الإشراف
على مذاهب العلماء 92 - كتاب المرتد
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري:
قال الله جل ذكره: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ
وَهُوَ كَافِرٌ} إلى قوله {خَالِدُونَ}.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
وقال عز وجل: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} إلى قوله {وَلَا هُمْ
يُنْظَرُونَ}.
1 - باب حكم (1) المرتد والمرتدة
قال أبو بكر:
ح 1534) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من رجع عن دينه
فاقتلوه، ولا تعذبوا بعذاب الله".
__________
(1) "حكم" ساقط من الدار.
(8/52)
(ح 1535) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: "لا يحل دم امرئ (1) يشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلا إحدى ثلاث (2) نفر: النفس
بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والثيب الزاني".
واختلفوا في استتابة المرتد.
فقالت طائفة: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، روينا هذا القول عن عمر، وعثمان،
وعلي.
وبه قال عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومالك، وسفيان الثوري،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وفيه قول ثان وهو: أن يقتل ولا يستتاب، هذا قول عبيد بن عمير وطاووس.
وقيل اختلف فيه عن الحسن، وقد روينا عن عطاء قولاً ثالثا قال: إذا كان
مسلما ممن ولد في الإِسلام، ثم ارتد لم يستتب ويقتل. وإذا كان مشركا ثم
أسلم، ثم ارتد يستتاب.
والرواية الأولى عن عطاء أثبت [2/ 299/ب].
م 5176 - واختلف الذين رأوا أن يستتاب المرتد.
__________
(1) وفي الدار "دم رجل".
(2) وفي الدار "أحد ثلاثة نفر".
(8/53)
فقالت طائفة: يستتاب ثلاثة أيام، روينا ذلك
عن عمر، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق (1).
وقال مالك: إنه ليقال ثلاثة أيام، وأرى ذلك حسناً، وما يأتي من الاستظهار
إلا خيرا.
واستحسن ذلك أصحاب الرأي.
واختلفوا قول الشافعي في هذا الباب.
فقال في كتاب المرتد: يقتل مكانه.
وقال في مكان آخر: والقول الثاني أن يحبس ثلاثاً.
ومال المزني إلى القول الأول.
وفيه قول ثالث قاله الزهري، قال: يُدعى إلى الإِسلام ثلاث مرات (2)، فإن
أبى ضُربت عنقه.
وروينا عن علي بن أبي طالب قولاً رابعاً (3) وهو: أنه استتاب رجلاً كفر بعد
إيمانه شهراً، فأبى فقتله.
وقال النخعي: يستتاب أبداً.
وقال الثوري: "هذا الذي نأخذ (4) به".
__________
(1) "وإسحاق" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "ثلاث مرار".
(3) في الأصلين "قولاً ثالثاً".
(4) "نأخذ به ... إلى قوله: وهو قوله: من" ساقط من الدار.
(8/54)
قال أبو بكر: وقد اختلفت الأخبار عن عمر في
هذا الباب.
واستعمال ما أمر به النبي- صلى الله عليه وسلم - يجب، وهو قوله:
(ح 1536) "من بدل دينه فاقتلوه".
وحسن أن يستتاب، فإن تاب مكانه وإلا قتل.
2 - باب ارتداد المرأة المسلمة
قال أبو بكر:
(ح 1537) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من بدل دينه
فاقتلوه".
قولاً عاماً يدخل فيه الرجال والنساء، لأنه لم يخص امرأة دون رجل.
م 5177 - وقد اختُلِف فيه.
فقالت طائفة: في المرأة إذا ارتدت: تقتل إن لم ترجعْ إلى الإِسلام.
كذلك قال الحسن البصري، والزهري، ومكحول، والنخعي، وحماد، ومالك، والليث بن
سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
(8/55)
وفيه قول ثان وهو: أنها تُسترق ولا تقتل،
يُروى هذا القول عن علي بن أبي طالب. وبه قال قتادة، والحسن البصري.
وفيه قول ثالث وهو: أنها تسجن ولا تقتل، روي هذا القول عن ابن عباس ولا
يصحُ ذلك عنه.
