الإقناع
لابن المنذر كتاب الحج
69 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ
رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»
الحج يجب عَلَى كل مستطيع إليه سبيلا بأي وجه كانت الاستطاعة، وليس عَلَى
الْمَرْأَة التي لا محرم لها حج، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم» .
وليس للزوج منع زوجته من حجة الإسلام وله منعها من التطوع.
(1/202)
باب المواقيت
70 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَمَّادٌ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
«وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ
الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ،
وَلأَهْلِ نَجْدٍ الْمَنَازِلَ، يُرِيدُ قَرْنَ
(1/203)
الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ
يَلَمْلَمَ فُهَنَّ لَهُمْ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ
أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ
أَهْلُهُ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ فَكَذَلِكَ
حَتَّى أَهْلَ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا»
ويحرم أهل العراق من ذات عرق، لأنها بإزاء قرن، واتباعًا لعمر
(1/204)
وغيره من الصحابة، ومن مر عَلَى غير
المواقيت أحرم إذا حاذى الميقات الذي يقرب منه، وَلا أحب أن يحرم قبل
الميقات، والإحرام من الميقات أفضل، ومن مر بذي الحليفة فلم يحرم منها
وأحرم من الجحفة فلا شيء عليه، ومن مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة
فلم يحرم حَتَّى رجع إِلَى الميقات، فإن لم يفعل وأحرم فعليه دم، وميقات كل
من أهله دون المواقيت مما يلي مكة مكانه حَتَّى أهل مكة يهلون منها.
وإذا أسلم النصراني بمكة وأعتق العبد وبلغ الصبي، فأحرموا منها وحجوا فلا
دم عليهم.
(1/205)
باب الاغتسال عند
الإحرام
71 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ
خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: نا أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى، وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَبُو غَزِيَّةَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ
(1/206)
بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ لإِحْرَامِهِ "
يستحب أن يغتسل إذا أراد الإحرام، ويجزئ من أحرم عَلَى غير طهارة، جنبًا
كَانَ أو حائضًا، ويلبس الذي يريد الإحرام إزارًا ورداءً، ويتطيب بأطيب مَا
يقدر عليه، ويصلي ركعتين ثم يحرم في دبرها، وإن حضرت صلاة مكتوبة أحرم
بعدها، والإحرام يجزئ بغير صلاة وينوي مَا يريد أن يحرم به بقلبه ويلبي،
وأحب أن يقول: اللهم إني أريد الحج إن أراد الحج، فيسره لي، وتقبله مني
ومحلي حيث تحبسني.
ومن أهل الحج يريد عمرة فهو مَا أراد، وإذا أراد حجة تطوع ونواها، لم تجزه
عن حجة الإسلام، وإذا حج من لم يحج عن نفسه عن غيره فذلك جائز ويحج عن نفسه
بعد، وإن شاء الذي يريد الإحرام أحرم بحجة، وإن شاء بعمرة، وإن شاء فرق
بينهما، والتمتع أحب إلي من القران.
باب ذكر تقليد الهدي وإشعاره
72 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرٍ، قَالَ: نا هِشَامُ عنُ
(1/207)
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ
الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَأَشْعَرَ الْهَدْيَ جَانِبَ
السَّنَامِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ أَمَاطَ عَنْهُ الدَّمَ وَقَلَّدَهُ
نَعْلَيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ نَاقَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءُ
أَحْرَمَ» ، قَالَ: وَأَحْرَمَ عِنْدَ الظُّهْرِ "
هكذا يفعل في الإشعار والتقليد وَلا يكون المرء بالتقليد محرمًا حَتَّى
يحرم، وتشعر البقر في أسنمتها، فإن لم تكن لها أسنمة ففي موضع السنام،
ويجلل بدنه وَلا يشق الجلال، ثم يفرق الجلال عَلَى المساكين إذا نحر البدن
يوم النحر.
باب ذكر التلبية
73 - نا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
(1/208)
عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
«لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ،
إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ» .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَزِدْنَا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ
وَالرَّغْبَى إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ "
ويقول: لبيك إله الحق لبيك.
