الإشراف على مذاهب العلماء

54 - كتاب الخلع
1 - باب ما يجوز من الخلع وما لا يجوز
قال الله جل ذكره: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} الآية.
قال أبو بكر: فقد حرم الله على الزوج في هذه الآية أن يأخذ منها شيئاً أتاها إلا بعد الخوف الذي ذكره الله، ثم أكد تحريم ذلك بتغليظه الوعيد على من تعدى أو خالف أمره قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} وهلآية.
(ح 1143) وبمعنى كتاب الله جاء الخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه خالع بين خولة بنت سلول وبين زوجها، لما قالت: إني لا أستطيعه، وأكره الكفر في الإِسلام.
م 3058 - وبه قال عوام أهل العلم، وخطروا على الزوج أخذ شيء من مالها إلا أن يكون النشوز من قبلها، روينا معنى ذلك عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والقاسم ابن محمد، وعمرو بن شعيب، وعروة بن الزبير، والزهري، وحميد ابن عبد الرحمن، وقتادة.

(5/259)


وبه قال الثوري، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور.
وحم عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قبله فخالعته فهو جائز ماض، وهو إثم لا يحل له ما صنع، ولا يجبر على رد ما أخذ.
قال أبو بكر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وخلاف ما أجمع عليه عوام أهل العلم من ذلك، ولا أحسب أن لو قيل لامرئ: اجهد نفسك في طلب الخطأ، ما وجد أمراً أعظم من أن ينطق الكتاب بتحريم شيء، ثم يقابله مقابل بالخلاف نصاً، بل فيقول: يجوز ذلك ولا يجبر على رد ما أخذ.
ولو قال قائل: لما جاز له أن يأخذ ما طابت به نفسها على غير طلاق، جاز أن يأخذ منها ما أعطته من طلاق، أو فسخ نكاح، وهذا إن لم يكن في باب الخطأ أقرب مما مضى من خلافه الكتاب فليس بدونه؛ لأنه يحرم في أبواب المعاوضات ما حرمه الله من الربا، ويجيز الهبات، والعطاء في غير باب المعاوضة، وهذا سبيل كل ما خالف كتاب الله والخبر الثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[2/ 67/ب]- صلى الله عليه وسلم -، وأنه ليبلغني أن كثيراً ممن نصب نفسه للفتيا، والنوازل، يعلم من حلف بطلاق زوجته ثلاثاً ليفعلن كذا ولا فعلن كذا، وكل واحد من الزوجين يؤدي إلى صاحبه ما أوجب الله عليه أن يقول له: خذ منها كذا وافسخ نكاحها، أو طلقها على ما يأخذ منها طلقة، ثم احنث وتزوجها، وتكون عندك على ما بقي من الطلاق.

(5/260)


وليس فيما قلناه حديث فيحتال القائل بما ذكرناه عنه أن يطعن في إسناده، ولا ذلك، أنه يحتمل التأويل فيتأول في دفعها بالتأويل، وإنما هو ظاهر لا يحتمل إلا معنى واحداً.
فلو تكلم المتكلم عن عطاء، والزهري، والثوري، حيث أجازوا الشغار، وقالوا: إنما أجزناه لتراضيهما به، وأنهم لا يفسدون العقد بفساد المهر.
أو قال بعض من يجيز نكاح المحرم: إنما أجزته لقوله: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية. إن النكاح قد عقد بولي وشهود، والنكاح في نفسه مباح، وإنما نهى عن العقد في وقت، كما قال من يخالفنا في عقد البيع بعد النداء لصلاة الجمعة: إن ذلك لوقت وهو جائز، فلما رأيتك لا تلتفت إلى الوقت اقتديت بك، فأجزت نكاح المحرم، إذ هو لوقت، هل يقابل من خالف هذه الأشياء فيقال له: إن النكاح لا ينعقد ما نهى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذ نهى الله ورسوله عن شيء بطل النكاح، كما أبطلت البيع الذي عقد على الزنا، مابين شيء من ذلك فرق، والله أعلم.