وقال النعمان: تجبر على الإِسلام ولا تقتل تحبس المرأة الحرة وتجبر على
الإِسلام.
قال أبو بكر: بظاهر قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نقول.
م 5178 - واختلفوا في الأمة ترتد عن الإِسلام.
ففي قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: تقتل إن لم تتب.
وفي قول أصحاب الرأي: تدفع إلى مولاها، ويؤمر مولاها أن يجبرها على
الإِسلام.
قال أبو بكر: دخل في ظاهر قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، [2/ 300
/ألف]- صلى الله عليه وسلم - "من بدل دينه فاقتلوه" الرجال والنساء،
والعبيد والإماء.
3 - باب النصرانيين يسلم أحدهما
قال أبو بكر:
م 5179 - أجمع أهل العلم على أن النصرانيْين إذا أسلم أحدهما ولهما
(8/56)
أولاد بالغون رجال ونساء، أنهم لا يكونون
مسلمين بإسلام أيهما أسلم منهما.
م 5180 - واختلفوا في النصرانيين يُسْلم أحدهما ولهما أولاد أطفال لم
يبلغوا.
فقالت طائفة: يكونون على دين الأب نصرانيا كان أو مسلما. هذا قول مالك.
وفيه قول ثانٍ وهو: أن يكون حكم الأولاد حكمَ المسلم منهما.
هذا قول الشافعي، وأحمد.
وفيه قول ثالث وهو: إذا بلغ فهو بالخيار: إن شاء دين أبيه، وإن شاء دين
أمه. هذا قول الثوري.
وقال أصحاب الرأي: إذا أسلم أبواه، أو أحدهما، ثم أدرك وأبى الإسلام، أجبر
على الإِسلام، ولم يقتل.
وقال الأوزاعي: إذا أبى الأولاد الأطفال أن يسلموا بإسلام أبيهم حتى بلغوا،
تُركوا وأولياؤهم من أهل دينهم.
م 5181 - واختلفوا في صبي لم يبلغ، ابن عشر سنين ارتد عن الإِسلام، وتحته
امرأةٌ مسلمة.
فقال الشافعي، وزُفَر: لا تبين منه امرأته.
وقال يعقوب: ردته رِدَّة، وقد بانت منه امرأته.
وقال أحمد، وإسحاق: أجبره على الإِسلام.
وقال النعمان: إذا عَقَل الصبى ارتدادُه ارتدادٌ، إلا أنه لا يقتل، ويجبر
على الإِسلام، وإسلامه إسلام، ولا يرث
(8/57)
أبواه (1) إن كانا كافرَيْن، وبه قال محمد.
وقال يعقوب: ارتداده ارتداد، وإسلامه إسلام.
4 - باب من انتقل من كفر إلى كفر
قال أبو بكر:
م 5182 - واختلفوا فيمن انتقل من اليهود إلى دين النصارى، أو من دين
النصارى إلى دين اليهود والمجوس.
فكان الشافعي يقول: إن رجَع إلى دينه، وإلا بلغ أي بلاد الحرب شاء الإمام
من أهل دينه، ثم حورب.
وفي قول مالك، وأبي ثور: ذلك كفرٌ كله، ولا يجب عليه شيء.
5 - باب المغلوب على عقله يتكلم بالردة،
والسكران يتكلم بالكفر
قال أبو بكر:
م 5183 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المجنون إذا ارتد في حال
جنونه (2) أنه مسلم على ما كان قبل ذلك، ولو قتله قاتل عمدا [2/ 300/ب] كان
عليه القود إذا طلب أولياؤه ذلك.
__________
(1) وفي الدار "لا يرث أبويه".
(2) وفي الدار "حال حياته".
(8/58)
م 5184 - واختلفوا في السكران يرتد.
فكان الشافعي، ويعقوبُ يلزمانه الارتداد.
وقال النعمان في السكران يرتد: ليس ردته ردةً. هذا هَذَيان،
لم يكن كفره كفراً لأن قلبه لم يعقد عليه.
