الإشراف على مذاهب العلماء

83 - كتاب العمرى والرُّقبى
قال أبو بكر:
(ح 1379) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرى لمن وُهبت له".
م 4352 - وقد اختلف أهل العلم في العُمرى.
فقالت طائفة: بظاهر أخبار جابر، إن العمرى لمن أُعمرها حياً وميتاً ولعقبه، روينا هذا القول عن جابر بن عبد الله، وابن عمر رضي الله عنهما.
وقال شريح: العمرى ميراث لأهلها.
وقال طاووس: العمرى جائزة ويقضى بها.

(7/91)


وقال مجاهد: العمرى لمن [2/ 216/ألف]، أُعمرها، ولوارثه، والرقبى مثلها.
وقال أحمد في العمرى: إذا قال هذا الشيء لك، حياتك، فهو له حياته وموته.
وبه قال أصحاب الرأي، والحسن بن صالح.
وقال الشافعي - رحمه الله-: إذا قال: هي عمرى له ولعقبه، فهي للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها.
وقالت طائفة: إذا أُعمر الرجل عُمرى، فهي له ما عاش، ثم ترجع إلى أهلها.
وإن أُعمر رجل عمرى، هو وحده، منه له ما عاش، ثم ترجع إلى أهلها، وإذا أُعمر عُمرى له [[ولولده]]، منه لهم، فإذا انقرضوا ترجع إلى صاحبها الأول، هذا قول القاسم بن محمد، ويزيد بن
قُسيط.
وقال القاسم (1): "ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا".
وذكر مالك حديث القاسم، قال مالك: وعلى هذا العمل.
وقال أبو ثور: إذا قال: أعمرتك وعقبك، فهي له ولعقبه، وإن لم يقل ذلك: رجعت إذا مات المُعْمَر إلى المُعْمِر (2)، أو إلى ورثته.
م 4353 - واختلفوا في الرجل يقول: هي لك حياتك، ثم هي لفلان.
__________
(1) وفي الدار "وقال ابن القاسم".
(2) "إلى المعمر" ساقط من الدار.

(7/92)


فقال الزهري: هو على شرطه.
وقال قتادة: هي لورثة الأول.

1 - باب الرُّقبى
قال أبو بكر:
(ح 1380) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العُمرى جائزة لمن أعمرها، والرُّقبى جائزة لمن أرقبها".
م 4354 - وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: الرقبى أن تقول هي للآخر مني ومنك موتاً، وبه قال طاووس، وعروة بن الزبير.
وبه قال أبو عبيد، قال: وأصله من الراقبة.
وقال قتادة: الرقبى أن يقول: كذا وكذا لفلان وإن مات فهو لفلان (1).
435 - واختلفوا في الرقبى.
__________
(1) "وإن مات فهو لفلان" ساقط من الدار.

(7/93)


فروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الرُقبى والعمرى سواء، وبه قال الثوري.
وقال أحمد: هو أن يرقبه (1) بها، يقول: إن متُّ فهي لك، أو راجعة إليّ، فهذا مثل العمرى، لا يرجع إلى الأول أبداً، وبه قال إسحاق.
وقال ابن عباس: من أرقب شيئاً فهو له.
وقال طاووس: من أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث.
وقال الزهري: هي وصية.
وقال ابن الحسن: إذا قال: داري لك رقبى فهو باطل.
وإذا قال رجل [2/ 216/ب]،لرجلين، عبدي هذا لأطولكما حياة، قال: هذا باطل وهو الرقبى، وبه قال النعمان ومحمد.

2 - باب السكنى
قال أبو بكر:
م 4356 - اختلف أهل العلم في الرجل يُسكِن الرجل مترلاً حياته.
فقال الشعبي، وإبراهيم النخعي: ترجع إلى أهلها.
وقال الثوري: يرجع فيها صاحبها إن شاء.
__________
(1) وفي الدار "يراقبه".

