الإشراف
على مذاهب العلماء 99 - كتاب (1) [2/ 337/ب] أحكام تارك
الصلاة
قال أبو بكر:
(ح 1705) جاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما بين
العبد والكفر والشرك إلا ترك الصلاة".
(ح 1706) وحديث بريدة أن النبي قال: "من ترك صلاة العصر متعمداً أحبط الله
عمله".
(ح 1707) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذي تفوته صلاة العصر
فكأنما وتر أهله وماله".
م 5413 - وثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا حظ في الإسلام لمن
ترك الصلاة".
__________
(1) في الأصل "باب".
(8/244)
وقال عبد الله بن مسعود: "من لم يصلِّ فلا
دين له".
وروينا عن جابر "أنه سئل: ما بين العبد والكفر؟ قال: ترك الصلاة".
وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) أنه قال "من لم يصل فهو كافر".
وعن أبي الدرداء أنه قال: "لا إيمان لمن لا صلاة له".
وروينا عن ابن عباس أنه قال: "من ترك الصلاة فقد كفر".
وقال حذيفة لرجل لا يتم الوكوع والسجود: "ما صليت منذ كنت، لأن الرجل ذكر
أن تلك صلاته منذ أربعين سنة، وقال له: لو مت وأنت على هذا لمت على غير
فطرة النبي (2) - صلى الله عليه وسلم - التي فطر عليها.
وروينا عن بلال أنه قال لرجل لا يتم الركوع والسجود: "لو مت الآن ما مت إلا
(3) على ملة عيسى بن مريم".
__________
(1) وفي الدار "عن ابن عباس" وهو خطأ.
(2) وفي الدار "فطرة الإسلام"، كما في المصنف لعبد الرزاق.
(3) وفي الدار "ما مت على ملة عيسى بن مريم".
(8/245)
وقال عبد الله بن شقيق: "لمن يكن أصحاب
النبي- صلى الله عليه وسلم - يرون شيئاً من الأعمال تركُه كفرٌ غيرَ
الصلاة".
1 - باب اختلاف أهل العلم في تارك الصلاة
قال أبو بكر:
م 5414 - اختلف أهل العلم فيمن ترك الصلاة عامداً حتى يخرج وقتها لغير عذر.
فقالت طائفة: هو كافر. هذا قول إبراهيم النخعي، وأيوب السختياني، وابن
المبارك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمداً، فإن تارك الصلاة (1)
إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثاً.
وبه قال سليمان بن داود، وأبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة.
وقالت طائفة: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. ولم تسمِّهِ هذه الطائفة كافراً.
هذا قول مكحول، وبه قال مالك، وحماد بن زيد، ووكيع، والشافعي.
__________
(1) "فإن تارك الصلاة" ساقط من الدار.
(8/246)
قال الشافعي: "وقد قيل: يُستتاب [2/
338/ألف] تارك الصلاة ثلاثاً، وذلك إن شاء الله حسن، فإن صلى في الثلاث
وإلا قتل".
وفيه قول ثالث: وهو أن يضرب ويسجن. هذا قول الزهري.
وسئل الزهري عن رجل ترك الصلاة، قال: إن كان إنما تركها ابتدعٍ ديناً غير
الإِسلام قتل، وإن كان إنما هو فاسق، ضرب ضرباً مبرحاً وسجن.
وقال النعمان: يضرب ويحبس حتى يصلي.
وفيه سوى ما ذكرناه ثلاثة أقاويل لثلاث فرق من أهل الكلام.
قالت فرقة: هو فاسق، لا مؤمن، ولا كافر، مخلد في النار، إلا أن يتوب.
وقالت فرقة: هو كافر بالله العظيم، حلال الدم والمال.
وقالت طائفة: إنما استحق اسم الكفر من أسلم، ثم لم يصل شيئاً من الصلوات
حتى مات، لأن في قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} أريد به (1) جميعُ الصلوات.
فمن أسلم، ثم لم يصل شيئاً من الصلوات حتى مات، مات كافراً (2).
__________
(1) "أريد به" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "كان كافرا".
(8/247)
ومن صلى شيئاً من الصلوات في عمره، لم
يستحق هذا الاسم.
قال أبو بكر: واحتج من قال بالقول الأول في تكفيرهم تارك الصلاة بالأخبار
التي بدأنا بذكرها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، احتج بها إسحاق.
واحتج إسحاق بحجج قد ذكرناها في "كتاب أحكام تارك الصلاة".
