الإشراف
على مذاهب العلماء 82 - كتاب الهبات
والعطايا والهدايا
قال أبو بكر:
(ح 1364) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "كلّ معروفٍ صدقةٌ".
(ح 1365) وثبت أنه قال: "لو أهدي إليّ ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كُرَاعٍ
لأجبت".
(ح 1366) وثبت أنه قال: "من منح منيحة ورقٍ، أو أهدى زُقاقاً أو سقى لبناً:
كان له كعدل رقبةٍ أو نسمةٍ".
(ح 1367) وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يأكُل الهدية، ولا يأكل
الصدقة.
م 4322 - وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لرجل داراً، أو أرضاً، أو
عبداً، على غير عوض، بطيب من نفس المعطي، وقبل الوهوب له
(7/73)
ذلك، وقبضه، بدفع من الواهب ذلك إليه،
وحازه: أن الهبة تامة.
م 4323 - واختلفوا في الرجل، يهب من الرجل الشقص في الدار، أو العبد.
فقالت طائفة: ذلك جائز، والهبة عندنا (1) جائزة، وإن لم تكن مقسومة، هذا
قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وكان النعمان يقول: إذا وهب الرجل داراً له لرجلين، أو متاعاً، وذلك المتاع
مما يقسم، فقبضاه جميعاً: فإن ذلك [2/ 212/ألف] لا يجوز إلا أن يقسم لكل
واحد منهما حصته.
وقال: إذا وهب اثنان لواحد، وقبض: فهو جائز.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، وذلك.
(ح 1368) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب حقه من غنائم حنين لهوازن،
وحقه من
ذلك مشاع.
(ح 1369) وقد وهب البهزي (2) الحمار لجماعة، فقال: شأنكم بهذا الحمار، فأمر
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أبا بكر رضي الله عنه، فقسمهُ بين (3)
الناس، وكل ذلك يدل على إباحة هبة المشاع.
__________
(1) وفي الدار "عندها".
(2) وفي الدار "الزهري" وهو تصحيف.
(3) "بين الناس" ساقط من الدار.
(7/74)
1 - باب الرجوع في
الهبات
قال أبو بكر:
(ح 1370) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "العائدُ في هبته
كالعائد في قيئه".
م 4324 - واختلفوا في الرجوع في الهبات.
فإن عمر بن الخطاب يقول: من وهب هبة لذي رحم جاز، ومن وهب هبة لغير ذي رحم
رجع إن لم يُثب.
وقال بنحو هذا القول النخعي، والثوري، وبه قال إسحاق (1).
وقال أصحاب الرأي: إذا وهب الرجل لابن أخيه هبة، أو لابن أخته أو لابن ابن
أخته، أو لابنة ابنه، أو لأخيه لأمه، أو لجده أبي أمه، أولخاله، أولخالته،
أو لعمه، أو لعمته، [2/ 212/ب] وقبضوا ما وهب لهم: فليس له أن يرجع فيها،
وكل هؤلاء ذووا رحم محرم.
وتفسير ذي الرحم المحرم من (2) النسب، الذي لا يكون للواهب أن يرجع فيما
أعطاهم: كل من لا يحل له نكاحهم.
__________
(1) "إن لم يثب ... إلى قوله: وبه قال إسحاق" ساقط من الدار.
(2) "من" ساقط من الدار.
(7/75)
فليس له أن يرجع فيما أعطاهم إلا أن يكون
ممن يحرم عليه نكاحه (1) من قبل الرضاع أو غيره، من نحو امرأة الأب، أو أم
امرأته، أو امرأة ابنه: ليس بمنزلة من حرم عليه بالنسب.
وإذا وهب ابن العم لابن عمه شيئاً، فله أن يرجع في هبته، وكذلك ابن الخال،
وابن الخالة.
وكذلك الصدقة على ذي الرحم الذي ليس بمحرم، مثل ذلك.
وقالت طائفة: ليس لأحد أن يهب هبة، ثم يرجع فيها، على ظاهر:
(ح 1371) حديث ابن عباس.
هذا قول أحمد، واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -:
(ح 1372) " ليس لنا مثلُ السوء ... ".
وكان طاووس يقول: لا يعود الرجل في هبته.
وقال الشافعي: "إذا وهب الرجل جارية، أو داراً، فزادت الجارية في يده، أو
بني الدار، فليس للواهب أن يرجع في الجارية أي حال ما كنت زادت خيراً أو
نقصت".