لأن ذَلِكَ فيما رويناه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وإن زاد فلبى في تلبيته كالزيادة التي زادها ابن عمر وشبه
ذَلِكَ فلا بأس، ويرفع صوته بالتلبية، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك، وتلبي الْمَرْأَة وَلا ترفع صوتها بالتلبية،
ويلبي إن شاء في الطواف وعلى الصفا والمروة.
(1/209)
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي
الحجة كذلك قَالَ ابن مسعود، وابن الزبير، وَلا يحرم أحد بالحج في غير أشهر
الحج، فإن فعل فهي عمرة.
قَالَ ابن عباس: من السنة أن لا يهل بالحج إلا في أشهر الحج، فإن فعل فهي
عمرة.
وقال ابن عباس: من السنة أن لا يهل بالحج إلا في أشهر الحج، وإذا أهل
بحجتين فهي حجة وَلا شيء عليه في الأخرى.
(1/210)
باب ذكر مَا يحرم عَلَى المحرم أن يفعله في
إحرامه
أجمع أهل العلم عَلَى أن المحرم ممنوع من: الجماع، وقتل الصيد، والطيب،
وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار، وأجمعوا عَلَى أن الإحرام لا
يفسد إلا بالجماع، قَالَ اللَّه تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ
فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] .
كَانَ ابن عباس، يقول: إذا وقع الرجل عَلَى امرأته وهو محرم فعليهما الحج
من قابل، ويتفرقان من حيث يحرمان وَلا يجتمعان حَتَّى يقضيا حجهما، وعليهما
الهدي، وبقول ابن عباس نقول، وبه قَالَ عوام أهل العلم، فإذا جامع الرجل
امرأته في الفرج فيما بين أن يحرم بالحج إِلَى أن يرمي جمرة العقبة يوم
النحر فهو مفسد لحجه، وعليه أن يمضي فيها حَتَّى يأتي بجميع أعمال الحج،
وعليه بدنة وحج قابل من الموضع الذي كَانَ أحرم، وعلى الْمَرْأَة إذا
(1/211)
كانت محرمة مثل مَا عَلَى الرجل سواء، وإن
أتاها وهي مستكرهة أو نائمة فلا شيء عَلَيْهَا، وإذا قبل الرجل زوجته أو
باشرها أو جامعها دون الفرج فأنزل فعليه شاة، وإذا ردد النظر إِلَى امرأته
فأنزل فلا شيء عليه، وإذا جامع بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الإفاضة
فعليه دم.
باب أخذ الشعر والأظفار في الإحرام
قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] .
74 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ كَانَ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآذَاهُ
الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: «صُمْ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ
إِنْسَانٍ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ»
(1/212)
وبهذا نقول وقد أجمع أهل العلم عَلَى أن
المحرم ممنوع من حلق شعره، ومن جزه وإتلافه بنورة أو نتف أو حرق إلا أن
يضطر إِلَى ذَلِكَ، فإذا أضطر إليه حلق وافتدى بما في حديث كعب بن عجرة.
ومن نتف من شعره شعرة أو شعرتين تصدق بشيء من طعام، ومن نسي فأخذ شعره أو
أظفاره أو لبس أو تطيب فلا شيء عليه، وكذلك لو فعله جاهلا.
وقد أجمع أهل العلم عَلَى أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وله أن يزيل مَا
كَانَ مكسورًا منه، وإذا أخذ المحرم أظفاره فعليه دم، وللمحرم أن يقص أظفار
الحلال، ويأخذ من شعره، وإذا لبس وتطيب وحلق في مجلس واحد أو مجالس متفرقة
فعليه لكل واحد من ذَلِكَ كفارة.
باب ذكر مَا نهي عنه المحرم من اللباس
75 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا
بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ
(1/213)
رُجَلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
مَاذَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا.
