الإشراف على مذاهب العلماء

78 - كتاب (1) أحكام الأُبّاق
1 - باب أحكام الإباق
قال أبو بكر:
(ح 1358) ثبت أن فيما شرط النبي- صلى الله عليه وسلم - على أصحابه حين بايعوه: النصيحة للمسلمين.
(ح 1359) وجاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "والله في عون العبدِ ما كان العبد حاجةِ أخيه".
قال أبو بكر: فمن نصيحة المرء حفظ ماله عليه، وحياطته له حتى يؤديه إلى صاحبه.
فغير جائز أن يأخذ جعلا على ما يجب عليه القيام به يُلزمُه صاحب الشيء.
م 4171 - وقد اختلف في هذا الباب.
__________
(1) وفي الدار "باب أحكام".

(6/388)


فقالت طائفة: إذا أخذ عبداً آبقاً، فلا شيء له فيه، من كان من الناس.
كان النخعي يقول: المسلم يرد على المسلم.
وقال مالك: لا شىء له، إلا ما أنفق عليه من ركوب أو غيره.
قال أبو بكر: وبالقول الأول قال الحسن بن صالح، والشافعي.
ولم يكن أحمد يوجب ذلك.
وقد روينا عن ابن مسعود أنه قال: يعطى في كل رأسِ أربعين درهماً.
وقال أبو إسحاق: أعطيت الجعل أربعين درهماً، في زمان معاوية.
وفيه قول ثالث: وهو أن يعطى إذا أخذ في المصر عشرة دراهم، وإذا أخذ خارجاً فأربعين درهماً (1)، هذا قول شريح، وبه قال إسحاق، وحكاه عن ابن مسعود.
وفيه قول رابع: روينا عن عمر بن الخطاب: أنه جعل في جعل الآبق عشرة دراهم، أو دينار.
وقال عمر بن عبد العزيز: إذا وجد على مسيرة ثلاث، فثلاثة دنانير.
وفيه قول سادس: قاله أصحاب الرأي، قالوا: إذا أخذه خارجاً من المصر، أو في المصر، فإنا نستحسن: [2/ 196/ب] أن يجعل له
__________
(1) "درهماً" ساقط من الدار.

(6/389)


على قدر المكان الذي تعنّى إليه، إلا أن يكون أخذه على مسيرة ثلاثة أيام، فإذا كان كذلك، فله الأربعون درهماً.
وقال الأوزاعي: أحب إليّ أن يرد على أخيه المسلم.
وقال مالك قولاً سابعاً: قال: أما من كان ذلك شأنه، وهو عمله، فأرى أن يجعل ذلك له، ومن لم يكن كذلك، فله نفقته، ولا جعل له.
م 4172 - وقال مالك: إذا قال: من جاء بعبدي الآبق فله دينار، ثم بدا له، فرجع فيه: قال: ليس ذلك له.
قال أبو بكر: له أن يرجع فيما جعل له، ما لم يوجد العبد.
م 4173 - وقال الشافعي: ولو قال لثلاثة، كل واحد منهم: إن جئتني بعبدي ذلك كذا، فجاؤوا به جميعاً، فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له (2).
قال أبو بكر: وإذا أخذ الرجل عبداً، فجاء به إلى مولاه: وجب عليه تسليمه إليه، وليس له أن يلزمه جعلاً، لأني لا أعلم مع من ألزمه جعلاً حجة والله اعلم.

2 - باب من أخذ عبداً آبقاً، فأبق منه
قال أبو بكر:
م 4174 - واختلفوا في العبد الآبق، يوجد فيأبق ممن أخذه.
فروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال: يحلف بالله تعالى، لأبق منه، ولا ضمان عليه.

(6/390)


وممن قال لا ضمان عليه، الشعبى، والحسن البصري، وابن أبي مليكة، وقتادة، وأبو هاشم، ومنصور، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقد روينا عن شريح روايتين، أحدهما: أنه ضمنه، والأخرى، قال: لا ضمان عليه.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان الذي أخذه أظهر ذلك ليرده وقد سُمع ذلك منه فلا ضمان عليه، وإن لم يكن فعل ذلك:
فهو ضامن.
هذا قول النعمان، ومحمد.
وقال يعقوب: لا ضمان عليه إذا علم أنه أبق.

3 - باب قطع الآبق في السرقة
قال أبو بكر:
م 4175 - واختلفوا في قطع الآبق إذا سرق.
فمن رأى أن قطع يده يجب: ابن عمر، وهذا قول عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، والحسن البصري،

(6/391)


والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وفي قول ثان: روينا عن ابن عباس أنه قال: ليس على، [2/ 197/ألف] الآبق الملوك قطع إذا سرق، وبه قال الليث بن سعد.
وقال النعمان، ومحمد: يقطع بحضرة مولاه.
وقال يعقوب: يقطع، ولا ينتظر مولاه.
قال أبو بكر: يقطع، لدخوله في ظاهر (1) قوله سبحانه وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية ولا ينتظر مولاه.

4 - باب النفقة على العبد الآبق
قال أبو بكر:
م 4176 - واختلفوا فيما ينفقه الذي وجد العبد الآبق عليه.
فقال الشافعي، والحسن بن صالح، وأصحاب الرأي: هو متطوع.
قال أبو بكر: وبه نقول.
__________
(1) وفي الدار "جملة قوله".