وقالت طائفة ليس لأحد أن يهب هبة لقريب أو بعيد، وقبضها الموهوب له، أن
يرجع فيها، إلا الوالد فيما يهب ولده، هذا قول أبي ثور، واحتج:
__________
(1) "إلا أن يكون ممن يحرم عليه نكاحه" ساقط من الدار.
(7/76)
(ح 1373) بحديث ابن عمر، وابن عباس عن
النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجلِ يُعطي عطيةً ثم يرجعُ
فيها، إلا الوالدُ فيما يُعطي ولده ومثل الذي يُعطي العطيةّ ثم يرجعُ فيها
كمثلِ الكلبِ يأكلُ، إذا شبع قاءَ، ثم عاد في قيئه".
وقالت طائفة: إذا استهلكت الهبة، فلا رجوع فيها، كذلك قال الشعبي، وسعيد بن
جبير.
2 - باب الأمر بالتسوية بين الأولاد والعدل
بينهم العطية
قال أبو بكر:
(ح 1374) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لبشير بن سعد- وقد
أعطى بعض ولدهِ عطيةً- فقال: "هل لكَ من ولد غيره؟ قال: نعم، فقال بيده
هكذا سوّ".
م 4325 - وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينحل بعض ولده دون بعض.
(7/77)
فقالت فرقة: ذلك جائز، هذا قول مالك،
والشافعي، وأصحاب [2/ 213/ألف] الرأي.
وقد روينا هذا القول عن شريح، وجابر بن زيد، والحسن بن صالح.
وكان الحسن البصري يكره ذلك، ويجيزه في القضاء.
وكرهت طائفة ذلك، وممن كرهه: طاووس، وقال: لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق.
وقال أحمد بن حنبل فيمن فضل بعض ولده على بعض: بئسما صنع.
وقال إسحاق: لا يجوز ذلك، فإن فعل ومات الناحل، فهو ميراث بينهم، لا يسع
أحد أن ينتفع بما أعطي دون اخوته وأخواته، واحتج:
(ح 1375) بقول النبي- صلى الله عليه وسلم - "لا تُشهدني على جور".
وروينا مع ذلك عن مجاهد، وعروة، ورآه (1) طاووس من أحكام الجاهلية.
م 4326 - وقد اختلف أهل العلم في التسوية بين الذكر والأنثى في العطية.
فقال أحمد، وإسحاق: يقسم بينهم في حياته كما يقسم المال بينهم بعد وفاته:
للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال شريح لرجل قسم ماله بين ولده، ارددهم إلى سهام الله وفرائضه.
__________
(1) وفي الدار "ورواه" وهو تصحيف.
(7/78)
ورأت جماعة التسوية بينهم، ليس في أخبارهم
ذكر الذكر والأنثى، هذا قول طاووس، وعطاء، والثوري.
قال أبو بكر: وأصح شيء عندي: التسوية بينهم.
(ح 1376) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سوّ".
3 - باب رجوع الوالد فيما يهب ولده الكبير
قال أبو بكر:
م 4327 - واختلفوا في رجوع الوالد فيما يهب ولده.
فقالت طائفة: له أن يرجع فيه، هذا قول الأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور.
وقالت طائفة: ليس له أن يرجع بحال: صغيراً كان الولد أو كبيراً.
هذا قول أصحاب الرأي، وعبيد الله بن الحسن.
وفيه قول ثالث: وهو "أن له أن يعتصر ما يعطي ولده، ما لم يستحدث الولد، من
أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه، دينا، فليس له أن يعتصر إذا كان هكذا"،
هذا قول مالك.
وهكذا لو كان تزوج على ذلك العطاء، فليس له أن يرجع فيه.
واختلفوا في رجوع الجد والجدة فيما يهبان لأولاد أولاد.
(7/79)
فقال مالك، وأصحاب الرأي: ليس لهما أن
يرجعا في ذلك.
قال أبو ثور: لهما أن يرجعا فيه.
قال أبو بكر: قول أبي ثور أصح.
4 - باب الزوج والمرأة يهب كل واحد منهما
لصاحبه
قال أبو بكر:
م 4328 - واختلفوا في الرجل والمرأة يهب كل واحد منهما لصاحبه.
فقالت طائفة: ذلك لازم لهما، وليس لأحد منهما الرجوع فيما يعطيه الآخر، هذا
قول عمر بن عبد العزيز، والنخعي، وربيعة، ومالك، والليث بن سعد، والثوري،
والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك قال عطاء بن أبي رباح، وقتادة، وأحمد بن حنبل في المرأة تهب لزوجها
بطيب نفس إنها لا ترجع.
