الإشراف
على مذاهب العلماء 52 - كتاب الرضاع
قال أبو بكر:
(ح 1096) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "يحرم من الرضاع ما
يحرم من الولادة".
قال أبو بكر:
م 2750 - وممن قال بأن الرضاع يحرم منه ما يحرم من الولادة، ابن مسعود،
وابن عباس، وعائشة.
وقال بكل هذا القول أهل المدينة، والثوري، والنعمان ومن تبعهما من أهل
الكوفة وأهل الشام، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور.
وكل من حفظنا عنه من أهل العلم، وإنما اختلفوا في فروع منها، أنا أذكرها إن
شاء الله تعالى.
قال الله تبارك وتعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} الآية.
فلما حرم الله الأم والأخت من الرضاعة، احتمل أن لا يحرم غيرهما، واحتمل أن
يحرم من الرضاعة ما تحرم من النسب، فلما ثبت
أن رسول الله [2/ 30/ب]- صلى الله عليه وسلم - قال: "يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب"، وجب قبول ذلك عن رسول - صلى الله عليه وسلم -.
(5/115)
م 2751 - فإذا أرضعت امرأة الرجل جارية،
حرمت على أبيه، وعلى ابنه، وعلى جده، وعلى بني بنيه، وعلى كل بني بناته،
وعلى كل ولد له ذكر، وولد ولده، وعلى كل جد له من قبل أبيه وأمه.
م 2752 - وإذا كان المرضع غلاماً حرم عليه ولد المرأة التي أرضعت، وأولاد،
الرجل الذي أرضع هذا الصبي بلبنه، ولا تحل عمته من الرضاع ولا خالته، ولا
ابنة أخته، ولا ابنة أخيه من الرضاعة.
م 2753 - ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة التي أرضعت ابنه، وكذلك ابنة
المرأة التي هي أخت ابنه، ولأخي هذا الصبي أن يتزوج المرأة التي أرضعت
أخاه، ويتزوج ابنتها التي هي رضيع أخيه، وما أراد من ولدها، وولد ولدها،
إنما يحرم نكاحهن على المرضع.
م 2754 - وللرجل أن يتزوج ابنة عمه، وابنة عمته من الرضاعة، وابنة خاله،
وابنة خالته من الرضاعة، لأن نكاحهن مباح من النسب، والرضاع يقوم مقامه.
م 2755 - ولا يجمع الرجل بين أختين من الرضاعة ولا بين المرأة وعمتها، ولا
بين المرأة وخالتها من الرضاعة، وكل هذا على مذهب مالك، والشافعي، وأبي
ثور، وأصحاب الرأي.
م 2756 - ولا يتزوج الرجل ابنته من الرضاعة، ولا بنات أخته، من الرضاع؛ لأن
تحريم ذلك كتحريمه من النسب.
م 2757 - والعبد، والمكاتب، والمدبر، والأمة، وأم الولد، والمكاتبة، والحر،
والحرة في ذلك كله سواء.
(5/116)
1 - باب توقيت
الرضاعة المحرمة ومبلغها من عدد المص
م 2758 - اختلف أهل العلم فيما يحرم من عدد المص من الرضاع، فقالت طائفة:
يحرم قليله وكثيره، روي هذا القول عن علي، وابن مسعود، وبه قال ابن عمر،
وابن عباس، وطاووس، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح،
ومكحول، والزهري، وقتادة، والحكم.
وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، كذلك قال ابن مسعود، وابن
الزبير، وروي ذلك عن عائشة، وسليمان بن يسار، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق
وممن قال أن الرضعة والرضعتين [2/ 31/ألف] لا تحرمان، وإنما تحرم ثلاثة
رضعات: أبو عبيد، وأبو ثور.
وفيه قول ثالث: وهو أن الذي يحرم خمس رضعات، هكذا قال الشافعي.
(ح 1097) وروى الشافعي عن عائشة أنها قالت: نزل القرآن بعشر رضعات معلومات
تحرمن، ثم صرن إلى خمس تحرمن.
وفيه قول رابع: حكي عن عائشة أنها قالت: لا تحرم من الرضاعة إلا سبع رضعات.
وفيه قول خامس، وهو رواية أخرى، رويناها عن عائشة أنها أمرت أم كلثوم أختها
أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات، ليدخل عليها.
(5/117)
قال أبو بكر: وبخبر رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - نقول، وهو قوله:
(ح 1098) لا تحرم الأملاجة، ولا الأملاجتان.
وأدنى ما يكون العدد بعد الاثنين الثلاث، قلنا بذلك استدلالا، بحديث رسول
الله- صلى الله عليه وسلم -، ولولا ذلك ما كان بحد الذي يجب أن يقال، إلا
بظاهر قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} الآية.
2 - باب الرضاعة التي يقع بها التحريم
قال أبو بكر:
(ح 1099) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الرضاعة من
المجاعة.
ودل على صحة هذا القول، قوله تبارك وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} الآية فدل ذلك على أن لا حكم لما
ارتضع المولود بعد الحولين.
م 2759 - وجاءت الأخبار عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافقة
لهذا القول.
روينا معنى ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن
عباس، وأم سلمة.
وهذا نقول.
(5/118)
وليس تخلو قصة سالم أن تكون منسوخاً، أو
خاصاً لسالم، كما قالت أم سلمة، وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -،
ومن بالخاص، والعام، والناسخ، والمنسوخ، أعلم؟.
وممن مذهبه أن لا رضاع إلا ما كان في حال الصغر، مالك، والثوري، وأهل
العراق، والأوزاعى، والشافعي وأصحابه، وأبو عبيد ومن تبعه.
3 - باب توقيت الحولين في الرضاعة
م 2760 - واختلف أهل العلم فيما يحرم عن الرضاع في الحولين وبعدهما.
فقالت طائفة: ما كان في الحولين فهو يحرم، ولا يحرم ما كان بعد الحولين
كذلك قال ابن عباس، وروي عن ابن مسعود.
وقال [2/ 31/ب] الزهري، وقتادة: لا رضاع بعد الفصال.
وممن قال لا رضاع بعد الحولين، الشعبي، والثوري، والأوزاعي، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور.
وقد اختلف فيه عن مالك فقال في الموطأ: كقول هؤلاء.
وحكى عنه ابن القاسم أنه قال: الرضاع الحولين، والأيام بعد الحولين، وحكى
عنه الوليد بن مسلم أنه قال: ما كان بعد الحولين من رضاع شهراً أو شهرين،
أو ثلاثة فهو من الحولين، وما كان بعد ذلك فهو عبث.
(5/119)
وفيه قول ثالث: حكي عن النعمان أنه قال:
وما كان بعد الحولين إلى ستة أشهر فهو رضاع.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لظاهر قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} الآية.
4 - باب الرضاع بلبن الفحل
م 2761 - واختلفوا في تحريم الرضاع بلبن الفحل، فحرمت ذلك طائفة، ونهت عنه.
وروي معنى ذلك عن علي، وبه قال ابن عباس، وعطاء، وطاووس.
وكره ذلك مجاهد، والحسن البصري، والشعبي، والقاسم بن محمَّد، وعروة بن
الزبير.
وحرم ذلك مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
ورخصت فيه طائفة، وممن رخص فيه سعيد بن المسيب، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن،
وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والنخعي، والقاسم، وأبو قلابة.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، استدلالا بحديث عائشة في قصة عمها.
(5/120)
(ح 1100) قال لها النبى - صلى الله عليه
وسلم -: "أنه عمك فليلج عليك"
وبقوله:
(ح 1101) "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة.
5 - باب الرضاعة بالوجور، والسعوط، والحقنة
م 2762 - واختلفوا في الوجور والسعوط باللبن.
فقالت طائفة: الوجور، والسعوط في الحولين يحرم، كذلك قال الثوري، والشافعي،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وبه قال الشعبي، وقال مالك في الوجور كذلك.
قال أبو بكر: وإنما يحرم الوجور، والسعوط عندهم على قدر مذاهبهم فيما يحرم
من عدد الرضاع.
وفيه قول ثان: روي عن عطاء الخراساني أنه سأل عن سعوط اللبن للصغير، فقال:
لا يحرم شيئاً.
وقال الشافعي في الحقنة قولان:
وحكى بعض البصريين عن مالك، وأبي حنيفة أنهما قالا: تحرم الحقنة.
(5/121)
6 - باب الاسترضاع
بلبن الفجور، وألبان أهل الذمة [2/ 32/ألف]
م 2763 - اختلف أهل العلم بالاسترضاع بلبن الفاجرة، والذمية، فرخص فيه ابن
سيرين، والحسن، والنخعي، وكذلك قال الثوري في لبن الفاجرة، وبه قال مالك في
لبن النصرانية.
وكره مجاهد أن يسترضع بلبن الفجور، وحكى أبو عبيد ذلك عن مالك، وكره ذلك
أبو عبيد.
ورخص في لبن النصرانية، والمجوسية إذا كان من نكاح.
م 2764 - وكره أحمد، وإسحاق لبن ولد الزنا أن يرضع به.
والشافعي يرى حكم ألبان كل من ذكرناه حكم ألبان العفائف المسلمات، وبه قال
أبو ثور.
وبه نقول.
7 - باب رضاع الضرار وما يفسد منه وما لا يفسد
م 2765 - اختلف أهل العلم في الرجل ينكح المرأة الكبيرة، ثم ينكح صغيرة
ترضع، فترضع الكبير الصغيرة، ولم يدخل بالكبيرة، فقال الشافعي: تحرم عليه
الأم بكل حال، ولا مهر لها ولا متعة، ويفسد نكاح الصغيرة، فيكون فسخاً وليس
بطلاق، ولها نصف المهر، ويرجع على امرأته بذلك.
وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي، إلا أن أصحاب الرأي قالوا: يرجع بنصف المهر
على المرأة، إن كانت أرادت الفساد.
(5/122)
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد:
نحواً من قول الشافعي.
وبه نقول.
وكان الأوزاعي يقول: إن دخل بالأولى أو لم يدخل بها فهي امرأته، وينزع
الصبية ولها نصف صداقها، على امرأته الأولى.
وحكى أبو عبيد عن ابن أبي ذوئيب أنه كان لا يرى رضاع الضرار يحرم شيئا، ولا
يفسد نكاحها.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
8 - باب رضاع البكر التي لم تنكح
م 2766 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن البكر التي لم تنكح، لو
(1) نزل بها لبن، فأرضعت به مولوداً أنه ابنها، ولا أب له من الرضاعة، هذا
مذهب مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 2767 - قال مالك: المرأة التي كبرت وأئست إن درت وأرضعت أنها تكون أماً،
وبه قال الأوزاعي، وهو مذهب الشافعي، وأبي ثور.
وبه نقول.
م 2768 - وقال مالك، والشافعي في الرجل يرضع الصبية، ويدر عليها، لا يكون
رضاعاً عنه، غير أنهما كرها نكاحها.
__________
(1) في الأصل "ولو" وفي كتاب الإجماع /108 رقم 418 "ثم" بدل "لو".
