الإقناع
لابن المنذر كتاب الأيمان
والنذور
99 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا عُبَيْدٌ، قَالَ: نا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ
(1/275)
حَالِفًا فَلا يَحْلِفْ إِلا بِاللَّهِ،
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَلا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ»
أجمع أهل العلم عَلَى أن من حلف، فَقَالَ: بالله أو تالله فحنث أن عليه
الكفارة.
وإذا حلف باسم من أسماء اللَّه فعليه الكفارة، وإذا قَالَ: وعظمة اللَّه،
وعزة اللَّه، وجلال اللَّه يريد بذلك اليمين، أو لا نية لَهُ فهي يمين،
وإذا قَالَ: عليه عهد اللَّه وميثاقه وأراد اليمين فهي يمين.
وإذا قَالَ: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا فيفعل ذَلِكَ فلا كفارة عليه،
ومن حلف بصدقة ماله، أو قَالَ: مالي في سبيل اللَّه إن فعلت كذا فحنث كفر
عن يمينه، وكذلك لو حلف بالحج والعمرة أو بأحدهما أو بالعتق إذا لم يحلف
بعتق رقبة يملكها فحنث عليه كفارة يمين.
وإذا قَالَ: غلامي فلان حر إن فعلت كذا أو امرأتي فلانة طالق إن فعلت كذا
فحنث وقع الطلاق والعتق، وإذا حلف المرء واستثنى في يمينه فلا حنث عليه
للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «من
حلف واستثنى فإن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حنث» ، وإنما يكون مستثنى إذا
تكلم بالاستثناء متصلا بيمينه، والاستثناء في العتق والطلاق جائز، ومن حلف
فاقتطع بيمينه مال امرئ مسلم فليستغفر اللَّه وَلا كفارة عليه إذ هِيَ أعظم
من أن يكفرها مَا يكفر اليمين.
واللغو: هو قول المرء: لا والله وبلى والله
(1/276)
والحانث في يمينه مخير بين أن يطعم عشرة
مساكين عشرة أمداد من قمح أو مما يقتاته أهل بلده أو يكسو عشرة مساكين،
يكسو كل واحد منهم مَا وقع عليه اسم كسوة، أو يعتق رقبة أي ذَلِكَ فعل
يجزيه، فإن لم يجد السبيل إِلَى شيء من ذَلِكَ صام ثلاثة أيام وَلا يجزئه
أن يخرج قيمة الطعام وَلا الكسوة وَلا الرقبة، ويجزئه أن يكفر قبل أن يحنث
ويكفر بعد الحنث أحوط.
وَلا يجوز في كفارة اليمين أن يطعم خمسة ويكسو خمسة، ويجزئ في الكسوة
الإزار أو العمامة أو القميص ويجزئه أي رقبة يعتق بعد أن لا تكون زمنى مثل
الأعمى أو المقعد أو مقطوع اليدين أو أشلهما أو الرجلين، وذلك أن يكون مَا
بالمعتق من العيوب لا يضر بالعمل إضرارًا بينا.
باب النذور
قَالَ اللَّه تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] .
100 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ
نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ
اللَّهَ فَلا يَعْصِهِ»
(1/277)
وإذا قَالَ المرء: إن شفاني اللَّه من علتي
أو شفى مريضي، أو رد علي غائبي، أو سلم مالي، أو علمني القرآن أو العلم،
فعلي من الصوم كذا أو من الصلاة كذا أو من الصدقة كذا، فكان ذَلِكَ، فعليه
أن يأتي بما جعل لله عَلَى نفسه.
ومن نذر معصية فلا وفاء لنذره، وَلا كفارة تلزمه، ومن نذر المشي إِلَى
الكعبة أو مسجد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفى
بنذره، لأن ذَلِكَ طاعة لله، وقال نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه» .
وقال: " لا تشد الرحال إلا إِلَى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الرسول،
ومسجد الأقصى ".
وإذا نذر الصلاة في مسجد بين المقدس أجزأه أن يصلي في المسجد الحرام لحديث
رويناه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ.
وإذا نذر أن ينحر ولده فلا شيء عليه لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نذر أن يعصي اللَّه فلا يعصه» .
(1/278)
كتاب الفرائض
قَالَ اللَّه جل ذكره: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] .
