الإشراف
على مذاهب العلماء 68 - كتاب الحوالة
الكفالة
قال أبو بكر:
(ح 1300) جاء الحديث عن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه
قال: "العاريةُ مؤدّاة، والمنحة
مردودة، والدين مقضيٌّ، والزعيم غارم".
قال أبو بكر: والزعيم الكفيل، كذلك قيل في قوله تعالى: {وَأَنَا بِهِ
زَعِيمٌ} الآية أي كفيل، ويقال حميل.
(ح 1301) وثبت عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أتي بجنازة
ليصلي عليها، فقال: عليه دين
؟ فقالوا: نعم ديناران، قال: أترك لهما وفاء؟ قالوا: لا، قال: فصلوا على
صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله، فصلى عليه رسول الله-
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"-.
م 3846 - وقد اختلف أهل العلم في الدين يضمنه الحي عن الميت الذي لم يترك
وفاء.
(6/226)
فكان الشافعي يقول: الضمان لازم، ترك الميت
شيئاً أو لم يترك، وبه قال ابن أبي ليلى.
وقال النعمان: لا ضمان على الكفيل، لأن الدين قد توي (1)، وقال: إن ترك
الميت شيئاً ضمن الكفيل بقدر ما ترك.
قال أبو بكر: في امتناع النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من
الصلاة عليه قبل ضمان أبي قتادة، وصلاته عليه بعد ضمان أبي قتادة: دليل بين
على صحة ضمان أبي قتادة، وهذا خلاف قول النعمان، لأنهم ذكروا أن الرجل لم
يترك لذلك وفاء.
1 - باب المال، يضمنه الرجل عن الرجل (2)، هل يبرأ المضمون عنه أم لا؟
قال أبو بكر:
م 3847 - اختلف أهل العلم في المال، يضمنه الرجل عن الرجل، هل يبرأ المضمون
عنه المال بالضمان عنه أم لا؟.
فقالت طائفة: لصاحب المال أن يأخذ بماله أيهما شاء، حتى يستوفي ماله، هذا
قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي، وهو
على مذهب مالك.
__________
(1) وفي الدار "تواه".
(2) وفي الدار "الرجل على الرجل".
(6/227)
وكان أبو ثور يقول: الكفالة والحوالة سواء،
ولا يجوز أن يكون مال واحد (1) على اثنين، وبه قال ابن أبي ليلى، إلا أن
يشترط المكفول له أن يأخذ به أيهما شاء.
واحتج هذا القائل بأن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امتنع أن
يصلي على الذي كان عليه الدين، قبل ضمان أبي قتادة، وصلى عليه بعد ضمانه،
فدل ذلك على الفرق بين الحالين.
وقال بعض من يحتج للقول الأول في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في بعض الأخبار لما ذكر أنه قضى عنه:
(ح 1302) "الآن بردت عليه جلده".
(ح 1303) وفي قوله: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه".
دليل على أن البراءة إنما تقع بالأداء عنه.
2 - باب الحوالة بالدين على المليء وغير المليء
قال أبو بكر:
(ح 1304) ثبت أن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مطلُ
الغني ظُلم، ومن أتبع على
__________
(1) في الأصلين: مالاً واحداً.
(6/228)
مليءٍ فليتبع" (1) [2/ 161/ألف].
قال أبو بكر:
م 3848 - وقد اختلف أهل العلم في الرجل يحتال بالمال على مليء من الناس، ثم
يفلس المحال عليه أو يموت.
فقالت طائفة: يرجع على المحيل بماله، هذا قول شريح، والشعبي، والنخعي.
وقال أصحاب الرأي: إذا مات الذي أحيل عليه، ولم يترك وفاء، رجع على المحيل،
في قول النعمان، ويعقوب، ومحمد.
وإن أفلس وفلسه القاضي، رجع أيضاً في قول يعقوب، ومحمد.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يرجع ما دام حياً، حتى يموت، ولا يترك شيئاً، هذا
قول الحكم.
وفيه قول ثالث: وهو أن لا يرجع على المحيل بشيء، أفلس المحال عليه، أو مات،
هذا قول مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وأبي ثور.
