الإشراف
على مذاهب العلماء 53 - كتاب الطلاق
1 - باب مبلغ الطلاق
أخبرنا أبو بكر محمد (1) بن إبراهيم بن المنذر قال:
(ح 1122) روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً قال له: أرأيت
قول الله جل ثناءه: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} الآية فأين الثالثة؟ قال: التسريح بإحسان، الثالثة.
2 - باب إباحة الطلاق
قال أبو بكر:
م 2900 - أباح الله الطلاق في كتابه فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآية.
(ح 1123) وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر، حين سألة عن
طلاق ابن عمر قال: "فإذا طهرت فليطقها إن شاء".
__________
(1) في الأصل "أحمد بن إبراهيم" وهو خطأ.
(5/182)
فدل الكتاب والسنة على أن الطلاق مباح غير
محظور، ودل طلاق النبي- صلى الله عليه وسلم - حفصة على مثل ذلك.
(ح 1124) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه طلق حفصة، ثم راجعها.
وقد روينا أخباراً كثيرة تدل على إباحة الطلاق، وليس في النهي عن الطلاق،
ولا في المنع منه خبر يثبت.
3 - باب وقت الطلاق للعدة التي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ به
قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآية.
(ح 1125) وثبت أن ابن عمر طلق امرأته على عهد رسول الله- صلى الله عليه
وسلم -[2/ 47/ألف]- صلى الله عليه وسلم - وهي حائض تطليقة واحدة، واستفتى
عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فأمره أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم يمهلها حتى تحيض [[عنده]] حيضة،
ثم يمهلها حتى تطهر، فإذا أراد أن يطلق فليطلقها من قبل أن يجامعها.
فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق بها النساء.
قال أبو بكر:
م 2901 - وممن راى من أهل العلم أن الطلاق للسنة، أن يطلقها طاهراً في
[[قبل]] عدتها، ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعطاء
(5/183)
وطاووس، وعمرو بن دينار، وقتادة، وربيعة،
ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي.
وكذلك نقول، والحجة فيه ظاهر كتاب الله، والأخبار الثابتة عن رسول الله-
صلى الله عليه وسلم -، وما لا يعلم أهل العلم يختلفون فيه.
4 - باب الطلاق الذي يكون مطلقه مصيباً للسنة
م 2902 - أجمع أهل العلم على من طلق زوجته طلقة واحدة، وهي طاهرة من حيضة
لم يطلقها فيها، ولم يكن جامعها في ذلك الطهر، أنه مصيب للسنة، وان له
الرجعة إذا كانت الزوجة مدخولاً بها ما لم تنقض العدة، فإذا انقضت العدة
فهو خاطب من الخطاب.
م 2903 - واختلفوا فيمن كان أراد أن يطلقها في هذه الحال ثلاثاً، فقال أكثر
أهل العلم: الطلاق الذي يكون مطلقه مصيباً للسنة أن يطلق إذا كانت مدخولاً
بها طلاقاً يملك فيه الرجعة.
واحتج محتجهم بظاهر قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إلى قوله: {لَا تَدْرِي
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} الآية قال: فأي أمر يحدث
بعد الثلاث؟ قال: ومن طلق ثلاثاً فما جعل الله له مخرجاً، ولا من أمره
يسراً، قال: وهو طلاق السنة الذي أجمع أهل العلم عليه أنه للسنة، قال: فأما
ما زاد على ذلك مما لا رجعة لمطلقة عليها، فليس للسنة إذا كانت
(5/184)
من طلق ثلاثاً، لا يجوز أن يحدث له بعد ذلك
أمراً، فمن فعل ذلك، فقد خالف ما أمر الله به وما سنه رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، وقد أمر الله أن يطلق للعدة، فإذا طلق ثلاثاً، فأي عدة تحصى؟
وأي أمر يحدث؟ وذلك خلاف ما أمر الله.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس،
وابن عمر ما يدل على [2/ 47/ب] ما قلناه، ولم يخالفهم مثلهم، ولو لم يكن في
ذلك إلا ما قالوه، لكان في ذلك كفاية.
وقد كان الشافعي، وأبو ثور يقولان: له أن يطلق ثلاثاً.
5 - باب طلاق الحامل للعدة والوقت فيه
م 2904 - واختلفوا في وقت طلاق الحامل، فقال أكثر من نحفظ عنه منهم: يطلقها
متى شاء، روي هذا القول عن الحسن، وابن سيرين، وطاووس، وحماد بن أبي
سليمان.
وبه قال مالك، وربيعة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور.
وقال النعمان، ويعقوب: إن شاء طلقها أخرى بعد ما مضى شهر بين التطليقة
الأولى، ثم يطلقها تطليقة أخرى بعدما مضى شهر آخر، فقد بانت منه بثلاث،
وأجلها أن تضع حملها.
وفي قول محمد: طلاق الحامل للسنة تطليقة واحدة، لا يقع عليها وهي حامل أكثر
من واحدة للسنة، ثم يدعها حتى تضع حملها، وهذا قول زفر.
(5/185)
وفي هذه المسألة ثلاثة أقاويل سوى ما
ذكرناه.
أحدها: أنها تطلق عند الأهلة، هذا قول الشعبي، وقتادة.
والقول الثاني: كراهية أن تطلق وهي حامل، روي ذلك عن الحسن.
والقول الثالث: قاله الأوزاعي قال: طلاق الحامل للسنة أن يطلقها في أول
حملها، كراهية أن تطول عليها العدة.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
(ح 1126) لحديث النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال في طلاق ابن عمر، قال
ابن عمر: [[مره]] فليراجعها، ثم يطلقها، وهي طاهر أو حامل.
6 - باب طلاق اللواتي يئسن من المحيض واللواتي
لم يحضن
م 2905 - واختلفوا في وقت طلاق اللاتي يئسن من المحيض، واللاتي لم يحضن.
فقالت طائفة: طلقتان عند الأهلة، روي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز،
والشعبي، ومكحول، والزهري.
وفي قول أصحاب الرأي يطلقها في أي الشهر شاء.
وقال أبو ثور: يتركها شهراً لا يطأها، وإذا انقضى الشهر، أوقع عليها من
الطلاق ما شاء.
وفي قول مالك، والشافعي: يطلقها متى شاء ما شاء، غير أن مالكاً قال: لا
يبتعها طلاقاً حتى تحل، وفي قول الشافعي: جائز أن يتبع طلاقاً في أثر طلاق
حتى تنقضي العدة.
قال أبو بكر: يطلقها طلقة [2/ 48/ألف] واحدة متى شاء.
(5/186)
7 - باب الطلاق لغير
العدة وما يلزم المطلق منه
قال أبو بكر:
م 2906 - طلق ابن عمر امرأته حائضاً، فاحتسب بالتطليقة.
وممن مذهبه أن الحائض يقع بها الطلاق، الحسن البصري، وعطاء ابن أبي رباح،
وبه قال مالك، والثوري، وأصحاب الرأي، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي،
وأبو ثور، وكل من نحفظ عنه من أهل العلم، إلا ناساً من أهل البدع لا يقتدى
بهم (1).
جماع أبواب الطلق المبتوت فيه وما فيه من
الأحكام
8 - باب طلاق الثلاث قبل الدخول بالمرأة
م 2907 - أجمع أهل العلم على أن من طلق زوجته في أن يدخل بها تطليقة، أنها
قد بانت منه، ولا تحل له إلا بنكاح جديد، ولا عدة له عليها.
م 2908 - واختلفوا في الرجل يطلق غير الدخول بها ثلالاً بلفظه واحدة.
فقالت طائفة: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، كذلك قال ابن عباس، وأبو
هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله ابن عمر، وأنس بن مالك، وابن
مسعود.
وبه قال سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وابن معقل، وعكرمة، والنخعي، والشعبي،
وسعيد بن جبير، والحكم، ومالك،
__________
(1) وفي الحاشية: "بقولهم".
(5/187)
وابن أبي ليلى، والثوري، والأوزاعي،
والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وروي ذلك عن علي، وزيد.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وكان سعيد بن جبر، وطاووس، وأبو الشعثاء، وعطاء، وعمرو بن دينار يقولون: من
طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة.
واختلفت الأخبار عن ابن عباس، فروى طاووس عنه أنه قال: كان الطلاق على عهد
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق
الثلاث واحدة.
وروى سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية
طاووس عنه.
9 - باب افتراق الطلاق الثلاث قبل الدخول
م 2909 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته التي لم يدخل بها: أنت طالق، أنت
طالق، أنت طالق.
فقالت طائفة: تبين بالأولى واللتان اتبعتا (1) ليستا بشيء.
روينا هذا القول عن [2/ 48/ب] النخعي، وأبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث،
وعكرمة، وحماد بن أبي سليمان، والحكم، وذكره الحكم عن علي، وابن مسعود،
وزيد.
وبه قال سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي.
__________
(1) في الأصل "اتبع".
(5/188)
وكذلك نقول، لأن الأولى لما وقعت لم تكن في
عدة، فتقع عليها الثانية، والثالثة.
وفيه قولان: وهو أنه إذا تابع بين كلامه، طلقت ثلاثاً، ولم تحل له حتى تنكح
زوجاً غيره، كذلك قال الأوزاعي، والليث بن سعد، ومالك. وقال مالك: إذا لم
تكن له نية.
10 - باب الطلاق الثلاث المفترقة بعد الدخول
م 2910 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته الدخول بها: أنت طالق، أنت طالق،
أنت طالق.
فقالت طائفة: إن أراد واحدة منه واحدة، هذا قول الحكم، وحماد، وقتادة.
وفيه قول ثان: وهذا إن أراد تبين الأولى فهي واحدة، وإن أراد إحداث طلاق
بعد الأولى فهو ما أراد، وإن أراد بالثالثة تبين الثانية فهي اثنتان، وإن
أراد طلاقاً ثلاثاً فهي ثالثة، وإن مات قبل أن يسأل فهي ثلاث، هذا قول
الشافعي.
وفيه قول ثالث: وهو أنه يدين فيها بينه وبين الله إذا قال: أنت طالق، أنت
طالق، وفي الحكم اثنتان، وهذا قول الثوري، وأبي ثور.
11 - باب الرجل يطلق امرأته وينوي ثلاثاً
م 2911 - اختلف أهل العلم في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق وهو ينوي
ثلاثاً.
(5/189)
فقالت طائفة: هي واحدة، وهو أحق بها، هذا
قول الحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأبي ثور، وأصحاب
الرأي.
وقال آخرون: إذا نوى ثلاثاً فهو ثلاث، هذا قول مالك، والشافعي، وإسحاق،
وأبي عبيد.
وبه نقول.
(ح 1127) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: الأعمال بالنية.
م 2912 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من طلق زوجة أكثر من
ثلاث، إن ثلاثاً منها تحرمها عليه.
روي معنى هذا القول عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر.
وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد.
جماع أبواب الكنايات عن الطلاق والأسماء التي
يكنى بها
12 - باب الكناية عن الطلاق بقوله: اعتدّي
م 2913 - واختلفوا في الرجل يقول لزوجته: [2/ 49/ألف] اعتدّي، فقال ابن
مسعود، وعطاء، والنخعي، ومكحول، والأوزاعي: يكون تطليقة.
(5/190)
وقال الحسن البصري، والشافعي: إن أراد
طلاقاً فهو طلاق، وإن لم يرد طلاقاً فليس بشيء، وبه قال الثوري، والأوزاعي.
وقال مالك: ذلك إلى نيته إلا أن يقول: لم أنو شيئاً. فأراها واحدة.
وقال أصحاب الرأي: إن نوى واحدة فهي واحدة يملك الرجعة، وإن نوى ثلاثاً فهي
واحدة يملك الرجعة.
م 2914 - واختلفوا فيمن قال لامرأته: اعتدى، وأراد ثلاثاً، فقال الشعبي،
والثوري، وأحمد: تكون واحدة.
وقال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: ذلك إلى نيته، ففي هذا القول إن أراد
ثلاثاً كان ثلاثاً.
م 2915 - واختلفوا فيمن قال لامرأته: اعتدّي، اعتدّي، اعتدّي فقال قتادة:
هي ثلاث، إلا أن يقول: كنت أفهمها الأولى، فيكون كما قال.
وقال الحكم، وحماد: هي واحدة، وكذلك قالا: إذا قال: أنت طالق، أنت طالق،
أنت طالق، ينوي واحدة، فهي واحدة.
وقال مجاهد: إن قال: لم أراد إلا واحدة، فإنه يدين، فإن كان أراد بالثلاث
واحدة، فهي واحدة، وإن أراد بكل واحدة تطليقة، فقد بانت مه.
قال أبو بكر: وهذا على مذهب الشافعي، غير أن الشافعي يقول: وإن لم يرد
طلاقاً فليس بطلاق.
وقال أصحاب الرأي: إن نوى تطليقة واحدة بهن جميعاً، فهو كذلك فيما بينه
وبين الله. وأما في القضاء: فهي ثلاث، ولا يسع امرأة أن تقيم معه إذا سمعت
ذلك منه.