فَقَالَ: لا تَلْبَسِ الْقُمُصَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَّرَانِسَ،
وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا الْقَلانِسَ، وَلا الْخِفَافَ إِلا أَحَدٌ لا
يَجِدُ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ
مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ وَرَسٌ
أَوْ زَعْفَرَانٌ "
فالمحرم ممنوع من لبس كل مَا نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عن لبسه، وله أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، ويلبس الخفين
المقطوعين أسفل من الكعبين إذا لم يجد نعلين، فإذا وجد فلينزع وليخلع، فإن
لم يفعل وترك ذَلِكَ عليه بعد الوجود افتداء.
ويكره للمرأة المحرمة، البرقع والنقاب ولها أن تلبس الخفين وهي محرمة،
وللمحرم أن يستظل عَلَى البعير وعلى سائر الدواب، وَلا يخمر المحرم رأسه،
وكان عثمان بن عَفَّانَ يخمر وجهه وهو محرم، وروينا ذَلِكَ عن عبد الرحمن
بن عوف، وزيد بن ثابت،
(1/214)
وابن الزبير، وَلا يخمر المحرم رأسه بمكتل
وَلا غيره، وَلا يلبس ثوبًا مسه ورس أو زعفران إلا أن يغسل ويذهب ريحه،
وإذا أحرم وعليه قميص نزعه ولم يشقه.
باب ذكر الصيد
قَالَ اللَّه جل ذكره: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
[المائدة: 95] .
فقتل الصيد وجرحه وإتلافه حرام عَلَى المحرم، وإذا قتل المحرم صيدًا عمدًا
فعليه جزاؤه، وليس ذَلِكَ عَلَى من قتله خطأ، كذلك قَالَ ابن عباس: وعلى من
قتل الصيد في الإحرام مرة بعد مرة الجزاء في كل مرة، وهو بالخيار بين الهدي
والطعام والصيام موسرًا كَانَ أو معسرًا، فإن شاء ذبح إن كَانَ للصيد مثل
النعم، وإن شاء قوم الهدي دراهم، وقوم الدراهم طعامًا، وأعطى كل مسكين مدين
من الطعام، وإن شاء صام مكان كل مدين يومًا كذلك قَالَ ابن عباس.
وإذا أصاب المحرم نعامة فعليه بدنة، وفي الضبع كبش، وفي الظبي شاة، وفي
الأرنب عناق، وفي اليربوع، قولان: أحدهما: أن عليه جفرة، كذلك قَالَ عمر بن
الْخَطَّابِ، وقال النخعي، ومالك:
(1/215)
عليه قيمته.
وفي الضب، قولان: أحدهما: أن عليه فِيهِ جديا، هذا قول عمر، وقال مجاهد:
عليه حفنة من طعام.
وكان ابن عباس وغير واحد من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يرون في حمام مكة شاة، وبه قَالَ أكثر أهل العلم.
وفي الطير غير الحمام قيمته، وفي الجماعة يقتلون الصيد قولان: أحدهما: أن
عليهم جزاء واحدًا، فهذا قول ابن عمر.
والثاني: أن عَلَى كل واحد منهم جزاء، فهذا قول الشَّافِعِيّ،
(1/216)
والنخعي، والحسن البصري، ومالك، والثوري.
وفي بيض الصيد قيمته، وإذا دل المحرم الحلال عَلَى صيد فقتله فلا شيء عَلَى
المحرم، وإذا دل الحلال المحرم عَلَى صيد فقتله فعلى المحرم القاتل الجزاء،
وإذا ذبح المحرم الصيد وسمى اللَّه لم يحرم أكله وعليه الجزاء، ويجزئ
المحرم الصيد الصغير بصغير من النعم، وليس بين القارن والمفرد فرق في جزاء
الصيد.
وليس للمحرم أن يقتل صيدًا يهدى لَهُ، وَلا يشتريه استدلالا بحديث الصعب بن
جثامة،
(1/217)
وليس عليه إرسال مَا كَانَ في يديه من
الصيد قبل أن يحرم إذا أحرم، وَلا أحب أن يأكل المحرم من لحم صيد اصطيد من
أجله، وله أن يأكل مَا سوى ذَلِكَ، وصيد البحر مباح للمحرم اصطياده وأكله،
وبيعه وشراؤه.
