الإشراف
على مذاهب العلماء 70 - كتاب التفليس
قال أبو بكر:
(ح 1308) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل اْفلسَ،
فوجدَ رجلٌ متاعه بعينه، فهو أحق به من غيره".
قال أبو بكر: وبما ثبت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نقول.
م 3888 - وقد روينا عن عثمان بن عفان، وعلي رضي الله عنهما وغيرها هذا
القول، ولا نعلم أحداً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خالف
عثمان بن عفان، وعلياً.
وبه قال عروة بن الزبير، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن،
والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: هو أسوة الغرماء، روينا هذا القول عن الحسن البصري، والنخعي،
وبه قال النعمان، وابن شبرمة.
قال أبو بكر: والسنة مستغنى بها عن كل قوة، وقد بلغني أن بعض من خالف
السنة، تأول قوله: "فوجد رجل متاعه
(6/244)
بعنيه" أي أمانته، أو وديعته، ففي حديث أبي
هريرة ما يبطل هذه الدعوى، قال:
(ح 1309) قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إذا أفلس الرجلُ فوجدَ البائعُ
سلعته بعينها فهو [2/ 164/ب] أحق بها دون الغرماءِ".
1 - باب السلعة توجد عند المفلس، وقد اقتضى
البائع بعض الثمن
قال أبو بكر:
م 3889 - واختلفوا في الرجل، يشتري من الرجل العبد بمائة دينار فيقبض (1)،
من ثمنه خمسين ديناراً.
ْفكان الشافعي يقول: يكون شريكاً للغريم بنصفه.
وفيه قول ثان: وهو أن يرد الذي قبض، ويأخذ العبد، إن أحب ذلك، هذا قول
مالك.
وفيه قول ثالث: وهو أن يكون أسوة الغرماء فيما بقي، هذا قول النعمان، وبه
قال إسحاق، إذا كان اقتضى من ثمنها شيئاً.
قال أبو بكر: وقد روي فيه حديث يوافق قول إسحاق، وليس يصح ذلك.
__________
(1) وفي الدار "فيقضي".
(6/245)
2 - باب البيت يجد
الذي باعه سلعته عنده بعينها
قال أبو بكر:
م 3890 - واختلفوا في الرجل يموت، فيجد رجل سلعته بعينها.
فقالت طائفة: هي بين الغرماء، روي هذا القول عن علي رضي الله عنه، وبه قال
أحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: الموت والحياة فيه سواء، هذا قول الشافعي.
(ح 1310) واحتج الشافعي بحديث مجهول الإسناد.
3 - باب مسألة
م 3891 - وقد اختلفوا في الرجل، يجد بعض متاعه عند مفلس، وقد أتلف البعض.
فقال مالك، والشافعي: يأخذ الذي وجده، ويضرب مع الغرماء بحصته فيما تلف له
(1)، وبه قال الأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن.
__________
(1) وفي الدار "بحصة ما تلف".
(6/246)
وقال أحمد، وإسحاق: لا يأخذ ما وجد، إلا أن
يجده بعينه.
4 - باب الزيت يشترى، فيخلط بمثله، ثم يفلس
قال أبو بكر:
م 3892 - اختلف أهل العلم في الرجل يشتري الزيت، أو القمح، ويخلط بمثله، ثم
يفلس.
ففي قول مالك: يأخذ زيته.
وقال الشافعي: إن كان خلطه بمثله، أو بأشر منه، فأراد أن يأخذ بكيل زيته،
أخذه، وإن خلطه بخير (1) منه ففيها قولان:
أحدهما: أن لا يأخذ شيئاً، قال: وهذا أصح القولين.
والقول الثاني: أن يأخذ من الزيت بقدر قيمة زيته.
وفي قول الكوفي: يكون أسوة الغرماء.
5 - باب السلعة المشتراة يرتفع ثمنها ويفلس
قال أبو بكر:
م 3893 - وإذا اشترى سلعة، فارتفع ثمنها.
فكان مالك يقول: يخير الغرماء بين أن يسلموا السلعة وبين أن يعطوه الثمن
الذي باعها به.
وفي قول الشافعي: يأخذ السلعة.
__________
(1) وفي الدار "بأخير منه".