جعل اللَّه مال الميت بين جميع ولده للذكر مثل حظ الأنثيين، إذا لم يكن
معهم أصحاب فرائض، فإن كَانَ معهم أصحاب فرائض بدئ بهم فأعطوا فرائضهم،
وقاموا فيما يبقى من المال قيامهم في جميع المال إذا لم يكن منهم من لَهُ
فرض معلوم.
وفرض اللَّه للبنت الواحدة النصف وما فوق الثنتين من البنات الثلثين.
وأجمع أهل العلم عَلَى أن للثنتين من البنات الثلثين وليس لبني الابن وبنات
الابن مع بني الصلب شيء، فإن لم يكن للميت ولد لصلبه وترك بني ابنه وبنات
ابنه، فإنهم يقومون مقام ولد الصلب، ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم.
وولد البنات لا يحجبون وَلا يرثون، وليس لبنات الابن مع بنات الصلب ميراث
إذا استكمل بنات الصلب الثلثين إلا أن يكون مع بنات الابن ذكر، فيكون مَا
يفضل عن بنات الصلب لهم جميعًا للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك الميت بنتًا
أو ابنة ابن أو
(1/279)
بنات ابن، فللبنت النصف، ولبنات الابن
السدس تكملة الثلثين حظ، فإن ترك بنتًا وابن ابن فللابنة النصف، وما بقي
فلابن الابن، فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض فللعليا منهن النصف
وللتي تليها السدس وما بقي فللعصبة.
باب ميراث الأبوين
قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] .
ففرض اللَّه لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس، وسواء كَانَ الولد ذكرا
أو أنثى فإن ترك ابنا وأبوين فللأبوين لكل واحد منهما السدس وما بقي
فللابن، وإن ترك بنتًا وأبوين فللابنة النصف، وللأبوين السدسان وما بقي
فللأب، لأنه أقرب العصبة، فإن ترك ابنتين وأبوين فللابنتين الثلثان
وللأبوين السدسان، فإن ترك بنين وبنات وأبوين فللأبوين السدسان، وما بقي
فبين البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين، وميراث الأبوين مع ولد الابن
ذكورًا كانوا أو إناثًا عَلَى مَا وصفنا سواء كميراثهما مع الولد.
وقال اللَّه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] .
فأعلم جل ذكره أن الأبوين إذا ورثاه أن للأم الثلث ودل ذَلِكَ أن الباقي هو
الثلثان للأب لما أعلم قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] .
وقال اللَّه تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ}
[النساء: 11] ، فحجب الأم عن الثلث بالإخوة، وَلا شيء للإخوة معهما،
استدلالا بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] ، والأخوان يحجبان
الأم عن الثلث لحجج قد ذكرناها في كتابنا.
وإذا مات الرجل وخلف امرأة وأبوين فللمرأة الربع وللأم ثلث مَا بقي وما بقي
فللأب، ولو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين كَانَ للزوج النصف وللأم ثلث مَا
بقي وما بقي فللأب.
(1/280)
باب ميراث الزوجين
كل واحد منهما من صاحبه
قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}
[النساء: 12] .
وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] .
وأجمع أهل العلم عَلَى أن الزوج يرث من زوجته، إذا لم تترك ولدًا وَلا ولد
ابن، النصف، فإن تركت ولدا أو ولد ابن، ذكرا كَانَ أو أنثى ورثها زوجها
الربع، وترث الْمَرْأَة من زوجها إذا هو لم يترك ولدا وَلا ولد ابن الربع،
فإن ترك ولدا أو ولد ابن ذكرا كَانَ أو أنثى ورثته الْمَرْأَة الثمن.
وحكم الواحدة من الأزواج والاثنتين والثلاث والأربع في الربع أو في الثمن
عَلَى مَا بينا هن شركاء في أي ذَلِكَ جاز لهن كل هذا مجمع عليه لا خلاف
فِيهِ.
(1/281)
باب ذكر ميراث
الإخوة والأخوات
قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا
نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا} [النساء: 176] .
وأجمع أهل العلم عَلَى أن الإخوة من الأب والأم أو من الأب ذكورا كانوا أو
إناثًا، لا يرثون مع الابن وَلا مع ابن الابن وإن سفل وَلا مع الأب، وأنهم
مع البنات وبنات الابن عصبة لهم مَا يفضل من المال يقتسمونه للذكر مثل حظ
الأنثيين كل هذا مجمع عليه، والأخوات مع البنات عصبة في قول أكثر أهل
العلم.