باب ذكر مَا أبيح للمحرم أن يفعله في إحرامه
76 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ
الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ:
الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ
الْعَقُورُ "
للمحرم أن يقتل جميع مَا هو مذكور في هذا الحديث وله قتل الحية والذيب
والسباع كلها سوى الضبع، وله قتل النسر والعقاب وكل ذي مخلب من الطير،
والزنبور، والبق، والبراغيث، والقمل، ويحتجم المحرم، وليس لَهُ أن يزيل
الشعر عن نفسه، فإن فعل افتدى.
ويغسل رأسه ويديه بالماء والسدر، ويستاك ويأكل
(1/218)
الشيرج والزيت ويستعملهما في بدنه ورأسه،
لأن ذَلِكَ ليس بطيب منهي عنه.
وينظر المحرم في المرآة، ويتقلد السيف والقوس ويقاتل اللصوص، ويتجر في
الجواري والطيب، وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم والدجاج والحمام الذي ليس
لَهُ أصل في الوحشي، ويأكل الخشكنانج والملح الأصفر إذا لم يكن للزعفران
فِيهِ طعم وَلا ريح، ويغسل ثيابه، ويدخل الحمام، ويزيل الوسخ عن نفسه ويحك
بدنه، وَلا يقطع الشعر، وينزع ضرسه ويفتح العرق، ويداوي جرحه، ويعالج إن
كَانَ به شقاق بالشحم والشمع، ويفرد بعيره وجمله.
والأمر إن كَانَ مباحًا قبل الإحرام فهو عَلَى أصل الإباحة بعد الإحرام إلا
أن يمنع المحرم من شيء حجه فيمتنع منه، وتلبس الْمَرْأَة المحرمة الحلي
وتختضب.
باب ذكر دخول مكة
77 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ
مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي الْبَطْحَاءِ،
وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى»
(1/219)
ويستحب أن يغتسل المرء إذا أراد دخول مكة،
ويستحب أن يرفع يديه إذا رأى البيت، وليقل إذا دخل المسجد: «اللهم افتح لي
أبواب رحمتك» .
ويضطبع: وهو أن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه عَلَى منكبه الأيسر،
ويشمر الأيسر، وليبتدئ الطواف من حذو الركن الأسود، وليقل: بسم اللَّه
والله أكبر.
وليقبل الركن الأسود، أو يستلمه ويقبل يده، ويمضي عَلَى يمينه ويرمل ثلاثة
أطواف من الركن الأسود إليه ويمشي أربعة، ويستلم الركن اليماني، ويقول بين
الركنين: «ربنا آتنا في الدُّنْيَا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب
النار» .
فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام ويجزئه حيث صلاهما، ثم يرجع إِلَى الركن
فيستلمه.
ثم يخرج إِلَى الصفا، ويرقى عليه، ويكبر اللَّه ويوحده، ويقول: «لا إله إلا
اللَّه وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» .
ثم يمشي وإذا بلغ بطن المسيل سعى سعيًا شديدًا بين الميلين، ثم يمشي إِلَى
المروة ويرقى عَلَيْهَا ويفعل عَلَى المروة كفعله عَلَى الصفا، يكمل سعيه
عَلَى هذا، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإن كَانَ قارنًا أو حاجًا أقام
عَلَى إحرامه إِلَى يوم النحر، وإن كَانَ معتمرًا حل، وإن كَانَ إمامًا
خطبهم يوم سابع وبعد صلاة الظهر يعلم الناس أمر حجهم، ثم يفعل يوم التروية
إذا أراد الخروج إلي منى من الاغتسال والتجرد لَهُ والطيب، كما بينت في أول
الكتاب، ويروح إِلَى منى فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح،
فإذا طلعت الشمس صار إِلَى عرفة فيقيم بها حَتَّى إذا زالت الشمس، فإن
كَانَ إمامًا أتى المسجد وجلس عَلَى المنبر، ثم يقوم فيخطب خطبتين يفصل
بينهما بجلوس، ثم يؤذن المؤذن ويقيم ويصلي الظهر، ثم يقيم فيصلي العصر، ثم
يروح إِلَى الموقف فيقف به.
