الإشراف على مذاهب العلماء

89 - كتاب الجراح والدماء (1)
1 - باب تحريم سفك الدماء بغير الحق، من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} الآية.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.
وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} الآية.
(ح 1472) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم (الأول) كفلٌ من دمها، وذلك أنه سنّ القتل".
__________
(1) وفي الدار "كتاب القصاص والجراح".

(7/343)


(ح 1473) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه حرم الدماء مُودّعاً أمته بذلك قال لهم يوم النحر: "أي يومٍ هذا؟ قالوا: هذا يومُ النحر، قال: وأيّ بلدٍ هذا؟ قالوا: بلد الحرام، قال: وأي شهرٍ هذا؟ قالوا: الشهر الحرام، قال هذا يوم الحج الأكبر فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة هذا البلد في هذا اليوم، ثم قال: اللهم هل بلغت، فطفقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم اشهد، ثم ودّع الناس، فقالوا: هذه حجةُ الوداعٍ".

2 - باب تعظيم سفك الدماء المحرمة بغير الحق والتغليظ فيها (1)
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا} الآية.
وقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} الآية.
__________
(1) "فيها" ساقط من الدار.

(7/344)


وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الدالة [2/ 267/ب] على تغليظ سفك الدماء بغير الحق.
وقد ذكرناها في مواضعها، من ذلك:
(ح 1474) أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قيل له: أيّ الذنبِ أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك، قال: قلت، ثم ماذا؟ قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك (1)، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تزني بحليلة جارك"، ثم تلا هذه الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية.

جماع أبواب القصاص في النفس، وفيما دون النفس
3 - باب التسوية بين دماء المسلمين
قال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} الآية.
__________
(1) وفي الدار "أن يأكل طعامك".

(7/345)


(ح 1475) وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم".
م 4893 - وأجمع أهل العلم على أن الحر يقاد به الحر، وإن كان الجاني مقعداً، وأعمى، أو أقطع اليدين والرجلين، والمقتول صحيح سوي الخلق.
م 4894 - وأجمع عوام أهل العلم على أن بين الرجل والمرأة القصاص في النفس، إذا كان القتل عمداً، إلا شيئاً اختلف فيه عن علي، وعطاء، وروينا عن الحسن.
وممن قال أن بين الرجل والمرأة القصاص في النفس، مالك بن أنس، وأهل المدينة، وسفيان الثوري، والنعمان، ومن تبعهما من أهل الكوفة، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وهذا قول النفس، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وقد روينا عن الحسن البصري أنه قال: لا يقتل الذكر بالأنثى حتى تؤدى نصف الدية إلى أهله.
وأصح الروايتين عن عطاء أنه قال: والمرأة تقتل بالرجل ليس بينهما فضل، وعمرو (1) بن دينار.
__________
(1) "وعمرو بن دينار" ساقط من الدار.

(7/346)


وفي حديث أنس بن مالك إثبات القصاص بين الرجل والمرأة وذلك:
(ح 1476) "أن رجلاً من اليهود قتل جارية من الأنصار بالحجارة على حلي لها، فأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فرُجم بالحجارة حتى مات".
قال أبو بكر: والذي عن علي غير ثابت، وقد روينا عن الحسن خلاف ما ذكرناه عنه، فإذا اختلفت الأخبار عن الحسن صار وجوب القصاص بينهما كالإجماع من السنن [2/ 268/ألف] الثابتة المستغنى بها عما سواها.

4 - باب القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس
قال أبو بكر:
م 4895 - اختلف أهل العلم في وجوب القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس.
فأثبتت طائفة القصاص بينهم في النفس وفيما دون النفس، هذا قول مالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا قصاص بينهما فيما دون النفس، كذلك قال حماد بن أبي سليمان، والنعمان.

(7/347)


قال أبو بكر: الأول أصح، وذلك أن المرأة (1) كانت كافئة (2) في النفس، وهو أعظم حظراً، كان ما دون النفس أولى، لأن الكثير إذا أبيح فالقليل أولى.

5 - باب القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس
قال أبو بكر:
م 4896 - اختلف أهل العلم في القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس.
فقالت طائفة: لا قصاص بينهما، هذا قول الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد الزبير.
وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن القصاص بينهما ثابت في النفس.
هذا قول سعيد بن المسيب، والشعبى، والنخعي، وقتادة، والثوري، وأصحاب الرأي.
وحجة من قال بهذا القول ظاهر قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) وفي الدار "لها".
(2) وفي الدار "مكافئة".

(7/348)


(ح 1477) "المؤمنون تكافأ دماؤهم".
فقال: هو مؤمن وهو مكافيء للحر.
ولما كان حجة من أجاز أمان العبد هذا الحديث لقوله:
(ح 1478) ويسعى بذمتّهم أدناهم.
كان قوله: "المؤمنون تكافأ دماؤهم حجة عليه.
(ح 1479) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قتل عبده قتلناهُ (1)، ومن
جدعَ عبده جدعناه".
وليس بثابت.
وقال الثوري: من قتل عبده قتلناه، وقد اختلف فيه عنه.
واحتج من قال: لا قصاص من العبيد والأحرار في النفس: أنهم لما أجمعوا على أن لا قصاص بينهما فيما دون النفس، فالنفس أولى ألا يكون يها بينهما قصاص.
م 4897 - وممن حفظنا عنه أنه قال: لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس: مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، والثوري.
وروينا ذلك عن الحسن البصري، والشعبي، والنخعي.
__________
(1) "ومن جدع ... إلى قوله: عبده قتلناه" ساقط من الدار.