وفيه قول ثان: وهو أن لها أن ترجع فيما أعطته، وليس له أن يرجع فيما
أعطاها، هذا قول شريح، والشعبي.
وحكى الزهري ذلك عن القضاة.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، استدلالاً بقوله
تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكَاحِ}.
(7/80)
(ح 1377) وبحديث ابن عمر، وابن عباس رضي
الله عنهما عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل لأحد يُعطي
عطيةً [2/ 213/ب]، ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يُعطي ولده".
م 4329 - واختلفوا فيما وهبه الرجل لامرأته.
فقالت طائفة: الهبة جائزة، وإن لم تقبضها، كذلك قال الحسن البصري، وحماد بن
أبي سليمان، وابن أبي ليلى.
وقال ابن شبرمة في المرأة يعطي (1) زوجها شيئاً-: ليس لها (2) شيء حتى
تقبضه، وهذا أحب إلى الثوري.
وقال الشعبي: لا تجوز هبة إلا مقبوضة.
5 - باب اختلاف أهل العلم في الهبات التي لم
تقبض
قال أبو بكر:
م 4330 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن من وهب عبداً بعينه، أو
داراً (3)، أو دابة بعينها، وقبضها الموهوب له بأمر
__________
(1) وفي الدار "تعطى".
(2) وفي الدار "له".
(3) "أو داراً" ساقط من الدار.
(7/81)
الواهب: أن الهبة صحيحة.
م 4331 - واختلفوا في الهبة، يهبها الرجل، ويقبلها الموهوب له الشيء.
فقالت طائفة: لا تتم الهبة إلا بالقبض، هذا قول إبراهيم النخعي، وسفيان
الثوري، والحسن بن صالح، وعبيد الله ابن الحسن، والشافعي، وأصحاب الرأي،
والمزني.
وروينا معنى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد اختلف عن مالك في هذه المسأله، فقال في الموطأ: "الأمر عندنا فيمن أعطى
أحدا عطية، لا يريد ثوبها، وأشهد عليها: أنها ثابتة للذي أعطيها إلا أن
يموت المعطي قبل أن يقبضها الذي أعطيها.
ومن أعطى عطية، لا يريد ثوابها، وأشهد عليها، ثم أراد أن يمسكها: فليس له
ذلك، فإذا قام عليها صاحبها أخذه".
وسئل عما يشتري الناس في حجهم من الهدايا لأهليهم، ثم يموت قبل أن يصل إلى
بلده: إن كان أشهد على ذلك رأيتُهُ لمن اشتراه، وإن لم يشهد فهو ميراث.
وكان أبو ثور يقول: الهبة تتم بالكلام، دون القبض، وهو مثل البيع، ينعقد
بالكلام، وقد روينا معنى هذا الكلام عن الحسن البصري.
وكذلك قال حماد بن أبي سليمان، وأحمد بن حنبل في هبة الرجل لزوجته: أنها
إذا علمت فهي جائزة.
م 4332 - واختلفوا في الموهوب له يقبض الهبة بغير أمر الواهب.
(7/82)
ففي قول الشافعي، وأصحاب الرأي: ليس له قبض
ذلك بغير أمر الواهب، وإن قبضها: كان باطلاً [2/ 214/ألف].
وكان أبو ثور يقول: له أن يقبضه بأمر الواهب وبغير أمره.
6 - باب قبض الوالد من نفسه ما يهبه لولده
قال أبو بكر:
م 4333 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن الرجل إذا وهب لولده
الطفل دارا بعينها، أو عبدا بعينه، وقبضه له من نفسه، وأشهد عليه: أن الهبة
تامة، هذا قول مالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وروينا معنى ذلك عن شريح، وعمر بن عبد العزيز.
وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: أحق من يجوز على الصبي
أبوه.
7 - باب الوقف الذي يجوز فيه للمرأة ذات الزوج
الهبة والعطية
قال أبو بكر:
م 4334 - اختلف أهل العلم في الوقت الذي يجوز فيه للمرأة أن تهب من مالها
وتعطي.
فقالت طائفة: ليس للمرأة في مالها أمر حتى تلد، أو يحول عليها الحول في بيت
زوجها، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبه قال شريح،
والشعبي، وأحمد، وإسحاق.
(7/83)
وفيه قول ثان: وهو أن لها أن تهب إذا ولدت،
هذا قول النخعي.
وروينا عن الشعبي أنه قال: إذا حالت في بيتها حولاً: جاز لها ما صنعت.