2 - باب مبلغ الفدية
م 3059 - واختلفوا في مبلغ الفدية.
قالت طائفة: لها أن تفتدي منه بما تراضيا عليه كان أقل مما أعطي أو أكثر منه، هذا قول عكرمة، ومجاهد، وقبيصة بن ذؤيب، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، والنعمان.

(5/261)


وروي معنى ذلك عن عثمان، وابن عمر.
واحتج قبيصة بقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} الآية.
وقالت طائفة: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها، كذلك قال طاووس، وعطاء، وعمرو بن شعيب، والزهري.
وكره ذلك ابن المسيب، والحسن البصري، والشعبي، والحكم، وحماد، وإسحاق، وأحمد، وأبو عبيد.
وقال الأوزاعي، كنت القضاة لا يجيزون (1) أن يأخذ إلا ما ساق إليها.
وقد روينا عن سعيد بن المسيب [2/ 68/ألف] قولاً ثالثاً قال: ما أرى أن يأخذ منها كل ما لها ولكن ليدع لها شيئاً.
وقد روي عن بكر بن عبد الله المزي أنه سئل عن رجل تريد امرأته منه الخلع؟ قال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئاً، قلت: يقول الله في كتابه: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} الآية قال: إن هذه نسخت، قلت: أين جعلت؟ قال: جعلت في سورة النساء.
يقول الله: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} الآية.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول للآية التي احتج بها قبيصة ابن ذؤيب.
__________
(1) في الأصل "لا تجيز" وكذا في الأوسط 3/ 274/ب.

(5/262)


3 - باب اختلاف أهل العلم في البينونة في الخلع
م 3060 - واختلفوا في الخلع.
فقالت طائفة: الخلع تطليقة ثانية روي هذا القول عن عثمان، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الحسن البصري، وابن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وشريح، وقبيصة بن ذؤيب، ومجاهد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، ومكحول، والنخعي، وابن أبي نجيح.
وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي، غير أن أصحاب الرأي قالوا: إن نوى الزوج ثلاثاً كان ثلاثاً، وإن نوى اثنين فهو واحدة بائنة لأنها كلمة.
وفيه قول ثان: وهو أن الخلع فسخ وليس بطلاق، هكذا قال ابن عباس، وطاووس، وعكرمة.
وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
ويه قول ثالث: وهو أنه إن نوى بالخلع طلاقاً، أو سماه فهو طلاق، وإن لم ينو طلاقاً ولا سمى، لم يقع فوقه، هذا قول الشافعي.
وفيه قول رابع: قاله أبو عبيد قال: إن نكاح الزوج الذي يلي ذلك فهو طلاق، وإن كان السلطان بعث حكمين فهو انقطاع للعصمة غير طلاق.
وضعف أحمد حديث عثمان، وحديث علي، وابن مسعود في إسنادهما مقال: وليس في الباب اصح من حديث ابن عباس، واحتج ابن عباس فيه بالفراق قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}

(5/263)


إلى قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} الآية.

4 - باب الطلاق بعد الخلع في العدة
م 3061 - اختلف أهل العلم في الرجل يخالع زوجته، ثم يطلقها وهي في العدة.
فقالت طائفة: [2/ 68/ب] يلحقها الطلاق ما دامت في العدة، كذلك قال سعيد بن المسيب، وشريح، وطاووس، والنخعي، والز هري، والحكم، وحماد، والثوري، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن الطلاق لا يلزمها، هذا قول ابن عباس، وابن الزبير، وعكرمة، والحسن، وجابر بن زيد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وفيه قول ثالث: وهو إن اتبعها الطلاق حين تعتدي لزمها الطلاق، وإن طلقها بعد ما يفرقان، لم يلزمها.
وقال مالك: إذا افتدت بشيء على أن يطلقها، ثم طلقها طلاقاً متابعاً نسقاً، فذلك ثابت عليه، وإن كنت بين ذلك صمت، فليس بشيء.
قال أبو بكر: بقول ابن عباس، وابن الزبير أقول.