(7/349)


6 - باب الحر والعبد يقتلان الحر
قال أبو بكر:
م 4898 - واختلفوا في الحر والعبد يقتلان الحر عمداً.
فقالت طائفة: يقتلان به جميعاً إن شاء الولي، روينا هذا القول عن النخعي، والثوري.
وقال الزهري: يقتل الحر، وإن شاء أهل القتيل قتلوا (1) العبد، وإن شاؤوا استخدموه، وبه قال قتادة.
وفي قول الشافعي: إن شاؤوا قتلوهما، وإن شاؤوا عفوا عنهما، وإن شاؤوا قتلوا الحر وبيع العبد في نصف الدية إلا أن يفدي السيد عبده.

7 - باب قتل المؤمن بالكافر
قال أبو بكر:
م 4899 - واختلفوا في قتل المؤمن بالكافر.
فروي عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت: أنهم كانوا لا يرون قتل المؤمن بالكافر.
وبه قال عطاء، والحسن البصري، وعكرمة، وعمر بن عبد العزيز، وسفيان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور.
__________
(1) وفي الدار "قتل".

(7/350)


وقالت طائفة: إذا قتل المسلم اليهودي، أو النصراني، أو المجوسى، قتل به المسلم، هذا قول أصحاب الرأي.
وروي ذلك عن الشعبي، والنخعي، في اليهودي والنصراني خاصة.
(ح 1480) وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقتل مؤمن بكافر".
قال أبو بكر: وبه نقول، ولا يصح عن النبي خبر يعارضه.

8 - باب قتل الوالد بالولد
قال أبو بكر:
م 4900 - اختلف أهل العلم في الرجل يقتل ابنه عامداً.
فقالت طائفة: لا قود عليه، وعليه ديته، هذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وروي ذلك عن عطاء، ومجاهد وقال مالك، وابن نافع، وابن عبد الحكم: يقتل به.
قال أبو بكر: وهذا نقول، لظاهر الكتاب والسنة.
فأما ظاهر الكتاب فقوله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ}.

(7/351)


(ح 1481) والثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المؤمنون تكافأ دماؤهم".
ولا نعلم خبراً ثابتاً يوجب استثناء الأب [2/ 269/ألف] من جملة الآية.
وقد روينا فيه أخباراً غير ثابتة.
م 4901 - وكان مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور (1) يقولون: إذا قتل الابن الأب قتل به.

9 - باب قتل الرجل بعبده
قال أبو بكر:
م 4902 - واختلفوا في الرجل يقتل عبده، أو يجرحه.
فقال الحسن البصري، والشعبي، والقاسم، وسالم: لا يقتل به.
وقال الزهري: يعاقب ويسجن.
وممن وافق الحسن البصري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنعمان.
وفي قول مالك، والشافعي، وأحمد، والنعمان: يعاقب.
وقال النخعي: يقتل الرجل بعبده.
وقد ذكرنا ذلك عن الثوري، وهو مختلف فيه عنه.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
__________
(1) "وأبو ثور" ساقط من الدار.

(7/352)


10 - باب القصاص بين العبيد في النفس وفيما دون النفس
قال أبو بكر:
م 4903 - واختلفوا في القصاص بين العبيد في النفس وفيما دون النفس.
فقالت طائفة: يقتص بعضهم من بعض في النفس وفيما دون النفس.
هذا قول عمر بن العزيز، وسعالم بن عبد الله، والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا قصاص بينهم إلا في النفس، هذا قول الشعبى، والنخعي، والثوري، والنعمان.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.

11 - باب مسألة
قال أبو بكر:
م 4904 - كان الشافعي، وأبو ثور يقولان: إذا قتل الرجل الخنثى المشكل فلأولياء الخنثى القصاص، لأن الخثى إما أن يكون رجلاً أو امرأة، فأيهما كان فبينه وبين الرجل القصاص في النفس وفيما دون النفس.
وإن سأل أولياؤه الدية أعطوا الأقل، وهو النصف.
وفي قول مالك: إنما لهم القود، وليس لهم الدية، إلا أن يصالحوا.
وقال أصحاب الرأي فيما احسب: يجب عليه فيه ثلاثة أرباع الدية.

(7/353)


12 - باب القصاص بين الرجل وامرأته
قال أبو بكر:
م 4905 - واختلفوا في القصاص بين الزوجين.
فقالت طائفة: بينهما القصاص كسائر الناس، هذا قول الشافعي، وأحمد.
وقال الشافعي: [2/ 269/ب] إلا أن يكون ذلك على وجه الأدب.
وبه قال الثوري: وهذا قول عمر بن عبد العزيز، والنخعي.
وفيه قول ثان: ألا يقتص للمرأة من زوجها لا في النفس، هذا قول الزهري.
قال أبو بكر: قول الشافعي أصح، لظاهر قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} الآية.

12 - باب النفر يقتلون الرجل
قال أبو بكر:
م 4906 - واختلفوا في النفر يقتلون الرجل.

(7/354)


فروينا عن عمر أنه قال: يقتلون به، وروينا هذا القول عن علي، والمغيرة بن شعبة.
وبه قال سعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن البصري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأى.
وفيه قول ثان: وهو ألا يقتل اثنان بواحد، هذا قول الزهري، وحبيب بن أبي ثابت، وابن سيرين.
وروينا ذلك عن معاذ بن جبل، وابن الزبير، وعبد الملك.
قال أبو بكر: وهذا أصح، ولا حجة مع من أباح قتل جماعة بواحد، وقد ثبت عن ابن الزبير ما ذكرناه عنه، وإذا اختلف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء فسبيله النظر.

14 - باب النفر يجتمعون على قطع يد رجل
قال أبو بكر:
م 957 - واختلفوا في قطع اليدين باليد.