واحتج الشافعي "بأن أبا بكر رضي الله عنه قال: "لو منعوني عِقالاً مما
أعطَوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه. لا تفرقوا بين ما
جمع الله".
قال: وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قاتلوا مانع الزكاة إذ كانت
فريضة من فرائض الله ونصب أهلها دونها، فلم يقدر على أخذها منهم طائعين،
فاستحلوا قتالهم، والقتال سبب القتل،
فلما كانت الصلاة لا يقدر على أخذها منه لأنها ليست بشيء يؤخذ من يده مثل
اللقطة، والخراج، والمال، قلنا: إن صليت وإلا قتلناك. كما يكفر، فنقول: إن
قلت بالإيمان وإلا قتلناك"، وذكر كلاماً.
واحتج بعض من يميل إلى الضرب والحبس، بأن ما قلناه أقل ما قيل إنه يلزمه،
فأوجبنا [2/ 338/ب] أقل ما قيل وهو الأدب،
(8/248)
ووقفنا عن إيجاب القتل عليه لأن فيه
اختلافاً. ولا يجوز أن يهراق دم من قد ثبت له الإيمان إلا بإجماع، أو بخبر
ثابت.
(ح 1708) وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا
باحدى ثلاث، بكفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس فيقتل به"،
فتارك الصلاة لم يأت بواحدة من الثلاث التي أوجب بها النبي - صلى الله عليه
وسلم - هراقه دمه.
وأحق الناس أن يقول بهذا القول من قال: إن الساحر لا يقتل إلا بأن يستوقفه
على ما سحر به، فإن كان ذلك كلاماً يكون كفراً استتابَهُ، وإن لم يكن كفراً
عاقبه ولا يقتله، لأن القتل لا يجب عنده إلا بإحدى الثلاث التي ذكرناها.
قال: فليت شعري من أي هؤلاء الثلاثة عنده تارك الصلاة، وهو غير جاحد فيلزمه
بذلك اسم الكفر، ولا ترك الصلاة استنكافاً، ولا معاندة. وتارك الصلاة
كالأخبار التي
جاءت في الإكفار بسائر الذنوب نحو:
(ح 1709) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
(ح 1710) وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب
بعضكم رقاب بعض".
(8/249)
(ح 1711) وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا
ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فقد كفر".
(ح 1712) وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حَلَف بغير الله فقد أشرك".
وقد ذكر غير هذا مما تركته.
قال: فإذا لم يكن بعض من ذكرنا: كافراً مرتداً تجب استتابته وقتله على
الكفر إن لم يتب، وتأولوا لهذه الأخبار تأويلات اختلفوا فيها، فكذلك
الأخبار في إكفار تارك الصلاة تحتمل من التأويل ما احتمله سائر الأخبار
التي ذكرناها.
2 - باب اختلاف أهل العلم في الكافر يُرى يُصلي
قال أبو بكر:
م 5415 - اختلف أهل العلم في الكافر يُرى يصلي: فألزمته طائفة الإِسلام
وجعلته مسلماً، هذا قول عبيد الله بن الحسن.
وقال سعيد بن عبد العزيز: إذا أذن، وأقام، وصلى بهم فهو إسلام، ويستتاب فإن
تاب وإلا قتل. وبه قال الليث بن سعد.
(8/250)
وقال الشافعي: إذا أقام ورثةُ المرتد بينةً
أنهم رأوْهُ في مدة [2/ 339/ألف] بعد الشهادة بالردة يصلي صلاة المسلمين،
قَبِلْتُ ذلك منهم، وورثتهم ماله.
قال: وإن كان هذا في بلاد الإسلام، والمرتد ليس في حال ضرورة، لم أقبل منهم
حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة.
قال: وكان الأوزاعي يقول في نصراني صحب قوماً مسلمين في سفر فصلى معهم، ثم
قال: خفتكم على نفسي ومالي. قال: لا قتل عليه.
وكذلك لو أذن، وأقام وصلى بهم، لم ير عليه قتلاً لتقيته على نفسه، ويعيدون
صلاتهم الذين صلوا خلفه (1).
وقال مالك: لا قتلَ عليه، ويعيدون صلاتهم.
وفي بعض كتب محمد بن الحسن- في ذمي شهد عليه شهود أنه صلى معنا صلاة واحدة
في جماعة- قال: أجعله مسلماً، أو أضربُ عُنُقَه.
__________
(1) "الذين صلوا خلفه" ساقط من الدار.
(8/251)
|