الإشراف على مذاهب العلماء

69 - كتاب الحجر
قال أبو بكر:
قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}.
وقال جل ثناؤه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.
قال أبو بكر: والرشد الصلاح في الدين وحفظ المال.
م 3864 - وقد اتفقوا على أن مال اليتيم يجب دفعه إليه إذا بلغ النكاح وأونس منه الرشد.
م 3865 - وقد اختلفوا في وجوب دفع ماله إليه على غير ذلك.
فلا يجوز إطلاق المال بعد المنع (1) الأول إلا بحجة، وكل محظور أبيح بمعنيين لم يجز إطلاقه وإباحته بأحد المعنيين.
وقال من خالفنا في هذا: إن رجلاً لو تزوج إمرأة، ثم طلقها ثلاثاً لم تحل له، إلا بعد زوج، ولا تحل له بعقد نكاح الزوج عليها حتى يكون مع العقد وطؤ.
__________
(1) وفي الدار "الحظر الأول"، وساقط من العمانية /362.

(6/236)


ويلزم من أطلق المال لليتيم (1) لوجود أحد المعنيين فيه، ما أجاب به في هذه المسألة، وقال: ما حظر بمعنيين لا يجوز إطلاقه إلا بوجود المعنيين.

1 - باب إثبات الحجر على الحر البالغ المضيع لماله
قال أبو بكر:
م 3866 - اختلف أهل العلم في وجوب الحجر على الحر البالغ، المضيع لماله.
فقال أكثر علماء الأمصار، من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر: يجب الحجر على كل مضيع لماله، صغيراً أو كبيراً.
واحتجوا في ذلك بأخبار رويت عن علي، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم، تدل على ذلك.
وهذا قول مالك، وعثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد.
وقال النعمان، وزفر (2): لا يحجر على الحر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال.
قال أبو بكر:
(ح 1306) وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عَزَّ وَجَلَّ كره لكم
__________
(1) وفي الدار "مال اليتيم".
(2) "وزفر" ساقط من الدار، وثابت في العمانية /363.

(6/237)


ثلاثاً: القيل والقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"، وما كره الله لنا فيحرم علينا فعله.
(ح 1307) وقد حجر النبي [2/ 163/ألف]- صلى الله عليه وسلم - على رجل ومنعه من البيع.
وقد منع الله عَزَّ وَجَلَّ من الفساد، وأخبر أنه تعالى لا يحب الفساد، والمفسد لما له داخل في النهي، وهو ممنوع منه.
وقد نهى الله عَزَّ وَجَلَّ عن التبذير، فقال: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}.

2 - باب مسائل من هذا الباب
قال أبو بكر:

(6/238)


م 3867 - واختلفوا في الغلام، إذا بلغ وأونس منه الرشد ودفع إليه ماله، ثم فسد بعد ذلك.
فقالت طائفة: هو محجور عليه بالفساد، لأن العلة التي من أجلها وجب منعه من ماله بعد بلوغه الفساد، فمتى عاد مفسداً فقد رجعت العلة، ووجب الحجر.
هذا قول أبي ثور، وهو يشبه مذهب الشافعي.
وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: لا يحجر عليه، وما فعل فهو جائز.
واختلفوا في نكاح المحجور عليه، بغير إذن وليه.
فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: النكاح باطل.
وقال أصحاب الرأي: النصح جائز.
قال أبو بكر:
م 3868 - وإذا نذر المحجور (1) عليه نذوراً كثيرة، أو حلف بأيمان فحنث، ووجب عليه كفارات، لم تطلق يده في ماله، وصام عن كل يمين ثلاثة أيام.
هذا قول أبي ثور، ومحمد بن الحسن.
م 3869 - وإن ظاهر صام عن ظهاره، في قولهما.
م 3870 - وإذا أعتق عبداً عن ظهاره.
جاز العتق، في قول محمد، ولم يجزه عن ظهاره، وسعى العبد في قيمته.
وقال أبو ثور: العتق باطل.
__________
(1) "عليه" ساقط من الدار.

(6/239)


م 3871 - وإن قتل المحجور عليه رجلاً خطأ ببينة، فالدية على العاقلة، وعليه صوم شهرين متتابعين، في قول أبي ثور، ومحمد.
م 3872 - وإن قتل رجلاً عمداً بعصا.
قتل به، في قول أبي ثور.
وفي قول محمد: الدية على عاقلته مغلظة، ويصوم شهرين متتابعين.
وفي قول الشافعي: إن كان الأغلب ممن ضرب بمثل هذه العصا أنها تقبل، فعليه القود، وإلا ففيه الدية.
م 3873 - وإذا أقر المحجور عليه في عبد له، لم يولد في ملكه، فقال: هذا ابني، ومثله يولد لمثله، ففيها قولان:
أحدهما: أن إقراراً باطل قول أبي ثور.
وقال ابن الحسن: هو حر، وهو ابنه، ويعتق الغلام، ويسعى في جميع قيمته.
م 3874 - فإن أعتق المحجور عليه عبداً.
كان حراً، ويسعى في جميع قيمته في قول ابن الحسن.
وفي قول الشافعي، وأبي ثور، وأكثر أصحابنا: العتق باطل، لأنه ممنوع من ماله.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 3875 - وإذا جاءت جارية [2/ 163/ب] المفسد لماله بولد، فإن كان يطأها لزمه الولد، ولم ينظر إلى ما ادعى؛ لأن الولد للفراش، فإذا كانت فراشاً له لزمه الولد، هذا قول أبي ثور، وحكاه عن الشافعي.