(7/355)


فقال الحسن البصري، والزهري، وسفيان الثوري: لا تقطع يدان بيد، ولا رجلان برجل.
وفي قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور: تقطع أيديهما.
قال أبو بكر: الأول أصح.

15 - باب البالغ العاقل، والمجنون والصبي يشتركون في قتل الخطأ يشارك العمد
قال أبو بكر:
م 4908 - واختلفوا في البالغ العاقل، والمجنون، والصبي يشتركون في قتل.
فكان حماد بن أبي سليمان، وقتادة والزهري، وأحمد بن حنبل يقولون في البالغ، والصبي يقتلان الرجل: على الرجل القتل، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية.
وفي قول مالك، والشافعي: على الكبير القود، وعلى الصبي نصف الدية في ماله.
وقال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والأوزاعي، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب، ومحمد: عليهم كلهم دية ولا قود [2/ 270/ألف].

(7/356)


[مسألة] (1)
م 4909 - وإذا ضرب الرجل الرجل وضربه معه أسد، أو نمر، أو خنزير، أو سبع ضربة تقع موقع الجرح الذي الأغلب أن الجرح قتل دون الثقل (2).
ففي قول أبي ثور: على الرجل القود.
واختلف عن الشافعي في هذه المسألة.
فقال مرة:" على القاتل القود، إلا أن يشاء الورثة الدية فيكون لهم نصفها".
وقال مرة: لا قود عليه.
م 4910 - وقال الشافعي: "في رجل ضرب رجلاً، ونهشته (3) حية، فمات: لا قصاص، وعلى الضارب نصف الدية حالة في ماله".
وبه قال أصحاب الرأي.
م 4911 - وإذا اشترك رجلان في قتل رجل، أحدهما أبو المقتول: فعلى الأب نصف الدية، وعلى الأجنبي القود، في قول الشافعي، وأبي ثور.
وفي قول أصحاب الرأي: عليهما الدية.
م 4912 - واختلفوا (4) المخطئ يشارك العامد في القتل.
__________
(1) ما بين المعكوفتين من الدار.
(2) في الأصل "القتل" وفي الدار "الرجل" والتصحيح من الأم.
(3) وفي الدار "أو نهشته".
(4) وفي الدار "واختلف".

(7/357)


فقال النخعي، والشافعي: لا قود عليهما، وعلى العامد نصف الدية، وعلى عاقلة المخطئ نصف الدية.
م 4913 - وقال الحسن البصري: إذا قتل أحدهما بحديدة والآخر بخشبة، فإنما هو دية.
وكذلك قال الشافعي إذا كانت الخشبة خفيفة الأغلب أن مثلها لا يقتل.
قال أبو بكر: ولو قال قائل: على العامد القود، وعلى عاقلة المخطئ نصف الدية: كان مذهباً؛ لأن القائل منهم قال: إذا قتل الأب والأجنبي ابن الرجل: كان عل الأجنبي القود، لأنهما قاتلان في الظاهر. فليقتل العامد، لأنه والمخطيء قاتلان.

16 - باب وجوه القتل
قال أبو بكر: ذكر الله جل ثناؤه قتل العمد وقتل الخطأ في كتابه، فقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} الآية.
فهذان وجهان ذكرهما الله تعالى في كتابه.
م 4914 - وأجمع أهل العلم على القول به.

(7/358)


واختلفوا في الوجه الثالث، وأنا ذاكر الاختلاف فيه بعد إن شاء الله.
م 4915 - وأجمع أهل العلم على أن من عمد فضرب رجلاً بحديد محدد مثل السيف، والخنجر، والسكين، وسنان الرمح، وما أشبه ذلك مما يشق بحده، فمات المضروب من ضربه: أن عليه القود.
م 4916 - واختلفوا في الرجل يضرب الرجل بالعصا أو السوط الضرب [2/ 270/ب] الأغلب منه أنه يقتل، أو يشدخ رأسه بالحجر الثقيل، أو الخشبة الضخمة، أو ما أشبه ذلك مما الأغلب أن
مثله يقتل.
فقال كثير من أهل العلم: عليه القود. هذا مذهب النخعي، والزهري، والحسن، وابن سيرين، وحماد بن أبي سليمان، وعمرو ابن دينار، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وروينا معنى (1) هذا القول عن عبيد بن عمير، والشعبي، ومالك.
وفيه قول ثان وهو: أن العمد ما كان بسلاح، هكذا قال عطاء، وطاووس، وسعيد بن المسيب.
__________
(1) "معنى" ساقط من الدار.

(7/359)


وقال الحسن: ليس العمد الذي يوجب القود إلا بحديدة. وبه قال الشعبي، ومسروق، وإبراهيم النخعي، والنعمان (1)، وابن الحسن، قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول؛ لأن الله عز وجل قال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا}، والقاتل بما الأغلب من مثل فعله أنه يقتل: قاتل.
(ح 1482) وثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه أوجب القصاص على من قتل بحجر.
م 4917 - وأجمع كل من احفظ عنه من أهل العلم على أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئاً فيصيب غيره. ولا أعلمهم يختلفون فيه.
وممن حفظنا ذلك عنه: عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والنخعي، والزهري، وابن شبرمة، وسفيان الثوري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.

17 - باب الوجه الثالث المختلف فيه، وهو شبه العمد
قال أبو بكر:
م 4918 - واختلفوا في شبه العمد.
__________
(1) "والنعمان" ساقط من الدار.

