الإشراف
على مذاهب العلماء 62 - كتاب البيوع
أخبرنا أبو بكر محمد بن [ابراهيم بن] (1) المنذر:
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ
تَرَاضٍ مِنْكُمْ} الآية.
وقال الله جل ذكره: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
الآية.
فكان ظاهر قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أن كل بيع عقده متبايعان
جائزا الأمر، عن تراض منهما جائز.
ودل قوله: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} على أنه لم يرد بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ} كل بيع لزمه اسم بيع، ودلت سنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
على مثل ما دل عليه كتاب الله، لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما
نهى عن بيوع تراضى بها المتبايعان، دل ذلك على أن الله تبارك وتعالى إنما
أباح من البيع ما لم يحرمه في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم
-.
(ح 1177) فمما نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن بيعه بيع الحر.
م 3393 - وأجمع أهل العلم على أن بيع الحر باطل.
__________
(1) ما بين القوسين كان ساقطاً من الأصل.
(6/9)
1 - باب تحريم بيع
الميتة وشحومها واختلاف الناس في الانتفاع بها
قال الله جل ذكره: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ} الآية.
(ح 1178) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حرم بيع الخمر والميتة.
م 3394 - وأجمع أهل العلم على تحريم بيع الميتة.
والميتة محرمة بالكتاب، والسنة، والاتفاق، ودل خبر رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - على أن بيع جيفة الكافر من أهل دار الحرب غير جائز، وبيع شحوم
الميتة من أهل السفن إذا باعوا غير جائز لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
(ح 1179) لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها.
(ح 1180) ونهاهم النبي- صلى الله عليه وسلم - عن أن يستعملوا أوداك الميتة
في السفن.
وإذا حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذلك، حرم الانتفاع به على الوجوه
كلها.
(6/10)
(ح 1181) وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -
في السمن الذي وقعت فيه الفأرة "ولا تقربوه".
بيان ذلك.
م 3395 - وقد اختلف أهل العلم في السمن المائع الذي سقطت فيه الفأرة الميتة
[2/ 107/ب].
فقالت طائفة: ينتفع به ولا يوكل، روى ذلك عن ابن عمر، وابن مسعود، وعلي،
وابن عباس، وأبي سعيد الخدري.
وبه قال عطاء، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والشافعي.
وقال أحمد: يطلى به السفن، وكذلك قال إسحاق، وأصحاب الرأي.
وكرهت طائفة بيعه، والانتفاع به، هذا قول عكرمة، ومالك.
قال أبو بكر: وبهذا أقول، والنبي - صلى الله عليه وسلم - الحجة على الأولين
والآخرين فلا يجوز يع شيء من ذلك، ولا الانتفاع به استدلالا بالأخبار
الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
2 - باب النهي عن بيع الخمر
قال أبو بكر:
(ح 1182) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حرم الخمر وقال: إن الذي
حرم شربها حرم بيعها".
(6/11)
(ح 1183) ونهى التجارة في الخمر.
م 3396 - وأجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز.
والخمر حرام شربها لا يجوز، والانتفاع بها، ولا يجوز أن يتخذ الخمر خلا،
لأن ذلك لو كان جائزاً ما أمر بصبها، لأنه نهى عن إضاعة المال.
3 - باب تحريم ثمن الدم والخنزير
قال الله جل ثناءه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ} الآية.
(ح 1184) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الدم.
م 3397 - وأجمع أهل العلم على القول به.
(ح 1185) وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم بيع الخمر، والميتة،
والخنزير والأصنام.
م 3398 - وأجمع أهل العلم على أن بيع الخنزير، وشراءه حرام.
م 3399 - واختلفوا في الانتفاع بشعره، فكره ابن سيرين، والحكم، وحماد،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق الانتفاع به.
(6/12)
وقال أحمد: الليف أحب إلينا.
ورخص فيه الأوزاعي، والحسن البصري، ومالك، والنعمان، ويعقوب.
4 - باب عظام الميتة والعاج
م 3400 - واختلفوا في عظام الميتة، والعاج، والانتفاع به، فكرهت طائفة بيعه
والانتفاع به، كره ذلك عطاء بن أبي رباح، وطاووس، وعمر [2/ 108/ألف] بن عبد
العزيز، ومالك، والشافعي، وأحمد.
ورخص فيه محمد بن سيرين، وعروة بن الزبير، وابن جريج.
وقال الحسن البصري: لا بأس بالانتفاع بأنياب الفيلة.
قال أبو بكر: مذهب من حرم ذلك أصح المذهبين.
5 - باب النهي عن ثمن الكلب والمهر
قال أبو بكر:
(ح 1186) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر
البغي، وحلوان الكاهن.
م 3401 - وقد اختلف أهل العلم في تحريم ثمن الكلب، فحرمت طائفة ثمنه، ولم
تر على من قتله غرما في ماله، هذا قول الشافعي، وأحمد.
(6/13)
وقال الأوزاعي: الكلب لا يباع، وكره ثمن
الكلب أبو هريرة، والحسن البصري، والحكم، وحماد.
وأباح النعمان بيع الكلاب (1) كلها، وأوجب على قاتلها الغرم.
ولا معنى لقوله، إذ هو خلاف ما ثبت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وفيه قول ثالث: وهو أن الرخصة في ثمن كلب الصيد من بين الكلاب، روى هذا
القول عن جابر بن عبد الله، وبه قال عطاء، وإبراهيم النخعي.
وقد روينا عن عطاء قولاً رابعاً، وروينا عنه أنه قال: إن قتلت كلباً ليس
بعقور، فاغيرم لأهله ثمنه.
وفيه قول خامس: وهو كراهية أثمان الكلاب كلها، وإلزام قاتل كلب الصيد
والماشية قيمته، هذا قول مالك.
قال أبو بكر: وإذا نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من ثمن الكلب،
وأخبرنا أنه حرام، فذلك على العموم، يدخل فيه جميع الكلاب، ولا يجوز أن
يستثنى من خبر الرسول إلا بخبر مثله، ولا نعلم خبراً عارض الخبر الذي
ذكرناه خبر أبي مسعود (2).
(ح 1187) وقد روينا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ثمن
السنور.
م 3402 - وقد أجمع أهل العلم على أن اتخاذه مباح.
م 3403 - واختلفوا في بيعه، فروينا عن ابن عباس أنه رخص في بيعه، وبه قال
الحسن البصري، وابن سيرين [2/ 108/ب]، والحكم،
__________
(1) هذا من الحاشية، وكذا في الأوسط 3/ 313/ألف، وفي الأصل "ثمن" بدل
"بيع".
(2) في الأصل "ابن مسعود" والصحيح ما أثبته، وهو الحديث يرقم 1186.
(6/14)
وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وكرهت طائفة بيعه، روينا ذلك عن أبي هريرة، وطاووس، ومجاهد.
وبه قال جابر بن زيد.
قال أبو بكر: فإن يثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيعه،
فبيعه لا يجوز، وإن لم يثبت ذلك، فبيعه كبيع الخمر، والبغال، وسائر ما
ينتفع به، ولا يجوز أكله.
6 - باب ما نهى عنه عن بيع الغرر
قال أبو بكر:
(ح 1188) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر.
قال أبو بكر:
م 3404 - وفيه عن بيع الغرر يدخل في أبواب من البيوع، ذلك كل بيع عقده
متبايعان بينهما على شيء مجهول عند البائع والمشتري، أو عند أحد، فمن ذلك
بيع ما في بطون الحيوان من الأنعام والبهائم، وبين الألبان في ضروع
الأنعام، وبيع السمن في الألبان، وعصير [[هذا]] العنب، وزيت هذا الزيتون،
وبيع الحيتان في البحر، وبيع الطير في السماء، والعبد الآبق، والعبد
الشارد، وكل شيء معدوم [[الشخص]] في وقت تبايعهما.
(6/15)
وإن وجد وجد مجهولاً لا يقل ولا يكثر، وما
في هذا المعنى.
ومن بيع الغرر المنهى عنه بيع حبل الحبلة.
7 - باب النهي عن بيع حبل الحبلة وبيع المجر،
والمضامين والملاقيح
قال أبو بكر:
(ح 1189) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحبلة.
م 3405 - وقد اختلف في معناه، ففي بعض أخبار ابن عمر: أن يبيع الرجل الجزور
حين يلقح الناقة، ثم تنتج ما في بطن.
هذا قول مالك، والشافعي، وليس في فساد هذا البيع شك من وجود شيء.
وقال بعضهم: هو أن يبيع ولد الجنين الذي في بطن الناقة هذا قول أبي عبيد.
وذكر ابن علية: هو نتاج النتاج، وبه قال أحد، وإسحاق.
م 3406 - فالبيع في ذلك كله يبطل.
(ح 1190) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع المجر.
(6/16)
وهو بيع ما في بطون الإناث.
م 3407 - والبيع في هذا باطل، لا أعلمهم يختلفون فيه.
م 3408 - وأجمعوا على أن بيع المضامين والملاقيح لا يجوز.
قال أبو عبيد: [2/ 109/ألف] "المضامين في البطون وهي الآجنة، والملاقيح ما
في أصلاب الفحول".
8 - باب النهي عن بيع الملامسة والمنابذة وبيع
الحصاة وبيع المعانم حتى يقسم وبيع الولاء
قال أبو بكر:
(ح 1191) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الملامسة
والمنابذة.
م 3409 - فأما المنابذة: إذا ألقى إليه الثوب وجب البيع، والملامسة: أن
يلمسه بيده ولا يقلبه ولا ينشره.
وممن قال هذا المعنى مالك، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل.
م 3410 - وقال الشافعي في الملامسة: أن يأتي الرجل بثوبه مطوياً، يقول:
أبيعك هذا على أن نظرك إليه اللمس، لا خيار لك إذا نظرت إلى جوفه، وطوله،
وعرضه.
م 3411 - وأما المنابذة فكان مالك يقول: المنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل
ثوبه، وينبذ إليه الآخر ثوبه دلى غير تأمل منهما، وبنحوه قال الشافعي،
وأحمد.
(6/17)
قال أبو بكر:
م 3412 - والبيع في ذلك كله باطل.
قال أبو بكر:
(ح 1192) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحصاة
وتفسيره أن يقول: إذا وقع الحجر فهو لك، هكذا قال أبو هريرة.
(ح 1193) وفي حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر
عن بيع المغانم حتى تقسم.
قال أبو بكر: وذلك لأن بيع حصة الرجل غير معروف قدره، حتى تقسم المغانم،
وكل بيع مجهول، ففي هذا المعنى.
(ح 1194) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء، وعن
هبته.
9 - باب بيع الألبان في ضروع الأنعام وبيع
الأصواف على ظهورها
م 3413 - واختلفوا في بيع الألبان في ضروع الأنعام، وبيع الأصواف على
ظهورها، فممن روينا عنه أنه نهى عن ذلك ابن عباس.
ونهى أبو هريرة عن شراء اللبن في ضروع الغنم، وكره ذلك مجاهد، وطاووس.
(6/18)
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، وقال أحمد،
وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي:
بحديث ابن عباس.
ورخص طاؤس بيعه كيلا.
وقال سعيد بن جبير: لا بأس ببيع اللبن [2/ 109/ب] في الضرع، والصوف على
الظهر.
وقال الحسن البصري: لا بأس أن يشتري لبن هذه الشاة شهراً، إذا كان لها
يومئذ لبن، وبه قال مالك بن أنس، ومحمد بن مسلمة.
وقال مالك: لا بأس باشتراء الصوف على الغنم إذا كنت تريد جزازها قريباً،
فإن أخرت جزازها فلا خير فيه.
قال أبو بكر: لا يجوز بي شيء من ذلك، لأنه غرر يقل ويكثر.
(ح 1195) وقد نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر".
10 - باب بيع العبد الآبق والجمل الشارد
قال أبو بكر:
م 3414 - كان مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي لا يجيزون بيع العبد
الآبق، والجمل الشارد.
وقد روينا عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيراً شارداً.
وقال ابن سيرين: لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحد، وحكى
ذلك عن شريح.
(6/19)
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لنهي رسول
الله- صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر.
11 - باب بيع السمك في الآجام
قال أبو بكر:
م 3415 - ومما هو داخل في بيع الغرر، بيع السمك في الآجام، وقد روينا عن
ابن مسعود أنه نهى عنه.
وكره ذلك إبراهيم النخعي، ومالك، والشافعي، والنعمان، ويعقوب، وأبو ثور.
وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه أجاز ذلك، وبه قال ابن أبي ليلى.
12 - باب بيع البصل والجزر، والفجل، والشلجم
مغيبا في الأرض، وبيع تراب المعادن، والصناعة، والمقاثى، والمباطخ،
والمباقل
قال أبو بكر:
م 3416 - ومما يدخل في بيع الغرر، بيع الجزر، والثوم، والبصل،
(6/20)
والشلجم، والفجل مغيباً في الأرض، وكان
الشافعي، وأحمد: يبطلان البيع في ذلك.
وأجاز ذلك مالك، والأوزاعي، وإسحاق.
قال أبو بكر: البيع في ذلك كله لا يجوز، لأنه من بيوع الغرر، ومما هو داخل
في بيوع الغرر، بيع تراب الصاغة، وتراب المعادن.
م 3417 - وكره بيع تراب الصاغة عطاء، والشعبي.
وقال الشافعي: لا يجوز شرى تراب المعادن بحالٍ، وبه قال [2/ 110/ألف]
الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو إباحة تراب الفضة بالذهب، وتراب الذهب بالفضة، هذا قول
الحسن البصري، والنخعي، وربيعة، والليث بن سعد.
وفيه قول ثالث: قاله مالك قال: لا بأس بشراء تراب المعادن بشيء مخالف، إن
كان ذهباً فبورق يدا بيد، وبعرض إلى أجل.
وقال في تراب الصواغين: لا يجوز بيعه بالعروض ولا بغيرها من الأشياء.
قال أبو بكر: لا يجوز بيع شيء منه؛ لأنه مجهول، ولا يوقف على كثرته وقلته.
م 3418 - واختلفوا في بيع المقاثى والمباطخ، فأبطل بيع ذلك الشافعي.
وقال مالك: لا بأس به إذا بدا صلاحه.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول، لدخوله في جملة نهى النبي - صلى الله
عليه وسلم - عن بيع الغرر.
(6/21)
13 - باب بيع القصيل
م 3419 - واختلفوا في بيع القصيل جزتين، وثلاثا، فكره ذلك الحسن البصري،
وعطاء بن أبي رباح.
ومنع من بيعه الشافعي، إلا أن يقطع مكانه.
ورخص فيه مالك.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
م 3420 - واختلفوا فيمن اشترى قصيلا على أن يدعه حتى يدرك، فأبطل الشافعي
البيع، ونهى عنه النخعي، وبه قال فيما أحسب الكوفي.
وقال سفيان الثوري: يأخذ راس ماله، وليعطي الباقي المساكين إذا اشترى
قصيلاً فصار شعيراً.
قال أبو بكر: البيع باطل، لأنه مجهول.
14 - باب بيع زيادة العطاء وشراء الصكاك
م 3421 - واختلفوا في بيع الزيادة في العطاء، فكره ابن عباس ذلك إلا بعرض.
(6/22)
ورخص فيه زيد بن ثابت، وابن عمر، قال ابن
عمر: ولكن لا يبيعها حتى يكتالها، ورخص فيه شريح، والشعبي، قال أحدهما:
بعرضٍ، وقال آخر: بحيوان.
وكره الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسالم بن عبد الله، وعطاء بن أبي رباح،
ومحمد بن كعب القرظي: بيع الزيادة في العطاء بعرض.
وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال الشافعي: بيع [2/ 110/ب] الأرزاق التي يخرجها السلطان للناس قبل أن
يقبضها، فلا يبيعها للذي يشتريها قبل أن يقبضها.
وقالت طائفة: لا يجوز بيع ذلك، هكذا قال مالك قال: لا يجوز بعرض ولا بغيره،
وبه قال أبو ثور، وحكى ذلك عن الكوفي.
وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قولاً ثالثاً: قال: لا آمر بها
ولا أنهى عنها نفسي، وولدي.
قال أبو بكر: بيع زيادة العطاء من الغرر، وذلك غير جائز، والله أعلم.
15 - باب النهى عن بيع المرء ما ليس عنده
قال أبو بكر:
(ح 1196) جاء الحديث عن حكيم بن حزام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
له: لا تبيعن
(6/23)
طعاماً حتى تشتريه وتستوفيه.
م 3422 - وكان الشافعني يقول: معناه أن أبيع شيئاً بعينه وليس عندي.
وقال أحمد، وإسحاق: معناه أن يقول لصاحبه: اشتر كذا وكذا، واشتريها منك.
وقال بعضهم: معناه مثل العبد الآبق، والبعير الشارد، والرهن، والشيء
المغصوب.
وقال أبو بكر: وأصح ذلك: أن أبيع ما ليس عندي، مما ملكه لغيري، على أن علي
خلاصه، وهذا من بيوع الغرر، لأني قد أقدر عليه ولا أقدر عليه.
16 - باب بيوع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
قال أبو بكر:
(ح 1197) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى
يبدو صلاحها، نهى الباع والمشتري.
م 3423 - وأجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث.
م 3424 - واختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه بيع الثمار، فقالت طائفة: لا
يباع حتى يوكل من الثمر قليل أو كثير، هكذا قال عطاء وروينا ذلك عن
(6/24)
ابن عمر، وابن عباس.
(ح 1198) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع النخل
حتى يطعم.
وفيه قول ثان: وهو أن يبدو صلاحها أن تحمر، أو تصفر، روينا هذا القول عن
مسروق، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
(ح 1199) وفيه هذا المعنى حديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن
بيع الثمر حتى يشقع، يعني يحمر ويصفر [2/ 111/ألف] ويوكل.
(ح 1200) وفي بعض أخبار النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه وقت ذلك طلوع
الثريا.
وقال إبراهيم النخعي: إذا اشتد نوى البر، وآمن عليه الآفة فليشتر.
قال أبو بكر:
م 3425 - وحكم جميع ثمار الأشجار داخل في معنى ثمر النخل، وبيع ذلك جائز
إذا طاب أول ثمرها، وهذا على مذهب مالك، والشافعي، وأحمد،
(6/25)
وإسحاق، وكثير من أهل العلم.
(ح 1201) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع العنب
حتى يسود.
17 - باب النهي عن بيع الزرع قبل أن يشتد حبه
ويبيض سنبله
قال أبو بكر:
(ح 1202) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنبل حتى
يبيض ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري.
قال أبو بكر:
م 3426 - وهذا قول مالك وأهل المدينة، وعبيد الله بن الحسن، وأهل البصرة،
وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وأصحاب الحديث.
وقد كان الشافعي يقول مرة: لا يجوز.
ثم بلغه حديث ابن عمر، فرجع عنه، وقال به، ولا أعلم أحداً يعدل عن القول
به.
(6/26)
18 - باب النهي عن
بيع السنين
قال أبو بكر:
(ح 1203) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين.
م 3427 - وأجمع أهل العلم على أن بيع ثمر النخل سنين لا يجوز، ونهى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع السنين، وعن بيع الغرر.
وهذا لا يجوز بوجه من الوجوه.
19 - باب النهي عن الثنيا في البيع إلا أن يعلم
قال أبو بكر:
(ح 1204) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المحاقلة،
والمزابنة، وعن الثنيا.
(ح 1205) وروينا عنه أنه نهى عن بيع الثنيا إلا أن يعلم.
م 3428 - وقد اختلف أهل العلم في الرجل يبيع ثمرته ويستثنى منها نخلات بغير
أعيانهن، أو ملكية معلومة، فقالت طائفة: البيع باطل حتى يكون
(6/27)
الذي استثنى معلوماً، وأما نخلات بأعيانهن،
[2/ 111/ب] وإما ثلثاً، أو ربعا، أو جزءاً من جزء معلوم.
فممن كره بيع الثمرة ويستثنى منها كيلا معلوماً بن المسيب، والحسن البصري،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
ولا يجوز في قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور: أن يستثنى نخلا غير
معلوم، مثل أن يقول عشر نخلات، ولا يشير إليهن، البيع في ذلك غير جائز.
ورخصت طائفة أن يبيع الرجل ثمر نخله ويستثنى الكر، والكرين، هذا قول ابن
سيرين، وسالم بن عبد الله.
وقد روينا عن ابن عمر أنه باع من رجل ثمرته بأربعة ألف، وطعام الفتيان.
ورخص مالك بن أنس في أن يبيع الرجل ثمرته ويستثنى ثمر نخله أو نخلات يسمى
عددها، وكذلك يجيز أن يبيع مائة شاة، إلا شاة يختارها منها.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول، لحديث رويناه عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه نهى عن الثنيا، إلا أن يعلم، ولنهيه عن بيع الغرر.
(6/28)
م 3429 - واختلفوا في بيع الثمرة إلا
نصفها، أو إلا ثلثها، فرخص في ذلك البتى، والشافعي، والنعمان.
وكره ذلك أبو بكر بن أبي موسى.
وقال الأوزاعي: لا يقول: أبيعك هذه السلعة وأنا شريكك (1)، ولكن ليقل:
أبيعك نصفها وأنا شريكك، وبه قال النخعي.
وقال مالك: له أن يستثنى من حائطه ما بينه وبين ثلث الثمر، لا يجاوز ذلك.
قال أبو بكر: إذا كان المستثنى معلوماً، فالبيع جائز.
20 - باب الأمر بوضع الجوائح
م 3430 - واختلف أهل العلم في الرجل يشتري الثمرة شراء صحيحاً، ويقبضها في
رؤوس النخل ثم يصيبها جائحة، فقالت طائفة: يجب وضع الجوائح على ظاهر حديث
جابر، هذا قول أحمد بن حنبل، وأبي عبيد، وجماعة من أهل الحديث.
(ح 1206) واحتجوا بحديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لو
بعت من أخيك
ثمراً، ثم أصابته جائحة، مالك أن تأخذ منه شيئاً، لم تأخذ مال أخيك بغير
حق.
قال أبو بكر:
قالت طائفة: لا يرجع بالجائحة على البائع، هذا قول الشافعي، والنعمان [2/
112/ألف].
__________
(1) في الأصل "إنما".
(6/29)
وقال مالك: الجائحة التي توضع عن المشتري
الثلث فصاعداً، ولا توضع أقل من الثلث، ويكون ذلك من مال المشتري، والجائحة
من الريح، والحريق، والبرد.