(5/123)
9 - باب اللبن يخلط
به الطعام
قال أبو بكر:
م 2769 - واختلفوا [2/ 32/ب] في اللبن يخلط به الطعام.
فكان الشافعي يقول: إذا وصل إلى جوفه فهو يحرمه، إن كان اللبن الأغلب، أو
الطعام.
وفيه قول ثان: وهو أن الأغلب إذا كان الطعام لا عين للبن فيه، ولا طعم، لا
يحرم شيئاً، هذا قول أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا كانت النار فلمست اللبن، وأنضجت الطعام حتى تغير
فليس ذلك رضاع، وإن كان الطعام هو الغالب فليس برضاع، وهذا قول يعقوب،
ومحمد.
وقول أبي حنيفة: لا يكون رضاعاً.
م 2770 - والرضاع يحرم في دار الحرب والشرك، كما يحرم في دار الإسلام في
قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
10 - مسائل من كتاب الرضاع
قال أبو بكر:
م 2771 - كان الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن القاسم صاحب مالك
يقولون في صبين شربا لبن بهيمة: إن ذلك لا يكون رضاعاً، ولا أحفظ عن غيرهم
خلافهم.
وبه نقول.
(5/124)
م 2772 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: لو
أن امرأة حلبت ما يحرم من اللبن في إناء، ثم ماتت فأسقيه صبياً، حرم عليه
ما يحرم بالرضاع، وهي حية.
م 2773 - واختلفوا فيه إن حلب من ثديها بعد الموت، فأسقيه صبياً (1).
ففي قول أبي ثور، وأصحاب الرأي: هو الرضاع يقع به التحريم، وذلك أن الشيء
الذي يقع به التحريم اللبن، وبه قال الأوزاعي، وابن القاسم صاحب مالك.
وكان الشافعي لا يجعل لما حلب بعد الموت حكماً، قال: لأنه لا يكون للميت
فعل.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لأن المعنى الذي يقع به التحريم اللبن،
واللبن قائم في حياتها وبعد وفاتها، وليس الذي يقع به التحريم الميتة، إنما
هو اللبن، ولا يقال: مات اللبن بموتها، لأن اللبن لا يموت، غير [[أنه]] في
ظرف ميت فهو لبن نجس.
م 2774 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: هي أمه من الرضاعة، أو أخته،
وذلك يحتمل، ثم قال مكانه: غلطت، أو وهمت، فقال الشافعي: لا يقبل منه، ولا
تحل له واحدة منهما، وبه قال أبو ثور.
وبه قال أصحاب الرأي إذا صدقته بعد إقراره، ورجوعه، فله أن يتزوجها إن شاء،
وكذلك لو أقرا جميعاً بذلك، ثم اكذبا أنفسهما، وقالا (2): أخطأنا، ثم تزوجا
(3)، فإن النكاح جائز، لا يفرق بينهما.
__________
(1) كان في الأصل "صبي"
(2) في الأصل "قال".
(3) في الأصل "تزوجتا"
(5/125)
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح.
م 2775 - واختلفوا في الرجل يطلق المرأة ولها لبن، فنقضي عدتها، وتنكح آخر
وتحمل منه.
فقالت طائفة: اللبن منهما جميعاً، كذلك قال الشافعي إذ هو بالعراق.
وقال بمصر: وإذا ثاب لها لبن في الوقت الذي يكون [2/ 33/ألف] لها فيه لبن
من الحمل الآخر، كان اللبن من الأول بكل حال، ولو كان لبنها انقطع فلم يثب
حتى كان هذا الحمل الآخر، في وقت يمكن أن يثوب فيه اللبن من الآخر، ففيها
قولان:
أحدهما: إن اللبن من الأول.
والآخر: انقطع لانقطاع اللبن، ثم ثاب من الآخر.
وقال أبو ثور: اللبن من الأول حتى يصير في الحال التي ينزل للحامل لبن، إذا
كان ذلك، كان اللبن للآخر، وإن أمكن أن يكون منه كان منهما، وقال النعمان:
اللبن للأول حتى تلد.
وقال يعقوب: إذا عرف أن هذا اللبن من الحمل الثاني، فهو من الحمل الآخر.
وقال يعقوب: استحسن أن يكون منهما جميعاً حتى تضع.
قال أبو بكر:
م 2776 - وقد أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم لبن الأول ينقطع
بالولادة من الزوج الثاني.
(5/126)
11 - باب الشهادة
على الشهادة
م 2777 - واختلفوا في البينة التي يجب قبولها في الرضاع.
قال عطاء وقتادة، والشعبى، والشافعي: لا يقبل من النساء أقل من أربع.
وقالت طائفة: ثنتين يعني امرأتين، هكذا قال الحكم.
وفيه قول ثالث: وهو أن شهادة المرأة الواحدة جائزة في الرضاع إذا كانت
مرضية، وتستحلف مع شهادتها، كذلك قال ابن عباس.
وبه قال أحمد، وإسحاق، قالا: فإن كانت كاذبة يبيض ثديها.
وممن قال بأن شهادة المرأة الواحدة تجوز، طاووس، والزهري، والأوزاعي، وسعيد
بن عبد العزيز، وابن أبي ذؤيب.
وقالت طائفة: يجوز رجلان، أو رجل وامرأتان، وروي هذا القول عن عمر بن
الخطاب.
وبه قال أصحاب الرأي، والشافعي.
12 - باب جماع أبواب نكاح الإماء
قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ
يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الآية.
م 2778 - واختلف أهل العلم في الرجل يخشى على نفسه في المملوكة وهو يجد
طولاً لنكاح حرة.
(5/127)
فقالت طائفة: من وجد صداقاً لحرة، لم ينكح
أمة، هذا قول جابر بن عبد الله، وابن عباس، وعطاء، وطاووس، والزهري،
ومكحول.
وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، قالوا: ينكح الأمة إذا خاف
العنت.
وكره الحسن، وابن سيرين، وجابر بن زيد نكاح الإماء في زمانهم (1).
وفيه قول ثان: وهو له أن ينكحها إذا خشي أن يبغي بها، كذلك قال عطاء،
وبمعناه قال قتادة، والنخعي، والثوري.
واختلف عن مالك في هذه المسألة فقال مرة: لا ينكح الأمة على حرة، فإن فعل
ذلك جاز النكاح [2/ 33/ب] والحرة بالخيار إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت
اختارت نفسها.
وقال في الموطأ: "لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولاً لحرة، إلا أن
يخشى العنت، وذكر قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}.
وقال مجاهد: مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة، وإن كان [[موسراً]]،
وقال مسروق: إذا كان تحت الحر أمة،
__________
(1) في الأصل "زمانهما".
(5/128)
فوجد سعة، فنكح عليها حرة، فهي طلاق
كالميتة يضطر إليها، فإذا أغنى الله فاستغنه.
قال أبو بكر: ظاهر الكتاب يدل على ما قال جابر، وابن عباس، وكل ما أبيح
بشرطين، لم يجز أن ينكح بشرط واحد، وقال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية، فإذا لم يجد الرجل طولاً لنكاح حرة،
وخشي العنت على نفسه، حل له تزويج الأمة.
13 - باب نكاح الأمة على الحرة والحرة على
الأمة
م 2779 - اختلف أهل العلم في نكاح الأمة على الحرة، فقال جابر بن عبد الله:
لا ينكح الأمة على الحرة، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري،
والشافعي.
وفيه قول ثان: وهو أن لا ينكح الأمة على الحرة إلا بأمرها، فإن اجتمعتا
عنده، فللحرة ثلثا السنة، وللأمة الثلث، هذا قول عطاء.
وقال مالك: يجوز النكاح، والحرة بالخيار.
قال أبو بكر: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة.
م 2780 - واختلفوا في نكاح الحرة على الأمة.
فقالت طائفة: النكاح ثابت، كذلك قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح،
والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وروي معنى ذلك عن علي.
(5/129)
وفيه قول ثان: وهو أن للحرة الخيار إذا
علمت، كذلك قال الزهري، ومالك.
وفيه قول ثالث: وهو أن نكاح الحرة يكون طلاقاً للأمة، هذا قول ابن عباس،
وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول رابع قاله النخعي قال: إذا تزوج الحرة على الأمة فارق الأمة، إلا
أن يكون له منها ولد، فإن كان ذلك، لم يفرق بينه وبين ولده.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
14 - باب عدد ما ينكح الحر من الإماء
م 2781 - اختلف أهل العلم في عدد ما ينكح الحر من الإماء.
فقالت طائفة: له أن ينكح أربعاً، هذا قول الزهري، والحارث العكلي.
وقال مالك: إذا خشي على نفسه العنت، ولم تكفه واحدة، فليتزوج حتى تجتمع
عنده أربع نسوة [2/ 34/ألف] وبه قال أصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو ليس له أن يتزوج من الإماء إلا اثنتين، هذا قول حماد بن
سليمان.
وفيه قول ثالث: وهو أن الحر لا يتزوج من الإماء إلا واحدة، روي ذلك عن ابن
عباس، وبه قال قتادة، والشافعي.
وكذلك نقول.
(5/130)
15 - باب نكاح حرة
وأمة في عقد (1)
قال أبو بكر:
م 2782 - كان الثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: في
الرجل يتزوج حرة وأمة في عقد، يثبت نكاح الحرة، ويبطل نكاح الأمة، وروي ذلك
عن الحسن البصري.
وبه نقول.
وكان مالك يقول كما قال هؤلاء.
ومرة قال: إذا علمت الحرة بذلك، فلا خيار لها، وإن لم تعلم فلها الخيار.
قال أبو بكر: كما قال الثوري ومن وافقه، أقول.
16 - باب نكاح الأمة اليهودية والنصرانية
قال أبو بكر:
م 2783 - واختلفوا في نكاح الأمة اليهودية والنصرانية، فكره ذلك كثير من
أهل العلم، هذا قول الحسن البصري، والزهري، ومكحول.
وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ويحيى الأنصاري،
والليث بن سعد، والشافعي.
وقال مجاهد: لا ينبغي للمسلم أن ينكح المملوكة النصرانية.
__________
(1) في الأصل "عقدة" والتصحيح من الأوسط 3/ 228/ب.
(5/131)
وفيه قول ثان: روينا عن ابن ميسرة أنه قال:
إماء أهل الكتاب بمنزلة حرائرهم.
وحكي عن أصحاب الرأي أنهما أجازوا نكاح الأمة اليهودية والنصرانية.
17 - باب وطيء الأمة المجوسية بملك اليمين
م 2784 - واختلفوا في الأمة المجوسية يطأها مالكها، فقال مرة الهمداني،
والزهري: لا يحل ذلك، وهو قول سعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والأوزاعي،
والثورى، والشافعي.
وأباح ذلك طاووس.
18 - باب الأمة الكتابية يطأها المسلم بملك
اليمين
م 2785 - واختلفوا في وطيء إماء أهل الكتاب بملك اليمين، فأباح النخعي،
ومالك، والشافعي، والكوفي، وعوام أهل العلم وطئهن بملك اليمين.
وحكي عن الحسن أنه كره ذلك.