(7/360)


فمن أثبت شبه العمد: الشعبي، والحكم، وحماد، والنخعي، وقتادة، وسفيان الثوري، وأهل العراق، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب.
وأنكر ذلك مالك وقال: ليس في كتاب الله إلا العمد، والخطأ، وشبه العمد لم يعمل به عندنا.
(ح 1483) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا، مائة من الإبل، منها أربعون خلفةً في بطونها أولادها.

18 - باب ما يجب على الخالق، وعلى الرجل يسقي آخر السَّم [2/ 271/ألف]
م 4919 - واختلفوا في الرجل يخنق الرجل بحبل حتى يموت في خناقه.
فقال كثير من من أهل العلم: عليه القود. هذا قول عمر بن عبد العزيز، والنخعي، والشافعي، وأحمد.
وقال حماد بن أبي سليمان -في رجل خنق رجلاً حتى قتله- قال: هو خطأ.

(7/361)


وقال أصحاب الرأي: إذا خنقه حتى مات، أو طرحه في بئر، أو ألقاه من ظهر جبل، أو من سطح، فمات: لا قصاص فيه، وعلى مما قلته (1) الدية.
فإن كان خنَّاقاً قد خنق غير واحد، معروفاً بذلك، فعليه القتل.
قال أبو بكر: حكايه هذا القول تجزئ عن الادخال على قائله.
وهو مع ذلك خلاف ظاهر الكتاب والسنة.
وقال أبو بكر: قال الله جل ذكره: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً ...} وهذا قاتل عمد فعليه القتل.
(ح 1484) وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث"
وفيه" أو قتل نفس فيقتل به".
وهذا قاتل نفس.
وإذا جاز أن يكون على ألسنتهم قاتلاً في آخر مرة فهو قاتل في أول مرة.
(ح 1485) وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رضخ رأس اليهودي لما رضخ رأس الجارية بالحجارة".
م 4920 - وقال الشافعي: "إذا جعل السم في طعام رجل، فأطعمه إياه، أو سقاه إياه غير مكره له ففيها قولان:
__________
(1) وفي الدار "قاتله".

(7/362)


أحدهما: أن عليه القود، وهذا أشبههما.
والقول الثاني: أن لا قود عليه، وهو آثم. لأن الآخر شربه.
وإن خلطه فوضعه فأكله الرجل: فلا عقل، ولا قود، ولا كفارة. وقد قيل يضمن.
وقال: إذا استكرهه فسقاه سمَّا، وقال: علمت أنه يقتل، فعليه القود".
وقال مالك: عليه القود.
وقال أصحاب الرأي: إذا سقاه سماً، أو أوجره إياه إيجاراً فقتله، فلا قصاص عليه، وعلى عاقلته الدية.
ولو أعطاه إياه فشربه هو، لم يكن عليه فيه شيء ولا على عاقلته، من قبل أنه هو شربه.
م 4921 - ولو هدم رجل على قوم بيتاً، أو ضرب رجلاً متلففاً في ثوب، فماتوا.
أو فقأ عين رجل، واختلفوا: فقال الأولياء: دخل البيت وهو صحيح، أو تلفف وهو صحيح، أوكنت العين صحيحة.
فعليه [2/ 271/ب] القود في قول الشافعي، وأبي ثور عنه.
وبه قال أبو ثور، وقال: كل صحيح حكمه حكم الصحيح حتى يعلم منه غير ذلك.
وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: لا شيء عليه إلا أن تقوم بينة أنهم كانوا في وقت الهدم أصحاء.

(7/363)


م 4922 - وقال الشافعي: "من جنى (1) على رجل يسوق، يرى من حضره أنه في السياق، وأنه يقبض مكانه، فضربه بحديدة، فمات: فعليه القود".

19 - باب قتل الغيلة
قال أبو بكر:
م 4923 - اختلف أهل العلم فيمن قتل قتل (2) الغيلة.
فقالت طائفة: قتل الغيلة وغيره سواء، والقصاص والعفو فيه إلى الولي دون السلطان، هذا قول الشافعي، والنعمان.
وقال مالك: الأمر عندنا أنه يقتل به، وليس لولاة الدم أن يعفو عنه، وذلك إلى السلطان.
والغيلة عند مالك: أن يعرض لرجل أو صبي فيخدعه حتى يدخله بيتاً كي يأخذ ماله إن كان معه.
وقال أبو عبيد: "قتل الغيلة أن يغتال الإنسان فيخدع بالشيء حتى يصير إلى موضع يستخفي له فيقتله".
__________
(1) في الأصل "جاء" والتصحيح من الدار، والأم.
(2) "قتل" ساقط من الدار.

(7/364)


قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، وذلك (1) لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ...} الآية. وقد قتل من ذكرناه مظلوماً.
(ح 1486) وللثابت عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين".

20 - باب الرجل يحبس الرجل على الرجل حتى يقتله
قال أبو بكر:
م 4924 - واختلفوا في الرجل يحبس الرجل على الرجل حتى يقتله. فقالت طائفة: يقتلان جميعاً. ذكر ابن جريج هذا القول عن سليمان بن موسى أنه قال: الاجتماع فينا أن يقتلا.
وقال مالك: إن حبسه وهو يرى أنه يريد قتله: قتلا جميعاً.
وفيه قول ثالث وهو: أن يقتل القاتل، ويعاقب الحابس.
هذا قول الشافعي، وأبي ثور، والنعمان.
وقال الحكم، وحماد: يقتل القاتل.
وقال عطاء: يقتل القاتل، ويحبس الحابس حتى يموت.
__________
(1) "وذلك" ساقط من الدار.

(7/365)


وروي ذلك عن علي، وليس بثابت عنه.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقول.
وقوله تعالى: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} قال كثير من أهل المعرفة بالتفسير: لا يقتل غير قاتله.
(ح 1487) وقال النبي- صلى الله عليه وسلم - س: "إن أعتى الناس على الله عَزَّ وَجَلَّ من قتل غير قاتله.
والممسك غير قاتل (1) ".