قال أبو بكر: لست أجد دلالة توجب على السكران الذي تكلم بالكفر كفراً يوجب
قتله.
6 - باب ارتداد العبد والأمة وجنايتهما في حال
ارتدادهما
قال أبو بكر:
(ح 1538) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من بدل دينه
فاقتلوه".
دخل في ظاهر قوله الأحرارُ، والعبيد، والرجال، والنساء.
م 5185 - وممن قال بأن العبد إذا ارتد فاستتيب فلم يتب يجبُ قتله: مالك
والأوزاعي، والشافعي، والنعمان، ومن تبعهم، ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم.
م 5186 - وقال النعمان في العبد إذا جنى وهو مرتد فجنايته كجناية غير
المرتد، فإن جُنِيَ عليه وهو مرتد فليس على الجاني شيء لأن دمه حلال.
وقال الأوزاعي: جنايته هدر، فإن رجع إلى الإِسلام كانت جنايته في رقبته.
(8/59)
وكان الشافعي، يجعل جناية العبد المرتد في
رقبته، فإن فداه السيد قتل على الردة، وإن لم يَفْده قتل على الردة ولا شيء
للمجني عليه على مولى العبد شيء (1).
7 - باب ما يجب على من سب نبي الله - صلى الله
عليه وسلم -
قال أبو بكر:
م 5187 - أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -
القتل.
وممن قال ذلك: مالك، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.
وقد حكي عن النعمان أنه قال: لا يقتل من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -
من أهل الذمة، وما هم (2) عليه من الشرك أعظم.
قال أبو بكر: ومما يحتج به في هذا الباب قصة كعب بن الأشرف.
(ح 1539) وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لكعب بن الأشرف فإنه
قد آذى الله
ورسوله" فانتدب له جماعة بإذن النبي- صلى الله عليه وسلم - فقتلوه.
__________
(1) "على مولى العبد شيء" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "فإنهم عليه".
(8/60)
وتغيظ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه - على
رجل، فقال مِن أصحابه أبو برزة: أضرب عنقه؟ فقال: ما كانت لأحد بعد رسول
الله- صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو بكر: فأما من بعد رسول [2/ 301/ألف] الله - صلى الله عليه وسلم -،
فلا أعلم أحدا يوجب قتل من سب من بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
8 - باب المكره على الكفر
[(1) قال أبو بكر: قال الله جل ثناؤه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}].
م 5188 - واختلفوا في المكره على الكفر أو الإِسلام.
فقالت طائفة: إذا أكره على الكفر لم تَبن منه زوجته، ولم يحكم عليه بحكم
الكفر، هذا قول مالك بن أنس، والشافعي، والنعمان، ويعقوب.
وقال ابن الحسن: إذا أظهر الشرك كان مرتداً في الظاهر، وهو فيما بينه وبين
الله عَزَّ وَجَلَّ على الإِسلام إن كان مخلصًا للإسلام بقلبه، وتبين منه
امرأته، ولا يُصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلماً.
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(8/61)
م 5189 - ولو أن نصرانياً أجبره والٍ على
الإِسلام، فأسلم لم يكن ذلك إسلاما، في قول النعمان، وهذا على مذهب
الشافعي.
وفي قول محمد: يكون إسلاماً في الظاهر، فإن رجع عنه استتُيب فإن تاب وإلا
قتل.
قال أبو بكر:
(ح 1540) قال الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمَانِ} الآية نزلت في عمار وغيره، قال لهم كلمة أعجبتهم تقية،
فاشتد على عمار الذي كان تكلم به، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"كيف كان قلبك حين قلتَ الذي قلت؟ أكان منشرحاً بالذي قلت أم لا؟ " فأنزل
الله
عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}
الآية.
(ح 1541) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جل ذكره
تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه".
م 5190 - وقد روينا عن جماعة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
أنهم كانوا لا يرون طلاقَ المكره شيئاً.
منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير
-رضي الله عنهم-.
