الإشراف على مذاهب العلماء

71 - كتاب المزارعة
قال أبو بكر:
(ح 1315) ثبت عن ابن عمر أنه قال: "ما كُنا نرى بالمزارعة بأساً، حتى سمعتُ رافع بن خديج يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها".
قال أبو بكر: وقد جاءت الأخبار عن رافع بن خديج بعللٍ تدل على أن النهي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، إنما كان لتلك العلل.
(ح 1316) أحدها أنه قال: "كُنا نُكري الأرض (1) بالناحية منها مسمى لسيد الأرض، فنهينا عن ذلك".
والثانية أنه قال:
(ح 1317) "كنا نكري الأرض، ونشترط على الأكار، أن ما سقى الربيع والماذيان فهو لنا، وما سقت الجداول فهو لكم، فربما سلم
__________
(1) "كنا نكري الأرض ... إلى قوله: والثانية أنه قال "ساقط من الدار.

(6/259)


هذا، وهلك الجداول، وربما هلك هذا وسلم هذا، فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فنهى عنه".
وبقيت أربع علل سوى ما ذكرناه، وهي مثبتة في غير هذا الوضع.
فإذا كانت أخبار رافع هذه سبيلها، وجب الوقوف عن استعمالها ووجب استعمال خبر ابن عرم، إذ هو خبر ثابت، لا معارض له.
وذكر لأحمد خبر رافع، فقال: عن رافع الوان [2/ 167/ب] كأنه يريد أن اختلاف الرواية عنه يوهن ذلك الحديث.
(ح 1318) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "دفع خيبر على شطر ما يخرجُ من ثمرٍ أو زرع".
م 3913 - وقد اختلف أهل العلم في الرجل، يعطي أرضه البيضاء، أو أرضه ونخله، بالنصف، أو الثلث، أو الربع، أو بجزءٍ معلوم مما يخرج منها.
فروينا عن جماعة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنهم أجازوا ذلك منهم: ابن مسعود، وسعد بن مالك -رضي الله عنهم-.

(6/260)


وروينا ذلك عن علي بن أبي طالب، ومعاذ فرض في الله عنهما.
وهذا مذهب سعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، وطاووس، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
وروينا عن أبي جعفر أنه قال: عامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون بالثلث والربع.
وبه قال ابن أبي ليلى، وأحمد بن حنبل، ويعقوب، ومحمد، واحتج أحمد بقصة خيبر.
وكرهت طائفة ذلك، وممن روينا عنه أنه كرهه: ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والنخعي، ومالك بن أنس.
وكره الشافعي الزارعة بالثلث والربع، وأجاز المساقاة في النخل على النصف أو الثلث.

(6/261)


وأبطل النعمان المزارعة بالنصف والثلث، ومنع من دفع النخل معاملة بالثلث والربع، وزعم أن ذلك كله باطل.
قال أبو بكر: هذا خلاف الأخبار الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه"
أعطى خيبر على شطر ما خرج من ثمر أو زرع" ثم هو خلاف أخبار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1)، وقول أكثر أهل العلم.

1 - باب من يخرج البذر
قال أبو بكر:
م 3914 - واختلف الذين أجازوا المزارعة بالثلث والربع من يخرج البذر العامل، أو رب الأرض.
فقالت طائفة: يكون من عند العامل، روي ذلك عن سعد بن مالك، وابن مسعود، وابن عمر [2/ 168/ألف].
وفيه قول ثان: وهو أن البذر يكون من عند رب الأرض، والعمل من الداخل، هذا قول أحمد، وإسحاق، وقالا: لا يعجبنا أن يكون البذر من عند الداخل.
وفيه قول ثالث قاله بعض أهل الحديث، قال: من أخرج البذر منهما، فهو جائز، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - دفع خيبر معاملة، وفي تركه اشتراط البذر من عند أحدهما دليل على أن ذلك يجوز
من عند أيهما كان.
__________
(1) "أنه أعطى ... إلى قوله: أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ساقط من الدار.