21 - باب بيع مبتاع الثمرة بعد القبض قبل [أن]
تصرم
م 3431 - واختلفوا في الرجل يشتري الثمار في رؤوس النخل ثم يبيعها قبل [أن]
تصرم، فروينا عن الزبير بن العوام، وزيد بن ثابت أنهما رخصا في ذلك.
وبه قال الحسن البصري، وأحمد.
وكره ذلك ابن عباس، وعكرمة، وأبو سلمة.
قال أبو بكر: بيعه جائز إذا قبضه في رؤوس النخل.
22 - باب النهي عن المحاقلة والمزابنة
قال أبو بكر:
(ح 1207) ثبتت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع
المحاقلة، المزابنة،
والمخابرة.
(6/30)
م 3432 - وفي حديث جابر: والمحاقلة: بيع
الزرع بمائة، فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع الثمر في رؤوس النخل بمائة فرق،
والمخابرة: كرى الأرض بالثلث والربع.
م 3433 - وممن قال بظاهر هذا الحديث في المحاقلة، ابن المسيب، وعطاء،
والشافعي، وأحمد، وأبو عبيد.
وفي تفسير المحاقلة وجه آخر، وهو أن المحاقلة كرى الأرض.
قال أبو بكر: تبيع الرطب في النخل جزافا بتمر يسمى كيلا من المزابنة، ولا
أعلمهم يختلفون أن يبيع ذلك غير جائز، إلا شيئاً يروى عن ابن عباس، أنكره
أحمد بن حنبل، إلا العرايا، وأنا ذاكر ذلك بعد إن شاء الله تعالى.
23 - باب العرايا
قال أبو بكر:
(ح 1208) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رخص في العرايا، أن تباع
بخرصها يأكل أهلها رطباً.
م 3434 - وقد اختلف أهل العلم في القول بهذا الحديث، فقال أكثر أهل العلم:
بيعه جائز، وجعلوه مستثنى من جملة نهي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
(ح 1209) نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر بالثمر، وعن
بيع الثمرة بالثمرة، وبيع الرطب بالثمرة.
(6/31)
وكذلك قال مالك وأهل المدينة، والأوزاعي،
وأهل الشام، والشافعي [2/ 112/ب]، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، ومن تبعهم من
أهل العلم.
وعدلت طائفة عن القول بظاهر هذا الخبر، وسائر الأخبار والمأثورة في غير هذا
المكان وخالفتها، هذا قول النعمان وأصحابه.
قال أبو بكر: فبيع العرايا جائز، لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - والذي نهى عن بيع الثمر بالثمر، هو الذي رخص في بيع العرايا.
24 - باب قدر ما يجوز من بيع العرايا
م 3435 - اختلف أهل العلم في قدر ما يجوز من بيع العرايا.
(ح 1210) ففي خبر أبي هريرة خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق شك الراوي فيه.
وقال مالك: خمسة أوسق، لا يجازو ذلك.
وقال الشافعي: لا أفسخ البيع في خمسة أوسق، وأفسخه في أكثر من ذلك.
قال أبو بكر: لا يجوز أن يستثنى من نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عن بيع
(6/32)
الثمر بالثمر إلا بيقين، فيبيع أقل من خمسة
أوسق جائز إذ ذلك يقين، وبيع خمسة أوسق لا يجوز إذ في ذلك شك، ولا يجوز أن
يستثنى من يقين ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيع الثمر
بالثمر بالشك.
م 3436 - واختلفوا في تفسير العرايا.
فكان أبو عبيد يقول: العرايا تفسر بتفسرين، كان مالك يقول: هي النخلة يهب
الرجل ثمرتها للمحتاج، يعريها إياه فيأتي المعرى وهو الموهوب له إلى نخلته
تلك ليجتنيها، فيشق ذلك على المعري له دخوله عليه، فجاءت الرخصة له خاصة أن
يشتري ثمر تلك النخلة من الموهوب بخرصها تمراً.
أما التفسير الآخر: فهو أن العرايا هي النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا
باع ثمرته، فلا يدخلها في البيع، ويبقيها لنفسه وعياله، فأرخص النبي - صلى
الله عليه وسلم - لأهل الحاجة والمسكنة الذين لا ورق لهم، ولا ذهب، وهم
يقدرون على الثمر، أن يبتاعوا بتمرهم من ثمار هذه العرايا بخرصها، فعل ذلك
بهم ترفقاً بأهل الفاقة الذين لا يقدرون على الرطب.
قال أبو بكر: وهذا أصح في المعنى من الأول [2/ 113/ألف].
م 3437 - وكان مالك يقول: العرايا تكون في الشجر كله من النخل، والعنب،
والتين، والرمان، والزيتون، والثمار كلها، وبه قال الأوزاعي.
وقال الليث: لا تكون العرايا إلا في النخل.
وقال الشافعي: في النخل والعنب.
(6/33)
25 - باب بيع النخل
قبل الإبار وبعده
قال أبو بكر:
(ح 1211) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: قال: "من باع نخلاً بعد
أن يؤبر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع".
قال أبو بكر:
م 3438 - وفي قوله: من باع نخلاً بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط
المبتاع، بيان على أن من باع نخلاً لم توبر، أن الثمر للمشتري، وهذا قول
مالك، والشافعي، والنعمان، ويعقوب، ومن تبعهم، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال:
الثمرة للمشتري، وإن لم يشترط لأن ثمرة النخل من النخل.
قال أبو بكر: وهذا لا معنى له، لأنه خلاف السنة التي ذكرناها.
أبواب ما نهي عنه من الغش والخداع في البيوع
26 - باب النهي عن الغش والخداع
قال أبو بكر:
(ح 1212) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: أن الدين النصيحة،
إن الدين
(6/34)
نصيحة، إن الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول
الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين
وعامتهم.
(ح 1213) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من غشنا فليس
منا".
م 3439 - وقد اختلف أهل العلم في معناه فقال قائل: ليس من أهل ديننا.
وقال آخر: ليس مثلنا، وقال آخر: ليس من أخلاقنا، وقال آخر: لم يتبعنا على
أخلاقنا، واحتج هذا القائل بقوله: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي
وَمَنْ عَصَانِي} الآية.
قال أبو بكر: وهذا أحسن.
27 - باب أخبار المصراة وما فيه من الاختلاف
قال أبو بكر:
(ح 1214) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا باع أحدكم
اللقحة (1) أو الشاة فلا يحفلها".
(ح 1215) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصروا الإبل
والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير الناظرين أمسكها، وإن سخطها ردها،
__________
(1) في الأصل "اللحقة" وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتة، وكذا في "العمانية".
(6/35)
ورد معها [2/ 113/ب] صاعاً من تمر.
قال أبو بكر: التسليم لهذا الخبر يجب.
م 3440 - واختلفوا في معنى المصراة.
فكان الشافعي يقول: التصرية أن تربط أخلاف الناقة، أو الشاة، وتترك من
الحليب اليومين، أو الثلانة، حتى يجتمع لها لبن، فيراه مشتريها كثيراً، مما
يرى، فيزيد في ثمنها، مما يرى، من كثرة لبنها.
وقال أبو عبيد: "المصراة: الناقة، أو البقرة، أو الشاة التي قد صرى اللبن
في ضرعها، يعني حقن فيه أياماً، فلم تحلب".
(ح 1216) وفي حديث أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من
اشترى شاة مصراة، فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام".
م 3441 - واختلفوا فيما يرده مشتري المصراة مكان اللبن.
فقال أكثر أهل العلم هو بالخيار بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها، وإن شاء
ردها وصاعاً من ثمر، هذا قول مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور.
وثبت ذلك عن أبي هريرة.
وقالت طائفة: هو بالخيار بعد أن حلبها، فإن شاء ردها ورد معها قيمة اللبن،
حكي القول عن أبي ليلى، وبه قال أبو يوسف.
وقال بعضهم: يعطون من عيشهم، أهل مصر الحنطة.
(6/36)
قال أبو بكر: وفي حديث أبي هريرة: صاعاً من
طعام لا بتمر، أيقول تمر ليس [[ببر]].
قال أبو بكر: فلا يجوز أن يدفع مكان التمر غيره؛ لأن ذلك يكون بيع الطعام
قبل أن يقبض، وقد نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عنه.
وخالف ذلك كله النعمان فقال: إذا حلب المصراة فليس له أن يردها، لأنه قد
أخذ منها شيئاً لا يستطيع ردها.
قال أبو بكر: وهذا خلاف ما سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته.
م 3442 - واختلفوا في الوقت الذي جعل لمشتري المصراة فيه الخيار.
فكان الشافعي وناس من أهل الحديث يجعلون لمشتريه خيار ثلاث.
وفي مذهب بعض المدنيين: له الخيار متى تبين له أنها مصراة أن يردها.
قال أبو بكر: وبخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أقول خيار ثلاث بعد
الحلب على ظهار الحديث.
28 - باب النهي عن النجش في البيوع
قال أبو بكر:
(ح 1217) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن النجش.
م 3443 - واختلفوا في عقد البيع [2/ 114/ألف] الذي نجش فيه.
(6/37)
فقال أكثر أهل العلم: الناجش عاص، إذا كان
بالنهي عالماً، والبيع جائز؛ لأن النجش غير البيع، هذا قول الشافعي، وأصحاب
الرأي.
وأبطلت طائفة من أهل الحديث البيع.
واحتج بعض من أجاز البيع بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة،
وجعل للمشتري الخيار، وهذا بالنجش عاص، كما كان بائع المحاقلة عاصياً،
والبيع جائز منهما جميعاً.
29 - باب النهى عن بيع الحاضر للباد
قال أبو بكر:
(ح 1218) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبيع حافر
لباد".
م 3444 - واختلفوا فيه، فممن كره ذلك أنس بن مالك، وأبو هريرة، وابن عمر،
وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي.
وفيه قول ثان وهو أن الرخصة اليوم في بيعهما، هذا قول مجاهد.
م 3445 - واختلفوا في شراء الحافر للباد.
فكرهت طائفة أن يشترى له، كما كرهت أن يبتاع له.
(6/38)
قال أنس بن مالك: كان يقال: هي كلمة جامعة
يقول: لا تبيعن له شيئاً، ولا تبتاعن له شيئاً.
وفيه قول ثالث: وهو الرخصة في الشراء لهم، والنهي في البيع لهم، هذا قول
الحسن البصري.
م 3446 - واختلفوا في الحاضر يشير على البدوي، ويخبره بالسعر.
فكره مالك ذلك، وبه قال الليث بن سعد.
ورخص فيه الأوزاعي.
قال أبو بكر: لا بأس أن يشير عليه، وليست الإشارة ببيع، وهو من النصيحة
للمسلم.
30 - باب النهي عن التلقي للسلع
قال أبو بكر:
(ح 1219) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تلقوا (1)
السلع".
م 3447 - وممن كره تلقي السلع، عمر بن عبد العزيز، ومالك، والليث بن سعد،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وبلغني عن النعمان أنه لم يكن يرى بذلك بأساً.
ونهت طائفة ثالثة عن تلقي السلع خارج الأسواق، ورخصت في استقبالها في أعلى
السوق، هذا قول طائفة من أهل الحديث.
__________
(1) في الأصل "لا تلتقوا" والصحيح ما أثبته، وكذا في "العمانية"، والكلمة
أصلها "لا تتلقوا" فحذفت إحدى التائين.
(6/39)
(ح 1220) واحتجوا بحديث مالك عن نافع عن
ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تلقى السلع حتى تهبط [2/
114/ب] الأسواق.
قال أبو بكر: هذا أصح.
31 - باب اختلاف أهل العلم فيمن تلقى الركبان
فابتاع سلعة
م 3448 - اختلف أهل العلم فيمن تلقى الركبان فابتاع سلعة.
فقالت طائفة: الشرى جائز، والبائع بالخيار إذا ورد السوق، هذا قول الشافعي.
(ح 1221) ومن حجته حديث رويناه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: "فمن تلقاها، فاشترى منها شيئاً، فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق".
قال أبو بكر: لا خيار للمشتري.
وقالت طائفة: لا خيار له، وقد أساء المستقبل، هذا قول لبعض أصحابنا، وبه
قال أصحاب الرأي.
وبحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أقول.
32 - باب المسترسل الذي لا يماكس ومن في معناه
قال أبو بكر:
(ح 1222) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة".
(6/40)
(ح 1223) وان جريراً قال: أتيت النبي- صلى
الله عليه وسلم - أبايعه، فاشترط علي النصح لكل مسلم.
(ح 1224) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال الرجل كان يخدع في
البيع: "إذا بايعت فقل: لا خلاف به".
م 3449 - واختلفوا فيمن باع بيعاً غبن فيه غبناً، لا يتغابن الناس فيما
بينهم بمثله.
فقالت طائفة: إذا كانا مطلقين جائزي الأمر، فالبيع لازم، كذلك قال الشافعي،
والنعمان.
وقال أحمد في بيع المسترسل: يجئ فيسترسل [[فكره]] غبنه.
وقال أبو ثور: البيع الذي فيه غبن، لا يتغابن الناس بمثله فاسد.
وقال بعضهم: كل بيع باعه رجل من مسترسل، أو اختدعه فيه، أو كذبه، فالمشتري
في ذلك بالخيار، إذا تبين له ذلك.
جماع (1) ما نهى عنه من البيوع
33 - باب النهي عن بيعتين في بيعة
قال أبو بكر:
__________
(1) في الأصل "باب"، وفي " العمانية " ذكر ما نهى عنه من البيوع بالعيوب.
(6/41)
(ح 1225) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه
وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة.
م 3450 - واختلفوا في تفسيره.
فقالت طائفة: هو أن يقول: أبيعك بالنقد بكذا، وبالنسيئة بكذا، هذا قول
مالك، وسفيان الثوري، وإسحاق.
وقال الشافعي: إذا باعة بيعاً بريئاً على أن الدينار إذا حل أخذ به
دراهم إلى وقت، فهذا حرام من بيعتين في بيعة، وشرطين في شرط.
وقد روينا عن ابن مسعود أنه قال: الصفقتان في صفقة [2/ 115/ألف] ربا.
قال الثوري: وتفسيره، أن أبيعك بألف وتعطيني الدينار من عشرة، وأبيعك بعشرة
بنقد، وبعشرين بنسيئة.
قال أحمد: صفقتان في صفقة مثل بيعتين في بيعة.
وقد روينا عن طاووس، والحكم، وحماد أنهم قالوا: لا بأس بأن يقول: أبيعك
بالنقد بكذا، وبالنسيئة بكذا، فيذهب به على أحدهما.
وقال الحكم، وحماد: ما لم يتفرقا.
قال أبو بكر: ومن بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك جاريتي هذه بمائة دينار
على أن تبيعني عبدك هذا بخمسمائة ديناراً، والبيع في ذلك كله فاسد.
(6/42)
34 - باب النهي عن
ربح ما لم يضمن وبيع، وسلف
قال أبو بكر:
(ح 1226) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ربح ما لم
يضمن، ونهى عنه بيع وسلف.
وقد اختلف في القول بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فكان أحمد ربما قال
به، وربما أقف عن ذلك.
وكان الشافعي لا يرى القول به.
م 3451 - وقد اختلف بهذا الحديث في معنى نهيه عن ربح ما لم يضمن.
فقال أحمد، وإسحاق: لا يكون ذلك إلا في الطعام يعني ما لم يقبض، وبه قال
مالك، والثوري.
وقال إسحاق: في كل ما يكال ويوزن.
وقال الأوزاعي: في ربح ما لم يضمن إستأجارك الغلام بأجر معلوم، ثم تؤجره
بأكثر منه.
م 3452 - وكان مالك يقول: تفسير بيع وسلف أن يقول الرجل للرجل: آخذ سلعتك
بكذا على أن تسلفني كذا، فالبيع في هذا فاسد، قال: فإن ترك الذي اشترط
السلف منه كان البيع جائزاً.
والبيع عند الشافعي في هذا فاسد، ترك الشرط أو لم يترك.
(6/43)
35 - باب [[الكالئ
بالكالئ]]
م 3453 - أجمع أهل العلم أن الدين بالدين لا يجوز.
فمن ذلك: أن يسلف الرجل للرجل في طعام، فيحل عليه، ليجعله عليه سلفاً في
طعام آخر أكثر منه، أو يبيعه ذلك الطعام الذي في ذمته بدنانير إلى وقت ثان،
فهذا دين انقلب إلى دين مثله.
وممن حفظنا عنه أنه قال: لا يجوز بيع الدين بالدين، مالك، والأوزاعي
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والكوفي [2/ 115/ب].
وقال أحمد: إجماع أن لا بياع دين بدين.
قال أبو بكر:
(ح 1227) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بإسناد لا يثبت أنه نهى
عن [[الكالئ بالكالئ]].
36 - باب بيع الحيوانين بالحيوان يداً بيد ونسيئة
قال أبو بكر:
(ح 1228) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - اشترى عبداً بعبدين
أسودين، واشترى جارية بسبعة [[أرؤس]].
(6/44)
م 3454 - وقد أجمع كل من أحفظ قوله من
علماء الأمصار على أن بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد جائز.
م 3455 - واختلفوا في بيع الحيوان بالحيوان بالنسيئة.
فممن كره ذلك عطاء، وعكرمة بن خالد، وعبد الله بن عبيد بن
عمير، وابن سيرين، وابن الحنفية، والثوري، وأحمد.
وروي ذلك عن عمار بن [ياسر] (1)، وابن عمر.
وقالت طائفة: لا بأس أن يباع الحيوان بالحيوان نسيئة، هذا قول الشافعي.
واحتج بشيء روي عن علي، وابن عمر.
وفي المسألة قول ثالث: وهو أن لا بأس أن يباع البعير بالبعيرين إلى أجل إذا
اختلف وبان اختلافهما، فإن أشبه بعضهما بعضاً، فلا يأخذ منها اثنين بواحد،
هذا قول مالك.
وقد روي عن الحسن البصري تجوز ذلك.
وقال أصحاب الرأي: إذا قبض أحد الصنفين من الحيوان بعد يوم أو يومين، فلا
بأس، ولو جعل لذلك يوم فأكثر، كان فاسداً.
37 - باب بيع اللحم بالحيوان
م 3456 - واختلفوا في بيع اللحم بالحيوان.
فكره ذلك ابن المسيب، والشافعي.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك فاسد، إلا أن يكون اللحم أكثر من
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع (يسار) والتصويب من الأوسط
(6/45)
لحم الشاة، فيكون الفضل بالصوف، والجلد
والسقط، هذا قول محمد بن الحسن.
وفيه قول ثالث: وهو إن لحم الإبل والبقر، والغنم، والوحش كلها بشيء منها
أحياء لا تصلح، ولا بأس ببيع الحمير، والبغال، والخيل باللحم، هذا قول
مالك.
قال أبو بكر: واحتج الشافعي.
(ح 1229) بحديث مرسل لايثبت.
38 - باب النهي عن بيع الماء
قال أبو بكر:
(ح 1230) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الماء [2/
116/ألف].
ودل خبر إياس بن عبد المزني، وخبر أبي هريرة على أن النهي إنما وقع على بيع
فضل الماء.
(ح 1231) وثبت عنه أنه قال: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ".
(6/46)
قال أبو بكر:
م 3457 - أما نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الماء فظاهره ظاهر
عام (1)، والمراد منه منع
بعض المياه دون بعض، يدل على فيه عن بيع فضل الماء.
ويدل أيضاً على أن ذلك معناه إباحة كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار أن
يبيع الرجل ما أخذه من مثل النيل، أو الفرات في ظرف بثمن معلوم، وغير جائز
أن يجمعوا على خلاف سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فدل ما ذكرناه
على أن نهيه عن بيع الماء، ليس المراد صفة جميع المياه.
ويجوز أن يدخل في نهيه عن بيع الماء المجهول، كالمياه التي يتبايعها أهل
المشرق وغيرهم، يبيع الرجل منهم ما يجري في نهره يومه وليلته بكذا، وكذا
درهماً، وذلك مجهول يزيد أو ينقص، وتحيط به الآفات، ويختلف ذلك في الشتاء
عند كثرة الأمطار، ويقل عند قلة الأمطار، وفي الصيف اختلافاً متفاوتاً، فكل
ماء مجهول، فالبيع فيه فاسد، وكل ماء معلوم في ظرف قد أحاط البائع،
وللمشتري به معرفة، فالبيع فيه جائز.
وأما قوله: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ، فإن الرجل فيما بلغنا كان
يحتفر البئر بناحية من الأرض، وربما لم يكن يقرب لبئره ماء لأحد، فإذا
اختصبت الناحية التي بها بئره، انتجعها أصحاب المواشي، فإن منعهم من ماء
بئره تسبب منعهم ذلك إلى منع الكلام المباح، لعلمه أن لا مقام لهم بالموضع
إذا منعهم ماء بئره على غير ماء، فنهوا عن بيع فضل الماء لهذا المعنى والله
أعلم.
__________
(1) في الأصل "ظهار عليه" وهذا من الأوسط 3/ 327/ب، وفي "العمانية" عن بيع
الماء الطاهر عام.
(6/47)
وقال الأوزاعي في منع فضل الماء قال: يستقى
به، ثم يسيبه في الأرض ولا يعطيه أحداً.
وقال مالك في ماء البئر: إذا وقع الفضل فالناس في الفضل أسوة.
وقال أحمد: إنما نهى عن بيع فضل ماء البئر، والآبار، والعيون في قراره [2/
116/ب].
م 3458 - واختلفوا في بيع الماء روايات وقرب.
فرخص فيه ابن سيرين، وحماد بن أبي سليمان، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون بقرب معروفة الوزن، لا يجوز
عدداً على مذهب الشافعي، والنظر يدل عليه.
39 - باب النهى عن سوم المرء على سوم أخيه
قال أبو بكر:
(ح 1232) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يسأم الرجل على
سوم أخيه".
م 3459 - فمعنى فيه عن أن يسوم الرجل على سوم أخيه، إنما هو إذا ركن البائع
للمسلم، ولم يبق بينهما إلا العقد، هذا مذهب مالك.
قال أبو بكر: فأما ما دام الرجل يساوم بالسلعة، وهما يختلفان بالثمن، فمباح
أن يسوم على سوم أخيه، استدلالاً بحديث.
(6/48)
(ح 1233) أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم
- باع قدحاً وحلساً فيمن يزيد.
ولأن الناس في القديم والحديث ما زال يزيد بعضهم في أثمان السلع التي تباع
في النداء، ولم يختلفوا في السائم إذا ترك السوم، أن لمن أراد السوم أن
يسوم.
