز، كذلك قال الحسن البصري، وحماد بن
أبي سليمان.
وفيه قول ثالث: وهو أن الغلام يزوجه الأب والوصي، ولا يزوجه من الأولياء
غير الوصي والأب، ووصي الوصي أيضاً، وأما الجارية لا يزوجها إلا أبوها، لا
يزوّجها أحد من الأولياء، ولا الأوصياء حتى تبلغ للحيض، فزوّجها الوصي
برضاها، جاز، وكذلك وصي الوصي إن زوّجها برضاها، فذلك جائز، هذا قول مالك.
(5/21)
وفيه قول رابع: وهو أن الوصي، والولي لا
يرى لواحد منهما أن يزوج، إلا بمشاورة صاحبه، فإن اختلفا، رفعا أمرهما إلى
السلطان، فيرى في ذلك رأيه، روي هذا القول عن ابن شهاب.
وفيه قول خامس: وهو أن الوصي إذا زوج الصغير أو الصغيرة، وهو وليهما فهو
جائز، ولهما الخيار، إذا أدركا، ولو لم يكن لهما ولي، ولم يكن الوصي بولي
لم يكن النكاح بجائز، من قبل الوصي، لأنه ليس بولي، وليس يجوز على الصغير
أو الصغيرة إلا نكاح الولي، هذا قول أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: قال الله تبارك وتعالى: (والذين هص لفووجهص {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ} الآية.
م 2578 - وقد أجمع أهل العلم على أن اليتيمين الصغيرين فرجاهما محظور محرم،
إلا بالمعنى الذي أباحه الله عز وجل.
م 2579 - وقد أجمعوا على أن عقد الأب عليهما يبيح الفرج المحظور.
واختلفوا في عقد سائر الأولياء عليهم النكاح، فغير جائز أن يباح فرج قد
أجمعوا على تحريمه، إلا بإجماع مثله، أو خبر عن
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - والمعارض له، وقد دلت الأخبار الثابتة عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبطال هذا النكاح، وقد ذكرناه فيما مضى.
15 - باب ولاية المرأة
م 2580 - واختلفوا في المرأة تزوج نفسها، [2/ 6/ب] فقال أكثرهم: لا يجوز
ذلك، وبه قال أبو هريرة، وابن عمر، وعبد الملك بن مروان،
(5/22)
والثوري، ومالك، والشافعي.
وبه نقول، وذلك:
(ح 1069) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل".
وكان عطاء بن أبي رباح يجيز ذلك إذا كان بشهادة، وقال النعمان: للمرأة أن
توكل من يزوج ابنتها، ونكاحها نفسها جائز، وإذا ولت رجلاً يزوج ابنتها
فجائز.
16 - باب ولاية الكفار
م 2581 - أجمع عامة من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر لا يكون ولياً
لابنته المسلمة، لقطع الله تبارك وتعالى الولاية بين المسلمين والكافرين،
هذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، والنعمان وأصحابه ومن تبعهم.
وليس للذمي حق في أحكام المسلمين، والنكاح من أعالي أحكامهم، وقد منعه الله
تعالى على لسان نبيه الميراث، والقود، والعقل، والنكاح إلى وليها من
المسلمين، فإن لم يكن فالسلطان ولي من لا ولي له.
(5/23)
17 - باب ولاية
العبد
م 2582 - واختلفوا في النكاح الذي يعقده العبد.
فقال مالك، والشافعي، وأبو عبيد: لا يجوز.
قال أبو بكر: وبه نقول، فإذا لم يكن العبد ولياً لنفسه، فهو لأن يكون ولياً
لغره أبعد.
وقال النعمان: إذا كان الوالد عبداً، أو مكاتباً، أو [[مدبراً]]، أو
مرتداً، أو عبداً أعتق بعضه، ليس لأحد من هؤلاء ولاية في أن يزوج صغيراً أو
صغيرة.
وقال أصحاب الرأي: إذا زوج البكر البالغ أبوها، وهو عبد، أو مدير، أو
مكاتب، أو ذمي، أو مرتد فرضيت به، فهو جائز إلا ترى أنها لو زوجت نفسها
رجلاً كان جائزاً.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، وإنما جاء الكوفي إلى مسألة يخالف فيها،
جعلها حجة أخرى يخالف فيها، ومن شاء فعل ذلك.
18 - باب ولاية السفيه
م 2583 - كان ابن عباس يقول: لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مرشد، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: لا نكاح لمولى عليه ولاء عبد، وقال الثوري: المعتقد ليس بولي،
ولا الصبى، وكذلك قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو ثور: غير الرشيد ليس بولي [2/ 7/ألف].
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
(5/24)
19 - باب المرأة
تزوج بغير إذنها، فتجيز النكاح
م 2584 - واختلفوا في المرأة تزوج بغير إذنها، فتجيز النكاح.
فكان الشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور يقولون: النكاح باطل ولا يجوز، ويستأنف،
وقال أحمد: يعجبني ذلك.
وقال أصحاب الرأي: إذا أجازته، جاز.
وفيه قول ثالث: وهو أن ذلك لا يثبت بإجازتها، إلا أن يكون قريباً، هذا قول
مالك.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
20 - باب الوليين يزوجان المرأة بأمرها
قال أبو بكر:
م 2585 - أكثر أهل العلم يقولون: إذا زوج المرأة الوليان بأمرها، فالنكاح
للأول، هكذا قال الحسن، والزهري، وقتادة، وابن سيرين، ومالك، والأوزاعي،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 2586 - فإن دخل بها أحدهما ففي قول عطاء بن أبي رباح، ومالك: الذي دخل
بها أولى.
وقال قتادة، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان: هي زوجة الأول،
وروي هذا القول عن علي.
وقال قتادة، والشافعي: لها مهرها على الواطئ، ولا يقربها الزوج حتى تنقضي
عدتها.
قال أبو بكر: وهذا أقول.
(5/25)
(ح1070) روينا عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه قال: "إذا زوج الوليان فالأول أحق".
م 2587 - واختلفوا في الوليين يزوجان، ولا يعلم أيهما زوج أولاً.
فكان أبو ثور يقول: يفرق بينهما، والفرقة أن يقول لهما القاضي طلقاها، حتى
يتبين ممن كانت زوجته، ثم يتزوجها بعد من شاءت منكما.
وقال الثوري: يخيرها السلطان لكل واحد منهما على تطليقه، فإن أبيا، فرق
السلطان بينهما، ففرقة السلطان فرقة.
وقال عطاء، والشافعي: النكاح باطل، وقال أصحاب الرأي: يفرق بينهما.
قال أبو بكر: النكاح مفسوخ لاحتمال أن يكونا عقدا النكاح معاً، وقد روينا
عن شريح، وعمر بن عبد العزيز، وحماد بن أبي سليمان: أنها تخير، فأيهما
اختارت فهو زوجها.
21 - باب عقد الرجل نكاح امرأة على نفسه يكون
هو وليها وخاطبها
م 2588 - اختلف أهل العلم في الرجل يخطب المرأة وهو وليها [2/ 7/ب].
فقالت طائفة: يعقد النكاح على نفسه إذا أذنت له في ذلك ويشهد، هذا قول
الحسن البصري، وبه قال مالك، وربيعه ابن أبي عبد الرحمن، والثوري، وأبو
ثور، وإسحاق.
(5/26)
وفيه قول ثان: وهو أنها تولي أمرها أولى
الناس بها بعده، كذلك قال قتادة، وعبيد الله بن الحسن، غير أن قتادة قال:
فإن تزوجها فجائز، غير أن ذلك حسن.
وفيه قول ثالث: وهو أن تجعل أمرها إلى رجل يزوجها منه، روي هذا القول عن
المغيرة بن شعبة، وبه قال أحمد.
وفيه قول رابع: وهو أن السلطان يزوجها منه، حكى ذلك عن الشافعي.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
(ح 1071) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها
صداقها.
وللناس الإقتداء برسول الله- صلى الله عليه وسلم - في جميع أفعاله، إلا أن
يخص الله عَزَّ وَجَلَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بشيء، فتلك كلها قد
بينها في كتابه، أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
22 - باب اجتماع الولاة وافتراقهم
م 2589 - واختلفوا في المرأة يكون لها ابن، وأب فكان مالك يقول: الابن أولى
بإنكاحها من الأب، وبه قال إسحاق، وحكي ذلك عن عبيد الله، وأبي يوسف.
وقالت طائفة: الأب أولى من الابن، هذا قول الشافعي، وقال أحمد: أحقهم
بالمرأة أن يزوجها أبوها، ثم الابن، وقد حكي عن النعمان أنه قال: أيهما زوج
جاز.
قال أبو بكر: الأول أولى.
(5/27)
(ح 1072) لأن عمر بن أبي مسلمة زوجها
باذنها، من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
23 - باب الجد والابن، والجد والأخ، والأب
والأخ
م 2595 - واختلفوا في الجد، والابن، فكان الشافعي يقول: الجد أولى.
م 2591 - واختلفوا في الجد، والأخ، فقال مالك: الأخ أولى بإنكاح أخته من
الجد.
وقال الشافعي: الجد أولى من الأخ، وقال أحمد: الجد أعجب إلي، وكذلك قال
إسحاق.
م 2592 - واختلفوا في الأب، والأخ، فكان الشافعي يقول: الأب أولى بإنكاحها،
وبه قال إسحاق، وأحمد.
وكان مالك يقول في المرأة الثيب لها أب وأخ، فزوجها الأخ، النكاح جائز.
وقال الشافعي [2/ 8/ألف] وأحمد: الأخ أولى من العم.
24 - باب مغيب بعض الولاة
م 2593 - واختلفوا في الرجل يزوج المرأة، ولها من هو أقرب إليها منه من
العصبة، فكان الشافعي يقول: النكاح باطل.
وقال مالك: النكاح جائز، إذا أصاب وجه النكاح.
وقال أحمد في الأب والأخ إذا كان الأب غائباً، أو طالت غيبته، وموضعها
بعيد، فزوج الأخ جاز.
(5/28)
وقال إسحاق في أخ لأب وأم، وأخ لأب، إذا
زوج الأخ من الأب فالنكاح جائز، وقد أخطأ.
وأجاز أصحاب الرأي إنكاح من غير أقرب إليها منه، إذا كان في أرض منقطعة،
وإن كان ذلك في السواء، وما أشبهه فهو بمنزلة الحاضر.
25 - باب منازل الأولياء
قال أبو بكر:
م 2594 - أما الذين رأوا أن نكاح بعض عصبة المرأة جائز، وإن كان غيره أقرب،
[[فالمسائل]] عنهم [[تقل]] في هذا الباب، وأما من قال إذا زوج المرأة بعض
أوليائها، وثم من هو أقرب منه إليها، فالنكاح باطل فقد نزل غير واحد منهم
الأولياء منازل، فممن هذا مذهبه الشافعي.
قال الشافعي: "لا ولاية لأحد مع الأب، وإذا مات الأب فالجد أبو الأب، ثم
الأجداد على هذه المنازل، فإن لم يكن أحد من هؤلاء، فالأخوة، وإذا اجتمع
الأخوة فبنو الأب والأم أولى من غيرهم، فإن لم يكونوا فبنو الأب، وهكذا قال
في بني الأخوة والعمومة، الجواب فيه عنده على هذا المثال".
وقال أحمد: أحق الناس بالمرأة أن يزوجها أبوها، ثم الابن، ثم الأخ، ثم ابن
الأخ، ثم العم.
وفي كتاب ابن الحسن: الأخ للأب والأم أولى من الأخ للأب، وكذلك العمان،
العم للأب والأم أولى من العم للأب.
(5/29)
قال أبو ثور في أخ لأب وأم، وأخ لأب: إن
زوج الأخ للأب فهو جائز.
م 2595 - وإذا كانت أمَة بين جماعة، فكوتبت، فعتقت، فإن مواليها زوجها
برضاها فهو جائز، هذا قول الشافعي، وأبي ثور، والكوفي.
26 - باب منع الأولياء المرأة النكاح
م 2596 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السلطان يزوج المرأة،
إذا أرادت النكاح، ودعت إلى كفؤ وامتنع الولي أن يزوجها، وهذا على مذهب
مالك [2/ 8/ب] والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور،
وأصحاب الرأي.
وروينا معنى هذا القول عن عثمان، وشريح، والنخعي.
وكذلك نقول.
27 - باب الشهود في النكاح
م 2597 - اختلف أهل العلم في عقد النكاح بغير شهود.
فقالت طائفة: لا نكاح إلا بشاهدي عدل، ولي مرشد، هذا قول ابن عباس، وقال
عطاء: لا نكاح إلا بشاهدين، وبه قال سعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، والحسن
البصري، والنخعي، وقتادة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد.
(5/30)
وقالت طائفة: النكاح جائز بدون شهود، كذلك
قال عبد الله ابن إدريس، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وعبيد الله
ابن الحسن، وأبو ثور.
وزوج ابن عمر ولم يحضر النكاح شاهدين، وفعل ذلك الحسن ابن علي، زوج ابن
الزبير وما معهما أحد، ثم أعلنوه بعد، وروينا أن حمزة بن عبد الله خطب على
ابنه إلى سالم، فزوجه وما معهما غيرهما.
وأجازت طائفة النكاح بغير بينة إذا أعلنوه، هذا قول الزهري، ومالك، وأهل
المدينة.
وفيه قول رابع: وهو أن النكاح لا يجوز إلا بشاهدين، ويجوز أن يكونا أعميين،
أو محدودين في قذف، أو فاسقين، ولا يجوز لو كانا عبدين، هذا قول أصحاب
الرأي.
وأجازوا النكاح بشهادة الفاسقين، المجمع على شهادتهما، للصواب المجمع على
فسقهما، وأبطلوا النكاح بشهادة العبدين اللذين قد اختلفوا في قبول
شهادتهما، والنظر دال على قبول شهادتهما.
قال أبو بكر: وليس يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء (1) في إثبات
الشاهدين في النكاح، وكان يزيد بن هارون يعيب أصحاب الرأي، يقول: أمر الله
عَزَّ وَجَلَّ الإشهاد على البيع
فقال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية، وأمر بالنكاح، ولم يأمر
بالإشهاد عليه، وزعم أصحاب الرأي أن البيع جائز وإن لم يشهد عليه، وأبطلوا
النكاح الذي لم يأمر الله بالإشهاد عليه.
(5/31)
قال أبو بكر: فإن اعترض معترض، فاعتل بخبر
ابن عباس، فبإزاء ابن عباس من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذين
أجازوا النكاح بغير شهود، ابن عمر، وابن الزبير، والحسن بن علي، مع أن
الخبر الثابت عن رسول الله [2/ 9/ألف]- صلى الله عليه وسلم - يدل على صحة
النكاح الذي
لم يحضر شهود.
(ح 1073) ثبت أن أنس بن مالك أنه قال: كنت رديف أبي طلحة فاشترى رسول الله-
صلى الله عليه وسلم - جارية بسبع أرؤس، فقال الناس: ما ندري أتزوجها، أم
جعلها، أم ولد؟ فلما أراد أن يركب، حجبها فعرفوا أنه تزوجها.
قال أبو بكر: فاستدل من حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - على تزويجها
بالحجاب.
م 2598 - واختلفوا في النكاح بشهادة رجل واحد وامرأتين، فأجاز ذلك الشعبي،
وأصحاب الرأي.
وكان النخعي، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد يقولون: لا يجوز.
وفي قول من أجاز النكاح بغير شهود، إذا أعلنوه، النكاح جائز.
28 - باب نكاح السر
قال أبو بكر: أحل الله عَزَّ وَجَلَّ النكاح، وحرم الزنا.
(ح 1574) وجاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أعلنوا
النكاح".
