الإشراف على مذاهب العلماء

88 - كتاب الحدود
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} الآية.
وقال جل ثناؤه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} الآية.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ [2/ 248/ب] اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية.
وقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} إلى قوله: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} الآية.
(ح 1433) وثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بأنه حرم الزنى.
م 4698 - وأجمع أهل العلم على تحريم الزنى.

(7/249)


1 - باب أول بدء في عقوبة الزاني، ونسخ ذلك
قال الله عز وجل: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ...} الآية.
م 4699 - كان ابن عباس يقول: كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت، حتى تموت، ثم أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ بعد ذلك: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ...} الآية.
(ح 1434) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "خذوا عني، فإن الله قد جعل لهن سبيلاً: الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب بالثيب يجلد ثم يرجم والبكر بالبكر يجلد ثم ينفى".

2 - باب إثبات الرجم على الثيب الزاني
قال الله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...} الآية.
وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}.

(7/250)


فقد ألزم الله تعالى خلقه طاعة رسوله.
(ح 1435) وثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالرجم ورجم.
(ح 1436) وقال عمر: "رجم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ورجمنا بعده".
م 4700 - وفعل ذلك بعد عمر علي بن أبي طالب.
قال: فالرجم ثابت بسنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وباتفاق عوام أهل العلم عليه.
منهم مالك، وأهل المدينة، والأوزاعي، وأهل الشام. وسفيان الثوري، وسائر أهل العراق.
وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنعمان، ومحمد.
وهو قول عوام أهل الفتيا من علماء الأمصار.

(7/251)


3 - باب وجوب الجلد مع الرجم على الثيب الزاني والاختلاف فيه
قال أبو بكر:
م 4701 - اختلف أهل العلم في إيجاب الجلد مع الرجم.
فقالت طائفة: يجلد بكتاب الله، وهو قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، ويرجم بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وممن استعمل هذا علي بن أبي طالب، وبه قال الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة: الثيب يرجم ولا [2/ 249/ألف] يجلد.
هذا قول النخعي، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لأن ما هو ثابت بكتاب الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا يجوز تركه بغير حجة، ولا يجوز أن يزال اليقين إلا بيقين مثله، ولا يزول بشك.

(7/252)


4 - باب حد البكر الزاني
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.
(ح 1437) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:"أوجب على البكر الزاني جلد مائة".
م 4702 - وأجمع أهل العلم على القول به (1).
فالقول به يجب، للكتاب والسنة، والإتفاق.

5 - باب الإحصان الذي يوجب الرجم على المحصن الزاني
قال أبو بكر:
م 4703 - أجمع أهل العلم على أن الحر المسلم إذا تزوج امرأة مسلمة تزويجاً صحيحاً، ودخل بها، ووطئها في الفرج: أنه محصن، يوجب عليه وعليها، إذا كانت حرة، وزنيا: الرجم.
م 4704 - واختلفوا فيمن وطئها بنكاح فاسد.
__________
(1) "على القول" ساقط من الدار.

(7/253)


فقال أكثر أهل العلم: لا يكون محصناً.
كذلك قال عطاء، وقتادة، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور: هو محصن، عليه الرجم إذا زنى، وكذلك المرأة.
وذكر أن حكم النكاح الفاسد: حكم النكاح الصحيح في وجوب المهر، وإلزام الولد، ووجوب العدة، وتحرم به الربيبة وأم الولد.
والقياس: على الأكثر شبهاً.

[مسألة] (1)
قال أبو بكر:
م 4705 - وأجمع أهل العلم على أن المرء لا يكون بعقد النكاح محصناً، حتى يكون معه الوطء.

6 - [باب الذمية تكون تحت المسلم] (2)
قال أبو بكر:
م 4706 - واختلفوا في الذمية تكون تحت المسلم، هل تحصنه أم لا؟.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) ما بين المعكوفين من الدار.

(7/254)


فقال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وسليمان بن موسى، والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور: وإذا دخل بها فهو محصن.
وقالت طائفة: لا تحصنه. هذا قول الشعبي، وعطاء، ومجاهد، والنخعى، والثوري، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
(ح 1438) وقد ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "رجم يهودياً ويهودية".
ولا يرجم إلا محصنين.
وإذا كانت محصنة فهي تحصنه.

7 - [باب الأمة تكون تحت الحر] (1)
قال أبو بكر:
م 4707 - واختلفوا في الأمة تكون تحت الحر.
__________
(1) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، وهذا من الدار.

(7/255)


فقال سعيد بن المسيب، وعبد الله بن عتبة، والزهري [2/ 249/ ب]، ومالك، والشافعي: إذا وطئها فهو محصن.
وقال عطاء، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: لا تحصنه.

8 - [باب الحرة تكون تحت العبد] (1)
قال أبو بكر:
م 4708 - واختلفوا في الحرة تنكح العبد:
فقالت طائفة: يحصنها العبد، كذلك قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
وقال النخعي وعطاء، وأصحاب الرأي: لا يحصن العبد الحرة.
قال أبو بكر (2): وبالقول الأول أقول.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) "قال أبو بكر" ساقط من الدار.

(7/256)


9 - [باب الصبية والمعتوهة] (1)
قال أبو بكر:
م 4709 - واختلفوا في الرجل يطأ الصبية التي لم تبلغ المحيض.
فقال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور: تحصنه.
وقال أصحاب الرأي: لا تحصنه.
م 4710 - وفي قول الشافعي: تحصنه المغلوبة على عقلها، إذا جامعها بالنكاح.
م 4711 - وكان مالك يقول: الصبي إذا كان مثله يجامع، وجامع امرأته لا يحصنها.
وبه قال أصحاب الرأي، وفي قول الشافعي: يحصنها.

10 - [باب إحصان العبيد والإماء] (2)
قال أبو بكر:
م 4712 - واختلفوا في إحصان العبيد والإماء.
فكان مالك يقول: لا تحصن المرأة الحرة العبد، إلا أن يعتق، وهو زوجها، فيمسها بعد عتقه.
وقال في الأمة تكون تحت الحر فتعتق وهي تحته، قبل أن يفارقها: أنه يحصنها إذا كانت عتقت وهي عنده، إذا أصابها بعد العتق.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) ما بين المعكوفين من الدار.

(7/257)


وبه قال أصحاب الرأي.
وقالت طائفة: إذا كانا مملوكين، زوجين، فعتقا، ثم وطئها بعد العتق، لا رجم على واحد منهما إن زنى (1).
لأن أصل نكاحهما كان في الرق، هذا قول الأوزاعي.
وفيه قول ثالث: وهو أن الأمة إذا كانت تحت حر أو عبد، وقد دخل بها، فإنها محصنة، وعليها الرجم إذا زنت، إلا أن يكون إجماع يخالف هذا القول، فلا ترجم للإجماع، هذا قول أبي ثور.

11 - [باب إحصان أهل الكتاب] (2)
قال أبو بكر:
م 4713 - واختلفوا في الكتابيين الزوجين يسلما، وقد أصابها الزوج قبل أن يسلما.
فقالت طائفة: ذلك إحصان، وعليهما الرجم إذا زنيا.
هذا قول الزهري، والشافعي.
وقالت طائفة: لا يكونان محصنين، حتى يجامعها بعد الإِسلام، هذا قول أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: والذي يكون به الرجل محصناً أن يتزوج المرأة
__________
(1) وفي الدار "زيد".
(2) ما بين المعكوفين من الدار.

(7/258)


نكاحاً صحيحاً، ويطأها حرة، مسلمة أو ذمية، أو أمة مسلمة، ويطأها بعد عقد النكاح، إذا فعل ذلك كان محصناً.
وكل زوج ثبت نكاحه، فهو يحصن المرأة الحرة.

12 - باب الحفر للمرجوم
قال أبو بكر:
م 4714 - واختلفوا في الحفر للمرجوم.
فرأت طائفة: أن [2/ 255/ألف] يحفر له، روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب، وبه قال قتادة، وأبو ثور.
وقال أحمد بن حنبل: أكثر الأحاديث على ألا يحفر له.
وقال أصحاب الرأي: لا يحفر له.
وقالوا: إن حفر للمرأة فحسن، وإن ترك فحسن.
وقال يعقوب: يحفر لها.
م 4715 - وأجمع أهل العلم على أن المرجوم يدام عليه الرمي حتى يموتُ.

13 - باب عدد الطائفة التي تحضر عذاب المرجوم
قال أبو بكر:
م 4716 - روينا عن ابن عباس انه قال: الطائفة، الرجل فما فوقه،

(7/259)


وبه قال مجاهد.
وفيه قول ثان: وهو أن الطائفة رجلان، هذا قول عطاء، وإسحاق.
وفيه قول ثالث: وهو أن الطائفة ثلاثة، هذا قول الزهري، والشافعي.
وللشافعي قول ثان: وهو أن الطائفة أربعة.
هذا قول مالك، والقول الأول قاله الشافعي في كتاب صلاة الخوف.
وقال ربيعة: الطائفة ما زاد على أربعة.
وفيه قول سادس: وهو أن الطائفة عشرة، هذا قول الحسن البصري.
وقال قتادة في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال: نفر من المؤمنين.
قال أبو بكر: والطائفة: الجماعة، وقد يقع هذا الاسم على الواحد، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى آخر الآية.

(7/260)


يدل على صحته (1) [الآية التي بعدها] (2)، وهو قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}.
مع الأخبار التي جاءت في ذلك.

14 - باب حضور الإمام المرجوم
قال أبو بكر:
م 4717 - واختلفوا في حضور الإمام المرجوم.
فروينا عن علي رضي الله عنه انه قال: إذا ظهر الحبل من الزنا، كان أول من يرجم الأمام، ثم الناس، وإذا قامت البينة رجمت البينة، ثم رجم (3) الناس.
وقال أحمد: سنة الاعتراف أن يرجم الإمام، ثم الناس.
وفيه قول ثان: وهو أن الإمام لا يحضر المرجوم، وللشهود، لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد رجم رجلاً وامرأة، ولم يحضرهما.
هذا قول الشافعي.
قال أبو بكر: هكذا أقول، وإن حضر الإمام فلا شيء عليه.
__________
(1) وفي الدار "صحة".
(2) ما بين المعكوفين من الدار.
(3) "رجم" ساقط من الدار.

(7/261)


15 - باب إقامة الحد على الحبلى بعد وضع حملها (1)
قال أبو بكر:
م 4718 - أجمع أهل العلم على أن المرأة إذا اعترفت بالزنى، وهي حامل: أنها لا ترجم حتى تضع [2/ 250/ب] حملها.
(ح 1439) وجاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال لولي الجهينية التي اعترفت بالزنى: "إذا وضعت فأخبرني، ففعل، ثم أمر بها فرجمت".
م 4719 - وقد اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أن الحبلى لا ترجم حتى تضع حملها في الوقت الذي ترجم، بعد وضع حملها.
فقالت طائفة: لا ترجم حتى تضع، ثم ترجم إذا وضعت.
فعل ذلك علي بن أبي طالب شراحة.
وبه قال الشعبي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
وقال أحمد، وإسحاق: تترك حتى تضع ما في بطنها، ثم تترك حتى تفطمه حولين.
وقال أصحاب الرأي: حتى تلد وتتعالى من نفاسها، ثم يقيم عليها الحد، فإن كان رجم: رجمت حين تضع.
__________
(1) وفي الدار "بعد ما تضع الحمل".

(7/262)


قال أبو بكر: لا أعلم مع من منع من إقامة الحد إذا وضعت حملها حجة.

16 - باب الإقرار بالزنا
قال أبو بكر:
م 4720 - اختلف أهل العلم في الإقرار الوجب لحد الزنى. فقالت طائفة: إذا أقر بالزنى مرة واحدة، وجب عليه الحد، هذا قول الحسن، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، والشافعي، وأبي ثور.
وقالت طائفة: لا يقام عليه الحد حتى يقر أربع مرار، هذا قول الحكم، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
م 4721 - واختلف الذين قالوا: لا يقام عليه الحد حتى يقر أربع مرار.
فقال ابن أبي ليلى، وأحمد: يحد إذا أقر أربع مرار، في مجلس واحد.
وقال أصحاب الرأي: إذا أقر أربع مرار في مجلس واحد، فهو بمنزلة مرة واحدة.
قال أبو بكر: الإقرار مرة واحدة يوجب الحد.
(ح 1440) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترف فارجمها".