وعرفة كلها موقف مَا خلا بطن عرنة، ويدعو، ويكثر من الحمد لله والثناء عليه
والصلاة عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا
غربت الشمس دفع من عرفة وسار سيرا
(1/220)
غير تعب عَلَى السكينة حَتَّى يأتي مزدلفة،
فإذا أتاها جمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة ويبيت بها، حَتَّى
إذا طلع الفجر أذن وأقام وصلى الصبح، ثم يأتي المشعر الحرام ويقف عنده
ويكثر من حمد اللَّه جل وعلا، ويدعو ويتضرع ويسأل اللَّه جميع حوائجه، وليس
لأحد أن يدفع قبل الإمام إلا الضعفة أرخص لهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدفعوا بليل وليست الرخصة إلا لهم، ومن فاته
عرفة أو مزدلفة خرج بعمل عمرة وقد فاته الحج، ثم يدفع قبل طلوع الشمس وقت
صلاة المسفرين بصلاة الصبح حَتَّى يأتي بطن محسر، فإذا انصبت قدماه في وادي
محسر حرك دابته إن كَانَ راكبًا حَتَّى يخرج منه، وإن كَانَ راجلا فليتجنب
وذلك قدر رمية بحجر، ثم يسلك الطريق الوسطى إِلَى الجمرة فيرميها بسبع
حصيات من بطن الوادي يكبر مع كل حصاة، يجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره،
ويستقبل الجمرة ويقطع التلبية إذا رماها، ثم ينحر إن كانت مَعَهُ بدنة أو
يذبح إن كانت مَعَهُ بقرة أو شاة، ويحلق رأسه أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة،
فإذا فعل ذَلِكَ حل لَهُ كل شيء.
(1/221)
باب ذكر وقت رمي
الجمار
78 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ
ضَحَّى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَعِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ»
فأحب أن لا ترمى الجمرة يوم النحر إلا بعد طلوع الشمس اقتداء برسول اللَّه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجزئ الرمي بعد طلوع الفجر، لأنه رمي
بالنهار، وَلا يجزئه أن يرمي قبل طلوع الفجر، وأحب أن يلتقط الحصى لرمي
الجمار يوم النحر من المزدلفة، ومن حيث أخذه يجزئه، وَلا يجزئه الرمي في
أيام التشريق إلا بعد الزوال، يبدأ
(1/222)
في يوم القر، فيرمي الجمرة الأولى بسبع
حصيات، ثم يتقدم أمامهما مما يلي الكعبة، يستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو
ويطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة،
ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف كذلك ويدعو ثم ينصرف، فيأتي جمرة
العقبة فيرميها بسبع حصيات، ثم ينصرف وَلا يقف عندها.
ومن نسي الرمي بالنهار رمى بالليل وَلا شيء عليه، ومن فاته شيء من الرمي
رمى في أيام التشريق، فإذا مضت أيام التشريق فقد فات الرمي وعليه دم فيما
نسي من الجمار، أو ترك إذا كَانَ الذي نسي جمرة فما فوقها، وَلا يجزئ الرمي
إلا بالحصى، ويرمى عن المريض العاجز عن الرمي، وعن الصبي الصغير.
باب ذكر الهدي
79 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَفْصُ
بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «مِنًى كُلُّهَا
(1/223)
مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ»
«نحر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنحر» ،
ويستحب أن ينحر المرء نسكه بيده، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «نحر أكثر بدنه بيده» ، ويجزئه أن ينحر غيره، لأن النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دفع بعض بدنه إِلَى علي فنحرها» وليقل
الناحر أو الذابح: «بسم اللَّه والله أكبر» .
وليحد شفرته وتنحر الإبل معقولة اليد اليسرى قائمة عَلَى ثلاثة، ويجزئه كيف
نحرها.