قال أبو بكر: وهن داخلات في جملة قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
الآية، غير خارجات عن ذلك بحجة.
(5/132)
19 - باب إنكاح [2/
34/ب] الرجل أمته من عبده بغير مهر
م 2786 - واختلفوا في الرجل يزوج أمته من عبيده بغير مهر، فكان ابن عباس،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي يقولون: لا بأس بذلك.
وقال الأوزاعي: يصدقها ما شاء، ولو درهماً، ويحضر ذلك رجلين وقال مالك: لا
يجوز أن يزوج الرجل أمته عبده بغير صداق، فإن مات بالدخول مضى النكاح. وفرض
ربع دينار فصاعداً.
قال أبو بكر: النكاح ثابت، ولا يجوز أن يفسد العقد بفساد المهر.
20 - باب إكراه الرجل عبده وأمته على النكاح
م 2787 - واختلفوا في إكراه أمته وعبده على النكاح، فكان مالك، والثوري
يقولان: له أن يكرههما، إلا أن مالكاً قال: لا يجوز الضرار من ذلك.
وفي قول أصحاب الرأي: ذلك جائز، وبه قال أبو ثور، وقال الأوزاعي في الأمة
كذلك.
وقال الشافعي إذ هو بالعراق: لا فرق بين الأمة والعبد في ذلك.
ثم رجع عن العبد بمصر، فقال: ليس له أن يكرهه على النكاح، فإن فعله فسخ،
وأجاز ذلك في الأمة.
(5/133)
21 - باب الإكراه
الرجل أم ولده على النكاح
م 2788 - واختلفوا في إكراه الرجل أم ولده على النكاح، فكان ربيعة يكره أن
يزوجها بغير إذنها، وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق، وقال. وهو مفسوخ، وكذلك
قال بمصر مرة، وقال مرة: له أن يزوجها.
وقال مالك آخر مرة: ليس له أن يزوجها.
22 - باب بيع الأمة ولها زوج
م 2789 - واختلفوا في بيع الأمة ولها زوج.
فقالت طائفة: بيعها طلاقها، كذلك قال ابن عباس، وروي ذلك عن ابن مسعود،
وأبي بن كعب.
وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد، وقالت طائفة: ليس بيعها طلاقها،
روي هذا القول عن عمر ابن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص.
وقال مالك، والشافعي، وأحمد وإسحاق.
وبه نقول، استدلالاً:
(ح 1102) بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير بريرة بعد أن بيعت.
ولم يكن ليخيرها لو كان انفسخ النكاح بالبيع.
(5/134)
مسألة
م 2790 - واختلفوا في الأمة تنكح بغير إذن السيد، فبلغ السيد فيجيز النكاح.
فقالت طائفة: لا يجوز ذلك، هذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا تزوج الأمة [2/ 35/ألف] لقوم بغير إذن مولاها، ثم لم
يدخل بها ولم يرها حتى تزوج حرة، ثم أجاز مولى الأمة النكاح، لم يجز، ولم
يزوج الحر الأمة بغير إذن مولاها.
ثم إن المولى أعتق الأمة ولم يعلم بالنكاح، كان هذا العتق إمضاء النكاح،
وإجازةً له وتسليماً، ولا خيار للأمة.
23 - باب عقد السيد نكاح أمته على نفسه بإيجاب
العتق لها
(ح 1103) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية، وجعل عتقها
صداقها.
م 2791 - وقد اختلفوا في الرجل يعتق الأمة ويجعل صداقها عتقها، فممن فعل
بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك، وهو الراوي عنه خبر صفية
وتزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها.
وبه قال سعيد بن المسيب، وطاووس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والنخعي، والحسن
البصري، والزهري، وأحمد، وإسحاق.
وكره ذلك ابن عمر، ومالك، والشافعي.
قال أبو بكر: وبالثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أقول، وهو حجة
الله على خلقه، ولهم الاقتداء به في جميع أموره،
(5/135)
إلا أن يخصه الله عَزَّ وَجَلَّ بشيء،
فيكون مما يخصه به في كتابه أو على لسان رسوله خاصاً له، وما لم يكن كذلك،
فليس لأحد أن يزعم أن شيئاً من الأشياء خاص له، إذ لو كان ذلك كذلك، لم يشأ
أحد من الناس فيما لا يوافق أصحابه من السنن أن يقول: ذلك خاص لرسول الله-
صلى الله عليه وسلم -.
م 2792 - وليقل من أراد أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها: قد أعتقتك، على
أن تزوجتك وجعلت صداقتك عتقك.
وقال أحمد: إن قال: قد أعتقتك وجعلت صداقك عتقك، فهو جائز.
مسألة
م 2793 - واختلفوا في الرجل يعتق أمته ويتزوجها، ويجعل صداقها عتقها، إن
طلقها قبل الدخول، فقال قتادة: لا شيء عليها.
وقال الثوري: تسعى في نصف قيمتها في قول من قال: عتقها صداقها.
وقال الحسن البصري: تؤدي إليه نصف ثمن قيمتها، وقال الحكم: ترد نصف ثمنها.
وقال الأوزاعي: مهرها نصف قيمتها، فلها من ذلك النصف، وتؤدي إلى سيدها
النصف، وذلك ربع قيمتها.
(5/136)
مسألة [2/ 35/ب]
م 2794 - واختلفوا في السيد يزوج أمته، فيتلفها السيد بقتل، أو يبيعها حيث
لا يقدر عليها الزوج، فكان النعمان يقول: إذا قتلها قبل أن يدخل بها الزوج
فلا مهر لها، ولا له.
وقال يعقوب، ومحمد: المهر في الأمة لمولاها.
وقال النعمان في الحرة إذا قتلت، أو قتلت نفسها قبل أن يدخل عليها، فلها
المهر كاملاً عليه.
وقال أبو ثور: إن لم يدخل بها حتى قتلها المولى، كان الصداق لها، وهو
للولي.
م 2795 - وكذلك إن باعها المولى في موضع لا يقدر عليها، فقد أساء والمهر
لها، وللمولى الذي باعها، أن يأخذه بذلك.
مسألة
م 2796 - واختلفوا في الرجل يزوج أمته، ويمتنع أن يبؤا لها معه بيتاً.
فقال مالك: لا يجب لها نفقة حتى يبؤا بها الزوج إلى منزلة، أو تبيت عنده،
وإن كان يأتيها في بيت أهلها، فلا نفقة عليه.
وقال النعمان: إن لم يبؤ لها بيتاً، فلا سكنى له ولا نفقة، وقال الثوري: لا
نفقة لها إن حبسوها عنه، كذلك قال الشافعي، إن النفقة لا تجب لها حتى يبؤا
بها بيتاً.
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق إذا قالوا: تعمل بالنهار، ونبعثها إليك بالليل،
فعليه النفقة.
(5/137)
24 - باب أم ولد
النصراني تسلم
م 2797 - واختلفوا في أم ولد النصراني تسلم.
فقالت طائفة: إن أبى أن يسلم السيد، قومت عليه، وبيعت في قيمتها، وإن مات
قبل أن يؤدي فهي حرة، هذا قول الثوري.
وفيه قول ثان: وهو أن تقوم قيمة، ثم يلقى الشطر، ثم تؤدي الشطر الباقي وهي
حرة، هذا قول الأوزاعي.
وفيه قول ثالث: وهو أنها حرة، ولا شيء عليها، هذا قول مالك.
وفيه قول رابع: وهو أن تقوم فتدفع قيمتها إلى سيدها من بيت المال، ولا سبيل
له عليها، هذا قول عمر بن عبد العزيز.
وفيه قول خامس: وهو أن تؤتى إليه كل يوم قيمة خدمتها، فإن أدت الخدمة ما
يبلغ قيمة رقبتها قبل أن يموت مولاها، فهي حرة، وإن مات المولى قبل ذلك
عتقت، هذا قول عبيد الله بن الحسن.
وفيه قول سادس: وهو أنها تعزل عنه، ويؤخذ بالنفقة عليها، وله أن يستعملها
فيما شاء إلى أن يموت، فإذا مات فهي حرة، هذا قول الشافعي.
وبه نقول.
25 - باب [2/ 36/ألف] أمة بين رجلين زوجها
أحدهما
م 2798 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الأمة إذا كانت بين
رجلين فزوجها أحدهما أن النكاح جائز.
(5/138)
م 2799 - واختلفوا فيه أن زوّجها أحد بغير
إذن الآخر، فكان الشافعي يقول: النكاح باطل وإن أجازه الذي لم يزوج، وبه
قال أبو ثور، وذكر ابن القاسم أنه مذهب مالك.
وقال أصحاب الرأي: للآخر أن يبطل النكاح، فإن فعل كان له نصف مهر مثلها،
والذي زوج نصف ما سمى لها الزوج، إلا أن يكون نصف مثلها أقل، فيكون له
الأقل.
قال أبو بكر: النكاح باطل حتى يجتمعا على النكاح، فإن أدرك قبل الدخول
أبطل، وإن دخل عليها فلكل واحد منهما نصف مهر مثلها.
26 - مسائل من هذا الباب
م 2800 - واختلفوا في وصي اليتيم يزوج أمة لليتيم، وفي الأب يزوج أمة ابنه
الطفل.
فقالت طائفة: ذلك جائز، وكذلك المكاتب يزوج أمته والعبد المأذون له في
التجارة كذلك جائز، ويأخذ الصداق وكل ذلك زيادة المال، هذا قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي في الأب والوصي والمكاتب هكذا.
م 2801 - واختلفوا في العبد المأذون له في التجارة يزوج أمته، فقال
النعمان، ومحمد: لا يجوز.
وقال يعقوب: يجوز، لأنه من التجارة.
وقال الشافعي: ليس للمكاتب، ولا للعبد المأذون له في التجارة أن يزوجا ما
بأيديهما من الإماء، لأنهما لا يعقدان على أنفسهما، فكذلك لا يعقدان على ما
بأيديهما.
(5/139)
وقال في ولي اليتيم: من قال إن إنكاحه فرض،
فعلى وليه أن يزوجه، ومن قال ليس بفرض، لم يزوج.
م 2802 - واختلفوا في الرجل يزوج أمة ابنه وهو حر أو عبد بعد أن يأذن للعبد
مولاه، ففي قول مالك، والشافعي: النكاح جائز، فإن ولدت ولداً، كان عبداً
للابن.
وقال أصحاب الرأي: النكاح جائز، فإن ولدت منه عتق ولده.
قال أبو بكر: بقول مالك أقول.
م 2803 - واختلفوا في الرجل يطأ جارية ابنه بغير نكاح فتحمل منه.
فقال أصحاب الرأي: تكون أم ولد، إذا كان حراً، وعليه قيمتها، أقر بذلك
الابن أو جحد.
وقال أبو ثور: فإن علم أن هذا لا يحل له، كان زانياً وعليه الحد، ويلزمه
صداق مثل، والجارية وولدها ملك للابن.
وقال الثوري في رجل وقع على جارية ابنة: إن حبلت كانت أم ولد، وإن لم تحبل
إن شاء الولد باعها [2/ 36/ب].