(5/264)


5 - باب الخلع يكون بعده النكاح في العدة
م 3062 - واختلفوا في الرجل يخالع زوجته، ثم يريد الرجوع إليها، فقال أكثر أهل العلم: لا سبيل له إليها إلا بتجديد نكاح مستأنف، هذا قول عطاء، والحصن البصري، وطاووس، والنخعي، والثوري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو إن شاء راجعها وأشهد عليه، ورد عليها ما أخذ منها، هذا قول سعيد بن المسيب، والزهري.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان لم يسم في الخلع طلاقاً، فالخلع فرقة ولا يملك رجعتها، وإن سمى فيه طلاقاً فهو أملك برجعتها ما دامت في العدة، هذا قول أبي ثور.
قال أبو بكر: الأول أصح.

6 - باب الخلع يكون بعده النكاح في العدة ثم الطلاق قبل المسيس وما يجب عليه من المهر
م 3063 - واختلفوا في الرجل تكون له المرأة قد دخل بها، ثم يخالعها، ثم ينكحها في العدة، ثم يطلقها قبل [أن] يمسها.
فقالت طائفة: عليها العدة، كذلك قال النخعي، والشعبي.
وفيه قول ثان: وهو أن عليها أن تكمل بقية عدتها، روي ذلك عن الحسن، وعطاء، وقتادة، ومالك، وأبي عبيد.
م 3064 - واختلفوا فيه إن طلقها وهذه صفته، فيما يجب لها من المهر، فقال الحصين البصري، وعطاء، وعكرمة، وطاووس، وقتادة،

(5/265)


وميمون بن مهران، ومالك، والأوزاعي، وأبو عبيد، لها نصف الصداق.
وقد روي عن، والنخعي أنهما قالا: لها الصداق كاملاً [2/ 69/ألف].

7 - باب الخلع في المرض
م 3065 - واختلفوا في المرأة تختلع من زوجها وهي مريضة.
فقالت طائفة: إن اختلعت منه بأقل من ميراثه منها أجزناه، وإن اختلعت بأكثر من ميراثه منها لم نجزه، هذا قول الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: يجوز من ذلك خلع مثلها، ويؤخذ منه ما زاد على خلع مثلها، وقال أصحاب الرأي: إن كنت اختلعت منه بالمهر الذي تزوجها به، وقد دخل عليها وماتت في العدة، وكان ذلك أقل من ميراثه فهو جائز، وإن كان (1) أكثر من المهر، وماتت قبل انقضاء العدة، فإن كان ذلك أقل من ميراثه منها، فهو جائز، وإن كان أكثر فهو مردود إلى قدر ميراثه.
وقال الشافعي: "إن خالعته بمهر مثل أو أقل، فالخلع جائز، وإن خالعته بأكثر من مهر مثلها، ثم ماتت في مرضها قبل أن تصح، جاز له وكان الفاضل عن مهر مثلها وصية، يخاص به أهل الوصايا".
__________
(1) كلمة "كان" تكررت في الأصل.

(5/266)


وكان أبو ثور يجيز أن تختلع منه بمهر مثلها في مرضها وإن كان جميع ما يملك، وإن ماتت. (1)

مسألة
م 3066 - كان الحارث العكلي يقول: إذا اختلعت المرأة من زوجها وهو مريض، فمات وهي في العدة، فلا ميراث لها، وبه قال أصحاب الرأي.
وقال الزهري: ترثه، وبه قال أبو عبيد.