(7/94)


وقال أحمد، وإسحاق: يرجع في السكنى، ولا يرجع في [[العُمرى]] والرُّقبى.
وهذا يشبه مذهب الشافعي في السكنى: أنها عارية، متى شاء رجع فيها، وإن مات المُسكَّن رجع إلى الُمسكِّن.
روي معنى هذا عن حفصة رضي الله عنها.
وقال مالك في الرجل يسكن الرجل الدار حياته، فريد أن يكريها، فقال: يكريها قليلاً قليلاً.
وقال عطاء، والحسن، وادة: إذا قال: هذه الدار سكنى لك ما عشت: فهي له، ولعقبه.
وقال الشعبي: إذا قال الرجل للرجل: داري هذه لك سكنى حتى تموت، فإنها له حياته وموته، وإذا قال: هذه اسكنها حتى تموت، فإنها ترجع إلى صاحبها.
وقال الثوري: إذا قال: هي لك سكنى، رجعت، وإذا قال: هي لك أسكنها، فإنها جائزة له أبداً، إنما هو كالتعليم أبدا منه.
وقال النعمان في الرجل يقول للرجل: هذه لك هبة سكنى، ودفعها إليه، قال: هذه عارية، وإن قال: هي لك هبة سكنى، فهي هبة، وإن قال: هي لك سكنى هبة، فهي سكنى.

(7/95)


م 4360 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا قال: قد جعلت لك هذه الدار فأقبضها، أو هذا العبد فأقبضه، قالوا: هذه هبة.
م 4361 - وقال أبو ثور: إذا قال: داري لك سكنى ولعقبك من بعدك، فهو كما قال: وهذه ترجع إذا انقضى ما قال.
وقال أصحاب الرأي: هذه عارية، فله أن يرجع متى شاء فيأخذها.
م 4362 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا وهب رجل لرجل عبدا، على أن يعتقه، فقبضه (1) الموهوب له على ذلك، فالهبة جائزة، والشرط باطل.
م 4363 - وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: إذا وهب رجل لرجل عبداً مريضاً [2/ 217/ألف] به جرح، فداواه الموهوب له حتى برأ، إنه لا يرجع فيه، وكذلك إن كان أصم فسمع، أو أعمى فأبصر.

3 - باب هبة المريض
قال أبو بكر:
(ح 1381) ثبت "أن رجلاً أعتق ستةَ أعبُدٍ له عند موته، ولم يكن له مالٌ غيرهم، فبلغ ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم -، فقال لهُ قولاً شديداً، ثم دعاهم فجزّأَهم، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة".
__________
(1) وفي الدار "فقبله".

(7/96)


قال أبو بكر:
م 4364 - إذا وهب الرجل وهو مريض لرجل عبداً، لا مال له غيره، وقبل ذلك الموهوب له وقبضه، ثم مات الواهب من مرضه، فللموهوب له، ثلث العبد، ولورثة الواهب ثلثا العبد.
م 4365 - فإن كانت المسأله بحالها وعوض الموهوب له الواهب عوضاً من هبته، فللموهوب له من العبد ثلثه، في قول أبي ثور، وثُلثاه لورثة الواهب.
وقال أصحاب الرأي: إذا كان في العوض قيمة الهبة، أو أكثر، فالهبة جائزة، والعوض جائز.
وإن كان بقدر نصف القيمة، ورجع الورثة في سدس العبد، وإن كره الموهوب له ذلك، رجع في العوض وترجع الورثة في العبد إذا كنت الهبة على عوض وإن لم تكن الهبة على عوض رجع في
السدس.
م 4366 - وإذا وهب رجل لرجل داراً في مرضه، ولا مال له غيرها، فقبضها الموهوب له، ثم مات الواهب.
كان للموهوب له ثلث الدار، وللورثة ثلثا الدار، وهذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر (1): وأصحاب الرأي لا يجيزون هبة المشاع، وقد أجازوها في هذا الموضع.
__________
(1) وفي الدار "وقال أبو ثور".