(7/263)


(ح 1441) وكذلك خبر الجهينية: أقرت بالزنى، ولم تقر أربع مرار.
وإنما رد النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً لأنه شك في أمره، وقال:
(ح 1442) "هل بك جنون".
فليس في ذلك حجة يحتج بها فيمن أقر، ولا يشك في صحته.

17 - باب المعترف بالزنى، يرجع عن إقراره
قال أبو بكر:
م 4722 - واختلفوا في الرجل يقر بالزنى، ثم يرجع عنه.
فكان عطاء، ويحيى بن يعمر، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب، يقولون: يترك، ولا يحد.
واختلف عن مالك في هذه المسألة.
فذكر القعنبي عن مالك أنه قال: يقبل منه.
وقال ابن عبد الحكم: قال مالك: لا يقبل ذلك منه [2/ 251/ألف] وقال أشهب: قال مالك: إن جاء بعذر، وإلا لم يقبل ذلك منه.

(7/264)


وقال سعيد بن جبير: إذا رجع أقيم عليه الحد، وبه قال الحسن البصري، وابن أبي ليلى، وأبو ثور.
قال أبو بكر: لا يقبل رجوعه، ولا نعلم في شيء من الأخبار أن ماعزاً رجع.
وإذا وجب الحد بالاعتراف، ثم رجع، واختلفوا في سقوطه عنه لم يجز أن يسقط ما قد وجب بغير حجة.

18 - باب إقامة الحد بعد حين من الزمان، وبعد (1) أن يتوب الذي أصاب الحد
قال أبو بكر:
م 4723 - واختلفوا في إقامة الحد بعد مدة وزمان.
فقالت طائفة: يقام الحد، هذا قول مالك بن أنس، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وقال النعمان: إذا شهد الشهود على زنى قديم، لم أحده، وإذا أقر بزنى قديم أربع مرات، فإني أحده.
وقال محمد بن الحسن: إذا قذف رجلاً، فأتى به الإمام بعد زمان، يحده، وإن كان ذلك إقرار بسرقة- بعد زمان- لم يقطع.
وقالوا- في الزنى إذا تقادم-: كان على الزاني المهر.
وكل ذلك ترك منهم: إما لظاهر كتاب الله، أو سنة رسوله (2)، أو إثبات ما قد نفته السنة.
__________
(1) وفي الدار "وبغير".
(2) "رسوله" ساقط من الدار.

(7/265)


وأوجب الله تعالى حد الزاني، وقطع السارق في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فأبطلوا ذلك بغير حجة، ثم فرقوا بين الإقرار بالزنى وبين الشهادة عليه، وأوجبوا ما نهى عنه النبي- صلى الله عليه وسلم - من مهر البغي.

19 - باب إقامة الحاكم الحد بعلمه (1)
قال أبو بكر:
م 4724 - واختلفوا في إقامة الحاكم الحد بعلمه:
فقال مالك: لا يقيم حد الزنى الإمام بعلمه، وبه قال أصحاب الرأي.
وقال الشافعي: فيها قولان:
أحدهما: أن له أن يقضي بعلمه.
والآخر: لا يقضي بعلمه.
وقال أبو ثور- في القذف-: يحكم عليه الحاكم بعلمه، لأن علمه أكثر من الشهود.

20 - باب إقرار الحر الذمي بالزنى
قال أبو بكر:
(ح 1443) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "رجم يهودياً، ويهوديةً زنيا".
__________
(1) وفي الدار "بعلمه بغير بينة لغيره".

(7/266)


قال أبو بكر:
م 4725 - إذا أقر الذمي بالزنى، راضياً بحكمنا، حكمنا عليه بحكمنا على المسلمين.
وهذا على مذهب [2/ 251/ب] الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
غير أن أصحاب الرأي قالوا: يحد ولا يرجم.
وفي قول الشافعي، وأبي ثور: يرجمان إذا كانا محصنين.
وقال مالك- في الرجل- يوجد يزني بالمرأة النصرانية- قال: لا أرى على تلك حداً في دينها، وعلى الرجل المسلم حده (1).
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح، يدل على صحته السنة.
م 4726 - واختلفوا في النصراني يزني، ثم يسلم، وقد شهدت عليه بينة من المسلمين.
فحكي عن الشافعي أنه قال- إذ هو بالعراق- لا حد عليه، ولا تعزير، لقول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية.
قال أبو بكر: وهذا موافق لما حكي عن مالك.
م 4727 - وقال أبو ثور: إذا أقر، وهو مسلم، أنه زنى وهو كافر، أقيم عليه الحد.
وحكي عن الكوفي أنه قال: لا يحد.
__________
(1) وفي الدار "ولا على الرجل المسلم حده"، وزيادة (لا) هنا خطأ.

(7/267)


21 - باب الحدود فى تجتمع على الرجل، فيها القتل
قال أبو بكر:
م 4728 - اختلف أهل العلم في الحدود تجتمع على الرجل، فيها القتل.
فقالت طائفة: القتل كاف من ذلك كله. هذا قول عطاء، والشعبي، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان.
وبه قال مالك إلا الفرية فإنها تثبت على من قيلت له.
وفيه قول ثان: وهو أن الحدود إذا اجتمعت على الرجل- فيها القتل- فما كان للناس أقيد منه، وما كان لله فدعه القتل يمحو ذلك.
هذا قول سفيان الثوري.
وفيه قول ثالث: وهو أن الحدود تقام كلها. هذا قول الحسن البصري، وابن مليكة، والزهري، وقتادة، والشافعي.
وقال أحمد: كل شيء من حقوق الناس فإنه يقام عليه الحد، ويقتص منه، ثم يقتل- وبه قال إسحاق- وما كان من حقوق (1) الله فلا يقتص منه، مثل السرقة، وشرب الحمر.
وقال أبو ثور- في القذف، وشرب الخمر، والزنى، والسرقة- تقام عليه الحدود.
وقال أصحاب الرأي: إذا أقر بالزنى أربع مرار، وأقر بالسرقة، وبشرب الخمر، وأقر بقذف رجل، وأقر بفقء عين رجل عمداً: يؤخذ بذلك، ويبدأ بحقوق الناس.
__________
(1) وفي الدار "ديون الله".

(7/268)


قال أبو بكر: أصح ذلك إقامة الحدود كلها عليه، ولا يسقط من ذلك شيء بغير حجة.

22 - مسائل من باب الإقرار بالحدود
قال أبو بكر:
م 4729 - قياس قول الشافعي أن الأخرس يحد إذا أقر بالزنى، بالإشارة [2/ 252/ألف] أو كتب ففهم عنه. وكذلك يلاعن بالإشارة.
وبه قال أبو ثور، وابن القاسم.
وقال أصحاب الرأي: لا يحد، لأنه لم يتكلم، وكذلك لو شهد عليه بذلك شهود.
قال أبو بكر: يحد، ويلاعن، إذا فهم ذلك عنه.
م 4730 - وإذا كان الرجل يجن ويفيق، فأقر في حال إفاقته بالزنى: حد في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وإن أقر أنه زنى في حال جنونه: لم يحد.
وإن أنكر فقال: زنيت في حال جنوني، وثبتت عليه بينة أنه زنى في حال إفاقته: حد في قولهم جميعاً.
م 4731 - وإذا أقر المحبوب أنه زنى، أو شهدت بذلك عليه بينة: لم يحد، وكان كذباً منه أو منهم. وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4732 - وإذا أقر الخصي الذي ليس بمجبوب، أنه زنى، أو شهدت عليه به بينة: حد في قولهم جميعاً.

(7/269)


وكذلك العنين.
قال أبو بكر:
م 4733 - وإذا أقر الرجل أنه زلنى بهذه المرأة بعينها، فقالت: ما زنى بي، ولكنه تزوجني. أو قالت: لا أعرفه:
ففي قول الشافعي، وأبي ثور: على الرجل الحد، لأنه مقر بالزنى.
وقال يعقوب: يدرأ عنه الحد، ويجعل عليه المهر للمرأة إذا قالت: تزوجني، وإن قالت: كذب ما زنى بي وما أعرفه، فلا حد على الرجل.

23 - باب صفة ضرب الزاني والقاذف
قال أبو بكر: قال الله تبارك وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} الآية.
(ح 1444) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال لرجل زنى ابنه: وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام.
(ح 1445) وقال - صلى الله عليه وسلم -: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام".

(7/270)


م 4734 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الجلد بالسوط يجب، والسوط الذي يجب أن يجلد به سوط بين السوطين.
للأخبار التي روينا عن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهما.
وبه قال الشافعي (1).
وروينا عن علي، وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما قالا: يضرب بالسوط. وبه قال مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 4735 - وقد اختلفوا في تجريد المجلود:
فرأت طائفة: أن يترك عليه ثوب واحد، ولا يجرد.
روينا هذا [2/ 252/ب] القول عن أبي عبيدة بن الجراح، وابن مسعود.
وممن رأى أن تترك على المجلود ثيابه: طاووس، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه جلد قاذفاً مجرداً، وبدد الضرب.
وفيه قول ثالث: وهو أن الإمام إن شاء جرده، وإن شاء ترك عليه ثيابه. هذا قول الأوزاعي.
وقال مالك: يترك على المرأة ما يواريها ويسترها.
م 4736 - واختلفوا في الحال التي يضرب عليها الرجال والنساء.
__________
(1) وفي الدار "الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي".

(7/271)


فروينا عن علي بن أبي طالب، ويحيى بن الجزار أنهما قالا: يضرب الرجال قياماً، والنساء قعوداً.
وممن قال: أن النساء يضربن قعوداً، الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، وأصحابه (1)، وأبو ثور.
وقال ابن جريج: سمعت أن المرأة تضرب قاعدة.
وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: الرجال يضربون قياماً.
وقال الثوري: سمعنا ذلك.
وقال مالك: يضرب الرجل والمرأة وهما قاعدان.
قال أبو بكر: ضرب الرجال قياماً، والنساء قعوداً: أحسن، وكيفما ضربوا أجزأ.
م 4737 - وروينا عن ابن مسعود أنه قال: لا يحل في هذه الأمة تجريد، ولا مد.
وبه قال الحسن البصري، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال الشافعي: لا يمد، وتترك له يداه يتقي بهما ولا يربط.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 4738 - وثبت أن عمر بن الخطاب أمر بضرب امرأة في حد، وقال: "لا
__________
(1) "وأصحابه" ساقط من الدار.

(7/272)


تخرقا جلدها" وهذا قال مالك بن أنس، والشافعي، وأبو ثور. وبه نقول.
م 4739 - وقد أتى عمر بن الخطاب برجل في حد فأتى بسوط بين سوطين، فقال: "أضرب ولا يرى ابطك، وأعط كل عضو حقه".
وممن قال: لا يخرج الضارب ابطه: علي بن أبي طالب، وأبو مجلز، وأبو ثور (1).
وقال عطاء: لا يرفع يده في الفرية.
وقد روينا عن عبد الملك أنه أمر الضارب أن يرفع يده حتى يرى إبطه.
قال أبو بكر: وبقول عمر، وعلي نقول.
م 4740 - وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: وقد أتي برجل
في حد: "اضرب، وأعط كل عضو حقه".
وقد روينا هذا القول عن علي، وابن مسعود، والنخعي.
م 4741 - وقال الشافعي: ويترك الجلاد الفرج والوجه ويتجنبهما (2).
وبه قال أصحاب الرأي، وقالوا: والرأس، وهذا قول
__________
(1) "وأبو ثور" ساقط من الدار.
(2) "ويتجنبهما" ساقط من الدار.

(7/273)


النعمان، ومحمد.
ووافقهما يعقوب [2/ 253/ألف] في الوجه والفرج (1)، وخالفهما في الرأس، فقال: يضرب الرأس.
وقال أبو ثور: لا يضرب الوجه والرأس.
قال أبو بكر:
م 4742 - ولا يكون الذي يقيم الحدود إلا مأمونا، عالماً باقامة الحدود.
روينا عن عمر بن الخطاب: أنه كان يختار للحدود رجلاً.
وهذا مذهب ربيعة، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وغيرهم من أهل العلم.
م 4743 - واختلفوا في التسوية بين ضرب الزنى، وضرب القذف، وشرب الخمر.
فقالت طائفة: جلد الزاني أشد من جلد الفرية والخمر.
هذا قول النخعي، وعطاء، وقتادة.
وقال الحسن البصري: "الزنى أشد من القذف، والقذف أشد من الشرب للخمر (2)، وبه قال الثوري.
وقال (3) أحمد، وإسحاق نحوا مما قال الحسن.
__________
(1) "والفرج" ساقط من الدار.
(2) "للخمر" ساقط من الدار.
(3) " قال" ساقط من الدار.