(8/62)
وبه قال طاووس، وعطاء، وجابر بن زيد،
وشريح، والحسن البصري، وعبيد الله بن عمير، وأيوب السختياني، ومالك،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
9 - باب استتابة الزنديق
قال أبو بكر:
م 5191 - واختلفوا في الزنديق يُظهر عليه، هل يستتاب أم يقتل، ولا يقبل منه
الرجوع؟.
(8/63)
فقالت طائفة: تقبل توبته إن تاب، ويقتل إن
لم يتب. يُروى هذا القول عن علي بن أبي طالب، وبه قال عبيد الله بن الحسن،
والشافعي.
وكان مالك، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق يقولون: لا يستتابون.
وقال مالك: يقتل الزنادقة، ولا يستتابون.
وقال أحمد [2/ 301/ب] بن حنبل: الزنديق لا يستتاب، روى ذلك عنه إسحاق بن
منصور (1).
وذكر الأثرم أنه ذُكر لأحمد الزنديق فقال: لا أدري.
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول. وقد احتج بقول الله تعالى في
المنافقين: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ} قال: وهذا يدل على أن إظهار الإيمان جنة من القتل.
(ح 1542) وقال المقداد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "ارأيت إن اختلفت
أنا ورجل من المشركين ضربتين بالسيف، فضربني فقطع يدي، فلما أهويت إليه
لأقتله قال: لا إله الله، أأقتله أم أدعه؟ قال: بل دعه".
__________
(1) وفي الدار "وذكر ذلك إسحاق بن منصور عنه".
(8/64)
10 - باب مال المرتد
المقتول على ردته
قال أبو بكر:
م 5192 - واختلفوا في مال المرتد المقتول على ردته.
فقالت طائفة: ميراثه لورثته من المسلمين. هذا قول الليث بن سعد، وإسحاق بن
راهويه، والنعمان.
وروينا هذا القول عن علي بن أبي طالب، والحسن البصري، والشعبى، والحكم.
وقال الأوزاعي: إذا كان في دار الإِسلام قتل وقسم ماله بين ورثته.
وقالت طائفة: لا يرث المرتد ورثتُهُ من المسلمين ولا يرثهم، لأنه كافر.
(ح 1543) وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرث الكافر
المسلم ولا المسلم الكافر".
هذا قول ربيعة، وابن أبي ليلى، ومالك، والشافعي، وأبي ثور.
وبه نقول.
وفي هذه المسألة قول ثالث وهو: أن ماله لورثته من المسلمين، وما أصاب في
ارتداده فهو فيء للمسلمين، هذا قول سفيان الثوري.
(8/65)
واختلف فيه عن أحمد.
فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال: ماله للمسلمين، وحكى الأثرم عه أنه قال:
كنت أقول به، ثم جَبُنت عنه، قال: هو كما ترى قتل على الكفر فكيف يرثه
المسلمون؟، وقال: هو في بيت المال.
وضعّف أحمد حديث علي.
11 - باب ما يفعل المرتد في ماله من هبة، وعتق،
وعطية، وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 5193 - واختلفوا في المرتد يعتق عبداً من عبيده، أو يهبَ شيئاً من ماله.
فقالت طائفة: "كل ما فعله في ماله فهو جائز إذا رجع إلى الإِسلام (1)، كما
كان يصنع قبل الردة.
إذا وُقِف فلا سبيل له على إتلاف شيء من ماله بعوض ولا غيره ما كان موقوفاً
[2/ 302/ألف] فإن أعتق، أو كاتب، أو دبَّر، أو اشترى، أو باع: فذلك موقوف
لا ينفذ منه شيء في حال ردته، فإن رجع إلى الإِسلام لزمه ذلك كله إلا البيع
فإذا فَسخ بيعه انفسخ.
هذا قول الشافعي.
__________
(1) "إذا رجع إلى الإِسلام" ساقط من الدار.
(8/66)
وقال النعمان: كل شيء صنع المرتد من عتق،
أو بيع، أو شراء: فهو جائز إذا رجع إلى الإِسلام، وإذا لحق بدار الحرب، أو
مات على ردته، فكل شيء صنع فهو باطل.