(5/32)
م 2599 - وممن روينا عنه أنه كره نكاح
السر، عمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير، والشعبي، ونافع مولى ابن عمر، وعبد
الله بن عتبة.
م 2600 - واختلفوا في النكاح يعقد ببينة عادلة سراً، فقال مالك: يفرق
بينهما، ويجوز إن [[لم]] يحضره شهود إذا أعلنوه.
وفي قول الشافعي: النكاح جائز، ولا يكون ذلك نكاح السر.
وقال النعمان في نكاح السر: لا يفرق بينهما.
قال أبو بكر: النكاح جائز إذا عقد بما يعقد به النكاح.
جماع أبواب المهور وسننها
29 - باب وجوب المهور وما فيها من التغليظ
قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} الآية.
وقال عز وجل: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ} الآية.
(ح 1075) وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحق الشروط أن
يوفي به ما ستحللتم به الفروج".
(ح 1076) وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: قلت لعائشة: يا أمتاه! كم كان صداق
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: اثنتي عشرة أوقية ونش.
(5/33)
وكان مجاهد يقول: الأوقية أربعون درهماً،
والنش عشرون درهماً، والنواة خمسة دراهم.
30 - باب المغالاة في المهر والتوسع في ذلك
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ
زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}.
م 2601 - وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي
طالب بأربعين ألف درهم، وأن ابن عمر أصدق صفية عشرة آلاف درهم، وكان ابن
عمر يزوج بناته على عشرة آلاف.
وروي أن الحسن بن علي تزوج امرأة، فأرسل إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف
درهم، وعن ابن عباس أنه تزوج شميلة على عشرة آلاف، وتزوج أنس بن مالك على
عشرة آلاف.
قال أبو بكر: النكاح بكل ما ذكرناه جائز، لا اختلاف أعلمه، ولا حد لأكثر
الصداق لا يتجاوز ذلك، وإنما تكلم أهل العلم في أدنى الصداق.
31 - باب التوقيت في المهور واختلاف أهل العلم
في ذلك
م 2602 - اختلف أهل العلم في أدنى ما يجوز من الصداق.
(5/34)
فقالت طائفة: لا وقت في الصداق، كثر أم قل
هو ما تراضوا به، هذا مذهب الحسن البصري، وعمرو بن دينار، وعبد الكريم،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: لو أصدقها سوطاً، لحلت به.
وفيه قول ثان: وهو أن أقل المهر ربع دينار، هذا قول مالك بن أنس.
وفيه قول ثالث: وهو أن أقل المهر عشرة دراهم، هذا قول أصحاب الرأي.
وفيه قول رابع: وهو أن أقل المهر خمسة دراهم، هذا قول ابن شبرمة.
وقد حكي عن النخعي ثلاثة أقاويل: أحدها أنه كره أن يتزوج بأقل من أربعين
درهماً.
وحكي عنه أنه قال في الصداق: الرطل من ذهب، وحكي عنه أنه قال: أكره أن يكون
مثل مهر البغي، ولكن العشرة والعشرين، وقال الأوزاعي: كل نكاح وقع على درهم
فما فوقه، ولا ينقصه
قاضي.
وقال أبو عمرو: الصداق عندنا ما يتراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير.
قال أبو بكر: والذي به أقول أن الصداق ما يتراضى عليه الزوجان، وقد ذكر
الله تعالى الصداق في كتابه، ولو كان لأقل ذلك لبيّنه الله في كتابه، أو
على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -
(5/35)
(ح 1077) وقد قال [2/ 10/ألف] رسول الله-
صلى الله عليه وسلم -: "التمس ولو خاتماً من حديد".
وليس لأحد أن يحد حداً يفرض به فريضة إلا بحجة، ولا نعلم حجة تثبت صداقاً
معلوماً، لا يجوز غيره.
32 - باب النكاح بالحكم والتفويض
م 2603 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة على حكمه أو حكمها.
فقالت طائفة: لها صداق نسائها، كذلك قال الشافعي، وأحمد.
وفيه قول ثان: وهو أن لها سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في الصداق
وهو أربعمائة وثمانون درهماً، هذا قول إسحاق.
وقال عطاء: إذا تزوجها على حكمه، فحكم عشرة دراهم، قال: يجوز.
وقالت طائفة: غير ذلك كله في الرجل يتزوج المرأة على حكمه أو حكمها، أن
النكاح جائز ولها مهر مثلها، إن مات أو ماتت، والمتعة إن طلقها قبل الدخول،
هكذا قال أبو ثور، وأصحاب الرأى.
وكان مالك بن أنس يقول في المفوض إليه: إن تأكدوه قبل أن يدخل بها فهو
بالخيار إن شاء أعطاها صداق نسائها، وإن شاء فارقها، وكانت تطليقه ولها
المتاع، وليس لها إعطاء صداق مثلها إلا ذلك.
قال أبو بكر: إن مات أو ماتت، فلها صداق مثلها على:
(5/36)
(ح 1078) حديث معقل بن يسار، وهو في معنى
من لم يسم.
لأن المجهول، والحرام من المهر في معنى من لم يسم مهراً، فإن طلق قبل
الدخول فلها المتعة؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل لمن طلق قبل الدخول، وفرض
نصف ما فرض، فلما كان هذا في معنى، من لم
يفرض، كانت لها المتعة إذ ذلك سبيل من لم يسم ولم يفرض.
33 - باب قولهم: مهر مثلها
م 2604 - كان الشافعي يقول: "متى قلت: لها مهر نسائها، فإنما أعني أخواتها
وعماتها، وبنات أعمامها، ونساء عصبتها، وليس أمها من نسائها، وأعني مهر
نساء بلدها في شبابها، وعقلها، وأدبها، وسيرها، وجمالها، وصرامتها (1).
وبكراً كانت أم ثيباً؛ لأن المهور تختلف بهذه الأحوال".
قال أبو بكر: وهذا من أحسن ما سمعت في مهر المثل، والله أعلم.
وقال مالك: صداق مثلها في موضعها، وجمالها، ومالها، [2/ 10/ب] وشبابها،
ورغبة الناس فيها.
__________
(1) في الأصل "صحاحتها" والتصحيح من الأم، ولعل الكلمة "صباحتها"
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في الأوسط "صراحتها"
(5/37)
وحكي عن النعمان أنه قال: نسائها أخواتها،
وبنات عمها، وعن ابن أبي ليلى أنه قال: أمها وخالاتها.
وقال أبو ثور نحواً من قول الشافعي: ولم يذكر بكراً ولا ثيباً ولا صبيحة،
وفي كتاب ابن الحسن: نسائها أخواتها لأبيها، وأمها وعماتها، وبنات عماتها،
وليس أمها ولا خالتها من نسائها، إلا أن
تكون من عشيرتها وبنات عمها.
34 - باب عقد النكاح على المهر المجهول
م 2605 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على المهر المجهول، مثل أن ينكحها
على ثمرة لم يبد صلاحها، أو على ثوب، أو دار، أو سلعة لم يرها واحد منهما
ولم يصفها.
فكان الشافعي يقول: لها نصف صداق مثلها، وقال الثوري: إن تزوجها بصكٍ على
رجل، فلها صداق مثلها.
وقالت طائفة: لها مهر مثلها إن مات أو ماتت أو دخل بها، ولها المتعة إن طلق
قبل الدخول، هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقال مالك في المرأة تزوج على الجنين، أو تزوج بخمر، أو تزوج بثمرة لم يبد
صلاحها، أو بعبد آبق، أو جمل شارد، إن دخل بها لم يفرق بينهما، ولها مهر
مثلها، وإن أدرك النكاح قبل أن يدخل بها فسخ.
(5/38)
قال أبو بكر: ليس يخلو النكاح على ما
ذكرناه أن يكون ثابتاً، فلا يفسد بفساد المهر، أو يكون مفسوخاً فلا معنى
لإثبات النكاح بدخول رجل على غير زوجته، ولكنا نجعل النكاح ثابتاً، ونجعل
ما
ما سمي من ذلك لغواً في معنى من لم يسم شيئاً.
ففزع أصحابنا لما طولبوا بإبطال النكاح على المهر الحرام، والمجهول إلى
قوله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} الآية.
فإذا كان الفزع إلى هذه الآية، فيجب أن يوجب على من نكح امرأة على ما
ذكرناه إن دخل، صداق المثل، وإن طلق قبل الدخول، والمتعة، [[فأما]] أن يقول
قائل، إن طولب بفساد النكاح على ما ذكرناه، حكم هذا حكم من لم يسم، فإن طلق
[2/ 11/ألف] قبل الدخول، فلها نصف صداق المثل، فذلك اختلاف من القول.
35 - باب النكاح على الخمر والخنازير وما أشبهه
قال أبو بكر:
م 2606 - واختلفوا في المسلم يتزوج المرأة المسلمة على الخمر، والخنرير،
وما أشبه ذلك.
فقال أكثر أهل العلم إن دخل بها فلها مهر مثلها هذا قول مالك، والشافعي،
وأصحاب الرأي، وأبي ثور.
(5/39)
م 2607 - واختلفوا فيه إن مات، أو ماتت قبل
الدخول، ففي قول أبي ثور، وأصحاب الرأي: لها صداق نسائها، وإن طلق قبل
الدخول فلها نصف مهر مثلها.
وقد ذكرت مذهب مالك في مثل هذه في الباب قبل.
وقال أبو عبيد: لا يثبت هذا النكاح أبداً، إذا تزوجها على خمر، أو خنزير.
مسائل
م 2608 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على عبد فيستحق، فروينا عن شريح
أنه قال: لها قيمته، وبه قال ابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي، وأبو ثور، وبه
قال الشافعي إذ هو بالعراق، ثم رجع مصر فقال: لها مهر مثلها.
م 2609 - فإن تزوجها على أن تحسبه عبداً، فخرج حراً، ففيه أقاويل.
أحدها: أن لها القيمة، كذلك قال مالك، وبه كان يقول الشافعي إذ هو بالعراق،
وهو قول أحمد، وأبي ثور، وأبي يوسف.
م 2610 - وكذلك قال أبو يوسف إذا تزوجها على دَنٍّ من خل إذا هو خمر، لها
القيمة، وفي آخر قول الشافعي: لها مهر المثلث.
م 2611 - وقال أبو عبيد إن علما أنه حر، فالنكاح غير ثابت، وإن لم يعلما
بذلك، فلها قيمة مثله عبداً، وفي قول الشافعي: لها مهر مثلها في كل مسألة
من هذه المسائل.
وقد روينا عن الشعبي، والنخعي أنهما قالا: إذا ساقه إلى امرأته رجلاً حراً،
آل: وهو بحاله حتى يفك نفسه، أو يفكه الذي رهنه.
(5/40)
قال أبو بكر:
م 2612 - فإن نكحها على عبدين، فخرج أحدهما حراً، ففي قول الشافعي: لها مهر
مثلها، وفي قول النعمان: ليس لها إلا العبد الباقي.
وقول أبي يوسف: لها العبد الباقي، وقيمة الحر عبداً، وفي قول محمد: لها
العبد، إلا أن يكون مهرها أكثر فيتبلغ به ذلك.
قال أبو بكر: الجواب في هذه المسائل كلها عندي، كالجواب في المهر المجهول.
36 - باب المرأة تنكح على أن يحجها الزوج
م 2613 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على أن يحجها الزوج.
فكان النخعي يقول: ذلك جائز، فإن طلقها قبل الدخول بها فلها النصف ما يحج
به مثلها.
وزعم أبو عبيد أن النكاح على الحج جائز في مذهب الأوزاعي، ومالك، والثوري،
وأصحاب الرأي.
م 2614 - فإن طلقها قبل الدخول، فإن مالكاً (1) قال: عليه نصف قيمة
الحملان، وكذلك قال الأوزاعي، وزادوا النفقة والكسوة، وبه قال أبو عبيد.
وفي قول الشافعي: لها صداق مثلها لأن الحملان مجهول، لا يوقف له على حد ولا
مقدار، وفي القول الذي ذكرته، إن دخل بها، أو مات، أو ماتت، فصداق مثلها،
وإن طلقها قبل الدخول فالمتعة.
__________
(1) في الأصل: "مالك".
(5/41)
37 - باب الصداق
يكون عتقاً
م 2615 - واختلفوا في الرجل يتزوج امرأة على عتق أبيها فلم يبع.
فروينا عن الشعبي أنه قال: لها قيمته، وزعم أبو عبيد أن هذا قول مالك،
والثوري، والأوزاعي.
وحكى العدني عن الثوري أنه قال: أحب إلي أن يكون لها مهر مثلها.
وحكى صفوان عن الأوزاعي أنه قال: إن لم يكن دخل بها، فسخ النكاح، وإن دخل
بها فلها صداق مثلها.
38 - باب النكاح يعقد على بيت وخادم
قال أبو بكر:
م 2616 - واختلفوا فيمن تزوج امرأة على بيت وخادم.
فقال مالك: ذلك جائز، ويؤخذ خادم وسط، والبيت إن كان من بيوت الأعراب،
وبيوت قد عرفوها، فإن تزوجها على بيت من بيوت الحضر، فذلك جائز إذا كان
معروفاً.
وقال أصحاب الرأي: لها من ذلك خادم وسط، وقال يعقوب، ومحمد: وهو على قدر
الغلاء والرخص في كل بلد.
وقال النعمان: أربعون ديناراً للخادم، وأربعون ديناراً للبيت.
وفي قول الشافعي: لها صداق مثلها، وفي قول الثوري: إن دخل بها، أو ماتت، أو
مات، فصداق مثلها، وإن طلقها قبل الدخول، فالمتعة.
وبه نقول.
(5/42)
39 - باب ذكر المهور
تكون منها عاجلة وآجلة
قال أبو بكر:
م 2617 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على المهر، عاجل وآجل.
فقالت طائفة: ذلك كله بحال، هذا قول الحسن البصري، وحماد ابن أبي سليمان،
وبه قال الثوري، وأبو عبيد.
وفيه قول ثان: وهو أن الآجل في ذلك في طلاق أو موت، كذلك قال الشعبي،
والنخعي.
وفيه [2/ 12/ألف] قول ثالث: وهو أن ينظر، فإن كان الأمر عند أهل ذلك
البلدان المؤخر، لا يؤجل إلا عند موت أو طلاق، فإنه ينظر إلى مثل صداق تلك
المرأة بالنقد، فتعطى مثل ذلك إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها، فإنه
يخير الرجل فإما أن يعجل في ذلك، وإما أن يفسخ ذلك النكاح، هذا قول مالك.
وفيه قول رابع: وهو أن الأجل لا يحل حتى تطلق، أو يخرجها من مصرها، أو
يتزوج عليها، فإذا فعل ذلك حل العاجل والآجل، هذا قول إياس بن معاوية،
وقتادة.
وفيه قول خامس: وهو أن الآجل يحل إلى سنة، وذكر الأوزاعي عن (1) مكحول أنه
قال: الأجل يحل عندنا إلى سنة بعد دخوله بها، وهو قول عبيد الله بن الحسن.
وفيه قول سادس: وهو أن لها صداق مثلها، هذا قول الشافعي.
__________
(1) في الأصل "الأوزاعي ومكحول".
(5/43)
40 - باب المهور يشترط الأولياء لأنفسهم
معها شيئاً معلوماً
قال أبو بكر:
م 2618 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها كذا وكذا
شيئاً اتفقا عليه سوى بالمهر.
فقالت طائفة: كل ذلك للمرأة، روينا هذا القول عن عطاء، وطاووس، وعكرمة،
وعمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك، والثوري، وأبو عبيد.
وفيه قول ثان: روي عن علي بن الحسن أنه زوج ابنته رجلاً، واشترط لنفسه
مالاً، وعن مسروق أنه اشترط لنفسه عشرة آلاف يجعلها في الحج، والمساكين،
لما زوج ابنته.
