الإشراف
على مذاهب العلماء 92 - كتاب القَسامه
1 - باب الحكم بالبينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه [2/ 296/ألف]
قال أبو بكر:
(ح 1526) ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "جعل البينة على المدعي
واليمين على المدَّعى عليه".
م 5155 - فقال بظاهر هذا الحديث عوام أهل العلم من علماء الأمصار، والحكم
بظاهر ذلك يجب إلا أن يخصَّ الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه أو على لسان نبيه
- صلى الله عليه وسلم - حكماً (1) في شيء من الأشياء، فيُستثنى من جملة هذا
الخبر ما دل عليه الكتاب والسنة.
فما دل عليه الكتاب: إلزام القاذف حدَّ القذف إذا لم يكن معه أربعة شهداء
يشهدون له على صدق ما رمى به المقذوف.
وخص من رمى زوجته بأن أسقط عنه الحد إذا شهد أربع شهادات بالله إنه لمن
الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه (2) إن كان من الكاذبين.
وذكر هذا بتمامه في كتاب اللعان
__________
(1) "حكماً" ساقط من الدار.
(2) "عليه" ساقط من الدار.
(8/37)
(ح 1527) ومما خصته السنة حكم النبي - صلى
الله عليه وسلم - بالقسامة.
م 5156 - وقد اختلف أهل العلم في القسامة.
فقالت طائفة: القسامة ثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، يبدأ فيها
بالمدعين في الأيمان، فإن حلفوا استحقوا، وإن نكلوا حلف المدعى عليهم خمسين
يميناً، فإن حلفوا برئوا.
هذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، وهو مذهب يحيى بن سعيد، وربيعة، وأبي
الزناد، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل.
وفيه قول ثان وهو: إن شهد ذوا عدل على قاتله قتل به، وإن لم يشهد ذوا عدل
استُحلف خمسون رجلاً من المدعى عليهم بالله ما قتلوا ولا علموا قاتلاً، فإن
لم يحلفوا استحلف خمسون من المدعين
أن دمنا لفيكم، ثم يعطون الدية.
هذا قول الحسن البصري.
وفيه قول ثالث وهو: أن المدعى عليهم يُستحلفون ويغرَمون الدية.
روي هذا القول عن عمر، وبه قال الشعبى، والنخعي، والثوري، وأصحاب الرأي.
قالوا: والقسامة خمسون رجلاً يحلف كل واحد منهم، بالله ما قتلتُ ولا علمت
قاتلاً، ثم يغرمون الدية.
(8/38)
وفيه قول رابع وهو: التوقف عن الحكم
بالقسامة. هذا قول الحكم، وروي ذلك عن النخعي.
قال أبو بكر: القول بالأخبار الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
في وجوب القسامة يجب.
2 - باب [2/ 296/ب] القود بالقسامة
قال أبو بكر:
م 5157 - واختلفوا في وجوب القود بالقسامة.
فقالت طائفة: القسامة توجب القود. فممن رأى ذلك عبد الله ابن الزبير، وعمر
بن عبد العزيز، ومالك، وأحمد، وأبو ثور.
وفيه قولٌ ثانٍ وهو: أن القسامة توجب الدية ولا يقاد بها.
روينا هذا القول عن ابن عباس، ومعاوية، وبه قال الحسن البصري، وإبراهيم
النخعى، والثوري، والشافعي، وإسحاق، والنعمان، وأصحابه.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.
(ح 1528) لقول النبي: "تحلفون بالله وتستحقون دم صاحبكم".
م 5158 - واختلفوا في عدد من يجب أن يقتل به، فكان الزهري، ومالك، وأحمد
يقولون: لا يقتل بالقسامة إلا واحد.
(8/39)
وقال أبو ثور: إذا جاز أن يقسموا على واحد
جاز أن يقسموا على من يمكن أن يكون قتل.
3 - باب الأسباب التي إذا كانت موجودة وجب
الحكم بالقسامة إذا ادعى ذلك المدعي
قال أبو بكر:
م 5159 - واختلفوا في المعنى إذا وُجد (1) وجبَ الحكم بالقسامة.
فكان مالك، والشافعي يقولان: إذا شهد شاهد واحد عَدْل على رجل أنه قتله وجب
الحكم بالقسامة.