(5/191)
وإذا قال: نويت بالأولى الطلاق، والاثنين
عدة، فهو مصدق في القضاء فيما بينه وبين الله.
واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق فاعتدي، وأنت طالق فاعتدي، فكان
الحسن البصري يقول: إذا قال: أنت طالق فاعتدي (أنت طالق فاعتدي) (1) فهما
اثنتان، وإن قال: أنت طالق فاعتدي، فهي واحدة وهو أحق بها.
وقالت طائفة: هي واحدة وينوي في قوله: فاعتدي، هذا قول الأوزاعي، والشافعي،
وأبي عبيد، وأصحاب الرأي، وبه قال حماد ابن أبي سليمان.
وقال قتادة: إذا قال: أنت طالق فاعتدي، فهما ثنتان.
13 - باب الخلية، والبرئية والبائن، والبتة
يكنى بهن عن الطلاق
م 2917 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت خلية، أو برئية، أو بائن.
فقالت طائفة: هي ثلاث، [2/ 49/ ب]، روي هذا القول عن علي بن أبي طالب،
والحسن البصري.
وقال ابن عمر في الخلية، والبرئية، والبتة: هي ثلاث، وعن زيد بن ثابت في
البرئية ثلاث، وقال عمر بن عبد العزيز في البتة ثلاث.
__________
(1) ما بين القوسين ليس في الأصل، والصحيح إثباته.
(5/192)
وقال الزهري في قوله: أنت بائنة، أو أنت
برئية، أو أنت طالق، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وقال في أنت خلية:
تطليقة، وهو أملك بها.
وقال ابن أبي ليلى، وأبو عبيد في الخلية والبرئية، والبائنة: أنها ثلاث،
ثلاث في المدخول بها.
وفيه قول ثان: إذا قال لامرأته: أنت خلية، أو برئية، أو بائنة، أو بتة
ثلاثاً للمدخول بها، كل واحدة منهن، ويدين في التي لم يدخل بها، تطليقة
واحدة أراد، أم ثلاثاً، فإن قال واحدة، كان خاطباً من الخطاب، هذا قول
مالك.
وقال ربيعة في الخلية والبرئية، والبائنة: بمنزلة البرئية إن كان دخل بها،
فهي البتة، وإن لم يدخل بها، فهي واحدة.
وفيه قول ثالث: وهو أنها واحدة، وهو أحق بها في البرئية، والبتة، والبائنة،
هذا قول عطاء، وكذلك قال الحسن، والزهري، وقتادة في الحلية.
وقال أبو ثور في الخلية والبرئية، والبائن، والبتة، في كل واحدة منها
تطليقة، يملك الرجعة ولا يسألة عن نيته.
وفي البرئية، والبائنة، والبتة لا والخلية قول رابع: وهو أنها واحدة بائنة،
هذا قول النخعي.
وفيه قول خامس: وهو أن ذلك إلى نيته يدين، هذا قول عمرو بن دينار، وبه قال
إسحاق.
وفيه قول سادس: وهو أن ذلك لا يكون طلاقاً حتى يقول: أردت بمخرج الكلام مني
طلاقاً، فيكون طلاقاً، هذا قول الشافعي.
(5/193)
وفيه قول سابع في البتة، و"الخلية"
والبرئية، والبائنة، يسأل عن نيته في ذلك، فإن كان نوي ثلاثاً فهي ثلاث،
وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة، وهي أحق بنفسها، فإن شاء خطبها في عدتها،
وإن نوى ثنتين، يكون واحدة، ولا يكون ثنتين، وهي أحق بنفسها.
هذا قول الثوري، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول.
14 - باب قول الرجل لأمرأته: أنت طالق البتة
م 2918 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق البتة.
فقالت طائفة: هي واحدة يملك الرجعة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب، [2/ 50/ألف]
وسعيد بن جبير، وقال عطاء: إن أراد واحدة، فواحدة، وإن أراد ثلاثاً فثلاث،
وبه قال الشافعي.
وقالت طائفة: يكون ثلاثاً، روي ذلك عن علي، وبه قال ابن عمر، وسعيد بن
المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، والزهري، ومالك، وابن أبي
ليلى، والأوزاعي، وأبو عبيد.
وفيه قول ثالث: قال النخعي: كانوا يقولون: إن نوى ثلاثاً فثلاث، وإن نوى
واحدة فواحدة يملك نفسها.
وفيه قول رابع: وهو أن يسأل من قال: أنت طالق البتة عن نيته، فإن نوى بها
ثنتين كانتا تطليقتين، وإن أراد البتة بالتطليقة الأولى فهي واحدة بائنة،
وإن نوى ثلاثاً فهي ثلاث، وإن لم يكن له نية فهي واحدة بائنة، هذا قول
أصحاب الرأي.
قال أبوبكر: بالقول الأول أقول.
(5/194)
15 - باب الكنايات
عن الطلاق بقوله: لله إلحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا سبيل لي عليك لله،
وما أشبه ذلك
م 2919 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: الحقي بأهلك.
فقالت طائفة: إن نوى طلاقاً فهو طلاق وهو أحق بها، وإن لم يرد طلاقاً فليس
بشيء، هذا قول الحسن، والشعبى، ومالك، والشافعي كذلك مذهبه. وقال عكرمة:
إذا أراد الطلاق فواحدة وهو أحق بها.
وفي قول ثان: وهو إن أراد الطلاق ثلاثاً فهو ثلاث، وإن أراد واحدة فواحدة
بائنة، وإن لم ينو شيئاً فلا شيء، هذا قول الثوري.
وقال أصحاب الرأي كما قال الثوري، غير أنهم قالوا: إن نوى اثنتين، فهي
واحدة بائنة، لأنها كلمة واحدة، وقال الزهري: إذا قال الحقي بأهلك، تطليقة.
م 2920 - وقد روينا عن عمر، وعلي أنهما قالا في قوله: "حبلك على غاربك":
يستحلف ما أراد.
وقال أصحاب الرأي: إن أراد طلاقاً فهو طلاق، وإن لم يرد طلاقاً فليس بشيء،
وهذا مذهب الشافعي.
وقال أبو عبيد، وأبو ثور: تكون تطليقة يملك الزوج الرجعة.
(5/195)
وقال مالك: لا أرى أن ينوي أحد في حبلك على
غاربك؛ لأن هذا لا يقوله أحد وقد بقى من الطلاق شيئاً.
م 2921 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: لا سبيل لي عليك، فقال الحسن،
والشعبى: إن نوى طلاقاً فهي واحدة، وهو أحق بها، وإن لم ينوا طلاقاً فلا
شيء عليه.
وبه قال أصحاب الرأي، وقال قتادة: تكون واحدة، وما نوى.
وقال أبو عبيد: [2/ 50/ب] تكون واحدة، يملك فيها الزوج (1) الرجعة، إلا أن
يريد ثلاثاً.
وقال الشافعي: إذا قال أنت طالق وقد فارقتك، أو قد سرحتك، يلزم الطلاق في
كل واحد منهما، ولا ينوي في الحكم.
وقال في سائر الكنايات إن أراد الطلاق فهو طلاق، وإن لم يرد شيئاً حلف، ولا
يلزمه شيء.
وقال إسحاق: كل كلام يشبه الطلاق، يريد به الطلاق فهو على ما نوى.
16 - باب الكناية عن الطلاق بهبة الرجل زوجته
لأهلها
م 2922 - واختلفوا في الرجل يقول لزوجته: قد وهبت لأهلك.
فقالت طائفة: إن قبولها فواحدة بائنة، وإن لم يقبلوها فواحدة وهو (2) أحق
بها، هذا قول النخعي، وروي ذلك عن علي.
__________
(1) في الأصل "الزوجة"
(2) في الأصل "وهي".
(5/196)
وفيه قول ثان: وهو أنهم إن قبلوها فواحدة
يملك الرجعة، وإن لم يقبلوها فليس بشيء، هذا قول ابن مسعود، وعطاء،
والزهري، ومكحول، ومسروق، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثالث: وهو أنهم إن قبلوها فثلاث، وإن لم يقبلوها فواحدة يملك
الرجعة، روي هذا القول عن زيد بن ثابت، وبه قال الحسن البصري.
وفيه قول رابع: وهو أنهم إن قبلوها فثلاث وإن لم يقبلوها فثلاث
هذا قول ربيعة، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد، ومالك.
وفيه قول خامس: وهو أن ذلك تطليقة قبلوا أو ردوا، كذلك قال الأوزاعي.
وفيه قول سادس: وهو إن أراد طلاقاً فهو طلاق، وما أراد من عدد الطلاق،
قبلوها أو لم يقبلوها، وإن لم يرد طلاقاً فليس بطلاق، هذا على مذهب
الشافعي.
وفيه قول سابع: وهو أن يسأل عن نيته، فإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة، وإن
نوى ثنتين فهي واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثاً فثلاث، وإن لم ينو طلاقاً لم
يقع عليه الطلاق، وذلك أن قال: قد وهبتك لأهلك قبلوها أو لم يقبلوها، هذا
قول أصحاب الرأي.
وفيه قول ثامن: وهو إن كان وهبها لهم وهو ينتظر رأيهم، فالقضاء ما قضوا،
وإن كان وهبا لهم وهو لا ينتظر رأيهم فهو طلاق البتة، هذا فول الليث بن
سعد.
وفيه قول تاسع: وهو إن هذا ليس من ألفاظ الطلاق فلا يقع شيء، هذا قول حكاه
أبو عبيد عن طائفة من أهل الكلام، وقال أبو ثور كذلك، قال: إلا أن يكون
لأهل العلم في ذلك قول فيصر إليه.
(5/197)
قال [2/ 51/ألف] أبو عبيد: إن قبلوها فهي
واحدة يملك رجعتها، وإن أراد ثلاثاً وقبلوها، فهي ثلاث، وإن لم يقبلوها فلا
شيء.
قال أبو يكر: الذي حكيته من هذهب الشافعي، صحيح.
17 - باب الكناية عن الطلاق، يقول الرجل
لزوجته: أنت حرة
م 2923 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت حرة، ويقول: قد اعتقتك، قال
عطاء: إن أراد طلاقها فهو طلاق، وإلا فليس بشيء.
م 2924 - وقال الحسن: إذا قال لامرأته: أنت عتيقة وهو ينوي الطلاق، فهي
واحدة وهو أحق بها، وهو قول قتادة، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي،
وإسحاق.
وقال النعمان: إن أراد ثلاثاً فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائن، إن نوى
طلاقاً ولم ينو عدداً فهي واحدة بائن، وبه قال الحسن، وقال: إن لم ينو
طلاقاً فليس بشيء.
وقال الثوري: إن نوى ثلاثاً فهو كما نوى، وإن نوى واحدة فهو (1) أحق
بنفسها.
وقال أبو عبيد: تطليقة يملك فيها الرجعة إلا أن يريد ثلاثاً.
قال أبو بكر: كما قال الحسن أقول، وإن لم يرد طلاقاً فليس بشيء.
__________
(1) في الأصل "وهي".
(5/198)
18 - باب الكناية عن
الطلاق، يقول الرجل: أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير
م 2925 - اختلف أهل العلم في الرجل يقول لامرأته: أنت على كالميتة، والدم،
ولحم الخنزير.
فقال مالك: أراها البتة إن لم يكن له نية، ولا تحل هذا إلا بعد زوج.
وقال الزهري: إذا أراد طلاقاً فهو على ما أراد، وإن قال: لم أرد طلاقاً فهي
تطليقة يملك الرجعة.
وقال الليث: يدين فيهما ويحلف على ما قال.
وفي قول الشافعي: إن أراد طلاقاً فهو طلاق وما أراد من عدد الطلاق، وإن لم
يرد طلاقاً فليس بشيء بعد أن يحلف.
وقال أصحاب الرأي: إن أراد الكذب فهو الكذب وليس بشيء، وإن أراد التحريم
بغير طلاق فهي تبين، فإن تركها أربعة أشهر بانت منه بإيلاء، وإن لم ينو
اليمين ونوى الطلاق، فالقول فيه كالقول في الطلاق.
19 - باب طلاق الحرج
م 2926 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق طالق الحرج، روينا عن
علي أنه قال: [2/ 51/ب] يلزمه ثلاثاً، وبه قال الحسن.
وقال الزهري مرة: هو ثلاث.
ومرة قال: هو ما نوى.
(5/199)
وقال الثوري، وإسحاق: ذلك إلى نيته، وهو
يشبه مذهب الشافعي.
وكذلك أول.
20 - باب الحرام وما فيه من الكناية عن الطلاق
م 2927 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت علي حرام.
فقالت طائفة: الحرام ثلاث، روي ذلك عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عمر.
وبه قال الحسن البصري، والحكم، ومالك، وابن أبي ليلى.
وقالت طائفة: كفارة يمين، روي هذا القول عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود،
وابن عباس، وعائشة.
وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، وطاووس، وسليمان بن يسار، وسعيد بن
جبير، وقتادة، والأوزاعي، وأبو ثور.
وفيه قول ثالث: وهو أن عليه كفارة الظهار، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن
جبير، وأبي قلابة، وأحمد.