وقال الشافعي: لها مهر مثلها إذا اشترط الولي هذا الشرط.
وفيه قول ثالث: وهو أن ذلك لا يجوز لغير الأب، لأن يد الأب مبسوطة في مال
ولده، يأخذ منه ما شاء، هذا قول أحمد، وإسحاق.
41 - باب المهر والبيع
قال أبو بكر:
م 2619 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على ألف درهم، على أن ردت عليه
عبداً.
ففي قول أبي ثور: إن وطئها أو مات، أو ماتت، فلها مهر مثلها، وإن طلقها قبل
الدخول، فالمتعة.
وفيه قول ثان: وهو أن النكاح جائز، فإن طلقها قبل أن يدخل بها، قسمت الألف
على قيمة العبد وعلى مهر مثلها، فما أصاب
(5/44)
قيمة العبد، فهو لها ثمناً بالعبد، وما
أصاب المهر، فهو مهر يرد نصف ذلك إن كانت قد قضته، هذا قول أصحاب الرأي [2/
12/ب].
وفيه قول ثالث: فإن لم يكن مات بدخول، فسخ النكاح، وإن مات بالدخول ثبت
النكاح، وصيرت إلى مهر مثلها، هذا قول مالك.
واختلف قول الشافعي في هذه المسأله، فقال إذ هو بالعراق: إن طلق قبل الدخول
فلها نصف صداق مثلها، وقال بمصر: فيها قولان:
أحدهما: أن ذلك جائز، ويسقم ما أعطاها على قيمة العبد، والمهر.
والقول الثاني: أن لها صداق مثلها إن دخل، ونصف صداق مثلها إن لم يدخل بها.
م 2620 - وإن نكحها على ألف درهم على أن ترد عليه ألف درهم، ففي قول أبي
ثور، وأصحاب الرأي: إن مات أو ماتت، أو وطيها، فلها صداق مثلها، وإن طلق
قبل الدخول فلها المتعة.
وفي قول الشافعي: لها صداق مثلها، ويترادّان الألفين.
مسألة
م 2621 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على ألف درهم إن لم يكن له زوجة،
فإن كانت له زوجة فالصداق ألفين.
فقالت طائفة: لها مهر مثلها، هذا قول الشافعي.
(5/45)
وقال أبو ثور: إن دخل بها أو مات، أو ماتت،
فصداق مثلها، فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة.
وقال النعمان: إن كانت له امرأة فلها ألفا درهم، وإن لم يكن له امرأة فلها
مهر مثلها، ولا ينقص من الألف شيئاً، ولا يجاوز بها ألفين، والمهر الأول
جائز، والشرط الثاني فاسد، يكون لها فيه مهر مثلها ولا يجاوز بها أكثر مما
سمّى لها، ولا ينقص من أقل مما سمى لها.
وقال يعقوب ومحمد: لها جميع ما سمّى، لها كما سمّى، لا ينقص منه ولا يزاد
عليه في الشرط الأول، والآخر على ما سمّى، وليس هذا بمنزله قوله: هذا، أو
هذا.
وفيه قول خامس: وهو أن لها أوكسهما، والنكاح جائز.
وكان أحمد وإسحاق يقولان: هم على ما اشترطوا عليه.
42 - باب النكاح على تعليم القرآن
م 2622 - واختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة على أن يعلمها القرآن.
فقالت طائفة: النكاح ثابت، وعليه أن يعلمها ما شرط لها، هذا قول الشافعي،
فإن طلقها قبل الدخول ففيها للشافعي قولان:
أحدهما: أن لها نصف آخر تعليم تلك السورة.
والآخر: أن لها مهر مثلها.
وفي قول المزني: لا يجوز النكاح على تعليم القرآن، وكان أحمد يكرهه.
وقال إسحاق: النكاح جائز، ويجعل لها مهر ما سن رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - في بناته، ونسائه [2/ 13/ألف].
(5/46)
43 - باب النكاح على
العروض
قال أبو بكر:
(ح 1079) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه تزوج أم سلمة على
متاع يساوي عشرة دراهم.
قال أبو بكر:
م 2623 - فإذا تزوج الرجل المرأة على عرض قدر عرفاه، فالنكاح ثابت، ولها
العرض الذي عقد عليه النكاح، وإن كان العرض موصوفاً معلوماً إلى أجل معلوم،
جاز إذا وصف كما يوصف في السلم، وإن كان العرض غائباً عنها، وقد وصفه لها،
فالنكاح جائز في قول مالك.
وقال أبو ثور: إن وصف لها فجائز، وإن كان على غير الصفة فلها مثل قيمة ما
وصف.
وقال أصحاب الرأي: إذا تزوجها على خادمة (1) ولم ترها بعينها، ثم رأتها
فكرهتها، فلا خيار لها، وليس كالبيع، إلا أن يكون عيباً فاحشاً فتردها
وتأخذ قيمتها صحيحة.
__________
(1) في الأصل "خادم".
(5/47)
44 - باب الشغار
قال أبو بكر:
(ح 1080) ثبتت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن
الشغار.
وفي حديث ابن عمر، قال: والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوج
الرجل الآخر ابنته، وليس بينهما صداق.
م 2624 - واختلفوا في الرجل ينكح الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته
يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى.
فقالت طائفة: النكاح جائز ولكل واحدة منهما صداق مثلها، هذا قول عطاء. بن
أبي رباح، وعمرو بن دينار، ومكحول، والزهري، والثوري، وأصحاب الرأي.
فإن طلقها قبل الدخول بها، فلها المتعة في قول النعمان، ويعقوب.
وقالت طائفة: عقد النكاح على الشغار باطل، وهو كالنكاح الفاسد في كل
أحكامه، هذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وكان مالك، وأبو عبيد يقولان: نكاح الشغار مفسوخ على كل حال.
وفيه قول ثالث: وهو أنهما إن كانتا لم يدخل بهما ففسخ النكاح، ويستقبل
النكاح بالبينة، والمهر، وإن كانتا قد دخل بهما فلهما مهر مثلهما، هذا قول
الأوزاعي.
(5/48)
م 2625 - واختلفوا والمسألة بحالها، وقد
سميا لكل واحد منهما مهراً مسمى.
فإن الشافعي يقول: "النكاح ثابت، ولكل واحدة منهما مهر مثلها، إن دخل بها
أو مات، ونصف مهر مثلها إن طلق قبل الدخول".
وكره مالك هذا النكاح، ورآه من وجه الشغار، وبمعناه قال الأوزاعي.
وقال أصحاب الرأي: النكاح في ذلك ثابت، ولكل واحدة منهما ما يسمى لها.
وقال أحمد: أما إذا كان صداق فليس بشغار [2/ 13/ب].
45 - باب المهر يختلف في السر والعلانية
قال أبو بكر:
م 2626 - اختلف أهل العلم في المهر يختلف في السر والعلانية.
فقالت طائفة: المهر مهر العلانية، هذا قول الشافعي، وابن أبي ليلى،
والثوري، وأحمد، وأبي عبيد، وبه قال الشافعي، إلا أن يكون شهود المهرين
واحد، فيثبتون على أن المهر مهر السر.
وقال آخرون: يجوز السر ويبطل العلانية، هذا قول شريح، والحسن البصري،
والزهري، والحكم بن عتيبة، ومالك، وإسحاق.
وقال النعمان: المهر هو الأول، والسمعة باطل، وكان الأوزاعي، وسعيد بن عبد
العزيز يقولان: يؤخذ بالأول من صداقهما سراً كان أو علانية إذا شهد.
(5/49)
وقال أبو ثور: المهر مهر السر.
قال أبو بكر: إذا تصادقا، أو ثبت بينة على عقد في السر بمهر مسمى، ثم
أظهروا أكثر من ذلك، فالمهر مهر السر، وإن لم يثبت بذلك بينة، فالمهر ما
أظهروا.
46 - باب المهر يختلف الزوجان في مبلغه
قال أبو بكر:
م 2627 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة فيقول الزوج: نكحتها بألف،
وتقول المرأة: نكحني بألفين، فقال الشعبي، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبو
ثور: القول قول الزوج مع يمينه.
وقالت طائفة: القول قول المرأة ما لم تجاوز صداق مثلها، هكذا قال الحسن
البصري، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبو عبيد.
وفيه قول ثالث: وهو أنها إذا قالت: تزوجني بألف، وقال: بل بخمسمائة، ومهر
مثلها عشرة آلاف، فلها ألف، لأنها أباحت فرجها به، هذا قول أحمد.
وفيه قول رابع: وهو أن لها مهر مثلها، هذا قول الثوري، والشافعي، بعد أن
يتحالفا عند الشافعي.
وفيه قول خامس: وهو أن القول قول المرأة، والزوج بالخيار، إن شاء أعطى ما
قالت المرأة، وإلا تحالفا ويفسخ النكاح، ولا شيء على الزوج من الصداق، إذا
لم يكن دخل بها.
فإن اختلفا بعد ما قد دخل بها ولم يطلقها، فادعت ألفين، وقال الزوج: لا بل
تزوجتك بألف، فالقول قول الزوج، هذا قول مالك.
(5/50)
وفيه قول سادس: وهو أن قول المرأة إلى مهر
مثلها، والقول قول الزوج فيما زاد على ذلك.
وإن طلقها قبل أن يدخل بها فالقول قول الزوج في نصف المهر، هذا قول
النعمان، ومحمد.
وفيه قول سابع: وهو أن القول قول الزوج في المهر إن طلق أو لم يطلق إلا أن
يجيء من ذلك [2/ 14/ألف] بشيء قليل، فلايصدق الزوج هذا قول يعقوب.
وفيه قول ثامن: في الأب والزوج يختلفان في الصداق، إن لها صداق نسائها، غير
أنها لا تنقص من ألف شيئاً، وإن كان أكثر من ذلك لم يزد على ألفين، هذا قول
قتادة.
47 - باب اتفاقهما في المهر واختلافهما في
القبض
م 2628 - واختلفوا في الرجل والمرأة (1) يختلفان في قبض الصداق، وقد أنكرت
المرأة القبض، فقالت طائفة: القول قول المرأة مع يمينها، هذا قول الشعبي،
وسعيد بن جبير، وبه قال ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، وشريح، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور، وحكي ذلك عن النعمان.
وقالت طائفة: إن كانت مدخولاً بها فالقول قول الزوج، فإن لم يكن دخل بها،
فالقول قول المرأة، تحلف بالله ما رفع إليّ شيئاً، ولا وصل إليّ، ثم تأخذ
حقها، هذا قول مالك.
__________
(1) في الأصل "المرأتان".
(5/51)
وقال سليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب،
وعبيد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وعروة بن الزبير: إن
دخول المرأة على زوجها يقطع الصداق إلا أن يكون لها تفريع شهودٍ، أوكتاب
بعد دخولها، وليس لها إلا يمينه.
قال إياس بن معاوية، وأبو عبيد: إذا دخل بها، فلا دعوى لها عليه في العاجل.
وفي الباب قول ثالث: وهو أن على الزوج المهر ما كان حيّاً بعد أن تحلف
المرأة على دعوى الزوج، وإن مات فجاءت ببينةٍ على صداقها أخذت به ورثته،
وإن لم يكن لها بينة، فلا شيء على ورثته،
هذا قول الزهري.
م 2629 - فإن ماتا، واختلف ورثته وورثتها في القبض، فالقول قول ورثتها مع
أيمانهم، ما يعملون أنها تنصف المهر، ثم يقبض الصداق إذا كان معلوماً، هذا
قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وبه قال يعقوب، ومحمد.
وقال النعمان يستحسن في هذا أن يبطل المهر إلا أن تقوم البينة على أصل
المهر ليؤخذ ورثته.
وفي قول مالك: إن مات الزوج، فلا شيء لها إن كان دخل بها،
فإن لم يكن دخل بها، فالصداق لها.
قال أبو بكر: القول قولها، وقول ورثتها من بعدها في هذه المسألة، والتي
قبلها مع أيمانهم، ما لم تكن بينة تشهد لها بالبرأة.
(5/52)
48 - باب التعريض في
[2/ 14/ب] المهر من غير أن يفرض ثم يحدث الموت بالزوج
قال أبو بكر:
م 2630 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة ولم يسم لها مهراً، ثم يموت
أو تموت.
فقالت طائفة: لا مهر لها، وعليها العدة، ولها الميراث، روينا هذا القول عن
عليّ، وبه قال زيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر.
وبه قال الزهري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، غير أن الشافعي قال: إن لم
يثبت فيه خير.
وقالت طائفة: لها مهر مثل نسائها، وعليها العدة، ولها الميراث، هذا قول ابن
مسعود، وبه قال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
(ح 1081) وقد ثبت مثل قول ابن مسعود عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وبه نقول.
49 - باب إباحة دخول الرجل بالمرأة قبل أن
يعطيها شيئاً
قال أبو بكر:
م 2631 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة، ثم يدخل عليها قبل أن يعطي شيئاً
من مهرها.
(5/53)
فقالت طائفة: لا يدخل عليها حتى يعطيها
شيئاً، روينا معنى هذا القول، عن ابن عباس، وابن عمر، وبه قال الزهري،
وقتادة، ومالك.
وقال مالك: يعطي أدباً ما يكون ربع دينار، وكذلك ثلاثة دراهم (1).
ورخصت طائفة: أن يدخل عليها قبل أن يعطيها شيئاً، هذا قول سعيد بن المسيب،
والحسن البصري، والنخعي.
قال أبو بكر: إن رضيت بدخوله عليها، قبل أن تقبض شيئاً، فلا بأس به، إذ لا
نعلم حجة تمنع منه.
مسألة
م 2632 - كل من نحفظ من أهل العلم يقول: للمرأة أن تمنع من دخول الزوج
عليها حتى يعطيها مهرها، فإن دخل برضاها، ثم طالبته بالصداق، فكان الشافعي
يقول: لا تمنع منه ما دام ينفق عليها، وبه قال يعقوب، ومحمد.
وقال النعمان: لها أن تمنعه نفسها، وإن دخل عليها، حتى يعطيها المهر.
50 - باب الزوج يعسر بالصداق
م 2633 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة فيعسر بالصداق، فكان الشافعي
يقول: هو يخير إذا لم يكن دخل بها.
__________
(1) في الأصل ثلث دراهم.
(5/54)
وقال النعمان: هو غريم من الغرماء، لا يفرق
بينهما، ويؤخذ بالنفقة حتى يجد بالصداق.
51 - باب اختلاف أهل العلم في معنى قوله: [2/ 15/ألف] {إِلَّا أَنْ
يَعْفُونَ} الآية
م 2634 - واختلفوا في معنى قوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} الآية.
فقالت طائفة: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج، روي هذا القول عن عليّ، وابن
عباس، وجبير بن مطعم.
وبه قال شريح، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ونافع بن جبير،
ونافع مولى ابن عمر، وإياس بن معاوية، وجابر ابن زيد، وابن سيرين.
وبه قال الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن الولى كذلك، قاله علقمة، والحسن، وطاووس.
وقال الزهري: ولي البكر، وقال مالك، هو الأب في بنته البكر، والسيد في
أمته.
وقال أحمد: عفو الأب جائز عن صداق ابنته البكر.
(5/55)
وقد روينا عن ابن عباس رواية هي أحسن
إسناداً من الرواية الأولى، أنه قال: [[إن عفت]] فذلك، وإن عفا وليها الذي
بيده عقدة النكاح، جائز، وإن أبت.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لأنها المالكة للشيء لا ملك لأحد معها، يدل
على صحة ما قلناه قوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}.
52 - باب اختلاف أهل العلم في وجوب الصداق
بالخلوة وإرخاء الستر
م 2635 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة ثم يخلو بها.