وقال أحمد: إذا كان الأب قابضاً للجارية، ولم يكن الابن وطئها، فأحبلها
الأب، فالولد ولده، والجارية له، وليس للابن فيها شيء، وبه قال إسحاق.
27 - جماع أبواب نكاح العبيد
م 2804 - أجمع أهل العلم على أن للعبد أن ينكح امرأتين.
م 2805 - واختلفوا في العبد ينكح أربع نسوة.
فقالت طائفة: ليس له أن ينكح إلا اثنتين وروي ذلك عن عمر ابن الخطاب، وعلي
بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف،
(5/140)
وبه قال عطاء، والشعبي، وقتادة، والثوري،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن له أن ينكح أربعاً، هذا قول مجاهد، والزهري، وربيعة،
ومالك، وأبي ثور.
واختلف فيه عن الحسن، وعطاء، والأوزاعي، فروي عن كل واحد منهم (1) قولان.
قال أبو بكر: وقد احتج كل فريق منهما بقوله: له أن ينكح أربعاً، بقوله:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية.
وإن الجمع مخاطبون الأحرار والعبيد، كما خوطبوا بقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ} الآية.
واحتج من خالفهم بقول عمر، وعلي، فقال: ليس يخالفهما أحد من أصحاب النبي-
صلى الله عليه وسلم -، وهم أعلم بمعاني القرآن من غيرهم.
28 - باب نكاح العبيد والإماء بغير إذن ساداتهم
م 2806 - أجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه.
م 2807 - وأجمعوا على أن نكاحه بغير إذن مولاه لا يجوز.
(ح 1104) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيما عبد
تزوج بغير إذن مولاه، فهو عاهر".
__________
(1) كان في الأصل "منهما".
(5/141)
م 2808 - واختلفوا في العبد ينكح بغير إذن
سيده.
فقالت طائفة: عليه الحد، كذلك قال ابن عمر، وأبو ثور.
وقالت طائفة: لا حد عليه، روي ذلك عن الشعبى، والنخعي، وبه قال أحمد،
وإسحاق.
م 2809 - واختلفوا في العبد ينكح بغير إذن سيده.
فقالت طائفة: يفرق بينهما، روي ذلك عن عثمان بن عفان، وأبي موسى الأشعري،
وبه قال الحكم، وحماد.
قال عطاء: لا يجوز نكاحه، وهو قول الأوزاعي، والشافعي، وبه قال أبو ثور:
وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: إذا أجاز المولى النكاح، جاز، وهذا قول الحسن البصري، وعطاء
بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، وشريح، والشعبي، وبه قال مالك، وأصحاب
الرأي.
قال أبو بكر: لا يجوز حتى يستأنف نكاحاً بإذن سيده.
م 2810 - واختلفوا في السيد بإذن [2/ 37/ألف] لعبده في التزويج، فيتزوج
باثنتين في عقدة، فقال أبو ثور: جائز.
وقال أصحاب الرأي: لا يجوز، ولا يقع الأذن إلا على واحدة.
29 - باب العبد يأذن له السيد في النكاح فينكح نكاحاً فاسداً
م 2811 - واختلفوا في الرجل يأذن لعبده في النكاح فينكح نكاحاً فاسداً.
فقالت طائفة: إن لم يكن دخل بها فلا شيء لها، وإن كان دخل بها فعليه المهر
إذا عتق، هذا صحيح على مذهب الشافعي، وبه قال أبو ثور.
وقال النعمان: إن دخل بها فعليه المهر.
(5/142)
وقول آخر: أن لا مهر عليه حتى يعتق، هذا
قول أبي يوسف، ومحمد.
وقال مالك، والشافعي: إذا كان عبداً بين رجلين، فأذن أحدهما في النكاح
فنكح، فالنكاح باطل.
30 - باب تسري العبيد
م 2812 - اختلف أهل العلم في تسري العبيد.
فقالت طائفة: للعبد أن يسترى بإذن مولاه، روي هذا القول عن ابن عمر، وابن
عباس.
وبه قال الحسن البصري، والشعبى، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، والزهري،
ومالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وكرهت طائفة أن يتسرى العبد، وممن كره ذلك محمَّد ابن سيرين، وحماد بن أبي
سليمان، وممن هذا مذهبه، الثوري، وأصحاب الرأي.
واختلف قول الشافعي في هذه المسأله.
فقال إذ هو بالعراق بقول مالك، ثم رجع بمصر فقال: لا يحل للعبد أن يتسرى.
قال أبو بكر: قول ابن عمر، وابن عباس أولى.
م 2813 - واختلفوا في الجارية التي لم تستحق أن يقال لها: سرية.
فقالت طائفة: إن وطئها فقد تسراها، كذلك قال ربيعة، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
(5/143)
وقال الأوزاعي: لا تكون سرية وإن حللت
عليها إزارك حتى تبني بها.
وحكي عن الشافعي أنه قال: التسري، طلب الولد حبلت أم لم تحبل.
31 - باب العبد يغر الحرة ويخبر أنه حر وينكحها
م 2814 - أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن للحرة التي غرها العبد
المأذون له في النكاح، وزعم أنه حر، أن لها الخيار إذا علمت، كذلك قال
عطاء، وعمرو بن دينار، والشعبي، والحسن البصري، والزهري، ومالك، والشافعي،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي [2/ 37/ب].
م 2815 - غير أن الشافعي قال: إن فارقته قبل الدخول فلا مهر لها، وبه قال
أصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: لها نصف الصداق عليه إذا عتق. وإن فارقته وقد دخل عليها ففي
قول الشافعي: لها مهر مثلها.
وفي قول أصحاب الرأي: لها ما سمى لها، عليه في رقبته، ولا تكون هذه الفرقة
إلا عند قاض.
م 2816 - واختلفوا فيه إن تزوجها ولم يذكر أنه حر أو عبد، فقال الشافعي: لا
خيار لها.
وقال أبو ثور: لها الخيار.
وقال أصحاب الرأي: إن زوجه الأولياء (1) برضاها، فلا خيار لها، وإن كانت هي
تزوجته وهو غير كفؤ، فللأولياء أن يفرقوا بينهما.
__________
(1) في الأصل "زوجوه".
(5/144)
32 - باب المرأة
تنكح عبدها
م 2817 - أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل.
وثبت أن عمر بن الخطاب قال في امرأة جاءت بالجابية، نكحت عبدها، فهم أن
يرجمها، وانتهرها.
م 2818 - واختلفوا في نكاح المرأة عبد ابنها، فحكى أبو عبيد عن أهل الحجاز
أنهم كانوا لا يرون تزويج المرأة عبد ولدها، قال: وكذلك يقولون: لا يتزوج
الرجل أمة ولده. وقال أهل العراق: هذا كله جائز ما لم يمت السادة.
م 2819 - وقال الشافعي: إذا تزوج مكاتب بنت مولاه بإذن مولاه، ثم مات
المولى فسد النكاح، لأنها ورثت بعض رقبته، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: النكاح جائز على حاله، لأنها لا تملك منه شيئاً، إنما
لها عليه دين.
م 2820 - وفي قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: إذا نكحت المرأة عبد
أبيها، فمات الأب، وملكت من الأب شقصاً، بطل النكاح.
وممن قال أن المرأة إذا ملكت من زوجها شقصاً، أن النكاح يبطل، الحسن
البصري، وطاووس، وقتادة، والحكم، وحماد، والشعبي، وعطاء، وعبد الله بن
معقل، وميسرة، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
وقال ابن سيرين، والنخعي: إن أعتقه مكانها، فهما على النكاح.
(5/145)
33 - باب الرجل يملك
زوجته الأمة أو بعضها
م 2821 - واختلفوا في الرجل يملك بعض زوجته الأمة، فقال الحسن، والزهري،
والنخعي، وعامة المفتين: يقف عنها ولا يقربها حتى يستخلصها.
وروي عن قتادة: أنه قال: لم يزده ملكه عليها إلا قرباً.
وقد روي عن الحسن أنه قال: إذا استرق امرأته [2/ 38/ألف] للعتق، فأعتقها
حين ملكها، فهما على نكاحهما (1).
م 2822 - واختلفوا في المرأة تملك من زوجها شقصاً، فأعتقته، ثم أراد
نكاحها، فقال الحسن، والزهري، وقتادة، والأوزاعي: هي طلقة.
وقال الحكم، وحماد، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق:
هي فرقة وليس بطلاق.
وبه نقول.
34 - باب الأمة تكون تحت الزوج فيبيت طلاقها ثم
يطأها السيد
م 2823 - واختلفوا في الرجل تكون تحته الزوجة الأمة، فيطلق ويبيت طلاقها،
ثم يطأها السيد، فقالت طائفة: لا يحل للزوج إلا من حيث قال الله عز وجل:
{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} الآية وليس السيد بزوج، وروي معنى ذلك
عن علي، وعبد الله.
__________
(1) في الأصل "نكاحها" والصواب ما أثبته وكذا في الأوسط 3/ 233/ب.
(5/146)
وبه قال عبيدة السلماني: ومسروق، والشعبي،
والنخعي، وسليمان بن يسار، وابن قسيط، وأبو الزناد، وحماد بن أبي سليمان،
والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وجعلت طائفة وطئ السيد كوطئ الزوج، وروي ذلك عن عثمان، وزيد ابن ثابت.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، والسيد ليس بزوج.
35 - جماع أبواب الضرائر والسنن فيهن
قال أبو بكر:
(ح 1105) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كانت للرجل
امرأتان، فمال إلى
[[إحداهما]]، جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل".
قال أبو بكر:
م 2824 - الميل الذي يلحق فاعله فيه، اللوم من مال بما يملكه من الأفعال،
دون الهوى الذي لا يملكه المرء، قال الله جلّ ذكره: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} الآية.
يقال (1): إن الآية نزلت في عائشة.
__________
(1) في الأصل "وقال" والتصحيح من الأوسط 3/ 234/ألف.
(5/147)
وروينا عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية:
لا يستطيع أن يعدل بالشهوة فيما بينهن، ولو حرصت.
وقال عبيدة السلماني في الحب، والجماع، ودل قول رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - حيث كان يقسم فيعدل ثم يقول: (ح 1106) "اللهم هذا قسمي في ما أملكه،
فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك على مثل ذلك".
36 - باب الإقراع بين الضرائر عند الخروج إلى
الأسفار
(ح 1107) ثبت أن رسول الله [2/ 38/ب]- صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد
سفراً أقرع بين نساءه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - معه".
قال أبو بكر:
م 2825 - إذا أقرع الرجل بين نساءه عند خروجه إلى السفر وخرج بمن خرج سهمها
منهن، انفردت بالسفر دون المتخلفات، ثم لم يقاسمها بشيء من الأيام التي
انفردت بها في السفر عند قدومه، فليبتدأ القسم بينهن إذا قدم على سبيل ما
يجب، وهذا على مذهب مالك، والشافعي، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي، وأبو ثور في
أن يعدل بينهن فيما يستقبل.