وفيه قول رابع: وهو إن أراد طلاقاً فهو طلاق، وإلا فهي يمين، روي هذا القول
عن ابن مسعود، وابن عمر.
وبه قال النخعي، وطاووس، والشافعي، وقال إسحاق معنى ذلك.
وفيه قول خامس: إن ذلك ما نوى، ولا يكون أقل من واحدة، هذا قول الزهري.
وفيه قول سادس: وهو أن ذلك تطليقة بائنة هذا قول حماد ابن أبي سليمان.
(5/200)
وفيه قول سابع: رويناه عن علي أنه قال: لا
آمرك أن تتقدم ولا آمرك أن تتأخر.
وفيه قول ثامن: يروى عن النخعي رواية أخرى أنه قال: إن نوى طلاقاً وإلا
فليس بشيء.
وفيه قول تاسع: قاله مسروق، وهو أنه مثل تحريم قصعة من شراب، وبه قال أبو
سلمة بن عبد الرحمن، وروينا عن الشعبي أنه قال: ليس بشيء.
وفيه قول عاشر: وهو أنه إذا نوى ثلاثاً فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة،
وإن نوى يميناً فهوي يمين يكفرها، وإن لم ينو شيئاً فليس بشىء، هي كذبة،
هذا قول الثوري، وبه قال أصحاب الرأي.
غير أنهم قالوا: إن نوى اثنين فهي واحدة بائنة، وإن نوى طلاقاً ولم يرد
عدداً منه فهي واحدة.
قال أبو بكر: إن أراد الطلاق لزمه ما أراد من عدد الطلاق، وإن لم يرد عدداً
من الطلاق وأراد طلاقاً فهوي واحدة يملك الرجعة، وإن أراد الظهار فعليه
كفارة الظهار [2/ 52/ألف]، لأنها تشبه كنايات الطلاق، والكنايات عن الظهار،
وإن لم يرد طلاقاً ولا ظهاراً فليس بشيء.
21 - باب الطلاق بلسان العجم
م 2928 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن العجمي إذا طلق بلسانه
وأراد الطلاق، أن ذلك لازم.
(5/201)
وممن حفظنا ذلك عنه الشعبي، والنخعي،
والحسن البصري ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، وزفر.
وقال النخعي، والنعمان في قوله: "بهشتم" كلمة بالعجمية، إذا لم يرد طلاقاً
فليس بشيء، وقال النعمان: ويلزمه في القضاء.
وقال زفر: إذا قال: "بهشتم" فهي تطليقة بائنة، وقال أحمد: أقل ما يكون
تطليقة.
قال أبو بكر: إذا قال العجمي لامرأته: "بهشتم" فإن ذلك عندهم تصريحاً مثل
تصريح الطلاق بلسان العرب، لزمه الطلاق، ولم يقبل منه غير ذلك، لأنهم وسائر
الناس في أحكام الله سواء.
22 - باب إنكار الرجل أن تكون له زوجة وهو ينوي بقوله ذلك طلاقاً، أو لا
نية له
م 2929 - واختلفوا في الرجل تكون له الزوجة فيقال له: ألك زوجة؟ فيقول: لا،
فقال الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، والحكم، وقتادة: هى كذبة، وبه قال
يعقوب، ومحمد، وبه قال الزهري، ومالك، إذا لم يرد طلاقاً. وقد روينا عن
يوسف بن الحكم أنه قضاها واحدة، وقال سعيد بن المسيب: ما أبعد.
وقال النعمان: إذا قال لها: ليست لي بامرأة، فهو كما قال في الخلية،
والبرئية، وقال حماد بن أبي سليمان: إن نوى الطلاق فهي
(5/202)
واحدة، وقال النخعي، وحماد: إذا قال الرجل:
قد طلقت، ولم يطلق، فقد طلق.
قال أبو بكر: قول الحسن صحيح.
23 - باب الطلاق بالكتاب من غير لفظ الطلاق
م 2930 - واختلفوا في الرجل يكتب إلى امرأته بطلاقها.
فقالت طائفة: إذا كتب الطلاق بيده فقد وجب، كذلك قال الشعبي، والنخعي،
والزهري، والحكم، واحتج الحكم بأن الكتاب كلام بقوله: {فَأَوْحَى
إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} الآية قال: كتب لهم.
وبه قال أحمد، قال قد عمل بيده.
وفيه قول ثان: وهو إن نفذ الكتاب [2/ 52/ب] إليها نفذ الطلاق، هذا قول
عطاء، وقتادة.
وقال الحسن: ليس بشيء إلا أن يمضيه أو يتكلم به، وكذلك قال الشعبى، وقال
مالك، والأوزاعي: إذا كتب إليها وأشهد على كتابه ذلك، ثم بدأ له، فله ذلك،
ما لم يوجه الكتاب، فإذا وجه إليها فقد طلقت في ذلك الوقت، إلا أن يكون نوى
أنها لا تطلق عليه حتى يبلغها كتابه.
وقال مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد في رجل قال: اذهب إلى فلانه فبشرها
بطلاقها، قالوا: تبين.
(5/203)
وفيه قول ثالث: روي عن الحسن أنه قال: إن
شاء رجع فيه ما لم يصل إليها الكتاب.
وفيه قول رابع: روي عن حماد بن أبي سليمان قال: إذا قال: إذا أتاك كتابي
فأنت طالق، فإن لم يأتها الكتاب، فليس بطلاق، فإذا كتب: أما بعد فأنت طالق،
فهي طالق.
وقال أبو عبيد نحواً (1) من قول حماد.
جماع أبواب النيات في الطلاق
24 - باب الطلاق بالنية، والعزم من غير منطق به
م 2932 - اختلف أهل العلم في الرجل يعزم على طلاق المرأة، ويطلقها في نفسه،
فقال كثر من أهل العلم: ليس بشيء، كذلك قال عطاء ابن أبي رباح، وجابر،
وسعيد بن جبير، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وروى
ذلك عن القاسم، وسالم، والشعبي، والحسن.
وقال ابن سيرين في رجل طلق امرأته في نفسه: أليس قد علمه الله؟.
وقال الزهري: إذا عزم على ذلك فقد طلقت لفظ به أو لم يلفظ به.
وإن كان إنما هو وسوسة الشيطان، فليس بشىء.
وقيل لمالك: فيمن طلق في نفسه ولم ينطلق به بلسانه، أتراه طلاقاً؟ قال: نعم
في رأي، وما هو وجه الطلاق، ولم يذكر هذا غير أشهب، وأحسبه مختلفاً فيه
عنه.
__________
(1) الأصل "نحو من قال حماد".
(5/204)
قال أبو بكر: لا يلزم من أضمر الطلاق في
نفسه الطلاق لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال:
(ح 1128) " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو
يعملوا".
25 - باب طلاق الرجل إحدى نسائه لا نية له فيها
م 2933 - اختلف أهل العلم في الرجل يطلق إحدى نسائه بغير عينها، فقال قتادة
ومالك: يطلقن (1) جميعاً، إذا كان طلاقه ثلاثاً.
وفيه قول ثان: وهو أن يختار أيتهن [2/ 53/ألف] شاء، فيوقع عليها، هذا قول
حماد بن أبي سليمان، والثوري.
وفيه قول ثالث: وهو أن يعتزلهن وينفق عليهن حتى يقول التي أراد (2): هذه
والله، ما أردت غيرها، كذلك قال الشافعي.
وفيه قول رابع: وهو أن يؤمر أن يطلقهن ولا يعضلهن، إذا أبى ذلك جعل لهن حكم
المولى، هذا قول أهل الكلام (3).
__________
(1) في الأصل "يطلقان".
(2) في الأصل "أردت" والصحيح ما أثبته.
(3) كان في الأصل "العلم" والتصحيح من الحاشية.
(5/205)
وفيه قول خامس: وهو أن يقرع بينهن، روي ذلك
عن الحسن، وبه قال أبو ثور.
وفيه قول سادس: وهو إن كان اعتقد في نفسه خياراً إلى وقت كان ذلك، وإن كان
جعله طلاقاً بحتاً، فحكم هذه كحكم مطلقة بعينها ثم التبست عليه معرفتها،
هذا قول أبي عبيد.
م 2934 - واختلفوا في هذا الطلاق (1) إذا أحدث بنكاح خامسة، ثم مات قبل أن
يبين التي طلق.
فقالت طائفة: للتي تزوج أخيراً ربع الثمن، وما بقي بين الأربع نسوة.
هذا قول الشعبي، والنخعي، وعطاء الخراساني.
وزعم أبو عبيد أنه قول أهل الحجاز والعراق جميعاً وقال: عليهن العدة معاً.
وفيه قول ثان: وهو أن تعطى التي تزوجها أخيراً ربع الثمن إن كان له ولد،
وتوقف ثلاثة أرباع الثمن بين الأربع الأول حتى يصطلحوا، هذا قول الشافعي.
وفيه قول ثالث: وهو أن يقرع بينهن، إذا خرجت واحدة، أخرجت من الميراث وورثت
البواقي، هذا قول أحمد.
قال أبو بكر: يريد بالاقراع الأربع الأول، فأما الأخيرة فلا أعلم أحداً
يمنعها من ربع الثمن (2).
__________
(1) في الأصل "الطلق".
(2) كذا في الأصل، وفي الحاشية "ربع الميراث".
(5/206)
26 - باب الرجل يقصد
طلاق زوجة له بعينها فيوقع الطلاق على أخرى يحسبها التي قصد
م 2935 - اختلف أهل العلم [[في]] الرجل تكون له امرأتان، في إحداهما عن
الخروج فخرجت التي لم ينهها، فظن أنها التي نهاها، فقال: فلانة! أخرجت؟
فأنت طالق، فكان الحسن البصري، والزهري، وأبو عبيد، يقولون: تطلق التي
أراد.
ويشبه مذهب الشافعي أن يدين فيما بينه وبين الله، فأما الأحكام فإن ثبتت
بينة بأنه خاطب ذلك لزمه الطلاق في الأحكام، ويلزمه طلاق أخرى فيما بينه
وبين الله.
وفيه قول ثان: وهو أنهما تطلقان جميعاً، هذا قول النخعي، وقتادة،
والأوزاعي، [2/ 53/ب] وقال أصحاب الرأي: يلزمه طلاق التي خاطبها، فإن قال
نويت الأخرى، وقع عليهما جميعاً.
وقال أبو ثور: الطلاق على التي أراد.
27 - جماع أبواب الخيار وما فيها من السنن
(ح 1129) ثبت عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
بتخير نسائه بدأ بي فقال: إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك وان لا تعجلي حتى
تستأمري أبويك (1)، ثم تلا هذه الآية، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا} إلى قوله {سَرَاحًا جَمِيلًا} الآية.
__________
(1) في الأصل "أبيك".
(5/207)
فقالت: ففي أي هذا استأمر أبوي؟ فإني أريد
الله ورسوله، والدار الآخرة. قالت عائشة: ثم فعلت أزواج رسول الله- صلى
الله عليه وسلم - مثل ما فعلت، فلم يكن ذلك حين قال لهن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فاخترته طلاقاً من أجل أنهن اخترنه.
م 2936 - واختلفوا في الرجل يخير زوجته فقال: أمرها بيدها، فإن قامت من
مجلسها فلا خيار لها، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان،
وابن مسعود.
وفي أسانيدها مقال.
وبه قال جابر بن عبد الله، وعطاء، وحماد بن زيد، ومجاهد، والشعبي، والنخعي،
ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره، حتى تقضي فيه،
هذا قول الزهري، وقتادة، وبه قال أبو عبيد، وابن نصر.
وكذلك نقول، ويدل على صحته:
(ح 113) قول النبي- صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "فلا تعجلي حتى تستأمري
أبويك".
(5/208)
28 - باب الخيار
تختار فيه المرأة الزوج
م 2937 - اختلف أهل العلم في الرجل يخير امرأته فتختار زوجها.
فقالت طائفة: لا يكون ذلك شيء، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعلي،
وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت.
وبه قال عمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والثوري، وأحمد،
وأبو عبيد، وأبو ثور، وهو مذهب الشافعي.
وفيه قول ثان: روي عن الحسن أنه قال: إن اختارت زوجها فواحدة، وهو أحق بها،
روي ذلك عن علي، [2/ 54/ألف]، وزيد.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
29 - باب الخيرة تختار نفسها
م 2938 - واختلفوا في الرجل يخير امرأته فتختار نفسها.
فقالت طائفة: تكون واحدة وهو أحق بها، روي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وابن
عباس. وبه قال عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، والثوري، والشافعي، كذلك
إذا أراد الطلاق.
وقال أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور: تكون واحدة يملك الرجعة.
وفيه قول ثان: وهو أنها إذا اختارت نفسها تكون واحدة بائنة.
روي هذا القول عن علي، وبه قال النعمان، وأصحابه.
(5/209)
وفيه قول ثالث: وهو أنها إذا اختارت نفسها
يكون ثلاثاً، روي هذا القول عن زيد بن ثابت، وبه قال مالك، والليث بن سعد،
والحسن البصري.