فقالت طائفة: إذا غلق باباً، أو أرخى ستراً فقد وجب الصداق، كذلك قال عمر
بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عمر.
وهذا مذهب عروة بن الزبير، وعلي بن الحسن، والزهري، وبه قال سفيان الثوري،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وبه قال مالك: إن دخل عليها في بيتها، صدق عليها، وإن دخلت عليه في بيته،
صدقت عليه.
وقال طائفة (1): لا يجب المهر إلا بالمسيس، كذلك قال شريح، والشعبى،
وطاووس، وابن سيرين، والشافعي، وأبو ثور.
__________
(1) كلمة "طائفة" كانت ساقطة من الأصل.
(5/56)
واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية.
وقد روي عن ابن مسعود، وابن عباس، أنهما قالا ذلك، ولا يصح ذلك عن أحد
منهما.
فأما حديث ابن عباس فإنما رواه ليث بن سليم، وليث [2/ 15/ب] يضعف، وحديث
ابن مسعود منقطع.
مسألة
م 2636 - واختلفوا في الصائم، أو المحرم يخلو بامرأته ثم يطلقها، فكان
إسحاق يقول: إنما ثبت لها جميع المهر إذا جاء العجز من قبله.
(5/57)
وقال النعمان: في المحرم يخلو بامرأته ثم
يطلقها، عليه نصف المهر، وإن كان هو صائم عن تطوع فعليه المهر كاملاً.
م 2637 - وقال في المجبوب يخلو بامرأته ثم يطلقها، عليه المهر كاملاً.
وقال يعقوب، ومحمد في المجبوب يخلو بامرأته: عليه نصف المهر.
وكان عطاء يقول: إن الصداق يجب بالخلوة، وإن أصبحت عذراء، وإن كانت حائضاً،
وهذا مذهب أحمد، وابن أبي ليلى، والثوري.
وفي قول الشافعي: إذا طلق من هذه صفته، فلها نصف الصداق في هذه المسائل.
53 - باب الواهبة نفسها بلا مهر، ولا تسمية شيء
م 2638 - واختلفوا في المرأة تهب نفسها للرجل، ويقبل ذلك الرجل.
فقالت طائفة: لا يكون هذا لأحد بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، إنما
خص الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم -، هذا قول عطاء، والزهري، وبه قال
مالك، والشافعي، وربيعة، وأبو عبيد.
وهكذا نقول.
وأجاز بعضهم هذا، وإن لم يسم مهراً إذا اختلف كانت ببينة، ثم يؤخذ لها صداق
المثل عند الدخول، روي هذا القول عن النخعي.
وأجاز أصحاب الرأي ذلك إذا وهبت نفسها للرجل وقبلها بشهود، ولا مهر مسمى،
يلزمه لها مهر مثلها إن مات عنها أو دخل بها، وإن طلقها قبل الدخول فلها
المتعة.
(5/58)
54 - باب المهر يزيد
وينقص عند الزوج أو عند المرأة
م 2639 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على جارية فلتلد أولاداً، أو على
ماشية فتنتج بعد قبضها ذلك، ثم يطلقها الزوج.
فقالت طائفة: النتاج، وولد الأمة للمرأة، يرجع الزوج بنصف ما أصدقها، إن
كان ذلك لم ينقص، هذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي في النتاج وولد الأمة كما قال الشافعي، قالوا: فإن طلق
الزوج، رجع بنصف قيمتها.
قال أبو يكر: "فإن لم تكن المرأة قبضت الخادم، ولا [2/ 16/ألف] الماشية حتى
تنجب عند الزوج، أو ولدت المرأة ثم طلق قبل أن يدخل عليها، فالنتاج وولد
الأمة للمرأة، وينظر إلى الماشية، فإن كانت بحالها يوم أصدقها، أو أزيد فهي
(1) لها، ويرجع بنصف قيمة الماشية دون النتاج، وإن كانت ناقصة عن حالها يوم
أصدقها، كان لها الخيار فإن شاءت أخذت منه أنصاف قيمتها يوم أصدقها إياها،
وإن شاءت أخذت أنصافها ناقصة "هذا قول الشافعي".
وقال أصحاب الرأي: إذا ولدت الخادم عند الزوج قبل أن تقبضها المرأة، ثم
طلقها قبل أن يدخل بها، كانت الخادم، والولد بينهما للمرأة نصف الخادم ونصف
الولد، وللزوج مثل ذلك، وكذلك الماشية. وكان مالك يقول: كل عرض أصدقها، أو
عبد
__________
(1) في الأصل "فهو" والصحيح ما أثبته، وكذا في الأم.
(5/59)
فعملوه عليهما جميعاً ونواه عليهما جميعاً،
إذا طلقها قبل الدخول، وإن كنت رقيقاً فماتت لم تغرم المرأة من عندها
شيئاً.
قال أبو بكر:
م 2640 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على دار، فتهدم في يد الزوج،
وطلقها قبل الدخول بها.
فقال أبو ثور: إن كان الزوج منحها الدار، فلها نصف الدار، ونصف ما نقصها،
وإن كان لم يمنحها كان لها نصف الدار.
واختلف قول الشافعي في هذه المسألة، وأصح قوليه عند أصحابه: أنها بالخيار
إن شاءت أخذت نصف العرصة، وإن شاءت أخذت نصف مهر مثلها.
وقال أصحاب الرأي: إن انهدمت من غير عمله فهي بالخيار، إن شاءت أخذت نصف
الدار ناقصة، ولا ضمان على الزوج، وإن شاءت أخذت نصف قيمتها صحيحة، ولم
تعرض للدار.
وإن انهدمت من عمله فهي بالخيار، إن شاءت ضمنته نصف الهدم وأخذت نصف ما بقي
من الدار، وإن شاءت ضمنته نصف قيمة الدار صحيحة، ولا تأخذ من الدار شيئاً.
م 2641 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة ويصدقها دراهم (1)، وتقبض ذلك، ثم
تبتاع بها جهازاً، أو طيباً، ثم يطلقها قبل الدخول.
ففي قول مالك، والأوزاعي ترد عليه نصف المتاع ونصف الطيب.
__________
(1) في الأصل "دراهماً".
(5/60)
وفي قول ابن أبي ليلى، وابن شبرمة،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي: ترد نصف المهر والمتاع [2/ 16/ب]
الذي اشترت لها.
قال أبو بكر: وكذلك أقول، لقوله تبارك وتعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}
الآية والذي فرض الزوج دراهم.
م 2642 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة، ويمنع أن تشتري شيئاً من المتاع.
ففي قول سفيان الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي: لا يجبر على شراء ما لا
تريد شرائه، والمهر لها تفعل به ما شاءت.
وحكي عن مالك أنه قال: ليس لها أن تقضي به وبينها، ولا تنفق منه في غير ما
يصلحها لغير بيتها، إلا أن يكون الصداق شيئاً كثيراً، فتنفق منه شيئاً
يسيراً، وتقضي به من دينها شيئاً يسيراً من المهر الكثير.
قال أبو بكر: لا فرق بين القليل والكثر، والصداق مال من مالها، وتفعل به ما
شاءت، وتصرفه حيث شاءت.
55 - باب المرأة تنكح بغير صداق فتطالب بأن
يفرض لها صداق
م 2643 - واختلفوا في المرأة تنكح بغير مهر، ثم تطالب بأن يفرض لها مهر.
فقالت طائفة: يفرض لها مهر مثلها، كذلك قال الشافعي، وأبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: يفرض لها مهراً.
(5/61)
م 2644 - فإن طلقها وقد فرض لها مهراً، ففي
قول الشافعي، وأبي ثور: لها نصف ذلك إذا طلقها قبل الدخول.
وفي قول أصحاب الرأي: إذا دخل بها أو مات عنها فذلك لها، وإن طلقها قبل
الدخول، فلها المتعة، لأن أهل الفريضة لم يكن في عقد النكاح.
وفيه قول ثالث: قاله مالك، وهو أن عليه أن يفرض صداق مثلها من مثله، وهي
امرأته، فإن كره أن يفرض لها صداق مثلها من مثله، فرق بينهما وفرقته
بتطليقه ثانية.
56 - باب الأب يعقد على ابنه الصغير نكاحاً ويطالب بالصداق
م 2645 - واختلفوا في الأب يزوج ابنه الصغير فيطالب بالصداق.
فقال الحسن، والحكم، وقتادة: الصداق في مال الابن، وبه قال الثوري،
والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن الصداق على الأب إن كان الغلام يوم تزوج، لا مال له،
وإن كان للغلام مال، فالصداق في مال الغلام، إلا أن يسمى الأب الصداق عليه،
هذا قول مالك.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول؛ لأن النكاح إذا ثبتت أحكامه، فلا يجوز
إلزام غير [2/ 17/ألف] الزوج، إلا أن يضمنه ضامن، فيلزمه الضمان.
(5/62)
57 - باب المرأة تهب
الصداق لزوجها، ويطلقها قبل الدخول
م 2646 - واختلفوا في المرأة تنكح على صداق معلوم، وتهب صداقها للزوج،
ويطلقها قبل الدخول بها.
فقالت طائفة: لا يرجع عليها بشيء قبضته أو لم تقبض، هذا قول مالك، وأحمد،
ولم يذكر أحمد القبض.
وقال أبو ثور: يرجع عليها بنصفه، قبضته أو لم تقبضه.
وقال أصحاب الرأي: إذا وهبته له، ولم تقبضه، وطلقها قبل الدخول فليس لواحد
منهما على صاحبه شيء، وإن كانت قبضت منه المهر، ثم وهبته له، ثم طلقها قبل
الدخول، فله عليها نصف المهر.
وقال الشافعي بالعراق: لا يرجع عليها في واحدة من الحالين.
وقال بمصر: فيها قولان، أحدهما: لا يرجع عليها بشيء، والثاني: أن له أن
يرجع بنصفه قبل القبض وبعد القبض.
58 - باب دخول الرجل بغير امرأته
م 2647 - روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال في أختين أهديتا إلى أخوين،
فأدخلت كل واحدة منهما على غير زوجها، فقال عليّ: لهما الصداق، ويعتزل كل
واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتهما.
وبه قال النخعي، وأحمد، وأبو عبيد، وإسحاق، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
(5/63)
م 2648 - واختلفوا في الرجل ينكح ذات محرم
منه، وهو لا يعلم ويدخل بها، ثم يعلم ذلك.
فقالت طائفة: يفرق بينهما، ولها مهرها مستحل من فرجها، روي هذا القول عن
القاسم بن محمد، والنخعي، وسالم، ومكحول.
وبه قال الأوزاعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو عبيد.
وفيه قول ثان: وهو أن لها نصف الصداق، وهكذا قال طاووس.
وفيه قول ثالث: وهو أن لا شيء لها، روي ذلك عن الشعبي.
وفيه قول رابع: وهو أن لها ما أخذت من الصداق، ويبطل الآجل، هذا قول الحسن.
وفيه قول خامس: وهو أن لها الأقل من صداق مثلها، أو ما سمي لها، حكى أبو
عبيد هذا القول عن أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
59 - باب تحريم فرج الأمة إلا ببيع أو هبة [2/
17/ب]
قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ،
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ} الآية.
وحرم الله تبارك وتعالى الزنا في به، فلا يحل الفرج إلا بنكاح، أو ملك
يمين، ومن وطيء فرجاً بغير إحدى الجهتين فقد تعدى
(5/64)
لقوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.
م 2649 - وثبت أن ابن عمر قال: لا يحل نكاح جارية إلا جارية يملك بيعها،
ونكاحها، وعتقها، وهذا مذهب الحسن البصري، وعمرو بن دينار، ومالك،
والشافعي، والأوزاعي، والثوري، وأكثر علماء الأمصار.
60 - باب المرأتين تنكحان على ألف درهم صداق
م 2650 - واختلفوا في الرجل يتزوج امرأتين على صداق ألف درهم.
فقالت طائفة: الألف بينهما نصفين، ولكل واحدة منهما نصفها، هذا قول أبي
ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن الألف بينهما على قدر مهر كل واحدة منهما، هذا قول
النعمان: فإن كانت إحداهما في عدة، أو لها زوج فالألف كلها للتي نكاحها
صحيح.
وقال يعقوب: الألف بينهما على قدر مهورهما، فما أصاب إلى نكاحها صحيح، فهو
لها إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول فلها نصفه، وما أصاب
الأخرى فهو لها إن دخل بها، إذا كان ذلك مهر مثلها، وإن طلقها فلا شيء لها.
وللشافعي في هذه قولان: أحدهما، أن الألف مقسوم على قدر مهورهما، قال: وقد
قيل: لكل واحدة منهما (1) صداق مثلها.
__________
(1) "لكل واحد منهما" تكررت في الأصل.
(5/65)
61 - باب صداق أهل
الشرك إذا أسلموا
م 2651 - واختلفوا في الرجل المشرك ينكح المرأة بخمر، أو خنزير، ثم يسلمان
قبل أن تقبض ذلك المرأة.
فكان الشافعي يقول: لها مهر مثلها، وإن كانت قبضته قبل أن يسلما، فليس لها
غيره، أو إن قبضته قبل أن يسلما، فلها مهر مثلها، وهذا قول أبي ثور.
واحتجا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} الآية.
وقال أصحاب الرأي: إذا تزوج الحربي الحربية على غير مهر، أو على هبة، ثم
أسلما، فلا شيء لها عليه قبل الإسلام، وإذا تزوج الذمي الذمية على غير مهر،
وذلك [2/ 18/ألف] جائز عندهم، فلا شيء لها وإن أسلما، وهذا قول النعمان.
وفي قول أبي يوسف ومحمد: لها مهر مثلها يؤخذ به.
مسألة
م 2652 - واختلفوا في الرجل يتزوج امرأة على طلاق امرأة أخرى.
فقال الثوري: لها مهر مثلها إن دخل عليها، وإن طلق قبل الدخول فلها المتعة،
وإن مات عنها فلها مهر مثلها، وبه قال أبو ثور، وابن نصر، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
(5/66)
وفي قول الشافعي: لها مهر مثلها إن دخل،
ونصف مهر مثل إن طلق قبل الدخول.
62 - مسائل من باب الصداق
م 2653 - كان مالك يقول: إذا زوج الرجل، أمته فالصداق للأمة، إلا أن ينتزعه
السيد منها.
وفي قول الشافعي: الصداق للسيد.
م 2654 - وليس للرجل أن يقبض صداق ابنته البالغ التي تلي مال نفسها، إلا
بإذها، فإن قبض لم يبر الزوج منه في مذهب مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي،
ويجوز أن يقبض مهر ابنته البكر الصغيرة، وبريء الزوج بدفع ذلك إليه في
قولهم جميعاً.
م 2655 - وقال مالك: إذا أهدى لها وأكرمها، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، لم
يأخد منها من ذلك شيئاً، وكذلك مذهب الشافعي، والنعمان.
قال أبو بكر:
م 2656 - فإن اختلفا فقالت: هو كرامة، وقال: بل هو من المهر، فالقول قوله
مع يمينه، وهذا قول الشافعي، وبه قال النعمان، إلا الطعام الذي يؤكل، فإن
القول فيه قول المرأة.
قال أبو بكر: القياس ألا فرق بين الطعام وغيره.
63 - باب الشروط في النكاح
م 2657 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من
دارها، ولا يتزوج عليها، ولا يتسرى، ونحو ذلك من الشروط.
(5/67)
فأبطلت طائفة هذه الشروط، هذا مذهب عطاء بن
أبي رباح، وسعيد بن المسيب، والحسن، وإياس بن معاوية، وابن سيرين، والشعبي،
والنخعي، والزهري، وقتادة، وهشام بن هبيرة، ومالك ابن أنس، والليث بن سعد،
والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وكان الشافعي يقول: إن كان انتقصها بشرط شيئاً من مهر مثلها، فلها مهر
مثلها.