21 - باب السيد يأمر عبده أن يقتل رجلاً فيقتله [2/ 272/ألف]
قال أبو بكر:
م 4925 - واختلفوا في الرجل يأمر عبده بأن يقتل رجلاً فيقتله.
فقال أحمد: يقتل السيد.
__________
(1) وفي الدار "غير القاتل".

(7/366)


وقد روينا هذا القول عن علي، وأبي هريرة. وقال علي: ويستودع العبد السجن.
وقال أحمد: يحبس العبد، ويضرب ويؤدب.
وقال الثوري: يعزر السيد.
وقال الحكم، وحماد: يقتل العبد.
وقال قتادة: يقتلان جميعاً.
وقال الشافعي: إن كان العبد فصيحاً يعقل: قتل العبد، وعوقب السيد، وإن كان أعجمياً: فعلى السيد القود.
وقال سليمان بن موسى قولاً خامساً قال: لا يقتل الآمر، ولكن يديه، ويعاقب، ويحبس".

22 - باب الرجل يأمر الرجل بقتل الرجل
قال أبو بكر:
م 4926 - واختلفوا في الرجل يأمر الرجل بقتل الرجل فيقتله المأمور.
فقالت طائفة: القتل على القاتل: كذلك قال عطاء، وسليمان بن موسى، والحكم، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان وهو: أنهما شريكان هكذا قال النخعي.

(7/367)


م 4927 - وقال الشافعي: "إذا أمر السلطان رجلاً بقتل رجل، والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظلماً: كان عليه وعلى الإمام القود كقاتلين معاً، وإن أكرهه الإمام عليه وعلم أنه يقتله ظلماً: كان على الإمام القود.
والمأمور قولان:
أحدهما: أن عليه القود.
والآخر: لا قود عليه. ونصف الدية، والكفارة عليه".

23 - باب القصاص في الأمراء (1) والعمال
قال أبو بكر:
م 4928 - ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يقيد من نفسه.
وثبت عن أبي بكر أنه قال لرجل شكا أن عاملاً (2) قطع يده: لئن كنت صادقاً لأقيدنَّك منه.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: وليس بين العمال وسائر العامة في أحكام الله عز وجل فرق، لقول الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}.
__________
(1) وفي الدار "من الأمراء والعمال".
(2) في الأصل "غلاماً له" والتصحيح من الدار.

(7/368)


(ح 1488) ولقول رسول (1) الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: إن أحبوا العقل، وإن أحبوا القود".

24 - باب الرجل يجد مع امرأته رجلاً فيقتله
م 4929 - وإذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً (2) فقتله.
فروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال: [2/ 272/ب] "إن لم يأت بأربعة شهداء، فليعط برمّته".
وبه قال الشافعي، وقال: "يسعه فيما بينه وبين الله قتله".
وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: وكذلك نقول.

25 - باب ما يكون به القصاص
قال أبو بكر:
م 4930 - واختلفوا فيما يفعله الولي بمن له قتله من (3) القصاص.
__________
(1) في الأصل "لقول الله عَزَّ وَجَلَّ" والتصحيح من الدار.
(2) وفي الدار "وجد امراته مع رجل".
(3) "من" ساقط من الدار.

(7/369)


فقالت طائفة: له أن يفعل بالقاتل قال ما فعل بالمقتول. هذا قول عمر بن عبد العزيز، والشعبي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وقال سفيان الثوري: القتل يمحو ذلك كله، أي القود بالسيف وبه قال عطاء.
قال أبو بكر: لولي المقتول أن يفعل بالقاتل قال ما فعل القاتل بالمقتول، يدل على ذلك الكتاب والسنة.
فأما الكتاب فقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الآية.
(ح 1489) وأما السنة، فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - باليهودي لما رضخ رأسه، لأنه كان رضخ رأس الجارية.

26 - باب المقتص منه يتلف في القصاص فيما دون النفس
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري:
م 4931 - واختلفوا في المقتص منه من يد أو رجل يموت منه.
فممن قال: لا دية له، الحسن البصري، وابن سيرين، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد.

(7/370)


وروينا ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي.
وبه نقول، لأن المقتص أخذ ما وجب له، ولم يتعد. فلما أجمعوا على أنه أخذ حقه لم يجز أن يلزم من أخذ ما يجب له شيئاً بغير حجة.
ولا أعلم أحداً يخالف في أن الإمام إذا أقام حداً أوجبه الله تعالى، فمات الذي أقيم عليه الحد: أن لا شيء على الإمام.
فكذلك إذا اقتص لمجروح (1) فمات: فإن الحق قتله.
وفيه قول ثان وهو: أن على المقتص الدية إذا تلف المقتص منه.
هذا قول عطاء، وطاووس، وعمرو بن دينار، والحارث العكلي.
وبه قال الثوري.
وقال الشعبي: دية المقتص منه على عاقلة القاص (2)، وبه قال الزهري.
وقال النعمان: دية المقتص منه على المقتص له.
وقد قيل: عليه ديته يطرح منها دية جرحه. روي هذا القول عن حماد بن أبي سليمان.
__________
(1) وفي الدار "اقتص المجروح".
(2) وفي الدار "عاقلة المقتص له".