30 - باب الخيار يكرره الزوج مراراً
م 2939 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: اختاري، اختاري، اختاري، فتختار
مرة واحدة.
فقالت طائفة: يكون ثلاثاً، وإذا خيرها مرة فاختارت ثلاثاً فهي واحدة.
روينا هذا القول عن النخعي، والشعبي.
وفي قول مالك: إذا قال لها: اختاري، اختاري، اختاري، قد ملكتك أمرك، قد
ملكتك أمرك، فقالت: قد قبلت أمري، فقال: أراها البتة. وقال أصحاب الرأي:
يكون ثلاثاً.
وقال عطاء: تكون واحدة، وقال أبو ثور: تكون تطليقة يملك الرجعة.
31 - مسائل من هذا الباب
م 2940 - كان أحمد يقول في الخيار: إذا أخذوا في غير المعنى الذي كانوا
فيه، فليس لها من الأمر شيء، وبه قال إسحاق.
وقال أحمد: إذا خيرها، ثم غشيها ذهب الخيار.
(5/210)
م 2941 - وقال الثوري: إذا خيرها وهي
جالسة، فقامت، فلا أرى لها خياراً، وإن خيرها وهي قائمة فجلست فلها الخيار،
وبه قال أصحاب الرأي.
وقال جابر بن زيد: إذا قامت قبل أن تختار ليس لها خيار.
م 2942 - وقال أصحاب الرأي: إذا كان على دابة فخيرها، فإن سارت بعد الخيار
فلا خيار لها، وبه قال أبو ثور.
م 2943 - واختلف أصحاب الرأي، وأبو ثور: إذا خيرها وهي في صلاة، فقال أصحاب
الرأي: إن كان في مكتوبة فأتمتها فلها الخيار، وإن كانت في صلاة تطوع فصلت
أربع [2/ 54/ب] ركعات بطل الخيار، وفي قول أبي ثور: إذا فرغت من المكتوبة
والتطوع تختار إذا فرغت من صلاتها.
الوتر عند أهل الكوفة بمنزلة المكتوبة.
م 2944 - واختلفوا في الرجل يخير امرأته فيقول الزوج: لم أرد الطلاق، ففي
قول الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي: هو مصدق، غير أن الشافعي يقول: بعد أن
يحلف الزوج.
وقال أبو ثور: الطلاق واقع عليه في الحكم، ويدين فيما بينه وبين الله
تعالى.
قال أبو بكر: الأول أصح.
وقال أبو ثور: إذا خير امرأته وهو ينوي ثلاثاً، فاختارت نفسها فهي واحدة
يملك الرجعة.
وقال أصحاب الرأي: تكون واحدة بائنة.
وإذا قال لها: اختاري، فقالت: يا جارية! هاتي الطعام، فهذا قطع للخيار.
(5/211)
وفي فول أصحاب الرأي، وأبي ثور: وإن خيرها
فامتشطت، أو اغتسلت، أو اختضبت في ذلك المجلس، كان ذلك كله قطعاً للخيار في
قول أصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: وإذا امتشطت، أو اختضبت فلها الخيار.
م 2947 - واختلفوا الرجل يقول لامرأته: اختاري تطليقة تقول: قد اخترتها،
ففي قول مالك، وأصحاب الرأي: هي واحدة يملك فيها الرجعة، وقال أبو ثور: لا
يقع بذلك طلاق.
م 2948 - وإذا خيرها ثم تفرقا من ذلك المجلس، فقالت: قد اخترت نفس في أن
يفترقوا، وكذبها الزوج، فالقول قول الزوج مع يمينه في قول الشافعي، وأبي
ثور، وأصحاب الرأي.
32 - باب المملكة أمرها تطلق نفسها
م 2949 - اختلف أهل العلم في الرجل يملك امرأته أمرها.
فقالت طائفة: القضاء ما قضت، كذلك قال عثمان بن عفان، وابن عمر، وابن عباس،
وروي ذلك عن علي، وفضالة بن عبيد.
وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، إلا أن ابن عمر إذا
قال: نويت واحدة، فيمينه بالله ما نوى إلا واحدة، وترد عليه، ولم يذكر ذلك
غير ابن عمر.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك تطليقة وهو أحق بها روي هذا القول عن عمر، وابن
مسعود، وزيد بن ثابث.
وبه قال عطاء، ومجاهد، والقاسم بن محمد، والزهري، ورييعة، ومالك،
والأوزاعي، والليث، وكذلك قال الشافعي [2/ 55/ألف] إذا أراد الطلاق.
(5/212)
وفيه قول ثالث: وهو أنها إذا اختارت نفسها
فواحدة بائنة، فإن ردت الأمر فلا شيء، هذا قول ابن شبرمة.
وفيه قول رابع: وهو أنه قد ذهبت بثلاث، هذا قول الحسن البصري.
وفيه قول خامس: وهو أن يسأل الزوج عما أراد، وإن قال لم أرد شيئاً، فليس
بشيء، هذا قول الثوري، وبه قال الشافعي.
وفيه قول سادس: أنها تطليقة، ولا يكون أكثر من ذلك، وإن نوى الزوج أكثر من
ذلك، هذا قول أبي ثور.
وفيه قول سابع: وهو أنها إذا اختارت نفسها فهي طالق ثلاثاً، وإن نوى الزوج
واحدة، أو اثنتين فهي واحدة بائنة، ولا تكون ثنتين، فإن نوى الزوج الطلاق
ولم ينو عدداً، فاختارت نفسها فهي واحدة بائنة، وإن لم ينو الزوج الطلاق
فهو مصدق فيما قاله مع يمينه، هذا قول أصحاب الرأي.
وفيه قول ثامن: وهو أنها لا تملك إن تطلق نفسها، إذ ليس ذلك إلى النساء،
هذا قول طاووس.
م 2950 - وقال الشعبي، ومسروق، والنخعي، والزهري، وحماد بن أبي سليمان،
والثوري، وأبو عبيد: أمرك بيدك، واختاري، سواء.
33 - باب المملَّكة أمرها تطلق زوجها وتدع أن تطلق نفسها
م 2951 - واختلفوا في الرجل يملك امرأته أمرها فتطلق زوجها.
فقالت طائفة: إذا طلقت زوجها كانت تطليقة يملك الرجعة، كذلك قال عمر بن
الخطاب وابن مسعود.
وبه قال عطاء، والنخعي، والقاسم بن محمد، ومالك، وإسحاق.
(5/213)
وفيه قول ثان: وهو أن لا يقع بذلك طلاق،
هذا قول ابن عباس، والثوري، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
34 - باب المملكة أمرها ترد الأمر إلى الزوج
م 2952 - واختلفوا في المملكة أمرها ترد الأمر إلى الزوج، فقال أكثر أهل
العلم: لا يلزمه شيء، روي ذلك عن ابن عمر.
وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعمر ابن عبد العزيز، ومجاهد،
ومسروق، والزهري.
وهذا على مذهب الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور.
وفيه قول ثان: وهو إن ردت ذلك إلى زوجها فهي واحدة [2/ 55/ب] وهو أحق بها.
هذا قول قتادة.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
35 - باب المملكة أمرها تفارق موضعها قبل أن
تقضي شيئاً
م 2953 - واختلفوا في المملكة أمرها تفارق موضعها قبل أن تقضي شيئاً.
فقالت طائفة: الأمر إليها مادامت في مجلسها قبل أن يفترقا، روي ذلك عن عمر،
وعثمان، وابن مسعود، وجابر، والنخعي، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، وجابر بن
زيد، وحماد بن أبي سليمان.
وبه قال مالك.
(5/214)
وفيه قول ثان: وهو أن أمرها بيدها، وإن
قامت من ذلك المجلس، هذا قول الحكم، وأبي ثور.
قال أبو بكر: وهو أصح القولين.
36 - باب رجوع الزوج فيما ملك زوجته من أمرها
الطلاق قبل أن تقضي الزوجة شيئاً
م 2954 - واختلفوا في الرجل يملك امرأته أمرها، ثم يرجع في ذلك قبل أن تقضي
شيئاً فقالت فرقة: ذلك إليه، هذا قول عطاء بن أبي رباح، وجابر بن زيد،
والشعبي، ومجاهد، والنخعي، والأوزاعى، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور.
وفي قول الزهري، ومالك، والثوري، وأصحاب الرأي: ليس للزوج أن يرجع فيما جعل
إليها، ولا يخرج الأمر من يدها حتى يفترقا، أو تكون هي المخرجة الأمر من
يدها.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
37 - باب الرجل يملك أمر زوجته رجلين
م 2955 - واختلفوا في الرجل يملك أمر امرأته رجلين.
فقالت طائفة: إن طلق أحدهما فلم تطلق حتى يجتمعا على الطلاق، كذلك قال
الحسن البصري، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد.
وقال الثوري: إذا جعل أمر امرأته بيد رجلين فطلق أحدهما ثلاثاً،
(5/215)
والآخر واحدة لا يجوز لهما، وقال أحمد،
وإسحاق: اجتمعا على واحدة.
قال أبو بكر: قول الحسن صحيح، يدل على صحته قوله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الآية، وغير جائز استدلالا بالآية أن يكون لأحد
الحكمين أمر دون الآخر.
وفيه قول سواه: قال الزهري في الرجل [2/ 56/ألف] يجعل أمر امرأته بيد رجلين
فطلق أحد دون الآخر، قال: هي طالق.
38 - باب الرجل يجعل أمر امرأته بيد غيرها
م 2956 - واختلفوا في الرجل يجعل أمر امرأته بيد غيرها.
فقالت طائفة: القضاء ما قضى قال: فإن رده فواحدة وهو أحق بها، هذا قول
الحسن البصري.
وقال الزهري: القضاء ما قضى، وقال النخعي: واحدة وهو أحق بها.
وقالت فرقة: إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها، فقام الرجل من قبل أن يقضي
شيئاً، فلا أمر له، هذا قول مالك، وأصحاب الرأي، إذا افترقا من ذلك المجلس
ولم يقض شيئاً.
وقالت فرقة: الأمر بيد من جعل الأمر إليه وإن افترقا من المجلس، هذا قول
الزهري، وقتادة، والثوري، إذا قال الرجل للرجل: أمر امرأتي بيدك، فليس له
أن يرجع إلا أن يرد عليه الرجل.
وقال أبو ثور: إذا جعل أمر امرأته في يد رجل أو صبي، أو عبد،
(5/216)
فالأمر في يده حتى يخرجه منه، أو يطلق على
ما أمره الزوج.
وقال أصحاب الرأي: إذا جعل أمر امرأته بيد صبي، أوكافر، أو مجنون أو عبد،
فهو في يده، ليس له أن يخرجه منه ما دام في المجلس، فإذا قام من ذلك المجلس
قبل أن يقول شيئاً فهي امرأته.
قال أبو بكر: جعل الله الطلاق إلى الأزواج، وإذا جعل (1) لأزواج ما بأيديهم
من ذلك إلى رجل، أو امرأة، كنت المرأة امرأته أو أجنبية فهو سواء، والأمر
إلى من جعل ذلك منهم إليه، يطلق من جعل الزوج ذلك إليه منهم متى شاء في
المجلس وبعد الافتراق من المجلس، فللزوج أن يرجع فيما جعل من ذلك إلى عنده
متى شاء، فللمجعول إليه الأمر أن يطلق متى شاء، لا فرق بين الزوجة في ذلك،
والأجنبي من الناس؛ لأن ذلك بمنزلة الوكاله.
م 2957 - واختلفوا في الرجل يجعل أمر امرأته إلى أجل، فقال سفيان الثوري:
الأمر بيدها إلى ذلك الوقت.
وقال الحسن البصري: هو بيدها ما لم يصبها، وبه قال قتادة.
م 2958 - وإذا قال الرجل [2/ 56/ب] لامرأته: طلقي نفسك، ثلاثاً فطلقت
واحدة، لزمه طلقة في قول الشافعي، ويعقوب، وابن الحسن.
وفي قول النعمان: لا يقع طلاق.
وقال مالك، كما قال الشافعي.
م 2959 - وإذا قال لها: طلقي نفسك واحدة، فطلقت نفسها ثلاثاً، وقعت واحدة
في قول الشافعي، ويعقوب، ومحمد بن الحسن.
ولا يلزم ذلك في قول النعمان.
__________
(1) في الأصل "جعلوا".
(5/217)
39 - باب تقدم
الطلاق قبل النكاح
م 2960 - افترق أهل العلم في الطلاق قبل النكاح ثلاث فرق.
فقالت طائفة: لا طلاق قبل النكاح، روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب،
وابن عباس، وعائشة أم المؤمنين.
وبه قال سعيد بن المسيب، وشريح، وعطاء، وطاووس، وسعيد ابن جبير، والحسن،
وعكرمة، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وقتادة، وابن عيينة، وعبد الرحمن
بن مهدي والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
واحتج ابن عباس، وعلي بن الحسين، والحسن البصري، بقول الله عز وجل: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية.
وفيه قول ثان: وهو إيجاب الطلاق قبل النكاح، روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال
الزهري، والنعمان، وأصحابه.