وَلا يجوز من الضحايا أربع: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها،
والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى، للثابت عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ ذَلِكَ، ويجزئ من الإبل
والبقر والمعز الثني، ويجزئ من الضأن الجذع لمن عسر
(1/224)
عليه الثني، ويتصدق بجلال البدن والجلود،
والنعال والقلائد.
ويستحب الأكل من هدي التطوع وَلا يأكل من الواجب، والنحر يوم النحر، وأيام
منى كلها، وتجزئ البدنة عن سبعة متمتعين وغيرهم وكذلك البقرة، ويستقبل
بالذبيحة القبلة استحسانا، وما استيسر من الهدي بشاة، وله أن يركب البدنة
إذا احتاج إليها ويجزئ الهدي، وإن اشتريت من منى ولم يوقف بها بعرفة وَلا
يجزئ الذبح إلا بعد طلوع الفجر من يوم النحر
باب ذكر الحلق والتقصير
80 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَلَقَ
رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ»
والحلق أفضل من التقصير، إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دعا، فَقَالَ: «اللهم ارحم المحلقين» .
ثلاثا ودعا للمقصرين واحدة، ويجزئه التقصير، وثبت عنه أنه
(1/225)
ناول الحالق شقه الأيمن ثم شقه الأيسر.
وليس عَلَى من لا شعر عَلَى رأسه شيء، ومن لبد رأسه أو عفصه حلق، والحلق
يوم النحر أحب إلينا، وإن أخر ذَلِكَ حَتَّى رجع إِلَى بلده حلق وَلا شيء
عليه،
(1/226)
وليس عَلَى النساء حلق، ولكن الْمَرْأَة
تقصر من أطراف شعرها قدر أنملة، ويستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم النحر
بعد الحلق، ونحب أن يمس طيبًا بعد الرمي، والحلق يوم النحر اتباعًا للسنة.
باب ذكر الزيارة
81 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ
فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى»
فاستحب أن يطوف الطواف الواجب يوم النحر، وَلا شيء عَلَى من طاف في أيام
التشريق أو بعد خروج التشريق، وَلا يجوز أن يطوف أقل من سبع، وَلا يطوف إلا
طاهرًا، وليس عليه أن يرمل في طواف الزيارة إلا رجل عليه السعي بين الصفا
والمروة، فإن من عليه سعي رمل في طوافه، وَلا يجوز الطواف إلا بنية.
(1/227)
باب ذكر المقام بمنى
ليالي التشريق
82 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ
بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الْعَبَّاسَ
«اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ»
روينا عن عائشة: أنها قَالَتْ: «أفاض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إِلَى منى فمكث فيها
ليالي أيام التشريق» .
وليس عَلَى من قدم نسكًا قبل نسك شيء مما يفعل في يوم النحر، ويخطب الإمام
يوم النحر بمنى يعلمهم كيف يفعلون فيما يبقى عليهم من مناسكهم.
(1/228)
فالسنة أن يقيم الناس بمنى ليالي أيام
التشريق إلا أهل سقاية العباس بن عبد المطلب من بين أهل الميقات وإلا
الرعاء، فإن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرخص لهم في
البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون من الغد أو من بعد الغد ليومين، ثم
يرمون يوم النفر، إلا لمن نفر النفر الأول، فإنه إذا نفر في ذَلِكَ اليوم
سقط عنه المبيت ليلة النفر الكبير ولجميع الناس أن ينفروا النفر الأول لأهل
الآفاق، ولأهل مكة، ولمن أراد من الغرباء المقام بمكة.
ووقت النفر الأول فيما بين أن تزول الشمس إِلَى أن تغرب الشمس، فإذا غربت
الشمس زال وقت النفر، ولم ينفر إلا من الغد، بعد زوال الشمس ويستحب لمن خرج
نافرًا عن منى أن يذكر اللَّه، ويقول: «ربنا آتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» .
قَالَ اللَّه تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200] .