(7/371)


27 - باب الرجل يقطع من رجلين من كل واحد منهما يمينه
قال أبو بكر:
م 4932 - كان مالك، والشافعي يقولان: إذا [2/ 273/ألف] قطع الرجل يمين رجلين تقطع يمينه بأيمانهما إذا أرادا القود.
وقال الشافعي: إن أراد أحدهما القصاص، والآخر الدية: اقتص لهذا، وأعطى الآخر دية يده من مال القاطع، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: تقطع يمينه لهما جميعاً، ويغرم لهما دية اليد من ماله نصفين.
قال أبو بكر: ومنهم ترك لأصولهم، لأنهم يقولون في رجل قتل نفسين، فجاء الأولياء يريدون القود قتلوه (1): أن لا دية لهما.
وإذا كانت النفس، الجواب فيها فكذا، فاليد أولى أن تكون كذلك.
م 4933 - وإذا قطع رجل يد رجل اليمنى ويد آخر اليسرى: اقتص منه لهما جميعاً، في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ولا أحفظ فيه خلافاً.

28 - باب المقتول يكون له ورثة صغار
قال أبو بكر:
م 934 - واختلفوا في المقتول يخلف ورثة صغاراً.
__________
(1) "فقتلوه" ساقط من الدار.

(7/372)


فقالت طائفة: يستأنى بهم بلوغ صغارهم، روينا هذا القول عن عمر بن عبد العزيز.
وبه قال ابن أبى ليلى، وابن شبرمة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: وعلى هذا القول إذا وجب أن ينتظر بلوغ صغيرهم، درجب كذلك أن ينتظر قدوم غائبهم، وإفاقة المغمى عليه منهم، حتى يحضر الغائب، أو يوكل، ويفيق المغمى عليه، أو يموت فيقوم وارثه مقامه.
وقالت طائفة: للكبار أن يقتلوا القاتل قبل بلوغ الصغار، هذا قول حماد بن أبي سليمان، ومالك، والنعمان، والأوزاعي، والليث.
واحتج بعض من وافق النعمان بأن الحسن (1) بن علي -رضي الله عنه - قتل ابن ملجم بعلي -رضي الله عنه - وكان لعلي أولاد صغار.
__________
(1) في الأصل: "الحسين" وما أثبته من الدار وهو الصحيح،

(7/373)


29 - باب مسألة
م 4935 - قال الشافعي، وأصحاب الرأي: إذا ضرب الرجل رجلاً ضربة، فمات منها، فجاء (1) الولي يقتله، فقطع يده أو رجله: فلا عقل عليه، ولا كفارة، ولكن يعذر.
م 4936 - فإن قطع يده ثم عفا عنه.
ففي قول النعمان: عليه دية اليد، لأنه أخذها بغير حق.
وفي قول أبي يوسف، ومحمد: لا ضمان عليه، من قبل أنه قد كانت له النفس.
قال أبو بكر: هذا أصح.
م 4937 - وإذا قتل الرجل الرجل -ولا ولي له- عمداً:
فالسلطان أن يقتل به قاتله، وله أن يأخذ الدية، في قول الشافعي.
وفي قول أصحاب الرأي: للسلطان أن يقتص من قاتله إن شاء، وليس له أن يعفو، لأنه لا يملك شيئاً.
فإن صالحوا على الدية فهو جائز.
قال أبو بكر: قول الشافعي أحسنهما.

30 - باب القاتل يقتله غير ولي المقتول
قال أبو بكر:
__________
(1) وفي الدار: "فحل الولي وقتله"

(7/374)


م 4938 - واختلفوا في القاتل يقتله (1) غير ولي المقتول.
فقال الحسن البصري، والثوري: يقتل الذي قتله، وبطل دم الأول (2).
وقال مالك: هذا بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمداً، ثم يموت القاتل، أي لا شيء لطالب الدم الأول.
وقد روينا عن قتادة، وأبي هاشم أنهما قالا- في رجل قتل رجل عمداً، فحبس ليقاد به، فجاء رجل فقتله عمداً- قالا: لا يقاد به.
قال أبو بكر: كأنهما شبها ذلك بالذي يجب عليه الرجم وقد زنى.
وهذا بعيد الشبه من ذلك، ذلك (3) إلى السلطان، وهذا إلى الأولياء، والأولياء بالخيار، وليس للسلطان في الزاني يجب عليه الرجم، الخيار.
وفيه قول ثالث: وهو أن على الأجنبي القصاص إلا أن يشاء ورثة المقتول الثاني أخذ الدية، فإن أرادوا الدية كانت لهم، فإن كانت عليه ديون ضم ما قبضوا من الدية إلى سائر ماله، ثم ضرب أولياء المقتول الأول مع سائر أهل الديون في ديته وماله.
وإن لم يكن عليه قبضوا أولياء المقتول ديته إذا كانت الديتان سواء.
هذا قول الشافعي.
__________
(1) وفي الدار "يقتل".
(2) وفي الدار "وبطل دم الآخرين".
(3) "ذلك" ساقط من الدار.

(7/375)


م 4939 - وإن كان القاتل الأول عامداً، والقاتل الثاني مخطئاً، ففيها أقاويل:
أحدها: أن لا شيء لورثة المقتول الأول، والدية لأولياء المقتول الثاني، هذا قول الحسن، وحماد بن أبي سليمان، والنخعي.
والقول الثاني: أن الدية لورثة المقتول الأول، هذا قول عطاء، والزهري، وأحمد، وإسحاق.
وقد ذكرت مذهب الشافعي في هذا الباب، وهو أصح المذاهب.