وقد قال بعض أهل العلم أن في قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: لا يسوم
الرجل على سوم أخيه إباحة؛ لأن يسوم على سوم الذمي، ولا يجوز للذمي أن يسوم
على سوم المسلم، لأن المعنى في ذلك الفساد فإذا امتنع المسلم من إدخال
الفساد على أخيه المسلم، فالذمي أولى بالمنع من ذلك.
40 - باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه
قال أبو بكر:
(ح 1234) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يبيع بعضكم على
بيع بعض".
م 3460 - وكان الشافعي يقول: معنى نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن
يبيع على بيع أخيه أن يتواجبا السلعة، فيكون المشتري مغتبطاً، أو غير نادم،
فيأتيه الرجل قبل أن يفترقا، فيعرض عليه مثل سلعته، أو خيراً منها،
(6/49)
بأقل من الثمن، فيفسخ بيع صاحبه، لأن له
الخيار قبل التفرق، فيكون هذا فساداً.
(ح 1235) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم -[2/ 117/ألف] أنه قال:
"لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك، ولا يبيع على بيع أخيه حتى يترك".
41 - باب النهي عن بيع الطعام قبل [أن] يقبضه
المشتري
قال أبو بكر:
م 3461 - ثبت عن ابن عباس أنه قال: "أما الذي نهى عنه رسول الله- صلى الله
عليه وسلم - أن يباع حتى يقبض "فهو الطعام، قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء
إلا مثله.
(ح 1236) وثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من اشترى طعاماً
فلا يبعه حتى يستوفيه.
قال أبو بكر:
م 3462 - أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى
يقبضه.
(6/50)
م 3463 - واختلفوا في بيع غير الطعام،
فافترقوا فيه أربع فرق.
فقالت طائفة: لا يجوز بيع شيء بشيء من الأشياء، اشتراه المرء حتى يقبضه،
دخل في ذلك عندهم المكيل والموزون من الطعام كله، والعروض، والدور،
والأرضين، والحيوان، وسائر السلع، هذا قول الشافعي وأصحابه، وابن الحسن.
وقالت فرقة: كل مبيع ابتاعه رجل، فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه ما خلا
الكيل والوزن، روينا هذا القول عن عثمان بن عفان.
وبه قال ابن المسيب، والحسن، والحكم، وحماد، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقالت فرقة: حكم كل سلعة ومبيع حكم الطعام في أن لا يباع حتى يقبض، إلا
الدور والأرضين، فإن بيع ذلك جائز قبل القبض، هذا قول النعمان، ويعقوب.
وقالت فرقة رابعة: كل ما عدا (1) المأكول والمشروب جائز أن يباع قبل أن
يقبض، وذلك مثل الرقيق والثياب، والعروض، وسائر السلع، هذا قول مالك، وأبي
ثور.
ورخص فيه ابن سيرين في أن يباع البر قبل أن يقبض.
قال أبو بكر: وأصح هذه الأقاويل قول مالك، وذلك أن في قصد النبي- صلى الله
عليه وسلم - إلى النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض، دليل على أن غير الطعام
ليس كالطعام.
م 3464 - وقد أجمعوا على أن السلعة المشتراة لو كانت جارية، فأعتقها
المشتري قبل [أن] يقبضها، أن [2/ 117/ب] العتق واقع عليها.
__________
(1) في الأصل: "كلما عدا".
(6/51)
ففى ذلك دليل على تمام ملك المشتري وزوال
ملك البائع عنها.
42 - باب النهي عن بيع ما ابتيع من الطعام كيلاً بالكيل الذي قبضه حتى يكال
ثانياً
قال أبو بكر:
(ح 1237) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه في عن بيع الطعام
حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع، وصاع المشتري.
م 3465 - واختلفوا فيه فقال بظاهر الحديث الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء،
والشعبي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن لا بأس أن يخير المشتري بكيله ويصدقه ويأخذ بكيله،
هذا إذا باع بالنقد، فإن بيع بدين فهو مكروه، هذا قول مالك.
وفيه قول ثالث: وهو أن يبيعه بكيله، ولم يفرقوا بين النقد والدين، هذا قول
عطاء، وابن أبي مليكه.
قال أبو بكر: (1) استحب أن لا يبيع الرجل طعاماً ابتاعه كيلاً حتى يكيله
كيلاً ثانياً، وإن باع لم أبطل البيع، لأني لا أعلم في النهي عنه خبراً
أصح.
__________
(1) في الأصل "وقال أبو بكر".
(6/52)
43 - باب النهي عن
التفرقة بين الوالدة وولدها في البيع
قال أبو بكر:
(ح 1238) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من فرق بين
الوالدة وولدها، فرق الله ينه وبين أحبته يوم القيامة".
م 3466 - وأجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الخبر، إذا كان الولد طفلاً
لم يبلغ سبع سنين.
م 3467 - واختلفوا في وقت ذلك، فقال مالك: حد ذلك إذا أثغر.
وقال الأوزاعي: حده أن ينفع نفسه، ويستغني عن أمه فوق عشر سنين.
وقال الشافعي: إذا صار ابن سبع، أو ثمان.
وقال أبو ثور: وإن يلبس وحده (1)، ويتوضأ وحده، ويأكل وحده.
وقال النعمان وأصحابه: لا يفرق بينهما إذا كانوا صغاراً.
قال أبو بكر: وهذا الباب مذكور في كتاب الجهاد.
44 - باب النهى عن احتكار الطعام
قال أبو بكر:
__________
(1) في الأصل: "وحده أن يلبس وحده".
(6/53)
(ح 1239) جاء الحديث عن [2/ 118/ألف]
النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحتكر إلا خاطئ".
م 3468 - وقد اختلف أهل العلم فيمن يحرم عليه الاحتكار، وفيما يجب أن لا
يحتكر فيه.
فقالت طائفة: الاحتكار الذي يحرم الاحتكار في الحرم دون سائر البلدان،
واحتجو بها بقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الآية.
ويقول عمر بن الخطاب لا تحتكروا الطعام بمكة فإن احتكار الطعام بمكة الحاد
بظلم.
وقال أحمد: الاحتكار بمثل مكة، والمدينة، والثغور.
وفيه قول ثان: وهو أن الاحتكار يحرم في كل موضع في كل سلعة، هذا قول مالك.
وقال الثوري: كانوا يكرهون الاحتكار.
وفيه قول ثالث: وهو أن الذي يحرم إنما هو احتكار الطعام الذي هو قوت خاصة
دون سائر الأشياء، روي هذا القول عن عبد الله بن عمر، قال: من كانت له
تجارة في الطعام ولم يكن له تجارة غيرها كان
خاطياً، أوطاغياً، أو باغياً.
وقد روينا عن ابن المسيب أنه كان يحتكر الزيت.
وقال أحمد: إذا كان الاحتكار من قوت الناس، فهو الذي يكره.
(6/54)
وفرق الحسن البصري بين أن يشتري الطعام من
السوق ويحبسه، وبين أن يدخله من أرضه، فرخص في حبس الطعام إذا أخذه من
ضيعته، وكره أن يشتري الطعام ويحبسه، وبه قال مالك، وأحمد.
وقال الأوزاعي: والجالب ليس بمحتكر.
قال أبو بكر: احتكار الطعام الذي هو قوت الناس لا يجوز، واحتكار غير
الطعام، لا يجوز تحريمه.
45 - باب النهي عن التسعير على الناس
قال أبو بكر:
(ح 1240) ثبت عن أنس أنه قال: غلا السعر بالمدينة، فقال الناس: يا رسول
الله غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إن الله
هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، أرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم
يطلبني بمظلمة في دم، ولا مال.
قال أبو بكر:
م 3469 - وقد اختلف في التسعير على الناس.
فكان مالك يقول: يقال لمن يريد أن يبيع أقل مما يبيع به الناس: بع كما يبيع
الناس مثل سلعتك [2/ 118/ب] وإلا فأخرج.
وكان الشافعي: لا يرى التسعير على الناس.
قال أبو بكر: وبه أقول، إذ لو جاز التسعير لسعر النبي - صلى الله عليه وسلم
-.
(6/55)
46 - جماع أبواب
الربا
قال أبو بكر: حرم الله الربا في كتابه تحريماً عاماً مطلقاً فقال:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} الآية.
(ح 1241) وثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذهب بالذهب
وزناً بوزن،
والفضة بالفضة وزناً بوزن، والبر بالبر مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً
بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، فمن زاد أو
ازداد فقد أربا، بيعوا الذهب بالفضة يداً بيد كيف شئتم، والبر
بالشعير مثل ذلك، والتمر بالملح مثل ذلك يداً بيد كيف شئتم، فمن زاد أو
ازداد فقد أربا.
م 3470 - وقد أجمع عوام علماء الأمصار منهم مالك بن أنس ومن تبعه من أهل
المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال لقوله
من أهل الشام، والليث بن سعد، ومن وافقه من أهل العلم والشافعي، وأصحابه
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور والنعمان، ويعقوب، ومحمد: على أنه لا يجوز بيع ذهب
بذهب ولا فضة بفضة، ولا بر ببر، ولا شعير بشعير، ولا تمر بتمر، ولا ملح
بملح متفاضلاً يداً بيد، ولا نسيئة، وإن من فعل ذلك فقد أربى، والبيع
مفسوخ.
(6/56)
وقد روينا هذا القول عن جماعة من أصحاب
رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وجماعه يكثر عددهم من التابعين.
(ح 1242) وقد روينا عن - صلى الله عليه وسلم - "أنه قال: "إنما الربا في
النسيئة".
ومعناه أن بيع الذهب بالفضة أحدهما حاضر، والآخر إلى وقت، والأخبار
المذكورة في غير هذا الكتاب دالة على ذلك.
47 - باب بيع الذهب بالذهب مع أحد الذهبين بشي
وغير الذهب
قال أبو بكر:
(ح 1243) روينا عن فضالة بن عبيد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أتى
وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب يباع، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم
- بالذهب الذي في القلادة [2/ 119/ألف] فنزع وحده، ثم قال لهم: الذهب
بالذهب وزناً بوزن.
م 3471 - واختلفوا في بيع الذهب بالذهب مع أحد الذهبين بشيء غير الذهب.
فكره ذلك ونهى عنه شريح، وابن سيرين، والنخعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأبو ثور.
(6/57)
ورخص فيه حماد بن أبي سليمان، والنعمان،
وذلك أن يشتري مصحفاً محلى بالدراهم، وزنها أكثر من وزن ما على المصحف من
الورق، وإن كانت أقل من الفضة التي على المصحف فالبيع فاسد.
وفي المسأله قول ثالث:. وهو أن من اشترى مصحفاً عليه فضة أو ذهب بدنانير أو
دراهم، فإن كان قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما فيه من الذهب الثلث، فذلك جائز،
هذا قول مالك.
قال أبو بكر: بقول فضالة أقول.
م 3472 - واختلفوا في الرجل اشترى سلعة ودراهم بدنانير.
فرخصت فيه فرقة، وممن رخص فيه سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الشافعي مرة: لا يجوز.
وقال مالك: لا يجوز دراهم وسلعة بدينار، إلا أن تكون الدراهم اليسيرة مع
السلعة إذا اشتراها بدينار.
قال أبو بكر: لا فرق بين القليل والكثير منه.
وقال النعمان: في دينار ودرهم، بدينار وفلس، البيع جائز.
قال أبو بكر: ذلك جائز لدخوله في جملة ما أحل الله من البيع.
48 - باب اقتضاء الدراهم من الدنانير،
والدنانير من الدراهم
م 3473 - واختلفوا في اقتضاء الذهب من الورق، والورق من الذهب.
(6/58)
فرخصت فيه طائفة، وممن روينا عنه الرخصة
فيه عمر بن الخطاب، وابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وطاووس،
وسعيد بن جبير، والقاسم، والزهري، والحكم، وقتادة.
وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور.
وقال كثير منهم: إذا كان ببيع يومه.
وأجاز ذلك النعمان بسعر يومه، وما غلا، وما رخص.
وكره ذلك ابن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن شبرمة.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
(ح 1244) لحديث ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه أجاز ذلك.
49 - باب [2/ 119/ب] المتصارفين يجدان أو
أحدهما فيما أخذ عيباً
م 3474 - واختلفوا في المتصارفين يجد أحدهما بما قبض عيباً.
(6/59)
فقال مالك: ينقض الصرف كله.
وقال سفيان الثوري، وإسحاق: يرد المعيب منها، ويكون شريكه في الدينار.
وفيه قول ثالث: وهو أن يستبدل ولا يفارقه حتى يأخذ بدله بوزنه، هذا قول
الأوزاعي.
وفيه قول رابع: وهو أن الزيف الذي وجده في الدراهم إن كان من قبح الفضة، أو
فساد السكة فله أن يقبل، وله أن يرد، وإن رد البيع كله، وإن كان من قبل أنه
نحاس، أو شيء غير فضة، فالبيع منتقض، هذا قول الشافعي.
وفيه قول خامس: وهو أن يستبدل ذلك إلا الستوق فإنه ينتقض الصرف بقدر ذلك،
وإن كان الزيوف نصف المال انتقض من البيع بقدر ذلك، وإن كان ثلث المال
استبدل، وإن كان أكثر من
الثلث انتقض من البيع بقدر ذلك، هذا قول النعمان.
وقال يعقوب: له أن يستبدل البهرجة والزيوف وإن كان جميع المال، فإما الشبه،
والرصاص فينتقض.
قال أبو بكر: قول الشافعي حسن.
50 - باب مسائل
قال أبو بكر:
م 3475 - كان الشافعي لا يرى بأساً أن يباع الذهب بالفضة جزافاً،
(6/60)
لأن أكثر ما فيه أنه متفاضل، وقد أجازت
السنة التفاضل بينهما يداً بيد.
وكان مالك يجزئ ذلك كان تبراً، أو حلياً قد صيغ، فأما الدراهم المعدودة،
والدنانير، فلا بأس لأحد أن يبيع ذلك، لأنه يراد به الغرر.
قال أبو بكر: بقول الشافعي أقول.
واختلفوا في المتصارفين يشترطان، أو أحدهما إن وجد المشتري في الدراهم
[[رديئة]] ردها، فقالت طائفة: ذلك له شرط أو لم يشترط هذا قول الثوري،
والشافعي.
قال أبو بكر: وبه أقول.
وكره النخعي، وأحمد، وإسحاق ذلك.
واختلفوا في الرجل يصارفه الرجل دنانير بدراهم، ثم يبيع المشتري الدراهم من
الصراف بعد ما يقبضها، فرخص فيه الشافعي إذا كان ذلك بعد افتراقهما.
وقال مالك: لا أحب ذلك، وليصرفها من غيره، وبه قال أحمد.
قال أبو بكر: لا بأس [2/ 120/ألف] به.
واختلفوا في الخيار في الصرف فقال قوم: لا يجوز في الصرف خيار، هذا قول
مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: ذلك جائز إذا كان إلى مدة.
وقال مالك والازاعي، والشافعي: لا يجوز حوالة في صرف.
وأجمع كل من احفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن
يتقابضا، أن الصرف فاسد.
(6/61)
م 3481 - وكان الأوزاعي، والشافعي يقولان:
لا بأس إذا عجزت دراهم الصيرفي في أن يستقرض دراهم ويتم به الصرف قبل أن
يتفرقا.
وقال مالك: لا خير في أن يواجبه على دراهم معه، ثم يسير معه إلى الصيارفة
لينقذه.
وقال الشافعي: لا بأس أن يصطحبا من مجلسهما إلى غيره ليوفيه، لأنهما حينئذ
لم يتفرقا.
م 3482 - واختلفوا في الرجل يأتي الصراف ويعطيه الصراف دنانير ويزيد صاحب
النقر على وزنها قدر ما يكون أجر الصراف.
فكره الشافعي ذلك، وقال بمعنى قول الشافعي الأوزاعي.
وحكى الشافعي عن مالك أنه قال: لا بأس به.
قال أبو بكر: ويقول الشافعي أقول.
م 3483 - واختلفوا في الربا بين العبد وسيده.
فإن ابن عباس يقول: لا ربا بينهما.
وبه قال الحسن البصري، وجابر بن زيد، والنخعي، والشعبي، وأحمد، وإسحاق،
وأصحاب الرأي.
ويشبه هذا مذهب الشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول لان ابن عباس قاله، ولأنهم لما أجمعوا على أن للسيد
أن ينزع ما بيد العبد، كان له أن يأخذ منه دينارين ويعطيه دينارا.
وكان مالك يكره الربا بين العبد وسيده، ونهى عنه، وبه قال أبو ثور.
(6/62)
51 - جماع أبواب
الطعام بعضه ببعض
قال أبو بكر: قد ذكرنا فيما مضى.
(ح 1245) أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن بيع البر بالبر، والشعير
بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، فمن زاد أو ازداد
فقد أربا.
م 3484 - وأجمع أهل العلم على القول به.
م 3485 - وأجمع عوام أهل العلم من أهل الحجاز والعراق، والشام، ومصر
والمغرب أن حكم ما يكال ويوزن مما يؤكل ويشرب، حكم ما نهى عنه رسول الله-
صلى الله عليه وسلم - من البر والشعير [2/ 120/ب] والتمر والملح، وذلك مثل
الزبيب والأرز، والحلمان، والحمص، والعدس، والباقلي، واللوبيا، والسلق،
والذرة، والعسل، والسمن، والسكر، والفانيد، والقند، وما أشبه ذلك من
المأكول، والمشروب المكيل، والموزون.
وان كل ما بيع منه بصفة، لا يباع إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو
استزاد فقد أربى، والبيع غير جائز.
وقد بلغني عن قتادة أن شذ عن جماعة الناس فقال: كلها خلا الستة الأشياء،
مما يكال أو يوزن، فلا بأس به، اثنان بواحد من صنف واحد يداً بيد، وإذا كان
النسيئة فمكروه.
(6/63)
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول؛ لأن عليه
عوام علماء الأمصار في القديم والحديث.
52 - باب بيع ما لا يكال ولا يوزن من المأكول
بعضه متفاضلاً
م 3486 - اختلف أهل العلم في بيع ما يؤكل مما لا يكال ولا يوزن في عامة
البلدان بعضه ببعض، وذلك التفاح، والرمان، والخوخ، والمشمش، والكمثرى،
والاتريج، والسفرجل، والأجاص، والخيار، والتين، والجوز، واللوز، والبيض،
وما أشبه ذلك.
فقالت طائفة: لا يجوز بيع شيء منه بشيء من جنسه متفاضلاً يداً بيد، ولا
نسيئة، هكذا قال الشافعي، ولا يجوز على قوله: بطيخة ببطيخة، ولا أترجه
بأترجه.
وفيه قول ثان: وهو أن لا ربا إلا في الذهب والفضة، أو شيء يكال أو يوزن مما
يؤكل ويشرب، هذا قول ابن المسيب.
وقال الحسن: لا بأس البيضة بالبيضتين، والجوزة بالجوزتين، وكذلك قال مجاهد
في البيضة بالبضتين يداً بيد.
وفيه قول ثالث: وهو إنما كان الفاكهة ييبس، فتسير يابسة تدخر وتؤكل، لا
يباع بعضه ببعض إلا يداً بيد، مثلاً بمثل، إذا كان من صنف واحد، وإن كان من
صنفين مختلفين، فلا بأس أن يباع اثنان بواحد يداً بيد، ولا يصلح نسيئة، وما
كان يكون رطباً وإن يبس لم
(6/64)
يكن فاكهة مثل البطيخ والأترج، والقثاء،
فلا بأس أن يؤخذ اثنان منه بواحدة من صنفه، هذا قول مالك [2/ 121/ألف].
وقال النعمان في البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين، والفلس بالفلسين جائز
إذا كان بعينه، وهو قول يعقوب (1).
وقال محمد: لا يجوز الفلس بالفلسين إذا كان بعينه.
53 - باب بيع ما يكال ويوزن مما لايؤكل ولا
يشرب
م 3487 - واختلفوا في بيع الشيء مما يكال ويوزن مما لا يؤكل ولا يشرب
بالشيء من جنسه متفاضلاً يداً بيد، مثل القطن والصرف، والورس، والحنا
والعصفر.
ففي قول النعمان: لا يجوز ذلك إلا يداً بيد مثلاً بمثل، وإذا اختلف النوعان
فلا بأس، اثنان بواحد، ولا يجوز رطل حديد برطلين حديد.
وقال محمد بن الحسن: لا بأس أن يشتري الحديد بالنحاس متفاضلاً، ولا [[خير]]
فيه نسيئة، وكذلك القطن، والصوف، ولا خير فيه نسيئة.
وقال الزهري: كل شيء يوزن فهو يجري مجري الذهب والفضة، وكل شيء يكال فهو
يجري مجرى البر والشعير.
__________
(1) في الأصل: "يعقوب ومحمد" وهو خطأ، وكذا في "العمانية".
(6/65)
وقال الثوري: ما كان يوزن فوزن بوزن، وما
لا يوزن فلا بأس اثنان بواحد يداً بيد، ولا بأس سيف بسيفين، ولا إبرة
بإبرتين.
وكره الحكم وحماد غزل كتان بكتان.
وقالت طائفة: بيع جميع ما خرج عن المأكول والمشروب جائز، واحد باثنين من
جنسه يداً بيد ونسيئة، هذا قول الشافعي، مثل النحاس والحديد وكل عرض مثله،
وبه قال أبو ثور.
وقال مالك في النحاس والرصاص، والقضب والتين وما أشبه ذلك مما يوزن: لا بأس
بأن يؤخذ من صنف واحد اثنان بواحد يداً بيد، ولا خير في ذلك اثنان بواحد من
صنف واحد إلى أجل.
إذا اختلف الصنفان من ذلك، فبان اختلافهما، فلا بأس بأن يؤخذ اثنان عنه
بواحد إلى أجل، فإن كان الصنف منه يشبه الصنف الآخر وان اختلفا في الاسم،
مثل الشبه، والصفر، والرصاص، والآنك، فإني أكره أن يؤخذ منه اثنان بواحد
إلى أجل.
وكل شيء ينتفع به الناس من الأصناف كلها، وإن كانت الحصباء، والقصة كل واحد
منه بمثليه [2/ 121/ب] إلى أجل ربا.
وقال أحمد في الثوب بالثوبين إلا أجل مكروه.
وقال إسحاق: كلما كان مما يكال أو يوزن فلا خير فيه، ويجوز ما سوى ذلك.
وقال الأوزاعي: والقطن ما لم ينسج فلا بيد له إلا وزناً بوزن يداً بيد،
فإذا غزل ونسج وخرج من الوزن، فخذ ثوب قطن بعشرة أثواب يداً بيد.