وفيه قول ثالث: وهو إيجاب الطلاق على من خص امرأة من النساء ومن قبيلة
بعينها، أو بلد بعينه، روي هذا القول عن الشعبي، والنخعي.
قالا: إذا وقت امرأة أو قبيلة جاز، وإن عم النساء فليس بشيء.
وبه قال الحكم، وربيعة، ومالك، والأوزاعي، وابن أبي ليلى.
(5/218)
وفي المسألة قول رابع: وهو إن كان نكح لم
يؤمر بالفراق، وإذا لم يكن نكح لم يؤمر بالتزويج، هذا قول أبي عبيد، وبنحو
من هذا القول، قال أحمد. بالقول الأول أقول، للآية التي احتج بها ابن عباس،
والأخبار التي رويناها.
(ح 1131) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا طلاق قبل النكاح".
40 - باب الاستثناء من غير يمين يحلف بها
م 2961 - اختلف أهل العلم في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن شاء الله
تعالى.
فقالت طائفة: الطلاق يلزم، هكذا قال الحسن البصري، وسعيد بن المسيب،
ومكحول، وقتادة، والزهري، وابن أبي ليلي، والليث بن سعد، والأوزاعي.
وقالت طائفة: له ثنياه كذلك قال طاووس، والحكم، والشافعي، وإسحاق،
والنعمان.
م 2962 - واختلفوا في الاستثناء [2/ 57/ألف] في الطلاق إذا كان ذلك يميناً
حلف بها، فقال طاووس، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، والأوزاعي، وابن أبي
ليلى، والشافعي، وإسحاق، والنعمان: لا شيء عليه.
احتج منهم من احتج بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
(5/219)
(ح 1132) من حلف فقال: إن شاء الله فهو
بالخيار، إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.
وفيه قول ثان: وهو قول من لا يرى الاستثناء ويلزمه الحكم، روي ذلك عن
الزهري.
وفيه قول ثالث: وهو إن بدأ بالطلاق فليس له استثناء، روي ذلك عن طاووس.
وقال أبو عبيد: إذا قال: أنت طالق إن شاء الله قال: الطلاق له لازم، فإذا
حلف على شيء استثنى، فله ثنياه.
وقال أحمد: سواء، وإنما يكون الاستثناء في الأيمان، والطلاق، والعتاق، وليس
بيمين.
جماع أبواب صنوف الطلاق التي تكون عند الحوادث
41 - باب طلاق المريض
م 2963 - أجمع كل من نحفظ قوله على أن من طلق زوجته مدخولاً بها طلاقاً ملك
رجعتها وهو صحيح، أو مريض، فمات أو ماتت قبل أن تنقضي عدتها، إنهما
يتوارثان.
م 2964 - وأجمع أهل العلم على أن من طلق زوجته ثلاثاً وهو صحيح،
(5/220)
في كل مرة تطليقة، ثم مات أحد، أن لا ميراث
للحي منهما من الميت.
م 2965 - وافترقوا فيمن طلق زوجته مدخولاً بها وهو مريض ثلاثاً، ثم مات من
مرضه، خمس فرق.
فقالت فرقة: ترثه مادامت في العدة، روي ذلك عن عثمان ابن عفان، أنه ورث
امرأة عبد الرحمن بن عوف منه، وكانت في العدة.
وبه قال ابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وعروة بن أبي سليمان، والحارث
العكلي، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، والليث بن سعد، والثوري، والنعمان
وصاحباه.
وقالت فرقة: ترثه وإن انقضت العدة، هذا قول البتي، وحميد، وأصحاب الحسن.
وقالت فرقة: ترثه في العدة وبعد إنقضاء العدة ما لم تتزوج، هذا قول أحمد،
وإسحاق، وأبي عبيد.
وقالت فرقة: ترثه وإن تزوجت هذا قول مالك.
وقالت فرقة: لا ترثه، روي ذلك عن عبد الله بن الزبير، وبه قال أبو ثور.
وكان الشافعي يقول مرة: ترثه في العدة، وبعد انقضاء العدة.
ثم قال بمصر: وهذا مما استخير فيه، فأخبرني الربيع أنه [2/ 57/ب] قال:
استخار الله فقال: لا ترث المبتوتة.
قال أبو بكر: قول ابن الزبير (1) أصح الأقاويل في النظر، والله أعلم.
__________
(1) في الأصل "الزبير".
(5/221)
م 2966 - وقد أجمعوا على [أن] الزوج لا
يرثها إن ماتت في العدة، ولا بعد انقضاء العدة إذا طلقها ثلاثاً، وهو صحيح
أو مريض.
42 - باب طلاق المريض زوجته التي لم يدخل بها
م 2967 - واختلفوا فيمن طلق امرأته وهو مريض قبل أن يدخل بها.
فقالت طائفة: لا ميراث لها، ولا عدة عليها، ولها نصف الصداق، كذلك روي عن
ابن عباس. وبه قال عمر بن عبد العزيز، والشعبى، والزهري، والثوري، وأصحاب
الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن لها الميراث، والصداق كاملاً، وعليها العدة. هذا قول
الحسن البصري، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.
وفيه قول ثالث: وهو أن لها الصداق كاملاً، ولا ميراث لها، ولا عدة عليها.
وكذلك قال جابر بن زيد.
وفيه قول رابع: وهو أن لها نصف الصداق ولها الميراث إن مات من وجعه، ذلك ما
لم تنكح، هذا قول عطاء بن أبي رباح.
43 - باب الطلاق في المرض يصح المطلق بعد طلاقه
ثم يموت
م 2968 - واختلفوا في الرجل يطلق امرأته وهو مريض ثلاثاً، ثم يصح، ثم يموت،
فقال الثوري: ترثه إذا مات وهي في العدة، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال الزهري: ترثه في قضاء عثمان.
(5/222)
وقال ربيعة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور،
وأبو عبيد، والنعمان: لا ترثه.
وروي ذلك عن الحسن، وعطاء.
44 - مسائل من هذا الباب
م 2969 - وإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق ثلاثاً، إن كلمت فلاناً، وذلك في
صحته، ثم كلمت فلاناً، وهو مريض، ثم مات، فلا ميراث لها في قول أبي ثور،
وبه قال أصحاب الرأي، والشافعي.
وهو قياس قول الثوري.
م 2970 - وقال قتادة: إذا سألت زوجها الطلاق، فطلقها فلا ميراث لها، وقال
الأوزاعي: إذا جعل أمرها إليها وطلقت نفسها ثلاثاً، فلا ميراث لها.
وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقال مالك فيمن سألته امرأته أن يخيرها، وهو مريض، فاختارت نفسها، أن ذلك
طلاق ولا يقع الميراث عنها.
وبه قال أبو عبيد.
45 - باب الأمراض التي لا تنقل أحكام الصحة [2/
58/ألف] عن سبلها
قال أبو بكر:
م 2971 - رأيت (1) في مذاهب أهل العلم في الأمراض التي لا تنقل أهلها عن
__________
(1) في الأوسط 3/ 264/ألف "نظرت في مذاهب".
(5/223)
أحكام الصحة مثل الحمى الربع، والفالج
المتطاول، والمقعد، وكالعلل الخفية مثل الصداع، والرمد، والجرب، وما أشبه
ذلك من العلل، أن أصحاب هذه العلل لا يمنعون من التصرف في أموالهم كتصرف
الأصحاء.
م 2972 - واختلفوا فيما سوى ذلك، فكان الأوزاعي يقول فيمن طلق وهو بين
الصفين ترثه امرأته، وتعتد عدة المتوفي.
م 2973 - وقال الشافعي: ما فعل الأسير في ماله غير مكره، فهو جائز.
م 2974 - وهكذا إذا قدم ليقتل [[فيما]] ليس من قتله بد، مثل القتيل في
القصاص الذي لصاحبه عفوه، فإذا قدم ليرجم، فلا يجوز له في ماله إلا الثلث.
م 2975 - وحكى أبو عبيد عن الثوري، وأصحاب الرأي أنهم لا يورثون المطلق في
حصار، ولا أسر، ولا في مصافة عدو، ولا عند البراز للقتال.
وبه قال أبو عبيد، وأبو ثور.
46 - باب طلاق المجنون والمعتوه
م 2976 - أجمع من أحفظ عنه من علماء الأمصار على أن المجنون لا يجوز طلاقه،
كذلك قال عثمان بن عفان.
وقال علي بن أبي طالب: كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه.
وممن قال إن طلاق المجنون لا يجوز: سعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، والحسن
البصري، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وأبو قلابة، والزهري، ويحيى الأنصاري،
ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
(5/224)
(ح 1133) وقد ثبت أن رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - قال: "رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي
حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل".
م 2977 - وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا طلق في حال
نومه أن لا طلاق له، روينا ذلك عن الشعبي، والنخعي، وأبي قلابة، والزهري.
47 - باب طلاق الصبي الذي لم يبلغ
م 2978 - واختلفوا في طلاق الصبي الذي لم يبلغ.
فقال أكثر أهل العلم: لا يجوز طلاقه حتى يحتلم، كذلك قال الحسن البصري،
والنخعي، والزهري، ومالك، والحكم، وحماد، والثوري، والشافعي، وأبو ثور،
وأبو عبيد.
وذكر أبو عبيد أنه قول أهل العراق، وأهل الحجاز.
قال [2/ 58/ب] أبو بكر: وبه نقول:
(ح 1134) وقد ثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رفع القلم عن
الصبي حتى يحتلم".
وفيه قول ثان: أن الصبي إذا أحصى الصلاة، وصام شهر رمضان، جاز طلاقه. كذلك
قال سعيد بن المسيب.
(5/225)
وقال عطاء: يجوز طلاقه إذا بلغ أن يصيب
النساء، وقال أحمد: يجوز طلاقه إذا عقل.
وقال إسحاق: إذا جاوز (1) اثنتي عشرة سنة، وعقل الصلاة، فطلق، وقع طلاقه.
48 - باب طلاق السكران
م 2979 - واختلفوا في طلاق السكران فكان عثمان بن عفان لا يجيز طلاقه، وبه
قال عمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد، وعطاء، وطاووس.
وبه قال ربيعة، ويحيى الأنصاري، والليث بن سعد، وعبيد الله الحسن، وإسحاق،
وأبو ثور، والمزني.
وقالت طائفة: طلاقه جائز، كذلك قال عطاء، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب،
والشعبي، ومحمد بن سيرين، وميمون ابن مهران، ومجاهد، والحكم، والنخعي.
وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، وابن شبرمة، والشافعي، وأبو عبيد،
وسليمان بن حرب، والنعمان، وصاحباه.
ووقف أحمد عن الجواب فيه.
وقد احتج بعض من لا يرى طلاقه جائزاً، بأن المكره لما سقط طلاقه لارتفاع
مراده، وجب أن يسقط طلاق السكران، إذ لا مراد له، واحتج بالثابت عن عثمان،
وان أحداً من الصحابة لا نعلم أنه خالفه.
__________
(1) في الأصل "جاز" والصحيح ما أثبته.
(5/226)
(ح 1135) وقد قال النبي - صلى الله عليه
وسلم -: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها
بالنواجز".
ولما قالوا: أن السكران إذا ارتد لم يستتب في سكره ولم يقتل، دل على أن لا
حكم لقوله، ولا يجوز إبطال نكاح قد أجمع على صحته بطلاق، قد اختلف في
وجوبه.
م 2980 - واختلفوا في حد السكران، فقال الثوري: السكر اختلاس العقل، فإن
استقرئ فخلط في قرأته وتكلم بما لا يعرف، جلد.
وقال أحمد: إذا تغير علقه عن حال الصحة، فهو سكران.
وحكي عن مالك نحوه.
وقال أبو يكر: إذا خلط في قرأته فهو سكران، استدلالا بقوله: {حَتَّى
تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.
49 - باب طلاق الولي عن (1) المجنون
م 2981 - قال الشافعي، والنعمان: لا يجوز أن يطلق عن المجنون [2/ 59/ألف]
وليه، ولا يخالع عنه أب ولا ولي.
م 2982 - وكذلك قال الزهري في الأخرس الذي لا يتكلم: لا يطلق عنه وليه.
وقال الحسن البصري: إن شاء طلقها وليه.
وقال قتادة في الأخرس الذي لا يتكلم: يطلق عليه وليه.
__________
(1) في الأصل "على المجنون".
(5/227)
قال أبو بكر: جعل الله عَزَّ وَجَلَّ
الطلاق إلى الأزواج، فلا يكون ذلك إلى غيرهم.
50 - باب طلاق المكره
م 2983 - اختلف أهل العلم في طلاق المكره.
فقالت طائفة: لا يجوز طلاقه، كذلك قال الحسن البصري، وجابر بن زيد، وشريح،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وروينا معنى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن الزبير، وابن
عمر، وابن عباس.
وأجازت طائفة طلاق المكره، وممن أجاز ذلك، النخعي، والشافعي، وأبو قلابة،
والزهري، وقتادة، والنعمان وصاحباه.