(6/247)
وقالا جميعاً: إذا كانت [2/ 165/ألف]
السلعة ناقصة، إن شاء أخذها، وإن شاء ضرب مع الغرماء.
6 - باب الأمة تلد عند المشتري، والبقعة
يبنيها، ثم يفلس المبتاع
قال أبو بكر:
م 3894 - وإذا اشترى أمة، فولدت عند المشتري.
فقال مالك: الجارية وولدها للبائع، إلا أن يرغب الغرماء في ذلك، فيعطونه
حقه كاملاً ويمسكون ذلك.
وقال الشافعي: إذا ولدت الأمة له أولاداً، ثم أفلس، يرجع بالأم ولم يرجع
بالأولاد.
م 3895 - وإذا اشترى بقعة فبناها، ثم أفلس.
فقالت طائفة: تقوم البقعة وما فيها مما أصلح، فينظر كم ثمن البقعة، وكم ثمن
البنيان، ثم يكونان في ذلك شريكين لصاحب البقعة بقدر حصته، وللغرماء حصة
البنيان، هذا قول مالك بن أنس.
وقال الشافعي: يخير بين أن يعطى قيمة العمارة والغراس، فيكون ذلك له، أو
يكون له ما كان من الأرض ولا عمارة فيها، وتباع العمارة للغرماء، إلا أن
يشاء الغرماء أن يقلعوا البناء وعليهم ما دخل
على الأرض من النقص.
(6/248)
7 - مسألة
م 3896 - واختلفوا في الرجل ينكح المرأة فتجده مفلساً.
فقال أحمد: لا خيار إلا أن يكون غرّها، وقال: عندي كذا.
وأومأ الشافعي إلا أن لها الخيار، إن شاءت فسخت النكاح، كالمفلس توجد عنده
السلعة.
8 - باب الجمال يفلس وقد أكرى من قوم، والمكتري
يفلس
قال أبو بكر:
م 3897 - كان الشافعي يقول في القوم يتكارون من الجمال إبلا بأعيانها، ثم
يفلس: إن لكل واحد منهم أن يركب إبله بأعيانها، ولا تباع حتى يستوفوا
الحمولة.
وبه قال مالك إلا أن يضمنوا له الغرماء حملانه ويكترون له من ملاء ويأخذون
الإبل.
وقال الشافعي: وإن كانت الإبل بغير أعيانها دخل بعضهم على بعض، ودخل عليهم
غرماء غيرهم الذين لا حمولة لهم.
م 3898 - واختلفوا في الرجل يتكارى من الرجل حمل طعام (1) إلى بلد من
البلدان، ثم يفلس المكتري أو يموت.
__________
(1) وفي الدار "على حمل طعام".
(6/249)
فقال الشافعي: يكون المكري أسوة الغرماء،
لأنه ليس [2/ 165/ب] له في الطعام صنعة، ولو أفلس قبل تحمُّل الطعام: كان
له فسخ الكراء.
وقال مالك: الجمال أولى بالبر إذا كان في يده حتى يستوفي الكراء.
م 3899 - واختلفوا في الرجل يستأجر الأجير في الحانوت أو في الزرع، بإجارة
معلومة، ثم يفلس.
فقال الشافعي: الأجير أسوة الغرماء.
وقال مالك: الأجر أولى بما في يديه من الزرع والحائط حتى يقبض إجازته.
9 - باب بيع المفلس وشراؤه، وعتقه، وإقراره،
وإعطاؤه بعض غرمائه دون بعض
قال أبو بكر:
م 3900 - واختلفوا فيما يجريه المفلس بعد أن يحجر عليه القاضي من بيع وغير
ذلك.
فكان الشافعي يقول: إذا حجر عليه القاضي، لم يكن له أن يهب من ماله ولا
يبيع ولا يتلف، وبه قال ابن أبي ليلى.
وقال يعقوب مثلما قال ابن أبي ليلى ما خلا العتاقة في الحجر.
وقال سفيان الثوري: إذا أفلسه القاضي فليس له بيع، ولا صدقة، ولا عتق.
(6/250)
وقال أحمد في البيع والصدقة كما قال
الثوري، وقال في العتق: يجوز عتقه، هو شيء لله تعالى.
وبه قال إسحاق.
وخالف النعمان ذلك كله، فقال: إذا اشترى، أو أعتق، أو تصدق بصدقة، أو وهب
هبة، فذلك كله جائز.