وقال يعقوب: كل شيء صنع من كذلك فهو جائز.
وقال محمد: هو جائز كما يجوز للمريض، لأنه يقتل.
م 5194 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرتد لا يزول ملكه عن
ماله (1) بارتداده.
م 5195 - وأجمعوا كذلك أنه برجوعه إلى الإِسلام مردودٌ إليه ماله ما لم
يلحق بدار الحرب.
وإنما اختلفوا فيما يجوز له أن يفعله في ماله، وقد بينا ذلك.
قال أبو بكر: ليس يخلو فعله في ماله في حال ارتداده من أحد وجهين:
إما أن يكون جائزاً فعلُه في ماله كما كان قبل أن يرتد.
أو يكونَ ممنوعاً من ماله كما ارتد أن يحدث فيه حدثا.
وأنا استخير الله تعالى فيه.
12 - باب لحوق المرتد بدار الحرب
قال أبو بكر:
م 5196 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرتد إذا تاب ورجع إلى
الإسلام: أن ماله مردود إليه.
__________
(1) "عن ماله" ساقط من الدار.
(8/67)
م 5197 - واختلفوا في مال المرتد اللاحق
بدار الحرب.
فقالت طائفة: إذا قتل المرتد، أو مات فماله للمسلمين دون ورثته. لم يفرقوا
في ذلك بين من مات منهم أو قتل في دار الحرب، أو دار الإِسلام، هذا قول
مالك، والشافعي.
وقال الأوزاعي: ماله بمنزلة دمه إذا لحق بدار الحرب.
وقال الثوري: إذا قتل المرتد فماله لورثته، إذا لحق بدار الحرب فماله
للمسلمين.
وقال النعمان: يقسم ماله بين ورثته على سهام الله وفرائضه، مات أو لحق بدار
الحرب.
وقال الحسن البصري: ما حمل معه من ماله فهو مغنم إذا أصيب، وما خلف فهو
لورثته.
13 - باب حكم ولد المرتد
قال أبو بكر:
م 5198 - واختلفوا في ولد المرتد، وولد المعاهد [2/ 302/ب] اللاحق بدار
الحرب.
فكان الشافعي (1) يقول: حكم أولاد المرتد حكم الإِسلام، فإن بلغ وأبي
الإِسلام استتيب، فإن تاب وإلا قتل. ولا تسبى للمرتد ذرية".
__________
(1) في الأصل "فكان مالك والشافعي يقول" والتصحيح من الدار، والأوسط
المخطوط.
(8/68)
وقال الأوزاعي: إن كان تزوج في دار الحرب
وولد له، ثم رجع إلى الإِسلام ألحقت به ذريته، ووضعت امرأته في القاسم، وإن
أبي إن يسلم وضعت امرأته وولدها في المقاسم.
وقال النعمان: إن ارتد الرجل وامرأته عن الإِسلام جميعاً معاً فهما على
النكاح، فإن لحقا بدار الحرب، فحملت في دار الحرب فولدت، ثم ظُهِر على
ولدها فإنه فيء، ويجبر على الإِسلام إذا سُبِيَ صغيراً.
وإن ولد لولدهما ولدٌ، ثم ظهر على ولد الولد، كان فيئاً، ولم يجبر على
الإِسلام.
إنما يجبر على الإِسلام المرتدون وأولادهم لأصلابهم، فأما أولاد أولادهم
الذين ولدوا في دار الحرب فهم فيء ولا يجبرون على الإِسلام.
14 - باب قتل المرتد وجرحه
قال أبو بكر:
(ح 1544) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفرٍ بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتلِ نفس بغير
نفس".
قال أبو بكر:
م 5199 - فإذا عدا رجل على مرتد فقتله بغير إذن الإمام، فلا شيء عليه من
(8/69)
عَقل، ولا قَوَد، لأنه قتل نفساً مباحةَ
الدم (1).