(7/274)


وقال الزهري: "يجتهد في جلد الزنى والفرية، ويخفف في الشرب.
وبمعناه قال الشافعي.
وقال مالك: رأيت أهل العلم يقولون في الضرب في الحدود، كلها سواء في الوجع.
قال أبو بكر:
م 4744 - الضرب بالسوط يجب في الحدود كلها.
ويكون السوط الذي يضرب به بين السوطين، كالذي رويناه عن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وليس في تجريد المجلود خبر يعتمد عليه، ولا يجرد المجلود، والمجلود عليه قميمه: مجلود عند أهل العلم.
ونزع ما يمنع من الألم؟ يجب.
والضرب الذي يجب أن يضرب المحدود: ضرب يكون مؤلماً، لا يجرح ولا يبضع، واسم الضرب يقع على هذا.
وليس في ضرب القاعد والقائم سنة فتتبع، وما كان أسهل على المضروب ضرب على ذلك، وأستر على المرأة أن تضرب وهي قاعدة، فالستر عليها أحب إلينا، وهو قول أكثر أهل العلم.
وقد أمر الله تعالى بجلد الزاني والقاذف، وليس مع من فرق فرأى أن ضرب بعضهم أشد من بعض حجة.
ويضرب على جميع أعضاء المضروب، إلا أن تمنع السنة من شيء فلا يضرب على ذلك العضو لمنع السنة من ذلك.

(7/275)


فما منعت السنة فيه: الضرب على الوجه:
(ح 1446) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه.
والضرب على الفرج ممنوع منه، لأن التلف يخاف منه.

24 - باب [2/ 253/ب] المضنوء يزني (1)
قال أبو بكر:
م 4745 - واختلفوا في المضنوء (2) يزني.
فقالت طائفة: يضرب بإثكال النخل، هذا قول الشافعي.
وقد روينا عن علي رضي الله عنه أنه جلد الوليد بن عقبة بسوط له طرفان أربعين جلده.
__________
(1) وفي الدار "باب النضوء في خلقته يزنى".
(2) وفي الدار "النضوء يزنى".

(7/276)


وأنكر مالك هذا، وتلا قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} الآية، وهذا مذهب أصحاب الرأي.
وقد احتج الشافعي لقوله:
(ح 1447) بحديث.
وقد تكلم في إسناده، والله أعلم.

24 - باب إقامة الحدود في المساجد
قال أبو بكر:
م 4746 - روينا عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-: أنهما أمرا بإخراج من عليه ضرب من المسجد.
وهذا على مذهب عكرمة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، وابن الحسن.

(7/277)


وقد روينا عن الشعبى: أنه ضرب يهودياً حداً في المسجد، وبه قال ابن أبي ليلى.
وفيه قول ثالث: وهو التسهيل في ضرب الدرة والدرتين في المسجد، ومنع إقامة الحدود فيه، هذا قول أبي ثور، وبنحوه قال ابن عبد الحكم.
قال أبو بكر: وهذا استحسان، ولا معنى له، والأكثر من أهل العلم على القول الأول.
ولا يبين لي أن يأثم من أقام الحدود في المسجد، لأني لا أجد الدلالة على ذلك.

25 - باب مبلغ التعزير
قال أبو بكر:
م 4747 - لم نجد في عدد الضرب في التعزير خبراً عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ثابتاً.
م 4748 - وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن للإمام أن يعزر في بعض الأشياء.
م 4749 - وقد اختلفوا في المقدار الذي يعزر الإمام من وجب عليه

(7/278)


التعزير: فكان أحمد، وإسحاق يقولان: لا يضرب فوق عشرة أسواط.
وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه أمر زيد بن ثابت أن يضرب رجلاً عشرة أسواط.
وروينا عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري، ألا يبلغ بنكال فوق عشرين سوطاً.
وروينا عنه قولاً ثالثاً، وهو: أنه لا يبلغ في تعزير أكثر من ثلاثين جلدة.
وفيه قول رابع: وهو ألا يبلغ في عقوبة أربعين، هذا قول الشافعي، والنعمان، وابن الحسن.
وفيه قول خامس [2/ 254/ألف]: وهو أن يضرب في التعزير خمسة وسبعين سوطا، هذا قول ابن أبي ليلى.
وفيه قول سادس: وهو أن التعزير على قدر الجرم، هذا قول مالك.
وقد روي عنه: أنه أمر بضرب مائة وحبس سنة، في باب من أبواب العقوبات.
وهذا مذهب أبي ثور، أن يضرب أكثر من الحد، إذا كان الجرم عظيماً.

(7/279)


26 - باب النفي
قال أبو بكر:
(ح 1448) ثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أنه أوجب على الزاني البكر جلد مائة وتغريب عامٍ".
قال أبو بكر: وبه نقول.
إذا أقر الرجل بالزنى، أو ثبتت عليه به بية: وجب جلده،
ونفيه عن البلد الذي أصاب فيه الزنى، حتى يكون عاماً مَنفياً
عن البلد الذي أصاب فيه الزنى.
م 4750 - وقد اختلفوا بعد ثبوت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في نفي الزاني.
فروينا عن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي-رضي الله عنهم-: أنهم رأوا نفي الزاني.
وبه قال أبي بن كعب، وابن عمر، وعطاء، وطاووس، ومالك، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.

(7/280)


وقالت طائفة: قليل عددها، ضعيف قولها، [إذ قولها] (1) خلاف سنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وسنن الخلفاء الراشدين من بعده، وخلاف سائر أهل العلم من علماء الأمصار،: كفى بالنفي فتنة، هذا قول النعمان، وابن الحسن.
م 4751 - واختلفوا في نفي العبيد والإماء.
فممن رأي نفيهما: ابن عمر، حد مملوكة له في الزنى (2) ونفاها إلى فدك، وبه قال الشافعي، وأبو ثور، أن العبد والأمة ينفيان.
وفيه قول ثان: وهو أن لا نفي على المملوك، كذلك قال الحسن، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) "في الزنى" ساقط من الدار.

(7/281)


م 4752 - واختلفوا في المسافة التي ينفى إليها الزاني.
فروينا عن عمر، وابن عمر: أنهما نفيا إلى فدك.
ونفى علي من الكوفة إلى البصرة.
وقال الشعبي: ينفيه من عمله إلى [[عمل]] غير عمله.
وقال ابن أبي ليلى: ينفى إلى بلد غير البلد الذي فجر بها.
وقال مالك: يغرب عاما في بلد ويحبس فيه لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه.
وقال إسحاق: كلما نفي من مصر إلى مصر جاز.
ويجزئ عند أبي ثور لو نفي إلى قرية أخرى، بينهما ميل أو أقل.
قال أبو بكر: هذا صحيح، وليس فيما رويناه عن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - دليل، على أن إماماً لو نفى إلى [2/ 254/ب] أقل من ذلك القدر لم يجز.

أبواب ما يوجب حد الزنى وما لا يوجب
28 - باب الرجل يطأ جارية زوجته وما يجب عليه (1)
قال أبو بكر:
م 4753 - اختلف أهل العلم في الرجل يطأ جارية زوجته.
فقالت طائفة: يرجم إذا كان محصنا، روينا هذا القول عن عمر، وعلي -رضي الله عنهما-.
__________
(1) "وما يجب عليه" ساقط من الدار.

(7/282)


وبه قال عطاء، وقتادة، ومالك (1)، والشافعي.
وقال الزهري، والأوزاعي قولاً ثانياً: يجلد ولا يرجم (2).
وفيه قول ثالث: "وهو أنه (3) إن كان استكرهها: عتقت، وغرم لها مثلها، وإن كانت طاوعه، أمسكها، وغرم لها مثلها".
روينا هذا القول عن ابن مسعود.
وفيه قول رابع: قاله النخعي قال: يعزر، ولا حد عليه.
وقال أصحاب الرأي: إن أقر بذلك: يحد، وإن قال: ظننت أنها تحل لي: لم نحده.
قال أبو بكر:
(ح 1449) وقد روينا في هذا أول حديناً مسنداً.
كالذي رويناه عن ابن مسعود، وبه قال الحسن البصري.
__________
(1) "ومالك" ساقط من الدار.
(2) ما بين المعكوفين من الدار، وفي الأصل "يرجم ولا يجلد".
(3) "أنه" ساقط من الدار.

(7/283)


قال أبو بكر: يحد إن كان عالما أو جاهلاً (1) بتحريم الله الزنى، ولا يثبت خبر سلمة بن المحبق.

29 - باب وطء الرجل جارية أبيه، أو أمه أو وطئه جارية ابنه، أو جارية (2) ابنته
قال أبو بكر:
حرم الله عَزَّ وَجَلَّ الزني في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
م 4754 - فإذا أقر الرجل أنه زنى بجارية أبيه، أو أمه، وهو عالم بتحريم الله ذلك، فعليه الحد الذي أوجبه الله على الزاني.
وممن حفظنا عنه هذا القول: الحكم، وحماد، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو ثور.
وبه قال أصحاب الرأي، إلا أن يقول: ظننت أنها تحل لي، وكان مثله يجهل ذلك، فلا يكون عليه الحد.
م 4755 - وأكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون: إذا وطيء الرجل جارية ابنه، أو ابنته يدرأ عنه الحد.
وممن حفظنا ذلك عنه: مالك، وأهل المدينة، وأصحاب الرأي، والشا فعي، والأوزاعي.
__________
(1) "أو جاهلا" ساقط من الدار.
(2) "جارية" ساقط من الدار.

(7/284)


وكان أبو ثور يقول: إذا كان عالماً فعليه الحد.
قال أبو بكر: عليه الحد، إلا أن يمنع منه إجماع.
م 4756 - وإذا وطئ الرجل جارية عمته، أو خالته، أو أخته (1)، أو جارية ذي رحم محرم منه: فهو زان وعليه الحد.
هذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4757 - واختلفوا في الجارية بين الشريكين، يطؤها أحدهما.
فقالت [2/ 255/ألف] طائفة: لا حد عليه، روي هذا القول عن ابن عمر، وبه قال الحسن البصري.
وقال مالك: "لا يقام عليه الحد، ويلحق به الولد، وتقام عليه الجارية حين حملت فيعطي شريكه حصته من الثمن، وتكون له الجارية".
وقال أصحاب الرأي: إذا قال وطئتها وأنا أعلم أنها علي حرام، لاحد عليه.
وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: يجلد مائة سوط (2) إلا سوط، وتقوم عليه، ويؤدي (3) إلى شريكه ما يجب له فيها.
__________
(1) "أو أخته" ساقط من الدار.
(2) "سوط" ساقط من الدار.
(3) "ويؤدي إلى شريكه ما يجب له فيها" ساقط من الدار.

(7/285)


وفيه قول ثالث: وهو أن يجلد مائة، وتقوم عليه هي وولدها، هكذا قال الزهري.
وفيه قول رابع: وهو أن عليه الحد إذا كان بالتحريم عالماً، هذا قول أبي ثور.

30 - باب حد الذي يعمل عمل قوم لوط
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} الآية.
(ح 1450) وجاء الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
(ح 1451) وروينا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لعن الله من عمل عمل قوم لوط".
م 4758 - واختلف أهل العلم بعد إجماعهم على تحريم ذلك فيما يجب على من عمل عمل قوم لوط.
فقالت طائفة: عليه القتل، محصناً كان أو غير محصن.

(7/286)


وروينا عن أبي بكر الصديق، وابن الزبير رضي الله عنهما، أنهما أمرا أن يحرق من فعل ذلك بالنار.
وروينا عن علي، وابن عباس - رضي الله عنهم- أنهما قالا: يرجم.
وقال ابن عباس: وإن كان بكراً.
وبه قال جابر بن زيد، والشعبي، وربيعة، ومالك، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أن حده حد الزاني: يرجم إن كان محصناً، ويجلد إن كان بكراً، كذلك قال عطاء، والحسن البصري، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والشافعي، وأبو ثور.
وقال الحكم: يضرب دون الحد.

31 - باب من أتى بهيمة (1)
قال أبو بكر:
م 4759 - اختلف أهل العلم فيما يجب على من أتى بهيمة.
فقالت طائفة: يقتل الفاعل والبهيمة، روي هذا القول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وقال الحسن البصري: حده حد الزاني.
وقال قتادة: عليه الحد.
__________
(1) وفي الدار "باب ما يجب على من أتى بهيمة".