(6/262)


2 - باب اكتراء الأرض بالذهب والفضة
قال أبو بكر:
م 3915 - أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتاً معلوماً، جائز بالذهب والفضة.
روينا هذا القول عن سعد بن أبي وقاص، ورافع بن خديج، وابن عمر، وابن عباس.
وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن الحارث، وأبو جعفر، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال أحمد: قل ما اختلفوا في الذهب والورق.
قال أبو بكر (1): وقد روينا عن طاووس، والحسن أنهما كرها ذلك.
__________
(1) "قال أبو بكر: وقد" ساقط من الدار.

(6/263)


قال أبو بكر: ولا فرق بينهما، إذ هى في معنى الدار والدابة، وهو قول كل من نحفظ عنه من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا نعلم مع من منع منه حجة.

3 - باب استئجار الأرض بالطعام
قال أبو بكر:
م 3916 - واختلفوا في استئجار الأرض بالطعام.
فكان سعيد بن جبير، وعكرمة، والنخعي، والشافعي، وأبو ثور، لا يرون بأساً، بعد أن يكون معلوماً، مما يجوز
فيه المسلم.
وكره ذلك مالك (1)، وقال أحمد بن حنبل: ربما تهيبْته.
قال أبو بكر: القول في هذا على وجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز كراؤها بشيء من الطعام الذي يخرج منها لأنها قد تخرج شيئاً ولا تخرج.
وكذلك لا يجوز أن تكترى بربع ما يخرج من الأرض (2) أوثلثه.
وإن اكترى الأرض مدة معلومة بطعام معلوم موصوف، فجائز.
__________
(1) "مالك وقال ... إلى قوله: القول في هذا" ساقط من الدار.
(2) "من الأرض" ساقط من الدار.

(6/264)


4 - باب القوم يشتركون [2/ 168/ب] فيخرج بعضهم (1) البذر، وتكون الأرض من، عند أحدهم، والعمل من قبل الآخر
قال أبو بكر:
م 3917 - اختلف أهل العلم في القوم يشتركون على أن البقر من عند أحدهم والأرض من عند الآخر، والبذر من عند آخر، والعمل على آخر (2)، وعملوا وسلم الزرع.
فقالت طائفة: الزرع كله لصاحب البذر، ويكون عليه أجر مثل البقر والرجل العامل والأرض، وينظر إلى ما فيه من فضل، فيتصدق به ولا يجبر عليه، هذا قول أصحاب الرأي.
وبه قال أبو ثور، غير أنه لا يأمر بالصدقة به.
وقول الشافعي كقول أبي ثور.
وقال مالك في الرجل يدفع إلى الوجل البذر ببذرة في أرضه، ويكون ما يخرج بينهما، قال: أرى أن يدفع صاحب الأرض قيمة الحب إلى صاحبه ويكون الزرع لصاحب الأرض.
وقال الليث بن سعد في الرجلين يشتركان في الأرض الحرة، فيأتي كل واحد منهما ببذر، ويأتي أحد ببدنه، والآخر بدابته، فقال: لا أرى بأساً أن يعمل الرجل ببدنه وبدابة صاحبه، ثم يتراجعان الفضل بينهما، في عمله بيده وفي عمل دابة صاحبه.
__________
(1) وفي الدار "أحدهما".
(2) وفي الدار "والعمل من عند آخر".

(6/265)


قال أبو بكر:
م 3918 - وإذا كانت الأرض بين رجلين، ولهما دواب وغلمان بينهما، فاشتركا على أن زرعها ببذرهما ودوابهما وأعوانهما، على أن ما أخرج الله عَزَّ وَجَلَّ من ذلك من شيء فبينهما، فهذا جائز.
وهذا على مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي وذلك أن أحدهما لا يفضل صاحبه بشيء.