31 - باب إصابة الحدود في الحرم
قال أبو بكر:
م 4940 - واختلفوا في الرجل يصيب حداً خارجاً (1) من الحرم، ثم يدخل الحرم، أو يصيب في الحرم حداً.
فقالت طائفة: "من قتل أو سرق في الحل، ثم دخل الحرم: فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤوى (2)، ويناشد حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه.
ومن قتل أو سرق فأخذ في الحل فأدخل الحرم، فأرادوا أن يقيموا [2/ 274/ألف] عليه ما أصاب (3): أخرجوه من الحرم إلى الحل.
وإن قتل أو سرق في الحرم: أقيم عليه في الحرم".
__________
(1) في الأصل: "خارجاً" والتصحيح من الدار.
(2) وفي الدار: "ولا يرى".
(3) وفي الدار: "فأرادوا أن يقيموا عليهما أصاب".

(7/376)


هذا قول ابن عباس.
وقال عطاء: إن قتل في الحرم يقتل قاتله حيث شاء أهل المقتول، وبه قال الزهري، ومجاهد، والشعبي، وأحمد، وإسحاق.
وفي قول مالك، والشافعي: الحرم لا يمنع من إقامة الحدود.
واحتج مالك:
(ح 1490) بقتل النبي- صلى الله عليه وسلم - ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة.
وبهذا نقول، لأن الله تعالى أمر بجلد الزاني، وقطع السارق، وأوجب القصاص، ولم يخص (1) به مكاناً دون مكان، فإقامة ذلك تجب في كل مكان بظاهر الكتاب.

32 - باب الانتظار بالقصاص من الجرح حتى يبرأ
قال أبو بكر:
م 4941 - كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالقصاص من الجرح حتى يبرأ صاحب الجرح.
هكذا قال عطاء، والحسن البصري، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
__________
(1) وفي الدار: "يحد".

(7/377)


33 - أبواب العفو عن القصاص
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} الآية.
م 4942 - قال ابن عباس: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، قال الله لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ...} الآية، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} الآية، قال: فالعفو أن يقبل الدية في العمد.
{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}: يتبع الطالب بمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بإحسان.
{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} الآية مما كتب على من كان قبلكم.
م 4943 - واختلف أهل العلم في الأولياء الذين لهم القصاص، وإليهم العفو.
فقالت طائفة: عفو كل واحد ذي سهم جائز، هذا قول عطاء،

(7/378)


والنخعي، والحكم، وحماد، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد.
وروينا معنى هذا عن عمر بن الخطاب.
م 4944 - وقال الشعبي، وعطاء، وطاووس: عفو المرأة جائز.
م 4945 - وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: يستأنى بالصغير حتى يبلغ.
وبه قال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أصحاب الرأي في الرجلين يعفو أحديث: يكون للآخر حصته من الدية.
وقالت [2/ 274/ب] طائفة: ليس للنساء عفو، كذلك قال الحسن البصري، وقتادة، والزهري، وابن شبرمة، والليث بن سعد، والأوزاعي.

34 - باب الخيار الذي جعل لأولياء الدم والأختلاف فيه
قال أبو بكر:
م 4946 - واختلفوا في الرجل يقتل الرجل عمداً.
فقالت طائفة: الأولياء بالخيار: إن شاءوا قتلوا القاتل، وإن شاءوا أخذوا الدية، وإن شاءوا عفوا.

(7/379)


هذا قول سعيد بن المسيب، وابن سيرين، والشافعي، وأحمد (1)، وإسحاق، وأبي ثور.
وقالت طائفة: ليس لهم إلا الدم، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا، إلا أن يشاء القتل أن يعطي الدية، هذا قول النخعي.
وقال مالك: ليس للأولياء إلا القتل.
وكان قتادة ومالك يقولان: لهم أن يصالحوا على ثلاث ديات.
قال أبو بكر: الكتاب والسنة يدلان على أن أولياء المقتول بالخيار: فأما الكتاب، فقوله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية.
(ح 1491) وأما السنة فقول النبي: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى (2)، وإما أن يقتل".

35 - باب عفو المجني عليه عن (3) الجناية، وما يحدث منها إذا كانت الجناية عمداً
قال أبو بكر:
__________
(1) "وأحمد" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار: "أن يعفوا".
(3) وفي الدار: "من الجناية".

(7/380)


م 4947 - واختلفوا في المجروح يعفو عن الجراح وما يحدث منها: فكان الحسن البصري، وقتادة، والأوزاعي يقولون: إذا كان وهب المضروب دمه (1)، عند موته وعفى عنه فعفوه جائز.
وبه قال طاووس، ومالك.
وقال الشافعي- إذ هو بالعراق-: عفوه باطل، وبه قال أبو ثور.
وقال بمصر: إذا عفا عن جراحته وما يحدث منها فلا سبيل إلى قتل الجارح.
فإن كان عفا عن القصاص فليأخذ عقلاً أخذت منه الدية تامة.
وإن عفا عن العقل والقصاص ثم مات من الجرح:
فمن لم يجز الوصية للقاتل أبطل العفو، وكانت الدية تامة للورثة.
ومن أجاز ذلك ضرب بها في الثلث مع أهل الوصايا.
وقال أحمد: يكون ذلك في الثلث إذا كان المقتول خطأ، وإن كان عمداً فإنما تجب النفس بعد الموت، أي ليس للمقتول شيء.
وبه قال إسحاق.
وقال أصحاب [2/ 275/ألف] الرأي: إذا عفا عن الجناية فبرأ منها، فعفوه جائز، وإن مات منها فعفوه باطل.
ونستحسن فنجعل عليه الدية في ماله، في قول النعمان.
وإن عفا عن الجراحة وما يحدث منها فعفوه جائز.
__________
(1) وفي الدار: "حقه".

(7/381)


قال أبو بكر:
م 4948 - وإن كان القتل خطأ.
فالعفو جائز يكون في ثلثه، في قول مالك، وسفيان الثوري، وأصحاب الرأي.
فإن لم يكن له مال غير الدية جاز ثلثه.
وقد ذكرنا قول الشافعي.
وقال عمر بن عبد العزيز: "إذا تصدق الرجل بديته، وقتل خطأ، فالثلث منه جائز إذا لم يكن له مال غيره".
وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وكذلك نقول.