(7/287)


وفيه قول ثالث: "وهو أن يجلد مائة أحصن أو لم يحصن"، هذا قول الزهري (1).
وفيه قول رابع: وهو أن لا حد عليه، روينا هذا القول عن ابن [2/ 255/ب] عباس، والشعبي، رضي الله عنهما.
وفيه قول خامس: وهو أن عليه التعزير، روي ذلك عن عطاء، والنخعي، والحكم، ومالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: واشتبه علي مذهب الشافعي في هذا الباب؛ لأن الروايات قد اختلفت عنه.
وقال جابر بن زيد، يقام عليه الحد، إلا أن تكون البهيمة له.
قال أبو بكر:
(ح 1452) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اقتلوا الواقع على البهيمة (2)،
واقتلوا البهيمة".
__________
(1) في الأصل "الثوري" والصحيح من الدار.
(2) وفي الدار "اقتلوا واقع البهيمة".

(7/288)


فإن يَكُ هذا ثابتاً فالقول به يجب، وإن لم يثبت فليستغفر الله تعالى من فعل ذلك كثيراً، ولو عزره الحاكم كان حسناً، والله أعلم.

32 - باب الزنى بذوات المحارم
قال أبو بكر:
(ح 1453) روينا عن البراء بن عازب أنه قال: "لقيت عمي ومعه راية، فقلت له أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه، أن أضرب عنقه، وآخذ ماله".
م 4760 - وقد اختلفوا فيما يجب على من زنى بذات محرم منه.
فروي عن جابر بن زيد أنه قال: ضرب عنقه (1)، وبحديث البراء ابن عازب قال أحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أن عليه الحد، هذا قول الحسن البصري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد.
وقال الثوري: ما عليه حد إذ كان تزويج وشهود، ويعزر.
وقال النعمان: يعزره الإمام، ولا يبلغ به أربعين سوطاً.
قال أبو بكر: إن ثبت حديث البراء، وجب قتل من أتى ذلك:
بكراً كان أو ثيباً، وإن لم يثبت فإنما عليه الحد.
__________
(1) وفي الدار "ضرب عتق".

(7/289)


33 - باب تزوج الرجل خامسة بعد رابعة (1) عنده
قال أبو بكر:
م 4761 - واختلفوا في الرجل يتزوج خامسة، وعنده أربع (2).
فقال مالك، والشافعي: عليه الحد إن كان عالماً، وبه قال أبو ثور.
وقال الزهري: من تزوج خامسة يرجم إن كان عالماً، وإن كان جاهلاً جلد أدنى الحدين، ولها مهرها، ويفرق بينهما، ولا يجتمعان أبداً.
وقالت طائفة: لا حد عليه في شيء من ذلك، هذا قول النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: يحد في ذات المحرم، ولا يحد في غير ذلك من النكاح، وذلك مثل أن يتزوج مجوسية، أو يتزوج خمساً في عقدة، أو يتزوج متعة، أو يتزوج [2/ 256/ألف] امرأة بغير شهود، أو أمة يتزوجها (3) بغير إذن مولاها.
وقال أبو ثور: إن علم أن هذا لا يحل له يجب أن يحد فيه كله، إلا التزوج بغير شهود والمجوسية.
وقال الثوري في الذي ينكح الخامسة (4) يعزر، ولا حد عليه.
وفيه قول ثالث قاله النخعي: في الذي ينكح الخامسة متعمداً قبل أن تنقضي عدة الرابعة من نسائه: يجلد مائة ولا ينفى.
__________
(1) وفي الدار "بعد أربع عنده".
(2) وفي الدار "وذلك على مثل".
(3) "يتزوجها" ساقط من الدار.
(4) "يعزر ولا حد ... إلى قوله: ينكح الخامسة" ساقط من الدار.

(7/290)


م 4762 - وقال الزهري: إذا تزوجت المرأة (1) ولها زوج، فإنها تجلد مائة، وترد إلى زوجها الأول، ولا مهرها من زوجها الثاني (2).

34 - باب درء الحد عن الجاهل الذي لا علم له
قال أبو بكر:
م 4763 - ثبت أن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالا: لا حد إلا على من علمه.
وهذا قال عوام أهل العلم.
وقال عبد الله بن مسعود: ادرؤوا القتل عن عباد الله ما استطعتم.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ادرؤوا الحدود ما استطعتم في كل شبهة.
قال أبو بكر:
م 4764 - وكل من نحفظ عه من أهل العلم يرى أن يدرأ الحد في الشبهة.
م 4765 - وقد اختلفوا في معنى ذلك.
__________
(1) "المرأة" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "زوجها الآخر".

(7/291)


فقال بعضهم: الشبهة التي يجب أن يدرأ بها الحد: ما يفعله (1) وهو لا يعلم تحريم ذلك، كالناكح (2) نكاح المتعة وهو يحسب أن لك حلالاً له.
قال أبو بكر: وهذا مذهب، فأما من درأ الحد عمن نكح أمه، وهو عالم بتحريم ذلك فبعيد الشبه من هذا، بل عليه الحد لا إشكال فيه.

35 - باب إسقاط الحد عن المستكرهة
قال أبو بكر: قال الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}.
(ح 1454) وجاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
م 4766 - وقد روينا معنى ذلك، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبه قال الزهري، وقتادة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
__________
(1) وفي الدار: "أن يفعله".
(2) وفي الدار: "كالنكاح نكاح".

(7/292)


وقال مالك: "إذا وجدت المرأة حاملاً، وليس لها زوج، فقالت: استكرهت فلا يقبل ذلك منها، ويقام عليها الحد، إلا أن يكون لها بينة- أو جاءث تدمى- على أنها أتيت (1)، أو ما أشبه ذلك".
(ح 1455) واحتج بحديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - أنه قال: "الرجم في كتاب الله حق على كل (2) من زنى، إذا أحصن، من الرجال والنساء [2/ 256/ب]، إذا قامت البينة، أو كان الحمل، أو الاعتراف".
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.

36 - باب وجوب الصداق للمستكرهة
قال أبو بكر:
م 4767 - واختلفوا في وجوب الصداق للمستكرهة.
فقال عطاء، والزهري: لها صداق نسائها.
وممن قال: لها الصداق، الحسن البصري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
__________
(1) في الأصلين "أو ثبت" والتصحيح من الموطأ.
(2) "كل" ساقط من الدار.

(7/293)


وقال آخرون: إذا أقيم الحد، بطل الصداق. روي ذلك عن الشعبي، وبه قال أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: والقول الأول أصح.

37 - باب الرجل يوجد مع المرأة
قال أبو بكر:
م 4768 - واختلفوا في الرجل يوجد مع المرأة، فيتفقان على أنهما زوجان.
فقالت طائفة: القول قولهما. كذلك قال الحكم، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال النخعي: يسأل البينة، وإلا أقيم عليهما الحد.
م 4769 - وإذا شهدوا عليه بالزنى، أو عليهما، فقالا: نحن زوجان: فعليهما الحد إذا لم يكن لهما بينة بالنكاح (1)، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا حد عليهما.
قال أبو بكر: عليهما الحد.

38 - باب المكره على الزنى
قال أبو بكر:
م 4775 - واختلفوا في الرجل يكره على الزنى.
فقال أبو ثور: عليه الحد. وبه قال ابن الحسن.
__________
(1) "إذا لم يكن لهما بينة بالنكاح" ساقط من الدار.

(7/294)


وقال النعمان: إذا أكرهه السلطان حتى خاف على نفسه (1)، فزنى، فلا شيء عليه، وإذا أكرهه غيره فزنى فعليه الحد.
وقال ابن الحسن: إذا أكرهه غير السلطان حتى خاف على نفسه (2)، لم يحد.
قال أبو بكر: لا حد عليه، ولا فرق بين السلطان- في ذلك- وبين غير السلطان.

39 - باب المسلم يزني في دار الحرب
قال أبو بكر:
م 4771 - حرم الله الزنى في كتابه، فحيثما زنى الرجل فعليه الحد. وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي- في الرجل المسلم إذا كان في دار الحرب بأمان، وزنى هنالك، ثم خرج-: لم يحد.
قال أبو بكر: دار الحرب، ودار الإسلام واحد، من زنى فعليه
الحد، على ظاهر قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.
__________
(1) "حتى خاف على نفسه" ساقط من الدار.
(2) "حتى خاف على نفسه" ساقط من الدار.

(7/295)


40 - باب إقامة الحد [2/ 257/ألف] على أهل البغي، والمرأة الميتة توطأ
قال أبو بكر:
م 4772 - وإذا زنى رجل من أهل البغي، في عسكر أهل البغي.
ففي قول الشافعي، وأبي ثور: عليه الحد.
قال أبو بكر: وبه نقول.
وقال أصحاب الرأي: لا حد عليه.
م 4773 - وإذا وطئ الرجل امرأة ميتة:
فقد روي عن الحسن البصري أنه قال: لا حد عليه. وبه قال ابن الحسن، وقال ربيعة: عليه الحد.
وقال الزهري: يضرب مائة، ولا حد عليه.

41 - باب مسائل من باب الحدود
قال أبو بكر:
م 4774 - وإذا استأجر الرجل المرأة ليزني بها، وشهد عليه الشهود.
حدّ؛ لأنه مقر بالزنى. وهذا قول أبي ثور.
وحكى عن النعمان أنه قال: لا حد عليهما.
وقال يعقوب، ومحمد: يحدان.
قال أبو بكر: عليهما الحد. والزني الذي يوجب الحد: أن يعطي الفاجر الفاجرة شيئاً، على أن يزني بها، أو تزني بغير جعل.
م 4775 - وإذا زنى بكر بثيب، الزم كل واحد منهما حده.

(7/296)


م 4776 - وإذا زنى من عليه الحد بمن لا حد عليه: كان على الذي عليه الحد الحد، ولا شيء على الآخر.
م 4777 - وإذا زنى حر بأمة، وقال: اشتريتها. والمولى ينكر.
حدّ، ولم يقبل قوله على ذلك إذا قامت عليه البينة بالزنى.
هذا قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا حد عليه.
قال أبو بكر: وبقول أبي ثور نقول.
قال أبو بكر:
م 4778 - وإذا زوج الرجل أمته من عبده، ثم وطئها، فكان الحسن البصري لا يجعل عليه شيئاً.
وقال النعمان: يدرأ عنه الحد.
م 4779 - وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً، ثم وطئها، وقال: ظننتها تحل لي: فإن كان ممن يعذر بالجهالة فلا حد عليه، وإن كان ممن لا يعذر بالجهالة حدّ. في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4780 - وإذا فجر الرجل بالمرأة، ثم تزوجها:
فعليه الحد، في قول الشافعي، وأبي ثور، ويعقوب.
م 4781 - وكذلك الأمة يفجر بها ثم يشتريها.
وفي قول النعمان: لا حد عليه، في المسألتين جميعاً.
م 4782 - وإذا فجر الرجل بالأمة وقتلها:
فعليه الحد، في قول الشافعي، وأبي ثور، والنعمان، وعليه القيمة.

(7/297)


م 4783 - وفي قول الشافعي، وأبي ثور: إن كان استكرهها، فعليه مع ذلك المهر، ولا يجتمع مهر [2/ 257/ب]، وحد في قول النعمان.
وقال يعقوب: إذا ألزمته القيمة: أبطلت الحد.

42 - أبواب حدود العبيد والإماء
قال أبو بكر:
م 4784 - اختلف أهل العلم في معنى قوله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} الآية وفي قراءته.
فقال عبد الله بن مسعود: إحصان الأمة إسلامها. هذا قول ابن مسعود، وكان يقرأ (1): {فَإِذَا أُحْصِنَّ}: اسلمن.
وكذلك قرأ (2) النخعي، والضحاك، وشيبة، وعاصم، والأعمش، وحمزة، والكسائي.
فقياس قول من قرأ هذه القراءة وقال: أَسْلَمْنَ، ألا يكون على الأمة النصرانية حد إذا زنت.
وقال الشافعي: إذا زنت الأمة السلمة، جُلِدَت خمسين.
وفيه قول ثان: وهو أن لا حد عليها حتى تحصن بزوج.
هكذا قال ابن عباس، وطاووس.
وقرأها ابن عباس: "أُحصِنَّ" بضم الألف أُحصِنَ (3) بالأزواج.
__________
(1) وفي الدار "وكان يقول".
(2) "قرأ" ساقط من الدار.
(3) "أحصن" ساقط من الدار.