5 - باب الإجارة ينقضي وقتها والزرع قائم
قال أبو بكر:
م 3919 - واختلفوا في الرجل يستأجر الأرض إجارة صحيحة فتنقضي المدة، والزرع قائم.
فكان مالك يقول: لا يقلع، ولكن يترك حتى يتم، ويكون لرب الأرض كراء مثل أرضه.
وفيه قول ثان: وهو أن عليه أن ينقله من الأرض، إلا أن يشاء رب الأرض تركه، قرب ذلك أم بعد، إذا كان الكراء في الأصل جائز، هذا قول الشافعي، وهو قول النعمان (1).

6 - باب المرتد يدفع أرضه وبذره مزارعة
قال أبو بكر:
م 3920 - واختلفوا في المرتد يدفع [2/ 169/ألف] أرضه وبذره إلى رجل
__________
(1) "وهو قول النعمان" ساقط من الدار.

(6/266)


ليزرعها، على أن ما أخرج الله عَزَّ وَجَلَّ من شيء فبينهما، فخرج الزرع، وقتل المرتد.
فقال يعقوب، ومحمد: وهو بين ورثة المرتد (1) وبين العامل، على ما اشترط عليه.
وقال النعمان: جميع ما خرج من الزرع للزارع، وعليه ما نقص الأرض ومثل البذر.
قال أبو ثور: جميع ما يخرج (2) من ذلك في بيت مال المسلمين، وعلى الإمام قدر كراء العامل، وليس لورثة المرتد من ذلك شيء.
م 3921 - ولو دفع مسلم إلى مرتد أرضاً يزرعها بالنصف، والبذر والبقر من عند المرتد، فزرع، فخرج زرع كثير، وقتل المرتد على ردته، ففيها قولان:
أحدهما: أنه جائز، وما أصاب المرتد فلورثته، هذا قول يعقوب، ومحمد.
وفي قياس قول الشافعي: ما خرج من ذلك للمرتد، لا يرث ورثته من ذلك شيئاً، بل يوضع في بيت مال المسلمين، ويأخذ رب الأرض فمن مال المرتد كراء مثل أرضه.
م 3922 - وإذا دخل حربي دار الإِسلام بأمان، فدفع إليه رجل مسلم أرضاً وبذراً، على أن يزرع هذه السنة، فما خرج من شيء فهو بينهما نصفين، فزرع الحربي على ذلك.
__________
(1) كلمة المرتد ساقطة من الدار.
(2) "ما يخرج" ساقط من الدار.

(6/267)


ففي قول الشافعي، وأبي ثور جميع ما يخرج من الأرض لرب الأرض، وللحربي أجر مثله.
وقال يعقوب، ومحمد: جميع ما خرج بينهما نصفان.

7 - باب الأرض تكترى وفيها نخل قليل
قال أبو بكر:
م 3923 - اختلف مالك بن أنس، والشافعي في الأرض البيضاء، يكتريها الرجل، وفيها النخلات اليسيرة، يشترط المكتري ثمرتها.
ففي قول مالك: ذلك جائز إذا كان مقدار الثلث أو أقل، والبياض الثلثين.
ولا يجوز ذلك في قول الشافعي، فإن فعلا فالكراء فاسد، ويكون على المستأجر كراء مثل الأرض، ومثل الثمر، إن كان قبض للنخل ثمراً.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح (1).

8 - باب مسألة
م 3924 - وإذا اكترى الرجل الأرض أو الدار إلى لسنة، كراءً فاسداً وقبضها، وعطلها.
__________
(1) " قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح" ساقط من الدار.

(6/268)


ففي قول الشافعي: عليه كراء مثل الأرض، وهو قول مالك، وفي قولهما: إذا لم يقبض الأرض، فلا شيء على المكتري.
قال أبو بكر: وبه أقول.
وقال الشافعي: وإذا اكترى الرجل الأرض عشر سنين بمائة دينار، لم يجز، حتى يسمي لكل سنة شيئاً معلوماً.
وقد أجاز الشافعي هذا الكراء في مكان آخر، وهو أصح قوليه.
قال أبو بكر: وبه أقول.