26 - باب الولي يقتل بعد العفو أو أخد الدية
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
م 4949 - قال ابن عباس: من بعد قبول الدية.
وبه قال الحسن، وعطاء، وقتادة.
م 4950 - واختلفوا فيمن قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه، أو بعد قبول الدية منه.

(7/382)


فقال عكرمة: عليه القود، واحتج هذه الآية.
وبه قال مالك، والثوري، والشافعي.
وبه نقول، لأن القاتل لما عفي عنه صار (1) دمه محرماً كسائر الدماء المحرمة.
وقال الحسن البصري: تؤخذ منه الدية ولا يقتل.
وقال عمر بن عبد العزيز: الحكم فيه إلى السلطان بالذي يرى فيه من (2) العقوبة.

37 - باب الوليين يعفو أحدهما ويقتل الآخر
قال أبو بكر:
م 4951 - واختلفوا في الوليين يعفو أحدهما عن الدم، ويقتل الآخر.
فقالت طائفة: يدرأ عنه القتل بالشبهة، ويكون لورثة القاتل الأول الدية على القاتل الآخر، ويرجع الذي عفا بنصف الدية في مال القاتل الأول.
هذا قول الشافعي إذ هو بالعراق.
وقال أبو ثور: إذا كان جاهلاً دريء عنه القتل وعليه الدية في ماله، وإن كان عالماً قتلناه، إلا أن يريد الأولياء الدية.
__________
(1) "صار" ساقط من الدار.
(2) في الأصلين، "بعد العقوبة" والتصويب من "عب".

(7/383)


وللوليين الأولين (1) الدية في مال المقتول الآخر.
وقال أصحاب الرأي: عليه الدية كاملة يحتسب له من ذلك نصف الدية حصته من دم المقتول الأول، ويؤدي النصف.
قال أبو بكر: النظر يدل على أن عليه القود [2/ 275/ب] إذا علم بعفو صاحبه، وإن لم يعلم كان جاهلاً فلا قود عليه، وعليه الدية.

38 - باب وجوب الأدب على من عفى عنه ولي الدم
قال أبو بكر:
م 4952 - واختلفوا فيما يجب على القاتل الذي يعفو عنه وفي الدم.
فقال مالك، والليث بن سعد، والأوزاعى: يضرب ويحبس سنة (2).
وفيه قول ثان وهو: أن لا شىء عليه من عقوبة ولا غيره، هذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وبه قال أبو ثور (3) قال: إلا أن يكون رجلاً يعرف بالشر، فيكون للإمام أن يؤدبه على قدر ما يرى.
قال أبو بكر: لاشيء عليه.
__________
(1) "الأولين" ساقط من الدار.
(2) "سنة" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "وبه قال أبو ثور، وقال الأوزاعي: إلا أن يكون" والظاهر أن سهو من الناسخ.

(7/384)


39 - باب الجراحات التي لا توجب عقلاً ولا قوداً
قال أبو بكر:
م 4953 - واختلفوا في الرجل يعض الرجل فينتزع المعضوض عضوه من فيّ العاض، فيذهب ثنية العاض.
فكان الشافعي، والنعمان يقولان: لا شىء عليه.
وروينا ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشريح.
وبه نقول.
(ح 1492) للثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "أنه أهدر ثنية العاض".
وقال مالك: على المعضوض عقل السن، وبه قال ابن أبي ليلى.

40 - باب إسقاط العقول فيما تصيب البهائم من بني آدم، من جراح وغيره، واسقاط الغرم عن مالكها
قال أبو بكر:
(ح 1493) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: "العجماء جرحها جبار".

(7/385)


والجبار: الهدر، عند أهل تهامة.
م 4954 - وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يقول ليس على صاحب الدابة المنفلتة ضمان فيما أصابت.
وممن حفظنا ذلك عه: شريح، والزهري، والحكم، وحماد بن أبي سليمان، ومالك، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان، ومن تبعهم من أهل العلم.

41 - باب هدر عين من أطلع في بيت قوم بغير إذنهم إذا أصابوه بشيء (1)
قال أبو بكر:
(ح 1494) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن امرأ طلع عليك بغير إذن، فحذفته بحصيات [2/ 276/ألف] ففقأت عينه، ما كان عليك جناح".
م 4955 - وروينا معنى ذلك عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة -رضي الله عنهما-.
وبه قال الشافعي.
__________
(1) والدار " فأصابوه بشيء".

(7/386)


وقد حكي عن النعمان أنه قال: من أطلع على قوم ففقئت عينه ضمن الذي فقأها.

42 - باب المؤمن (1) الذي يقتل ببلاد العدو خطأ
قال أبو بكر: قال السنة جل ذكره: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ...} الآية.
م 4956 - روينا عن ابن عباس أنه قال: ذلك الرجل يسلم، ثم يرجع إلى قومه، فيكون بينهم وهم مشركون، فيصيبه المسلمون خطأ في سرية أو غزاة: فيعتق الذي يصيبه رقبة.
وبمعناه قال عطاء، ومجاهد، وعكرمة، والنخعي، وقتادة.
وقال الشافعي: "معنى من قوم عدو لكم" لا يجوز إلى أن يكون: في قوم عدو لنا، ففيه تحرير رقبة، وليس فيه دية.
وبه قال الثوري، والأوزاعي، وأبو ثور.
ثم كتاب الجراح والدماء، والحمد لله رب العالمين.
__________
(1) "المؤمن" ساقط من الدار.

(7/387)