(7/298)


وقال أبو عبيد: يعني أن الأمة لا تحد في الفاحشة حتى تُزَوَّج.
وهي قراءة أبي جعفر، ونافع، وحميد، وأبي عمر. وبه قال أبو عبيد.
م 4785 - وممن رأى أن تجلد الأمة في الزني خمسين: عمر بن الخطاب. وروينا ذلك عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والنخعي، والحسن.
وبه قال مالك، والأوزاعى، والبتي، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان.
وقال أبو ثور: إن كانوا اختلفوا في رجمها فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين، وإن كان إجماع فالإجماع أولى.

43 - باب إقامة الرجل الحد على عبده وأمته دون السلطان
قال أبو بكر:
م 4786 - اختلف أهل العلم في إقامة الرجل الحد على عبده، وأمته دون السلطان.
فمن رأى ذلك: ابن مسعود، وابن عمر، والحسن البصري، والزهري، وأبو ميسرة، وهبيرة بن بريم.
وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور.
قال أبو بكر (1): وبه نقول.
__________
(1) "قال أبو بكر" ساقط من الدار.

(7/299)


(ح 1456) لثبوت الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحد، ولا يعيِّرها ولا يقيدها".
وقال أصحاب الرأي: لا يقيم عليها الحد؛ لأن الحد إلى السلطان.
قال (1): وإن علم أنه زنى يعزره يوجعه ضرباً، ولا يبلغ به الحد.
قال أبو بكر: فأجاز (2) ضربه [2/ 258/ألف] تعزيراً وذلك غير واجب على الزاني، ومنع (3) أن يقيم عليه الحد، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بذلك.

44 - باب مسائل (4)
قال أبو بكر:
م 4787 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن العبد إذا أقر بالزنى، أن الحد يجب عليه: أقر مولاه بذلك أو أنكره.
هذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم.
م 4788 - وكذلك المدبرة، وأم الولد، والمكاتب، والمعتق بعضه.
__________
(1) وفي الدار "قالوا".
(2) وفي الدار "فأجازوا".
(3) وفي الدار "ومنعوا".
(4) وفي الدار "مسائل".

(7/300)


م 4789 - وإذا زنت الأمة، ثم اعتقلت: حدت حد الإماء.
م 4790 - وإذا زنت وهي لا تعلم بالعتق، ثم علمت وقد حدت حد الإماء: أقيم عليها تمام حد الحرة.
م 4791 - واختلفوا في عفو السيد عن عبده وأمته إذا زنيا.
فكان الحسن البصري يقول: له أن يعفو.
وقال غير الحسن: لا يسعه إلا إقامة الحد عليهما. فكما لا يسع السلطان أن يعفو عن أحد إذا علمه، لم يسع السيد- كذلك- أن يعفو عن أمته إذا وجب عليها الحد. وهذا على مذهب أبي ثور.
قال أبو بكر: وبه نقول.

45 - أبواب الشهادات على الزنى
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ...} الآية.
م 4792 - وأجمع أهل العلم- لا اختلاف بينهم- أن الشهادة على الزني أربعة لا يقبل منهم أقل من ذلك.

(7/301)


م 4793 - واختلف أهل العلم في شهود الزنى إذا جاؤوا متفرقين، وكانوا أربعة.
فقالت طائفة: يقبل ذلك منهم. هذا قول البتي، وأبي ثور.
وقال ابن الحسن: لا تجوز شهادتهم.
قال أبو بكر: وبقول البتي أقول. وذلك أن الله عز وجل قد قال: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ولم يذكر متفرقين ولا مجتمعين، فشهادة أربعة شهداء يجب قبولها على الزنى، متفرقين كانوا أو مجتمعين.

46 - باب صفة الشهادة على الزنى
قال أبو بكر:
(ح 1457) جاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أنه قال لماعز: "أَنكْتَها (1) حتى
غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب المِرْوَدُ في الُمكْحُلَة، والرشا في البئر؟، قال: نعم".
وقال معاوية بن أبي سفيان: لا يجب الحد حتى يرى المرود [2/ 258/ب] في المكحلة.
__________
(1) وفي الدار "أنكحتها".

(7/302)


وهذا قول الزهري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وهكذا أقول.

47 - باب حد الشهود إذا لم يتموا أربعة
قال أبو بكر:
م 4794 - اختلف أهل العلم في وجوب الحد على الشهود إذا لم يكملوا أربعة.
فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى عليهم الحد. وهذا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
وقال قائل: الشاهد غير القاذف وألفاظهما مختلفة، والحد إنما يجب على القاذف، وليس الشاهد بقاذف.
قال أبو بكر: وهذا قول يقل القائل به (1)، وإن صح في النظر.

48 - باب الشهود على الزنى يتم عددهم أربعة ولم يعدّلوا
قال أبو بكر:
م 4795 - اختلف أهل العلم في الشهادة على الزنى، يتم عددهم أربعة (2) ولم يعدلوا.
__________
(1) وفي الدار "يقل قول القائلين به".
(2) "أربعة" ساقط من الدار.

(7/303)


فكان الحسن البصري، والشعبي يريان: أن لا حد على الشهود، ولا على المشهود عليه.
وبه قال أحمد، والنعمان، ومحمد.
وقال مالك: إذا شهد عليه أربعة بالزنى، فإذا أحدهم عبداً، أو مسخوطاً يجلدون جميعاً.
م 4796 - وقال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق في أربعة عميان شهدوا على امرأة بالزنى: يضربون.

49 - باب أربعة يشهدون على رجل بالزنى، فرجم ثم رجع أحدهم
قال أبو بكر:
م 4797 - واختلفوا في أربعة شهدوا على رجل بالزنى فرجم، ثم رجع بعضهم.
فقالت طائفة: يغرم ربع الدية، ولا شيء على الآخرين.
كذلك قال قتادة، وحماد بن أبي سليمان، وعكرمة، وأبو هاشم، ومالك، وأحمد، وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي: إن قال: عمدت ليقتل، فالأولياء بالخيار: إن شاؤوا قادوا، وإن شاؤوا عفوا وأخذوا ربع الدية وعليه الحد.
واختلف فيه عن الحسن.
فروي عنه أنه قال: يقتل الذي أكذب نفسه، وعلى الآخرين الدية.

(7/304)


وروي عنه أنه قال: يقتل به، وعلى الآخرين ثلاثة أرباع الدية.
وفيه قول خامس: روينا عن ابن سيرين أنه قال: إذا قال: أخطأت وأردت غيره، فعليه الدية كاملة [2/ 259/ألف]، وإن قال: تعمدت قتله، قتل به، وبه قال ابن شبرمة.

50 - باب اختلاف الشهود في الشهادة على الزنى
قال أبو بكر:
م 4798 - واختلفوا في أربعة شهدوا على رجل بالزنى، فشهد اثنان أنه زنى بها ببلد، وشهد اثنان أنه زنى بها في بلد آخر.
ففي قول مالك، والشافعي: يقام على الشهود حد الفرية، ولا يقام على المشهود عليه حد الزنى.
وقالت طائفة: لا حد على الشهود إذا اختلفوا وكانوا أربعة.
روى ذلك عن النخعي.
وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.

51 - باب ما يجب على الرجل والمرأة يوجدان في الثوب
قال أبو بكر:
م 4799 - واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد على (2) المرأة في الثوب.
فقال إسحاق بن راهوية: يضرب كل واحد منهما مائة.
__________
(2) وفي الدار "مع المرأة".

(7/305)


وروي ذلك عن عمر، وعلي، وليس يثبت ذلك عنهما.
وفيه قول ثان: وهو أنهما يؤدبان، هكذا قال عطاء، وسفيان الثوري، وبه قال مالك، وأحمد على قدر مذاهبهم في الآداب.
قال أبو بكر: والأكثر ممن رأيناه يرى على من وُجد على هذه الحال: الأدب، غير أن قد:
(ح 1458) روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد: "أنه جاءه رجل فقال: إني أصبت امرأةً في بستانٍ، ففعلت بها كل شيء غير النكاح، قال: فنزلت هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} الآية.
ففي بعض الأخبار "أن الرجل قال: أَلِيَ خاصة أم للناس عامة؟، فرفع عمر يده فضرب صدره، وقال: بل للناس عامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صدق عمرُ".

52 - مسائل من أبواب الشهادة (1) على الزنى
قال أبو بكر:
م 4800 - اختلف أهل العلم في أربعة شهدوا على رجل بالزنى، وزعموا أنهم أحرار، فوجدوا عبيداً، أو من أهل الكتاب.
__________
(1) وفي الدار "الشهادات".

(7/306)


فكان أبو ثور يقول: إن وجدوا عبيدا فشهادتهم جائزة، وإن كانوا كفاراً فعلى الذين زكوهم الدية، لأنهم غروا الإمام [2/ 259/ب].
وقال النعمان: إن وجدوا عبيداً، وأقام المزكون على شهادتهم أنهم أحرار، فليس عليهم شيء.
وقال يعقوب، ومحمد: لا ضمان على المزكين.
م 4801 - وقال ابن الحسن: إذا رجم الرجل، فوجد أحد الشهود عبداً، أو محدوداً في قذف، أو أعمى: فعلى الإمام الدية في بيت المال.
وقال أبو ثور: الحاكم ضامن.
وقال الشافعي: الدية على عاقلة الوالي (1).
م 4802 - واختلفوا في الرجل يشهد عليه أربعة بالزنى، وهو محصن، فحبس ليل عن الشهود، فقتله رجل.
ففي قول أبي ثور: إن كان الشهود عدولاً، فليس على قاتله شيء.
وإن لم يكونوا عدولاً، فعليه القود إن كان القتل عمداً، أو الدية على العاقلة إن كان خطأ.
وقال أصحاب الرأي: على القاتل القصاص إن كان قتله عمداً، وإن كان خطأ فعلى القاتل الدية، عُدّل الشهود أو لم يعدلوا، ما لم يقض القاضي برجمه.
قال أبو بكر: قول أبي ثور صحيح.
__________
(1) وفي الدار "عاقلة الزاني" وهو خطأ.

(7/307)


م 4803 - وإذا شهد عليه أربعة من الشهود بالزنى، وشاهدان بالإحصان، فرجم، ثم رجع شهود الإحصان:
ففي قول أصحاب الرأي: لا شيء عليهما.
وقال أبو ثور: إن قال شهود الإحصان: تعمدنا، فعليهم القود، وذلك إن الرجم كان بهما.
م 4804 - وإذا شهد أربعة بالزنى والإحصان على رجل، فرجم، ثم وجد مجبوباً.
فقال الشافعي (1): إن كانوا تعمدوا، قيد منهم، وإن كانوا أخطأوا فالدية في أموالهم، رواه أبو ثور عنه.
وقال أصحاب الرأي: على الشهود الدية.
م 4805 - ولو كانت امرأة، فقالوا: هي عذراء، أو رتقاء.
لم يضمن الشهود، في قول أصحاب الرأي.
والجواب في مذهب الشافعي في هذا كجوابه في المجبوب.
وكان الشعبي يقول: إذا شهد أربعة على امِرأة بالزنى، فإذا هي عذراء، قال: اتركها، وأدرأ عنهم الحد.
وفي قول الشافعي: لا حد عليها ولا عليهم، وبه قال الثوري، وأبو ثور.
وقال أحمد بن حنبل بقول الشعبي (2).
م 4806 - وكان أبو ثور، وأصحاب الرأي يقولون: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان على رجل بالزني، حدوا جميعاً، لأن شهادة النساء في
__________
(1) وفي الدار "فكان الشافعي يقول".
(2) وفي الدار "بقول الشافعي".

(7/308)


[2/ 260/ألف] الحدود لا تجوز، وقال الشافعي (1): في شهادة النساء في الحدود كما قالوا.
قال أبو بكر:
م 4807 - وإذا أقر رجل مرتين بالزنى، وشهد عليه شاهدان، حد بإقراره، ولم يحد الشاهدان، وهذا على مذهب الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يحد.
م 4808 - وإذا شهد أربعة من أهل الذمة على ذمي، أنه زنى بمسلمة.
لم تقبل شهادتهم، في قول الشافعي، ولا يحد الرجل وللمرأة في قوله (2)، وقول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وهذا من أصحاب الرأي ترك لأصولهم، لأنهم يجيزون شهادة بعضهم على بعض.
م 4809 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل: لست ابن فلان.
فقال الثوري: "يسأل المنفي البينة، أنه ابن فلان، فإن أخرج:
ضرب القاذف، ولا يستحلف القاذف ولا المقذوف".
وقال النعمان: "في الرجل يقذف الرجل، فلما رافعه قال: إن أمه يهودية، قال: يسأل البينة أنه أمه حرة مسلمة"، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور.
وقال عطاء: البينة على النافي.
__________
(1) وفي الدار "وقول الشافعي".
(2) "قوله و"ساقط من الدار.