وقال الشافعي: إذا كان بين قوم وقوم عداوةٌ ظاهرة كالعداوة، التي كانت بين
الأنصار واليهود، ووجد قتيل في أحد الفريقين، ولا يخلطهم غيرهم: وجهت فيه
القسامة.
وقالت طائفة: إذا قال المجروح أو المضروب: دمي عند فلان ومات، كانت قسامة.
روي هذا القول عن عبد الملك بن مروان. وبه قال مالك، والليث بن سعد.
واحتج مالك بقتيل بني إسرائل، وأنه قال: قتلني فلان.
__________
(1) "وجد" ساقط من الدار.
(8/40)
قال أبو بكر: قول المجروح: دمي عند فلان.
بعيد الشبه من قتيل بين إسرائيل، لأن قتيل بني إسرائيل لم يقسم الورثة
عليه، وهو يوجب أن يقسم الورثة، ولا يستحقون شيئاً إلا بالقسامة.
وفي قوله، وقول جميع أهل العلم: أن أحداً لا يعطى بدعواه شيئاً: بيان على
أن قتيل بني إسرائيل غير جائز أن يكون لنا أصلاً تبنى عليه المسائل.
(ح 1529) وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لو يُعطى الناسُ بدعواهم
شيئاً [2/ 297/ألف] لادعى ناس دماء رجال وأموالهم.
4 - باب الأولياء الذين يحلفون في القسامة وكم أقلُّ مَن (1) يحلف منهم
قال أبو بكر:
م 5160 - واختلفوا في الأولياء، الذين يحلفون في القسامة.
فقال مالك: "لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء، وإن لم يكن في
ولاة الدم إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامةٌ.
__________
(1) وفي الدار "ما يحلف".
(8/41)
ويحلف العصبة والموالي، ويستحقون الدم،
وليس لهن أن يعفون، والعصبة والموالي أولى بذلك منهن.
وقال مالك: "يحلف من ولاة الدم خمسون رجلاً خمسين يميناً، وإن قل عددهم، أو
نكل بعضهم رُدت الأيمان عليهم إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم،
الذي يجوز لهم العفو عنه، فلا سبيل
إلى الدم إذا نكل أحد منهم".
وقال سفيان الثوري: ليس على النساء والصبيان قسامة.
وقال الليث بن سعد قول ربيعة: والأمر عندنا أنه ليس للنساء عفو، ولا قَوَد،
ولا قسامة.
وكان الأوزاعي يقول: ليس للنساء قسامة، ولا عفو، ولا قود.
وقد روينا عن النخعي، ليس للنساء قسامة، ولا عفو، ولا قود.
م 5161 - وقد روينا عن النخعي، وعطاء إن عفو كل ذي سهم جائز، وهو مذهب
الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
م 5162 - وفي قول الشافعي: لا يُقْسِم إلا وارثٌ، كان القتل عمداً أوخطأ.
ولا يحلف على مال يستحقه إلا من له الملك لنفسه، أو من جعل الله له المال
من الورثة، والورثة يُقْسِمون على قدر مواريثهم، وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: وبه نقول.
(8/42)
5 - باب العدد الذين
يقسمون من الأولياء
قال أبو بكر:
م 5163 - واختلفوا في العدد الذين يقسمون ويستحقون الدم أو العقل.
فقالت طائفة: "لا يقسم في قتل العمد إلا اثنان فصاعداً، تُرَدَّد الأيمان
عليهما حتى يحلفا خمسين يميناً، ثم قد استحقا الدم" هذا قول مالك.
وفيه قول ثان قاله الشافعي، قال: ولا يجب على أحد حق في قسامة حتى تكمل
أيمان الورثة خمسين يميناً، وسواء كثر الورثة أو قلوا.
وإذا مات الميت وترك وارثاً واحداً استحق الدية، بأن يقسم خمسين يميناً.
ولو لم يترك إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يميناً [2/ 297/ب] وأخذت
الكل، النصف بالنسب والنصف بالولاء.
وإذا ترك أكثر من خمسين وارثاً سواء في ميراثه حلف كلُّ واحد منهم يميناً،
وبه قال أبو ثور.
(8/43)
6 - باب القتيل يوجد في المحلة أو القرية
مع فقد الَّلوْثِ (1) الذي يوجب القسامة
قال أبو بكر:
م 5164 - واختلفوا في القتيل يوجد في القرية أو المحلة، فيدعيه أولياؤه على
أهل المحلة، ولا لوث معهم.