غير أن النعمان قال: إذا أكره السلطان على طلاق أو عتاق جاز، وإن أكرهه على
بيع لن يجز.
وقال الثوري: إذا أخذ السلطان رجلاً فأكرهه على طلاق، أو عتق، فأحلفه جاز
عليه، إلا أن يكون ورى ذلك إلى شيء ينوي غيره.
وفي المسأله قول ثالث: وهو إن كان الذي أكرهوه لصوصاً، فليس بطلاق، وإن
أكرهه السلطان فجائز، روي هذا القول عن الشعبي.
وفسره ابن عيينه قال: لأن اللص يقدم على قتله، والسلطان لا يقتله.
(5/228)
واحتج من أبطل طلاق المكره بقوله جل ذكره:
{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} الآية.
(ح 1136) والخبر الذي رويناه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه".
م 2984 - واختلفوا في حد الإكراه، فروي عمر أنه قال" ليس الرجل أميناً على
نفسه إذا أجعته، أوثقته أو ضربته.
وذكر أحمد ذلك الحديث كالمحتج به.
وذكر شريح أن القيد كره، والوعيد كره، والسجن كره.
وقال أحمد: إذا كان يخاف القتل، أو ضرباً شديداً.
51 - باب الخطأ والنسيان في الطلاق
م 2985 - واختلفوا في الخطأ والنسيان في الطلاق.
فقالت طائفة: من حلف على أمر لا يفعله بالطلاق، ففعله ناسياً، لم يحنث،
كذلك قال عطاء، وعمرو بن دينار وابن أبي نجيح.
(5/229)
وقال إسحاق: أرجو أن لا يلزمه شيء. وروي عن
الشعبي، والحكم.
م 2986 - في الرجل يحلف على شيء فيخرج على لسانه غير ما يريد [2/ 59/ب].
قال الشعبي: يرجع إلى نيته، وكذلك قال طاووس.
وقال الحكم: يؤخذ بما تكلم به، وقال أحمد: في هذا أرجو أن يكون واسعاً، قال
الحسن (1): هو على الإرادة.
وأوجبت طائفة عليه الحنث، هذا قول الزهري، وقتادة، وربيعة، ومالك،
والنعمان، وصاحبيه.
وكان أبو عبيد يحنثه في الطلاق، والعتاق، ولا يحنثه في سائر الإيمان، وبه
قال أحمد.
وقال الشافعي: فيها قولان.
أحدهما: أن يحنث.
والآخر: لا حنث عليه.
52 - جماع أبواب الطلاق بالمعاني المختلفة
م 2987 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق، وهزله سواء،
روي هذا القول عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود.
م 2988 - وممن قال: لا لعب في الطلاق، وأن من طلق لاعباً فقد جاز عليه،
عطاء ابن أبي رباح، وعبيدة السلماني، وهذا على مذهب الشافعي.
وبه قال أبو عبيد، وذكر أنه قول الثوري، واحتج
__________
(1) كذا في الأصل، وفي الحاشية بدله "إسحاق".
(5/230)
بقوله: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ
هُزُوًا}.
قال أبو بكر:
(ح 1137) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ثلاثة جدهن
جد وهزلهن جد، الطلاق، والنكاح، والرجعة.
53 - باب الطلاق إلى أجل يؤقته المطلق
م 2989 - واختلفوا في الرجل يقول لزوجته: أنت طالق إلى شهر، أو إلى سنة، أو
ما أشبه ذلك، فقالت طائفة: هي زوجته إلى ذلك الوقت، كذلك قال عطاء، وجابر
بن زيد، والنخعي، وأبو هاشم.
وبه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أنها طالق من يوم تكلم به، كذلك قال سعيد ابن المسيب،
والحسن، والزهري، وقتادة، ويحيى الأنصاري، وربيعة، ومالك.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق إلى سنة قال:
هي امرأته إلى سنة.
قال أبو بكر: وبقول ابن عباس نقول.
وأما إذا قال: إن لم تفعلي كذا وكذا فأنت طالق، فليس يحنثه أحد، إلا أن
يأتي ذلك الوقت ولم تفعل ما حلف عليه أن تفعله.
(5/231)
54 - باب إيجاب
الطلاق بولادة المرأة
م 2990 - واختلفوا في الرجل يقول لزوجته: أنت طالق إذا ولدت، فقالت طائفة:
لا يقع الطلاق حتى تلده، [2/ 60/ألف] كذلك قال عطاء، والشافعي، وأبو ثور،
وأصحاب الرأي.
وقال مالك: إذا كان بها حمل وقع عليها الطلاق.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
م 2991 - وإن قال: كلما ولدت ولداً فأنت طالق، فإن ولدت فهي طالق وتعتد،
وإن ولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بالولد الأول، وانقضت عدتها بالولد
الثاني، وإن ولدت ثلاثة أولاد، وقعت تطليقتان بالولدين الأولين؛ لأن الطلاق
وقع وهو يملك الرجعة، وانقضت عدتها بالثالث.
ولوكانت المسألة بحالها وولدت أربعة في بطن، وقع الثلاث بالثلاث الأول
وانقضت العدة بالولد الرابع، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 2992 - وإذا قال الرجل لامرأته إن ولدت كلاماً فأنت طالق واحدة، وإن ولدت
جارية فأنت طالق ثنتين، فولدت غلاماً وجارية، لا يدرى أيهما أول؟ فإنه يقع
عليها تطليقة، نأخذ في ذلك بالأقل، ولا يلزمه الأكثر، إلا بالإحاطة، وانقضت
عدتها بالولد الثاني، هكذا قال أبو ثور.
وبه قال أصحاب الرأي، غير أنهم قالوا: ينبغي لهما أن يأخذ فيما بينهما وبين
الله بأكثر ذلك تطليقتين.
(5/232)
م 2993 - وإن قال الرجل لامرأله: إن كان
حملك هذا غلاماً فأنت طالق واحدة، وإن كانت جارية فأنت طالق ثنتين، فوضعت
غلاماً وجارية، لم يقع علي الطلاق، وذلك لأن حملها لم يكن غلاماً ولا
جارية.
وبه قال أبو ثور: وأصحاب الرأي.
55 - باب إيجاب الطلاق بحيض المرأة
م 2994 - وإذا قال الرجل لامرأته: إذا حضت فأنت طالق، إذا رأت الدم وقع علي
الطلاق.
وإذا قال: إن حضت حيضة فأنت طالق، لم تطلق حتى تطهير من حيضتها، فإذا طهرت
وقع علي الطلاق، وهذا قول الثوري.
وبه قال أبو ثور: وأصحاب الرأي.
ولا أعلم أحداً قال غير ذلك، غير مالك، فإن ابن القاسم ذكر أنه يحنث حين
تكلم به في قول مالك.
56 - باب التجزية والتبعيض في الطلاق
م 2995 - أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن من طلق زوجته نصفاً، أو
ثلثاً، أو ربعاً، أو سدسي تطيقة، أنها تطليقة واحدة، كذلك قال الشعبي [2/
60/ب]،والحارث العكلي، والزهري، وقتادة، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو
عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
(5/233)
وذكر أبو عبيد أنه قول مالك، وأهل الحجاز،
والثوري، وأهل العراق.
قال أبو بكر:
م 2996 - فإن قال لأربع نسوة له: بينكن تطليقة، لزم كل واحدة منهن تطليقة،
كذلك قال الحسن البصري، والشافعي، وابن القاسم صاحب مالك، وأبو عبيد، وأبو
ثور، وأصحاب الرأي.
م 2997 - وإذا قال لأربع نسوة له: بينكن خمس تطليقات، وقع على كل واحدة
منهن تطليقتان، هذا قول الحسن، وقتادة، والشافعي، وأبي ثور، وابن القاسم
صاحب مالك، وأصحاب الرأي.
م 2998 - وإذا قال الرجل لامرأته: رأسك، أو يدك، أو رجلك طالق، فإن أكثر
أهل العلم يلزمونه الطلاق، هذا قول الشافعي، وأبي ثور، وابن القاسم صاحب
مالك.
وقال أصحاب الرأي في الرأس، والفرج، والجسد، والبدن كما قال الشافعي.
وقالوا في اليدين، والرجلين وشبه ذلك من جسدها: لا يقع به طلاق.
وقالوا: إذا قال: نصفك، أو ثلثك، أو جزء من ألف جزء طالق، أنها تكون
طالقاً.
وقال الحسن البصري: إذا طلق الرجل من امرأته شعراً، أو اصبعاً، فقد طلقت،
وإن عتق من عبده شعراً، أو اصبعاً، فقد عتق.
وقال الأوزاعي في الشعر، وأطراف البدن مثله.
(5/234)
57 - باب الطلاق
المشكل الذي لا يعلم له وجوب ولا بطول
م 2999 - واختلفوا في الرجلين يحلفان بالطلاق على الشيء، يختلفان فيه
كاختلافهما (1) في الطير، يقول أحدهما: هذا غراب، ويقول الآخر: هذا حمام،
ويحلف كل واحد منهما عليه بالطلاق.
فإن عطاء، والشعبي، والزهري، والحارث العكلي، والثوري، وأبو ثور يقولون:
يديّنان.
وهذا على مذهب الشافعي، وهو قياس قول مالك.
وفيه قول ثان: وهو أن يحمل الطلاق عليهما (2) جميعاً، هذا قول مكحول.
وروينا معنى ذلك عن الشعبي ومال أبو عبيد إلى هذا القول.
وكان الشافعي يقول: إذا شك في الطلاق، لم ألزمه في الشك في الحكم، والورع:
له أن يطلقها.
58 - باب الطلاق يجحده المطلق وقد سمعته زوجته
م 3000 - واختلفوا في المرأة تسمع طلاقها، ثم [[يجحده]] الزوج، فقال الحسن
البصري، والنخعي، [2/ 61/ألف] والزهري: يستحلف ثم يكون الإثم عليه.
وقال آخرون: تفر منه ما استطاعت، وتبتدي منه بكل ما أمكن، روي ذلك عن جابر
بن زيد، وابن سيرين،
__________
(1) في الأصل "كاختلافها".
(2) في الأصل "عليه".
(5/235)
وبه قال حماد بن أبي سليمان، وأحمد. وممن
رأى أن تفر منه، الثوري، والنعمان، ويعقوب، وأبو عبيد.
م 3001 - واختلفوا في استحلاف الرجل المدعى عليه الطلاق، فممن روينا عنه
أنه قال يستحلف، ابن عمر، والحسن البصري، والنخعي، والزهري، والأوزاعي،
والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
(ح 1138) لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي واليمين
على المدعى عليه".
وفيه قول ثان: وهو أن يستحلف كما يفعل في اللعان، روي ذلك عن ابن عباس.
وفيه قول ثالث: وهو أن المرأة إن جاءت بشاهد حلف الزوج وخلى بينه وبينها
ولا ينبغي لها أنت تتزين له، ولا تبدي له شيئاً من شعرها ولا عريتها وهي
قدر على ذلك، ولا يصيبها إلا وهي مكرهة، هذا قول مالك.
م 3002 - واختلفوا في ميراثها منه إن مات، فقال الحسن البصري: ترثه.
وقال قتادة، والشافعي، والنعمان، ويعقوب: لا ميراث.
وبه نقول.
(5/236)
59 - باب الطلاق
يجحده المطلق فتقوم عليه بينة أو يستحلف فينكل عن اليمين
م 3003 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا طلق زوجته
ثلاثاً وقد غشيها بعد طلاقه، وقد ثبتت البينة أنه طلقها، وهو يجحد ذلك، أن
التفريق بينما يجب، ولا حد على الرجل.
كذلك قال الشعبي، ومالك، وأهل الحجاز، والأوزاعي، والثوري، وربيعة،
والشافعي، وأبو ثور.
وبه نقول.
م 3004 - وأجمع الشافعي، والنعمان ومن تبعهم على أن طلاق السفيه لازم له.
وبه نقول، لدخوله في جملة من تلزمه الأحكام، والحدود.
وقال عطاء بن أبي رباح في سفيه محجور عليه: لا يجوز طلاقه، ولا نكاحه ولا
بيعه.
60 - أبواب إحلال المطلقة ثلاثاً لمطلقها والنكاح الذي يحلها للمطلق
قال الله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ [2/ 61/ب] طَلَّقَهَا فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} الآية.
فأباح الله في ظاهر كتابه للزوج الأول أن ينكح إذا نكحها زوج غيره، ومنع
الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ترجع إلى الزوج الأول حتى
(5/237)
يجامعها الزوج الثاني.
وكان القول من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، كالقول من الله، لأن الله
فرض طاعته، ودل منع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من ذلك.
(ح 1139) "حتى يذوق العسيلة".
على مراد الله من ذلك.
م 3005 - وأجمع عامة علماء الأمصار على القول بما ذكرناه، إلا ما رويناه عن
سعيد بن المسيب.
وممن قال بجملة ما ذكرناه، علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن
عبد الله، وعائشة.
وبه قال مسروق، والزهري، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، وأهل الرأي من أهل
الكوفة، والأوزاعي وأهل الشام، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد.