(6/66)
قال أبو بكر: كلما خرج عن المأكول
والمشروب، والذهب والفضة، فلا بأس أن يباع اثنان بواحد، يداً بيد ونسيئة،
ولما جازوا أن يسلم الرجل ديناراً في عشرين رطلاً من حديد إلى أجل، وحرموا
بيع الذهب بالورق إلا يداً بيد، كان هذا فرقاً بين الذهب والحديد، والذهب
بالذهب أو الفضة.
54 - باب الثياب بعضها بعض
م 3488 - واختلفوا في بيع الثياب بعضها ببعض.
فقال مالك: "لا بأس بأن يشتري من الكتان بالملاحف اليمانية اثنين بواحد،
والثلاثة، ولا خير فيه نسيئة، ولا يصلح حتى يختلف فيتبين اختلافه، فإن أشبه
بعض ذلك بعضاً، وان اختلفت أسماءه، فلا يأخذ منه اثنين بواحد إلى أجل".
وقال أصحاب الرأي: لا بأس بفوهية بمروتين إلى أجل، وكذلك كرباستين بفوهية
إلى أجل، ولا خير في يهودية بيهوديتين إذا كان نسيئة، هذا قول أصحاب الرأي،
وكذلك قول الثوري.
وأما الشافعي فليس يرى بأساً أن يبتاع جميع الثياب بعضها ببعض متفاضلاً
نقداً ونسيئة، بعد أن يكون الأجل منها معلوماً.
قال أبو بكر: بقول الشافعي أقول.
(6/67)
وقال إسحاق ولا بأس ببيع الثوب بالثوبين
نسيئة.
قال أحمد: نسيئة أتوقاه.
55 - باب الحنطة بالشعير
م 3489 - قال مالك والليث بن سعد: لا يجوز بيع الحنطة بالشعير، إلا مثلاً
بمثل، والحنطة، والشعير، والسلت، عند مالك صنف واحد.
وكره البر بالشعير متفاضلاً، الحكم وحماد.
وقالت طائفة: لا بأس بالتفاضل بينهما يداً بيد، هذا قول الشافعي، وسفيان
الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
قال أبو بكر: لا بأس بذلك متفاضلاً يدأ بيد.
56 - باب الحنطة بالدقيق
م 3490 - واختلفوا في بيع الحنطة بالدقيق.
فكان [2/ 122/ألف] الشافعي يقول: لا يجوز ذلك وزناً ولا كيلاً، وبه قال
أصحاب الرأي.
وروي عن الحسن ومكحول، وأبي هاشم، والحكم، وحماد، والثوري أنهم كرهوا ذلك.
وفيه قول ثان: وهو أن لا بأس به مثلاً بمثل، هذا قول قتادة ومالك بن أنس،
وابن شبرمة.
(6/68)
وفيه قول ثالث: وهو أن لا بأس بالدقيق
بالقمح وزناً بوزن، ويكره كيلاً بكيل، هذا قول أحمد، وإسحاق.
وفيه قول رابع: وهو أن لا بأس به متفاضلاً، هذا قول أبي ثور.
قال أبو بكر: بيع الحنطة بالدقيق متفاضلاً لا يجوز، وبيع مثلاً بمثل لا
أفسخ البيع فيه، ولا أعلم حجة تمنع من بيعه مثلاً بمثل.
57 - باب الحنطة بالسويق، والسويق بالدقيق،
والخبز بالخبز
م 3491 - واختلفوا في بيع الحنطة بالسويق.
فقال مالك: لا بأس بذلك متفاضلاً، وبه قال أبو ثور.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع ذلك مثلاً بمثل، ولا متفاضلاً يداً بيد، ولا
نسيئة.
م 3492 - وقال مالك، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد: لا بأس أن يبيع ذلك السويق
بالدقيق متفاضلاً.
وقال الشافعي والنعمان: لا يجوز ذلك مثلاً بمثل ولا متفاضلاً.
م 3493 - واختلفوا في بيع الخبز بالدقيق.
فقالت طائفة: لا بأس به متفاضلاً، هذا قول مالك، والليث بن سعد، وأبي ثور،
وإسحاق، وسفيان الثوري.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك.
وقال أحمد: لا يعجبني.
م 3494 - ولا يجوز [بيع الخبز بالخبز] (1) في قول الشافعي.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من الأصل، والإثبات من الأوسط 3/ 339/ ألف.
(6/69)
وقال عبيد الله بن الحسن: لا بأس ببيع
الحبز مثلاً بمثل يداً بيد.
وقال مالك: إذا تحرى أن يكون مثلاً بمثل فلا بأس به، وإن لم يوزن، وبه قال
الأوزاعي، وأبو ثور.
وحكى النعمان أنه قال: لا بأس به قرصاً بقرصين.
58 - باب الأدهان
قال أبو بكر: قد ذكرنا فيما مضى أن كل مأكول ومشروب من المكيل، والموزون لا
يجوز بيع شيء منه بشيء من جنسه إلا مثلاً بمثل يداً بيد، وإذا اختلفت
الجنسان، بيع الشيء منه بغير جنسه اثنان
بواحد يداً بيد، ولا يجوز فيه النسيئة.
م 3495 - فمما لم نذكره فيما مضى الأدهان، والجواب في الأدهان، إن دهن
اللوز يجوز أن يباع بدهن اللوز مثلاً بمثل، ويجوز أن [2/ 122/ب] يباع دهن
الجوز بدهن اللوز اثنان بواحد، ولا يجوز النسيئة، هذا سبيل كل دهن اختلف.
وما كان من الأدهان التي لا تصلح للأكل وللشرب، وإنما تصلح للعلاج، فهو
خارج من أبواب الأطعمة، داخل في أبواب العروض الذي يجوز ببيع الشيء منه
الشيء من جنسه متفاضلاً يداً بيد ونسيئة.
م 3496 - واختلفوا في بيع الأدهان المطيبة بعضها ببعض متفاضلاً، وذلك مثل
دهن الخيري، والبنفسج، والزئبق، والورد.
فكان أبو ثور يجعل ذلك أصنافاً، ويجيز التفاضل في بيع بعضها ببعض، وبه قال
مالك.
(6/70)
وقال مالك: لا يجوز بيع الزيتون بالزيت،
ولا الجلجلان بدهن الجلجلان، ولا حب البان بالسلنجد.
ثم مالك ترك ذلك وقال: لا بأس بحب البان بالبان المطيب.
وقال أبو ثور: لا بأس بالزيتون بالزيت، والدهن بالسمسم، والعصير بالعنب،
واللبن بالسمن، وذلك أن الاسم مختلف والمعنى مختلف.
وقالت طائفة: ما كان اصله السمسم فلا يصلح أن يباع بعضه ببعض إلا مثلاً
بمثل، والمنشوش، وغير المنشوش سواء، ولا يجوز مطبوخاً منه بنيء، هذا قول
الشافعي.
وفي قول النعمان: لا يجوز بيع الزيتون بالزيت، والجلجلان (1) بدهنه إلا أن
يعلم يقيناً أن ما في الزيون من الزيت أقل مما أعطى من الزيت، فيكون زيتاً
بزيت، والفضل بالنقل.
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح.
59 - باب اللحم باللحم
قال أبو بكر:
م 3497 - افترق أهل العلم في بيع اللحوم بعضها ببعض ثلاث فرق.
__________
(1) في الأصل: "الجلجان" والظاهر ما أثبته.
(6/71)
فقالت فرقة (1): اللحمان ثلاثة أصناف،
الإبل، والبر والغنم، والوحش كله صنف واحد، لا يجوز من لحومها واحد باثنين،
والطير كل صنف واحد أنسيها ووحشيها لا يصلح من لحمها اثنان بواحد، والحيتان
كل صنف واحد، هذا قول مالك، ولا بأس بلحم الحيتان بلحم البقر واحد باثنين.
وقال فرقة ثانية: لحم الغنم صنف، ولحم البقر صنف، ولحم الإبل صنف، ولحم
الظباء صنف، ولا يجوز الفصل في بعضها على
البعض، يداً بيد، ولا يجوز نسيئة، هذا قول الشافعي.
وقال فرقة ثالثة: اللحمان صنف واحد وحشية وإنسية [2/ 123/ألف] وطائرة، لا
يجوز أن يباع منها شيء بشيء، إلا مثلاً بمثل يداً بيد، هذا قول أبي ثور،
وحكي هذا القول عن الشافعي.
وقال النعمان: لا بأس بلحم البقر اثنان بواحد يداً بيد، ولا يجوز النسيئة.
60 - باب اللحم بالشحم
قال أبو بكر:
م 3498 - كره مالك أن يباع اللحم بالشحم إلا مثلاً بمثل يداً بيد.
وقال النعمان: لا بأس برطلين من شحم برطل من الإلية، وكذلك لو باع من لحم
برطل من شحم البطن، لم يكن به بأس.
ويشبه هذا قول الشافعي.
قال أبو بكر: وبه أقول.
__________
(1) في الأصل: "طائفة فرقة" والتصحيح من الأوسط3/ 339/ب.
(6/72)
61 - باب الألبان،
والزبد، والسمن، واللبن
قال أبو بكر:
م 3499 - كان مالك يقول: اللبن كله الإبل، والبقر، لا يصلح فيه التفاضل،
وألبان الأنعام عند الشافعي مختلفة يجوز بيع لبن الغنم بلبن البقر متفاضلاً
وسواء يداً بيد.
قال أبو بكر: وبه أقول.
م 3500 - وكان الشافعي يقول: لا يجوز بيع الزبد باللبن، ولا بيع السمن
بالزبد، ولا بيع الزبد بالسمن، ولا خير في سمن غنم بزبد غنم، ولا بأس بزبد
غنم بسمن بقر، وزبد بقر لاختلافهما.
وسئل مالك عن مد زبد ومد لبن بمد زبد، فقال: لا يصلح ذلك.
وكان أحمد يقول: إذا كان اللبن حليباً يخرج منه مثل الزبد، فأنا أكره بيع
الزبد به، وبه قال إسحاق.
وقال الثوري كما قال في الزبد باللبن الحليب والرايبة.
62 - باب بيع التمر بالتمر جزافاً
قال أبو بكر:
(ح 1246) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الصبرة
بالصبرة من الطعام
(6/73)
لا يدري كم كيل هذه، ولا كيل هذه.
قال أبو بكر:
م 3501 - وأجمع أهل العلم على أن ذلك غير جائز إذا كان من صنف واحد، ولا
بأس بالصبرة من الزبيب لا يدري كم كيلها بالصبرة من التمر، لا يدري كم
كيلها.
(ح 1247) استدلالاً بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وبيعوا البر
بالشعير كيف شئتم".
قال أبو بكر:
(ح 1248) ولا يجوز بيع الرطب بالتمر لنهي رسول الله- صلى الله عليه وسلم
-[2/ 123/ب] عن ذلك.
م 3502 - وقد اختلف أهل العلم فيه.
فإن ابن المسيب، ومالك، والشافعي، وأحمد، ويعقوب، وابن الحسن يكرهون ذلك.
ورخص فيه النعمان، وهو خلاف ما سنه الرسول صلوات الله عليه ورحمته وبركاته.
(6/74)
63 - باب التمرة
بالتمرتين
م 3503 - واختلفوا في بيع التمرة بالتمرتين، والحبة من الحنطة بالحبتين من
الحنطة، فكره ذلك سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
ورخص النعمان، ويعقوب في بيع التمرة بالتمرتين، والبيضة بالبيضتين، والجوزة
بالجوزتين.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول.
64 - باب الصبرة قد علم البائع كيلها دون
المبتاع
م 3504 - واختلفوا في بيع الصبرة من الطعام قد علم البائع كيلها دون
المبتاع، فكره ذلك عطاء، وابن سيرين، وعكرمة، ومجاهد، وأحمد، وإسحاق.
وقال الشافعي: إن باعه جزافا فهو جائز، ويبين إذا عرف كيله أحب إلى.
قال أبو بكر: البيع جائز، ولو أعلمه كان أحب إلى.
65 - باب خل العنب بخل التمر
م 3505 - واختلفوا في بيع خل العنب بخل التمر، فكان مالك يقول: لا يجوز إلا
واحداً بواحد.
وفي قول الشافعي: لا بأس به، لأن أصلهما مختلف.
(6/75)
م 3506 - واختلفوا في بيع خل التمر بالتمر،
فقال مالك: لا بأس به.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك.
م 3507 - وكان الثوري، والشافعي، وأحمد يكرهون التمر بالتمر وزناً بوزن،
لأن بعضه أثقل من بعض، فإذا رددته إلى أصله وهو الكيل اختلف.
66 - باب الخيار الذي جعله النبي - صلى الله
عليه وسلم - للمتبايعين بعد عقد البيع قبل الافتراق
قال أبو بكر:
(ح 1249) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: البيعان بالخيار ما
لم يفترقا، إلا بيع الخيار.
(ح 1250) وفي حديث ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا ويقول لصاحبه: اختر.
قال أبو بكر: فكان تفسير قوله: إلا بيع الخيار أن يقول أحدهما لصاحبه:
اختر.
(ح 1251) وقد روينا عن النبي [2/ 124/ألف]- صلى الله عليه وسلم - أنه قال
لرجل اشترى منه حمل خيط: اختر، فقال له الأعرابي: عزك الله بيعاً.
(6/76)
م 3508 - وقد اختلف أهل العلم في حد
الافتراق، فقال كثير منهم: الافتراق افتراق الأبدان، هذا قول ابن عمر، وبه
قال أبو برزة الأسلمى، وابن المسيب، وشريح، والشعبى، والحسن البصري، وعطاء،
وطاؤوس، والزهري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو
ثور.
وقالت طائفة: إذا عقد البيع فقد تم ملك كل واحد منهما على ما ابتاعه من
صاحبه، هذا قول مالك، وأصحاب الرأي.
وكان النخعي يرى البيع جائزاً وإن لم يفترقا.
م 3509 - واختلفوا في معنى قوله: "إلا بيع الخيار"، فإن الثوري، والأوزاعي،
وابن عيينة، وعبيد الله بن الحسن (1)، والشافعي، وإسحاق يقولون: هو أن يقول
أحدهما لصاحبه بعد البيع: اختر انفاذ البيع أو فسخه، فإن اختار إمضاء
البيع، تم البيع بينهما، وإن لم يفترقا.
وقال أحمد: هما بالخيار حتى يفترقا، قالا هذا القول أو لم يقولا.
وقال مالك، وأصحاب الرأي: البيع يتم بالعقد، وليس لافترقهما بأبدانهما معنى
يقبل به.
67 - باب المتبايعين يشترطان أو أحدهما بالخيار وقتاً معلوماً أو مجهولاً
م 3510 - واختلفوا في المتبايعين يشترطان أو أحدهما الخيار وقتاً معلوماً
في عقد البيع، فقالت طائفة: البيع جائز والشرط لازم إلى الوقت الذي
__________
(1) في الأصل عبد الله بن الحسن، وهو خطأ، وكذا في "العمانية".
(6/77)
اشترطا إليه الخيار، هكذا قال ابن أبي
ليلى، والحسن بن صالح، وعبيد الله بن الحسن، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو
ثور، ويعقوب، ومحمد.
وقالت طائفة: اشترط الخيار ثلاثة أيام جائز، والبيع فاسد إذا اشترط خياراً
أكثر من ثلاث، هذا قول الشافعي، والنعمان، وابن شبرمة.
واحتج الشافعي بخبر المصراة، وبه احتج النعمان، وهو يعدل عن القول به في
نفس ما جاء في الحديث.
وفيه قول ثالث: وهو أن الخيار في الثوب يكون اليوم واليومين، وفي الجارية
أكثر من ذلك الجمعة والخمسة أيام، والدار أكثر من ذلك الشهر وما أشبهه، وما
[2/ 124/ب] بعد من الخيار لا خير فيه، لأنه غرر.
قال أبو بكر: احتج بعض من أجاز البيع إذا اشترط فيه الخيار مدة معلومة، وإن
كان أكثر من ثلاث.
(ح 1252) بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: المسلمون على شروطهم.
قال أبو بكر: وهذا أقول.
م 3511 - واختلفوا في الرجلين يتبايعان ويشترطان في عقد البيع خياراً غير
معلوم مدته، فكان ابن أبي ليلى، والأوزاعي يقولان: البيع جائز والشرط باطل.
(ح 1253) وحجتهما: خبر بريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال: كل شرط
ليس في كتاب
(6/78)
الله فهو باطل فأثبت النبي - صلى الله عليه
وسلم - البيع وأبطل الشرط.
وقال أحمد، وإسحاق: البيع جائز والشرط لازم، والذي شرط له الخيار، الخيار
أبداً أو يأخذه، ولعلهما يحتجان بقوله: المسلمون على شروطهم.
وفيه قول ثالث: وهو أن البيع فاسد، هذا قول الثوري، والشافعي، وأصحاب
الرأي.
68 - باب السلعة تتلف في يدي المشتري قبل مضي
وقت الخيار
م 3512 - واختلفوا في السلعة تتلف في يدي المشتري قبل مضي وقت الخيار، فقال
أصحاب الرأي: إذا كان الخيار للبائع أولهما، فهلكت السلعة عند البائع،
فإنها تتلف من حال البائع وينتقض البيع، فإن قبضها المشتري، وتلفت عنده،
فعليه القيمة، للثمن، وإن كان الخيار للمشتري فتلفت في يديه، فعليه الثمن
وتتلف من ماله، وإن أعتق المشتري عتق، وإن أعتق البائع لم يعتق، وبه قال
الثوري.
وقالت طائفة: إن تلفت عند البائع انتقض البيع لأيهما كان الخيار، وإن تلفت
عند المشتري فعليه القيمة لأيهما كان الخيار، هذا قول الشافعي.
قال أبو بكر: أصح من ذلك على أصل الشافعي إذا كان الخيار للمشتري وحده
وتلفت عنده أن عليه الثمن؛ لأنه يزعم أن الزكاة
(6/79)
الفطر على المشتري إذا كان له الخيار،
ويزعم أنها لو كانت جارية فحاضت في أيام الخيار، أن المشتري يجزي بتلك
الحيضة من الاستبراء [2/ 125/ألف]، هذا يدل على تمام الملك، وإذا تم الملك
فعليه الثمن لا القيمة.
وفيه قول ثالث: وهو أن الخيار إذا كان للبائع وتلفت عند المشتري، أنه أمين
في ذلك، ولا شيء عليه، وإن كان الخيار للمشتري فهلكت عنده، فهو عليه بثمنه
الذي اشتراه به، هذا قول ابن أبي ليلى.
69 - باب السلعة تتلف عند البائع قبل أن يقبضها
المشتري بعد تمام البيع
م 3513 - واختلفوا في السلعة تتلف عند البائع قبل أن يقبضها المشتري، فقالت
طائفة، تتلف من مال البائع، هذا قول الشعبي، وربيعة، والشافعي.
وقالت طائفة: هي من مال المشتري، والثمن للبائع، هذا قول أحمد، وإسحاق،
وأبي ثور، فإن حبسها البائع عن المشتري، فهي من مال البائع، وقد ثبت أن ابن
عمر قال: ما أدركت الصفقة حيا مجموعا، فمن المشتري.
قال أبو بكر: وهذا يلزم من يوجب تقليد الواحد من أصحاب النبي - صلى الله
عليه وسلم -، ولا نعلم لا بن عمر مخالفاً.
(6/80)
م 3514 - وقد أجمعوا على أن المشتري لو
أعتق العبد المشترى قبل القبض، أن العتق يقع به لتمام ملكه عليه، وكذلك إذا
تلفت السلعة، فمن ماله لتمام ملكه عليه.
70 - باب الاختلاف في الخيار، وثبوت من له
الخيار
م 3515 - واختلفوا في المتبايعين يختلفان في الخيار، فقال أحدهما: بعتك
وأنا بالخيار، وقال المشتري: بل بعتنيه بغير خيار، فكان النعمان يقول:
القول قول البائع مع يمينه.
وقال ابن الحسن: القول قول المشتري مع يمينه إذا لم تكن بينة، وبه قال
الثوري، وأحمد، وإسحاق، وكذلك قال ابن أبي ليلى.
وقال الشافعي: يتحالفان ويتفاسخان.
م 3516 - واختلفوا في موت الذي له الخيار في البيع قبل وقت الخيار، فقال
الثوري، وأحمد بن حنبل، وأصحاب الرأي: بطل خياره وليس لورثته خيار.
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور: لورثته من الخيار ما كان له، يقومون مقامه.
م 3517 - وقال أصحاب الرأي: إذا ذهب عقله، أو جن حتى مضى وقت الخيار، بطل
خياره.
وقال أبو [2/ 125/ب] [ثور] (1) ولوليه أن يعمل في ذلك في وقت الخيار ما هو
أصلح، فإن لم يفعل حتى إنقضت المدة بطل الخيار.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من الأصل، والتصحيح من الأوسط 3/ 343/ألف.
(6/81)
م 3518 - وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي: إذا باعه سلعة عن رضا غيره، كان الذي شرط له الخيار الرد ولم يكن
للبائع.
جماع أبواب العيوب التي تكون في السلع المشتراة
وتحريم ذلك
71 - باب النهي عن كتمان المعيوب التي تكون في
السلع وتحريم ذلك
قال أبو بكر:
(ح 1254) ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: الدين النصيحة.
(ح 1255) وثبت أنه قال: "من غشنا فليس منا".
(ح 1256) وثبت عنه أنه قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا،
بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما.
(ح 1257) وروينا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: المسلم أخو المسلم،
لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا إلا بينه له.
(6/82)
قال أبو بكر: وفي الأخبار التي ذكرناها في
أبواب المصراة، دليل على أن البيع الذي دلس فيه البائع بعيب يعقد، إذ لو لم
ينعقد لم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه لمشتري المصراة الخيار.
(ح 1258) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الخراج
بالضمان.
م 3519 - وقال بظاهر قوله: "الخراج بالضمان" شريح، والحسن، والنخغي، وابن
سيرين، وسعيد بن جبير.
وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور.
وقال مالك في أصواب الماشية، والشعور كذلك، وقال في أولاد الماشية يردها مع
أمهاتهم.
وذكر أبو ثور (1) عن أصحاب الرأي أنهم ناقضوا، فقالوا في المشترى إذا كانت
ماشية فحلبها، أو نخلاً، أو شجراً، فأكل ثمرها، لم يكن له أن يرد بالعيب
ويرجع بالأرش، قالوا في الدار، والدابة، والغلام: الغلة له ويرد بالعيب.