فقال مالك، والشافعي: لا قسامة في هذا، ويُستحلف المدعى عليهم.
وقال أصحاب الرأي. يختار الولي من أهل المحلة أو القرية خمسين رجلاً،
فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً. فإن لم يبلغوا خمسين كررت
الأيمان عليهم حتى يحلفوا خمسين يميناً، فإذا حلفوا غرموا الدية.
وكانت الدية على العاقلة. ولا يقسم فيهم صبي ولا امرأة ولا عبد.
وقال الثوري: إذا وجد القتيل في قرية به أثر كان عقله عليهم.
وإذا لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شيء إلا أن تقوم البينة على أحد.
قال أبو بكر: وبقول مالك، والشافعي أقول، وذلك
(ح 1530) لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - جعل البينة على المدعي واليمين
على المدعى عليه.
__________
(1) وفي الدار "الثوب" وهو خطأ.
(8/44)
(ح 1531) وَسَنُّ القَسامة في القتيل الذي
وجد بخيبر من الأنصار.
وقول أصحاب الرأي: خارج عن جمل هذه السنن.
7 - باب مسائل
قال أبو بكر:
م 5165 - واختلفوا في القتيل يوجد في دار قوم.
فقال الثوري: إن كان به أثر ففيه القسامة، وإن لم يكن به أثر فلا قسامة
فيه.
وقال حماد بن أبي سليمان: إذا وجد ميتاً لم يضمنوا، وإن وجد قتيلاً به أثر
ضمنوا.
وقال أصحاب الرأي: إذا وجد به أثر ضرب، أو جراحة، أو أثر خنق، فإن هذا قتيل
وفيه القسامة على عاقلة رب الدار.
م 5166 - واختلفوا في القتيل يوجد في المحلة.
فقال أصحاب الرأي: هو على أهل الخطة، وليس على السكان شيء.
فإن باعوا دورهم، ثم وجد قتيل في محلتهم فإن القسامة والدية على المشتري،
وليس على السكان شىء.
(8/45)
وإن كان أرباب الدور (1) الغيب، وليس على
السكان الذين وجد (2) القتيل بين أظهرهم شيء.
ثم رجع يعقوب من بينهم عن هذا القول فقال: القسامة والدية على السكان في
الدور.
وحكي هذا القول عن ابن أبي ليلى.
واحتج ابن أبي ليلى بأن أهل خيبر كانوا عمالاً يعملون سكاناً (3) فوجد
القتيل فيهم.
قال الثوري: ونحن نقول: هو على أصحاب الأصل، يعني أهل الدور.
وقال أحمد: القول قول ابن أبي ليلى في القسامة لا في الدية.
وقال الشافعي: ذلك كله سواء، ولا عقل ولا قود إلا ببينة تقوم، أو بما يوجب
القسامة فيقسم الأولياء.
قال أبو بكر: هذا أصح.
م 5167 - وكان مالك، والشافعي، والنعمان يقولون: لا (4) قسامة فيما دون
النفس.
قال أبو بكر: وهذا أصح، وبه نقول.
م 5168 - وقال الشافعي: "ومن أوجبت له دية نفس بيمين أو أوجبت له أن يبرأ
من نفس بيمين، لم يستحق هذا ولم يبرأْ هذا بأقلَّ من خمسين يميناً.
__________
(1) وفي الدار "دورهم الغيب".
(2) وفي الدار "الذين وجدوا القتيل" وهو خطأ.
(3) وفي الدار "كانوا عمالا لا يعملون سكاناً".
(4) وفي الدار "يقولون: قسامة فيها".
(8/46)
والأيمان في الدماء خلافُ الأيمان في
الحقوق، وهي في جميع الحقوق يمينٌ يمين، وفي الدماء خمسون يميناً بما سن
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في القسامة.
وكان أبو ثور يقول: من ادُّعِيّ عليه جناية عمداً كانت عليه يمين واحدة.
وحكي عن الكوفي أنه قال كقوله.
قال أبو بكر: وهذا أصح، (ح 1532) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه".
فذلك عام في كل شىء إلا في القسامة التي خصتها السنة.
8 - باب الفريقين يقتتلان، ثم يفترقان عن قتيل لا يُدْرى من قتله
قال أبو بكر:
م 5169 - وقد اختلف أهل العلم في الفريقين يقتتلان، فيفترقان عن قتيل لا
يُدْرَى من قتله.