(1/229)
باب ذكر العمرة
83 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا الْمُقْرِي، وَحَفْصُ بْنُ
عُمَرَ الْجَرْمِيُّ، قَالا: نا هَمَّامٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، قَالَ:
أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ،
(1/230)
أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ
وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ أَوْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي
عُمْرَتِي؟ .
وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ
فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ،
اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ.
أَوْ قَالَ: الصُّفْرَةِ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا صَنَعْتَ فِي
حَجَّتِكَ "
فيتقي المعتمر في عمرته من اللباس والطيب وقتل الصيد وأخذ الشعر وتقليم
الأظفار والجماع والقبلة والمباشرة مَا يتقيه الحاج لا فرق بينهما فيما
يتقيه كل واحد منهما وَلا فيما عَلَى كل واحد منهما، إذا أتى مانهي عنه من
الجزاء والفدية، ويجتمعان في بعض مَا عليهما من العمل ويتفرقان في أشياء.
فأما مَا يجتمعان فِيهِ ففي المواقيت التي سنها رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحاج والمعتمرين، والاغتسال للإحرام واللباس
عند الإحرام والتطيب قبل الإحرام والصلاة عند الإحرام، والاشتراط عند
الإحرام وتقليد البدن والإشعار والتجليل والتلبيد إلا مَا بينا من وقت قطع
كل واحد منهما التلبية، وسنن الطواف، وصلاة الطواف، والسعي بين الصفا
والمروة، والحلق والتقصير.
وأما مَا يفترقان فِيهِ مما ينفرد بعمله الحاج من الخروج إِلَى منى وعرفة
والرجوع إِلَى المزدلفة، وسائر أعمال الحج من الرمي والمقام بمنى، وسائر
مَا ذكرناه في كتاب الحج مما ينفرد بعمله الحاج.
والعمرة فريضة استدلالا بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، والدلائل
(1/231)
قد ذكرتها في كتاب المناسك، وللمرء أن
يعتمر قبل أن يحج، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اعتمر
عمرة قبل الحج» ، ويحرم المكي والمقيم بها من الجعرانة أو التنعيم،
(1/232)
ويجزئه أن يحرم بها عند خروجه من الحرم،
وتجوز العمرة في الشهر مرارًا، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «العمرة إِلَى العمرة كفارة لما بينهما» .
ويقطع المعتمر التلبية إذا افتتح الطواف، والحاج إذا رمى جمرة العقبة، وفضل
العمرة في الشهور كلها واحد إلا في شهر رمضان، فإن رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عمرة في رمضان تعدل حجة» .
(1/233)
باب ذكر الأمر بطواف
البيت
84 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ،
قَالَ: نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ
آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ، إِلا الْحُيَّضَ رَخَّصَ لَهُنَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
(1/234)
وثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا ينفرن أحد حَتَّى يكون آخر عهده بالبيت» .
فعلى كل خارج إِلَى أي مكان خرج من الحرم قرب الموضع أو بعد طواف الوداع
إلا الحائض والنفساء في معناهما، ومن خرج ولم يودع فكان قريبًا رجع فودع،
وإن لم يفع فلا شيء عليه.
وقد قيل: عليه دم، وليس لَهُ أن يشتغل بعد طواف الوداع بشيء.
قَالَ عطاء: إنما هو خاتم يختم لَهُ به، وإذا ودع البيت، ثم أقام أعاد طواف
الوداع، وَلا يجوز حبس الجمال عَلَى الْمَرْأَة الحائض، وليس عَلَى من خرج
ليعتمر من التنعيم طواف الوداع وإذا أراد المرء طواف الوداع، بالبيت فطاف
به سبعًا ليس فِيهِ رمل وَلا اضطباع، ثم يقف بالملتزم بين الباب والركن
الأسود يدعو ويسأل اللَّه قبول حجه، ثم يأتي المقام فيصلي خلفه ركعتين
ويجزئه حيث صلاهما، ويشرب من ماء زمزم استحسانًا، ثم يرجع إِلَى الملتزم،
ويدعو ثم يستلم الركن ويمضي متوجهًا إِلَى بلده.