72 - باب اختلاف أهل العلم في عهدة الرقيق
م 3520 - اختلف أهل العلم في عهدة الرقيق، فقالت طائفة: "من باع عبدا بغير
[2/ 126/ألف] البرأة، فما أصاب العبد أو الوليدة في الأيام
__________
(1) في الأصل "وعن أصحاب الرأى" والصحيح ما أثبته.
(6/83)
الثلاثة من حيث يشتريان حتى تنقضي الأيام
الثلاثة، فهو من مال البائع، ثم عهده السنة من الجنون، والجذام، والبرص،
فإذا مضت السنة فقد برئ البائع من العهدة كلها، هذا قول مالك.
وقال مالك: "إذا باع عبداً أو وليدة من أهل الميراث أو من غيرهم بالبرأة،
فقد برئ من كل عيب ولا عهدة، إلا أن يكون علم عيبا فكتمه، فإن كان علم عيبا
فكتمه لم تنفعه البراة، وكان ذلك مردوداً عليه، ولا عهدة عندنا إلا في
الرقيق".
وقال قتادة: وإن رأى عيبا في ثلاث ليال، رده بغير بينة، وإن رأى عيباً بعد
ثلاث ليال لم يستطع أن يرده إلا ببينة.
وقالت طائفة: من اشترى عبداً، أو وليدة فوجد عيباً، نظر فإن كان ذلك عيباً
يحدث مثله عند المشتري، فالقول قول البائع مع يمينه، وإن لم يكن حدوث مثله
عند المشتري رد على البائع، هذا قول الشافعي.
وقال الثوري: فيما لا يحدث مثله، يرده بغير بينة ويحلف المشتري أنه لم يره،
ولم يرض به بعد أن رآه، ولم يعرضه على البيع بعد أن رأى الدار.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول، ولا يثبت في العهدة حديث.
73 - باب البيع بالبرأة
م 3521 - واختلفوا في الرجل يبيع السلعة بالبرأة من العيوب.
(6/84)
فقالت طائفة: البرأة من كل عيب جائز، روينا
هذا القول عن زيد بن ثابت، وابن عمر.
وبه قال أصحاب الرأي، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يبرأ من شيء من العيوب حتى يضع يده عليه، هذا قول
شريح، وعطاء والحسن، وطاؤوس، (وبه) (1) قال أحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثالث: وهو أن يجزيه إذا سمى ويبرأ، وإن لم يضع يده عليه، هذا قول
ابن أبي ليلى، والثوري.
وفيه قول رابع: وهو أن يبرأ من كل عيب لم يعلمه، ولا يبرأ من عيب علمه في
الحيوان، يروى هذا القول عن عثمان بن عفان، وبه قال مالك، والشافعي.
74 - باب [2/ 126/ب] العيب يحث عند المشترى بالسلعة ويجد عيباً قديماً
م 3522 - واختلفوا في السلعة يحدث بها عند المشتري، ويجد بها عيبا قديماً،
فكان الثوري، وابن شبرمة، والشافعي، وأصحاب الرأي يقولون: يرد عليه البائع
أرش العيب الأول، ولا سبيل له إلى الرد.
وقد روينا ذلك عن ابن سيرين، والزهري، والنخعي.
وفيه قول ثان: وهو أن يردها، ويرد معها نقصان العيب الذي حدث عند المشتري،
هذا قول حماد بن أبي سليمان، وأبي ثور.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(6/85)
وكان عثمان البتي يقول: يرده ولا شيء عليه
في قطعه إن كان ثوباً قطعه.
وقال الحكم: يرده ولم يذكر: يرد معه شيء (1).
وفيه قول رابع: وهو أنه إن كان ثوباً فقطعه، ثم رأى عيباً، إن المشتري
بالخيار، إن شاء رد القميص ورجع عليه البائع بنقصان القطع، وإن شاء حبسه
المشترى ورجع على البائع بقدر الذي نقص من القيمة، هذا قول أحمد، وإسحاق.
وفيه قول خامس: "وهو إن كان العيب الذي حدث عند المشترى مثل القطع، والعور،
وما أشبه ذلك، فإن الذي اشترى العبد بخير النظرين، إن أحب أن يوضع عنه من
ثمن العبد بقدر العيب الذي كان بالعبد يوم اشتراه، وضع عنه، وإن أحب أن
يغرم قدر ما أصاب العبد عنده ويرد العبد فذلك له". هذا قول مالك.
75 - باب الجارية المشتراة توطى ثم يوجد بها
عيب (2)
م 3523 - واختلفوا في الجارية المشتراة توطى ويوجد بها عيب، فكان شريح،
والنخعي يقولان: إن كانت بكرا ردها ورد معها عشر ثمنها، وإن كانت ثيبا ردها
ورد معها نصف عشر ثمنها.
وقال الشعبي: يردها ويرد معها حكومة.
__________
(1) في الحاشية: "رد شيء معه".
(2) في الأصل "بها عيباً".
(6/86)
وقد روينا عن علي أنه قال يوضع عن المشتري
قدر ما يضع ذلك العيب أو الداء من ثمنها، وبه قال ابن سيرين، والزهري،
والثوري، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب.
وفيه قول رابع: وهو أن الجارية لا زمة له، يروى هذا القول عن الحسن [2/
127/ألف].
وفيه قول خامس: وهو أن يردها ويرد معها عشرة دنانير، هذا قول ابن المسيب.
وفيه قول سادس: وهو أن يردها ويرد معها مهر مثلها، هذا قول ابن أبي ليلى،
والمهر في قوله: يأخذ العشر من قيمتها ونصف، فيجعل المهر نصف ذلك.
وفيه قول سابع: وهو إن كانت ثيبا ردها ولا يرد معها شيئاً، وإن كانت بكرا
فعليه ما نقص من ثمنها، هذا قول مالك، وأبي ثور.
وفيه قول ثامن: وهو إن كانت ثيبا ردها ولا شيء عليه، وإن كانت بكرا لم يكن
له ردها ورجع بما نقصها من أصل الثمن، هذا قول الشافعي.
76 - باب السلع تشترى فيوجد ببعضها عيب
م 3524 - واختلفوا في السلعة تشتري فيوجد ببعضها عيب، فقالت طائفة: يأخذها
كلها أو يردها كلها، هذا قول شريح، والشعبي.
وبه قال الشافعي، وأبو ثور.
(6/87)
وفرق أصحاب الرأي بين من يشتري خفين أو
مصراعين (1)، وبين من يشتري عبدين أو ثوبين، فقالوا: إن وجد بأحد الخفين أو
المصراعين (2) عيبا فله أن يردها، فإن باع أحدهما لم يرد الآخر، وقالوا في
العبدين أو الثوبين: يجد بأحدهما عيبا يرده بحصته من الثمن.
قال أبو بكر: وليس بين شيء من ذلك فرق.
وقال آخرون: يرد الذي وجد به العيب بقيمته، يروى هذا القول عن الحارث
العكلي، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: فيمن اشترى رقيقاً صفقة واحدة فوجد بعبد منهم عيباً، إن كان وجه
ذلك الرقيق لم يردهم إلا جميعاً، وإن لم يكن كذلك، رد الذي وجد به العيب
بعينه بقدر قيمته.
77 - باب ما يحدثه المشتري في السلعة التي وجد
بها العيب مما يكون رضى منه بالعيب
قال أبو بكر:
م 3525 - كان شريح، والحسن يقولان: إذا اشترى سلعة فعرضها [2/ 127/ب] على
البيع لزمه، وبه قال ابن شبرمة، وعبيد الله بن الحسن، وابن أبي ليلى،
والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وقال شريح، وأصحاب الرأي: إذا وطيها لزمه.
__________
(1) في الأصل "مصارعين" والتصحيح من الأوسط 3/ 345/ألف، وكذا في
"العمانية".
(2) في الأصل "مصارعين"، والتصحيح من الأوسط 3/ 345/ألف، وكذا في
"العمانية".
(6/88)
وقال عبيد الله بن الحسن: إذا استخدمها
فليس برضا.
وقال أصحاب الرأي: إذا كانت داراً فسكنها، أو أمة فغشيها، أو قبلها الشهوة،
فقد بطل خياره، وإذا كانت دابة فسافر عليها فقد رضيها، وإن كانت أمة
فاستخدمها، أو دابة فركبها لينظر إليها، أو كان قميصاً فلبسه ينظر إلى
قدره، فهذا كله ليس برضا وهو على خياره.
وكان أبو ثور يقول: لا يكون الرضا إلا بالكلام، أو يأتي من الفعل ما يكون
في المعقول، وفي اللغة أنه رضا، وإلا فله أن يرد حتى تنقضى أيامه، ويستمتع
لأنه ملكه.
78 - باب مسائل من هذا الباب
م 3526 - واختلفوا في الرجل يشتري العبد، ثم يعتق أو يموت، ثم يجد عيباً
قديماً كان عند البائع فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور:
يرجع بنقصان العيب.
وروي ذلك عن الزهري، والشعبي.
وقد روينا عن شريح، والحسن أنهما قالا: إذا أعتقه فقد وجب عليه.
وقال أصحاب الرأي: في العتق والتدبير كما قال مالك، وكذلك لو كانت جارية
فولدت منه، وإن باعها أو وهبها، ثم وجد عيبا لم يكن له أن يرجع به.
قال أبو بكر: كقول مالك أقول.
(6/89)
م 3527 - واختلفوا في الرجل يشتري العبد
فيأبق عنده، ثم يعلم أنه كان آبقاً عند البائع، فقال مالك: يأخذ المشتري
الثمن ولا يضره أن لا يجده.
وقال الثوري: لا يقضي على البائع ما دام آبقاً حتى يرده أو يموت.
وقال أصحاب الرأي: إن ادعى المشتري أنه أبق عند البائع، لم يستحلف البائع
حتى يعلم أنه أبق عند المشتري، ثم يستحلف البائع.
وأنكر إسحاق هذا القول وقال: يحلف البائع، وإن لم تكن بينة على أن ذلك
العيب به، وبه قال أبو ثور، وكذلك قال أحد.
قال [2/ 128/ألف] أبو بكر: قول أبي ثور، وإسحاق صحيح.
م 3528 - وكان أبو ثور، وأحمد، وإسحاق يقولون: الزنا في الأمة والعبد عيب
يرد به، هذا قول مالك.
وقال أصحاب الرأي: الأمة ترد إلى كانت زانية، ولا يرد العبد إذا كان
زانياً.
قال أبو بكر: يردان جميعاً.
م 3529 - وكان أحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي يقولون: إذا اشترى
عبداً على أنه مسلم فوجد نصرانياً، فهو عيب يرد به.
وهو يشبه مذهب الشافعي.
م 3530 - وقال أبو ثور: إذا كان العبد مخنثاً، أو سارقاً، فله أن يرده، وبه
قال أصحاب الرأي في السارق، والمخنث.
م 3531 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا كان ولد زنا فله أن يرده.
م 3532 - وإذا اشترى عبداً وعليه دين، فليس له أن يرده في قول الشافعي،
وأبي ثور.
(6/90)
وله أن يرده في قول أصحاب الرأي، إلا أن
يقضي البائع، أو يبرئه عن الغرماء، وقال ربيعة، ومالك: يخير المشترى إذا
علم بالدين.
قال أبو بكر: لا خيار له.
م 3533 - وإذا اشترى جارية وهي في عدة من الطلاق أو موت، فهو عيب ترد به في
قول أبي ثور.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وفي قول أصحاب الرأي: ليس بعيب ترد منه، وإن كان طلاقاً يملك الرجعة كان
عيباً.
م 3534 - وإذا اشترى جارية على أنها بكر، فقال المشتري: لم أجدها بكراً،
فالقول قول المشتري مع يمينه في قول أبي ثور، وفي قول أصحاب الرأي: القول
قول البائع مع يمينه إلا أن يقيم المشتري البينة أنها ليست ببكر.
م 3535 - وقال أبو ثور: إذا اشترى عبداً أو أمة فتزوجها، فليس له أن يرده،
وبه قال أصحاب الرأي.
م 3536 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم في الجارية تشتري ولها الزوج،
ولا يعلم به المشتري، أن ذلك عيب ترد به، هذا قول مالك، والشافعي، وأبي
ثور، وأصحاب الرأي.
م 3537 - وقال مالك: الشيب في رأس الجارية عيب، وكذلك البخر في الفم، وبه
قال أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول، وكل شيء ينقص من الثمن فهو عيب عند أهل العلم.
(6/91)
قال أبو بكر:
م 3538 - وإذا وهب الرجل للرجل جارية على عوض معلوم فتقابضا، ثم وجد
الموهوب له الجارية بها عيبا، ردها وقبض القوض في قول الشافعي، وأصحاب [2/
128/ب] الرأي.
وقال أبو ثور: ليس له أن يرجع بشيء، ولا يردها إن وجد عيباً.
قال أبو بكر: الأول أولى، لأنه كالبيع.
م 3539 - وقال الثوري، وإسحاق: في الصبي يسرق، ويشرب الخمر، ويأبق، لا يرد
بعيب حتى يحتلم.
وقال أحمد: إذا جاوز (2) عشر سنين فهو عيب.
م 3540 - وإذا اشترى جارية بجارية، وتقابضا، ثم وجد أحدا بما قبض عيبا،
فإنه يرده ويأخذ الجارية التي [[باع]]، وينتقض البع، هذا قول الثوري،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، والنعمان، ويعقوب.
وقال ابن أبي ليلى: يردها ويأخذ قيمتها، قيمة التي ترد عليه.
م 3541 - فإن ماتت إحدى الجاريتين، ووجد بالأخرى عيبا ففي قول الثوري،
والشافعي: يردها ويأخذ قيمة جاريته.
م 3542 - وإذا اشترى جارية، وتبرأ البائع من الحمل، فقال أبو ثور: هو برأة،
وحكاه عن الكوفي.
وقال أحمد، وإسحاق: الحبل في الحيوان زيادة، وقال إسحاق: هو عيب في
الآدميين.
__________
(2) في الأصل "إذا جاز"، والتصحيح من العمانية.
(6/92)
وقال مالك: إن كنت الجارية من جوار الوطي
المرتفعات، فليس ذلك ببرأة، وله أن يرد، وإن كانت من وحش الرقيق فهي برأة.
قال أبو بكر: البرأة من الحمل برأة، وليس بين الرقيق في ذلك فرق.
م 3543 - وكان الشافعي، والنعمان، ويعقوب يقولون: إذا اشترى جارية ووجدا
عيباً، فله ردها وإن لم ينقد الثمن.
وقال ابن أبي ليلى: لا أقبل شهوداً على العيب حتى ينقد الثمن.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
وقال عبيد الله بن الحسن: إذا كان يقدر على النظر في العيب في تلك الحال،
بوئ بالنظر، وإن كان شيئاً يتأخر، أعطى، ثم نظر فيه.
م 3544 - واختلفوا في الرجل يشتري السلعة على أنه بالخيار ثلاثاً، فجاء
ليردها، فقال البائع: ليس هي هذه، وقال المشتري: هي هذه، فإن الثوري،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: القول قول المشتري مع
يمينه.
م 3545 - وإن كان البيع لم يقبض وأراد البائع أن يلزمه إياه، فقال المشتري:
ليس هو هذا، فالقول قول المشتري مع يمينه في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 3546 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا اشترى عبداً فطعن بعيب، فقال
البائع: ليس هذا العبد الذي بعتك، فالقول قوله مع يمينه [2/ 129/ألف] إلا
أن يقيم المشتري البينة.
(6/93)
وقال الأوزاعي: إذا صرف دراهم بدنانير، ثم
رجع بدرهم، فقال: ليس هذا من دراهمي، قال: يحلف الصرفي بالله لقد وفيتك هذا
ويبرأ.
م 3547 - وكان الشافعي يقول: إذا اشترى الرجلان سلعة صفقة واحدة، ووجدا بها
عيبا فرد أحدهما، وقال الآخر: أنا أمسك، رد الذي أراد الرد حصته، وبه قال
بن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد، وعثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن.
وقال النعمان، وأبو ثور: ليس لأحدهما أن يرد حصته.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحح.
م 3548 - وإذا اشترى الجوز، أو الراتج، أو البطيخ، أو ما أشبه ذلك، فوجده
فاسداً، فقال النعمان: إذا لم يكن لها مكسورة قيمة، رجع بالثمن كله، وإن
كان لها قيمة وهي مكسورة، رجع بنقصان العيب.
وقال الشافعي: فيها قولان:
أحدهما: أن له أن يرده ويرجع بثمنه.
والآخر: إذا كسره لم يكن رده، ويرجع بما يبين قيمته صحيحا وفاسداً.
وقال في البيض: يرجع بالثمن.
وقال أبو ثور: يرده ويرد نقصه الكسر، ويرجع بالثمن.
79 - باب البيوع على المرابحة
م 3549 - واختلفوا في بيع ده يازده، وده دوازده، فكره ذلك ابن
(6/94)
عباس، وابن عمر، ومسروق، وعكرمة، والحسن،
وسعيد بن جبير، وعطاء بن يسار، وأحمد، وإسحاق.
وقال إسحاق: البيع مردود.
ورخص فيه شريح، وابن المسيب، وابن سيرين، والنخعى، والثوري، والأوزاعي،
وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: البيع جائز، وهو معروف من بيع المرابحة.
80 - باب بيع المتاع بالرقم
م 3555 - قال ابن سيرين، والنخعي، والحكم: لا بأس بأن يباع المتاع برقمه.
ورخص فيه أحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
ويروى عن طاؤوس أنه كره ذلك.
قال أبو بكر: البيع على الرقم جائز.
81 - باب السلع ينفق عليها ثم تباع مرابحة
م 3551 - كان الحسن البصري يقول: إذا أنفق على المال نفقة [2/ 129/ب] فباعه
مرابحة، فلا يأخذن للنفقة ربحاً، وبه قال ابن المسيب، وابن سيرين، وطاووس،
والنخعي، والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
(6/95)
وقد روينا عن الشعبى، والحكم أنهما كانا لا
يريان بأساً أن يحمل على المتاع النفقة والكرى، وأجر القصار، وأشباه ذلك،
ثم يبيعه مرابحة.
قال أبو بكر: أسلم للبائع وأحوط له أن يقول: اشتريت هذا المتاع بكذا ولزمه
كذا، وأبيعك بكذا، ليسلم إن شاء الله.
82 - باب الدار يستغل، والثوب يلبس، والجارية
توطأ ثم يريد بيع ذلك مرابحة
م 3552 - واختلف أهل العلم في الدار تشترى فيستغلها، والثوب كذلك يلبس،
والجارية توطأ، ثم يبيعها مرابحة، فكان أحمد، وإسحاق يقولان: يبين ذلك كله.
وقال الثوري في اللبن، والصوف، والجارية: أحسن أن يبين، وقال في الغلة: لا
بأس أن يبيعه مرابحة.
وقال أبو ثور في الغلة، واللبن: يبيعها مرابحة إذا لم يكن العمل نقصها،
وقال في الصوف لا يبيع مرابحة.
وقال أصحاب الرأي في غلة الدار، والخادم، والدابة: يبيعها مرابحة، وقالوا
في الجارية تلد، أو الغنم، أو ثمر الشجرة: لا بأس أن يبيعه مرابحة، وذلك
معه، فإن استهلك منه شيئاً، لم يكن له أن يبيعه مرابحة، حتى يبين ما أصاب
من ذلك.
وقالوا في ألبان الغنم، وأصواها، وسمونها: لا يبيعن شيئاً من ذلك مرابحة
حتى يبين ما أصاب منها.
(6/96)
قل أبو بكر: أما غلة الدار، والعبد وإصابة
الجارية، الثيب، فليبع ذلك مرابحة ما لم يدخله نقص من هذه الأفعال، وكذلك
الألبان التي تحدث في الضروع بعد صفقة البيع، فأما الأصواف التى كانت
عليها، والألبان التي كانت في الضروع وقت الشرى، فليس له أن يبيع ذلك حتى
يبين.
83 - باب مسائل من هذا الباب
قال أبو بكر:
م 3553 - إذا أخبر هذا البائع أنه شرى هذه السلعة مائة دينار وباعها
مرابحة، ثم أطلع على الخيانة.
فقال الثوري، وابن أبي ليلى، ويعقوب، وأحمد، [2/ 130/ألف] وإسحاق، وأبو
ثور: يحط عند الخيانة وحصتها من الربح.
وقال النعمان، ومحمد: المشتري بالخيار، إن شاء رد المبتاع، وإن شاء أخذه
بالثمن الذي اشتراه به، فإن كان المبتاع مستهلكاً فالثمن له لازم.
م 3554 - واختلفوا في الرجل يشتري السلعة نسيئة، ثم يبيعها مرابحة ولا
يبين.
فقال الثوري، وأصحاب الرأي: إن كان المبيع قائماً بعينه، فإن شاء أخذ، وإن
شاء ترك، وإن كان فائتاً فقد وجب الثمن.
وقد روينا عن شريح، وابن سيرين: أنهما قالا: له مثل نقده، وإلى مثل أجله
ونحوه قال الأوزاعي.
وقال أحمد: إن كان البيع قائماً، فإن شاء كان له إلى ذلك
(6/97)
الأجل، وإن كان قد استهلك حبس المشتري
المال بقدر ما كان للبائع فيه من الأجل، وبه قال إسحاق.
قال أبو بكر: المشتري بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء رد.
م 3555 - وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: كل بيع
يشتريه قوم جماعة لا يجوز أن يباع بعضه مرابحة.
م 3556 - وقال الثوري: إذا اشتريا متاعاً، ثم تفارياه، وأخذ كل واحد منهما
بعضه، فليس له أن يبيعه مرابحة، وبه قال أحمد.
وقال إسحاق: بل يبيعه مرابحة إذا بين.
م 3557 - وقال الثوري: إذا اشتريت بزاً بمائة درهم فلا تبيعن بعضه مرابحة،
وكذلك قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 3558 - وقال أبو ثور: إن كان طعاماً مما يكال ويوزن وكان صنفاً واحداً،
فأكل بعضه فلا بأس أن يبيع ما بقي مرابحة على قدر ما بقي من الثمن، وبه قال
أصحاب الرأي.
وبه نقول في المسألتين.
م 3559 - واختلفوا فيمن ابتاع سلعة، ذكر أن ثمنها خمسون درهماً، فباعها
بربح عشرين، ثم ادعى الغلط، وأقام البينة أن اشتراها بمائة.
فقال أحمد، وإسحاق: المشتري بالخيار إن شاء أخذ بالثمن الذي ابتاعها وشهدت
به البينة، وإن شاء رد.
وقال الثوري: لا تقبل البينة، هو أمدق من البينة.