وقد روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال في رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها،
[2/ 18/ب] فقال: شرط الله قبل شرطهم، ولم يره شيئاً.
وألزمت طائفة هذه الشروط، وأمرت بالوفاء بها، وروينا عن عمر بن الخطاب أنه
اختصم إليه في امرأة شرط لها زوجها أن لا يخرجها من دارها، فقال عمر: لها
شرطها.
وقال عمرو بن العاص: أرى يعني لها شرط، وهذا مذهب جابر ابن زيد، وطاووس،
وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال إسحاق لقول عمر: مقطع الحقوق عند الشروط.
(ح 1082) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم - "أحق الشروط أن يوفى بها ما
استحللتم به الفروج".
وكان عطاء يقول: إن نكح امرأة وشرطت عليه، أنك إن نكحت، أو تسريت، أو خرجت
بي، فإن لي عليك كذا، وكذا من المال، قال: فإن نكح فلها ذلك المال، قال:
وهو من صداقها.
وقال الزهري: هو زيادة في صداقها.
(5/68)
قال أبو بكر: أصح ذلك أن يثبت النكاح،
وتبطل الشروط.
(ح 1083) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل شرط ليس في كتاب الله
تعالى فهو باطل، وإن كانت مائة شرط".
وهذه الشروط خلاف كتاب الله، بل فيه تحريم ما أباحه الله للزوج من النكاح،
ومالك اليمين.
والجواب في الاشتراط على كل واحد من الزوجين على صاحبه، أن لا ينكح بعده،
كالجواب في هذه الوسائل.
وأبطل سفيان الثوري، والشافعي، والمزني، وأصحاب الرأي هذه الشروط.
64 - باب اشتراط الولي في النكاح إن جئت بالمهر
إلى كذا وإلا فليست لك بزوجة
م 2658 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على أنه جاء بالمهر إلى كذا، وإلا
فلا نكاح بينهما.
فقالت طائفة: النكاح ثابت، والشرط باطل، هذا قول عطاء، والثوري.
وفيه قول ثان: قاله مالك، وهو كراهية هذا النكاح، وإنه ليس بشيء، رواه
الوليد بن مسلم عنه.
وفيه قول ثالث: وهو أن لا بأس بذلك، روينا هذا القول عن ابن عباس وبه قال
الزهري، والأوزاعي.
(5/69)
وإن ماتا توارثا في قول الأوزاعي.
وقال أحمد وإسحاق: الشرط باطل، والنكاح جائز، وشبه أبو عبيد ذلك بنكاح
المتعة.
قال أبو بكر: قول أحمد وإسحاق حسن.
65 - باب الخيار في النكاح
م 2659 - اختلف أهل العلم [2/ 19/ألف] في الرجل ينكح المرأة على أنها أو
أحدهما بالخيار ثلاثاً أو إلى مدة معلومة.
فكان الشافعي، وابن القاسم صاحب مالك يقولان: النكاح باطل.
وقال أبو ثور: النكاح جائز، والخيار باطل، وزعم أبو ثور أن المسألة لا خلاف
فيها، وحكي ذلك عن الكوفي.
وقال الثوري في رجل زوج امرأة على رضا أمها؟ قال: لا أرى شيئاً حتى ترضى
أمها، وبه قال أحمد.
66 - باب التقصير عن أداء بعض حقوق المرأة
م 2660 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة على أن يأتيها نهاراً، أو على أن
يقسم لها دون ما يجب لها، أو يقصر عما يجب لها من النفقة.
فرخصت طائفة في ذلك، روي عن عطاء، والحسن أنهما كانا لا يريان بأساً بتزويج
النهاريات، وعن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن يتزوجها على أن يجعل لها من
الشهر أياماً معلومة.
وكرهت طائفة ذلك، كره ذلك محمد بن سيرين، والزهري، وكره تزوّج النهاريات
حماد بن أبي سليمان، وابن شبرمة.
(5/70)
وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا سألت أن
يعدل عليها، عدل.
قال أبو بكر: النكاح جائز، والشرط باطل.
وقد حكي عن مالك قول ثالث: (1) وهو إن أدرك قبل أن [[يبني]] بها فسخ
النكاح، وإن بني بها ثبت النكاح وبطل الشرط.
وقال الأوزاعي: لا يفسخ نكاحه، وهو جائز عليها، وشرطه ما لم يتزوج عليها
ضرة، فإذا تزوج عليها فعليه أن يعدل.
67 - باب نكاح المتعة
(ح 1084) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح المتعة.
م 2661 - ودل قوله: "ألا وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة" على أن
الفسخ لا يجوز أن يقع عليه.
وقد روينا أخباراً عن الأوائل بإباحة ذلك، وليس لها معنى، ولا فيها فائدة
مع سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
م 2662 - وممن نهى عن المتعة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقال القاسم بن
محمد: تحريمها في القرآن: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ،
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ} الآية.
__________
(1) في الأصل "قولا ثالثا".
(5/71)
روي عن ابن مسعود أنه قال: نسخها آية
الطلاق، والعدة، الميراث، وروي عن علي أنه قال ذلك.
وقال ابن عمر: ما أعلمه إلا السفاح، وقال [2/ 19/ب] ابن الزبير: المتعة
الزنا الصريح، ولا أعلم أحداً يعمل بها إلا رجمته، وقال الحسن البصري: ما
كانت المتعة إلا ثلاثة أيام حتى حرمها الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه
وسلم -.
وممن أبطل نكاح المتعة مالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي، ولا أعلم أحداً يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة، ولا معنى
لقول يخالف القائل به الكتاب والسنة.
م 2663 - واختلفوا فيما على من نكح نكاح متعة، فقال الشافعي: إن لم يصبها
فلا مهر لها، وإن أصابها فلها مهر مثلها وعليها العدة.
وقال أبو ثور: إن لم يكن دخل بها فكما قال الشافعي، وإن دخل بها ولم يعلم
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكما قال الشافعي، فإن تزوج رجل مبتدع
على هذا، فرق بينه وبين المرأة، وأدبه الإمام وعاقبه.
68 - باب الرجل يغر بالعيب يكون بالمرأة
م 2664 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة، ثم يظهر على جنون، أو
جذام، أو برص.
فقالت طائفة: له الخيار، فإن علم قبل الدخول فارقها ولا شيء عليه، وإن لم
يعلم حتى دخل فعليه المهر، وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي
طالب.
(5/72)
وبه قال جابر بن زيد، ومالك، والشافعي،
وإسحاق في هذه العيوب، وفي العيب في الفرج، وقال أبو ثور، وأبو عبيد في
الجذام، والجنون، والبرص مثله، وقال جابر، والأوزاعي في العفلاء كذلك.
وفيه قول ثان: وهو أن الحرة لا ترد من عيب كما ترد الأمة، هذا قول النخعي،
والثوري، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن علي.
م 2665 - واختلفوا في العيب يكون بالزوج، فكان الزهري، والشافعي يقولان:
لها الخيار مثل ما للزوج، وذلك أن يكون به جنون، أو جذام، أو برص.
وفيه قول ثان: وهو أن لا شيء لها وهو أحق بها، هذا قول عطاء.
وقال الحسن: في البرص مثله.
وقال مالك: في الجذام يفرق بينهما وقال في البرص: لا يفرق.
69 - باب رجوع الزوج بالصداق على من غره
م 2666 - واختلفوا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يجد بها جنوناً، أو جذاماً،
أو برصاً.
فكان عمر بن الخطاب يقول: على وليها المهر لزوجها كما غره، وبه قال
الأوزاعي.
وقال الزهري، وقتادة: إن كان الولي علم، غرم وإلا استحلف بالله ما علم، ثم
هو على الزوج.
(5/73)
وفيه قول ثالث: وهو أن الذي أنكحها إن كان
أبوها، وأخوها، [2/ 20/ألف] أو من يرى أنه يعلم ذلك منها غرم، وإن كان ابن
عم، أو مولى، أو من العشيرة من لا يرى أنه يعلم ذلك، فليس عليه غرم، هذا
قول مالك، وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها، ويترك قدر ما يستحل به منها.
وفيه قول رابع: وهو أن لا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها، هكذا قال
الشافعي بمصر، وقد كان يقول قبل كقول مالك.
قال أبو بكر: احتج من قال: للزوج الخيار بخبر عمر بن الخطاب، ومن حجة من لا
يرى له خياراً، أنهم لو وصفوها بالبصر، فوجدت عمياء، أو بالجمال فوجدت على
غير ذلك، أنها لا ترد، فحكم ما اختلفوا فيه من تلك العيوب حكم ما أجمعوا
عليه من هذه، مع إجماعهم على صحة نكاحها، وإن لم تر، أو توصف بخلاف الإماء
وغيرهن.
م 2667 - واختلفوا في سائر العيوب فقال النخعي: لا ترد الحرة من عيب، وقال
الزهري في التي زنت، وسرقت، ولم يعلم هي امرأته لا يفارقها، وهذا على مذهب
مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال عطاء في التي زنت، وسرقت ولم يعلم حتى نكحها، ثم أخبر قبل أن يجامعها
قال: ليس لها شيء.
م 2668 - وقال أبو ثور: إذا تزوج امرأة وشرطوا أنها جميلة، أو صحيحة، أو
بصيرة، فإذا هي عمياء، أو مقطوعة اليد، أو عوراء، أو مفلوجة، أو قبيحة،
فالقياس أن له الرد إن كان فيه اختلاف، وإن كان إجماع، فالإجماع أولى من
النظر.
(5/74)
قال أبو بكر: ليس في شيء من ذلك خيار، ولا
أعلم أحداً ممن حفظنا عنه وافق أبا ثور على مقالته هذه.
وممن ألزم الزوج من هذه صفتها ولم يجعل له الخيار: الثوري، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
70 - باب العقيم من الرجال
م 2669 - واختلفوا في الرجل يتزوج بالمرأة، ثم يوجد عقيماً ولا يولد له.
فروينا عن الحسن أنه قال: تخير.
وقال أحمد: ينبغي أن يبين عسى امرأته تريد الولد، وبه قال إسحاق.
وفي قول الشافعي، والثوري، وأصحاب الرأي: لا خيار لها.
وكذلك نقول.
71 - باب الغرور بالنسب
م 2670 - واختلفوا في الرجل يغر بالنسب، فيوجد دونه، وهو كفؤ بالنسب الدون.
قال الشافعي: فيها قولان: أحدهما أن لا خيار لها، وبه أقول.
والآخر إن النكاح مفسوخ.
م 2671 - ولو غرته بنسب فوجدت دونه، ففيها قولان، أحدهما: أن له عليها مثل
ما لها عليه من [2/ 20/ب] رد النكاح.
(5/75)
والثاني: لا خيار له، لأن الطلاق بيده، هذا
كله قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي في المرأة تغر الرجل بنسب: النكاح لازم، لأن الطلاق بيده،
وإن انتسب لها إلى غير أبيه، وتزوجته على ذلك، ثم علمت فلها الخيار، لأنه
قد غرها، وإن كان كفواً لها أن تقيم معه بغير إذن الأولياء، وإن لم يكن
كفواً، لم تقم معه إلا أن يشاء الأولياء، هذا قول النعمان.
72 - باب الأمة تغر الحر بنفسها
م 2672 - واختلفوا في الرجل يأذن لأمته في النكاح، ويوكل وكيلاً لذلك، فيغر
الرجل الوكيل، أو هي فيتزوجها على ذلك، ووطيها وأولدها أولاداً، والنكاح
ممن يحل له تزويج الإماء.
إن أراد أن يقيم على النكاح أقام، وكان عليه قيمة أولادها يوم سقطوا من بطن
أمهم، لسيد الأمة، ويرجع بجميع ما أخذ منه من قيمة الأولاد، على الذي غره
إن كان الوكيل، وإلا عليها إذا عتقت يوما ولا يرجع بالمهر، هذا قول الشافعي
بمصر.
وقد كان يقول بالعراق: يرجع بالمهر قال: وكذلك قضى عمر، وعلي بن أبي طالب،
وابن عباس.
وفي قول مالك، والثوري، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: لا قيمة للأب (1). فيمن
مات منهم قبل أن يستحق.
م 2673 - وكان الشافعي، وابن أبي ليلى يقولان: قيمتهم يوم يسقطون.
وقال مالك، والثوري: القيمة يوم يحكم عليه.
__________
(1) كان في الأصل "على الأب" والظاهر ما أثبته.
(5/76)
وكان الثوري، وأبو ثور، وأصحاب الرأي
يقولون: يرجع الأب بقيمة الأولاد على من غره.
73 - باب حكم ولد الأمة
م 2674 - أجمع أهل العلم على أن العجمي، والمولى إذا تزوج أمة قوم،
فأولدها، أن الأولاد رقيق.
م 2675 - واختلفوا في العربي تزوج أمة قوم فأولدها.
فقالت طائفة: لا رق عليهم وتقوم الأولاد على الأب، روي هذا القول عن عمر بن
الخطاب، وبه قال سعيد بن المسيب، والشافعي كذلك قال إذ هو بالعراق. ثم وقف
عنه بمصر، وهذا مذهب الأوزاعي، والثوري، وأبي ثور، وإسحاق.
وقالت طائفة: أولاده رقيق، هذا قول مالك، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
(ح 1085) ثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة وكان عليها
محرز من ولد إسماعيل، قال: فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[[بسبي
من]] بني العنبر، فقال رسول الله [2/ 21/ألف]- صلى الله عليه وسلم -: اعتقي
من بني العنبر.
وقد أجمع أهل العلم أن العرب والعجم يستوون في الدماء، فإذا استووا في
الدماء عند الجميع، واختلفوا فيما دون الدماء، كان حكم ما اختلفوا فيه حكم
ما أجمعوا عليه، مع دلالة السنة.
(5/77)
74 - باب الخيار
للأمة إذا أعتقت وهي تحت زوج عبد
م 2676 - أجمع أهل العلم على أن الأمة إذا أعتقت وهي تحت عبد أن لها
الخيار.
م 2677 - واختلفوا في الأمة تعتق وهي تحت حر.
فقالت طائفة: لها الخيار.
روينا هذا القول عن عطاء، وابن سيرين، والشعبي، ومجاهد، والنخعي، وحماد بن
أبي سليمان، وبه قال الثوري، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: لا خيار لها إذا كان الزوج حرا، كذلك قال ابن عمر، وابن عباس،
والحسن، وابن المسيب، وعطاء، وسليمان ابن يسار، وأبو قلابة، ومالك، وابن
أبي ليلى، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وكذلك نقول.
(ح 1086) للخبر الثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن زوج بريرة
كان عبداً.
(ح 1087) قال ابن عباس: اسمه مغيث كأني أنظر إليه في سكك المدينة، وهو
يبكي.
(5/78)
75 - باب الوقت الذي
يكون إليه الخيار للأمة إذا أعتقت
م 2678 - واختلفوا في الوقت الذي يكون إليه الخيار للأمة إذا أعتقت.
فقالت طائفة: لها الخيار ما لم يمسها، كذلك قال عبد الله، وحفصة ابنا عمر
بن الخطاب، وسليمان بن يسار، وأبو قلابة، ونافع، والزهري، وقتادة، ومالك،
وأحمد.
وقال آخرون: لها الخيار وإن أصيبت ما لم تعلم، فإن علمت، ثم أصابها فلا
خيار لها، كذلك قال عطاء، والحكم، وحماد بن أبي سليمان، والثوري،
والأوزاعي، وإسحاق.
وقال الثوري: بعد أن تحلف ما علمت.