غير أن الإمام ينهاه عن ذلك، لأنه تولى ما ليس إليه، ويعزِّره إن رأى ذلك.
وإذا قطع بعض أطراف المرتد، أو جرح كان كذلك.
م 5200 - وقد اختلفوا فيمن جرح مرتداً، ثم أسلم المرتد.
فكان الأوزاعي يقول: إن راجع الإِسلام عُقلت جراحته (2)، وإن قتل على كفر،
فجراحته هدْر.
وكان الشافعي لا يجعل له عقلاً ولا قوداً.
وقال الثوري كما قال الشافعي، ولكنْ يعزر لأنه فعل ذلك دون الإمام.
15 - باب ما يحدثه (3) المرتد في حال ارتداده
قال أبو بكر:
م 5201 - كان الليث بن سعد يقول في الحر والعبد المرتديْن يجنيان: أما الحر
فإن هو رجع إلى الإسلام وتاب من الكفر اقتُصَّ منه [2/ 303/ألف] إن كان
تعمد، وكانت الدية على عاقلته في
الخطأ، وإن لم يرجع وكان مقتولا على كفره فالقتل يقطع كل جناية لأنه يأتي
على نفسه.
__________
(1) "الدم" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "جراحه".
(3) وفي الدار "يجني المرتد".
(8/70)
والعبد إن جَنى على حر ورجع إلى الإِسلام،
اقتص منه، وإن كره ذلك فداه سيده أو بيع فيه رقبته، وإن لم يتعمد فالعقل في
رقبته ولا قصاص عليه.
وقال في الرجل المرتد يقتل رجلاً خطأ، ثم يلحق بدار الحرب، أو يقتل على
ردته، فالدية فما اكتسبت في حال الإِسلام.
وقال يعقوب: فما اكتسبت في حال الإِسلام وحال الردة.
وقال قائل: لا يؤخذ بشيء مما أحدثه في حال ارتداده إذا حارب ونابذ
المسلمين.
وقال الشافعي "إذا عرضت الجماعة لقوم من مارّة الطريق بعد أن يرتدوا عن
الإِسلام، ثم فعلوا وهم مرتدون لم يقم عليهم شيء من هذا بأنهم فعلوه وهم
مشركون".
وقال في كتاب جراح العمْد: "إن الجناياتِ تلزم المرتدين في حال الارتداد،
وإن الحكم عليهم كالحكم على المسلمين، لا يُخْتلَف في العقل والقود، أو
ضمان (1) ما يضمنون (2)، وسواء قبل أن يُقْهروا
أو بعد ما قُهروا، فتابوا أو لم يتوبوا، لا يختلف ذلك.
16 - باب مسألة
قال أبو بكر:
م 5202 - واختلفوا في المسلم يصيب حداً أو حدوداً، ثم يرتد، ثم
__________
(1) وفي الدار "ولا ضمان".
(2) وفي الأم "ما يصيبون".
(8/71)
يرجع إلى الإِسلام.
فقالت طائفة: تُقام عليه تلك الحدود، لأنه فعلها وهو ممن يلزمه ذلك، هذا
قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثانِ وهو: أنه إذا أحدث في الإِسلام حدثا، ثم لحق بأرض الرومَ
(1)، ثم قدر عليه الإمام، إن كان ارتد عن الإِسلام كافراً دُرِئَ عند الحد،
وإن لم يرتدّ أقيم عليه، هذا قول قتادة.
وقال الثوري: إذا سرق وزنى، ثم ارتد عن الإِسلام، ثم تاب: هدم الإِسلام ما
كان قبل ذلك إلا حقوق الناس بعضهم لبعض.
17 - باب زوجة المرتد والحكم فيها
قال أبو بكر:
م 5203 - واختلفوا في حكم زوجة المرتد.
فقالت طائفة: أيّ الزوجين ارتد انفسخ النكاح بينهما ساعةَ يرتد أحدهما، [2/
303/ب] هذا قول مالك، والثوري، وأبي ثور، والنعمان، وأصحابه.
وبه قال الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز.