وكان سعيد بن المسيب من بين أهل العلم يقول: إذا تزوجها تزويجاً صحيحاً لا
يريد به إحلالا، فلا بأس بأن يتزوجها الأول.
ولا نعلم أحداً من أهل العلم قال بقول سعيد هذا إلا الخوارج، والسنة مستغني
بها عن كل قول.
61 - باب التغليظ في المحلل والمحلل له
(ح 1140) روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لعن المحلل والمحلل
له.
(5/238)
م 3006 - وقال ابن مسعود: المحلل والمحلل
له ملعونان على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما أوتي بالمحلل ولا بالمحللة إلا
رجمتهما.
وقال ابن عمر لا يزالان زانين، وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم أنه يريد أن
يحلها له.
م 3007 - واختلفوا في الرجل يطلق ثلاثاً، فتنكح زوجاً ليحل للزوج الأول.
فقالت طائفة: لا يجوز ذلك، ولا يحلها لزوجها الأول إلا نكاح رغبة غير
مدانسة.
روي ذلك عن عثمان بن عفان، وقال ابن عمر في تحليل المرأة لزوجها: ذلك
السفاح.
وممن غلظ في ذلك النخعي، والحسن، وبكر بن عبد الله المزني، وقتادة.
وممن قال لا يصلح إلا نكاح رغبة، مالك، والليث، وبمعناه قال الثوري، وأحمد،
وإسحاق، وأبو عبيد.
وقد روينا عن النخعي، والشعبي أنهما قالا: لا بأس به [2/ 62/ألف] إذا لم
يأمر به الزوج.
م 3008 - واختلفوا فيه إن تزوجها على أن يحلها، وبدأ له أن يمسكها، فقال
عطاء والحكم: يمسكها.
(5/239)
وقال أحمد، وإسحاق: لا يحل له أن يمسكها.
وقال الثوري: لا يعجبن إلا أن يفارق.
62 - باب المملوك، والذمي، والغلام الذي لم
يدرك، تستحل بنكاحهم المرأة
م 3009 - كان عطاء بن أبي رباح يقول: إذا تزوجها عبد فأصابها، أحلها لزوجها
الأول. ويروى ذلك عن الشعبي، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو عبيد،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 3010 - واختلفوا في المسلم يتزوج الذمية، ثم يطلقها ثلاثاً فينكحها ذمي
ويدخل بها، ثم يطلقها.
فقالت طائفة: الذمي زوج، ولها أن ترجع إلى الأول، هكذا قال الحسن، والزهري،
والثوري، والشافعي، وأبو عبيد، وابن نصر، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول؛ لأن الله قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} الآية.
والنصراني زوج.
وفيه قول ثان: وهو أنها لا تحل له، هذا قول ربيعة، ومالك.
م 3011 - واختلفوا في الطلقة ثلاثاً، تنكح غلاماً مراهقاً يجامع مثله،
فيجامعها، فقال عطاء، والشافعي، وأحمد، والنعمان: يحلها.
وقال الحسن البصري، ومالك، وأبو عبيد: لا يحلها.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
(5/240)
63 - باب استحلال المطلقة ثلاثاً بالنكاح
الفاسد
م 3012 - واختلفوا في المطلقة ثلاثاً تنكح نكاحاً فاسداً، ويصيبها، ثم
يفارقها، فكان الحسن البصري، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، ومالك،
والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي
يقولون: لا يحل للزوج الأول إلا بنكاح صحيح.
وكان الحكم يقول: هو زوج.
قال أبو بكر: ليس بزوج؛ لأن أحكام الأزواج في الظهار، والإيلاء، واللعان،
غير ثابتة بينهما.
م 3013 - واختلفوا في الزوج الثاني يطأها في حال الحيض، فقال عطاء، ومالك:
لا يحلها لزوجها الأول.
وفي قول الشافعي، وأصحاب الرأي: يحلها له، وبه قال ابن نصر.
وكذلك نقول، لأنه زوج، قد ذاق عسيلتها، وذاقت عسيلته.
64 - باب [2/ 62/ب] تصديق الزوج الأول للمطلقة
أنها قد نكحت
قال أبو بكر:
م 3014 - كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقول: إذا قالت المرأة للزوج الأول:
قد تزوجت ودخل علي زوجي، وصدقها، أنها تحل للأول.
كذلك قال الحسن البصري، والشافعي، والأوزاعي، والثوري،
(5/241)
وأبو عبيد، وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي: والورع أن لا يفعل، إذا وقع في نفسه أنها كذبته.
65 - باب المطلقة دون الثلاث تنكح زوجاً ثم تعود إلى المطلق
م 3015 - أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة [ثلاثا] (1)، ثم
انقضت عدتها، ونكحت زوجاً ودخل بها، ثم فارقها، وانقضت عدتها، ثم نكحها
الأول، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات.
واختلفوا في الرجل يطلق زوجته تطليقة أو تطليقتين، ثم تزوج غيره، ثم ترجع
إلى زوجها الأول.
فقالت طائفة: تكون على ما بقي من طلاقها، كذلك قول الأكابر من أصحاب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن
كعب، وعمران بن حصين، وأبي هريرة.
وروي ذلك عن زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
وبه قال عبيدة السلماني، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومالك، والثوري،
وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، ومحمد بن
الحسن، وابن نصر.
وفيه قول ثان: وهو أن النكاح جديد، والطلاق جديد، هذا قول ابن عمر، وابن
عباس.
__________
(1) ما بين المعكوفين من كتاب الإجماع.
(5/242)
وبه قال عطاء، والنخعي، وشريح، والنعمان،
ويعقوب.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان دخل لآخر فطلاق جديد، ونكاح جديد.
وإن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي من عدد الطلاق، هذا قول النخعي.
جماع الطلاق
66 - باب طلاق الأخرس
قال أبو بكر:
م 3517 - حفظنا عن جماعة من أهل العلم أنهم قالوا: إن الأخرس إذا كتب
الطلاق بيده أنه يلزمه، كذلك قال النخعي، والثوري، والشافعي، وأبو ثور،
وأصحاب [2/ 63/ألف] الرأي.
وقال مالك إذا أشار يلزمه.
وروي عن قتادة أنه قال: يطلق عنه وليه.
م 3018 - وإذا نظر الرجل إلى امرأته، وامرأة معها ليست له بزوجة، فقال:
احداكما طالق، كان القول قوله إذا أراد امرأته فهي طالق، وإن أراد الأجنبية
لم تطلق امرأته، هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 3019 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته:
أنت طالق ثلاثاً، إلا اثنتين، إنها تطلق واحدة.
(5/243)
وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة أنها
تطلق تطليقتين. وإذا قال: أنت طالق ثلاثاً أنها تطلق ثلاثاً.
وممن حفظنا ذلك عنه، الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 3020 - وكان الشافعي يقول: إذا قال لها أنت طالق طلاقاً، كانت واحدة إلا
أن يزيد بقوله طلاقاً ثانياً.
قال النعمان: إذا أراد واحدة فهي واحدة، وبه قال أبو ثور.
م 3021 - وكان مالك يقول: إذا حلف بطلاق امرأته أنه من أهل الجنة، طلقت
عليه.
وقول الأوزاعي: لا تطلق بالشك.
وبه نقول.
م 3022 - وكان الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون،: إذا قال لها وهي
مدخول بها: كلما وقع عليك طلاق فأنت طالق، لم تطلق حتى يطلقها، فإذا طلقها
تطليقة، وقع عليها ثلاث، واحدة بعد واحدة.
م 3023 - وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق كذا، وأشار باصبع، أو باصبعين،
أو ثلاث، فهي طالق واحدة، ولا تكون اشارته بإصبعه بشيء.
وفي قول أصحاب الرأي: يلزمه مع القول ما أشار به، فإن أشار بثلاث لم يدين
في القضاء.
وإن قال: أردت أقل منها، دين فما بينه وبين الله.
م 3024 - وإذا قال الرجل لنسوة له قال: أيتكن أكلت (1) من هذا الطعام فهي
طالق، فأكلن جميعاً، طلقن جميعاً في قول أبي ثور،
__________
(1) في الأصل "أكل".
(5/244)
وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول.
م 3025 - وإذا قال: أنت طالق ما بين تطليقة إلى الثلاث، فهي واحدة في قول
أبي ثور.
وكذلك إن قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث، هي أيضاً واحدة.
وقال أصحاب الرأي: القياس أن يلزم في المسألة الأولى واحدة، ولكنا نستحسن
فنجعلها ثنتين، وهذا قول النعمان.
م 3026 - وإذا قال: أنت طالق ما بين واحدة إلى أخرى، فهي طالق واحدة [2/
63/ب] وإذا قال: أنت طالق واحدة، أو لا شيء، فهي طالق واحدة، وهذا قول أبي
ثور، وأصحاب الرأي.
م 3027 - إذا قال: أنت طالق غير طالق، فهي غير طالق في قول أبي ثور، وأصحاب
الرأي.
م 3028 - واختلفوا في الرجل يحلف بالطلاق، ليفعلن كذا وكذا، ويقدم الطلاق
في يمينه، فقال كثير من أهل العلم: لا شيء عليه، هذا قول الحسن، وابن
المسيب، والزهري، وعطاء، وسعيد بن جبير، والشعبي، والثوري، والشافعي، وأبي
ثور، وعامة أصحابنا، وقال شريح: إن الطلاق يقع عليه.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
م 3029 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته:
أنت طالق ثلاثاً، إن دخلت هذه الدار، فطلقها ثلالاً، ثم تزوجت بعد ما انقضت
عدتها، ثم نكحها الحالف الأول،
(5/245)
ثم دخلت الدار، أنها لا يقع عليها الطلاق.
وهذا على مذهب مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي؛ لأن طلاق ذلك الملك
قد انقضى.
م 3030 - وإن كانت المسأله بحالها وطلق تطليقة وانقضت عدتها، ثم تزوجها رجل
آخر ودخل بها، ثم عاد إلى زوجها الأول، ثم دخلت الدار، ففي قول أصحاب
الرأي: يقع عليها الطلاق.
وفي قول الشافعي فيها قولان.
أحدهما: كما قال أصحاب الرأي.
والثاني: أن لا يقع شيء، وبه قال أبو ثور.
67 - باب الطلاق يوصف بالعظم والتشديد
م 3031 - وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ملء هذا البيت، ففي قول
الشافعي، وأبي ثور: أقل ما يلزمه واحدة، يملك فيها الرجعة.
وقال النعمان: هي طالق تطليقة بائن، إلا أن ينوي ثلاثاً فتكون ثلاثاً.
م 3032 - وإذا قال: أنت طالق واحدة عظيمة أو كثيرة، أو شديدة، فهي بائن في
القضاء، وفيما بينه وبين الله، هكذا قال أصحاب الرأي.
وفي قول الشافعي، وأحمد، وأبي ثور: تكون واحدة يملك الرجعة، إن لم يرد أكثر
منها.
(5/246)
68 - باب الرجل يبيع
زوجته
م 3033 - واختلفوا في الرجل يبيع زوجته.
فقالت طائفة: لا تطلق عليه، ولكن يعذر، هكذا قال الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وبه أقول.
وقال مالك: ينكل نكالاً شديداً، أو تطلق عليه واحدة، وهي أملك [2/ 64/ألف]
بنفسها.
69 - باب المشيئة في الطلاق
م 3534 - اختلف أهل العلم في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن شئت.
فقالت طائفة: إن شاءت الطلاق فذلك ما دام في مجلسها، هذا قول الحسن البصري،
وعطاء، والثوري، وأبي ثور.
وبه قال الزهري، وقتادة، ولم يذكرا المجلس.
وقال أصحاب الرأي: كما قال الحسن، وعطاء.
3035 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إذا شئت، أو متى شئت، أو
إذا شئت، أو كلما شئت، فكان الثوري يقول: إذا قال: أنت طالق متى شئت، وإذا
شئت، فهي متى شاءت وإذا
شاءت تطليقة، ليس لها فوق ذلك، وإذا قال: أنت طالق كلما شئت، فهي كلما شاءت
طالق، حتى تبين بثلاث.
وقال أبو ثور: وإذا قال لها أنت طالق إذا شئت، أو متى شئت، أو إذا ما شئت،
أو كلما شئت، كان ذلك على الأبد، كلما شاءت
(5/247)
وقع الطلاق، فإن شاءت مرة واحدة، فوقعت
تطليقة، ثم تركها حتى تنقضي عدتها، ثم تزوجها بعد، لم يكن بعد ذلك مشيئة،
وذلك أن حكم ذلك النكاح قد سقط، فلا يعود شيء من أحكامه على أحكام النكاح
الثاني.
وفرق أصحاب الرأي بين قوله: أنت طالق إذا شئت، أو متى شئت، وبين أن يقول
لها: أنت طالق إن شئت، ومتى شئت، وإذا ما شئت، ومتى ما شئت، لها المشيئة في
ذلك كله أبداً مرة واحدة في ذلك المجلس وغير ذلك المجلس.
وإذا قال لها: أنت طالق كلما شئت، كان لها أبداً كلما شاءت حتى يقع عليها
منه ثلاث تطليقات.
