الإشراف
على مذاهب العلماء 60 - كتاب الرجعة
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر:
قال الله جل ذكره: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}.
3327 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته
الحرة، وكانت مدخولاً بها تطليقة، أو تطليقتين، أنه أحق برجعتها حتى تنقضي
العدة.
وقوله: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} العدة عند جماعة أهل التفسير.
وقالوا في قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَمْرًا} أنه الرجعة.
1 - باب الإشهاد على الرجعة
قال الله جل ذكره: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.
م 3328 - ولم يختلف أهل العلم على أن السنة في الرجعة أن تكون بالإشهاد.
(5/378)
وفيما ذكرناه من كتاب الله عز وجل، مع
إجماع أهل العلم عليه، كفاية عن ذكر ما روي عن الأوائل في هذا الباب.
م 3329 - واختلفوا فيما يكون به الرجل مراجعاً لزوجته المطلقة واحدة، أو
اثنتين، فقالت طائفة: إذا جامعها فقد راجعها، هكذا قال ابن المسيب، والحسن،
وابن سيرين، وعطاء، وطاووس، والزهري، والثوري: قالوا: ويشهد.
وبه قال أصحاب الرأي، والأوزاعي، وابن أبي ليلى.
وفيه قول ثان: وهو أن الجماع إنما يكون رجعة إذا أراد به الرجعة، هذا قول
مالك، وإسحاق.
م 3330 - وقال الثوري، وأصحاب الرأي: إذا قبل، أو باشر، أو لمس فهو رجعة،
قال أصحاب الرأي: إذا كإن ذلك بشهوة.
م 3331 - وقال أصحاب الرأي: النظر إلى الفرج رجعة.
وفي قول مالك بن أنس، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي: لا يكون رجعة.
م 3332 - وقال الشافعي، وأبو ثور: لا تكون رجعة حتى يتكلم بالرجعة.
وقال جابر بن زيد، وأبو قلابة: إذا تكلم بالرجعة فهي رجعة.
قال أبو بكر: هذا حسن.
م 3333 - وأجمع أهل العلم على أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في [2/ 97/ب]
العدة، وإن كرهت المرأة ذلك.
م 3334 - وكذلك أجمعوا على أن الرجعة تثبت بغير مهر، ولا عوض.
(5/379)
م 3335 - وأجمعوا كذلك أن المطلق إذا قال
بعد إنقضاء العدة: إني كنت راجعتك في العدة، وأنكرت المرأة، إن القول قولها
مع يمينها، ولا سبيل له إليها.
غير أن النعمان كان لا يرى يميناً في النكاح، ولا في الرجعة.
وخالفه صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم.
م 3336 - وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا قال: إذا كان غداً فقد
راجعتك، أن ذلك ليس برجعة.
وإذا قال: قد كنت راجعتك أمس، وهي في العدة، فالقول قوله في قول الشافعي،
وأصحاب الرأي.
م 3337 - إذا كانت الزوجة أمة فاختلف المولى، والجارية، والزوج يدعي
الرجعة، وذلك بعد إنقضاء العدة، وقال الزوج: قد كنت راجعتك في العدة،
وأنكرت، فالقول قول الزوجة الأمة، وإن كذبها مولاها، وهذا قول الشافعي،
وأبي ثور، والنعمان.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وقال يعقوب، ومحمد: القول قول المولى. وهو أحق بها.
2 - باب المدة التي تصدق فيها المرأة إذا ادعت
انقضاء العدة
م 3338 - واختلفوا في الرجل يطلق زوجته، فتدعي انقضاء العدة، ويكذبها
الزوج.
فقالت طائفة: إذا ادعت أنها حاضت ثلاثة حيض في شهر، أو في خمس وثلاثين
ليلة، أو جاءت بينة من النساء العدول، من بطانه أهلها ممن يرضى صدقه وعدله،
أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من
(5/380)
الطمث، وتغتسل عند كل قروء، وتصلي، فقد
انقضت عدتها، وهي غير كاذبة، هذا قول شريح.
وقال له علي بن أبي طالب: "قالون" معناها بالرومية: أصبت، أو أحسنت.