(6/392)


وقال مالك: لا شيء له إلا ما أنفق من ركوب وغيره.
م 4977 - وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة، فأبق وباعه في إباقه، واشترى.
فقال أصحاب الرأي: لا يجوز ما فعل.
وفيه قول ثان: وهو أن بيعه وشراءه جائز.
وبه نقول.
قال أبو بكر:
م 4178 - وإذا وجد الرجل عبداً آبقاً، فأراد بيعه، وجب (1) منعه من ذلك، فإن باعه بغير قضاء قضى، فالبيع باطل، في قول الشافعي، والكوفي، وإن باعه بأمر قاضٍ: فالبيع جائز في قولهم.
م 4179 - وقال الأوزاعي في الأمير يحبس الآبق على صاحبه: يأمر ببيعه وإيقاف ثمنه، فإن جاء صاحبه خيّره إن كان الغلام قائماً بينه وبين ثمنه، فإن كان الغلام هالكاً: أعطاه ثمنه.
قال مالك: أما الرقيق الذين يأبقون، ويؤخذون: فإنهم يحبسون، فإن لم يأت لهم طالب: بيعوا، فإن جاء طالبهم بعد أن يباعوا: لم يكن له إلا الثمن الذي بيعوا به، ولا يبيعه (2) غير الإمام.
وقال أصحاب الرأي: إذا طال ذلك باعه الإمام، وأمسك ثمنه، فإن أترى من يقيم البينة أنه له: دفع ثمنه إليه، ولا يرد الإمام البيع
__________
(1) وفي الدار "بيعه ومنعه".
(2) وفي الدار "ولا يمنعه".

(6/393)


إن جاء صاحبه لأن بيع الأمام عليه (1) جائز.
م 4180 - وليس للسيد أن يبع عبده الآبق في قول: مالك، والشافعي، والكوفي، وقد روينا عن ابن سيرين: أنه كان لا يرى بأساً ببيعه، إذا كان علمهما واحد.
قال أبو بكر: لا يجوز بيعه لأنه من بيوع الغرر.
م 4181 - وإذا أعتق الرجل عبده الآبق: وقع العتق به، ولا أعلمهم يختلفون فيه.
م 4182 - ولا تجوز هبة العبد [2/ 197/ب] الآبق، في قول الشافعي، والكوفي.
وفي قول أبي ثور: الهبة جائز.
م 4183 - وإذا أتى رجل إلى الإمام بعبد آبق، فأقام رجل البينة أنه له: دفع إليه وليس للإمام أن يستحلفه ما باع ولا وهب.
وقال أصحاب الرأي: يستحلفه بالله تعالى ما بعته، ولا وهبته، ويدفعه إليه.
م 4184 - وإن لم تقم بينة، وأقر العبد أنه له: وجب دفعه إليه، وبه قال الكوفي.
__________
(1) "عليه" ساقط من الدار.

(6/394)


م 4185 - وجناية العبد الآبق، والجناية عليه، وقذفه، وسرقه، وشربه الخمر، وأي فعل فعله، وجب أن يحكم له، وعليه كحكم سائر العبيد، لا فرق بينهم، وهذا كله على مذهب الشافعي، والكوفي، إلا ما ذكرناه، عنهم فيما مضى.
م 4186 - وإذا كاتب الرجل عبده، فأبق، فهو على كتابته، وهذا على قول الشافعي، والكوفي.
قال أبو بكر:
م 4187 - وعتق العبد جائز عن الظهار إذا علم بحياته، ومكانه، وبه قال أصحاب الرأي (2).
وإذا نكح البد في حال إباقه، بغير إذن السيد، فنكاحه باطل، ولا يجوز بإجازة السيد، وهذا على قول الشافعي.
وقال ابن الحسن: إذا أجازه الولى جاز.

(6/395)


انتهى الجزء السادس ويتلوه الجزء السابع وأوله كتاب المكات

(6/396)


الإشراف
على مذاهب العلماء
لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر
النيسابوري 318هـ
المجلد السابع
حققه وقدم له وخرج أحاديثه
د. أبو حامد صغير أحمد الأنصاري

(7/1)


حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1426هـ - 2005 م
الناشر
مكتبة مكة الثقافية
هاتف: 2361835 - 7 - 00971
فاكس: 2362836 - 7 - 00971
ص. ب. 2326
رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة

(7/3)


ـ[الرموز والمصطلحات التي استعملت في الدراسة والتحقيق:]ـ
لقد استعملت خلال ترجمة ابن المنذر، ودراسة الكتاب، وفي تحقيق الكتاب رموزاً ومصطلحات للاختصار والتسهيل، وهي ليست بجديدة إلا البعض، وقد يتبادر الذهن إلى الأصول في أول نظرة، لأن معظمها قد تستعمل في كثير من الكتب المحققة، وهي كالتالي:
1 - حرف "ح" قبل الرقم إشارة إلى الحديث النبوي.
2 - حرف "م" قبل الرقم إشارة إلى المسألة الفقهية، سواء كانت مجمعا عليها أو مختلفا فيها.
3 - "الأصل" إشارة إلى النسخة الخطية من كتاب الإشراف.
4 - "ألف" إشارة إلى اللوحة الأولى من الورقة من المخطوطة المصورة.
5 - "ب" إشارة إلى اللوحة الثانية من الورقة من المخطوطة المصورة.
6 - وكذلك اختصرت أسماء الكتب ومؤلفيها عند ذكرها في الدراسة والتحقيق، وهي كالتالي:
بق: البيهقي في السنن الكبرى.
طف: ابن جرير الطبري في تفسيره.
ت: الترمذي في جامعه.
عب: عبد الرزاق في المصنف.
جه: ابن ماجه في سننه.
قط: الدارقطنى في السنن.
حم: أحمد بن حنبل في مسنده.
م: مسلم بن الحجاج في الصحيح.
خ: البخاري في الصحيح.
مط: مالك بن أنس في الموطأ.
د: أبو داود في السنن.
مي: الدارمي في السنن.
شب: ابن أبي شيبة في المصنف.
ن: النسائي في السنن.
ط: طبقات.

(7/4)