باب ذكر الإحصار
قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ} [البقرة: 196] .
فإذا أحصر المرء المحرم بعدو فله أن يحل ويرجع، يقدم الذبح قبل الحلق، ثم
يحلق أو يقصر، وليس عليه قضاء إلا أن لا يكون حج حجة الإسلام فيحجها.
كَانَ ابن
(1/235)
عباس، يقول: «لا حصر إلا حصر العدو» .
وبمعناه قَالَ ابن عمر، ومالك، والشافعي، ومن فاته الحج فليطف ويسعى ويحلق
أو يقصر، وعليه حج قابل والهدي في قول عمر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وقد
قَالَ بذلك عامة العلماء، وقال ابن عباس: ليس عليه حج قابل.
باب الحج عن الزمنى وعن الموتى
85 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:
(1/236)
سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ
خَثْعَمٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَتْ: " إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ
أَدْرَكْتُ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى
رَاحِلَتِهِ فَهَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ ".
قَالَ سُفْيَانُ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ،
(1/237)
فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ .
فَقَالَ: نَعَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ نَفَعَهُ.
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ
تَحُجَّ، أَيُجْزِئُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهَا؟ ، قَالَ: نَعَمْ "
فالحج عن الميت وعن الزمن الذي لا يستطيع الثبوت عَلَى الراحلة جائز، حجة
الإسلام وحجة النذر إذ هِيَ في معنى حجة الإسلام إذ كل واحد منها واجب،
وَلا يجوز حج التطوع عن الميت ويدل عَلَى أن حجة الإسلام من رأس المال لما
شبهها بديون الآدميين، ويدل عَلَى أن إباحة حج الْمَرْأَة عن الرجل،
والأجرة عن الحج جائزة.
كما يجوز عَلَى سائر الأعمال وأحب أن يحج المرء عن نفسه، ثم يحج عن غيره،
فإن حج عن غيره أجزأ ذَلِكَ عن حجه وعليه حجة الإسلام، وَلا يجوز الحج إلا
بنية لدخوله في جملة قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنية» .
وَلا يثبت خبر شبرمة.
(1/238)
وفرض الحج ساقط عمن لم يبلغ وعن المعتوه
حَتَّى يفيق، وعن العبد حَتَّى يعتق، فإن حج صبي قبل أن يبلغ، أو حج عبد
قبل أن يعتق فعليهما حجة الإسلام إذا بلغ الصبي أو أعتق العبد، وإذا أحرم
الصبي الذي لم يبلغ والعبد، ثم بلغ الصبي وأعتق العبد، قبل عرفة لم يجزهما
عن حجة الإسلام.
باب تحريم صيد الحرم وعضاهه
86 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: نا
عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي
الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ،
قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ لا يُعَضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ، وَلا يُنَفَّرُ
صَيْدُهُ» .
وَفِي غَيْرِ
(1/240)
هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى
الإِذْخِرَ
وأجمع أهل العلم عَلَى أن صيد الحرم محرم عَلَى الحلال والمحرم.
ولمن بيده صيد قد اصطاده في الحل أن يدخله الحرم ويذبحه، فيها استدلالا بأن
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أقر النغير الذي كَانَ بيد
أبي عمير بالمدينة» ، وقد حرم من صيد المدينة مَا حرم من صيد
(1/241)
مكة، وهو محرم كَانَ القاتل حرامًا أو
حلالا.
وأجمع أهل العلم عَلَى تحريم قطع شجر الحرم، واختلفوا فيما يجب عَلَى من
قطع شجرة من شجر الحرم، وكان مالك، يقول: لا شيء عليه.
وقال الشَّافِعِيّ: عليه في الشجرة الكبيرة بقرة وفي دون ذَلِكَ شاة.
وَلا بأس بأن يرعى المرء حشيش الحرم وليس لَهُ أن يحتش من الحرم إلا الإذخر
الذي استثناه الرسول، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «حرم مَا بين لابتي المدينة لا ينفر صيدها، وَلا يعضد شجرها» .
(1/242)
|