(6/240)


م 3876 - وإذا اشترى المحجور عليه ابنه، وهو معروف أنه ابنه: بطل شراؤه، والغلام على ملك البائع، لأنه ممنوع من الشراء، هذا قول أبي ثور.
قال أبو بكر: وبه أقول.
وزعم ابن الحسن أن شراءه فاسد، ويعتق الغلام حين قبضه، ويسعى في جميع قيمته للبائع، ولا يكون للبائع في مال المشتري منه شي".
قال أبو بكر: إذا بطل شراؤه، لم يعتق عليه، لأنه ليس بمالك.
قال أبو بكر:
م 3877 - وكل ما أوجب الله على المحجور عليه، من زكاة ماله، أو حج، فأما الزكاة فعلى وليه إخراج ذلك من ماله، ودفعه إلى أهله المستحقين له.
وأما الحج، فعلى وليه أن يكتري له، ويمونه في حجه، ويكون ذلك على يدي ثقة ممن يخرج من (1) الحاج، يتولي النفقة عليه بالمعروف.
وهذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا أراد أن يحج، لم يمنع من ذلك.
وإذا أراد العمرة، فالجواب فيه كالجواب في الحج في قول الشافعي لأن العمرة عنده فرض كالحج.
وقال أصحاب الرأي: يستحسن لك.
وفي قول أبي ثور: لا يعطى نفقة العمرة لأنها عنده تطوع.
__________
(1) وفي الدار "مع الحاج".

(6/241)


م 3878 - وإذا كان للمحجور عليه والدان، أو ولد، وهم في حال يجب لهم فيه النفقة، أنفق عليهم من ماله، في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 3879 - وإذا أصاب المحجور عليه في إحرامه ما يجب فيه الفدية، وجب عليه الصوم، في قول أبي ثور، وابن الحسن.
م 3880 - وإن أصابه أذى، أو احتاج إلى لبس بعض ما يجب فيه الفدية، أخرج ذلك عنه وليه، من ماله، في قولهما.
م 3881 - وإذا وطئ المحجور عليه في حجته، فأفسدها، أتمها.
فإن قال قائل: أعطوني ما أقضي به حجتي، لم يعط، في قول أبي ثور، لأن لا يؤمن أن يفعل هذا في كل عام، ويقضي إذا صلح وخرج عن الحجر.
ويعطى مما يقضي به حجته حجة الإِسلام، وإن كثر ذلك منه، قول ابن الحسن.
م 3882 - وإن ترك طواف الزيارة حق رجع إلى بلده، فالنساء حرام عليه في قول الشافعي، وأبي ثور، والكوفي.
وكان عليه إذا صلح أن يرجع فيطوف، في قول أبي ثور.
وفي قول ابن الحسن كما قال في المسألة قبلها.
م 3883 - وإذا اختلفت المحجور عليها من زوجها على مال، ففي قول الشافعي وابن الحسن [2/ 164/ألف] يكون طلاقاً يملك فيه الرجعة، ويبطل المال.

(6/242)


م 3884 - ولو أن غلاماً أدرك مفسداً، فباع مما ترك أبوه، أو وهب، أو تصدق، ابطل القاضي ذلك كله، في قول الشافعي، وأبي ثور، وابن الحسن.
م 3885 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن إقرار المحجور عليه على نفسه، جائز، إذا كان إقراره بزنى، أو سرقة، أو شرب خمر، أو قذف، أو قتل.
وأن الحدود تقام عليه، هذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ولا أحفظ عن غيرهم خلافاً لقولهم (1).
م 3886 - وإذا أقر أنه استهلك مالاً لقوم لم يلزم ذلك، في حال الحجر، ولا بعده، في الحكم في الدنيا، ويلزمه تأدية ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، إذا خرج من الحجر.
هذا قول الشافعي.
وقال أبو ثور: يؤخذ به إذا صلح.
م 3887 - وإذا كانت امرأة محجوراً عليها (2)، فزوجت نفسها رجلاً بمهر مثلها: فالنكاح فاسد في قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال ابن الحسن: يرفع ذلك إلى القاضي، فإن كان لم يدخل بها، وهو كفوء، وتزوجت بمهر مثلي، فالنكاح جائز.
__________
(1) وفي الدار "خلاف قولهم"
(2) وفي الدار "محجورة".

(6/243)