وفيه قول رابع: وهو أن ليس لها أن تعطي شيئاً من مالها إلا يأذن زوجها، هذا
قول طاووس، وروينا هذا القول عن أنس بن مالك.
وقال مالك في البكر، تعطي من مالها، وهي في سترها (1)، ثم تتزوج فتزيد أن
ترجع فيما أعطت: إن ذلك لها، إلا أن يكون الشيء اليسير.
فإن هي تزوجت، ثم أقامت على التسليم، ثم أرادت أن ترجع فيما أعطت: لم يكن
لها ذلك.
وفيه قول سادس: وهو أن لا فرق بينهما وبين البالغ من الرجال، ْفما جاز من
عطايا الرجل البالغ الرشيد: جاز من عطاياها، هذا قول سفيان الثوري،
والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروينا معنى ذلك عن عطاء بن أبي رباح.
قال أبو بكر: وبه نقول.
(ح 1378) وقد ثبت أن نبي الله "خرج يوم فطر، فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء
ومعه بلال، فأمرهن يالصدقة".
وليس شيء من الأخبار [2/ 214/ب] أنهن استأذن أزواجهن، أو من كان لها منهن
زوج.
__________
(1) وفي الدار "في منزلها".
(7/84)
8 - باب هبة الرجل
دينا له علي رجل آخر (1)
قال أبو بكر:
م 4335 - كان مالك يجيز أن يهب الرجل دينا له على آخر إذا أشهد ويدفع كتاب
ذكر الحق إليه، إن كان له كتاب، وإن لم يكن له كتاب وأشهد على ذلك، وأعلن
به: فهو جائز.
وقال أبو ثور: ذلك جائز، أشهد أو لم يشهد، إذا اتفقا على ذلك.
وفيه قول ثالث: وهو أن الهبة غير جائزة، هذا قول الحسن ابن صالح، وهو مذهب
الشافعي.
قال أبو بكر:
م 4336 - فأما إذا وهب الرجل ماله على الرجل، وقبله منه، وأبرأه، وقبل
البراءة: فذلك جائز، لا أعلم فيه اختلاففاً.
9 - باب الهبة على الثواب، واختلاف أهل العلم
فيه
قال أبو بكر:
م 4337 - واختفوا في الهبة، يريد الواهب الثواب.
فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: هي ردّ على صاحبها، أو يثاب منها،
وروينا معنى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عه، وفضالة بن عبيد، وبه قال
مالك بن أنس.
__________
(1) وفي الدار "على آخر لرجل".
(7/85)
وقال طائفة: لا تجوز الهبة على ثواب لا
يسميه عند الهبة، هذا قول الشافعي رواه عنه أبو ثور، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا وهبه عبدا على أن يعوضه شيئاً معلوما فهو بمنزلة
البيع إن أراد أحدهما منع صاحبه من الشيء: كان له فإن تقابضا فليس لواحد
منهما رجوع، فإن وجد أحدهما بما قبض عيباً رده.
10 - باب الغائب يُهدى له، أو يوهب له
قال أبو بكر:
م 4338 - واختلفوا في الغائب، يُهدى له هدية، أو يوهب له هبة.
فكان مالك يقول: إن كان أشهد عليها، أو أبرزها ودفعها إلى من يدفعها إليه:
فهي جائزة له.
وفيه قول ثان: وهو إن كان الذي أهدى (1) إليه مات بعدما فُصلت (2) الهدية
فهي لورثة الذي أهدى له، وإن كان مات (3) الذي أهدي له من قبل أن تُفصل،
فإنها ترجع إلى ورثة الذي أهدى
الهدية.
هذا قول عبيدة السلماني.
__________
(1) وفي الدار "دفعها".
(2) وفي الدار "وصلت".
(3) "فهي لورثة الذي أهدى له وإن كان مات" ساقط من الدار.
(7/86)
وقال الحارث، وحماد بن [2/ 215/ألف] أبي
سليمان، في رجل أهدى إلى رجل هدية، وهو غائب، فمات المهدي إليه- فقالا:
الهدية لورثته، لأنه شيء (1) قد كان أمضاه.
وفيه قول ثالث: وهو أن الهدية إن كان بعث بها المهدي مع رسوله فمات الذي
أهدي إليه فإنها ترجع إليه، وإن كان أرسل بها مع رسول الذي أهدي إليه، فمات
المهدي إليه: فهي لورثته.
هذا قول الحكم، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول رابع: وهو أن الهبة (2) لا تتم إلا بالقبض من الموهوب له (3)، أو
وكيله، هذا مذهب الشافعي.