م 3560 - وإذا اشتري سلعة بمائة درهم، فحط البائع عن المشتري بعض الثمن.
فقال أبو ثور: يبيعه مرابحة بالذي اشتراه به.
وقال أصحاب الرأي: يبيعه مرابحة على ما بقي من الثمن.
(6/98)
واحتج أبو ثور بأنهم يقولون: إذا وهب
البائع الثمن كله باعه مرابحة على ما به، فكذلك [2/ 130/ب] إذا وهب بعضه.
قال أبو بكر: قول أبي ثور صحيح.
م 3561 - وإذا اشترى السلعة فباعها بربح، ثم رغب فيها فاشتراها، ثم يريد
بيعها مرابحة.
فحكي عن ابن سيرين أنه قال: يطرح الربح الأول.
وأعجب أحمد قول ابن سيرين.
وقال النعمان: لا يبيعهما مرابحة حتى يلغي من الشراء الآخر قدر الربح
الأول.
وقال أبو ثور، ويعقوب، ومحمد: يبيعه مرابحة على الثمن الآخر.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 3562 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا اشترى السلعة بحنطة، أو شعير، أو
بشيء مما يكال أو يوزن موصوفاً فلا بأس أن يبيعه مرابحة، وذلك مثل الذهب
والفضة.
قال أبو بكر: (1) وكذلك نقول.
م 3563 - واختلفوا في الرجل يشترى من ابنه أو أمه، أو مكاتبه متاعاً قد قام
على البائع بأقل مما اشتراه به، فأراد أن يبيعه مرابحة.
فقال أبو ثور، والنعمان: ليس له أن يبيعه مرابحة.
وقال يعقوب: يبيعه مرابحة من أي هؤلاء اشترى ما خلا عبده، أومكاتبه.
وبه قال محمد.
__________
(1) في الأصل: "قال أبو ثور".
(6/99)
قال أبو بكر: هذا أقيس.
م 3564 - واختلفوا في الرجل يبيع السلعة التي اشتراها بعشرة بوضعه ده فقال
أبو ثور: يطرح من العشرة واحدة.
وقال أصحاب الرأي: يكون الثمن تسعة دراهم وجزاء من أحدى عشرة جزواء من
الدرهم.
قال أبو بكر:
م 3565 - وإذا اشترى خادماً، أو ثوباً، أو طعاماً، أو دابة، فأصاب الخادم
بلاء فذهبت عينه، أو لزمه عيب، فلا يبيعه مرابحة حتى يبين ما أصابه عنده،
فإن لم يفعل فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء رده، هذا قول أصحاب
الرأي، وأبي ثور.
وقال الثوري: لا بأس أن يبيعه مرابحة إذا عور أو عمي.
م 3566 - وقال الثوري: إذا اشترى سلعة بمائة درهم فاستغلاها، فأخبر أنه
اشتراها بتسعين، فالبيع جائز، وقد أساء حين كذب، وبه قال أحمد.
وقال إسحاق: ليس هذا كذب إذا كانت إرادته أنه قد قامت عليه بتسعين.
84 - جماع أبواب السلم
قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ}
(6/100)
مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآية.
قال أبو بكر:
م 3567 - فدل قوله: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} على أن السلم إلى الأجل
المجهول غير جائز، ودلت سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[2/ 131/ألف]
على مثل معنى كتاب الله.
قال أبو بكر:
(ح 1259) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وهو يسلفون
في الثمار في سنتين وثلاث، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أسلفوا
في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم.
(ح 1265) وقال ابن عمر: كان أهل الجاهلية يبتاعون لحم الجزور إلى حبل
الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل التي نتجت،
فنهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
م 3568 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم الجائز أن يسلم
الرجل على صاحبه في طعام معلوم موصوف من طعام أرض عامة لا يخطئ مثل، بكيل
معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم دنانير أو دراهم معلومةً يدفع ثمن ما
أسلم فيه قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه، ويسمى المكان الذي
يقبض فيه الطعام، فإذا فعلا ذلك،
(6/101)
وكانا جائزي الأمر، كان سلما صحيحاً، لا
أعلم أحداً من أهل العلم يبطله.
85 - باب ترك ذكر المكان الذي يقبض فيه الطعام
قال أبو بكر:
م 3569 - واختلفوا في ترك ذكر المكان الذي يقبض فيه الطعام.
فقال الثوري، وأصحاب الرأي: السلم فاسد.
وقال الأوزاعي: هو مكروه.
وقال أحمد، وإسحاق وطائفة من أهل الحديث: السلم جائز، واحتجوا:
(ح 1261) بحديث ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "أسلفوا
في الثمار في كيل
معلوم إلى أجل معلوم".
ولم يذكر المكان الذي يقبض فيه، فدل ذلك على إجازته.
واختلف قول الشافعي فيه، فأبطل السلم مرة، وأجازه مرة.
قال أبو بكر: قول أحمد صحيح.
86 - باب اختلاف أهل العلم في السلم يتخلف بعض
الثمن عند المشتري
م 3570 - واختلفوا في البائع يقبض ثمن السلم ويبقى بعض حتى يتفرقا.
(6/102)
فكان ابن شبرمة، والثوري، والشافعي، وأحمد
يقولون: السلم فاسد.
وقال أصحاب الرأي له من السلم بحساب ما قبض، وبه قال إسحاق.
وفيه قول ثالث: وهو إن دفع الثمن إلى يومين أو ثلاثة، فلا بأس، وإن ضرب
لبعضه أجلاً كان ذلك حراماً، هذا قول مالك.
قال أبو بكر: قول الثوري صحيح.
87 - باب [2/ 131/ب] المسلم إليه يجد بعض الثمن
زائفاً
م 3571 - واختلفوا فيمن أسلم إليه في طعام، فوجد بعض الثمن زائفاً.
فكان الثوري، وأحمد بن حنبل يقولان: يتم من السلم بقدر ما قبض.
وقال أبو ثور: له إبداله، والسلم جائز.
وقال إسحاق: فيهما قولان، أحدهما: كقول أحمد، والقول الثاني: كقول أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إن كان الذي وجد زائفاً فإنا نستحسن أن يرد عليه، ويأخذ
غيره، وإن كان ستوقاً ردا وحط منه بقدر.
وقال يعقوب، ومحمد: إن كنت زيوفاً كلها فإنا نستحسن أن يبدله، والسلم على
حاله.
وقال مالك: يبدلهما ولا ينتقض.
وقال الشافعي: إذا كان الثمن زائفاً فالسلم فاسد.
(6/103)
88 - باب السلم أو
البيع إلى الآجال المجهولة مثل الحصاد والجذاذ وما أشبهه
م 3572 - أجمع أهل العلم على أن من باع معلوماً من السلع بمعلوم من الثمن
على أجل معلوم من شهور العرب أو إلى أيام معروفة العدد، أن البيع جائز،
وكذلك قالوا في السلم إلى الأجل المعلوم.
م 3573 - واختلفوا فيمن باع إلى الحصاد، أو إلى الدياس، أو إلى العطاء.
فقال مالك: ذلك جائز, لأنه معروف، وبه قال أبو ثور.
وقال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس، وكذلك إلى قدوم الغزاة.
وقد روينا عن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء.
وقالت طائفة: ذلك غير جائز، كذلك قال ابن عباس، وبه قال الشافعي، والنعمان.
وفيه قول ثالث: قاله الأوزاعي قال: إذا باع إلى فيح النصارى، أو صومهم،
فذلك جائز، وإن باع إلى الأندر والعصر فهو مكروه.
وفيه قول رابع: وهو أن البيع إلى العطاء جائز، والمال حال، هذا قول ابن أبي
ليلى.
قال أبو بكر: قول ابن عباس أصح.
(6/104)
89 - باب إبطال
السلم في ثمر حائط بغيم عينه
قال أبو بكر:
(ح 1262) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه أسلف على رجل من يهود
دنانير في ثمن كيل مسمى إلى أجل مسمى، فقال اليهودي من ثمن حائط فلان، فقال
النبي- صلى الله عليه وسلم -: أما من ثمن حائط فلان فلان فلا، ولكن كيل
مسمى إلى أجل مسمى [2/ 132/ألف].
قال أبو بكر: وهذا كالإجماع من أهل العلم.
م 3574 - وممن حفظنا ذلك عنه مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأصحاب الرأي.
90 - باب السلم في الحيوان
م 3575 - اختلف أهل العلم في السلم في الحيوان.
فرخصت فيه طائفة: وممن روينا عنه أنه قال: لا بأس به، ابن مسعود، وابن
عباس، وابن عمر، وابن المسيب، والحسن البصري، والشعبى، ومجاهد، والزهري.
(6/105)
وبه قال الأوزاعي، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور، واحتج أحمد بأن الدية سنة.
وقال الشعبي: إنما كرهه ابن مسعود، ولأنه قال من فحل كذا.
(ح 1263) واحتج الشافعي بحديث أبي رافع.
وبأن الدية بأسنان معلومة.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وكرهت طائفة السلم فيه، هذا قول الثوري، وأصحاب الرأي.
91 - باب السلم يكون حالاً وغير ذلك
م 3576 - واختلفوا في السلم في الشيء المعلوم حالاً.
فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: ذلك جائز، وقال أصحاب الرأي: بطل السلم إذا
كان حالاً.
وقال مالك: إذا كان الأجل ثلاثة أيام فلا خير فيه.
وقال الأوزاعي: ذلك جائز.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 3577 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا
يجوز بقفيز لا يعرف عياره، ولا في ثوب يذرع فلان، لأن المعبار لو تلف أو
مات فلان بطل السلم.
وممن حفظت ذلك عنه، الثوري، والشافعي، وأبو ثور، والنعمان وأصحابه.
(6/106)
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 3578 - واختلفوا فيمن أسلم مائة دينار في مائة مد قمح ومائة مد شعير.
فأبطل الشافعي، وسفيان الثوري، وأبو ثور، والنعمان هذا السلم، وقالوا: لا
يجوز حتى يبين رأس مال كل واحد منهما.
وفيه قول ثان: وهو أن السلم جائز، هذا قول مالك، ويعقوب.
قال أبو بكر: هذا أصح.
92 - باب الرجل يسلم ما يكال فيما يوزن، وما
يوزن فيما يكال
م 3579 - قال الثوري: أسلم ما يكال ولا يوزن فيما يوزن ولا يكال، وأسلف ما
يوزن ولا يكال فيما يكال ولا يوزن.
وذكر قول الثوري لأحمد فقال: هذا لا يعجبنا، وهذا قول أبي حنيفة [2/
132/ب].
وقال إسحاق: هو جائز.
وقال الشافعي: في الأطعمة كلها لا يجوز أن يسلم بعضها في بعضها، ولا يجوز
ذلك في العروض إذا لم تكن مأكولاً ولا مشروباً.
93 - باب الاختلاف في السلم وغيره
م 3580 - وإذا اختلفا فقال أحدهما: أسلمت إليك مائة دينار في مائة مد حنطة،
وقال الآخر: أسلمت إلى مائة دينار شعير، ففي قول
الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: يتحالفان ويتفاسخان.
(6/107)
وهو قول مالك في الشعير، والقمح.
والذي يبدأ باليمين الطالب في قول يعقوب.
وقال الشافعي: يبدأ باليمين البائع.
م 3581 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على منع أن يجعل الرجل ديناراً
له على رجل سلماً في طعام إلى أجل معلوم.
وممن حفظنا ذلك عنه مالك، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور،
وأصحاب الرأي، وهو مذهب الشافعي.
وقد روينا عن ابن عمر أنه قال: لا يصلح.
قال أبو بكر: وبه نقول.
94 - باب الرهن والكفيل في السلم
م 3582 - واختلفوا في الرهن والكفيل في السلم.
فممن روينا عنه أنه كره علي بن أبي طالب، وكره ذلك سعيد بن جبير،
والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور.
ورخص فيه عطاء، ومجاهد، والشعبى، وعمرو بن دينار، ومقسم، ومالك، والشافعي،
وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وكان مجاهد يكره الرهن في السفر.
وقد روينا عن ابن عمر، وابن عباس، والحسن البصري، والنخعى الرخصة والكراهية
جميعاً.
(6/108)
قال أبو بكر: الرهنة والحميل في السلم
جائز، إذ لم يمنع منه السنة، والإجماع.
(ح 1264) وقد رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعاً وأخذ طعاماً.
فدل ذلك على خلاف قول مجاهد.
95 - باب الإقالة في بعض السلم
م 3583 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم
فيه المرء جائز.
م 3584 - واختلفوا في الإقالة، في بعض السلم، فروينا عن ابن عمر، وابن
سيرين، والنخعي، والحسن، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، أنهم كرهوا ذلك.
وقال مالك: ليأخذ سلفه كله أو رأس ماله، وبه قال ربيعة، والليث بن سعد،
وابن أبي ليلى [2/ 133/ألف].
ورخص فيه ابن عباس، وعطاء، ومحمد بن علي، وحميد بن عبد الرحمن، وعمرو بن
دينار والحكم، والثوري، والشافعي، والنعمان، وأصحابه.
قال أبو بكر: وبه نقول، إذا كان له أن يقيله في الجميع، فما الذي منع أن
يقيله في البعض.
(6/109)
96 - باب السلم في
الثياب
م 3585 - أجمع كل من نحفظ عه من أهل العلم على أن السلم في الثياب جائز،
بذراع معلوم، وصفة معلومة الطول والعرض، والرقة، والصفاقة، والجود بعد أن
ينسبه إلى بلدة من البلدان إلى أجل معلوم.
هذا قول الشافعي، ومالك، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وأبي ثور، وأصحاب
الرأي، ومن تبعهم.
وروى إجازة ذلك عن ابن المسيب، والشعبي، والقاسم ابن محمد.
قال أبو بكر: ولست أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم، وبه أقول.
97 - باب السلم في الرطب وسائر الفواكه في غير
حينها
م 3586 - واختلفوا في السلم في الرطب وسائر الفواكه في غير حينها.
فكره ذلك الثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي.
وقال آخرون: السلم جائز في ذلك كله في غير حينه إذا حل في الوقت الذي يكون
فيه ما أسلم فيه من ذلك موجوداً، هذا قول مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
قال أبو بكر: وبه نقول، لدخول ذلك في جملة ما أذن النبي- صلى الله عليه
وسلم -
(6/110)
م 3587 - وإذا أسلم إليه في رطب فلم يأخذه
في حينه حتى نفذ.
فكان الشافعي، وإسحاق يقولان: المسلف بالخيار إن شاء رجع ما بقي من سلفه،
وإن شاء أخر ذلك إلى رطب قابل.
وقال الأوزاعي: لا بأس بأن يرد عليك من رأس مالك بقدر ما بقي.
قال أبو بكر: بقول الشافعي نقول.
98 - باب السلم في اللحم، والشحم، والرؤوس،
والأكارع
م 3588 - واختلفوا في السلم في اللحم.
فكان الزهري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأبو يوسف
يجيزون السلم فيه إذا وصفه، وشرط وزناً [2/ 133/ب] معلوماً إلى أجل معلوم،
وموضع من اللحم معروف بصفة تسمى به.
وقال النعمان: لا خير في السلم في اللحم، لأنه مختلف، ولا خير في السلم في
السمك الطري، فأما السلم في المالح منه فلا بأس به، وزناً معلوماً وضرباً
معلوماً.
م 3589 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الشحم جائز،
إذا كان معلوماً وممن حفظنا ذلك عنه الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي.
وبه نقول.
م 3590 - والسلم في الجبن الطري جائز، إذا كان السلف فيه في حينه،
(6/111)
وممن أجاز السلم في الجبن الشافعي، وأصحاب
الرأي.
وكان الأوزاعي يقول: لا بأس في السلم في الجبن الطبري إذا أسلف في حينه.
م 3591 - واختلفوا في السلم في الرؤوس، والأكارع.
فكان مالك، وأحمد يجبز أن السلم في الرؤوس إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً
صغاراً أو كباراً.
وقال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا يجوز السلم فيه.
م 3592 - وفي قول الشافعي، وأصحاب الرأي لا يجوز السلم في الأهب، والجلود،
والورق، والادم.
99 - باب السلم في الجوز والبيض واللؤلؤ
م 3593 - كان الأوزاعي يرى السلم في الجوز، والبيض جائز عدداً، وقال مالك
في الجوز فله، وقال: إن كان الكيل أمراً معروفاً فلا بأس به، وبه قال أحمد،
وإسحاق.
وقالوا: لا خير في السلم في الرمان، ولا السفرجل، ولا في البطيخ، والقثاء،
والخيار، لأنه يكال ولا يوزن، ومنه الصغير والكبير.
ولا يجوز السلم في الجوز والبيض عند الشافعي، وأبي ثور.
م 3594 - وكان مالك بن أنس يجيز السلم في اللؤلؤ إذا اشترط من ذلك شيئاً
معلوماً إن كان وزناً فيوزن معروف، وبه قال أبو ثور إذا كان أهل الصناعة
يتعارفون ذلك.
وفي قول الشافعي، وأصحاب الرأى: لا يجوز السلم في.
(6/112)
100 - باب السلم في
الآنية
قال أبو بكر:
م 3595 - كان مالك يقول: السلم في آنية الزجاج جائز إذا كان بصفة معلومة،
وبه قال الشافعي فيه، وفي سائر الآنية.
وهو مذهب أبي ثور، والنعمان إذا كان شيء يعرف ويعلم، وكذلك الأوزاعي.
101 - باب السلم في الحيتان
قال أبو بكر:
م 3596 - كان الأوزاعي، والشافعي، والنعمان يجيزون السلم في الحيتان
المالحة إذا كان بوزن معلوم وصفة معلومة.
والسلم في الحيتان الطرية جائز في قول مالك، والشافعي [2/ 134/ألف] إذا كان
بين صنفه وبوزن معلوم.
قال أبو بكر: كما قالوا أقول.
102 - باب السلم في القصيل، والحطب، والبقول،
والفلوس
قال أبو بكر:
م 3597 - كان الشافعي يقول: لا يجوز السلم في القصيل حزماً، لأنها تتباين،
وبه قال أبو ثور، وأصيحاب الرأي.
(6/113)
وقال مالك: "السلم فيه جائز إذا اشترط
حزماً أو أحمالاً معروفة، واشترط أخذه في إبانه".
م 3598 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: السلم في الفلوس جائز عدداً إذا كانت
لا تتباين تبايناً شديداً.
ورخص في السلم فيه إسحاق.
103 - باب مسائل
م 3599 - واختلفوا في الرجل يسلم إلى الرجل في طعام يوفيه بمكة، فيلقى الذي
عليه الطعام الذي له الطعام بغير مكة، فيعرض فعليه الطعام ليقضيه ويعطيه
مقدار كراه إلى مكة، فكره ذلك مالك، والثوري والأوزاعي وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو ثور: له أخذ الكرى.
م 3600 - واختلفوا في الرجل يسلم إلى الرجل في عرض من العروض فيحل، فأراد
أن يأخذ مكانه غيره، فكان الشافعي، وإسحاق يقولان: لا يجوز ذلك.
وقال مالك: لا بأس بأن يأخذ مكانه غيره، يتعجله ولا يؤخر إلا الطعام.
قال أبو بكر: وقد ثبت أن ابن عباس قال: إذا أسلفت في شيء إلى أجل فحل
الأجل، فإن أخذت ما أسلفت فيه، وإلا فخذ عرضاً بأنقص منه ولا تربح مرتين.
(6/114)
م 3601 - وقال كل من نحفظ عنه من أهل العلم
في النصراني يسلم إلى النصراني في الخمر، ثم يسلم أحدهما، أن الذي أسلم
يأخذ دراهمه، كذلك قال الثوري، وأحمد وإسحاق، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 3602 - واختلفوا في الرجل يسلم إلى الرجل دنانير ولا يعلم عددها، أو
دراهم في طعام معلوم فكان الشافعي يقول: لا يجوز، وبه قال النعمان.
وقال يعقوب: السلم جائز.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 3603 - وقال الشافعي: لا بأس أن يسلم في الشيء الذي أصله الكيل وزناً.
وقال مالك: ذلك جائز إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً، وبه قال أحمد،
وقال أحمد: لا، إلا الكيل في التمر يسلم فيه.
قال أبو بكر: الوزن أقرب إلى الإحاطة من الكيل، وأجوز.
م 3604 - واختلفوا في السلم في شيء يقبضه المشتري في أيام متفرقة، مثل أن
يسلم في رطب فيقبضه [2/ 134/ب] في أيام معلومة، في كل يوم منه شيئاً
معلوماً، فقال مالك: لا بأس به.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك.
وقال أحمد: لا بأس بأن يأخذ من الخباز الخبز رطلاً بعد رطل إذا لم يعجل له،
ليرخص عليه.
(6/115)
104 - جماع أبواب
الشروط في البيوع
قال أبو بكر:
(ح 1265) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لجابر بن عبد الله في
جمل له: "بعنيه
بأوقية" قال: فبعته بأوقية، فاستثنيت حملانه إلى أهلي.
م 3605 - وقد اختلف أهل العلم في الرجل يبيع الدابة ويشترط ظهرها إلى مكان
معلوم، أو وقت معلوم، فقالت طائفة: البيع جائز والاستثناء ثابت.
وممن أجاز ذلك الأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وابن نصر، وأصحاب الحديث،
واحتجوا بحديث جابر.
وقالت طائفة: البيع باطل، هذا قول الشافعي، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان اشترط ركوبا إلى مكان قريب فجائز، وإن كان
مكاناً بعيداً فهو مكروه، هذا قول مالك.
قال أبو بكر: والجواب في الدار يباع ويستثنى سُكناها مدةً معلومةً كذلك.
وقد روينا أن عثمان اشترى داراً من صهيب على أن يسكن فيها كذا وكذا.
قال أبو بكر: وإنما نهى أن يستثنى الرجل وقتاً مجهولاً، فأما المعلوم ففي:
(6/116)
(ح 1266) حديث جابر أن النبي- صلى الله
عليه وسلم - نهى عن الثنيا إلا أن يعلم.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول لحديث جابر.
105 - باب إجازة شرط البائع على المبتاع عتق
المبيع
قال أبو بكر:
(ح 1267) ثبت أن عائشة أرادت أن تشتري بريرة، وأن مواليها اشترطوا ولاءها،
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اشتريها واعتقيها، فإنما الولاء لمن
أعطى الثمن.
م 3606 - واختلفوا في الرجل ببيع النسمة ويشترط على المشتري العتق، فكان
الشافعي يقول: البيع جائز، والشرط ثابت.
وقال النعمان، ويعقوب: البيع باطل.
م 3607 - وقال النعمان، ومحمد. إذا أعتقه المشتري فعليه الثمن.