8 - باب تفريق الأب بين ابنه الصغير وبين زوجته تخلع
م 3067 - واختلفوا في [[مبارأة]] الأب على ابنته الصغيرة البكر.
فقالت طائفة: ذلك جائز عليها، ولا تجوز على الثيب، هذا قول عطاء بن أبي رباح، وبه قال الزهري.
وقال الزهري في الابن والبنت الصغرين، جائز صلح الأب عليهما، وبه قال قتادة.
م 3068 - وقال عطاء: إذا زوج الأب فالطلاق في يد الأب، وبه قال قتادة، إذا كان الابن صغيراً، قال: وعلى الأب نصف الصداق، وبه قال يحيى الأنصاري، وأبو عبيد، إلا الصداق فإنهما لم يذكراه.
وقال مالك: لا يجوز طلاق الأب عليه، ويجوز الصلح وتكون تطليقة بائنة كذلك الوصي يزوج اليتيم، ثم تصالح عنه امرأته وتكون تطليقة.
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ونص الكلام في الأوسط كما يلي: «وكان أبو ثور: يقول: إذا اختلعت المرأة من زوجها في مرضها على مهرها وهو جميع مالها كان الخلع جائزا وكان المهر له، فإن ماتت في مرضها لم يكن للورثة على الزوج سبيل، ولم يكن لهم أن يرجعوا عليه بشيء.»

(5/267)


قال أبو بكر: وأبطلت طائفة ذلك [2/ 69/ب] كله، وقالت: الطلاق إلى الأزواج، فإن طلق الأب على ابنه، فهي زوجة بحالها، ولا يجوز طلاقه، هذا قول الشافعي، والثوري، وأصحاب الرأي، وهو قول مجاهد.
وبه نقول.

9 - مسائل من كتاب الخلع
م 3069 - واختلفوا في الخلع بالشيء المجهول، وذلك أن تخالعه بما في بطن أمتها، أو بعبد لم يره ولم يعرفه، فإن الشافعي يقول: الخلع جائز، وله مهر مثلها.
وقال أبو ثور: الخلع باطل.
وقال أصحاب الرأي: الخلع جائز وله ما في بطن الأمة، فإن لم يكن فيه ولد، فلاشيء له.
م 3070 - فإن اختلعت منه على خادم وسط، فالوسط عندنا أربعون ديناراً في قول النعمان، وفي قول يعقوب، ومحمد: على قدر الغلاء والرخص.
وفي قول الشافعي: له مهر مثلها.
م 3071 - واختلفوا في الرجل يخالع زوجته على الشيء الحرام مثل الخمر، والخنزير، ففي قول الشافعي: الخلع جائز، وله مهر مثلها.
وفي قول النعمان وأصحابه: ليس (1) له غير ما سمى.
وفي قول مالك، وأبي ثور: الخلع جائز وليس له شيء.
__________
(1) في الأصل "وليس".

(5/268)


م 3072 - واختلفوا في الرجل يخالع المرأة على عبد بعينه، فيتلف العبد بعد الخلع قبل أن يقبضه الزوج، فكان الشافعي يقول: له مهر مثلها.
وقال أصحاب الرأي: إن مات العبد قبل الخلع فله مهرها الذي أعطاها، وإن مات بعد الخلع فله قيمته.
وفي قول أبي ثور: إن كان هو التارك للعبد في يدها حتى مات فلا شيء، وإن منعته بعد الخلع فعليها قيمته.
م 3073 - وإذا خالعها على عبد فكان حراً، ففي قول الشافعي: له مثلها. وفي قول أبي ثور: له قيمته.
وفي قول أصحاب الرأي: يرجع عليها بالمهر الذي أعطاها.
م 3074 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إن استحقه رجل فللزوج قيمة العبد.
وفي قول الشافعي: له مهر مثلها.
م 3075 - وإذا اختلعت منه على عبد، ومهر مثلها ألف درهم على أن زادها ألف درهم.
ففي قول أبي ثور: الخلع باطل.
وفي قول أصحاب الرأي: يرجع عليها بالألف درهم، ويأخذ منها نصف قيمة العبد.
وفي قول الشافعي: عليها مهر مثلها، ويرجع عليها بالألف إن كانت قبضتها.
م 3076 - وإذا خالع السكران امرأته فهو جائز في قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: فيها قولان آخر، [2/ 70/ألف] وهو إن خلعه لا يجوز.