فقال مالك: ديته على الذين نازعوهم، فإن كان القتيل أو الجريح ابن عم
الفريقين، فَعَقْله على الفريقين جميعاً.
وقال أحمد: عقله على عم عواقل الآخرين، يريد الذي نازعوهم، إلا أن يدَّعوا
على رجل بعينه فتكونَ قسامةً، وبه قال إسحاق.
(8/47)
وفيه قول ثان وهو: أن ديته على عاقلة
الفريقين جميعاً، كذلك قال ابن أبي ليلى، وبه يأخذ يعقوبُ.
وقال الثوري- في الرجلين يصطرعان (1) فيجرح أحدهما صاحبه- قال: يضمن كل
واحد منهما صاحبه.
وقال النعمان: هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيهم، إذا لم يدّعِ أولياء
القتيل على غيرهم.
وقال الشافعي، يقال لهم: إن جئتم بما يوجب القسامة على إحدى الطائفتين، أو
واحد بعينه، أو أكثر، قيل لكم: أقسموا على واحد، فإن لم تأتوا بذلك فلا عقل
ولا قود، ومن شئتم أحلفناه لكم.
9 - باب قتيل الجماعات في الزحام لا يُدرى من قتله
قال أبو بكر:
م 5170 - اختلف أهل العلم في المقتول في الزحام.
فقالت طائفة: ديته على بيت المال، روينا هذا القول عن عمر، وعلي، وبه قال
إسحاق، والثوري.
كذلك قال: إذا وجد مقتولا على الجسر.
وفيه قول ثان وهو: أن ديته على من حضر. هذا قول الحسن البصري، والزهري.
__________
(1) وفي الدار "يصطدمان".
(8/48)
وفيه قول ثالث وهو: أن ديته هَدَرٌ، هذا
قول مالك.
ويه قول رابع وهو: "أن يقال لوليه: ادّعِ على مَن شئت، فإذا ادعى (1) على
أحد بعينه، أو جماعةٍ كانت يمكن أن يكونوا قاتليه في الجميع (2) قُبلت
دعواه، وحلف واستحق على عواقلهم الدية
في ثلاث سنين"، هذا قول الشافعي.
10 - باب القسامة في العبد
قال أبو بكر:
م 5171 - واختلفوا القسامة في العبد.
فقال الزهري، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور: لا قسامة في.
وفي قول ثان وهو: أن لسيد العبد القسامة. هذا قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: في العبد القسامةُ على الذين وجد العبد بين أظهرهم، كما
يكون في الحر.
م 5172 - وكان مالك والشافعي يريان القسامة في قتل الخطأ.
11 - باب صفة اليمين في القسامة
قال أبو بكر:
__________
(1) وفي الدار "حلف".
(2) وفي الدار "الجمع".
(8/49)
(ح 1533) ثبت أن بني الله - صلى الله عليه
وسلم - نهى عن الحلف بغير الله.
م 5173 - وأجمعوا على أن من حلف بالله أنه حالف.
م 5174 - واختلفوا في كيفية اليمين في القسامة.
قال مالك: اليمين في القسامة: والله الذي لا إله إلا هو لهو ضَرَبه ولِمَنْ
ضَرْبِته (1) مات.
وقال الشافعي: "يحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور، لقد قتل فلان فلاناً منفرداً بقتله، ما شركه في قتله آخر غيره".
وقال [2/ 299/ألف] النعمان: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، فإن اتهمه
القاضي غلَّظ عليه اليمين فقال له: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب
والشهادة الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم
من العلانية، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
قال أبو بكر: والذي يجب أن يُستحلف به المدعى عليه بالله، ولو استحلفه
الحكم بالله الذي لا إله إلا هو لكان مذهباً حسناً.
واختلف مالك والشافعي في الأيمان يكون فيها المكسور.
فقال مالك: إذا قُسمت بينهم نُظِر إلى الذي يكون عليه أكثرُ تلك اليمين
فتجبر عليه تلك اليمين.
__________
(1) وفي الدار "ولمن ضربه".
(8/50)
وقال الشافعي: من وقع عليه أولُّ كسر يمين
جبرها.
وسواء كانت زوجة أو غير زوجة تجبر الكسور كلها في مذهبه على مَن وقع عليه
كسرُ يمين.
(8/51)
|