فعلى هذا القول، أيهما مات فهي راجعة إلى الواهب، أو إلى ورثته.
11 - باب مسائل من كتاب الهبات
قال أبو بكر:
م 4339 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن حكم الهبات في المرض
الذي يموت فيه الواهب: حكم الوصايا، ويكون من الثلث إذا كانت مقبوضة، هذا
على مذهب المدني (4)، والشافعي، والكوفي.
__________
(1) "شيء" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "الهدية".
(3) "له" ساقط من الدار.
(4) في الأصلين "المزني" والصحيح ما أثبته.
(7/87)
م 4340 - وإذا وهب المسلم للذمي، أو وهب
الذمي للمسلم ما يجوز أن يملكه المسلم، وقبض ذلك الموهوب له (1)، وكان
الشيء مفروزاً معلوماً: فالهبة جائزة، في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور،
والكوفي.
م 4341 - وإذا وهب رجل لرجلين دارا، قبضاها، فالهبة جائزة.
وكذلك لو وهب رجلان لرجل دارا، فقبضها: جاز، وهذا على مذهب مالك، والشافعي.
وقال النعمان لي الرجل يهب الدار للرجلين، ويدفعها إليهما من غير قسم: إن
الهبة غير جائزة.
وقال يعقوب، ومحمد: ذلك جائز.
م 4342 - وإذا وهب الرجل لرجلين مائة درهم، أو مائة دينار، أو مائة شاة،
ودفع ذلك إليها، وقبضاها، لم يجز، في قول النعمان.
وهو جائز، في قول مالك (2)، والشافعي، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد.
م 4343 - ولا يجوز أن يهب المكاتب هبة بغير إذن مولاه، في قول الشافعي،
وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وكذلك العبد وأم الولد.
م 4344 - وإذا وهب الرجل ما على ظهور غنمه من الصوف، أو ما في ضروعها من
اللبن: لم يجز ذلك في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
__________
(1) "له" ساقط من الدار.
(2) "مالك" ساقط من الدار.
(7/88)
م 4345 - فإن أمره بجزّ الصوف، أو حلب
اللبن، وقبض ذلك: فهو جائز، في قول أصحاب الرأي [2/ 215/ب] قالوا: يستحسن
ذلك.
م 4346 - وإذا وهب العبد المأذون له في التجارة هبة، لم يجز في قول
الشافعي، وأبي ثور، وإن أجاز ذلك السيد: لم يجز.
وقال أصحاب الرأي: إذا أجاز ذلك السيد: جاز إن لم يكن عليه دين، فإن كان
عليه دين: لم يجز.
م 4347 - وإذا وهب الرجل ما لم يُخلق، مثل أن يهبه ثمرة نخلة، أو شجرة، أو
ما في بطن أمته، أو ما تنتج ماشيته، أو ما أشبه ذلك، مما لم يكن ذلك
موجوداً (1)، فهو غير جائز، في قول الشافعي، وأبي ثور والكوفي.
قال أبو بكر (2): وبه نقول.
م 4348 - واختلفوا في الرجل يهب للرجل الجارية، ويستثنى ما في بطنها
ويُقبضه الجارية.
ففي قول أبي ثور: ذلك جائز.
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعتق جارية، واستثنى ما في بطنها.
وبه قال النخعي، وأحمد، وإسحاق في البيع والعتق، وبه قال أبو ثور.
__________
(1) "مما لم يكن ذلك موجوداً" ساقط من الدار.
(2) "قال أبو بكر" ساقط من الدار.
(7/89)
وقال أصحاب الرأي في الهبة: إنها جائزة،
وما في بطنها للموهوبة له والاستثناء باطل.
م 4349 - وإذا وهب الرجل عبداً مأذوناً له في التجارة، وعليه دين من رجل:
فالهبة جائزة في قول الشافعي، وأبي ثور.
ولا تجوز الهبة في قول أصحاب الرأي، والدين عندهم في رقبة العبد، فلذلك
قالوا: لا يجوز أن يوهب العبد.
م 4350 - وإذا وهب الرجل للرجل دُهنَ سمسمه هذا قبل أن يعصر، أو زيت
زيتونة: لم يجز في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
وهو جائز على مذهب الشافعي.
م 4351 - وقال سفيان الثوري: ولا رجوع في هبة، إلا عند قاض.
وقال ابن أبي ليلى: يرجع دون القاضي، وبه قال إسحاق.
وفي قول الشافعي، وأبي ثور: ليس لأحد أن يرجع فيما يهب، وصحت الهبة، إلا
الولد فيما يهب لولد.
(7/90)
|