(7/309)


وقال مالك: يكلف القاذف المخرج مما قال، فإن لم يأت بالمخرج: ضرب.
م 4810 - واختلفوا في شاهدين، شهد أحدهما أن فلاناً قذف فلاناً يوم الخميس وشهد الآخر أنه قذف فلاناً يوم الجمعة، والمقذوف واحد.
فقال مالك: يحد، وبه قال النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد: يدرأ عنه.
وفي قول الشافعي: لا تجوز شهادتهما.
وقال أبو ثور: تقبل البينة أقيس القولين.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح.

53 - أبواب القذف وما يجب على القاذف
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} الآية.
وقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}.
(ح 1459) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعٌ من الكبائر، فذكر الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقٍ، وأكل الربا، وأكل مال ايتيم بداراً

(7/310)


أن يكبُروا، والفرارَ من الزحف، ورمىَ المحصنات، وانقلاب إلى الاعراب بعد هجرة"
قال أبو بكر: لم نجد في أخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خبرا يدل على تصريح القذف الذي يوجب الحد.
وظاهر كتاب الله مستغنى به، دال على القذف الذي يوجب الحد.
م 4811 - وأهل العلم على ذلك مجمعون.
م 4812 - واختلفوا في رجل قذف رجلاً من أهل الكتاب، أو امرأة منهم.
فقالت طائفة: لا حد عليه، هكذا قال الشعبي، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعمر بن عبد العزيز، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وسليمان ابن موسى، وعروة بن الزبير، وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، وحماد بن أبي سليمان.
وبه قال مالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
غير أن عمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالكاً، والشافعي قالوا: يعزر.
وفيه قول ثان: وهو أن على من قذف يهودية، أو نصرانية، ولها ولد من مسلم، أن عليه الحد، هذا قول سعيد بن المسيب، والزهري، وابن أبي ليلى.

(7/311)


وفيه قول ثالث: وهو أنه إذا قذف النصرانية تحت المسلم جلد الحد.
قال أبو بكر: وجمل العلماء مجمعون وقائلون بالقول الأول، ولم أدرك أحداً، ولا لقيته يخالف ذلك.
م 4813 - وإذا قذف النصراني المسلم الحر.
فعليه ما على المسلم يقذف المسلم، ثمانون جلدة، ولا أعلم في ذلك اختلافاً.
وممن حفظت عنه أنه قال ذلك: الشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، والليث بن سعد، وأصحاب الرأي، ولا أعلم عن غيرهم فيه اختلافاً.

54 - باب العبد يقذف الحر
قال أبو بكر:
م 4814 - واختلفوا في العبد يقذف الحر.
فقال كثير من أهل العلم: يجلد أربعين جلدة (1).
رُوي هذا القول عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
__________
(1) "جلدة" ساقط من الدار.

(7/312)


وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وعكرمة، والقاسم بن محمد، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والحكم، وحماد، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان: وهو أن يحد ثمانين جلدة و (1) جلد أبو بكر بن محمد عبداً قذف حراً ثمانين، وبه قال قبيصة بن ذؤيب، وعمر بن عبد العزيز.
قال أبو بكر: والذي عليه عوام علماء الأمصار، القول الأول، وبه [2/ 261/ألف] نقول.

55 - باب الحر يقذف العبد
قال أبو بكر:
م 4815 - كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقول: إذا افترى حر على عبد فلا حد عليه.
وممن حفظت ذلك عنه: عطاء، والزهري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
غير أنهم يقولون: عليه التعزير.
قال أبو بكر: وبه نقول.
__________
(1) "جلدة، و" ساقط من الدار.

(7/313)


م 4816 - وحكم العبد والمدبر والمكاتب والمعتق (1) بعضه، كذلك لا حد على قاذفهم.
م 4817 - وإذا قذف الرجل من يحسبه عبدا، فإذا هو حر، فعليه الحد، كذلك قال الحسن البصري، ومالك، والشافعي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 4818 - واختلفوا فيمن قذف أم ولد لرجل.
فقال ابن عمر، والنخعي، ومالك (2) والشافعي: عليه الحد إذا ِقذفها بعد موت السيد.
وهذا على مذهب من يمنع بيع أمهات الأولاد.
وقد روينا عن الحسن البصري أنه كان لا يرى جلد قاذف أم الولد.

56 - باب نفي الرجل من أبيه، أو من قبيلته
قال أبو بكر:
م 4819 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل من العرب: يا نبطي، أو يقول: لست من بني فلان.
فقال الشعبي، وحماد بن أبي سليمان: لا حد عليه، وبه قال النعمان.
وقال الزهري: عليه الحد، وبه قال مالك.
__________
(1) "والمعتق" ساقط من الدار.
(2) "ومالك" ساقط من الدار.

(7/314)


وقال الشافعي: "إذا قال ذلك وقفتُه، فإن قال: عنيت نبطي الدار، أو نبطي اللسان، أحلفته بالله ما أراد أن ينفيه، فإن حلف نهيته عن أن يقول ذلك القول، وأدبته على الأذى، وإن أبى أن يحلف، حلف المقول له، فإذا حلف سألت القائل عمن (1) نفى، فإن قال: لا ما نفيته، ولا قلت له ما قال، جعلت القذف واقعاً على أم المقول له.
فإن كانت حرة مسلمة، حددته إن طلبتْ الحد، وإن عفت فلا حد لها (2).
وإن قال: عنيت به الأب الجاهلي، ما أحلفته ما عني به أحداً من أهل الإسلام (3)، وعزرته، ولم أحده".
وقال أبو ثور: إذا قال الرجل للرجل: لست من بني فلان لقبيلته، إن أراد النفي حد، وإن أراد لست لفلان لصلبه فلا حد عليه.
وقال مرة: لا يحد (4).
وقال الشعبى: إذا قال: يا نبطي فليس [2/ 261/ب] بشيء، وإذا قال: أنت من النبط جلد، إلا أن يكون كذلك.
م 4820 - وإذا نفى الرجل الرجل من أبيه فقال: لست ابن فلان، وأمه
__________
(1) وفي الدار "ممن نفى".
(2) وفي الدار "فلا حد له".
(3) وفي الدار "آباء الإسلام"
(4) وفي الدار "لا حد عليه"

(7/315)


حرة مسلمة، فعليه الحد، وهذا على مذهب الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م4821 - وإذا قال الرجل للرجل وأبوه عبد، وأمه حرة، وقد ماتا جميعاً: لست لأبيك، فعليه الحد في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي (1).
م 4822 - وإذا قال الرجل للرجل الكافر، وأبواه مسلمان وقد ماتا: لست لأبيك، فعليه الحد في قولهم جميعاً.
م 4823 - وإذا قال الرجل لعبده: لست لأبويك، وأبواه حران مسلمان قد ماتا فعلى المولى الحد، في قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: يستقبح أن يحد المولى لعبده.
قال أبو بكر: هذا لا معنى له، يبطل حقاً قد وجب بغير حجة [يفزع إليها] (2).
م 4824 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل: يا ابن ماء السماء، وما أشبه ذلك مما قد يقوله الناس، لا يراد به القذف.
فلا حد عليه، في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4825 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل: يبن الزانيين، وأبواه حران مسلمان.
ففي قول الشافعي، وأبي ثور، وابن أبي ليلى: عليه حدان.
__________
(1) وفي الدار "في قولهم جميعاً".
(2) ما بين المعكوفين من الدار.

(7/316)


وقال النعمان: عليه حد واحد، لأنها كلمة واحدة.
م 4826 - وإذا قال الرجل للرجل: لست لأمك، فلا حد عليه، في قول الزهري، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول؛ لأن هذا كذب.

57 - باب قذف الرجل والده، أو جده، أو أجداده، أو ولده، أو ولد ولده
قال أبو بكر:
م 4827 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قذف أباه أو جده، أو جداً من أجداده، أو جداته بالزني أن عليه الحد.
م 4828 - واختلفوا في الرجل يقذف ابنه، أو ابن ابنه.
فقال عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وأحمد، إسحاق: لا حد عليه.
وهو قياس قول الشافعي، وبه قال أصحاب الرأي.
وقال عمر بن عبد العزيز، ومالك: أن عليه الحد، وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: وظاهر القرآن يدل على ذلك، وليس مع من (1) أزال الحد عن هذا حجة.
__________
(1) "من" ساقط من الدار.

(7/317)


م 4829 - وإذا قذف الرجل مملوكه فلا حد عليه، في قول الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

58 - مسائل من أبواب القذف
قال أبو بكر:
م 4830 - وإذا قال الرجل للرجل: يا ابن الأقطع، أو الأعور، أو المقعد، أو الأعمى، وأبوه ليس كذلك.
م 4831 - أو قال [2/ 262/ألف] رجل لامرأته: يا بنية، أو يا أخيه.
م 4832 - أو قال الرجل للرجل: يا بني، أو قال له: أنت عبدي، أو يا عبد (1)، أو: أنت مولاى.
م 4833 - أو قال للعربي: يا دهقان.
فلا حد عليه في شيء من ذلك كله في قول أبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4834 - وقال مالك: إذا قال الرجل لرجل من العرب أو الموالي: يا ابن النبطي، أو يا ابن الحائك، أو ما أشبهه، أن عليه الحد إن كان أبوه لم يعمل عملاً من تلك الأعمال.
م 4835 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال
__________
(1) وفي الدار "يا عبدي".

(7/318)


لرجل من المسلمين: يا يهودي، أو (1) يا نصراني: أن عليه التعزيز ولا حد عليه.
وممن أحفظ هذا (2) عنه: الزهري، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ويشبه ذلك مذهب الشافعي.

59 - [باب إذا قال الرجل للرجل: زنأت في الجبل] (3)
قال أبو بكر:
م 4836 - وإذا قال الرجل للرجل: زنأت في الجبل، ففيها قولان:
أحدهما: أن يحلف بالله ما أراد القذف، ولا حد عليه، لأن زنأت في الجبل يكون (4)، رقيت في الجبل، هذا قول الشافعي، وابن الحسن.
وحكى أبو ثور عن بعض أهل الكوفة أنه قال: عليه الحد، ولم يسمه.
م 4837 - وإذا قال: زنيت في الجبل، فعليه الحد لا شك فيه، وهو مثل قوله: زنيت في الدار، أو في البيت.
م 4838 - وإذا تزوج المجوس أمه، أو أخته، ثم أسلما ففرق بينهما، ثم قذفه إنسان، فعليه الحد، في قول أبي ثور، والنعمان.
__________
(1) "أو" ساقط من الدار.
(2) "هذا" ساقط من الدار.
(3) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل "والتصحيح من الدار.
(4) "يكون" ساقط من الدار.

(7/319)


وقال يعقوب، ومحمد: لا حد عليه.
م 4839 - وإذا شهد على عبد أربعة أن مولاه أعتقه، وأنه زنى وهو محصن، فرجمه الإمام، ثم رجعوا عن الشهادة.
فعليهم الدية لورثته إن قال: أخطأنا، وإن قالوا: تعمدنا أقيدوا به، هذا قول أبي ثور، وحكاه عن الشافعي.
م 4840 - فإن شهد اثنان على العتق فأعتقه، ثم شهد آخران على الزني، فرجم، ثم رجع شاهد العتق عن العتق، ولم يرجعا عن الزنا، فعلى شاهدي العتق قيمته لولاه.
فإن رجع الشاهدان الآخران عن الزني، فعليهما نصف الدية لورثته، ويضربان الحد، وليس على الذين رجعا عن العتق حد.
م 4841 - وقال أصحاب الرأي في أربعة شهدوا على عبد أن مولاه أعتقه، وأنه قد زنى وهو محصن، فرجمه الإمام، ثم رجعوا عن شهادتهم في الزنى، فقال: يضربون الحد، وعيهم الدية في أموالهم لورثته [2/ 262/ب].
وإن رجعوا أيضاً عن العتق ضمنوا القيمة للمولى، والدية للورثة، ويضربون الحد (1).
م 4842 - وقال أبو ثور: وإن شهدا على عبد أن مولاه أعتقه، فقضى القاضي بعتقه، ثم شهدا، وهذا العبد (2)، وآخر على رجل أجنبي بالزنى، فرجمه الإمام.
ثم إن الشاهدين الذين شهدا بالعتق رجعا عن العتق، فإنهما يضمنان، قيمته للمولى، وشهادتهم على الزنى جائزة.
__________
(1) وفي الدار "ويضربان".
(2) وفي الدار "شهدا هذا العبد"

(7/320)


وبه قال أصحاب الرأي.
م 4843 - وقال الشافعي إذا قال: أنت أزنى من فلان، لم يكن قذفاً، ويؤدب للأذى.
فإن أراد به القذف: حد.
وإن قال: أنت أزنى الناس، لم يكن قاذفاً، إلا أن يريد القذف فيعزر (1).
وقال أصحاب الرأي: في ذلك: لا حد عليه.
م 4844 - وإذا شهد أربعة على رجل أنه زنى بمجنونة، فعليه الحد، في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4845 - وإذا أقر الرجل بالزنى أربع مرات بامرأة بعينها فعليه الحد.
فإن جاءت المرأة تطالبه بقذفها، ولها عليه بينة بذلك (2): حد لها، في قول أبي ثور، ويشبه أن يحد في قول الشافعي.
وقال النعمان: لا يحد.
قال أبو بكر: هذا لا معنى له.