وفيه قول سواه وهو: أنها محبوسة على العِدة، انِ انقضت العدة قبل أن يرجع
الزوج إلى الإِسلام فقد بانت منه، وإن رجع إلى
__________
(1) وفي الدار "بأرض الحرب".
(8/72)
الإِسلام وهي في العدة فهما على النكاح.
هذا قول النخعي، والشعبي، والحكم، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لقوله عز وجل: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ}.
18 - باب ذبيحة المرتد
قال أبو بكر:
م 5204 - واختلفوا في ذبيحة المرتد.
فقال مالك، والشافعي، والنعمان، ويعقوب، وابن الحسن، وأبو ثور: لا تؤكل
ذبيحته.
وقال إسحاق: ذبيحة المرتد إذا ذهب إلى النصرانية جائزةٌ.
وحُكي ذلك عن الأوزاعي، واحتج بقول علي: من تولى قوماً فهو منهم.
19 - باب استتابة القدرية، وسائر أهل البدع
قال أبو بكر:
م 5205 - واختلفوا في استتابة أهل البدع، مثل القَدَرية،
(8/73)
والإباضية.
(8/74)
فكان مالك يقول: "أرى أن يستتابوا، فإن
تابوا وإلا قتلوا".
وفي قول الشافعي: لا يستتابون. وكان يذم الكلام ذماً شديداً.
وكان يقول: لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه
بشيء من الأهواء.
وقال شبابة، وأبو النضر.
المِرِّيسي كافر جاحد، يستتاب، فإن تات وإلا ضربت عنقه.
وقال يزيد بن هارون: جَهْمٌ كافر قتله سالم بن أحوز بأصبهان على هذا القول.
20 - باب صفة كمال وصف الإيمان
قال أبو بكر:
م 5206 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن
لا إله الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأن كل ما جاء به
(8/75)
محمد حق، وأتبرأ من كل دين خالف دين
الإِسلام. وهو بالغ صحيح يعقل: أنه مسلم.
فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان (1) مرتداً يجب عليه ما يجب على المرتد.
م 5207 - واختلفوا فيمن شهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله، ولم يزد
على ذلك.
فكان الشافعي يقول: "إن كان من أهل الأوثان ومَن لا دين له يدعي أنه دين
نبوة ولا كتاب، فإذا أقر بهذا فقد أقر بالإيمان، ومتى [2/ 304/ألف] رجع عنه
قتل.
وإن كان على دين اليهودية أو النصرانية فهؤلاء يدَّعون دين موسى وعيسى، وقد
بدلوا منه، فقد قيل لي (2): إن فيهم من هو (3) مقيم على دينه يشهد أن لا
إله الله ويشهد أن محمدا رسول الله، ويقول: لم يبعث إلينا.
فإن كان فيهم أحد هكذا لم يكن هذا مستكملَ الإيمان حتى يقول: وأن دين محمد
حق أو فرض، وأبرأ مما خالف دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو دين
الإسلام.
فإذا قال هذا فقد استكمل دينَ الإِسلام الإقرارُ بالإيمان، فإذا رجع عنه
استُتيب، فإن تاب وإلا قتل.
__________
(1) وفي الدار "على مرتداً".
(2) "لي" ساقط من الدار.
(3) "من هو" ساقط من الدار.
(8/76)
وقال أصحاب الرأي في النصراني يقول: أشهد
(1) أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -،
ولم يقل: إني داخل في الإِسلام، ولا يتبرأ من النصرانية لم يكن ذلك مسلما
إلا أن يصلي مع المسلمين في جماعة، أو يؤذّنَ لهم.
وقال أحمد في رجل قال: أشهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله: يجبر على
الإِسلام.
وأنكر على من قال: لا يجبر.
21 - باب المرتد مرة بعد مرة
قال أبو بكر:
م 5208 - واختلفوا فيمن ارتد مرة بعد مرة.
فقالت طائفة: يستتاب، ليس له حد ينتهي إليه، هذا قول الشافعي، وأحمد، وابن
القاسم صاحب مالك (2).