(5/269)


قال أبو بكر: وقياس قول عثمان بن عفان إن الخلع لا يجوز.
وكذلك نقول.
م 3077 - واختلفوا في خلع المكره عليه، ففي فول أبي ثور، لا يجوز، وهو قياس قول مالك، والشافعي.
وفي قول أصحاب الرأي: جائز.
م 3078 - واختلفوا في الرجل تكون له المرأتان تسألانه أن يطلقهما بألف، فطلقهما في ذلك المجلس، فقال أصحاب الرأي: يقسم الألف على قدر ما تزوجهما عليه من المهر، فتلزم كل واحدة ما أصابها من ذلك، هكذا قال أصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: على كل واحدة منهما نصف الألف.
وللشافعي فيها قولان:
أحدهما أن الألف عليهما على قدر مهور أمثالهما.
والآخر: إن على كل واحدة منهما مهر مثلها.
م 3079 - فإن ادعت أن الزوج خالعها، وأقامت شاهداً أنه خالع بألف، وشاهداً بخمس مائة، كانت شهادتهما باطلة، ولا يلزم الزوج شيء في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك نقول
م 3080 - وإن أنكرت المرأة الخلع وادعاه الزوج، فشهد شاهد أنه خالعها بعبد، وشهد آخر أنه خالعها بدنانير، لزمه الطلاق الذي أقر به، ولم يلزمها من المال شيء في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك [نقول] (1).
__________
(1) ما بين القوسين كان ساقطاً من الأصل.

(5/270)


م 3081 - واختلفوا في المرأة تقول لزوجها: اخلعني ولك ألف درهم، ففعل، ففي قول أبي ثور: الخلع باطل، وإن طلق فالطلاق لازم، ولا شيء له.
وقال النعمان: الخلع والطلاق لازم، وليس له من الألف شيء، وهو يملك الرجعة.
وفي قول يعقوب، ومحمد: الطلاق بائن، والمال لها لازم.
م 3082 - إذا قال: أنت طالق وعليك ألف درهم، فهي واحدة، وله الرجعة وليس عليها من الألف شيء في قول الشافعي، والنعمان.
م 3083 - وإذا اختلعت المرأة من زوجها بهذا الدن من الخل، فنظره فإذا هو خمر، ففي قول الشافعي: له مهر مثلها.
وقال النعمان: ترد المهر الذي أخذت منه.
وقال أبو ثور: له ملء الدن خل من الخل الذي وصفته.
وفي قول ابن الحسن: له مثل كيل ذلك الدن، خل من خلط وسط.
م 3084 - وإذا اختلعت المرأة من زوجها إلى قدوم فلان، [2/ 70/ب] أو إلى موته بشيء معلوم، فالخلع جائز في قول الشافعي، وله مهر مثلها، لأن ذلك إلى أجل مجهول.
وقال أصحاب الرأي: المال حال عليها.
وقال أبو ثور: الخلع جائز، والمال إلى ذلك بالأجل.
م 3085 - وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعرض موصوف، أو طعام موصوف إلى أجل معلوم، فهو جائز في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.

(5/271)


10 - باب الخلع دون السلطان
م 3086 - واختلفوا في الرجل يخالع زوجته دون السلطان، فقال كثير من أهل العلم: ذلك جائز، روينا ذلك عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان.
وبه قال شريح، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
وكان الحسن، وابن سيرين يقولان: لا يجوز الخلع إلا عند سلطان.

11 - باب الحكمين
قال الله تعالى ذكره: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآية.
قيل في قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} أيقنتم، وفي قوله {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}: تفاسد، وقيل: تباعد ما بينهما، {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} الآية.
م 3087 - واختلفوا في الإمام يبعث بحكم من أهله، وحكم من أهلها.

(5/272)


فقالت طائفة: الأمر إلى الحكمين، إن رأيا أن يجمعا جمعا، وإن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا بينهما، روينا هذا القول عن علي، وابن عباس.
وبه قال، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، وإسحاق.
قال أبو بكر: وبهذا القول أقول، لظاهر قوله {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الآية.
وفيه قول ثان: وهو أن الحكمين لا يفرقان إلا بأن يجعل ذلك الزوجان بأيديهما، هذا قول عطاء، والشافعي.

(5/273)