9 - باب الزارع في أرض قوم بغير إذنهم
قال أبو بكر:
(ح 1319) جاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وترد إليه نفقته".
م 3925 - وقال أحمد بهذا الحديث ما دام الزرع قائماً في الأرض، فإذا حصد فإنما لهم الأجر.

(6/269)


وفي قول الشافعي: إذا أدرك الزرع قبل أن يشتد قلع، وعليه كراء المثل فيما مضى، وإن لم يدرك زرعاً حتى يحصد، كان الزرع لصاحب البذر، وعليه كراء مثل الأرض في المدة التي أقامت في يده.

10 - باب كراهية الزرع بالعُرة
قال أبو بكر:
م 3926 - واختلفوا في الزرع يزرع بالعرة (1).
فكرهت طائفة ذلك، وممن كان يكره ذلك ابن عمر.
وكره بيع رجيع بني آدم، مالك بن أنس.
وحرمه الشافعي (2)، وحرم بيعه وشراءه.
وكره أحمد العرة في الأرض.
وقال إسحاق: إن فعله جاز.
وقد روينا عن سعد بن أبي وقاص كالرخصة فيه.

11 - باب مسائل من كتاب المزارعة
قال أبو بكر:
م 3927 - وإذا اكترى رجل أرضاً من رجل سنة، على أنه إن زرعها
__________
(1) في الحاشية العرة: عذرة الناس.
(2) وفي الدار "وكرهه الشافعي".

(6/270)


حنطة فكراؤها عشرة دنانير، وإن زرعها شعيراً فكراؤها ثمانية دنانير (1) فالكراء فاسد، فإن أدرك قبل الزرع، فسخ، وإن زرعها فعليه كراء المثل، في قول الشافعي.
م 3928 - وإذا دفع صبي أرضاً له مزارعة إلى رجل على النصف، بإذن وليه، أو باذن أبيه، فزرعها:
ففي قول أبي ثور: على الزارع كراء مثل الأرض، والزرع له.
وقول يعقوب، ومحمد: ذلك جائز، إذا كان إذن وليه.
وقياس قول أحمد، وإسحاق: أن ذلك لا يجوز.
م 3929 - وإذا أكرى رجل بئراً له (2) سنة، ليسقى منها (3) زرعاً له ففيها قولان:
أحدهما: أن الكراء جائز، وله أن يسقي منها زرعه، هذا قول مالك، ويحتمل [2/ 170/ألف] أن يقول قائل:
هذا كراء فاسد، لأن أخذ الماء من البئر يختلف، يقل ويكثر، وهو مجهول لا يوقف له على حد ولا مقدار.
وهذا يشبه مذهب الشافعي، وعليه قيمة الماء، فإن اختلفا في قيمته، فالقول قول المكتري مع يمينه.
__________
(1) وفي الدار "بمالة دينار".
(2) وفي الدار "بئره".
(3) وفي الدار "بها".

(6/271)


م 3930 - وإذا اكترى أرضاً كراء صحيحاً، ثم جاء المكتري وقال: لا أجد بذراً، لم يكن ذلك عذراً يجب به الفسخ، والكراء له لازم، في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور.
وإذا اكترى رجل مراعي أرض فمن رجل سنة معلومة ليرعى فيها المكتري دواباً له.
ففي قول مالك بن أنس: لا بأس به إذا طابت مراعيها وبلغ أن يرعى.
ولا يجوز ذلك في قول الشافعي؛ لأنه مجهول لا يوقف على حده.
قال أبو بكر: وهذا أحب القولين إليّ.
قال أبو بكر:
(ح 1320) ثبت أن رسول الله قال: "لا يغرس رجلٌ مسلم غرساً ولا زرعاً، فيأكل منه سبع، أو طائر، أو شيء إلا كان له فيه أجراً".
(ح 1321) وثبت عنه أنه قال: إن قامت الساعة، وبيد أحدكم فسيل، فاستطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها".

(6/272)