(5/148)
37 - باب إتيان
الزوجة المستحدثة على الضرائر بمقام أيام تختص بها
م 2826 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة فتخصها بالأيام من بين نسائه عند
الدخول عليها.
فقالت طائفة: يقيم عند البكر سبعاً، وعند الثيب ثلاثاً، ثم ليستأنف القسم.
(ح 1108) قال أنس بن مالك: من السنة للبكر سبعاً وللثيب ثلاثا.
وروي ذلك عن النخعي، والشعبى، وبه قال مجاهد، والشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبو
عبيد، وأبو ثور.
وبه نقول.
وفيه قول ثان: وهو أن للبكر ثلاثاً، وللثيب ليلتين، هكذا روي عن ابن
المسيب، والحسن، وخلاس بن عمرو، ونافع مولى ابن عمر.
وقال الثوري: إن هذا القول كان يقال ذلك.
وقال الأوزاعي: إذا تزوج البكر على الثيب، مكث ثلاثاً، وإذا تزوج الثيب على
البكر مكث يومين.
وفيه قول ثالث: قاله الحكم، وحماد قالا: هما في القسم سواء، وبه قال أصحاب
الرأي.
(5/149)
38 - باب القسم بين
الذمية والمسلمة
م 2827 - أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة
والذمية سواء، كذلك قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والنخعي، والشعبى،
والزهري، والحكم، وحماد، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور،
وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول، لأنهن حرائر، ولا فرق بينهن في أحكام الأزواج.
39 - باب القسم بين الحرة والأمة
م 2828 - روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: إذا تزوج الحر الحرة على الأمة
قسم للحرة يومين، وللأمة يوماً.
قال أبو بكر:
وهذا قول سعيد بن المسيب، ومسروق، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو
عبيد، وأبو ثور.
وذكر أبو عبيد أن هذا قول الثوري، والأوزاعي، [2/ 39/ألف] وأهل الرأي.
م 2829 - وقال مالك في العبد: عنده الحرة والأمة يعدل بينهما بالسوية.
وقال أصحاب الرأي: يقسم بينهما كما يقسم الحر وبه قال أبو ثور.
40 - مسائل من باب القسم بين الضرائر
م 2830 - كان الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: في المريض، والصحيح،
والعنين، والخصي، والمجبوب في القسم سواء.
(5/150)
م 2831 - وكان الشافعي يقول في المرأة
تثقل: لا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت، ثم يوفي من بقي من نسائه مثل
ما أقام عندها، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: ما مضى هدر، ويستقبل العدل فيما يستقبل.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 2832 - وقال مالك: الصغيرة التي قد جومعت، والكبيرة البالغة سواء، وبه
قال أصحاب الرأي.
م 2833 - وقال الشافعي: إذا أعطاها مالاً على أن تحلله من يومها وليلها،
فالعطية مردودة، ويوفيها حقها.
وقال أبو ثور: ذلك جائز.
م 2834 - وكان الشافعي يقول: الحائض، والنفساء، والمريضة، والخرساء،
والمجنونة التي لا تمتنع، والصحيحة في القسم سواء، وهذا على مذهب مالك.
وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي.
م 2835 - وكان الشافعي يقول: "إذا أراد أن يقسم ليلتين، ليلتين، أو ثلاثاً،
ثلاثاً كان ذلك له وأكره له مجاوزة الثلاث من العدد".
قال أبو بكر: لا أرى مجاوزة اليوم، لأني لا أجد حجة احتج بها في الخروج عن
جملة السنة إلى غيرها، وليس فيما سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا
استعماله، ولا يجوز الخروج منه بالاستحسان إلى غيره.
م 2836 - قال مالك: لا بأس أن يقيم الرجل عند أم ولده اليوم، والثلاث، ولا
يقيم الرجل عند الحرة، إلا يوماً من غير أن تكون مضاراً.
(5/151)
م 2837 - وقال الشافعي: في الإماء يأتيهن
كيف شاء، فإذا صار إلى النساء عدل بينهن.
41 - باب المرء يشتغل بالعبادة عن حقوق الأهل
م 2838 - قال سفيان الثوري: في المرأة تشكو زوجها، أنه لا يأتيها قال: له
ثلاثة أيام ولها يوم وليلة، وبه قال أبو ثور.
وقال مالك: في الذي يكف عن جماع امرأته غير ضرورة، لا يترك حتى يجامع، أو
يفارق على ما أحب أو كره؛ لأنه مضار بهذا.
وقال الشافعي: في الجماع لا يفرض عليه منه شيء بعينه، إنما يفرض نفقة،
وسكنى، وكسوة، وأن يأوي إليها.
قال أبو بكر: أعلى شيء في هذا الباب خبر عمر بن الخطاب، أن كعباً قضى
بينهما بأمر [2/ 39/ب] عمر، أن لها من كل أربعة أيام ولياليهن يوماً وليلة،
وليس ذلك بمتصل عن عمر؛ لأن الذي
رواه الشعبي عنه.
42 - باب قوله: {وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً} الآية
قال أبو بكر:
م 2839 - كان علي بن أبي طالب يقول في هذه الآية: ذلك في الرجل يكون له
المرأتان [[فتعجز إحداهما]]، أو تكون دميمة، فيصالحها على أن يأتيها كل
ليلتين أو ثلالة، مرة.
(5/152)
وبنحو منه قال ابن عباس، وقالت. عائشة: هي
المرأة لا يحبها زوجها، أو تكون دميمة، فيصالحها ويقول: أنت في حل من شأني.
م 2840 - وقد اختلف أهل العلم في المرأة تصالح زوجها على صلح مما ذكرناه،
ثم ترجع عنه.
فقالت طائفة: لها أن ترجع في ذلك، وعليه أن يوفيها حقها، روي معنى هذا
القول عن عطاء، وكذلك قال الثوري، والشافعي، وأحمد.
وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: الصلح في ذلك جائز.
ولا أحفظ عنهم في الرجوع شيئاً.
وقال الثوري: إذا تزوجها على أن لها يوماً، ولفلانة يومين، فالشرط باطل،
وكره مالك هذا النكاح، وهذا قول الزهري: أن الصلح بعد الدخول.
وفيه قول سواه، قال الحسن البصري: إذا صالح المرأة على صلح من يومها قال:
إذا رضيت فليس لها أن ترجع.
43 - جماع أبواب وجوب النفقات
قال الله تبارك وتعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي
أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} الآية.
وقال جل ثناؤه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية.
(5/153)
م 2842 - فكان عكرمة يقول: حقها عليه
المحبة الحسنة، والكسوة، والرزق بالمعروف، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} الآية.
(ح 1109) وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة بعرفة:
"ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
م 2843 - وقد اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات إذا كانوا جميعاً
بالغين، إلا [[الناشز]] منهن الممتنعة. فنفقة الزوجة ثابتة في الكتاب،
والسنة، والاتفاق.
44 - باب نفقة الموسع عليه ونفقة المقتر
(ح 1110) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لهند بنت عتبة، وقد
قالت له: [2/ 40/ألف] إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس لي إلا ما يدخل بيتي،
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
م 2844 - واختلف أهل العلم فيما يفرض للزوجة على زوجها من المكتلة.
(5/154)
فقالت طائفة: ليس في ذلك تحديد إنما ذلك
على طاقة الزوج ويساره، وإنما يجتهد الحاكم رأيه عند نزول الأمر، فيفرض ما
فيه الكفاية بالقصد.
قال مالك: ليس عندنا فيما يفرض على الزوج نفقة معلومة، إذا هو وجدها، حبس
بذلك امرأته، أو لم يجدها، فرق بينه وبين امرأته، لا على غني، ولا على
مسكين، ولا في المدائن، ولا في القرى، ولا في الآفاق، لغلاء سعر، ولا
لرخصه، إنما ذلك عندنا بقدر الموسر والمعسر.
وبه قال أبو عبيد؛ لأنه ليس فيه وقت معلوم في كتاب، ولا في سنة، وقال أبو
ثور نحواً من قولهما، واحتجوا بقصة هند.
وقالت طائفة: يفرض للمقتر مد بمد النبي- صلى الله عليه وسلم - في كل يوم من
طعام البلد الذين يقتاتون حنطة كان أو شعيراً، ومكيلة من آدم بلادها زيتاً
كان أو سمناً، بقدر ما يكفي ما وصفه من ثلاثين مداً في الشهر، ويفرض لها في
دهن ومشط أقل ما يكفيها، وقد قيل: لها في الشهر أربعة أرطال لحم، في كل
جمعة رطل.
وإن كان زوجها موسعاً فرض لها مدان بمد النبي- صلى الله عليه وسلم -، وفرض
لها من الأدم، واللحم ضعف ما وصفته لامرأة المقتر، وكذلك الدهن، والعسل.
واحتج في إيجابه المد على المقتر:
(ح 1111) بخبر أبي هريرة في الواقع على أهله في رمضان أنه أمر لكل مسكين
مد.
واحتج في فرضه على الموسع عليه مدين،
(5/155)
(ح 1112) بخبر كعب بن عجرة أنه أوجب في
فدية الأداء لكل مسكين نصف صاع.
قال: والفرض على الوسط الذي ليس بموسع عليه ولا على المقتر. ما بينهما مداً
ونصفاً للمرأة، ومداً للخادم.
وقال أصحاب الرأي: فريضة النفقة في ذلك على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره،
وعلى قدر غلاء السعر ورخصه، يقوم ذلك قيمة بالمعروف فان كان معسراً فرض
لامرأته من النفقة في كل شهر أربعة
دراهم إلى خمسة، أو ما بين ذلك، ولخادمها ثلاثة أو أقل من ذلك قليلاً أو
أكثر من ذلك، إنما يفرض على المعسر القوت يقوم الدقيق قيمة ما يكفيها كل
يوم (1) وما لا بد منه من الآدام، والدهن لها
ولخادمها، وذكروا الكسوة.
وإن كان الرجل موسراً فالنفقة لامرأته [2/ 40/ ب] ثمانية أو سبعة، أو أقل
من ذلك قليلاً أو نحو ذلك، يوسع عليها في الطعام، والآدام، لخادمها ثلاثة
أو أربعة، أو أقل من ذلك بقليل.
45 - باب الكسوة
قال أبو بكر:
(ح 1113) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وقال: ولهن عليكم رزقهن
وكسوتهن بالمعروف.
__________
(1) كذا في الأصل وفي "الأوسط" القوت الذي ليس فيه فضل يقوم الدقيق قيمة
وما يكفيها كل يوم 238/ب.
(5/156)
م 2845 - وقد أجمع أهل العلم على أن للزوجة
نفتقها وكسوتها بالمعروف.
م 2846 - وقد اختلف أهل العلم فيما يجب أن يكسوها، فقال كثير منهم: يكسو
ثياب بلد كذا، ومن كسوة كذا، لبلدان سموها، تركت ذكر ذلك اختصاراً، إذ لا
فائدة في كثير مما ذكروه؛ لأن
عامة أهل البلدان يقل عندهم ما ذكروه. وأصح ذلك وأعدله، أن لا يحمل أهل
البلدان جميعاً على كسوة واحدة، ولكن يؤمر أهل كل بلد بأن يكسو مما يكسيه
أهل ذلك البلد بالمعروف بقدر ما يطيقه المأمور به على قدر يساره، وعسره،
وعلى قدر الكفاية لها على قدر حالها، وما يكسي مثلها في مثل ذلك البلد.