م 3036 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته:
أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت إن شاء فلان، أنها قد ردت الأمر، ولا
يلزمها الطلاق وإن شاء فلان.
كذلك قال أحمد: وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 3037 - وإذا قال: أنت طالق ثلاثاً أن أحببتهن، فقالت: أحب واحدة، وواحدة،
وواحدة، لم يقع عليها شيء، وبطل ما جعل إليها في قول أبي ثور، وفي قول
أصحاب [2/ 64/ب] الرأي يقع عليها كلها (2).
م 3038 - وإذا قال الرجل لامرأته: إن كنت تحبيني فأنت طالق، وإن كنت
تبغضيني فأنت طالق، فما قالت: استحلفت عليه، وكان الطلاق واقعاً عليها، هذا
قول أبي ثور، وأصحاب الرأي، غير أن أصحاب الرأي قالوا: نأخذ في هذا
بالاستحسان.
__________
(2) في الأصل "كلهن".
(5/248)
م 3039 - وإذا قال لامرأتين له: إذا شئتما
فأنتما طالقتان. فشاءت احدهما، لم يقع الطلاق، وإن شاءتا أن تطلقا احداهما
دون الأخرى، لم يقع، هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 3040 - وإذا قال لرجلين: طلقا امرأتي، فطلق أحدهما، كان باطلاً حتى
يجتمعا على الطلاق، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا طلق أحد فهو جائز.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 3041 - وإذا قال لها: إن كنت تحبين أن يعذبك الله، أو يقطع يديك، ورجليك
فأنت طالق، فقالت: أنا أحب ذلك، ففيها قولان.
أحدهما: أنه لا يقع، وذلك أن هذا لا يحبه أحد، هذا قول أبي ثور.
والقول الثاني: أنها مصدقة في ذلك، فالطلاق واقع عليها، هذا قول أصحاب
الرأي.
جماع (1) طلاق الشرك ووقوع الفراق بين الزوجين المشركين بإسلام أحدهما
70 - باب الزوجين الذميين يسلم أحدهما
م 3042 - أجمع عوام أهل العلم على أن النصرانيين الزوجين إذا أسلم الزوج
قبل امرأته، أنهما على نكاحهما، إذ جائز له في هذه الحال أن يبتدئ نكاحها
لو لم تكن زوجة.
__________
(1) كان في الأصل (باب) والظاهر ما أثبته.
(5/249)
م 3043 - وأجمع أهل العلم على أنهما لو
أسلما معاً أنهما على نكاحهما، كانت مدخولاً بها أو لم يكن دخل بها.
م 3044 - واختلفوا في النصرانية تسلم وزوجها نصراني، وهي مدخول بها.
فقالت طائفة: متى أسلم الزوج قبل [أن] تنقضي عدة المرأة فهما على نكاحهما،
هذا قول قتادة، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.
وفيه قول ثان: وهو أن يعرض على الزوج الإسلام، فإن أسلم فهما على نكاحهما،
وإن أبى أن يسلم، فرق بينهما، فإن كان دخل بها فلها المهر، وإن لم يكن دخل
بها فلها نصف المهر، هذا قول الثوري.
وبه قال الزهري، غير أنه لم يذكر المهر.
وفيه قول ثالث: [2/ 65/ ألف] وهو أنهما إن كانا في دار الإِسلام فأسلمت
امرأته، فهي امرأته ما لم يعرض عليه الإِسلام، إذا عرض عليه الإِسلام فأبى
أن يسلم، فرق بينهما الحاكم.
فإن أسلمت امراته، ثم لحق الزوج بدار الحرب، فقد بانت منه، وكذلك إن كانت
في دار الحرب فأسلمت المرأة، ثم خرجت إلى دار الإِسلام، فقد بانت منه
بافتراق الدارين.
فان أسلمت وهما في دار الحرب ولم يخرجا، أو أحد منهما إلى دار الإِسلام،
فهو أحق بها إن أسلم قبل [أن] تنقضي عدتها، فإذا انقضت عدتها فلا سبيل
إليها، هذا قول أصحاب الرأي.
وفيه قول رابع: وهو أنها تبين منه كما تسلم، هذا قول ابن عباس، وروي معناه
عن عمر بن الخطاب.
وبه قال عكرمة، والحسن، وسعيد بن جبير.
(5/250)
وقال عطاء، وطاووس، ومجاهد: يفرق بينهما،
وبه قال أبو ثور.
وهو أصح هذه الأقاويل في النظر، والله أعلم.
وقد روينا عن علي بن أبي طالب في هذا الباب قولاً خامساً في النصراني تكون
تحته النصرانية، فتسلم المرأة قال: هو أحق بها ما دامت في دار هجرتها.
وقال الشافعي: هي امرأته، ولكن لا يخرجها من دار الهجرة.
71 - باب إسلام أحد الزوجين من أهل الذمة قبل
أن يدخل بها وما لها فيه من الصداق
م 3045 - واختلفوا في النصرانية التي لم يدخل بها، تسلم قبل زوجها.
فقالت طائفة: لا صداق لها.
روي هذا القول عن ابن عباس.
وبه قال الحسن البصري، والزهري، ومالك، والأوزاعي، وابن شبرمة، وعثمان
البتي، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق.
وقال الشافعي، وابن شبرمة: إن أسلم هو قبلها فلها نصف المهر.
وفيه قول ثان: وهو أن لها نصف المهر، هذا قول قتادة، والثوري.
(5/251)
72 - باب الوثنيين
يسلم أحدهما
م 3046 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوثنيين الزوجين إذا
أسلم أحدهما قبل صاحبه، ولم يدخل الزوج بامرأته، أن الفرقة تقع بينهما.
م 3047 - وأجمعوا كذلك على أنها إذا أسلما معاً، أنهما على النكاح، كانت
مدخولاً بها [2/ 65/ب] أو لم يكن دخل بها.
م 3048 - واختلفوا في الوثنيين يسلم أحدهما دون الآخر.
فقالت طائفة: تقع الفرقة بينهما، بإسلام أيهما أسلم منهما، هذا قول الحسن،
وعكرمة، وطاووس، ومجاهد، وقتادة، والحكم، وعطاء.
وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وروينا هذا القول عن مالك.
وقالت طائفة: إذا أسلم المتخلف منهما عن الإسلام قبل انقضاء عدة المرأة،
فهما على النكاح، هذا قول الزهري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثالث: في المجوسي يسلم قبل امرأته المجوسية، وأبت أن تسلم ولم
يدخل بها، لا مهر لها، وإن أسلمت هي، عرض عليه الإِسلام، فإن أسلم فهما على
نكاحهما، وإن أبي أن يسلم فرق بينهما، ولها المهر إن كان دخل بها، وإن لم
يكن دخل بها، فلها نصف المهر، هذا قول الثوري.
وفي كتاب ابن الحسن: في الحربيين يسلم الرجل قبل المرأة فإنهما على نكاحهما
ما لم تحض المرأة ثلاث حيض، فإذا حاضت المرأة
(5/252)
قبل أن تسلم، انقضت العصمة بينهما، وكذلك
لو كانت المرأة هي التي أسلمت، وإن أسلم واحد منهما وخرج إلى دار الإِسلام
قبل [أن] تنقضي عدة المرأة فلا نكاح بينهما.
واحتج بعض من يقول بقول الحسن، وعكرمة، بقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ} الآية، وبقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ} الآية.
وإن استدل بأن تحريم ذلك في معنى استقباله، ولما لم يجز لي أن أنكح مشركة،
لم يكن لي وأنا مسلم أن أتمسك بعصمة مشركة.
ولما أجمعوا على أن عقد الكافر على نكاح المسلمة (1) باطل، كان حكم ما
اختلفوا فيه من إسلام أحد الزوجين حكم المجموع عليه، والله أعلم.
73 - باب ارتداد أحد الزوجين المسلمين
م 3049 - واختلفوا في الزوجين يرتد أحدهما.
فقالت طائفة: يفسخ النكاح بارتداد أيهما ارتد منهما، روي هذا القول عن
الحسن، وعمر بن عبد العزيز.
__________
(1) كان في الأصل "المشركة" والظاهر ما أثبته.
(5/253)
وبه قال مالك في المسلم يرتد وله زوجة،
وكذلك قال الثوري في المرأة ترتد عن الإِسلام ولها زوج. وبه قال النعمان
وأصحابه، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو إن رجع المرتد منهما إلى دين الإِسلام في انقضاء [2/
66/ألف] عدة المرأة، كانا على نكاحهما، هذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: الأول أصح.
74 - باب إسلام المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة
م 3050 - واختلف أهل العلم في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.
فقالت طائفة: يختار منهن أربعاً ويفارق سائرهن، هذا قول الحسن البصري،
ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا:
(ح 1141) بحديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وعنده عشر نسوة، فأمر النبي- صلى
الله عليه وسلم - أن يأخذ منهن أربعاً.
وفيه قول ثان: وهو أن يختار الأربع الأول ويفارق الأواخر، هكذا قال النخعي،
وقتادة.
وقال سفيان الثوري: إذا أسلم وعنده ثمان نسوة، إن كان نكحهن جميعاً في
عقدة، فرق بينه وبينهن، وإن كان
(5/254)
نكح واحدة بعد الأخرى، حبس أربعاً منهن
الأولى والأولى، وترك سائرهن.
وحكي هذا القول عن النعمان.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
75 - باب إسلام المشرك وعنه أختان
م 3051 - واختلفوا في الرجل عنده أختان فيسلم وتسلمان معاً.
فقالت طائفة: يختار أيهما شاء، هذا قول الحسن البصري، والأوزاعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبي عبيد.
وقال الزهري: فيمن جمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، ثم أسلموا،
يمسك أيتهن شاء، ويفارق سائرهن.
وقال الثوري: في الأختين المجوسيتين إذا أسلموا يفارقهما جميعاً، وبه قال
الماجشون عبد الملك.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
(ح 1142) وذلك بحديث فيروز الديلمي أنه أسلم وتحته أختان، فقال له النبي-
صلى الله عليه وسلم -: طلق أيتهما شئت.
(5/255)
76 - باب إسلام
المشرك وعنده امرأة وابنتها
م 3052 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا نكح المرأة
وابنتها ودخل بها وأسلموا، أن عليه أن يفارقهما، ولا ينكح واحدة منهما
بحال.
وممن حفظنا ذلك عنه، الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومالك وأهل
الحجاز، والثوري، وأهل العراق، والشافعي ومن تبعهم.
قال أبو بكر: فإن لم يكن دخل بواحدة منهما [2/ 66/ب] ففيهما للشافعي قولان:
أحدهما: أن يمسك الابنة ولا يمسك الأم.
والقول الثاني: أن يمسك أيتهما شاء ويفارق الأخرى.
م 3053 - واختلفوا في النصرانية تكون تحت الرجل المسلم وتتمجس.
ففي قول الشافعي: يكون النكاح موقوفاً على العدة، فإن رجعت إلى دينها قبل
انقضاء العدة، ثبت النكاح، وإن انقضت العدة قبل رجوعها انفسخ النكاح.
وقال أبو ثور: في قول من يقول: إن المجوس أهل كتاب، ثابت.
(5/256)
77 - باب طلاق أهل
الشرك
م 3054 - واختلفوا في طلاق أهل الشرك، فقال الحسن البصري، وقتادة، وربيعة،
ومالك: ليس طلاقهم بطلاق.
وألزمت طائفة أهل الشرك طلاقهم، هذا قول عطاء بن أبي رباح، والشعبي،
والزهري، وحماد، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: هذا أصح.
78 - باب الشهادات في الطلاق
م 3055 - واختلفوا في الرجل يشهد عليه شاهد بتطليقة، وشاهد بثلاث، فكان
قتادة، وابن أبي ليلى، ويعقوب، ومحمد، وأبو ثور يقولون: تكون واحدة
ويستحلف.
وفيه قول ثان: وبه نقول.
وهو إبطال الشهادتين، كذلك قال الشافعي، والنعمان، وروي ذلك عن الشعبى.
م 3056 - واختلفوا في قبول شهادة النساء في الطلاق، فكان النخعي، ومكحول،
والزهري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور يقولون: لا تجوز شهادتهن.
وقال الثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي: تجوز شهادة امرأتين ورجل في الطلاق،
وبه قال النبي- صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو بكر: الأول أصح.
(5/257)
م 3057 - واختلفوا في الرجل يشهد عليه
شاهدان بأنه طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ففرق الحاكم بينهما، ثم
رجعا عن الشهادة، ففي قول أصحاب الرأي: عليهما نصف المهر، فإن رجع أحد،
رجع عليه بربع المهر.
وقد اختلف عن الشافعي في هذه المسأله، فذكر الربيع أنه قال: عليهما مهر
مثلها دخل بها أو لم يدخل بها.
وذكر أبو ثور عنه أنه قال كقول أصحاب الرأي.
تم كتاب الطلاق وصلى الله على سيدنا محمد النبي- صلى الله عليه وسلم - وآله
وسلم تسليماً [2/ 67/ألف].
(5/258)
|