غير أن مالكاً كان يقول: إن أحاله عليه، وهو لا يعلم أنه مفلس، ثم اطلع
عليه، فإنه يرجع على صاحبه، لأنه غره.
وكان الحسن البصري لا يرى الحوالة براءة، إلا أن يبرئه، فإن أبرأه برئ.
قال أبو بكر: بقول مالك، والشافعي - رحمهما الله- أقول.
(6/229)
3 - باب مسألة
قال أبو بكر:
م 3849 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحوالة (1) بجعل يأخذه
الحميل، لا تحل، ولا تجوز.
م 3850 - واختلفوا في ثبوت الضمان على هذا الشرط.
فكان الثوري يقول: إذا قال الرجل للرجل: أكفل عني ولك ألف درهم، فإن
الكفالة جائزة وترد عليه (2) الألف درهم.
م 3851 - وإذا قال: استقرض لي من فلان ألف درهم، ولك عشرة دراهم.
قال: هذا لا خير فيه؛ لأنه قرض جر منفعة.
وقال أحمد في مسألة الكفالة: ما أرى هذا يأخذ شيئاً بحق.
وقال إسحاق: ما أعطاه من شيء، فهو حسن.
وقال أحمد (3) في المسألة الثانية في القرض: لا بأس به.
وقال إسحاق: أكرهه.
4 - باب الكفالة بدين غير مسمى ولا معلوم قدره
قال أبو بكر:
م 3852 - واختلفوا في الرجل، يقول للرجل: كل حق لك على فلان فأنا له ضامن.
__________
(1) وفي الدار "الحمالة"، وفي العمانية /352 "المحال".
(2) وفي الدار "إليه".
(3) وقال أحمد إلى آخر الفقرة، ساقط من الدار، وثابت في العمانية /354.
(6/230)
فقالت طائفة: ليس ذلك بشيء، حتى يسمي
المال، هذا قول سفيان الثوري، وابن أبي ليلى، والليث بن سعد، والشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول، لأن ذلك مجهول.
وفيه قول ثان: وهو أن ذلك جائز، هذا قول النعمان، وبه يأخذ.
5 - باب كفالة [2/ 161/ب] العبد المأذون له في
التجارة
قال أبو بكر:
م 3853 - واختلفوا في كفالة العبد المأذون له في التجارة.
فقال ابن أبي ليلى، والثوري، والشافعي، والنعمان: لا تجوز.
وقال أبو ثور: إن كان ذلك من قبل التجارة، جاز، وإن كان تطوعاً لم يجز.
وقال عبد الملك: ذلك جائز.
قال أبو بكر: لا يجوز ذلك إلا بإذن السيد.
6 - باب الدين يكون على الرجل إلى أجل، فيموت
قال أبو بكر:
م 3854 - واختلفوا في الدين، يكون على الرجل إلى أجل، فيموت الذي عليه
الدين، قبل محل الأجل.
(6/231)
فقالت طائفة: يحل الدين بموته، هكذا قال
الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومالك بن أنس، وسوار بن عبد
الله، والثوري، والشافعي.
وفيه قول ثان: وهو أن الدين إلى أجله، إذا وثق الورثة، هذا قول ابن سيرين،
وعبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.
وفيه قول ثالث: وهو أن الدين إلى أجله (1)، هكذا قال طاووس، والزهري، وأبو
بكر بن محمد، وسعد بن إبراهيم.
وفيه قول رابع: وهو أن الذي عليه الدين، إذا أفلس، أو مات، وعليه دين إلى
أجل، فقد حل دينه، إلا أن يقول الغرماء لصاحب الدين إلى أجل: خل بيننا وبين
ماله، ننتفع به إلى أجلك (2)، ونحن
ضامنون لك لحقك، قال: فذلك لهم، ولا يقبل ذلك من الورثة، إن قالوه، لمكان
الميراث.
م 3855 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن ديون الميت على الناس
إلى الآجال (3) أنها إلا آجالها، لا تحل بموته.
م 3856 - وقال الثوري، والشافعي: إذا تكفل الرجل عن الرجل بالدين (4)، فمات
الحميل قبل محل الدين، أخذ من مال الكفيل، وليس لورثة الكفيل أن يرجعوا على
المحمول عنه، حتى يبلغ الأجل.