وقال أحمد: إذا ادعت في شهر، سئلت البينة، كما قال علي، وإن كان أكثر من
شهر، صدقت على حديث أبيّ أن المرأة ائتمنت على زوجها.
وفيه قول ثان: وهو أنها تصدق في انقضاء عدتها في أكثر من اثنين وثلاثين
يوماً، هذا قول الشافعي.
وقال النعمان: لا تصدق في أقل من ستين يوماً.
وفيه قول رابع: [2/ 98/ألف] وهو أنها لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين
يوماً، وهذا قول يعقوب، ومحمد.
وفيه قول خامس: قال أبو ثور قال: أقل ما يكون في ذلك إذا طلقها في أول
الطهر، سبعة وأربعون يوماً، وذلك أن أقل (1) الطهر خمسة عشر يوماً وأقل
الحيض يوم.
وفيه قول سادس: قال إسحاق، وأبو عبيد، وهو إن كانت لها أقراء معلومة، قبل
أن تبتلي، حتى عرفها بذلك بطانة أهلها ممن يرضي دينهن وأمانتهن، فإنها تصدق
على ذلك، فإن لم يكن كذلك،
لم تصدق في أقل من ثلاثة أشهر.
__________
(1) في الأصل "الأقل الطهر".
(5/381)
م 3339 - واختلفوا في الرجل يقول لامرأته
المطلقة: قد راجعتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، في وقت يمكن أن تنقضي
فيه العدة، فكان الشافعي يقول: القول قول المرأة مع يمينها.
وحكي أبو ثور عن النعمان أنه قال ذلك.
وحكي عن يعقوب، ومحمد أن ذلك رجعة، والقول قول الزوج.
م 3340 - وقال كل من حفظت عنه من أهل العلم إذا قالت المرأة في عشر أيام:
قد حضت ثلاثة حيض، وانقضت عدتي، أنها لا تصدق، ولا يقبل منها، إلا أن تقول:
قد اسقطت سقطاً قد استبان خلقه، وهذا على مذهب الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب
الرأي.
وقال مالك كذلك.
3 - باب انقضاء العدة بالأقراء من الحيض والطهر
م 3341 - اختلف أهل العلم في الحر يطلق زوجته الحرة تطليقة، أو اثنتين حتى
تبين منه، حتى لا يكون له رجعة، والوقت فيه، فقال عمر بن الخطاب، وعلي بن
أبي طالب، وابن مسعود، وابن المسيب، والثوري، وإسحاق، وأبو عبيد: هو أحق
بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة.
وروي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبي موسى، وعبادة، وأبي
الدرداء.
وفيه قول ثان: وهو أنه أحق بها ما دامت في الدم، هذا قول طاووس، وسعيد بن
جبير، والأوزاعي.
(5/382)
وفيه قول ثالث: وهو أن له الرجعة حتى يمضي
وقت الصلاة التي طهرت في وقتها، هذا قول سفيان الثوري.
وقد روينا عن ابن عباس قولاً رابعاً: وهو أنها إذا حاضت المطلقة الثالثة،
فقد برئت منه.
وفيه قول خامس: وهو أن له الرجعة [2/ 98/ب] وإن فرطت في الغسل عشرين سنة ما
لم تغتسل، حكي هذا القول عن شريك.
قال أبو بكر: وهذا كله على مذهب من يرى أن الأقراء من الحيض.
وقالت طائفة سادسة: الاقراء الاطهار، ففي هذا القول له عليها الرجعة ما لم
تر الدم من الحيضة الثالثة، إذا كان طلقها وهي طاهر، هذا قول مالك،
والشافعي، وأبي ثور.
وممن هذا مذهبه كان الأوائل زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، والقاسم،
وسالم، وأبان بن عثمان.
ووقف أحمد عن الجواب فيه، وقال: كنت أقول بقول زيد، ثم إني أتهيب الآن [من
أجل أن فيه عن علي، وعبد الله] (1).
4 - مسائل من كتاب الرجعة
م 3342 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة، ثم يطلقها ويقول: لم أطاهأ، وتدعي
أنه وطيها.