وقال الشافعي: لا أعلم في التأقيت شيئاً يتبع، إلا قول حفصة، فإن ادعت
الجهالة ففيها قولان أحدهما: لا خيار لها، والآخر: بأن لها الخيار قال:
وهذا أعجب إلي.
قال أبو بكر: قول الثوري حسن.
م 2679 - واختلفوا في اختيار الأمة نفسها هل يكون ذلك طلاقا، أو فسخا؟.
فقال الحسن، وقتادة: هي تطليقة بائنة.
وقال النخعي، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي، وأحمد، [2/ 21/ب] وإسحاق: لا
يكون طلاقاً.
وبه نقول.
م 2680 - واختلفوا في الأمة تخير قبل أن يدخل بها، فتختار فراقه.
(5/79)
فقالت طائفة: لا صداق لها، كذلك قال
النخعي، ومكحول، والزهري، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق.
وبه نقول.
وفيه قول ثان: وهو أن لها نصف الصداق، هذا قول قتادة.
وكان ابن شبرمة يقول: في ذلك الصداق للمولى.
76 - باب أحكام العنين
م 2681 - واختلفوا فيما يضرب للعنين من الآجل.
فإن عمر بن الخطاب يقول: يؤجل سنة، وروي ذلك عن ابن مسعود، والمغيرة بن
شعبة، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار،
والنخعي، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، والأوزاعي، والثوري،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، والنعمان وصاحباه.
وفيه قول ثان: ذكره النعمان أن الحارث بن أبي ربيعة أجل رجلا عشرة أشهر لم
يصل إلى أهله.
وفيه قول ثالث: قاله الحكم قال: هي امرأته أبداً لا يؤجل.
وقد روينا عن سعيد بن المسيب قولاً رابعاً: وهو إن كانت حديثة العهد يؤجل
سنة، أو خمسة أشهر إن كانت قديمة العهد.
قال أبو عبيد: وإنما نرى العلماء وقتت فيه سنة، لأن الداء لا يستجن في (1)
البدن أكثر من ستة أشهر حتى يظهر.
__________
(1) كذا في الأصل، وفي المغني لابن قدامة " الداء لا يستمر في البدن " 6/
669.
(5/80)
وكان مالك يقول: أجل العنين ستة أشهر.
م 2682 - وقال عطاء: يؤجل سنة من يوم تخاصمه، وبه قال مالك، والثوري،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي لها سنة من يوم ترافعه.
77 - باب الرجل ينكح المرأة على أنه عنين
م 2683 - واختلفوا فيه إن تزوجها على أنه عنين.
فقالت طائفة: لا خيار لها، روي هذا القول عن عطاء، وبه قال الثوري، وأحمد،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن القاسم صاحب مالك.
وفيه قول ثان: وهو أنها إذا سألت أن يؤجل يؤجل، هكذا قال الشافعي، وكان
يقول بالعراق: كقول جمل أهل العلم.
وقوله، وقول غيره: إذا علم أن بها جنونا، أو جذاما، أو برصا، لا خيار لها،
وجعل حكم المرأة كحكم الرجل، وهذا مثله.
78 - باب اختلاف الرجل وزجته في وصوله إليها
بعد النكاح
م 2684 - واختلفوا في الرجل والمرأة يختلفان في الوطيء [2/ 22/ألف].
فقال كثير منهم: إن كانت بكراً أريها النساء، وإن كانت ثيباً فالقول قول
الرجل مع يمينه، هكذا قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور،
وأصحاب الرأي.
(5/81)
وكذلك نقول، كالمولى يختلف وزوجته في
الوطيء.
وفي هذه المسأله أقاويل سوى هذا، أحدها: إنا ننظر امرأة لها حظ وجمال تزوج
منه، وتصدق من بيت المال، ويدخل عليه يسأل عنه، ويؤخذ مما تقول، روي هذا
القول عن سمرة.
وقال عطاء: يعرف ذلك بنطفته، يرميها لهم، وقال الأوزاعي: تدخل مع زوجها،
وتقعد امرأتان فإذا فرغ من وطيه، نظرتا (1) في فرجها فإن كان فيه المني فهو
صادق، وإلا فهو كاذب.
وحكي عن مثل ذلك عن مالك.
79 - باب مطالبة من وطئ مرة
م 2685 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة، ويطأها مرة، ثم تطالبه بالجماع.
فقال كثير أهل العلم: إذا وطيها مرة لم يؤجل أجل العنين، روي هذا القول عن
عطاء بن أبي رباح، وطاووس، وعمرو بن دينار، والزهري، وقتادة، وأبي هاشم،
والحسن البصري.
وبه قال يحيى الأنصاري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو
عبيد، وذكر أبو عبيد أنه قول سفيان، وأهل العراق من أصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: إذا وطئها مرة واحدة، ثم يمسك، ورافعته، أجل لها لوجود
العلة.
__________
(1) في الأصل "نظراً".
(5/82)
وحكى ابن القاسم عن مالك في الرجل يكف عن
امرأته من غير يمين فلا يطأها فترفع ذلك، قال: لا يترك، وذلك لم يكن له عذر
حتى يطأ، أو يفرق بينهما.
80 - باب ما يجب لأمرأة العنين إذا اختارت
فراقه
م 2686 - واختلفوا فيما يجب لامرأة العنين إذا اختارت فراقه.
فقال طائفة: لها الصداق كاملاً، هذا قول عمر بن الخطاب، وروى ذلك عن
المغيرة بن شعبة.
وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، كذلك
قال بالعراق، ولم أجد في الكتب المصرية، وبه قال أحمد، وأبو عبيد، وأصحاب
الرأي.
وقال شريح، وأبو ثور: لها نصف الصداق.
قال أبو بكر: الأول أولى بمن قلد الصحابة، والثاني أشبه بظاهر الكتاب.
م 2687 - واختلفوا زوجة العنين إذا اختارت فراقه، فقال مالك [2/ 22/ب]،
والثوري، والنعمان وأصحابه: يكون تطليقة بائنة.
وكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: يفسخ وليس بطلاق.
وبه نقول.
م 2688 - واختلفوا في عدة زوج العنين.
فقالت طائفة: عليها العدة، كذلك قال عطاء، وعروة بن الزبير، ومالك،
والشافعي، ولا يشبه هذا مذهبه.
وقال أبو ثور: لا عدة عليها.
وبه نقول.
(5/83)
81 - باب النكاح
الخصي
م 2689 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن أحكام الخصي المجبوب،
وغير المجبوب في ستر العورة في الصلاة، والإمامة، وما يلبسه في حال
الإحرام، وما يصيبه من الميراث، ويسهم له في الغنائم، أحكام الرجال.
م 2690 - واختلفوا نكاحه، فقالت عامة أهل العلم: نكاحه جائز، وعليه أن
يعلمها ولا يغرها، هذا قول الزهري، وأهل المدينة، وأهل الكوفة، والشافعي،
وعامة أهل العلم.
وقد روينا عن عمر أنه قال لخصي تزوج: أكنت أعلمتها؟ قال: لا، قال: فاعلمها،
ثم خيرها، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا ينكح الخصي المرأة
المسلمة، وعن علي أنه قال: لا يحل للخصي أن يتزوج امرأة مسملة، ولا يثبت
ذلك عنهما.
قال أبو بكر: لا بأس بنكاح الخصي، إذا تبين ولم يغر، وذلك أنه رجل، قال
الله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً} الآية.
م 2691 - وقد أجمعوا على أن الذي يجب له ميراث رجل.
م 2692 - وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المجبوب إذا نكح امرأة،
ولم تعلم أن لها الخيار إذا علمت، كذلك قال مالك، والشافعي، وأبو ثور،
وأصحاب الرأي.
(5/84)
م 2693 - واختلفوا فيما يجب لها من الصداق
إذا اختارت الفراق.
فقالت طائفة: لها جميع الصداق، حكي هذا القول عن الزهري، وبه قال أبو عبيد،
وحكي ذلك عن الثوري.
وقال الشافعي: نصف المهر، وبه قال أبو ثور، وقال يعقوب، ومحمد بن الحسن في
المجبوب: إذا خلا بها فعلمت بذلك، لها نصف الصداق.
82 - باب الخنثى
م 2694 - كان الشافعي يقول في الخنثى: لا يجوز أن ينكح إلا من حيث يبول،
وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.
غير أن الشافعي قال: إذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء، وإذا نكح بواحد
لم يكن له أن ينكح بالآخر، ويرث ويورث من حيث يبول.
83 - باب الإحصان
م 2695 - واختلفوا في الزوجة الذمية هل تحصن المسلم أم لا؟.
فقال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وسليمان بن موسى،
[2/ 23/ألف] والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد
وأبو ثور: إذا دخل عليها فهو محصن.
(5/85)
وفيه قول ثان: وهو أن لا تحصنه، هذا قول
مجاهد، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
(ح 1088) وذلك لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - رجم يهودياً ويهودية، ولم
يرجمهما إلا بعد الإحصان.
84 - باب الأمة تحصن الحر أم لا؟
م 2696 - واختلفوا في الأمة هل تحصن؟.
فقالت طائفة: إذا نكحها، ووطيها فهو محصن، هذا قول سعيد ابن المسيب، وعبد
الله بن عتبة، والزهري، ومالك، والشافعي.
وقال عطاء، وابن سيرين، والحسن البصري، وقتادة، والثوري، وأحمد، وإسحاق،
وأصحاب الرأي: لا تحصن،
85 - باب الحرة تكون تحت العبد
م 2697 - واختلفوا في الحرة تكون تحت العبد.
فقالت طائفة: يحصنها، هذا قول سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومالك،
والشافعي، وأبو ثور.
وكان عطاء، والنخعي، وأصحاب الرأي يقولون: لا يحصن العبد الحرة.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
(5/86)
86 - باب النكاح الفاسد هل يكون به المرء
محصناً؟
م 2698 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة نكاحا فاسداً، ويطأها هل يكون
محصناً؟.
فقال أكثر أهل العلم: لا يكون ذلك إحصاناً، كذلك قال عطاء، وقتادة، ومالك،
والليث بن سعد، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وخالفهم أبو ثور فقال: يكون محصناً؛ لأن النكاح الفاسد عامة أحكامه النكاح
الصحيح، والقياس على الأغلب من المعاني.
م 2699 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل بعقد النكاح لا
يكون محصناً حتى يدخل بها ويصيبها، وممن حفظنا ذلك عنه، علي ابن أبي طالب،
وجابر بن عبد الله، وعطاء، والزهري، وقتادة، ومالك، والثوري، والشافعي،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
87 - باب الصبية التي لم تبلغ والمعتوهة
قال أبو بكر:
م 2700 - كان مالك، والأوزاعي يقولان: الصبية التي لم تبلغ لا يحصنها،
وتحصنه.
وقال الشافعي، وأبو ثور: تحصنه.
وقال أصحاب الرأي: لا تحصنه الصبية، وإن كان [2/ 23/ب] مثلها تجامع، ولا
المغلوبة العقل.
م 2701 - وقال مالك في الصبي إذا كان مثله يجامع، وجامع امرأة لا يحصنها.
وقال الشافعي: يحصنها.
وقال في المعتوهة: والصبية تجامع مثلها، تحصن الرجل إذا جامعها.
(5/87)
م 2702 - وقال أصحاب الرأي في المرأة
المسلمة لا يحصنها الزوج العبد، ولا الزوج الصبي، وإن كان مثله يجامع، ثم
قالوا: وإن جامع الصبي، أو العبد ثم ماتا، وانقضت عدتها، فإن ذلك الجماع
يحلها لزوج، إن كان طلقها ثلاثاً.
قال أبو بكر: وهذا اختلاف من القول.
88 - باب إحصان العبد والإماء
م 2703 - واختلفوا في إحصان العبيد والإماء.
فقالت طائفة: لا يحصن الحرة العبد إلا أن يعتق، وهو زوجها فيصيبها بعد
عتقه، هذا قول الحسن البصري، والنخعي، ومالك، وقال مالك في الأمة تكون تحت
الحر، فتعتق، وهي تحته قبل أن يفارقها، إنه يحصنها إذا أصابها بعد العتق،
وبه قال أصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أنهما إذا كانا زوجين مملوكين فعتقا، ثم وطيها بعد
العتق، لا رجم على واحد منهما إن زنيا، لأن أصل نكاحهما كان في الرق، إلا
أن يفترقا بعد العتق بطلاق أو غيره، ثم يتزوجها، ثم يزني بعد التزويج، هذا
قول الأوزاعي.
وكان أبو ثور يقول: إذا كانت الأمة تحت حر أو عبد، ودخل بها، ثم زنت فإنها
تكون محصنة ترجم، إلا أن يكون لأهل العلم إجماع بخلاف هذا القول فتجلد
بالإجماع.
(5/88)
89 - باب إحصان أهل
الكتاب
م 2754 - واختلفوا في الزوجين الكتابيين يسلمان، وقد أصابها الزوج قبل أن
يسلما.
فقالت طائفة: ذلك إحصان، وعليهما الرجم إذا زنيا، هذا قول الزهري،
والشافعي.
(ح 1089) واحتج الشافعي بخبر ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - رجم
يهوديين زنيا.
وبه نقول.
وقال أصحاب الرأي: لا يكونان محصنين حتى يجامعها بعد الإسلام، روي مثل ذلك
عن الحسن البصري، والنخعي.
وقال مالك في النصرانية يطلقها النصراني، ثم تسلم فتحدث: لا أرى عليها
الرجم حتى توطأ بنكاح صحيح في الإسلام.
90 - مسائل من هذا الباب
م 2705 - إذا دخل الرجل بالمرأة فأولدها أولاداً، ثم أنكر أن يكون [2/
24/ألف] دخل بها، لم يقبل، وأنكرت، لم يقبل قولها، لأن الولد لا يكون إلا
بوطيء، وبه قال أصحاب الرأي، وأبو ثور.
م 2706 - وإذا شهد عليهما شهود، بإقرارهما بالوطيء، كانا محصنين في قولهم
جميعاً، وقالوا جمعياً: وإن دخلت عليه فأقام معها، ثم مات أو ماتت (1) فزنى
الباقي منهما، لم يرجم حتى يقر بالجماع.
__________
(1) في الأصل "ثم ماتا".
(5/89)
م 2707 - واختلفوا في المسلم الحر يتزوج
المرأة الحرة ويدخل بها، ثم يرتدان، ثم يرجعان إلى الإسلام، ثم يزنيان ففي
قول أبي ثور: عليهما الرجم.
وقال أصحاب الرأي: سقط الإحصان عنهما.
91 - باب اختلاف أهل العلم في الزوجين يختلفان
في متاع البيت
م 2708 - واختلفوا في الرجل يفارق زوجته أو يموت عنها، ويختلفان في متاع
البيت في حياتهما، أو يختلف ورثتهما بعد وفاتهما.
فقالت طائفة: من أقام منهما على المتاع بينة أنه له، يثبت له، وإن لم يكن
له بينة، فالمتاع بينهما نصفان بعد الأيمان، هذا قول الشافعي، وهو قول
عثمان البتي وقال: هذا لمثل الصلح.
وبه نقول.
وقال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة: ما كان للرجال فهو للرجل، وما كان للنساء
فهو للمرأة، وما كان يكون للرجال والنساء فهو للرجل، وبمعناه قال الثوري،
والحكم.
وفيه قول ثالث: وهو إنما كان من بنات النساء فهو للمرأة، وما كان من بنات
الرجال فهو للرجل، وما كان من سوى ذلك فهو بينهما، هذا قول أحمد بن حنبل.
وفيه قول رابع: وهو أن ما كان للرجال فهو للرجل، وما كان للنساء فهو
للمرأة، وما كان مما يكون لهما فهو للمرأة، هذا قول الحكم.