ويجتهد الحاكم في مثل هذا عند نزول الأمر، كما يجتهد في المتعة عند الطلاق
التي لم يدخل بها ولم يسم لها مهراً، وكما يوجب الآداب وغير ذلك.
والدليل على صحة هذا المذهب في النفقة، والكسوة قول النبي- صلى الله عليه
وسلم - لهند:
(ح 1114) " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
ففي هذا بيان الذي يجب من الكفاية من ذلك كله.
46 - باب عدد من يجب على الزوج نفتهم من خدم
الزوجة
م 2847 - واختلف أهل العلم فيمن ينفق عليه الزوج من خدم الزوجة.
فقالت طائفة: ينفق على خادم واحد، هذا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
(5/157)
وقال الشافعي في التي الأغلب أن لا تخدم
نفسها، وقال مالك: إلا أن تكون امرأته لا تصلح لخدمة نفسها، وهو الأكثر من
واحدة، فما عليه أن ينفق أكثر من واحدة.
قال أبو ثور: إذا كانت امرأة الرجل تحتاج إلى خادمين، لا بد لها منهما،
ويحتمل الزوج ذلك، فرض عليه الخادمين.
قال أبو بكر: ليس في وجوب نفقة خدم المرأة أصل يعتمد عليه، من حديث يجب
قبوله، وإنما هو شيء قاله أهل العلم، فيفرض من ذلك لخادم واحد وهو أقل ما
قيل، ويوقف ما زاد على ذلك.
47 - باب الرجل يطالب بنفقة زوجته ولما يدخل
عليها [2/ 41/ألف]
م 2848 - واختلفوا في الرجل البالغ ينكح المرأة البالغ أو التي يوطأ مثلها،
وإن لم تبلغ.
فقالت طائفة: إذا كان الحبس من قبله فعليه النفقة، وإن كان من قبلها فلا
نفقة لها، هذا قول الحسن، والنخعي، والشعبي، والثوري، ومالك، والشافعي،
والكوفي.
وقد روينا عن الحسن أنه كان لا يجعل للمرأة على زوجها نفقة حتى يدخل عليها.
قال أبو بكر: الأول أصح، لها النفقة إلا أن تكون ممتنعة، فتزول نفقتها ما
دامت ناشزة.
(5/158)
48 - باب نفقة
الصغيرة التي لا توطأ مثلها
م 2849 - واختلفوا في نفقة الصغيرة التي لا توطأ مثلها.
ففالت طائفة: لا نفقة لها، حتى تدرك أو تطيق الرجال، كذلك قال بكر بن عبد
الله الأشبح، ومالك بن أنس.
وقال الحسن البصري، والنخعي: إذا كان الحبس من قبل المرأة، فلا نفقة
للمرأة، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال الثوري في الصغيرة: عليه النفقة، إذا بلغت أن يدخل بمثل، دخل بها.
49 - باب الصغير يعقد عليه نكاح امرأة كبيرة
م 2850 - واختلفوا في الصغير يعقد عليه نكاح امرأة كبيرة، ففي قول محمَّد
بن الحسن: عليه النفقة.
وقال مالك: لا نفقة لها.
وقال الشافعي وهو بالعراق: عليه النفقة، وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: أما البالغ الذي تزوج صغيرة، فعليه نفقة لدخول هذه الزوجة في
جملة من فرض لهن النفقة، ولو قال قائل: يفرض على الزوج الصغير النفقة كما
يفرض في ماله نفقة والديه، ومماليكه، لكان ذلك ذهباً، والله أعلم.
م 2851 - وأجمع عوام أهل العلم على إسقاط نفقة الناشز المانعة نفسها من
الزوج، هذا قول الشعبي، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، والأوزاعي، والشافعي،
وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
(5/159)
ولا أعلم أحداً خالف هؤلاء إلا الحكم، فإنه
قال في امرأة خرجت من بيت زوجها عاصية، لها نفقة.
قال أبو بكر: الأول أصح.
50 - باب وجوب نفقة زوجة الغائب وما يؤخد به
منه وما لا يؤخذ
م 2852 - واختلفوا في وجوب نفقة الزوجة على الزوج الغائب أيام غيبته، فثبت
أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، يأمرهم
أن ينفقوا عليهن (1)، أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا [2/ 41/ب] بنفقة ما مضى،
وبه قال الحسن البصري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق.
وقال النعمان: نحن لا نقول ذلك، نقول ليس لها شيء إلا أن يفرضه السلطان.
قال أبو بكر: نفقة الزوجة واجبة بالكتاب، والسنة، والاتفاق، ولا يزول ما
وجب بالحجج التي ذكرناها إلا بسنة أو اتفاق، ولا نعلم شيئاً يدل على سقوط
نفقة الزوجة، إلا الناشز الممتنعة، فنفقة الزوجة واجبة على الزوج غائباً،
كان الزوج أو حافراً.
51 - باب الرجل يعجز عن نفقة زوجته
م 2853 - واختلفوا في الرجل يعجز عن نفقة زوجته، فتسأله الطلاق.
__________
(1) في الأصل "عليهم".
(5/160)
فقالت طائفة: يفرق بينهما، كذلك قال مالك،
ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد،
وأبو ثور.
واحتج محتجهم بقول عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أمراء الأجناد، وقد ذكرته
فيما مضى. وقد روي ذلك عن أبي هريرة، وسعيد بن المسيب، والحسن.
وقالت طائفة: لا يفرق بينهما، كذلك قال عطاء، والزهري، وابن شبرمة،
والثوري، والنعمان، وصاحباه.
وفي هذا الباب قول ثالث: حكي عن عبيد الله بن الحسن أنه قال: يحبس الرجل
بنفقة امرأته حتى ينفق عليها أو يطلقها، ولا آمره بطلاقها إذا عجز، يحبس
أبداً.
وقد احتج من يقول بالقول الثاني: نكاحها قد انعقد بإجماع، فلا يفرق بينهما
إلا بإجماع مثله، أو سنة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا معارض لها،
فإن احتج محتج بالعنين، فإنما يفرق بين العنين وبين زوجته بإجماع إذا كان
موجوداً، ولو اختلفوا في العنين، لوجب الوقوف عن التفرق بينهما.
م 2854 - واختلفوا في السائل يتزوج المرأة، وهي تعلم أن مثله لا يجزي
النفقة، فقال مالك: لا أرى لها قولاً بعد ذلك.
وقال الشافعي: يفرق بينهما إذا سألت ذلك.
واختلفوا في القدر الذي ينظر من لا يجد ما ينفق على أهله، فقال حماد ابن
أبي سليمان يؤجل سنة.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: اضربوا له شهراً أو شهرين، وقال
مالك: الشهر ونحوه.
(5/161)
وقال الشافعي: لا يؤجل أكثر من ثلاث.
م 2856 - وقال مالك: إذا فرق الإمام بينهما تكون تطليقة، وهو أحق بها إن
أيسر ما دامت في العدة.
وقال الشافعي: تكون فرقة بلا طلاق، [2/ 42/ألف] ولا يملك رجعتها.
قال أبو بكر: يكون إنقطاعاً للعصمة من غير طلاق يكون فيه الرجعة.
52 - مسائل من أبواب النفقات
م 2857 - كان مالك، والشافعي، وأبو ثور: يرون بيع العروض في نفقة الزوجة،
وبه قال يعقوب، ومحمد.
وقال النعمان: في حالة النفقة من الدنانير، والدراهم، ولكنه لا يبيع من
عروضه شيئا، إلا برضى منه وتسليم.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
م 2858 - وكان يحيى بن آدم، والشافعي يقولان: يجري عليها النفقة من مال
الزوج يوماً بيوم، وقد روينا عن الشعبي أنه فرض لامرأة في قوتها عشر صاعاً
بالحجازي (1) ودرهمين، لدهنها وحاجتها في كل شهر.
وقال أصحاب الرأي: يفرض لامرأة المقتر في كل شهر كذا.
قال أبو بكر: لو جاز أن يفرض لشهر، وتقبض في أول
الشهر، لجاز أن يفرض لسنة وتقبضه في أول السنة، وأصح من ذلك أن ينفق يوماً
بيوم.
__________
(1) التصحيح من الأوسط238/ألف وكان في الأصل "بالحجاجي".
(5/162)
قال أبو بكر:
م 2859 - ولو دخلت امرأة الرجل عليه، ومرضت مرضاً شديداً لا تقدر معه على
إتيانها، كانت عليه نفقتها، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 2860 - وإذا قالت امرأة الرجل: هو موسر فافرضوا عليه على قدر ذلك، وقال
هو: بل أنا معسر، فالقول قوله مع يمينه، فإن أقامت المرأة البينة على ما
تدعي، أخذ بينتها، وهذا على قول الشافعي، وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 2861 - وإذا كان للرجل على المرأة ديناً، فقال: احبسوا نفقتها مما لي
عليها، وجب ذلك، وقاضها به في قول أصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: فيها قولان:
أحدهما قال أصحاب الرأي.
والثاني: إن عليه تركها إلا أن توسر.
قال أبو بكر: أصح القولين أن يؤخر بما عليها، إذا كانت معدمة لقول الله
تبارك وتعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
الآية.
م 2862 - وإذا كان على الزوج صداق، ونفقة، فدفع شيئاً، واختلفا فيما دفع،
فقال الزوج: من المهر، فقالت: بل من النفقة، فالقول قول الزوج مع يمينه في
قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
(5/163)
53 - باب اختلاف
الزوجين في النفقة
م 2863 - واختلفوا في الزوج والمرأة يختلفان في النفقة، فقال الزوج: قد
دفعت إليها نفقتها، وقالت المرأة لم يدفع إلي، فقال الشافعي، وأبو ثور:
القول قولها مع يمينها، وعليه النفقة كسائر الحقوق، ولا يبرأ من عليه حق
مما عليه حتى يقر الذي له عليه الحق، أو تقوم بينة على قبضه.
وقال أصحاب الرأي: إذا اختلفا فقال الزوج: قضى على [2/ 42/ب] القاضي منذ
شهر إنما لك نفقة شهر، وقالت المرأة: بل قضى لي بنفقة بثلاثة أشهر، فإن
القول في ذلك قول الزوج مع يمينه، وعلى المرأة البينة.
وقال مالك: إذا اختلفا فالقول قول الزوج، إذا كان مقيماً معها، وإن كان
غائباً فالقول قولها من يوم رفعت أمرها إلى السلطان.
قال أبو بكر: القول هذه الأقوال قول المرأة مع يمينها، وكل من علم قبله حق،
فليس يبرأ منه إلا ببينة تشهد له، أو بإقرار من الذي له الحق بالبرأة
لمصاحبته.