وقال أصحاب الرأي (3): إذا ارتد ثم تاب، ثم ارتد، ثم تاب، ثم أتى به في
الثالثة، استتبْناه أيضاً فإن لم يتب قتلناه، ولا نؤجله.
وإن تاب ضربناه ضرباً وجيعاً، ولا نبلغ به الحد، ثم حبسناه، ولم نخرجه من
السجن حتى نرى عليه أثر خشوع التوبة. فإن فعل ذلك خُلّي سبيله.
__________
(1) "أشهد أن لا إله الله ... إلى قوله: وقال أحمد في رجل قال" ساقط من
الدار.
(2) "وابن القاسم صاحب مالك" ساقط من الدار.
(3) "الرأى" ساقط من الدار.
(8/77)
وقالت طائفة: يستتاب ثلاثا، فإن ارتد
الرابعة قتل. هذا قول إسحاق.
قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح (1).
22 - باب تأديب المرتد إذا رجع إلى الإسلام
قال أبو بكر:
م 5209 - لا نعلمُ أحداً أوجب على المرتد مرة واحدة أدباً إذا رجع إلى
الإِسلام.
وهذا على مذهب مالك، والشافعي، والكوفي.
23 - مسائل من هذا الكتاب (2)
قال أبو بكر:
م 5210 - أجمع أهل العلم على أن شهادة شاهديْن يجب قَبولهما على الارتداد،
ويقتل المرتد [2/ 304/ب] بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإِسلام.
هذا قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي.
__________
(1) وفي الدار "أصح".
(2) في الأصل "الباب" والتصحيح من الدار.
(8/78)
ولا نعلم أحدا خالفهم في ذلك إلا الحسنَ
البصري فإنه كان يقول: لا يقبل في القتل (1) إلا شهادةُ أربعة شهداء.
م 2511 - وقال الشافعي: "وإذا كان على المرتد دَيْن تدينه (2) قبل الردة،
ثم ارتد: قُضِيَ عنه إن كان حالاً، وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله، إلا (3)
أن يموت فيحلّ بموته (4) وإقراره بالدين جائز
بعد الردة".
وقال أصحاب الرأي: يُقضى دينه من ماله الذي كان له، وما بقي يكون لورثته.
وقال الحسن: يقضى دَينه من ماله الذي اكتسبه قبل أن يرتدَّ، فإن لم يف
بدينه لم يقض مما أفاد في حال ارتداده شيء، وكان ذلك فيْئاً للمسلمين.
وقال يعقوب: الدين في المالين جميعاً.
قال أبو بكر:
م 5212 - وإن كان للمرتد دَين أُخذ دَينهُ فوُقِفَ مع ماله. وإن كان إلى
أجل فهو إلى أجله، إذا حل قبض.
م 2513 - وليس له أن يَنكح امرأة مسلمة، ولا ذمية، لأنه كافر لا ينعقد
نكاحُه على مسلمة، ولا يُقرُّ على دِينه فينكحَ ذمية.
__________
(1) وفي الدار "في القتال".
(2) وفي الدار "ببينة".
(3) وفي الدار "إلى".
(4) وفي الدار "بموته في الدار".
(8/79)
م 5214 - وإن ارتد عن الإِسلام فقتل رجلاً
خطأً، ثم (1) لحق بدار الحرب: كانت الدية في ماله وفيما اكتسبه في حال
الإِسلام وحال الردة في قول الشافعي، ويعقوب، ومحمد.
وقال النعمان: الدية فيما اكتسبت في حال الإِسلام.
قال أبو بكر: وبقول الشافعي أقولِ.
قال أبو بكر:
م 5215 - إذا تكلم المراهق الذي لم يبلغْ من المسلمين بالكفر، فقتله رجل،
فعلى قاتله القَودُ، في قول الشافعي، والكوفي.
م 5216 - وميراثه لورثته من المسلمين، في مذهبهم جميعاً.
__________
(1) "ثم" ساقط من الدار.
(8/80)
|