قال أبو بكر:
م 3901 - وإذا أقر من قد أفلس بدين لقوم، وبينة لهم، ففي قول مالك، وعبيد
الله بن الحسن: لا يجوز إقراره، وبه قال سفيان الثوري إذا أفلس وأظهر على
ماله.
ولا يجوز إقراره في قول ابن الحسن فيما أوقف، ويجوز إقراره على نفسه.
وقال الشافعي: فيها قولان:
أحدهما: إن إقراره لازم، ويدخل من أقر له من سائر الغرماء، وبه قال
الشافعي.
والثاني: كما قال ابن الحسن.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.
م 3902 - وكان مالك، والشافعي يقولان: له أن يقضي بعضاً دون بعض قبل أن
يوقف ماله، وبه قال النعمان، وابن الحسن، ويعقوب (1).
10 - باب إقرار الصناع بالمتاع بعد أن يفلسوا
قال أبو بكر:
__________
(1) "ويعقوب" ساقط من الدار.
(6/251)
م 3903 - لا يجوز إقرارهم في قول مالك بعد
أو يوقف مالهم.
وفي قول الشافعي: قولهم مقبول.
قال أبو بكر: إقرارهم لازم.
11 - باب [2/ 166/ألف] حبس المفلس
قال أبو بكر:
م 3904 - أكثر من نحفظ عنه قوله (1) من علماء الأمصار، وقضاتهم يرون الحبس
في الدين.
وممن نحفظ ذلك عنه، مالك وأصحابه، والشافعي، والنعمان، وأصحابهما، وأبو
عبيد، وبه قال سوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن.
وقد روينا هذا القول عن شريح، والشعبي.
قال أبو بكر: ليس يخلو أمر من عليه الدين من أحد ثلاثة وجوه:
إما أن يكون موسراً مانعاً لماله، فإن وجد إلى مال له ظاهر سبيل وجب بيعه،
وقضي ما عليه عنه، وإن لم يوصل إلى ذلك عوقب بالحبس ليخرج ما عليه.
(ح 1311) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بإسناد فيه مقال: "أنه
أمر رجلاً
__________
(1) وفي الدار "نحفظ قوله".
(6/252)
بلُزومِ رجلٍ له عليه حق".
(ح 1312) وقد روينا عنه - صلى الله عليه وسلم -، بإسناد آخر أنه قال "لي
الواجدِ يُحلّ عرضه
وعقوبتهُ".
وهذا إسناد غير صحيح.
وفي الحبس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، خبران في إسنادهما جميعاً
مقال، وأحدهما أوهى من الآخر.
(ح 1313) فأما أحسنهما، فمن حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وليس منهما
صحيح.
(6/253)
وإن كان الذي عليه الدين معسراً، فلا سبيل
إلى حبسه إلا أن يوسر، قال الله جل ذكره: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية.
(ح 1314) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال في رجل عليه دين:
"خُذوا ما وجدتُم، وليس لكم إلا ذلك".
فقد أعلم ألا سبيل إلى المعسر في حال عسره.
والوجه الثالث: أن يكون الذي عليه الدين ممن لا يوقف على أمره ولا تشهد له
بينة بالعلم، ولا عليه باليسار، وقد أخذ أموال الناس، وصارت إليه بيقين،
ولا تعلم جائحة أصابته ذهبت بماله، فحبس هذا
يجب، لأن العلم قد أحاط بأخذه الأموال، ولا يعلم زوالها وخروجها عن يديه
فيعذر به.
فإن أتى بينة أنه معدم، وجب إطلاقه، ولا يغفل القاضي المسألة عنه، إذا صح
عنده إفلاسه، أطلقه، ثم لم يعده إلى السجن حتى تثبت عليه البينة، أو يقر
أنه قد استفاد مالاً، فيرجع إلى حالته الأولى.
قال أبو بكر:
فإن لحقته [2/ 166/ب] الديون من جهة الضمانات، والكفالات، ولا يعلم له أصل
مال معه، وجب الوقوف عندي عن حبسه؛ لأن الحبس عقوبة، ولا يعاقب إلا بذنب
يستحق أن يعاقب به، ولا يعلم له ذنب يستحق به العقوبة.