__________
(1) في الأصل "ثم انتهيت الآن" وهو خطأ والصواب ما أثبته، وكذا في مسائل
أحمد بن حنبل لأبي
داوود/ 184 وكذا في الأوسط 3/ 310/ ب.
(5/383)
فقالت طائفة: القول قوله مع يمينه، وعليه
نصف المهر، ولا رجعة له عليها، وعليها العدة، هذا قول شريح.
وقال الشافعي: عليها العدة، ولا رجعة عليها، وبه قال أبو ثور، وأصحاب
الرأي.
وقال مالك: لها الصداق كاملاً إذا قال: لم أطأها وقد دخل بها.
م 3343 - وإن دخل بها وقالت: لم يطأني، وقال: قد وطيتها، فالقول قولها مع
يمينها، ولا رجعة له عليها، هذا قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: إن كان خلى بها فالقول قول الزوج، فإن لم يكن دخل بها،
فلارجعة له عليها.
وقال أبو ثور: كما قالوا، ويستحلف.
م 3344 - وإن كان الزوج مجبوباً، أو عنيناً فدخل بها، ثم طلقها فعلى كل
منهما نصف الصداق في قول أبي ثور، ولا عدة عليها، ولا رجعة.
وقال النعمان: إذا خلى بها أحدهما ولم يدخل، ثم طلق، فلا رجعة له وعليه في
قول النعمان، ويعقوب، ومحمد: المهر، وعليها العدة، ما خلا المجبوب خاصة،
وان عليها العدة، وعليه لها نصف المهر في قول أبي يوسف، ومحمد وقال
الشافعي: لا يكمل المهر إلا بالوطئ.
م 3345 - واختلفوا في الرجل يطلق زوجته قبل أن يدخل بها، فيظن أن له الرجعة
فيراجع ويطأها، فقال عطاء، وجابر بن زيد، والزهري، والنخعي، وحماد، وأبو
عبيد، لها المهر ونصف المهر.
(5/384)
وذكر أبو عبيد أن هذا قول سفيان، وأهل
العراق من أصحاب الرأي.
وقال الشعبي، الحسن البصري، وجابر بن زيد، والزهري، وقتادة، والحكم، وابن
شبرمة، ومالك: لها صداق واحد.
وقال عثمان البتي: لها نصف الصداق.
وقال [2/ 99/ألف] الأوزاعي: إن كان أعلمها طلاقها، ثم دخل بها، فرق بينهما
وضربا مائة مائة، ولا صداق لها بعد الأول، وإن كان لم يعلمها طلاقه إياها
حتى دخل بها فلها صداق ونصف.
م 3346 - وكان مالك يقول: من طلق امرأته وهي حائض، أو نفساء، يجبر على
الرجعة.
(ح 1168) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: مُر عبد الله
فليراجعها.
فأمره على الفرض.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.
وفي قول الشافعي: لا يجبر على ذلك.
وقال الثوري: كان الرجل يؤمر بذلك، وقال أبو ثور: يؤمر بالرجعة.
وقال أصحاب الرأي: ينبغي له أن يراجعها، إذا طلق وهي حائض.
م 3347 - وقال الشافعي: إذا مات الصبي الذي لا يجامع مثله عن امرأته وهي
حبلى، دخل بها أو لم يدخل بها، فعليها أن تعتد أربعة أشهراً وعشراً.
(5/385)
وبه قال أحمد، وإسحاوق، وأبو ثور،
والنعمان، ومحمد.
وقال النعمان: وإن كان الحبل في حياته فأجلها أن تضع حملها.
وبه قال محمد، قال: استحسنا ذلك.
ثم كتاب الرجعة (1)، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين (2).
__________
(1) في الأصل "الطلاق" ولعل الخطأ وقع من الناسخ من سبق القلم.
(2) في الأصل يأتي بعد هذا "كتاب أحكام أمهات الأولاد" والصحيح أن موقعه
بعد كتاب المكاتب، وكتاب المدبر، وقد جاء في نسخة الدار، وفي الأوسط هكذا
صحيحاً، فأثبته هناك.
(5/386)
|