قال أبو بكر:
م 2864 - وإذا بعث الرجل إليها بثوب فقال الرجل: هو من الكسوة وقالت: "بل
هو هبة، فالقول قول الزوج مع يمينه قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
م 2865 - واختلفوا في المرأة ينفق علي من مات زوجها، ثم يعلم أنه كان قد
مات قبل ذلك.
(5/164)
فقال أبو العالية، وأبو قلابة، ومحمد بن
سيرين: ما أنفقت، من نصيبها" وهذا على مذهب الشافعي.
وبه نقول. وهذا بمنزلة رجل أكل طعاماً ظن أنه له، فعلم بعد، أنه كان لغيره.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك لها بما حبست نفسها عليه، هذا قول الحسن البصري،
والنخعي".
مسألة
م 2866 - واختلفوا في وجوب النفقة على العبد لامرأته المطلقة الحامل،
فأوجبت طائفة عليه النفقة على ظاهر قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنَّ
أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
الآية.
هذا قول الأوزاعي، والشافعي.
وقال أحمد في رجل طلاق امرأته ثلاثاً، وهي مملوكة حامل، أن عليه نفقتها،
وبه قال إسحاق، ولم يذكر حراً ولا عبداً.
وقال مالك بن أنس: لا نفقة عليه، وكذلك روى عن الشعبي.
54 - باب نفقة العبيد
م 2867 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على العبد نفقة زوجته.
هذا قول الشافعي، ومالك، والشعبي.
وقال أصحاب الرأي: تجب نفقتها عليه أن يكون بوأها بيتاً.
(5/165)
م 2868 - وفي قول أصحاب الرأي: إذا اجتمع
عليه نفقتها، ولم يكن معه، بيع فيه، أو يؤدي عنه سيده.
وفي قول الشافعي: لا يباع فيه، وإن شاءت الزوجة أقامت بعد إذ يجد ما ينفق،
وإن شاءت اختارت فراقه.
والخيار في الحرة إليها، والخيار في الأمة إلى سيدها.
55 - باب الذمية تكون تحت المسلم
قال أبو بكر:
م 2869 - إذا كانت الذمية [2/ 43/ألف]، تحت المسلم كان حكمها في نفسها،
وكسوتها، وسائر ما يجب لها من حقوق الأزواج، حكم المسلمة حرة في قول مالك،
والشافعي، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
م 2870 - وإذا تحاكم أهل الذمة إلينا، حكمنا بينهم كحكمنا بين المسلمين،
هذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ} الآية.
56 - باب نفقة الوالدين
(ح 1115) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أطيب ما أكل
الرجل من كسبه، وأن ولده من كسبه"
(5/166)
م 2871 - وأجمع أهل العلم على أن نفقة
الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة مال الولد.
كذلك قال مالك، والثوري، والحسن بن صالح، والشافعي، والنعمان وأصحابه،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
غير أن الشافعي قال: إذا كانا ذميين، ولم يذكر ذلك أحد غيره.
م 2872 - واختلفوا في وجوب نفقة الجد في مال ولد الولد، ففي قول الشافعي،
والثوري، وأصحاب الرأي: تجب نفقتة على ولد ولده، إذا كانا في حال من يجب
لمثله النفقة.
ولا يجب ذلك في قول مالك.
وقال أحمد: يجبر الرجل على نفقة أبيه، وامرأته.
57 - باب وجوب نفقة الولد
(ح 1116) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لهند بنت عتبة، وقد
قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح، وأنه لا يعطيني وولدي ما يكفيني إلا ما
أخذت منه سراً وهو لا يعلم، قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "خذي ما
يكفيك وولدك بالمعروف".
م 2873 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده
الأطفال الذين لا مال لهم.
م 2874 - واختلفوا في وجوب نفقة البالغ الذي لا مال له منهم ولا كسب يستغني
به.
(5/167)
فقالت طائفة: على الأب، أن ينفق على ولده،
ولد الصلب الذكور حتى يحتلموا (1).
فإذا احتلموا لم يلزمه نفقتهم، والنساء حتى يتزوجن، ويدخل بهن أزواجهن، إذا
دخل بها زوجها فلا نفقة بها، وإن طلقها بعد البناء، أو مات عنها فلا نفقة
لها على أمها، فإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها، ولا نفقة لولد الولد
على جدهم، هذا قول مالك.
وقالت طائفة: وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض، والحلم، ثم لا نفقة لهم
عليه إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم، الذكر والأنثى فيه سواء، ما لم يكن
لهم أموال، [2/ 43/ب] وسوى في ذلك ولده، وولد ولده وإن سلفوا، ما لم يكن
لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم.
وإذا زمن الأب والأم انفق عليهما الولد، وكذلك الأجداد، هذا
قول الشافعي.
وقالت طائفة: يفرض عليه نفقة ولده الصغار، والنساء، والرجال الزمنى، فأما
الذين لا زمانة بهم من الرجال، فإنه لا يفرض لهم نفقة، ومن كان منهم رجل به
زمانة أو امرأة غير زمنة دفعت نفقته إليه، هذا قول أصحاب الرأي.
وأوجبت طائفة النفقة لجميع أولاده البالغين، الأطفال من الرجال والنساء،
إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد، على ظاهر قول رسول الله-
صلى الله عليه وسلم - لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". ولم يستثن
ولداً بالغاً دون الطفل،
__________
(1) في الأصل "حتى يحتلم".
(5/168)
فإن أجمع أهل العلم على إسقاط النفقة على
أهل اليسار منهم، سقط بذلك نفقتهم، وكل مختلف فيه، فمردود إلى رسول الله-
صلى الله عليه وسلم -.
58 - باب وجوب النفقات على ذوي الأرحام لليتيم
الذي لا مال له
م 2875 - أجمع عامة أهل العلم على أن نفقة الصبي، وأجر رضاعه إذا توفي
والده، وله مال، أن ذلك في ماله، كذلك قال الحسن البصري، وعبد الله بن
معقل، وعبد الله بن عتبة، وشريح، وعطاء بن أبي رباح، وقبيصة بن ذؤيب،
والنخعي.
وبه قال الزهري، وأبو الزناد، وربيعة، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وروي عن حماد بن أبي سليمان أنه قال: يخرج رضاع الصبي من جميع المال، ثم
يقسم له نصيبه مما بقي، جعله بمنزلة الدين.
وروي عن النخعي أنه قال: إن كان المال قليلاً فمن نصيبه، وإن كان كثيراً
فمن جميع المال.
م 2876 - واختلفوا في الصبي الرفع الذي لا أب ولا جد له.
فقالت طائفة: نفقته وأجور رضاعه على كل ذي رحم محرم، هذا قول أصحاب الرأي.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه حبس عصبة حتى ينفقوا على صبي، الرجال دون
النساء.
وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق وقالوا: إن لم يكن له عصبة ففي بيت المال.
(5/169)
وقالت طائفة: يجبر على نفقته كل وارث، هذا
قول الحسن البصري، ومجاهد، والنخعي، وقتادة، والحسن بن صالح، وابن أبي
ليلى، وأبي ثور.
وفي قول مالك: تكون النفقة على الأب، وليس ذلك على الجد، ويجبر الولد على
نفقة والديه الأدنين خاصة، ولا يجبر على نفقة جده، ولا جدته، ولا يجبر على
ولد ولده.
وكان الشافعي يقول: يجبر الرجل على نفقة ولده وولد ولده وإن سلفوا من [2/
44/ألف] البنين والبنات، ويجبر الرجل على نفقة والديه، وأجداده، وجداته وإن
بعدوا، ولا يجبر على نفقة غير هؤلاء.
والذي به أقول، إيجاب النفقة للوالدين، والولد، دون سائر القرابات.
مسألة
م 2877 - كان الشافعي يوجب على الذمي نفقة زوجته الذمية إذا أسلمت وهي
حامل، حتى تضع حملها، وأجر الرضاع (1).
وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.
59 - باب وجوب الرضاع على المرأة ذات الزوج
لولدها منه
م 2878 - واختلفوا في المرأة ذات الزوج تأبى أن ترضع ولدها منه.
فقالت طائفة: تجبر على رضاعه ما كانت امرأته، هذا قول مالك، وابن أبي ليلى،
والحسن بن صالح، وأبي ثور.
__________
(1) كذا في الأصل، وفي الأوسط 242/ب "وأجر الرضاع بعد وضع الحمل"
(5/170)
وفيه قول ثان (1): وهو أن ليس عليها أن
ترضع ولدها منه، هذا قول أصحاب الرأي، وبه قال الثوري.
وقد حكي عن مالك أنه فرق بين ذات اليسار، وذات الشرف، وبين غيرها، فجعل على
الأب إذا كانت هكذا.
60 - باب جماع أبواب حقوق الزوجين إذا افترقا
وتنازعا الولد
م 2879 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا
ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح.
وممن حفظنا ذلك عنه يحيى الأنصاري، والزهري، ومالك، والثوري، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
وقد روينا عن أبي بكر الصديق أنه حكم على عمر بن الخطاب وقضى بعاصم لأمه أم
عاصم.
وقال حجرها، وريحها، ومسها خير له منك حتى يشب فتختار.
م 2880 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا حق للأم في الولد
إذا تزوجت.
(ح 117) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "هي أحق بالولد
ما لم تتزوج".
__________
(1) في الأصل "ثالث".
(5/171)
61 - باب تخيير
الغلام بين الأبوين
م 2881 - واختلفوا في الوقت الذي غير فيه الولد بين الأبوين.
فقالت طائفة: الأم أحق بالجواري حتى ينكحن ويدخل بهن، وإن حضن، وأما
الغلمان فهي أحق بهم حتى يحتلموا، وإذا بلغوا الأدب أدبهم الأب عند أمهم،
هذا قول مالك.
وقالت طائفة: يخير إذا صار ابن سبع سنين أو ثمان سنين، هكذا قال الشافعي.
قال إسحاق: يخير ابن سبع، [2/ 44/ب] وهو حسن، وقال أحمد: يخير إذا كبر.
وقال أبو ثور: إذا أكل وحده، ولبس وحده، وتوضأ وحده، خير، وبه قال أصحاب
الرأي.
(ح 1118) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خير غلاماً بين
أبويه.
62 - باب الأبوين تختلف داراهما
م 2882 - واختلفوا في الأبوين تختلف داراهما، أو العصبة، والأم، فكان شريح
يقول: الصبية مع أمهم ما كانت الدار واحدة، فإذا افترقت الدار فالأولياء
أحق. وبه قال الشافعي.
وفيه قول ثان: وهو أن كانت رحلة نقلة، قيل للأم: إن شئت فابتغي دارك، وإن
شئت فأنت أعلم، وإن كان أصل النكاح في ذلك
(5/172)
البلد، فأرادت المرأة أن تشخص ولدها من ذلك
المصر، فأبوهم أحق بهم، وإن كان أصل النكاح في غيره، فأرادت المرأة أن تشخص
بولدها، إلى ذلك المصر الذي كان فيه أصل النكاح، كان أمهم أحق بهم، هذا قول
أصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
م 2883 - وإذا خرجت الأم من البلد الذي فيه ولدها، ثم رجعت إليهم، فهي أحق
بولدها في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك لو تزوجت ثم طلقت، أو توفي عنها زوجها، رجعت في حقها من الولد.