وقد اختلف فيه عنه، وبه قال ابن أشوع.
(5/90)
وفيه قول خامس: وهو أن للرجل إذا مات، أو
طلق، فمتاع البيت كله للرجل إلا الدرع، والخمار، وما أشبه، هذا قول ابن أبي
ليلى، وقد اختلف فيه عنه.
وفيه قول سادس: وهو أن لها [[إذا]] توفي عنها زوجها ما غلقت عليه باها، إلا
مان من متاع الرجل، الرداء، والطيلسان، والقميص، ونحوه، هذا قول الحسن
البصري.
وحكي عنه أنه قال: إلا سلاح الرجل، ومصحفه.
وفيه قول سابع: إن ثياب المرأة للمرأة، وثياب الرجل للرجل، وما يستأجروا
فهو للذي هو في يديه، هذا قول حماد ابن أبي سليمان.
وفيه قول ثامن: وفي موت أحد الزوجين ما كان يكون للرجال فهو للرجل (1)، وما
كان يكون للنساء [2/ 24/ب] فهو للمرأة، وما يكون للنساء والرجال فهو للباقي
منهما، وإن كان طلاقاً فما يكون للرجال فهو للرجل، وما يكون للنساء فهو
للمرأة، وما كان يكون للنساء والرجال فهو للرجل، هذا قول النعمان.
وفيه قول تاسع: وهو أن تعطى المرأة من متاع المرأة ما يجهز به مثلها، ويكون
ما بقي للزوج، هذا قول يعقوب.
وفيه قول عاشر: وهو أن ذلك كله في الحياة والموت إن بقيت المرأة، أو ماتت
ما يكون للمرأة والرجل فهو للرجل على كل حال، هذا قول محمد بن الحسن.
__________
(1) في الأصل "للرجال".
(5/91)
م 2709 - واختلفوا في الحر، والمملوك إذا
كانا زوجين، فافترقا، واختلفوا في متاع البيت.
فقال أحمد، وأبو ثور: الجواب فيهما كالجواب في الحرين.
وقال أصحاب الرأي: إذا كان أحدهما حر، والآخر مملوك، أو مكاتب أو مدبر، أو
أم ولد، فالمتاع كله للحر.
92 - باب نكاح نساء أهل الكتاب
م 2710 - اختلف أهل العلم في تأويل قول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الآية.
فقالت طائفة: حرم الله نكاح المشركات في سورة البقرة، ثم نسخ من هذه الجملة
نساء أهل الكتاب، فأجلهن في سورة المائدة، روي هذا القول عن ابن عباس.
وقال آخرون: ليس في الآيتين ناسخ ولا منسوخ، ولكن الله تبارك وتعالى أراد
بالآية في سورة البقرة المشركات سوى أهل الكتاب، روي هذا القول عن قتادة.
وقال سعيد بن جبر: في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ} الآية، أهل الأوثان، والمجوس.
م 2711 - واختلفوا في نكاح نساء أهل الكتاب.
فرخص في نكاحهن أكثر أهل العلم، روي إباحة ذلك عن عمر ابن الخطاب، وعثمان
بن عفان، وجابر بن عبد الله، وطلحة.
(5/92)
وبه قال عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن
المسيب، والحسن البصري، وطاووس، وسعيد بن جبير، والزهري، والثوري،
والشافعي، وعوام أهل المدينة، وأهل الكوفة.
قال أبو بكر: أباح الله نكاح نساء أهل الكتاب، فقال الله تبارك وتعالى:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}
الآية. ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك.
م 2712 - واختلفوا في نكاح نساء أهل الكتاب من أهل دار الحرب.
فكره ذلك ابن عباس، ومجاهد، وأبو عياض، والثوري.
وقال مالك [2/ 25/ألف] في نكاح نساء أهل دار الحرب من أهل الكتاب: إن كان
المسلم إذا نكحها ترك أن يخرج بها، فلا بأس، وإن خافوا الحبس، فلا ينبغي
لمسلم أن يترك ذريته في أرض الكفر.
93 - باب نكاح الذمية على المسلمة
م 2713 - واختلفوا في الذمية تنكح على المسلمة، فكره ذلك ابن عباس.
ورخص فيه سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والشعبى، والنخعي، والحكم، وحماد،
ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول؛ لأن ما أحله الله حلال بكل حال.
(5/93)
94 - باب نكاح نساء
أهل المجوس
م 2714 - واختلفوا في نكاح أهل المجوس.
فنهى عن نكاحهن الحسن البصري، والزهري، والأوزاعي، ومالك وأهل المدينة،
والثوري، والنعمان ومن تبعهما، وهو قول الشافعي، وإسحاق.
وقد روينا أن حذيفة تزوج مجوسية فقال له عمر: طلقها، وقال أحمد: نساء
المجوس لا تعجبني.
مسألة
م 2715 - واختلفوا في المسلم يجبر زوجته الذمية على الاغتسال من الجنابة.
فكان مالك، والثوري [يقولان] (1) لا يجبرها على الاغتسال من الجنابة. وقال
الثوري: ولكن يجبرها على الغسل من الحيضة، وكذلك قال الشافعي.
واختلف قول الشافعي في اغتسالها من الجنابة، فقال بالعراق، وفي كتاب الجمع
من الأختين: "يجبرها على غسل الجنابة".
وقال في كتاب سير الواقدي: "ليس له أن يجبرها عليه".
__________
(1) ما بين القوسين كان ساقطاً من الأصل.
(5/94)
قال أبو بكر: وهذا أصح.
95 - جماع أبواب النكاح المنهى عنه
قال الله تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} الآية.
م 2716 - وأجمعت الأمة على تحريم أن ينكح الرجل أمه.
م 2717 - واختلفوا في معنى قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} الآية.
فقال أكثر أهل العلم: إذا تزوج الرجل المرأة، ثم طلقها قبل الدخول، أو ماتت
عنه، فإنها حرام عليه، روينا هذا القول عن ابن مسعود، وابن عمر، وعمران بن
حصين، وجابر بن عبد الله، ومسروق، والحسن البصري، وعطاء، وطاووس، والزهري.
وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد،
وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن أريد بالابنة، والأم الدخول [2/ 25/ب] جميعاً، روي
هذا القول عن علي بن أبي طالب، وبه قال مجاهد.
وقال زيد بن ثابت: إن طلق الابنة طلاقا قبل أن يدخل بها، تزوج أمها، وإن
ماتت موتا، لم يتزوج أمها.
وقد اختلف عن ابن عباس فقال مرة: هي مبهمة، وروي عنه موافقة ما روي عن علي.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، لدخول جميع أمهات النساء في عموم الآية.
(5/95)
96 - باب نكاح
الربائب اللواتي في الحجور
قال الله تبارك وتعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ
نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} الآية.
م 2718 - وأجمع علماء أهل الأمصار على أن الرجل إذا تزوج المرأة، ثم طلقها
أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له تزويج ابنتها، كذلك قال مالك، ومن تبعه من
أهل المدينة، والثوري، وأصحاب الرأي.
ومن وافقهم من أهل الكوفة، والأوزاعي، ومن قال بقوله من أهل الشام،
والشافعي وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ومن تبعهم من أهل الحديث.
ْوقد روي عن جابر بن عبد الله، وعمران بن حصين، أنهما قالا: إذا طلقها قبل
أن يدخل بها، يتزوج ابنتها.
وقد روينا عن علي بن أبي طالب رواية تخالف هذه الروايات كأنه رخص فيه، إذا
لم تكن في حجره وكنت غائبة، وقد أجمع كل من ذكرناه ومن لم نذكره من علماء
الأمصار على خلاف هذا القول.
واحتج بعضهم في دفع حديث علي.
(ح 1090) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "لا تعرضن على ربائبكم ولا
أخواتكم.
(5/96)
ولم يقل اللاتي في حجري، ولكن سوي بينهن في
التحريم.
م 2719 - واختلفوا في معنى الدخول الذي به يقع تحريم نكاح الربائب.
فقالت طائفة: الدخول الجماع، وروي ذلك عن ابن عباس، وبه قال طاووس، وعمرو
بن دينار، وعبد الكريم.
وفيه قول ثان: وهو أن تحريم ذلك التفتيش، والقعود بين الرجلين، هكذا قال
عطاء.
وقال حماد بن أبي سليمان: إذا نظر الرجل في فرج امرأة، فلا ينكح أمها، ولا
ابنتها، وقال الأوزاعي: إذا دخل بأمها فعراها، ولمسها بيده، وأغلق باباً،
وأرخى ستراً، فلا يحل به نكاح ابنتها.
قال أبو بكر: فإذا تزوج بامرأة ودخل عليها، حرم عليه نكاح ابنتها وابنة
ابنتها، وإن كان أسفل من ذلك ببطون كثيرة.
97 - باب نكاح نساء الآباء وحلائل الأبناء [2/
26/ألف]
قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ} الآية.
وقال عز وجل: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}
الآية.
فإذا تزوج الرجل المرأة حرمت على أبيه وابنه، دخل بها أو لم يدخل بها، وعلى
أجداده، وعلى ولد ولده من الذكور
(5/97)
والإناث أبداً ما تناسلوا، لا يحل لبني
بنيه، ولا لبني بناته.
ولم يذكر الله تبارك وتعالى في الآيتين دخولاً، فصارتا محرمتين بالعقد،
والملك، والرضاع في ذلك منزلة النسب.
(ح 1091) لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب".
م 2720 - وممن حفظنا ذلك عنه عطاء، وطاووس، والحسن، وابن سيرين، ومكحول،
وقتادة، والثوري، والأوزاعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. ولم يحفظ
عن أحد خلافهم.
م 2721 - واختلفوا في الرجل يشتري الجارية، ثم يجردها أو يقبلها، أوَ تحل
لابنه إن ملكي وطيها أم لا؟
فقالت طائفة: إن جردها لم تحل لابنه وطيها، روي هذا القول عن عبد الله بن
عمر، وعبد الله بن عمرو، وبه قال القاسم بن محمد، والحسن البصري، ومكحول.
وقال النعمان، ويعقوب: إذا نظر رجل إلى فرج امرأة من شهوة، حرمت على ابنه،
وعلى أبيه، وتحرم عليه أمها، وابنتها.
وقال مالك: إذا وطئ الأمة، وقعد منها مقعداً لذلك، وإن لم يفض إليها، أو
قبلها، أو باشرها، أو غمزها تلذذاً، فلا تحل لابنه، ولا لأبيه.
وقال الشافعي: إنها تحرم عليه باللمس، ولا تحرم عليه بالنظر دون اللمس،
كذلك قال الشافعي، وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى، وروى معنى ذلك عن مسروق،
ومجاهد، والأوزاعي.
(5/98)
قال أبو بكر:
م 2722 - أجمع أهل العلم على أن عقد النكاح على المرأة يحرمها على ابنه،
وأبيه.
م 2723 - وأجمعوا على أن عقد الشراء على الجارية لا يحرمها على أبيه ولا
ابنه، كان في ذلك فرقاً بين الشراء، وعقد النكاح.
وإذا اشترى رجل جارية فلمس أو قبّل، حرمت على أبيه وابنه، ولا أعلمهم
يختلفون فيه، فوجب تحريم ذلك تسليماً لهم، ولما اختلفوا في تحريمها بالنظر
دون اللمس، لم يحرم ذلك لاختلافهم، ولا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - وخلاف ما قلناه.
مسألة
م 2724 - وأجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار [2/ 26/ب] على أن الرجل
إذا وطيء امرأة بنكاح فاسد، أنها تحرم على أبيه، وابنه، وعلى أجداده، وولد
ولده، كذلك مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبي
ثور، وأصحاب الرأي.
98 - باب الجمع بين الأختين
م 2725 - أجمع أهل العلم على أن عقد نكاح الأختين في عقد واحد لا يجوز،
لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} الآية.
(5/99)
م 2726 - وأجمعوا على أن شراء الأمتين
الأختين جائز، وكذلك المرأة وابنتها صفقة واحدة.
م 2727 - وكره أكثر أهل العلم الجمع بين الأختين الأمتين بالوطيء، وممن روي
ذلك عنه عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وعمار بن ياسر،
وابن مسعود، ومعاوية.
وكره ذلك جابر بن زيد، وعطاء، وطاووس.
ونهى عنه الأوزاعي، ومالك، والشافعي، وحرم ذلك إسحاق.
وقال أحمد: لا يجمع بينهما، وبه قال أبو ثور، وحكي ذلك عن الكوفي.
واختلف فيه عن ابن عباس، فروي عنه أنه قال: حرمتهما آية وأحلتهما آية (1)،
ولم أكن أفعله.
قال أبو بكر: ونحن نكره من ذلك ما كرهه أهل العلم.
قال أبو بكر:
م 2728 - وإن ملك أختين مملوكتين، فوطيء إحداهما، ثم أراد وطئ الأخرى، لم
يطأها حتى تخرج التي وطيها من ملكه ببيع أو عتق، أو ما يحرم فرجها عليه.
وممن روينا عنه أنه قال: إذا وطيء إحداهما لا يطأ الأخرى يخرجها من ملكه،
علي ابن أبي طالب، وابن عمر، والحسن البصري، والأوزاعي، وكذلك قال الشافعي،
وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أنه إذا غشى إحداهما ثم أراد أن يغشى الأخرى، يعتزلها،
ولا يطأها حتى تنقضي عدة هذه التي اعتزل،
__________
(1) في الأصل "حرمتها وأحلتها" والتصحيح من الأوسط 217 ألف، والإجماع 10
الف.
(5/100)
ثم إن شاء غشى الأخرى، بعد أن يضمر في نفسه
أن لا يقرب أختها، هكذا قال قتادة.
وفيه قول ثالث: وهو إذا كانت عنده أختان فلا يقرب واحدة منهما، هكذا قال
الحكم، وحماد، وروي معنى ذلك عن النخعي.
99 - باب نكاح المرأة على عمتها وخالتها
(ح 1092) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنكح المرأة على
عمتها، ولا على خالتها، لا الكبرى على الصغرى، [2/ 27/ألف] ولا الصغرى على
الكبرى".
م 2729 - وأجمع أهل العلم على القول له، وممن قال بحديث أبي هريرة هذا،
سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والقاسم بن محمَّد، ومجاهد، وعمرو بن
شعيب، وبه قال مالك وأهل المدينة، والأوزاعي وأهل الشام، وسفيان الثوري
وأهل العراق من أصحاب الرأي وغيرهم، والشافعي وأصحابه، وكذلك قال أبو عبيد،
وأبو ثور، وسائر أهل الحديث.
وكذلك نقول، ولست أعلم في ذلك اليوم اختلافاً.
(ح 1093) ويبطل على معنى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب".
نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها من الرضاعة.
(5/101)
100 - باب الجمع بين
امرأة الرجل وابنته من غيرها بالنكاح
م 2730 - اختلف أهل العلم في الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها
بالنكاح، فأجاز أكثر أهل العلم نكاحها، فعل ذلك عبد الله ابن جعفر، وعبد
الله بن صفوان بن أمية.
وأباح ذلك محمَّد بن سيرين، وسليمان بن يسار، والثوري، والأوزاعي،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال مالك:
لا أعلم ذلك حراماً.
وبه نقول، وذلك أني لا أجد دلالة أحرم بها (1). الجمع بينهما، وقوله:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية. يبيح نكاح جميع
النساء إلا من حرم بالكتاب، أو السنة، أو اتفاق.
وكذلك قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} الآية، إلا ما حرمت
السنة.
وقد روينا عن الحسن البصري، وعكرمة أنهما كرها ذلك، وأما الحسن فقد ثبت
رجوعه عنه.
وأما إسناد حديث عكرمة ففيه مقال.