(6/254)
12 - باب ديون
المفلس إلى الأجل، والدين يكون عليه إلى الأجل
قال أبو بكر:
م 3905 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن ما كان من دين المفلس
إلى أجل، أن ذلك إلى أجله، لا يحل بإفلاسه.
م 3906 - واختلفوا في حلول ما علي المفلس من الديون.
فقال مالك: يحل ما عليه من الدين.
وقال الشافعي: يحتمل ما قال مالك (1): وقد ذهب غير واحد ممن حفظت عنه إلى
أن ديونه تحل، وقد يحتمل أن يؤخر الذين ديونهم متأخرة؛ لأنه (2) غير ميت
وإنه قد يملك، والميت لا يملك.
13 - باب الدين (3) يكون علي الرجل فيقول الذي عليه المال لصاحب المال ضع
عني وأعجل لك
قال أبو بكر:
م 3907 - واختلفوا في الرجل يكون عليه الدين لآخر إلى أجل معلوم، فيقول
الذي عليه الدين: ضع عني، وأعجل لك.
__________
(1) "يحمل ما قال مالك" ساقط من الدار.
(2) "لأنه غير ميت" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "الديون".
(6/255)
فكرهت ذلك طائفة، وممن روي عنه أنه كرهه:
زيد بن ثابت، وابن عمر، وكره ذلك سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسالم بن
عبد الله، والحكم، ومالك، والثوري، وابن عيينة، وهشام، وأحمد، وإسحاق،
والكوفي.
وقد روينا عن ابن عباس أنه لم ير به بأساً، وبه قال النخعي، وأبو ثور.
وقد روينا عن الحسن البصري، وابن سيرين أنهما كانا لا يريان بأساً بالعروض
أن يأخذها من حقه قبل محله.
14 - باب مسائل من كتاب التفليس
قال أبو بكر:
م 3908 - واختلفوا فيما يتلف من مال المفلس، بعد أن يوقف القاضي ماله
للغرماء، على يد أمين من أمنائه.
فكان الشافعي يقول: ذلك من مال المفلس لا من مال أهل الدين.
وقال مالك في العروض من مال المفلس، والدنانير والدراهم من مال الغرباء.
(6/256)
وقال المغيرة: الدنانير من أصحاب الدنانير،
والدراهم من
أصحاب الدراهم.
قال أبو بكر: كل ذلك من مال المفلس.
م 3909 - وكان مالك، والشافعي، والنعمان، وصاحباه، يقولون: لا يجب أن يؤاجر
المفلس، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ} الآية.
وقيل لأحمد: يؤاجر في علم إذا كان [2/ 167/ألف] يحسنه؟
قال: إني أجيزك إذا كان رجل في كسبه فضل عن قوته.
قال أبو بكر: قول مالك صحيح، وبه نقول.
م 3910 - وكان الشافعي يقول: يباع عليه مسكنه، وخادمه.
وقال أحمد وإسحاق: لا تباع عليه الدار (1) والخادم.
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح.
مسألة
قال أبو بكر:
م 3911 - واختلفوا في المفلس، يقسم ماله بين غرمائه، ثم يدان ديناً ثم يفلس
ثانياً.
فكان مالك يقول: إذا داين قوماً بعد أن أفلس، ففلس في أموالهم، أن الأولين
لا يدخلون على هؤلاء فيما داينوه (2) حتى
__________
(1) وفي الدار "الدور".
(2) "فيما داينوه" ساقط من الدار.
(6/257)
يستوفوا حقوقهم، وإن دخل عليه (1) فائدة من
ميراثه (2)، أو تفقأ له عين فيقضي بعقلها، تحاصّ أصحاب الديون، الأولين،
والآخرين فيه.
وفي قول الشافعي: الأولون، والآخرون في المسألة الأولى والثانية سواء، يقسم
بين الجميع ماله.
م 3912 - وقال مالك في الفلس، يحلف بالله ما غيبت مالاً، فكان عرف له المال
غيبه، سجنه الإمام، واحتال له حتى يخرج ماله.
قال الشافعي: وأحلفه بالله ما يملك، ولا يجد لغرمائه قضاء في نقده ولا عرض،
ولا بوجه من الوجوه.
__________
(1) وفي الدار "عليهم"
(2) وفي الدار "ميراث"، وكذا في العمانية/391.
(6/258)
|