60 - باب قذف الرجل الجماعة بكلمة واحدة
قال أبو بكر:
م 4846 - اختلف أهل العلم في الرجل قذف النفر بكلمة واحدة.
__________
(1) وفي الدار "ويعزر".
(2) "ولها عليه بينة بذلك" ساقط من الدار.

(7/321)


فقالت طائفة: يحد حدا واحداً، كذلك قال عطاء، وطاووس (1)، والشعبي، والزهري، وقتادة، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان.
وبه قال مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب، وابن الحسن.
وفي قول حماد بن أبي سليمان، ومالك: سواء جمع القذف بكلمة واحدة أو فرقه.
وقالت طائفة: يحد لكل واحد منهم حدا، هذا قول الحسن البصري، والشافعي، وأبي ثور.
وفيه قول ثالث: وهو إن كان القذف بكلمة واحدة كان حدا واحداً، وإن قذف هذا، ثم قذف هذا، ثم هذا كان لكل واحد منهم حد، هذا قول عطاء، والشعبي، وقتادة، وابن أبي ليلى، وأحمد بن حنبل.
وفيه قول رابع: وهو إن جاؤوا جميعاً فحد واحد، وإن جاؤوا متفرقين أخذ كل إنسان منهم حده، هذا قول عروة بن الزبير.
قال أبو بكر: قول الحسن البصري أصح، لأنهم لم يختلفوا أن رجلاً لو قذف [2/ 263/ألف] خمسة من الناس فعفا أربعة منهم، أن للخامس الحد، دل ذلك على أن لكل واحد منهم حداً.
ولو لم يكن كذلك لسقط بعفو الأربعة عن القاذف أربعة أخماس الحد.
__________
(1) "وطاووس" ساقط من الدار.

(7/322)


ففي إجماعهم على أن الذي لم يعف حقه ثابت بيان على أنهم إنما عفواً عن حقوقهم، لا عن حق هذا الذي طالب بالحد.
وسواء جمع القذف أو فرّقه.

61 - باب الرجل يقول للرجل: يا لوطي
قال أبو بكر:
م 4847 - واختلفوا في الرجل يقول للرجل: يا لوطي.
فقال عطاء، وقتادة: لا حد عليه.
وبه قال الحسن البصري إلا أن يقذفه بعمل قوم لوط.
وقال النخعي: إذا عني دين قوم لوط درئ عنه الحد (1)، وإن أراد عمل قوم لوط ضرب الحد.
وفيه قول ثان: وهو أن عليه الحد، كذلك قال الزهري، ومالك.
وقال يعقوب، ومحمد: إذا قذفه بعمل قوم لوط فعليه الحد.
وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: القول قوله مع يمينه، إذا قال: أردت أنه على دين قوم (2) لوط، لأن الكلمة تحتمل معنيين.
__________
(1) "الحد" ساقط من الدار.
(2) "قوم" ساقط من الدار.

(7/323)


62 - باب إذا قال الرجل للمرأة: زنيت وأنت مستكرهة أو صغيرة
قال أبو بكر:
م 4848 - كان الشافعي يقول: إذا قال: زنيت وأنت صغيرة أو مستكرهة، فلا حد عليه ويعزر للأذى، وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 4849 - وإذا قال: زنيت، وأنت أمة ثم أعتقت، سئل البينة على ذلك، وإلا ضرب الحد.
م 4850 - وإذا قال: زنيت في الشرك، سئل البينة على ذلك وإلا ضرب الحد.
هكذا قال الثوري.
م 4851 - وقال مالك في الجارية التي لم تبلغ المحيض تقذف أو تقذف، وقد تزوجت أن الحد يلزم من قذفها إذا بلغت أو يوطأ مثلها.
وقال أحمد في الجارية: بنت تسع سنين يجلد قاذفها، وكذلك الغلام إذا بلغ عشراً يضرب قاذفه.
وقال إسحاق: إذا قذف غلاماً يطأ مثله، فعلى قاذفه الحد، والجارية إذا جاوزت تسعاً مثل ذلك.
قال أبو بكر: لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب، ويعزر للأذى.

(7/324)


63 - باب قاذف الخصي
قال أبو بكر:
م 4852 - كان الحسن البصري قول: ليس على قاذف الخصي حد، وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي إذا كان الخصي مجبوباً [2/ 263/ب].
قال أبو بكر:
م 4853 - وكذلك لا حد على قاذف الرتقاء.
م 4854 - وإذا كان القاذف خصياً، مجبوباً أو غير مجبوب، أو إمرأة رتقاء، أو عذراء حد القاذف منهم.
م 4855 - وقال أحمد فيمن قذف الخصي (1)، يطيق الجماع أو لا يطيق: عليه الحد.
م 4856 - وإذا كان القوم في دار الحرب، وقذف بعضهم بعضا.
حد القاذف، في قول الشافعي، وأبي ثور.
ولا يحد في قول أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: يحد على ظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية.
__________
(1) وفي الدار "قذف الصبي" وهو خطأ.

(7/325)


64 - باب إذا قال الرجل للرجل: يا فاعل أمه
قال أبو بكر:
م 4857 - روينا عن أبي هريرة أنه جلد رجلاً قال لآخر: يا نائك أمّه.
وبه قال أبو ثور.
م 4858 - وإذا قال: فعلتُ بأمك، يعني القاذف أنه فعل ذلك، فلا حد عليه، في قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا حد عليه في الوجهين جميعاً.
قال أبو بكر: قول أبي ثور حسن.

65 - باب من قذف محدوداً
قال أبو بكر:
م 4859 - وإذا قذف الرجل رجلاً محدودا في الزنى.
فعلى القاذف التعزير، ولا حد عليه، هكذا قال سعيد بن المسيب.
وقال مالك: لا حد عليه.
م 4860 - وإذا قذف الرجل امرأته، وقد كانت وُطئت حراماً.
ففي قول الشافعي، والنعمان: لا حد عليه، ولا لعان.
وقال الثوري: يستحب الدرء، ويعزر.

(7/326)


وقال ابن أبي ليلى: إذا أقيم الحد جلد من قذفها.
م 4861 - وإذا قذف امرأته، ثم تزني بعد القذف.
ففي (1) قول الشافعي: لا حد، ولا لعان.
وقال الثوري: عليه الحد.
قال أبو بكر: وبه نقول، ولا يدل ما حدث من فعلها بعد القذف، أنها تزل فاعلة ذلك.

66 - باب إذا قال الرجل: من رماني فهو ابن الفاعلة
قال أبو بكر:
م 4862 - وإذا قال الرجل: من رماني بحجر، فهو ابن الفاعلة، فرماه رجل.
فلا حد عليه، يعزر للأذى، في قول الشافعي.
وقال أحمد: إذا قال: الكاذب ابن الفاعلة، فلا حد عليه.
وفي قول أصحاب الرأي، وقول مالك: الجواب في المسألة الأولى كما قال الشافعي.

67 - باب من يقوم من الورثة [2/ 264/ألف] بحق من قد مات إذا قذف الميت
قال أبو بكر:
م 4863 - أجمع [كل من نحفظ عنه من] (2) أهل العلم على أن للمقذوف
__________
(1) "ففي قول الشافعي ... إلى قوله: بعد القذف" ساقط من الدار.
(2) ما بين المعكوفين من الدار.

(7/327)


طلب ما يجب له من الحد على القاذف.
م 4864 - واختلفوا في رجل قذف رجلا فمات المقذوف قبل أن يحد القاذف، وفيمن قذف ميتاً.
فقال مالك، والشافعي: لأوليائه أن يجلدوه، وأي أوليائه كان في القُعْدُدِ إليه سواء فله القيام به.
وفيه قول ثان: وهو أن حد الميت لا يأخذ به إلا الولدان، والولد، والجد، وولد الولد، ممن يرث، ويورث، هذا قول أصحاب الرأي.
م 4865 - وقال الشافعي: يأخذ بحد الميت ولده و (1) عصبته من كانوا.
وقال ابن أبي ليلى: يأخذ الأخ والأخت أيضاً، ولا يأخذ غير هؤلاء.
وقال أحمد: ليس للأولاد (2) أن يطلبوا به؛ لأنه إنما كان لأبيهم وقد مات الأب.
قال أبو بكر:
م 4866 - ففي قول المديني (3)، والشافعي: إذا كانوا أخوة فوقف بعضهم فلمن شاء منهم أن يقوم بالحد، وإن عفا بعضهم قام به الآخرون.
وقال أبو ثور: الحد يورث كما يورث المال.
وقال الزهري: إن قذف أم رجل فعفا عه ابنها، فقام به أخوه لأمه حد له به.
__________
(1) وفي الدار "أو عصبته".
(2) وفي الدار "للولد".
(3) وفي الدار "قول المزني".

(7/328)


م 4867 - وأجمعوا على أن المقذوف إذا كان غائباً فليس لأبيه، ولا لابنه أن يطلب بالقذف ما دام المقذوف حياً.
هذا مذهب كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
م 4868 - وإذا أوصى المقذوف بذلك إلى من يقوم به بعد وفاته: فذلك له، في قول أبي ثور، كما يقوم بسائر الحقوق.
وقال أصحاب الرأي: ليس للوصي أن يطلب به.
م 4869 - وإن وكل المقذوف من يطلب بحقه.
جاز في قول أبي ثور، وللوكيل أن يضربه.
وفي قول أصحاب الرأي: لا يحد حتى يحضر المقذوف.
م 4870 - وإذا ضرب بعض الحد ثم مات.
ففي قول الشافعي: لأوليائه أن يقوموا بباقي الحد، وأيهم قام به فله ذلك.
وفي قول أبي ثور: يقومون به على قدر حقوقهم.
وقال أصحاب الرأي: يدرأ عنه الحد، ولا يحده (1).

68 - باب مسائل
قال أبو بكر:
م 4871 - كان عطاء يقول: إذا قذف رجل رجلاً بزنى كان (2) في شركه، لم يحد.
__________
(1) "ولا يحده" ساقط من الدار.
(2) "كان" ساقط من الدار.

(7/329)


وبه قال الزهري، ومالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
م 4872 - وإذا قال الرجل للرجل: [2/ 264/ب] أخبرت أنك زان، أو أشهدني رجل أنك زان، فإن أثبت له بينة (1) على أن ذلك قد قاله، وإلا جلد، (2) المُبلغ، هذا قول عطاء.
وقال الزهري: إن لم يأت بالبينة فعليه الحد.
وقال قتادة: يعزر المبلغ إذا أنكر ذلك الذي حكي عنه.
وفي قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: لا حد عليه.

69 - باب العفو عن الحدود
قال أبو بكر:
م 4873 - روينا عن الحسن البصري أنه قال: لا يعفى عن الحدود.
وقال أصحاب الرأي: إذا قال المقذوف: قد عفوت عنه، لا يدرأ عنه الحد، لأن عفوه باطل.
وقالت طائفة: العفو عن القذف من حقوق بني آدم، وللمقذوف أن يقوم به، وله أن يعفو عنه.
غير أن هؤلاء قد اختلفوا.
__________
(1) وفي الدار "فإن جاء ببينة".
(2) ما بين المعكوفين من الدار، وفي الأصل "والآخر المبلغ".