وقال يعقوب: العتق جائز، وعليه القيمة.
قال أبو بكر: وكل ما قالوه من ذلك خطأ، لأن البيع إذا [2/ 135/ألف] بطل لم
يثبت ملك المشتري عليه، وإذا لم يثبت ملكه فغير جائز عتقه، لأنه أعتق
حينئذٍ ما لا يملك.
(6/117)
وكان مالك يقول: إذا اشترى جارية على أن
يعتقها أو يدبرها، فقالت: بالتدبير أو العتق فهو ماض ويتراجعان إلى القيمة.
وفيه قول ثالث: وهو أن البيع جائز والشرط باطل، هذا قول ابن أبي ليلى، وأبي
ثور.
وحكاه أبو ثور عن الشافعي.
106 - باب العبد يباع ويشترط على المبتاع أن لا
يبيعه ولا يهب
م 3608 - واختلفوا في الرجل يبيع العبد أو الأمة على أن لا يبيعه المشتري
ولا يهبه.
فكان الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، والحكم، وابن أبي ليلى، وأبو ثور
يقولون: البيع جائز، والشرط باطل.
وقال حماد بن أبي سليمان: البيع جائز، والشرط لازم.
وقال أحمد وإسحاق في البيع إذا قال البائع: إن أم تأت بنقدي غداً فلا بيع
بيني وبينك، قالا: له شرطه.
قال أبو بكر: وقد روي معنى هذا القول عن عمر، وابن مسعود.
وفيه قول ثالث: وهو البيع الشروط فيه بعض هذه الشروط باطل، هذا قول
الشافعي، والنعمان، ويعقوب.
وقد روينا عن ابن عمر، وعائشة أنهما كرها أن تباع الأمة على أن لا تباع،
ولا توهب.
وقال مالك في هذا هو بيع مراده.
(6/118)
قال أبو بكر: خبر بريرة ثابت، ولا نعلم
خبراً ثابتاً يعارضه،
والقول به يجب، وقد أثبت النبي- صلى الله عليه وسلم - البيع، وأبطل الشرط.
وبه نقول.
107 - باب اشتراط المشتري مال العبد المشترى في
عقد البيع
قال أبو بكر:
(ح 1268) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع عبداً له
مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع".
م 3609 - وقد اختلف أهل العلم فيمن باع عبداً وله مال.
فقال أكثر أهل العلم بظاهر هذا الحديث، أن ماله للبائع إلا أن يشترط
المبتاع ماله، كذلك قال عمر بن الخطاب، وقضى به شريح.
وبه قال طاووس، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقد روينا عن ابن عمر أنه قال: من زين وليدة وباعها، إن الذي اشترى [2/
135/ب] ما عليها، إلا أن يشترط الذي باعها ما عليها، وهو قول الحسن البصري،
والنخعي.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
م 3610 - واختلفوا في العبد يباع وله مال يعلم قدره، أو لا يعلمه، فاشترط
المشتري.
(6/119)
فقالت طائفة: هو للمشتري عرضاً كان أو
نقداً، أو ديناً يعلم به أو لا يعلم، وإن كان المال أكثر مما اشترى به
العبد كان الثمن نقداً أو عرضاً فهو للبائع، هذا قول مالك، وإسحاق، وأبي
عبيد، وأبي ثور.
وقالت طائفة: هو مشترى للعبد ومشترى لماله معه، فإن كان للعبد ذهب لم يجز
أن يشتري بذهب، فإن كان مال العبد مجهولاً أو ديناً فاشتراه بدين لم يجز،
هذا قول الشافعي في حكايته بعض أهل
مصر عنه.
وقد كان إذ هو بالعراق يميل إلى قول المديني.
قال أبو بكر: بظاهر خبر ابن عمر يجب أن يقال، وكل مال يكون للعبد فهو داخل
في جملة قوله: "وله مال"، غير جائز إخراج شيء منه بغير سنة؛ لأن السنن لا
يستثنى منها إلا بسنة مثلها، ولا
يجوز الخروج عن ظاهر خبر النبي- صلى الله عليه وسلم -، وعمومه، إلا إلى خبر
مثله.
108 - باب اشتراط المشتري على البائع في عقد البيع شيئاً لو أفرد شرائه لم
يجز
قال أبو بكر:
(ح 1269) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:" من باع نخلاً قد
أبرت فثمرها للبائع
إلا أن يشترطها المبتاع.
قال أبو بكر:
(6/120)
م 3611 - وهذا دليل على أن الثمر إذا لم
يؤبر، أن ذلك للمشتري، وقال بظاهر هذا الخبر مالك وأهل المدينة، والشافعي
وأصحابه، والنعمان ويعقوب، وعوام أهل العلم.
قال أبو بكر: وبه نقول، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: الثمرة للمشتري وإن لم
يشترطه، لأن ثمرة النخل من النخل.
109 - باب بيع الأمة واستثاء ما في بطنها
م 3612 - واختلفوا في الرجل يبيع الأمة أو الناقة ويستثني ما في بطنها.
فقالت طائفة: البيع جائز والشرط لازم، كذلك قال الحسن البصري، والنخعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقد ثبت أن ابن عمر أعتق غلاماً له وامرأته واستثني ما في بطنها.
وقال مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي: البيع فاسد.
قال [2/ 136/ألف] أبو بكر: وهم يرون تقليد الواحد من أصحاب النبي - صلى
الله عليه وسلم - إذا يخالفه منهم غيره، ولا نعلم لابن عمر مخالفاً لما في
ذلك، وهذا يلزمهم.
وإذا كان البيع يلزم إذا باع أمة واشترط إنما في بطنها حر، فلما كان كذلك
بيعها واستثناء ما في بطنها؛ لأن الجارية التي وقع عليها البيع دون الولد
في المسألتين جميعاً.
(6/121)
110 - باب البيع
بدنانير إلا دراهم
م 3613 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للرجل أن يبيع سلعته
بدينار إلا قيراطاً وبدينار ودرهم.
م 3614 - واختلفوا فيمن باع سلعته بدينار إلا درهم.
فأبطل كثير من أهل العلم هذا البيع، وممن كرهه، النخعي، وعطاء، والأوزاعي،
وابن أبي ليلى، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وأفسد أصحاب الرأي أهل العلم البيع، وقد ذكروا عن أبي سلمه بن عبد الرحمن
أنه اشترى ثوباً بدينار إلا درهماً، وأجاز ذلك عبيد الله بن الحسن إذا عرفا
سعر الدينار في ذلك السوق.
قال أبو بكر: البيع في ذلك فاسد، لأنهما (1) غير عارفين بالثمن في وقت عقد
البيع.
(ح 1270) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى الثنيا إلا أن
يعلم.
111 - باب الرجل يشتري السلعة على أنه إن لم
يأت بالثمن إلى وقت كذا وإلا فلا بيع بينهما
م 3615 - واختلفوا في الرجل يشتري السلعة ويقول: إن لم يأت إلى وقت كذا،
وإلا فلا بيع بيننا.
__________
(1) في الأصل "لأنها"، والتصحيح من العمانية.
(6/122)
فقالت طائفة: البيع جائز، والشرط ثابت،
كذلك قال الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق.
وبه قال أبو ثور إذا كان الشرط ثلاثة أيام، روى مثل قول أبو ثور، عن ابن
عمر.
وقال النعمان إن كان الوقت، ثلاثة أيام فالبيع جائز والشرط باطل، وإن كان
أكثر من ثلاثة أيام فالبيع فاسد، ثم قال: فإن نقده في ثلاثة أيام فالبيع
جائز، وهو لازم له، هذا قول النعمان.
وقال محمد: يجوز أربعة أيام وعشرة أيام.
وقال مالك: إن كان الأجل يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك فلا بأس به، وإن كان
عشرين ليلة، أو نحوه فسخ البيع.
112 - باب [2/ 136/ب] بيع العربون
م 3616 - واختلفوا في بيع العربون.
فكرهت ذلك طائفة: وابطل بعضهم البيع، روينا عن ابن عباس، والحسن البصري
أنهما كرها ذلك.
وبه قال مالك، وهو يشبه قول الشافعي، وهو قول أصحاب الرأي.
وقد روينا عن ابن عمر أنه أجاز ذلك، وقال ابن سيرين: لا بأس به.
وقد روينا أن نافع بن الحارث (1) اشترى من صفوان بن أمية
__________
(1) في الأصل "عبد الحارث" وكذا في العمانية، وهو خطأ، والتصحيح من الأوسط
[4/ 10/ب].
(6/123)
داراً بمكة بأربعة آلاف، فإن رضي عمر
فالبيع له، وإن لم يرضى فلصفوان أربعة مائة.
وذكر لأحمد حديث عمر فقال: أي شيء أقدر أقول.
113 - باب مسائل
قال أبو بكر:
م 3617 - كان مالك يقول: إذا اشترى السلعة على أن لا وضيعة عليه، فالبيع
باطل، وبه قال الأوزاعي، وهو مذهب الشافعي.
وكره ذلك عكرمة.
وفي قول ابن سيرين: لا بأس به.
وقال الحكم، وحماد: يأخذه بما باعه.
م 3618 - واختلفوا فيمن اشترى ثوباً، واشترط البائع خياطته، أو قصارته، أو
كان طعاماً فاشترط على البائع طحنه، فكان سفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور
يقولون: البيع باطل.
وقال أحمد، وإسحاق: إذا اشترط أحد هذه الأشياء، فالبيع جائز، وإن اشترط
شرطين، فالبيع باطل.
وقال مالك في الرجل يشتري السمسم، والفجل، والزيتون على أن على البائع
عصره، فهو مكروه، ولو اشترى ثوباً على أن على البائع خياطته، فلا بأس به.
قال أبو بكر: لا فرق بينهما.
وقال أصحاب الرأي: إذا اشترى طعاماً فاشترط عليه أن يوفيه في منزله وهما في
المصر، فذلك جائز، وبه قال أبو ثور.
(6/124)
قال أبو بكر: والبيع في ذلك فاسد، لأن حصة
الثمن من حصة الأجر، والعمل غير معلوم، والبيع لا يجوز إلا بثمن معلوم.
م 3619 - واختلفوا في الرجل يبيع الشاة ويستثني رأسها أو جلدها.
فكان الشافعي (يقول) (1): البيع باطل، وبه قال الثوري إذا اشترط الرأس.
وقال مالك: لا بأس أن يستثني من لحمها أرطالاً يسيرة، وكره الكثير، ولا
يجوز أن يستثني إهابها في القرى، ويجوز أن يستثني ذلك في الفلوات، حيث لا
يكون للجلد خطر، وقال: لا بأس أن يستثني
رأسها، أو أكارعها [2/ 137/ألف] أو ثلثاً، أو ربعاً.
وقال الأوزاعي: إذا قال: أبيعك هذه الشاة ولي يدها أو رجلها إذا أخذ في
ذبحها عند البيع فجائز، وأكره إن كان فيه تأخير، وكره أن يستثني من لحمها
أرطالاً.
وقال أحمد وإسحاق في البقرة تباع ويشترط رأسها ثم بدا له فأمسكها، قالا
(2): يكون شريكاً في البقرة، يقوم الرأس من اللحم فيكون بقدر الرأس، والبيع
جائز.
جماع أبواب الأقضية في البيوع
114 - باب الإشهاد على البيع
م 3620 - اختلف أهل العلم في الإشهاد على البيع.
__________
(1) ما بين القوسين كان ساقطاً.
(2) في الأصل "قال"، وكذا في العمانية.
(6/125)
فقالت طائفة: ذلك فرض لازم لا يجوز تركه؛
لأن الله عز وجل أمر به فقال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية،
فمن ترك الإشهاد على البيع كان عاصياً، روينا هذا القول عن ابن عباس.
وكان ابن عمر إذا باع بنقد اشهد ولم يكتب.
وقد روينا عن مجاهد أنه قال: ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة، رجل باع ولم يشهد
ولم يكتب، وروينا نحو ذلك عن أبي بردة بن أبي موسى (1)، وأبي سليمان
المرعشي.
وممن رأى الإشهاد على البيع عطاء، والنخعى، وجابر بن زيد.
وقالت طائفة: الإشهاد ندب وليس بفرض، قال الحسن البصري، والشعبي: إن شاء
أشهد وإن لم يشأ لم يشهد، وبه قال أبو أيوب، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأصحاب الرأي.
وروينا عن أبي سعيد الخدري أنه قال: صار المرء على الأمانة قوله تعالى:
{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية.
115 - باب اختلاف المتبايعين في الثمن
م 3621 - واختلفوا في المتبايعين يختلفان في الثمن، والسلعة قائمة.
فكان الشعبي يقول: القول قول البائع، أو يترادان البيع، وبه قال أحمد:
القول قول البائع مع يمينه أو يترادان.
__________
(1) في الأصل "عن أبي موسى"، والتصحيح من العمانية/207.
(6/126)
وفيه قول ثان: وهو أن يستحلفان بالله فإن
حلفا أو نكلا، تراد البيع، فإن حلف أحدهما أو نكل الآخر كان للذي حلف، هذا
قول شريح.
وفيه قول ثالث: وهو أن يحلف الكتاب البائع فإذا حلف قيل للمشتري: إما أن
تأخذ السلعة بما حلف عليه البائع، وإما أن تحلف كما تذكر فإذا حلفت برأت
منها، هذا قول مالك، وبه قال [2/ 137/ب] الشافعي.
وفيه قول رابع: وهو أن القول قول المشتري، لأنهما قد أجمعا على زوال مالك
البائع، وإنما يدعي على البائع فضل دراهم، فإن أقام البينة استحقها، وإلا
يحلف المشتري، ويبري من دعواه، هذا قول أبو ثور.
قال أبو بكر: وليس في هذا الباب خبراً يعتمد عليه.
116 - باب اختلافهما في الثمن والسلعة مستهلكة
م 3622 - واختلفوا في المتبايعين يختلفان في الثمن والسلعة مستهلكة.
فكان النخعي، والثوري، والأوزاعي، والنعمان ويعقوب يقولون: القول قول
المشتري مع يمينه.
وقال الشافعي، ومحمد بن الحسن: يتحالفان ويترادان قيمة السلعة.
وكان مالك يقول: إذا أجازها المشتري فالقول قوله مع يمينه مالم يكن بشيء
يستنكر.
(6/127)
117 - باب بيع
المجيزين
م 3623 - اختلف أهل العلم في الرجل يوكل الرجلين ببيع السلعة، فيبيع كل
واحد منهما السلعة من رجل بثمن مسمى.
فقالت طائفة: البيع للأول، روينا هذا القول عن شريح، وابن سيرين، وبه قال
الشافعي.
وحكى عن ربيعة، ومالك أنهما قالا: هو للذي بدا فقبض السلعة، فإن لم يكن
قبضها أحدهما فهو للأول.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، والنظر قال عليه، وفيه حديث في إسناده مقال.
(ح 1271) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا باع المجيزان فهو
للأول".
118 - باب السلعة تباع وصاحبها حاضر لا يتكلم
م 3624 - واختلفوا في السلعة تباع وصاحبها حاضر لا يتكلم.
فكان الشافعي، والنعمان ويعقوب يقولون: لازول ملكه عنه بسكوته.
وقال ابن أبي ليلى: سكوته إقراره بالبيع.
قال أبو بكر: الأول أصح.
119 - باب مسألة
م 3625 - واختلفوا في الرجل يبيع السلعة، لا يملكها، ولم يوكل ببيعها،
(6/128)
فبلغ مالك فيجيز البيع.
فقال مالك، والنعمان، وإسحاق: إذا اجاز رب السلعة البيع جاز.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
120 - باب الموصي والوكيل يشتريان ما جعل [2/
138/ألف] إليهما بيعه
م 3626 - واختلفوا في الوصي، والوكيل يبيع كل واحد منهما ما جعل إليه البيع
من نفسه.
قالت طائفة: البيع باطل، هذا قول الشافعي.
وقال الثوري: إذا دفع إليك ثوباً تبيعه، فلا تشتريه لنفسك، وروى نحو ذلك عن
ابن مسعود، وبه قال ابن سيرين.
وأجاز الشافعي، والنعمان شرى الأب مال ابنه الطفل من نفسه.
وحكي عن عبيد الله بن الحسن أنه أجاز شرى الوصي لنفسه ما الأيتام فيه حظ.
121 - باب المتبايعين يمتنع كل واحد منهما من
دفع ما يجب عليه
م 3627 - واختلفوا في المتبايعين يمتنع كل واحد منهما أن يدفع ما بيده حتى
يقبض ما بيد صاحبه.
(6/129)
فقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: يجعلان عدلاً
بينهما، يدفعان إليه ويدفع إليهما.
وفيه قول ثان: وهو أن يومر البائع بدفع السلعة ويجبر المشتري على دفع الثمن
من ساعة، فإن غاب ماله أشهد على وقف ماله، وأشهد على وقف السلعة، فإذا دفع
اطلق عنه الوقف، وإن لم يكن له مال فهذا مفلس، والبائع أحق بسلعته، هذا قول
مال إليه الشافعي.
وقال أبو ثور: ليس للذي اشترى السلعة أن يقبضها حتى يدفع الثمن، وحكى ذلك
عن الكوفي.
122 - باب شرى الأعمى والصبي
م 3628 - واختلفوا في شرى الأعمى.
فقالت طائفة: لا يجوز شراؤه، إلا أن يوكل من يشري له، هذا قول الشافعي.
وقال النعمان: نظره إليه جسه.
وقال عبيد الله بن الحسن: شرائه جائز، إذا أمر إنساناً بالنظر إليه لزمه.
م 3629 - وكان أبو ثور يقول: بيع الصبي وشرائه لا يجوز.
وحكي عن الكوفي أنه قال: بيعه جائز بإذن وليه، وإذن القاضي.
وقال سفيان الثوري: لا يجوز بيعه إلا بإذن أهله، وقال أحمد، وإسحاق: كذلك
إلا الشيء اليسير، فإنهما أجازا الشيء اليسير، ومنعا من يع الكثير.
(6/130)
123 - باب مسائل
م 3635 - أجمع أهل العلم على أن من باع معلوماً من السلع حاضراً بمعلوم من
الثمن، وقد [2/ 138/ب] أحاط البائع والمشتري معرفة، وهما جائزاً الأمر، أن
البيع جائز.
م 3631 - وأجمعوا على أن من باع سلعة بثمن مجهول غير معلوم، ولا مسمى، ولا
عين قائم، أن البيع فاسد.
م 3632 - واختلفوا فيمن باع سلعة لم يرها المشتري، ووصفها له البائع بصفة
معروفة.
فقالت طائفة: البيع جائز، والمشتري بالخيار، كنت السلعة على الصفة التي
وصفت أم لم تكن، هذا قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي.
وقد روينا هذا القول عن الشعبي، والحسن، والنخعي.
وقالت طائفة: إذا خرجت السلعة على الصفة التي وصفت له لزم ذلك المشتري، وإن
كان على غير تلك الصفة فله الخيار، هذا قول محمد بن سيرين، وأيوب
السختياني، ومالك، وعبيد الله بن الحسن (1)، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وابن
النصر.
وفيه قول ثالث: وهو أن البيع باطل، هذا قول الشافعي.
وقد أجاز الشافعي هذا البيع مرة.
__________
(1) في الأصل "عبد الله بن الحسن"، وكذا في العمانية /215.
(6/131)
م 3633 - وقال الحكم، وحماد: إذا اشترى
العبد وقد رآه بالأمس، ولم يره يوم اشتراه، قالا: لا يجوز حتى يراه يوم
اشتراه.
قال أبو بكر: قول ابن سيرين صحيح، وكل بيع جائز على ظاهر قوله: {وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ} الآية، إلا بيع منع منه كتاب، أو سنة، أو إجماع.
م 3634 - واختلفوا في الرجل يشتري عبدين فيهلك أحدهما ويجد بالآخر عيباً،
ويختلفان في قيمة الهالك.
فقال ابن أبي ليلى، وأبو ثور: القول قول المشتري، لأنه مدعى عليه.
وقال الشافعي: القول قول البائع، لأن الثمن كله قد لزم المشتري، وقد ذكر
عنه غير ذلك.
وقال النعمان: القول قول المشتري إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي، ولا
يأخذ من ثمن الميت شيئاً.
وقال يعقوب: القول قول المشتري في حصة الميت، ويتحالفان ويترادان.
وقال محمد: يتحالفان ويترادان العبد القائم وقيمة الهالك، والقول في قيمة
الهالك قول المشتري مع يمينه.
م 3635 - واختلفوا في الرجل يقول لعبده: إن بعتك فأنت حر، فباعه.
فقالت طائفة: هو حر من مال البائع، روى هذا القول عن الحسن.
وبه قال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
(6/132)
وقال الثوري، والنعمان [2/ 139/ألف]
ويعقوب: لا يقع العتق لأن العتق إنما يقع بعد خروج العبد من ملك البائع.
م 3636 - واختلفوا فيه إن قال البائع: إن بعتك فأنت حر، وقال المشتري إن
اشتريته فهو حر، فذكر أبو عبيد عن ابن أبي ليلى، ومالك انهما قالا: لا يعتق
من مال البائع، قال: وأصحاب الرأي مجمعون على أنه يعتق من مال المشتري.
ومال أبو عبيد إلى قول مالك، وابن أبي ليلى.
م 3637 - واختلفوا في الرجل يبيع من الرجل الطعام إلى أجل، فلما حل الأجل
أخذ بالثمن طعاماً حاضراً وقبضه مكانه، فأجاز ذلك الشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال مالك: ذلك ربا.
وقال أحمد، وإسحاق: يشتري منه ما لا يكال ولا يوزن.
وقال طاووس: لا يأخذ طعاماً.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول.
م 3638 - واختلفوا في الرجل يبيع السلعة بدين، ثم يشتريها بأقل من ثمنها
بنقد.
فقال مالك، وربيعة، وأبو الزناد، وعبد العزيز بن أبي سلمة، والأوزاعي،
والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: لا يجوز ذلك.
وروينا عن الحسن، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، أنهم كرهوا ذلك.
وقد روي عن ابن عباس حديث يوافق هذا القول.
(6/133)
وروينا عن عائشة أنها قالت حيث سئلت عن مثل
هذا: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت.
ورخص فيه الشافعي، وأبو ثور، وروي معنى ذلك عن ابن عمر.
قال أبو بكر: البيع في ذلك جائز إذا كانت البيعة الثانية بعد افتراقهما
بأدانهما عن البيع الأول.
م 3639 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل: اشتر سلعة كذا وكذا، حتى أربحك
فيها كذا وكذا.