63 - باب تنازع القرابات في الولد
م 2884 - أجمع مالك، والشافعي، وأبو ثور، والنعمان على أن الرجل إذا طلق
امرأته ولها منه أولاد صغار، أنها أحق بولدها، ما داموا صغاراً، فإن تزوجت
فإنها أحق بهم إن كان لها أم.
م 2885 - واختلفوا فيه إذا لم يكن لها أم، وكانت لهم جدة هي أم الأب، فقال
مالك: أم الأب أحق إذا لم تكن للصبي خالة.
وقال ابن القاسم: قال مالك وبلغني ذلك عنه أنه قال: الحالة أولى من الجدة
أو الأب.
وفيه قول الشافعي، والنعمان: أم الأب أحق من الخالة.
وفي قول مالك: الجدة من الأب أولى من الأخت، والأخت أولى من العمة، والعمة
أولى ممن بعدها، والأب أولى من الأخت، والعمة، والجدة، والخالة أولى من
الأب.
(5/173)
م 2886 - وقال الشافعي: "وإذا جتمعت (1)
القرابة من وتنازعن (2) في الولد، فالأم [حق] ثم أمها، ثم أمهات أمها وإن
بعدن، ثم الجدة أم الأب، ثم أمها وأمهاتها، ثم الجدة أم أب الأب، ثم أمها
وأمهاتها، ثم الأخت للأب والأم، ثم الأخت للأب، ثم الأخت للأم، ثم الخالة،
ثم العمة".
ولا ولاية لأم، أي [2/ 45/ألف] الأم؛ لأن قرابتها بأب لأيام، ولا حق لأحد
مع الأب غير الأم وأمهاتها. فأما أخواتها وغيرهن فإنما يكون حقهن بالأب.
ولا يكون لهن حق معه وهن يدلين به.
م 2887 - والجد أب الأب يقوم مقام الأب إذا لم يكن أب، وكذلك أبو الأب،
وكذلك العم، وابن العم، وابن عم الأب، والعصبة يقومون مقام الأب، ما لم يكن
أحد أقرب منهم مع الأم وغيرها من أمهاتها.
وقال أبو ثور: لما أجمعوا أنه مع الأم، فإن ماتت الأم فهو مع أقرب الناس من
الأم، ولا يكون لأحد من قبل الأب حق فيه، حتى لا يبقى من قبل الأم أحد، ثم
يصير إلى الأب فيكون من كان أقرب إلى الأب من النساء، كان أولى الأقرب
فالأقرب، وكذلك الرجال.
وإذا اجتمعت الجدة أم الأب والخالة، والعمة، والأخت للأب والأم، فالأخت
للأب والأم أولى به، وذلك أنها أقرب إلى الأم، فإن لم تكن فالأخت للأم، فإن
لم تكن فالخالة أولى بهم، فإن لم تكن فالأخت للأب أحق بهم؛ لأنها أقرب، فإن
ماتت فالجدة
__________
(1) في الأصل "اجتمع" وكذا في الأم.
(2) في الأصل "تنازعوا".
(5/174)
من قبل الأب، فإن تزوجت ولم يكن الزوج جد
الصبي، فالعمة أحق بهم.
وقال النعمان: الأم أحق ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الخالة، ثم العمة،
والأم والجدة التي من قبل الأم، والجدة التي من قبل الأب أحق بالغلام حتى
يستغني، وأحق بالجارية حتى تحيض، والنعمة والخالة أحق بالجارية، والغلام
حتى يستغنيا.
مسائل
م 2888 - واختلفوا في الزوجين يفترقان بطلاق والزوجة ذميه.
فقالت طائفة: لا فرق بين الذمية، والمسلمة، وهي أحق بولدها هذا قول أبي
ثور، وأصحاب الرأي، وابن القاسم صاحب مالك.
وقد روينا حديثاً مرفوعاً موافقاً لهذا القول، وفي إسناده مقال.
وفيه قول ثان: وهو أن الولد مع المسلم منهما، هذا قول مالك، وسوار، وعبيد
الله بن الحسن.
وحكي ذلك عن الشافعي.
م 2889 - واختلف مالك، والشافعي في الأم إذا نكحت، ففي قول مالك: ينقطع
حقها من الولد، إذا دخل بها زوجها.
وفي قول الشافعي: إذا نكحت فقد انقطع حقها.
م 2890 - واختلفوا في الزوجين يفترقان أحدهما حر والآخر مملوك.
فقالت طائفة: الحر أولى، هذا قول عطاء، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.
(5/175)
وقال مالك في الأب إذا كان حراً وله ولد
حر، والأم مملوكة: إن الأم أحق به، إلا أن تباع فتنقل، فيكون الأب أحق به.
م 2891 - واختلفوا في الولد البالغ رجلاً كان أو المرأة، [2/ 45/ب] يريد
الوالد ضمهما إليه ويأبى الولد.
فكان أبو ثور يقول: إذا كانا مؤمنين فهما أحق بأنفسهما، وحكي ذلك عن
الشافعي.
وقال مالك في المرأة إذا زوجها أبوها، وبنى بها زوجها، فهي أحق بنفسها.
وقال أصحاب الرأى: كنحو من قول أبي ثور في الثيب، قالوا: فإن كانت بكراً
مأمونة كانت أو غير مأمونة، فلأبيها ضمها إليه، قالوا: والغلام إذا احتلم،
فلا سبيل للوالد عليه، فإن كان غير مأمون، فللأب أن يضمه إليه، وان يؤويه.
مسائل
م 2892 - واختلفوا في الرجل يخطب إلى القوم، لرجل ذكره، فأنكر المخطوب له
ذلك.
فقال الزهري، وقتادة: على الخطاب نصف الصداق، وقال النعمان كذلك.
وقال محمد: على الرسول المهر كاملاً.
وفيه قول ثان: وهو أن ليس على الخاطب شيء إلا أن يضمن، هذا قول مالك،
والثوري، والشافعي.
(5/176)
وقال أبو ثور: على الرسول نصف الصداق،
ويقال لذلك: طلق، وقال يعقوب، ومحمد: إذا جعل عليه اليمين، فإذا حلف فلا
سبيل عليه.
م 2893 - وقال أبو ثور: وإذا خطب الرجل على رجل غائب لم يأمره، وزوجته
المرأة على نفسها، أو زوجها أبوها، فالنكاح باطل، لا يجوز، أجازه المزوج،
أو لم يجزه، وهذا على مذهب الشافعي.
وبه أقول.
وقال أصحاب الرأي: إذا بلغه فأجاز، فالنكاح جائز.
م 2894 - وإذا وكل رجل رجلاً أن يزوجه بامرأة، ووكلته المرأة أيضاً، جاز أن
يزوجهما في قول أبي ثور، ويشهد على ذلك.
وحكى أبو ثور ذلك عن الكوفي.
قال أبو بكر: وهذا لا يجوز في قول الشافعي.
66 - باب وقت الدخول على النساء
(ح 1119) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة وهي بنت سبع
سنين، وبني بها وهي بنت تسع سنين.
م 2895 - واختلف أهل العلم في هذه المسألة، فكان أحمد، وأبو عبيد يقولان
بظاهر هذا الحديث، وبه قال النعمان.
قال: غير أنا نقول: إن بلغتها ثم لم يكن لها من الجسم والقوة ما تحمل
الرجل، كان لأهلها منعها منه، وإذا لم تكن بلغت التسع، ولها من الجسم
والقوة ما تحتمل الرجل، لم يكن لهم أن يمنعوها منه.
(5/177)
وقال الشافعي: إذا كانت الزوجة جسيمة تحمل
مثلها أن تجامع، يعني خلى بينه [2/ 46/ألف] وبينها، وإن كانت لا تحمل ذلك،
فلأهلها منعها حتى تحمل الجماع.
67 - باب العزل
م 2896 - اختلف أهل العلم في الرجل تكون له الجارية، يعزل عنها، فرخص فيه
جماعة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وممن روينا عنه أنه رخص في ذلك، علي بن أبي طالب، وسعد ابن أبي وقاص، وأبو
أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، والحسن بن
علي، وخباب بن الأرت، وسعيد بن المسيب، وطاووس.
وروينا عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وابن مسعود،
وابن عمر أنهم كرهوا ذلك.
قال أبو بكر: العزل عن الأمة مباح مطلق:
(ح 1120) للثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل كانت له
جارية: "اعتزل
عنها، إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها".
م 2897 - واختلفوا في العزل عن الحرة، والأمة يإذنهما وغير إذنهما، فروينا
عن ابن عباس أنه قال: تستأمر الحرة في العزل، ولا تستأمره السرية، وإن كانت
أمة تحت حر، استأمرها كما استأمر الحرة.
(5/178)
وممن روينا عنه أنه قال تستأمر الحرة، ابن
مسعود، وعطاء، والنخعي.
وقال مالك: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، ويعزل عن الأمة إذا كانت زوجة،
ويعزل عن الأمة إذا كانت زوج بإذن أهلها، ويعزل عن أمته بغير إذن، وبه قال
أحمد في الحرة، وفي الأمة إذا لم تكن زوجته.
وقال النعمان في الأمة الزوجة: الإذن فيه إلى الولي.
قال أبو بكر: يكره أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
68 - باب إتيان النساء أدبارهن
قال أبو بكر:
(ح 1121) في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله لا
يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن".
م 2898 - وقد روينا عن ابن عباس أنه قال في قوله عز وجل: {فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} الأية، يعني الحرث في الفرج، يقول: تأتيها كيف
شئت مقبلة أو مدبرة، على أي ذلك أردت، بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره،
قال: وهو قوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} الآية.
(5/179)
وقال عكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد: هذا
المعنى، وقال مجاهد: إتيان المرأة في دبرها بمنزلة إتيان الرجل بالرجل.
وروي عن طاووس أنه قال: كان بدء عمل قوم لوط، فعل الرجال بالنساء.
وكان الشافعي يحرم دلك.
وقد روينا عن ابن عمر في هذه المسألة [2/ 46/ب] روايتان.
إحداهما في قوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} من حيث شئتم في الفرج.
وروينا عنه غير ذلك.
واختلفت الحكايات فيها عن مالك.
وإذا ثبت الشيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، استغنى به عما سواه.
69 - باب الاستمناء
قال أبو بكر:
م 2899 - واختلفوا في الاستمناء، فحرمت ذلك طائفة، وممن حرمه الشافعي.
واحتج بقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله
{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} الآية.
قال: ولا يحل العمل بالذكر، إلا في زوجة أو ملك يمين.
(5/180)
وبلغني عن مالك أنه سئل عن هذه المسألة،
فتلا هذه الآية.
وروي عن ابن عمر، وعكرمة، أنهما قالا: ذلك فاعل بنفسه.
وعن ابن عباس أنه قال: نكاح الأمة خير منه، وهو خير من الزنا. وكان الحسن
يكره ذلك، ورخص فيه عمرو ابن دينار.
قال أبو بكر: بقول الشافعي نقول، للحجة التي ذكرها.
(5/181)
|