(7/330)


فقال مالك: له أن يعفو عن الحد ما لم يبلغ الإمام، وقد اختلف فيه عنه
وقال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، له أن يعفو وإن بلغ الإمام.

70 - باب الاستحلاف في الحدود
قال أبو بكر:
م 4874 - اختلف أهل العلم في الرجل يدعى عليه القذف، فينكر، ولا بينة للمقذوف.
فقالت طائفة: يستحلف، هذا قول الزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يمين على القاذف، هكذا قال الشعبي، وحماد بن أبي سليمان، والثورى، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر:
(ح 1460) قول النبي- صلى الله عليه وسلم - و:"البينة على الُمدعي واليمينُ على المُدّعى عليه".
يوجب اليمين على الذي ادعي عليه القذف.

71 - باب الكفاله في الحدود
قال أبو بكر:

(7/331)


م 4875 - كل من نحفظ عنه من أهل العلم لا يجيز الكفالة في الحدود، وممن حفظنا ذلك عنه شريح، والشعبي، ومسروق، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقد ذكرت هذه المسأله في كتاب الكفالة أتم من هذا.
م 4876 - وأجمعوا على أن الحد لا يجب بيمين وشاهد.
م 4877 - وقال أبو ثور: وإذا شهد على رجل بالقذف، فحد بعض الحد، ثم هرب فأخذ، فإنه يتم عليه الحد.
م 4878 - فإن شهد بشهادة قبل أن يتم الحد لم تجز شهادته، لأنه فُسّق بالقول "لا بالضرب.
وقال أصحاب الرأي: شهادته جائزة، لأنه لم يضرب حدا تاما.
قال أبو بكر: كما قال أبو ثور أقول [2/ 265/ألف].

72 - باب ما يوجب الأدب
قال أبو بكر:
م 4879 - ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحد في التعريض بالفاحشة الحدّ تاماً.
وبه قال عروة بن الزبير، ومالك، وإسحاق، وأحمد.
وفيه قول ثان: وهو أن لا حد في التعريض، وفيه التعزير، هذا

(7/332)


قول عطاء، وعمرو بن دينار، وقتادة، والثوري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وقال سعيد بن المسيب: إنما الحد على من نصب الحد نصباً.
واحتج بعضهم:
(ح 1461) "بأن رجلاً قال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: إن امرأتي ولدت ولداً أسودَ".
وهو لا يذكره إلا مُنكراً له فدل ذلك على أن لا حد في التعريض.
وقد أحل الله تعالى التعريض في خطبة النساء، وفرق يه وبين التصريح الذي لا يحل.
قال أبو بكر: من يتكلم بكلمة تحتمل معنيين، لم يجز إلزامه الحد بشك، ومن صرح وجب عليه الحد إن طلب ذلك المقذوف.
م 4880 - وأجمع كل من نحفظ كه من أهل العلم على أن قول الرجل للرجل: يا فاجر، يا فاسق، يا خبيث، لا يوجب الحد.
روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب.
وبه قال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور،

(7/333)


وأصحاب الرأي.
م 4881 - وكذلك لا أعلم أحداً يوجب الحد على الرجل يقول للرجل: يا فاسق، يا سكران، يا سارق، يا خائن، يا آكل الربا، يا شارب الخمر.
وكل ذلك في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4882 - ولا حد على من قال لآخر: يا حمار، يا ثور، يا خزير، في قول أحد من أهل العلم علمته.
م 4883 - وقد اختلفوا فيما يجب عليه في ذلك.
فقال أصحاب الرأي: لا يعزر.
وقال أبو ثور: إن كان سفيها وكنت له عادة: عزر.
م 4884 - وإذا قال الرجل للرجل: يا مخنث، حلف بالله، ما أراد بذلك الفاحشة ولا الفرية، ولا حد عليه في ذلك (1) ويعزر، في قول مالك.
وقال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا حد عليه.

73 - باب مسألة (2)
م 4885 - واختلفوا في الإمام يعزر، فيموت المضروب من الضرب.
ففي قول الشافعي: على عاقلة الإمام العقل، وعليه الكفارة.
وفي قول أبي ثور، وأصحاب الرأي: لا شيء على الإمام، ولا على بيت المال إذا وجب التعزير ببينة.
__________
(1) "في ذلك" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "مسألة".

(7/334)


قال أبو بكر: وكذا أصح؛ لأن التعزير لا يخلو أن يكون حقاً أو باطلاً، فإن كان حقاً فمات منه فالحق قتلهُ، وإن كان باطلاً، فلا يحل للإمام أن يتعدى [فيفعل] (1) [2/ 256/ب] ما هو ممنوع منه.

74 - باب الستر على المسلمين
قال أبو بكر:
(ح 1462) جاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سترَ على مُسلمٍ
عورة (2) ستر الله عليه في الآخرة".
قال أبو بكر: فيستحب لمن أطلع على عورة من أخيه المسلم، أن يستر عليه رجاء ثواب الله عز وجل.
م 4886 - ويجب على من بلى أن يستتر بستر الله، ويعتقد توبة، فإن لم يفعل ذلك الذي (3) أصاب الحد، وأبدى ذلك للإمام، وأقر بالحد، لم يكن آثماً؛ لأنا لم نجد في شيء من الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذلك، بل الأخبار دالة على أن:
(ح 1463) من أصاب حدا فأقيم عليه فهو كفارة له.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) "عورة" ساقط من الدار.
(3) "الذي" ساقط من الدار

(7/335)


75 - جماع أبواب الخمر
قال أبو بكر:
(ح 1464) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سكر فاجلدوه، ثم إذا سكر فاجلدوه، ثم إذا سكر فاجلدوه، ثم إذا سكر فاضربوا عنقه".
قال أبو بكر: ثم أزيل القتل عن الشارب في المرة الرابعة بخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وبإجماع عوام أهل العلم من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، وكل من نحفظ عنه من أهل العلم إلا شاذا من الناس لا يعد خلافهم خِلافاً.
(ح 1465) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يحل دمُ رجلٍ يشهد أن لا إله الله وأني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلا أحد ثلاثة نفر: النفسُ بالنفسِ، والثيبُ الزاني، والتاركُ لدينه المفارق للجماعة".
قال أبو بكر: وغير جائز أن يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم رجلٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله الله إلا أحد ثلالة نفر" ويحل بخصلة رابعة.

(7/336)


76 - باب الحد الذي يجب أن يجلد شارب الخمر من العنب وغيره
قال أبو بكر:
(ح 1466) ثبت "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جلد في الخمر بالنعال والجريد، ثم جلد أبو بكر رضي الله عه أربعين جلدة (1)، واستشار عمرُ رضي الله عنه، فقال له عبد الرحمن: كأخف الحدودِ، فجلد عمرُ ثمانين".
وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر: أن أبا بكر رضي الله عنه توخّى الذي كان من ضربهم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فضربه أربعين.
قال أبو بكر: فدل:
(ح 1467) قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -[2/ 266/ألف]- صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر فاجلدوه".
م 4887 - على أن شارب الخمر يجب عليه الحد سكر، أو لم يسكر.
ولا نعلم في شيء من الأخبار أنه أمر بعدد يضرب شارب الخمر، إلا ما كان من فعلهم، حيث أمر بضرب السكران على ما جاءت به الأخبار من أفعالهم.
__________
(1) "جلدة" ساقط من الدار.

(7/337)


م 4888 - واختلف أهل العلم فيما يجب على شارب الخمر من الجلد.
فقال أكثر الفقهاء: يضرب ثمانين.
وقد روينا عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - أنه قال: حد النبيذ إذا سكر ثمانون، وبه قال مالك، والثوري، والنعمان، ومن تبعهم.
وقال الشافعي: "إن ضرب بنعلين، أو بطرف ثوب ضرباً يحيط العلم أنه لا يبلغ أربعين، أو يبلغها ولا يجاوزها، فمات، فالحق قتله، وإذا كان كذلك فلا عقل، ولا قود، ولا كفارة على الإمام.
وإنه ضربه أربعين سوطًا، أو أكثر من أربعين بالنعال، فمات: فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال".
واحتج بحديث ذكره عن علي رضي الله عنه.
م 4889 - واختلفوا في وجوب الحد على من شرب قليل ما يسكر كثيره.
فقال طائفة: عليه الحد، هذا قول الحسن البصري (1)، وعمر ابن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، وقتادة، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد.
وفيه قول ثان: وهو ألا يضرب في شيء من الشراب حتى يسكر، إلا الخمر.
رُوي عن أبي وائل (2)، والنخعي أنهما قالا: لا يجلد السكران من النبيذ حدا.
__________
(1) "الحسن البصري" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "ابن أبي ليلى".

(7/338)


وفرق أبو ثور بين المتأول وغيره، فقال: كل من كان المسكر عنده حراماً، فشرب منه شيئاً، حددناه، ومن كان متأولاً مخطئاً في تأويله فشربه على خبر قلده ضعيفاً، أو تبع أقواماً، لم يكن عليه الحد.

77 - باب جلد الشارب يوجد منه رائحة شراب (1) يسكر كثيره
قال أبو بكر:
م 4890 - واختلفوا في وجوب الحد بوجود رائحة الشراب الذي يسكر كثيره من الشارب.
فقالت طائفة: يحد بحديث ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنهُ جلد من وُجد منه ريح الشراب الحدّ تاماً.
وبه قال ابن مسعود، ومالك، والشافعي.
وضرب عمر بن عبد العزيز قوماً وجدواً على [2/ 266/ب] شراب، سكر بعضهم ولم يسكر بعض.
وقد روينا عن عطاء أنه قال: لا حد إلا ببينة، إن الريح ليكون من الشراب الذي ليس به بأس.
__________
(1) وفي الدار "الشراب الذي يسكر كثير منه".

(7/339)


وقال عمرو بن دينار: لا حد في الريح.
وقال الثوري: وإن وجد من رجل ريح خمر، فليس عليه حد حتى يعترف، أو تقوم بينة أنه شربها، أو يوجد سكران ولكن عليه تعزير إذا وجد ريحه.
وقد روينا عن [ابن] (1) الزبير قولاً ثالثاً وهو: أن الرائحة إذا وجدت من المدمن حد، وإلا فلا.
قال أبو بكر:
(ح 1468) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه.
فالجلد يجب على شارب الخمر، سكر أو لم يسكر، على ظاهر حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
(ح 1469) وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) قال: "كلّ مسكر خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ".
(ح 1470) وروينا عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما أسكر كثيرهُ فقليلُه حرامٌ".
__________
(1) في الأصلين "عن الزبير" والتصويب من المصنف.
(2) "وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "ساقط من الدار.

(7/340)


78 - باب إقامة الحد على السكران في حال سكره
قال أبو بكر:
م 4891 - واختلفوا في جلد السكران في حال سكره.
فروينا عن عمر بن عبد العزيز، والشعبي أنهما قالا: لا يحد حتى يصحو، وبه قال الثوري، والنعمان، وأصحابه.
واحتج من خالف هؤلاء:
(ح 1471) بحديث عبد الرحمن بن أزهر " أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أتى بسكران، فأمر
من كان عنده فضربهُ".
وليس في الحديث أنه أخّر ذلك حتى يصحو.
وقال بعض من يميل إلى القول الأول: إنما أريد به التنكيل، وليتألم به المحدود، والسكران لا يعقل ذلك، فغير جائز أن يقام الحد على من لا يعقل ذلك، ولا يُحسرّ به.

79 - باب حد السكر (1)
قال أبو بكر:
م 4892 - واختلف أهل العلم في حد السكر الذي يلزم صاحب اسم السكران.
فقالت طائفة: أول السكر أن يغلب على عقله في بعض ما لم يكن يغلب عليه قبل الشرب.
__________
(1) وفي الدار "السكران".

(7/341)


هذا قول الشافعي، وبمعناه قال الثوري، وأبو ثور.
وكان النعمان يقول: السكر الذي يجب على صاحبه الحد، ألا يعرف الرجل من المرأة.
وقال يعقوب: إذا كان الغالب عليه اختلاط العقل، واستقرئ سورة فلم يقمها، وجب عليه الحد.
قال أبو بكر: قول الشافعي: [2/ 267/ألف] أصح ما قيل في هذه الباب، والدليل على صحة ذلك قول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية.
وقد كان القوم الذين خوطبوا بهذه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قبل أن ينزل تحريم الخمر يقربون الصلاة في حال سكرهم عالمين بها، وقد سمّوا سكارى، لأن في الحديث أن بعض من قدم منهم خلط في القراءة، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية.

(7/342)