101 - باب الرجل ينكح المرأة وينكح ابنه ابنتها
من غيره
م 2731 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة، وينكح ابنه ابنتها.
__________
(1) في الأصل "به".
(5/102)
فرخص في ذلك أكثر أهل العلم، وممن رخص فيه
عطاء بن أبي رباح، والزهري، وقتادة، والثوري، وأهل العراق من أصحاب الرأي
وغيرهم، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق.
وبه نقول.
وقد روينا عن طاووس أنه كان يكره أن ينكح الرجل ابنة امرأة قد كان أبوها
وطيها، فما ولدت من ولد قبل أن يطأها أبوه، فلا بأس بأن ينكحها، وما ولدت
من بعد أن وطيها أبوه، فلا يتزوج شيئاً من ولدها.
وقد اختلف فيه عن مجاهد.
102 - باب الجمع بين بنات العم
قال الله تبارك وتعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} الآية.
م 2732 - واختلف أهل العلم في الجمع بين بنات العم.
فرخص فيه أكثر أهل العلم، [2/ 27/ب] وممن كان لا يرى به بأساً الحسن
البصري، والحسن بن الحسين بن علي، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأبو عبيد، وعامة أهل العلم.
وكره عطاء الجمع بينهما. وبه قال جابر بن زيد، وسعيد ابن عبد العزيز.
قال أبو بكر: النكاح جائز إذا جمع بينهما ولا أعلم أحداً أبطل هذا النكاح.
(5/103)
103 - باب نكاح
المرأة بعد أختها والخامسة بعد الرابعة
م 2733 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا طلق زوجته
طلاقاً يملك رجعتها، ليس له أن ينكح أختها، أو أربعاً سواها حتى تنقضي عدة
المطلقة.
م 2734 - واختلفوا فيه إن أراد نكاح أختها، أو أربعاً سواها، وقد طلقها
طلاقاً لا يملك رجعتها.
فقالت طائفة: ليس له ذلك حتى تنقضي عدة التي طلقها، روي معنى ذلك عن علي،
وزيد بن ثابت، وابن عباس.
وهذا مذهب مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، والنخعي، والثوري، وأحمد، وأصحاب
الرأي.
وقالت طائفة: له أن ينكح أختها وأربعاً سواها، هذا قول عطاء، أثبت الرايتين
عنه.
ومن قال: له أن يتزوج أختها قبل أن تنقضي عدة المطلقة، زيد بن ثابت، وسعيد
بن المسيب، والحسن، والقاسم بن محمَّد، وعروة بن الزبير، وابن أبي ليلى،
والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، ولا أحسبه إلا قول مالك.
وبه نقول.
104 - باب تحريم زوجة المرء إذا فجر بأمها
م 2735 - اختلف أهل العلم في الرجل يفجر بأم امرأته.
فقالت طائفة: تحرم عليه امرأته، روي هذا القول عن عمران ابن حصين. وبه قال
الحسن، والشعبي، وعطاء، والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
(5/104)
وكذلك إن وطيء النيابة، والأم زوجته، حرمت
عليه.
وقالت طائفة: إذا غشى أم امرأته، أو ابنة امرأته، لم تحرم عليه زوجته،
وكذلك قال ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
وكذلك نقول، وذلك أن الصداق لما أن يقع، ووجوب العدة، والميراث، ولحوق
الولد، ووجوب الحد، وثبت حكم الزنا، ارتفع أن يحكم له بحكم النكاح الحلال
المباح.
105 - باب نكاح الرجل المرأة وقد زنى بها
م 2736 - واختلفوا في الرجل يزني بالمرأة، ثم يريد تزويجها.
فرخص فيه أهل العلم، روينا الرخصة فيه عن [2/ 28/ألف] أبي بكر الصديق، وعمر
بن الخطاب، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله.
وبه قال طاووس، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، وعطاء، والحسن، وعكرمة،
والزهري، والثوري والشافعي.
وكذلك نقول.
وفيه قول ثان: وهو أن ينكحها إذا تابا، وتوبتهما أن يخلو كل واحد منهما
بصاحبه، ولا يهم به، هكذا قال قتادة، وبه قال أبو عبيد، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثالث: وهو أنهما لا يزالان زانيين ما اجتمعا، روي هذا القول عن
ابن مسعود، وعائشة، والبراء بن عازب.
(5/105)
106 - باب الرجل
يكون له الزوجة يراها تزني، أو يزني رجل له زوجة
م 2737 - واختلفوا في الرجل تكون له الزوجة تزني وهي عنده، أو زنى رجل له
زوجة.
فقالت طائفة: هما على نكاحهما، هكذا قال مجاهد، والنخعي، وعطاء بن أبي
رباح، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقد روي عن علي أنه فرق بين رجل وامرأته، زنى قبل أن يدخل بها، وروي عن
جابر بن عبد الله، والحسن البصري، والنخعي أنهم قالوا: يفرق بينهما في
البكر إذا زنت وليس لها شيء.
وكان ابن عباس يرخص في وطيء الجارية الفاجرة. روي أن سعيد ابن المسيب فعل
ذلك.
قال أبو بكر: لا يحرم على الرجل وطيء زوجته الفاجرة، ولا على سيد الأمة
وطيها إذا فجرت، ولعل من كرهها كره ذلك على غير معنى التحريم.
107 - باب نكاح المريض
قال أبو بكر:
م 2738 - أباح الله النكاح في كتابه، وندب إليه، والنكاح مندوب إليه،
والمريض غير ممنوع منه.
وممن روينا إباحة ذلك عنه، الزبير بن العوام، وقدامة بن مظعون، وعبد الملك
بن مروان، والحسن البصري، والشعبي، والنخعي.
وبه قال الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي، وهو
مذهب الشافعي.
(5/106)
وفيه قول ثان: وهو أن من نكح وهو مريض، لا
ترثه إذا فعل ذلك ضراراً، هذا قول الزهري، وبه قال مالك، وقال القاسم،
وسالم: إن كان فعل ذلك ضراراً مضاراً لم يجز، فإن لم يكن مضاراً جاز.
وقال مالك: إن لم يدخل بها فرق بينهما ولا مهر لها، فإن دخل بها، فلها
مهرها لما استحل من فرجها، يبدأ به قبل الوصايا، والعتق.
وقال قتادة: إن كان تزوجها من حاجة [2/ 28/ب] به إليها من خدمة، أو قيام.،
فإنها ترثه.
108 - باب أحكام المفقود
م 2739 - واختلف أهل العلم في امرأة المفقود كم تربص.
فقالت طائفة: تربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً، ثم تزوج، كذلك
قال عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان.
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وعمر ابن عبد العزيز،
وعطاء بن أبي رباح، ومالك بن أنس وأهل المدينة، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد
(1).
وفيه قول ثان: وهو أن امرأة المفقود لا تنكح أبداً حتى يأتيها يقين وفاته،
روينا ذلك عن علي، رواية ثانية عنه.
وبه قال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري، والشافعي، والنعمان، ويعقوب،
ومحمد.
__________
(1) في الأصل "ابن عبيد" وهو خطأ.
(5/107)
وقد احتج بعض من يقول بالقول الأول: بأن
اتباع خمسة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أولى بنا.
ودفع أحمد حديث علي فقال: لم يتابع أبو عوانة عليه.
وقال بعضهم: من حيث وجب تأجيل العنين تقليد عمر، وابن مسعود، وجب كذلك
تأجيل امرأة المفقود، لأن العدد الذين قالوا تؤجل، أكثر، وفيهم ثلاثة من
الخلفاء.
(ح 1094) وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين
من بعدي".
ومن حجة بعض من لا يرى تأجيل امرأة المفقود، أن يقول: قد ثبتت الزوجية
بالكتاب، والسنة، والأتفاق، ولا يجوز الانتقال عنه إلا إلى مثله.
ولا نعلم حجة من حيث ذكرناه توجب ذلك.
109 - باب نكاح امرأة المفقود عند لقاء الحرب
م 2740 - واختلفوا في المفقود بين الصفين، فقالت طائفة: تؤجل امرأته سنة،
كذلك قال سعيد بن المسيب، وقال: إذا فقد في غير صف فأربع سنين.
وقال الأوزاعي: إذا فقد ولم يثبت عن أحد منهم أنهم قتلوا، ولا أسروا فعليهن
عدة المتوفى عنهن، ثم يتزوجن.
(5/108)
وقال مالك: ليس في انتظار من يفقد عند
القتال وقت.
وجعل أبو عبيد حكمه حكم امرأة المفقود، وبه قال أبو الزناد.
والجواب في هذه عند الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي كجوابهم في امرأة
المفقود.
110 - باب تخيير المفقود عند قدومه بين امرأته
وبين صداقها إن قدم بعد النكاح
م 2741 - واختلفوا في المفقود يقدم، وقد نكحت [2/ 29/ألف]، امرأته.
فقال عمر بن الخطاب: يخير بين زوجته وبين أن يأخذ صداقها، وروي ذلك عن
عثمان، وعلي.
وبه قال عطاء، والحسن، وخلاس بن عمرو (1)، والنخعي، وأحمد، وإسحاق.
وفي قول الثوري، والشافعي، وأهل الكوفة: هي زوجة الأول.
وفيه قول ثالث: وهو أن الزوج الأول لا حق له فيها، ولا يخير إذا جاء وقد
تزوجت، هذا قول مالك.
__________
(1) كان في الأصل "خداش بن عمرو" والذي ظهر لي أنه خلاس بن عمرو وهو الذي
تكرر في الكتاب، وراجع فهرس الفقهاء من هذا الكتاب.
(5/109)
111 - باب النفقة
على زوجة المفقود
م 2742 - روينا عن ابن عمر أنه قال: ينفق عليها الأربع سنين من مال
المفقود، لأنها حبست نفسها عليه.
وقال ابن عباس: تستدين، فإن جاوزها قضت من ماله، وإن مات، قضت من نصيبها من
الميراث.
وقالا جميعاً: ينفق عليها من مال زوجها في العدة بعد الأربع سنين، وهو
أربعة أشهر وعشراً.
وقال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: ينفق عليها من مال
زوجها.
112 - باب ميراث المفقود
م 2743 - واختلفوا في قسم مال الرجل الذي فقد، فقال الشعبي: لا يقسم ماله
حتى يعلم وفاته.
وقال غيره: أو نأي من الوقت ما لا يعيش مثله. هذا قول أصحاب الرأي. ويشبه
مذهب مالك، والشافعي.
وقال قتادة: إذا قضت أربع سنين من حين ترفع امرأة المفقود أمرها، فإن ماله
يقسم بين ورثته. هذا قول قتادة، وأحمد.
وقال أحمد: إذا قدم المفقود، وقد انقسم ميراثه، ما أدركه بعينه أخذه.
قال أبو بكر: لا يجوز قسم ميراثه إلا أن يعلم يقين وفاته.
(5/110)
مسائل
م 2744 - واختلفوا في العبد يغيب عن امرأته، فلا يدرى أين هو؟.
فقالت طائفة: يضرب لها نصف أجل الحرة، هذا قول الزهري، ومالك، وأحمد.
وقال الأوزاعي: على الأمة مثل نصف ما على الحرة إلا الظهار.
وفي قول الثوري، والشافعي، وأهل العراق: لا تزوج حتى تعلم يقين وفاته.
وقال مالك: في الرجل يخرج في التجارة إلى البلد المعلوم، ويفقد، قال: يكتب
إلى ذلك البلد، ويطلب، ويضرب لامرأته أجل مفقود.
ودفع أحمد أن يكون لها حكم المفقود وقال: إنما المفقود من خرج من بيته،
يريد حاجة فلم يرجع، أو فقد بين الصفين.
وقال غيرهما: تفسير المفقود، الرجل يخرج في [2/ 29/ب] وجه فيفقد ولا يعرف
موضعه، ولا يعلم مكانه، ولا يبين أمره، هكذا قال يعقوب، ومحمد.
مسألة
م 2745 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن زوجة الأسير لا تنكح حتى
تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام، هذا قول النخعي، والزهري، ومكحول،
ويحيى الأنصاري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي.
(5/111)
113 - باب العبد
يأبق وله زوجة
م 2746 - واختلفوا في العبد يأبق وله زوجة.
فقالت طائفة: هي زوجة حتى يموت، هكذا قال الأوزاعي، والثوري، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وروي ذلك عن الشعبي.
وفيه قول ثان: وهو أن إباقة خلاق، وكذلك قال الحسن البصري.
وفيه قول ثالث: وهو أن يضرب لها نصف رجل الحر في كل امرأة يأبق عنها إذا لم
يدر أين أبق؟ هذا قول مالك.
وبالقول الأول أقول.
114 - باب المرأة يبلغها وفاة زوجها فتنكح ثم
يأتيها الزوج
م 2747 - كان الثوري يقول: إذا غاب الرجل عن امرأته، فبلغها أنه مات،
فتزوجت، ثم جاء زوجها الأول، وقد دخل بها الثاني، فلها المهر من الآخر،
يعتزلها الآخر، ثم تمضي عليها العدة، ثم ترجع إلى الأول، والولد للزوج
الآخر، كذلك قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال ابن أبي ليلى، ويعقوب: إن الولد للآخر.
وقال مالك: هي امرأة الأول.
قال أبو بكر: وكل من نحفظ عنه يقول: إن الولد للآخر، إلا النعمان فإنه زعم
أن الولد للأول؛ لأنه صاحب الفراش.
قال أبو بكر: وبالقول الأول نقول، لأنه نكاح فاسد، وأحكامه على عامة أموره،
أحكام النكاح الصحيح.
(5/112)
115 - باب المرأة يطلقها زوجها طلاقاً يملك
رجعتها فيراجعها الزوج ولا تعلم به فتتزوج، فجاء الزوج الذي راجع
م 2748 - واختلفوا في الرجل يطلق المرأة، ثم يراجعها، ويشهد على تلك (1)
الرجعة، ثم تنقضي العدة، وتتزوج المرأة وهي لا تعلم برجعة الأول، ثم جاء
الزوج الأول.
فقالت طائفة: الزوج الأول أحق بها، دخل الثاني أو لم يدخل، هذا قول الثوري،
والشافعي، وأصحاب الرأي [2/ 30/ألف] وبه قال أبو عبيد، وروي ذلك عن علي بن
أبي طالب.
وفيه قول ثان: وهو أن الزوج الثاني إن كان دخل بها، فلا سبيل للأول عليها،
وإن لم يكن دخل بها فهي للأول، روي هذا القول عن عمر بن الخطاب.
وفيه قول ثالث: وهو أنها إن تزوجت ولم يدخل بها زوجها، فلا سبيل لزوجها
الأول إليها، هذا قول مالك، وروي هذا القول عن سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن
بن القاسم بن محمَّد، ونافع.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول؛ لأن الله تبارك وتعالى قال:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} الآية.
فإذا كن ذلك حقاً للمطلق، لم يجز إبطال ما يثبت له بكتاب الله من نكاح لم
ينعقد، ولا فرق بين هذه وبين تلك التي بلغتها وفاة زوجها، فتزوجت وجاء
الزوج الأول.
__________
(1) في الأصل "ذلك".
(5/113)
قال أبو بكر:
م 2749 - ولو لم تكن نكحت وانقضت العدة، وادعى الزوج أنه راجعها في العدة،
فأكذبته المرأة، فإنها تستحلف في قول الشافعي، وأبي ثور، وأبي يوسف، ومحمد.
وقال النعمان: لا يكون يميناً في النكاح، ولا في الرجعة.
قال أبو بكر: بظاهر السنة أقول، وذلك لثبوت السنة.
(ح 1095) "بأن البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه.
وهذه مدّعى عليها، فاستحلافها يجب على ظاهر الحديث.
(5/114)
|