__________
(1) "إذا وثق الورثة ... إلى قوله: إلى أجله" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "أجله".
(3) وفي الدار "إلى الأجل".
(4) وفي الدار "بدين".
(6/232)
7 - باب ضمان الرجل عن (1) الرجل بغير أمره
قال أبو بكر:
م 3857 - أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا ضمن عن الرجل مالاً معلوماً
بأمره لرجل، أن الضمان لازم له، وله أن يأخذه بما ضمن عنه.
م 3858 - واختلفوا في الرجل يضمن عن الرجل مالاً بغير أمره، فيؤدي المال
ويريد الرجوع به على الذي أدى عنه.
فقال عبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق: يرجع به عليه، وشبه أحمد [2/
162/ألف] ذلك بالأسير، يشتريه الرجل من العدو، بغير أمره، وقال أحمد: أليس
كلهم قال: يرجع عليه بالثمن،
وبه قال إسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يرجع به عليه، إذا أدى عنه بغير أمره، هذا على
مذهب الشافعي، وبه قال أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول، فأما ما قال أحمد في الأسير، وقال: أليس كلهم قال:
يرجع عليه، فالجواب في ذلك، أن يقال لمن يقول بقوله: لا ما قاله الناس
كلهم، هذا سفيان الثوري، والشافعي يقولان: لا يرجع على الأسير، لأنه متطوع
بما فعل.
ولو كانوا قد أجمعوا في أمر الأسير، لم يجز أن يجعل إحدى المسألتين قياساً
على الأخرى؛ لأن استنقاذ الأسارى واجب على المسلمين،
__________
(1) وفي الدار "على الرجل".
(6/233)
لأن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أمر به، وقضاء ديون الناس ليس بواجب على أحد (1).
(ح 1305) وثبت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"عودوا المرضى، وفُكوا العاني".
8 - باب الكفالة في الحدود وبالنفس (2)
قال أبو بكر:
م 3859 - الأكثر من علماء الأمصار لا يرون الكفالة في الحدود جائزة، إذ غير
جائز أن يحدّ الضامن، ولا يؤخذ بفعل غيره.
وممن قال لا كفالة في الحدود: الحسن البصري، وشريح، والشعبي.
وروي ذلك عن مسروق، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب
الرأي.
م 3860 - واختلفوا في الرهن في الكفالة.
فقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: لا يكون رهناً حتى يغرم المال.
وأجاز عبيد الله بن الحسن الرهن في ذلك.
م 3861 - واختلفوا في الكفالة بالنفس.
فأوجب ذلك أكثر من أهل العلم، هذا مذهب شريح، وبه قال
__________
(1) وفي الدار "عليهم".
(2) وفي الدار "الحدود بالنفس".
(6/234)
مالك، والثوري، والليث بن سعد، وأحمد،
والنعمان.
وقال الشافعي مرة: هي ضعيفة، ومرة قال كقول مالك.
قال أبو بكر: وقد ذكرنا فيه أخباراً عن الأوائل، وهي (1) مذكورة في غير هذا
الموضع.
9 - باب المكفول به يموت
قال أبو بكر:
م 3862 - واختلفوا في المكفول به يموت.
فقالت طائفة: سقطت الكفالة، كذا قال الشعبي، وشريح، وحماد ابن أبي سليمان،
وبه قال أحمد (2)، وهو يشبه مذهب الشافعي.
وقال الحكم، ومالك، والليث بن سعد [2/ 162/ب]: إذا مات وجب غرمها على
الكفيل (3).
م 3863 - واختلفوا في الرجل يأخذ من الرجل كفيلا بنفسه، ثم يأخذ منه كفيلاً
آخر بعد ذلك بنفسه.
ففي قول الشافعي، والنعمان، ويعقوب: هما كفيلان.
وقال ابن أبي ليلى: قد يرى الأول حين أخذ الكفيل الآخر.
__________
(1) كلمة "وهي" ساقطة من الدار.
(2) "بن أبي سليمان، وبه قال أحمد" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "عن الكفيل".
(6/235)
|