فكره ذلك قوم، ونهوا عنه، كره ذلك ابن عمر، وابن المسيب، وابن سيرين،
والحسن، والنخعي، وقتادة، وعبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق.
وكان القاسم بن محمد، وحيد الطويل لا يريان بذلك بأساً.
وكان الشافعي يجيز هذا البيع، إذا كان العقد صحيحاً، لا شرط فيه.
وكان مالك يكره ذلك ولا [[يفسخ]] البيع.
قال أبو بكر: كما قال مالك أقول.
م 3640 - واختلفوا في الرجل يشري من الرجل مائة ثوب [2/ 139/ب] فيزيد
أوينقص.
فكان الثوري يقول: إذا قال: كل ثوب بعشرة دنانير وجدها تسعين فالمشتري
بالخيار، وإن زادت على مائة، فالبيع مردود.
وقال أبو ثوز: إذا زاد أو نقص فالبيع فاسد.
وقال مالك: إذا اشتراها خمسين ثوباً فوجدها أحداً وخمسين، يرد منها ثوباً.
(6/134)
وقال ابن القاسم صاحبه: يرد جزأ من أحد
وخمسين جزءاً من الثياب.
وقال أصحاب الرأي: إن وجدها أحداً وخمسين ثوباً فالبيع باطل، فإن سمى كل
ثوب منها عشرة دراهم وكان في العدد أحد وخمسين ثوباً فالبيع فاسد، وإن كانت
الثياب تنتقص، وقد سمى لكل ثوب
منها شيئاً، فالبيع جائز، والمشتري بالخيار إن شاء أخذ كل ثوب منها بما
سمى، وإن شاء ترك.
م 3641 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن رقيق أهل الذمة، إذا
أسلموا بيعوا عليهم.
فعل ذلك عمر بن عبد العزيز، وروي ذلك عن الحسن، والشعبي، والنخعي.
وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وخالفهم بعض من لقيناه من أهل الحديث، وقال: لا يجبر الذم على بيع عبده
الذي أسلم.
(ح 1272) واحتج بحديث سلمان.
وإنه كان بعد ما أسلم (1)، وأن اليهودي كاتبه، وإن ذلك كان بعلم النبي -
صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) في الأصل "اسلم اليهودي"، وفي العمانية /220 "فارتد كان بعد ما أسلم
اليهودي" وهو خطأ.
(6/135)
م 3642 - وكان الثوري لا يرى ببيع البنادق
بأساً إذا كان يرمي بها للصيد، لا للعبث.
وبه قال أحمد، وإسحاق.
م 3643 - وكره الثوري ببيع الدفوف.
وقال أحمد: الدفوف أيسر من الطبل.
124 - باب الصفقة تجمع ما يملكه البائع وما لا
يملكه
م 3644 - واختلفوا في الرجل يبيع ما يملك وما لا يملك في صفقة واحدة مثل أن
ييع عبدين فيوجد أحدهما حراً، أو ما أشبه ذلك.
فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: البيع باطل.
وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: إذا كان أحد العبدين حراً فالبيع باطل،
وإذا كان أحدهما مسروقاً، أو مغصوباً، فالبيع جائز، ويرد المغصوب بالقيمة
ويأخذ الذي له بالقيمة.
قال أبو بكر: بقول الشافعي أقول.
م 3645 - واختلفوا في العبد يدس المال إلى من يشتريه [2/ 104/ألف] من مولاه
فيعتقه.
فقالت طائفة: البيع باطل، كذلك قال الحسن البصري، والشعبي.
وقال النخعي، والثوري: البيع جائز، والعتق جائز، ويرد المشتري على سيد
العبد مثل الثمن الذي ابتاعه، وقال أحمد: يرد الدراهم على المولي ويأخذ
المشترط بالثمن والعبد حر.
(6/136)
وفي قول الشافعي: إن كان اشتراه بعين المال
فالشرى فاسد، وإن كان اشتراه بغير عين المال فالشرى جائز، ويغرم للسيد
الثمن الذي اشترى به من عنده، ويدفع المال الذي قبضه من العبد إلى مولاه،
ويكون العتق جائزاً، والولاء للمشتري المعتق.
قال أبو بكر: هذا صحيح.
125 - باب شرى المصاحف وبيعها
م 3646 - واختلفوا في شرى المصاحف وبيعها.
فروى عن ابن عمر أنه شدد في بيعها، قال: وددت أن الأيدي تقطع في بيع
المصاحف.
وقد روينا عن الأشعري أنه كره ذلك، وكره بيعها وشرائها علقمة، وابن سيرين،
والنخعي، وشريح، ومسروق، وعبد الله بن زيد.
(6/137)
وفيه قول ثان: وهو الترخيص في شرائها
وكراهية بيعها، روينا هذا القول عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير،
وإسحاق.
وقال أحمد: الشراء أهون وما أعلم في البيع رخصة.
ورخصت طائفة في شرائها وبيعها هذا قول الحسن، والحكم، وعكرمة، وقال عكرمة:
إنما يبيع عمل يديه.
وقال الثوري: لا بأس أن يبادل مصحفاً بمصحف وزيادة دراهم، يأخذ الدراهم،
وبه قال إسحاق.
م 3647 - واختلفوا في النصراني يشتري مصحفاً.
فكان الثوري يقول: البيع مفسوخ.
وأجاز أبو ثور، وأصحاب الرأي شرائه، وقالوا "يجيز على بيعه.
126 - باب بيع العنب والعصير ممن يتخذه خمراً
م 3648 - واختلفوا في بيع العنب والعصير ممن يتخذه خمراً.
فرخص فيه عطاء، والثوري، والحسن البصري.
وقال أحمد: لا يعجبني ذلك، وقال إسحاق: لا يسعه إذا علم ذلك.
وقال عطاء مرة: لا يبيع العصير ممن يجعله خمراً.
وقد روينا عن سعد بن أبي وقاص [2/ 140/ب] ما دل على كراهية ذلك.
127 - باب بيع المزايدة
م 3649 - واختلفوا في بيع المزايدة.
(6/138)
فأباح ذلك ابن سيرين، وأحمد، وهو مذهب
الثوري، والشافعي، ولا أعلمه إلا مذهب مدني، والكوفي.
وكره الأوزاعي، وإسحاق بيع من يزيد، إلا في الغنائم والمواريث.
قال أبو بكر: لا بأس به لأنا قد:
(ح 1273) روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه باع قدحاً وحلساً فيمن
يزيد.
ولأن عليه العامة والخاصة في عامة البلدان.
218 - باب البيع على البارنامج وبيع الساج
المدرج
م 3650 - كان الشافعي يقول: لا يجوز بيع ما لم يره المشتري إلا السلم.
وكان مالك يقول: لا يجوز بيع الثوب المدرج حتى ينظر إليه بعد النشر، ويجيز
بيع الأعدال على البارنامج.
وكان الأوزاعي يجيز بيع ذلك إذا وصف ما في العدل ويجعل للمشتري الخيار إذا
نشره.
وكان ابن سيرين لا يرى بأساً بالبيع من البارنامج. قال أبو بكر: من أجاز
بيع السلعة على الصفة، فينبغي أن يجيز بيع الثوب، أو الثياب إذا وصف طولها،
وعرضها، ودقتها، أو صفاقتها، ويكون المشتري بالخيار إذا خالف الصفة التي
وصفت له.
(6/139)
219 - باب بيع السمن والزيت بالظروف على أن
يطرح لكل ظرف شيئاً معلوماً
قال أبو بكر:
م 3651 - إذا اشترى الرجل السمن في الظروف على أن يطرح لكل ظرف شيئاً
معلوماً.
فكره ذلك ابن سيرين، وقتادة، وأبو هاشم، والنعمان، والشافعي.
وكان الشافعي والنعمان لا يريان بأساً أن يشتري ذلك على أن توزن الظروف
ويطرح وزنها.
م 3652 - واختلفوا فيمن يشرى الزيت، والسمن فيجد فيه الرُب.
فروينا عن شريح أنه قال: يؤخذ البائع بأن يعطي المشتري بكيل الرُب سمناً.
وقال الثوري: إذا شاء المشتري أخذ الذي وجد، ولا يكلف بأن يجيء بكيل الرب
سمناً.
وقال أحمد، وإسحاق: إن كان السمنا عنده ممن كثير أعطاه [2/ 141/ألف] بوزنه،
فإن لم يكن نده سمن، رجع عليه بقدر الرب من السمن.
130 - باب الشركة والتولية والإقالة في الطعام
م 3653 - كان الثوري يقول: التولية، والشركة بيع، ولا يجوز بيع الطعام
(6/140)
حتى يقبضه المشتري، وبه قال عبيد الله بن
الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنعمان.
وممن رأى أن التولية بيع الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء، والحكم،
والزهري،.
م 3654 - ورخصت طائفة في الشركة، والتولية، والإقالة في الطعام وغيره، هذا
قول مالك.
وكان الشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان يجيزون الإقالة في الطعام؛ لأنه فسخ
بيع.
قال أبو بكر: أما الشركة، والتولية فليس يخلو أن يكون بيعاً أو هبة، فلما
أجمعوا على أن ذلك ليس بهبة، ثبت أنه بيع، وإذا كان بيعاً فغير جائز بيع
الطعام قبل أن يقبض، لنهي - صلى الله عليه وسلم - عنه، وأما الأقالة ففي
إجماعهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[. .] (1) في بيع الطعام قبل أن
يقبض، مع إجماعهم على أن له أن يقيل المسلم، ويفاسخه جميع السلم، دليل على
أن الإقالة ليس ببيع، إذ لو كان بيعاً ما جاز أن يجتمع الناس على سنة لرسول
الله- صلى الله عليه وسلم - (2).
م 3655 - واختلفوا في الإقالة على أن يعطيه المشتري شيئاً.
فكره الشافعي ذلك، وبه قال أحمد، وإسحاق، إلا أن تكون تغيرت السلعة.
وكره ذلك ابن عباس، وابن عمر.
وقال مالك: إن كان النادم البائع فأعطاه المشتري شيئاً على أن يفسخ البيع،
فذلك جائز، وإن كان النادم المبتاع، فسأل البائع أن يقيله على أن يعطيه
شيئاً، فلا خير فيه.
__________
(1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هنا بالمطبوع [أبو ثور]!
(2) كذا في الأصل، وفي الأوسط 4/ 17/ب" على خلاف سنة ثابتة".
(6/141)
131 - باب السلف
م 3656 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض الدنانير
والدراهم، والحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر، وما كان له مثل من سائر
الأطعمة المكيل منها والموزون جائز.
(ح 1274) ودل خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على أن الإستسلاف على
الحيوان
جائز.
م 3657 - وأجمع كذلك كل [2/ 141/ب] من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من
أسلف سلفاً مما يجوز أن يسلف، فرد عليه مثله، إن ذلك جائز، وان للمسلف أخذ
ذلك.
م 3658 - وأجمعوا على أن السلف إذا شرط عقد السلف هدية أو زيادة، فأسلفه
على ذلك، أن أخذه الزيادة على ذلك ربا.
م 3659 - واختلفوا فيه إن قضاه عن غير شرط أفضل مما قبض، أو أهدى له هدية،
فقال ابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وابن عمر قولاً معناه أن يأخذ مثل
ما أقرض ولا يأخذ فضلاً.
وكره ابن سيرين، والنخعي، والثوري، ومالك، والليث بن سعد، وأحمد كل قرض جر
منفعة.
ورخص في ذلك جماعة إذا كان ذلك عن غير شرط، وممن رخص فيه ابن عمر، وابن
المسيب، والحسن والنخعي، والشعبي،
(6/142)
ومكحول، والزهري، وقتادة، ومالك، وأحمد،
وإسحاق، والشافعي.
وقال آخرون: إن كانا يتهاديان أو يتعاطيان بينهما الهدايا قبل ذلك، أو
المواكلة، فلا بأس أن يمضيا على عادتهما، وإن أخذت ذلك بعد القرض فهو
مكروه، روينا هذا القول عن النخعي، وبه قال إسحاق بن راهويه.
قال أبو بكر: الأمر في هذا يتصرف على أوجه:
أحدهما: أن يفرضه فرضاً على أن يهدي إليه هدية فذلك غير جائز، والزيادة
التي يأخذها حرام.
والوجه الثاني: أن يفرضه فرضاً ولا يشرطه عليه شيئاً ولم يعطه ذلك على نية،
أن يأخذ أفضل مما أعطى، فرد عليه أفضل مما قبض، فذلك مباح حلال، استدلالاً
بخبر أبي رافع، وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم -.
(ح 1275) استسلف من رجل بكراً فقضاه أفضل منه.
(ح 1276) وفي حديث أبي هريرة: فأعطاه أفضل من سنه، وقال: خيركم أحسنكم
قضاء.
والوجه الثالث: أن يكونا يتهاديان بينهما قبل ذلك، فلا يكره لهما أن يمضيا
على عادتهما إن شاء لله.
(6/143)
132 - باب السفاتيح
م 3660 - واختلفوا في الرجل يدفع دنانير ودراهم بأرض ويأخذها بأرض أخرى.
فأباح ذلك فريق، وممن روينا أنه أباح ذلك علي بن أبي طالب، وابن عباس [2/
142/ألف] وابن الزبير، والحسن بن علي، وابن سيرين، وعبد الرحمن بن الأسود،
وأيوب السختياني، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
وكره ذلك الحسن البصري، وميمون بن أبي شبيب، وحماد بن أبي سليمان، وعبدة بن
أبي لبابة، والأوزاعي، والليث بن سعد، ومالك، والشافعي.
قال أبو بكر: لا بأس به، إذا لم يشترط أفضل مما يدفعه، أو يدخل فيه خزفاً،
أو نقداً غير نقده.
133 - مسائل من باب السلف
م 3661 - كان مالك والليث بن سعد، والشافعي يقولون: إذا تسلف فلوساً، أو
دراهم فأفسدها السلطان، أو إبطالها، فليس عليه إلا مثل الفلوس التي يستلفها
أو الدراهم.
وقال أحمد: يكون له عليه قيمتها من الذهب.
م 3662 - واختلفوا في الرجل يسلف الرجل الشيء إلى أجل، فيطالبه به قبل
الأجل.
(6/144)
فكان مالك، والليث بن سعد يقولان: ليس ذلك
له حتى يحل الأجل.
وقال الحارث العكلي، والأوزاعي، والشافعي: يطالبه به ويأخذه منه متى شاء.
قال أبو بكر: هذا أصح.
م 3663 - وقال مالك: من سلف ورقاً فلا بأس أن يأخذ بها ذهباً بعد محل
الأجل.
وقال الشافعي: لا بأس يأن يأخذ ذهباً قبل محل الأجل وبعده.
م 3664 - وقال إسحاق: إذا كان له على رجل حنطة من قرض، فلا يأخذ قيمته
شعيراً، لأنه باع الدين بالدين.
وفي قول الشافعي: له أن يأخذ به شعيراً، يقبضه مكانه أقل من كيل الحنطة
وأكثر إذا شاء ذلك المعطي.
وقد روينا ذلك عن ابن عمر أنه كره أن يأخذ مكان الدراهم طعاماً.
وووينا عن سعيد بن جبير، وعكرمة، وحماد أنهم لو يروا بذلك بأساً.
م 3665 - وكان الحصين، وابن سيرين، والأوزاعي يقولون: إذا استقرض دراهم
عدداً رد عدداً، إذا أخذ وزناً رد وزناً، وفعل ذلك أيوب، أخذ من حماد بن
زيد دراهم بمكة عدداً فأعطاه بالبصرة عدداً.
قال أبو بكر: هذا جائز، لأنه ليس ببيع.
م 3666 - ورخص أبو قلابة، وأحمد بن حنبل أن يستقرض الجيران بعضهم من بعض
الخبز.
وبه قال مالك إذا لم يكن يشترط أن يقضيه أفضل منه.
(6/145)
وكره مالك والشافعي [2/ 142/ب] استقراض
الولائد.
قال أبو بكر:
م 3667 - وإذا أقرضه طعاماً ببلد فلقيه ببلد آخر فطالبه بالطعام، قيل له:
إن شئت فأقبض منه طعام بالبلد الذي أعطيته فيه، وإن شئت فخذ قيمة الطعام
بذلك البلد، هذا قول الشافعي.
م 3668 - واختلفوا في نصراني أسلف نصرانياً خمراً.
فقال الثوري: إن أسلم المقرض لم يأخذ شيئاً، فإن أسلم المستقرض، رد على
النصراني ثمن خمره.
وعلى مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق: أيهما أسلم لا يرد شيئاً.
قال أبو بكر: وبه أقول.
134 - باب اجتناب الشبهات من الأمور
(ح 1277) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "الحلال بين والحرام
بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات
[[استبرأ]] لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول
الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه".
(6/146)
(ح 1278) وفي حديث الحسن بن علي عن النبي-
صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
(ح 1279) وفي حديث النواس بن سمعان: الإثم ما حال في صدرك، وكرهت أن يطلع
عليه الناس.
قال أبو بكر: وقد تكلم غير واحد من أهل العلم في معنى خبر النعمان بن بشي:
الحلال بين والحرام بين، فقال بعضهم: الشبهات تنصرف على وجوه:
فمنها: شيء يعلمه المرء محرماً، ثم يشك هل حل ذلك أم لا، فما كان من هذا
النوع فهو على أصل تحريمه، لا يحل لأحد من ذلك شيء حتى يوقن أنه قد حل له،
مثل [[الصيد]] حرام على المرء أن ينال من لحمه شيئاً وهو حي قبل أن يذكي،
وإذا شك في ذكاته لم يزل على أصل التحريم إلا بيقين ذكاة، والأصل فيه مع ما
دل عليه النظر:
(ح 1280) حديث عدي بن حاتم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا
أرسلت كلبك
فخالطته أكلب لم يسم عليها فلا تأكل فانك لا تدري أيها قتله".
قال أبو بكر: وهذا أصل لكل محرم أنه على أصل تحريمه حتى يعلم [2/ 143/ألف]
أن المحرم عليه قد صار حلالاً بيقين.
ومن ذلك أن يكون للرجل أخ لا وارث له غيره، فيبلغه وفاته،
(6/147)
ولأخيه جارية، فهي محرمة عليه حتى يومين
بوفاته، ويعلم أنها قد حلت له.
قال أبو بكر: وكلما ورد عليك من هذا النوع، فالجواب فيه كالجواب في الصيد
والجارية.
وكذلك لو أن شاتين ذكية وميته سلختا، فلم يدر أيهما الذكية، كانتا محرمين
على أصل التحريم حتى نعلم الذكية من الميتة.
والوجه الثاني: أن يكون الشيء حلالاً فيشك في تحريمه، فما كان من هذا الوجه
فهو على الإباحة حتى يعلم بيقين تحريمه، كالرجل له الزوجة فيشك في طلاقها،
أو تكون له جارية فيشك في وقوع العتق عليها، والأصل في هذا:
(ح 1281) حديث عبد الله بن زيد أن من شك في الحديث بعد أن أيقن بالطهارة،
فهو على يقين طهارته، قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: لا ينصرف حتى يسمع
صوتاً أو يحد ريحاً.
والوجه الثالث: أن يشكل بالشيء في نفسه على الإنسان، لا يدري حرام هو أو
حلال، ويحتمل الشيء المعنيين، ولا دلالة تدل على أحد المعنيين، فما كان في
هذا المعنى، فالأصوب والأعلى أن يستعمل فيه المرء ما استعمل النبي - صلى
الله عليه وسلم - في الثمرة التي وجدها ساقطة قال:
(ح 1282) "لولا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها".
(6/148)
ولا يجوز أن يحكم على من نال مثل هذا أنه
أخذ حراماً، لاحتمال أن يكون حلالاً، غير أنا نستحب من باب الورع أن نقتدي
برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما فعل.
وقد زعم بعض أهل العلم أن الضب هذا سبيله، ولأن النبي- صلى الله عليه وسلم
-قال:
(ح 1283) "لست بآكله ولا بمحرمه".
(ح 1284) وأكل بحضرته فلم ينه عنه.
فمن كان مذهبه الورع وقف عن الشبهات، ومما يحتمل ما احتملت التمرة التي
وجدها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(ح 1285) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يبلغ
العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به، حذراً لما به البأس".
قال أبو بكر: يعرفك أنه لا يبلغ اسم التقوى عند الله إلا [2/ 143/ب] بتركه
مالا بأس به، حذراً لما به البأس، ألا تراه يقول في خبر أبي أمامة:
(ح 1286) إذا حاك في صدرك شيء فذره.
(6/149)
(ح 1287) وفي الحديث الآخر: دع ما يريبك
إلى ما لا يريبك.
م 3669 - وقد سئلت عائشة عن لحم الصيد للمحرم، فقالت: إنها أيام قرائب فما
حك في نفسك فدعه.
قال أبو بكر: وأولى الأشياء أن يستعمل فيه التوقف وترك التقديم عليه،
[والتثبيت في] (2) أمر الفتيا، بل محرم على من سئل عما لا علم له به أن
يجيب فيه، ويقول ما قالته ملائكة الله لما قال لهم: {أَنْبِئُونِي
بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا
عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ} الآية.
(ح 1288) وفعل ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن خير البقاع وشر
البقاع، فقال: لا أدري.
واستعمل ذلك الصديق، والفاروق، وسئل أحدهما عن الجمرة، فقال للسائلة: ارجعي
حتى اسأل الناس، وقبل الآخر بخبر الضحاك بن سفيان في توريث المرأة من دية
زوجها، لما لم يكن عنده في ذلك علم.
وقال ابن مسعود: إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون.
135 - باب مبايعة من يخالط أمواله الحرام
م 3670 - واختلفوا في مبايعة من يخالط أمواله الحرام، وقبول
(6/150)
هداياه، وجوائزه.
فرخص فيه الحسن، ومكحول، والزهري، والشافعي، وقال: لا أحب ذلك.
وقد احتج بعض من رخص ذلك بقول الله عَزَّ وَجَلَّ لما ذكر لليهود، فقال:
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} الآية.
(ح 1289) وقد رهن النبي- صلى الله عليه وسلم - درعه عند اليهودي.
واحتج بأن جماعة من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - كانوا يقبلون جوائز
قوم، منهم ابن عمر، وابن عباس، وعائشة وغيرهم.
وكرهت طائفة قبول هداياهم، وجوائزهم، والأخذ منهم، وممن كان لا يقبل ذلك
ابن المسيب، والقاسم بن محمد، وبشير بن سعيد، والثوري، ومحمد بن واسع، وابن
المبارك، وأحمد بن حنبل.
(6/151)
|