(7/97)


م 4367 - وقال أبو ثور: وإذا وهب رجل لرجل مريض جارية (1)، وقبضها، ولا مال له غيرها، فالثلث له والثلثان للمريض بحاله.
فإن أعتق الموهوب له الجارية، وكان موسراً، ضمن ثلثي قيمتها للواهب، وإن كان معسراً كان الثلث من الجارية حرا وثلثاها رقيقاً.
وإن كاتبها كانت الكتابة جائزة في الثلث ويبطل الثلثان.
وإن دبرها كذلك، فإن مات عتق منها ثلثها، وبقي ثلثاها.
وإن وطئها وكان لا يعذر [2/ 217/ب] بالجهالة، حُدّ ولم يلحق به الولد، وكذلك تحد الجارية إن علمت أن هذا لا يحل، ولا مهر لها.
وإن كان من يعذر بالجهالة لزمه ثلثا الصداق، وكان الولد ولده، وكنت الجارية أم ولد له، وعليه ثلثا (2) قيمة الولد إن كان موسراً، وإن كان معسراً كان ثلثا الأمة رقيقا للواهب، وثلث للموهوب له:
حكمها حكم أم الولد، لا تباع، وتستخدم، ولا توطأ لأنه لا يملك الرقبة كلها، وثلثا ولده رقيق، وثلثه حر، وعليه من العقر (3) ثلثاه، وثلث يسقط عنه لعلة ملكه.
وقال أصحاب الرأي: إذا باعها أو دبرها، أو كاتبها، أو وهبها، أو وطئها فجاءت بولد، ثم مات الواهب: كان عليه ثلثا قيمتها.
وقالوا: إذا أعتقها وهو معسر، فلا سبيل لهم على الجارية، وعلى الموهوب له ثلثا قيمتها ديناً عليه.
__________
(1) وفي الدار "رجل مريض جارية".
(2) " ثلثا" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "الثمن" وهذا تصحيف.

(7/98)


م 4368 - وقال أبو ثور: إذا وهب رجل لرجل عبداً، وهو مريض، ولا مال له غيره والموهوب له مريض، فمات الواهب، ثم مات الموهوب له، كان ثلثا العبد لورثة الواهب، وثلثه لورثة الموهوب له.
وإن كان الموهوب له أعتق العبد في مرضه، ولا مال له غيره: كان ثلثا الثلث لورثة الموهوب له، ويعتق منه ثلث الثلث.
وإن كان على الموهوب له دين يحيط بماله في العبد: كان عتقه باطلاً، وكان ثلثه يباع في دينه، ولا يجوز عتقه وعليه دين.
قال أبو بكر: وهذا فول مالك.
وقال أصحاب الرأي: إذا أعتقه الموهوب له في مرضه، ولا مال له غيره، فعتقه جائز، وثلثا القيمة دين عليه (1)، ويسعى العبد بعد ذلك فيما بقي لورثة الموهوب.
فيكون العبد يسعى في ثمانية أتساع قيمته، وتكون وصيته تسع قيمته.
م 4369 - وقال أبو ثور: إذا وهب رجل لرجل عبدا في مرضه، وهو ثلث ماله، ثم عدا الموهوب له (2) على الواهب، فقتله، كانت الهبة جائزة، وكان لورثة الواهب أن يقتلوا الموهوب [2/ 218/ألف] له، أو يأخذوا الدية منه.
وقال أصحاب الرأي: الهبة مردودة إلى ورثة الواهب لأن الموهوب له قاتل، فلا تجوز له وصية.
قال أبو بكر: قول أبي ثور أصح.
__________
(1) "عليه" ساقط من الدار.
(2) "له" ساقط من الدار.

(7/99)


م 4370 - وقال أبو ثور: إذا وهب رجل لرجل عبداً، وهو ثلث ماله، فعدا العبد على الواهب، فقتله، فإن لورثة الواهب أن يقتلوه إن شاؤوا، وإن اختاروا الدية يقال للموهوب له: إما أن تسلمه،
وإما أن تفديه، فإن فداه (1) فهو له، وإن أسلمه (2) بالدية كان ميراثاً بينهم.
__________
(1) وفي الدار "أسلمه"
(2) وفي الدار "فداه".

(7/100)