وفرض اللَّه تعالى في كتابه للواحدة والثنتين من الأخوات، ولم يفرض لما فوق
الثنتين في كتابه فرضًا.
وأجمع أهل العلم عَلَى أن للأخوات وإن كثرن الثلثين، وقال جل ذكره: {وَهُوَ
يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وأجمع أهل العلم
عَلَى أن للأخ من الأب والأم جميع المال، فإن ترك أخا وأختا أو إخوة وأخوات
لأب وأم، فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: {وَإِنْ
كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ،
(1/282)
وذلك إذا لم يخلف الميت أحدًا من أصحاب
الفروض، فإن خلف معهم أحدًا لَهُ فرض معلوم بدئ بفرضه فأعطيه ثم يكون
الباقي لهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأجمع أهل العلم عَلَى أن الإخوة والأخوات من الأب لا يرثون مع الإخوة
والأخوات من الأب والأم شيئا، وأجمعوا عَلَى الإخوة والأخوات من الأب
يقومون مقام الإخوة والأخوات من الأب والأم، ذكورهم كذكورهم وإناثهم
كإناثهم إذا لم يكن للميت إخوة وأخوات لأب وأم.
وأجمعوا عَلَى أن لا ميراث للأخوات من الأب إذا استكملن الأخوات من الأب
والأم الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر، فإن كَانَ معهن ذكر كَانَ الفاضل عن
الإخوة من الأب والأم للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين،
والإخوة من الأب يرثون مَا فضل عن الأخت من الأب والأم.
فإن ترك أختًا لأب وأم وأختًا أو أخوات من الأب والأم للإخوة والأخوات من
الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، والإخوة من الأب يرثون مَا فضل عن الأخت من
الأب والأم.
فإن ترك أختًا لأب وأم وأختًا أو أخوات لأب فللأخت من الأب والأم النصف،
وللأخت أو الأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين وما بقي فللعصبة، وإن ترك
أختًا لأب وأم وإخوة وأخوات من الأب ففي قول زيد بن ثابت للأخت من الأب
والأم النصف، وما بقي فللإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه
قَالَ مالك، والثوري، والشافعي، والنعمان، ومن تبعهم.
(1/283)
مسألة: امرأة ماتت وتركت زوجها وأمها وستة
إخوة متفرقين فللزوج النصف وللأم السدس، وللأخ والأخت من الأم الثلث، وسقط
الأخ والأخت من الأب والأم، والأخ والأخت من الأب وهذا عَلَى قول علي، وابن
مسعود، وروي ذَلِكَ عن أبي موسى الأشعري.
وهؤلاء أصحاب فرائض ولم يبق للعصبة شيء، قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَإِنْ
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] .
فأجمع أهل العلم عَلَى أن الإخوة من الأم لا يرثون مع ولد الصلب ذكرا كَانَ
الولد أو أنثى، وَلا مع ولد الابن وإن سفل ذكرا كَانَ أو أنثى، وَلا مع أب
وَلا مع جد، وَلا أبي الأب وإن بعد، فإذا لم يترك
(1/284)
الميت أحدًا ممن ذكرنا وترك أخًا وأختًا
لأم فله أو لها السدس فريضة، فإن ترك أخا وأختًا من أمه فالثلث بينهما سواء
لا فضل للذكر عَلَى الأنثى، وإن كانوا إخوة وأخوات من أم فالثلث بينهم لا
فضل للذكر عَلَى الأنثى، وكل هذا إجماع.
باب ميراث الجدة
أجمع أهل العلم عَلَى أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وأجمعوا عَلَى
أن الأم تحجب أمها وأم الأب، وأجمعوا عَلَى أن الأب لا يحجب الجدة أم الأم.
واختلفوا في توريث الجدة وابنها حي وأصح ذَلِكَ أنها ترث، وأجمعوا عَلَى أن
الجدتين إذا اجتمعتا وإحداهما أقرب من الأخرى وهما من وجه واحد أن السدس
(1/285)
لأقربهما، فأما أم أبي الأم فإنها تسقط في
قول أكثر أهل العلم.
باب العول في الفرائض
أكثر أهل العلم يرون أن الفريضة تعول، من ذَلِكَ: إذا ماتت امرأة وتركت
زوجا وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم، فللزوج ثلاثة أسهم من عشرة أسهم،
وللأم سهم من عشرة أسهم، وللأختين للأب والأم أربعة أسهم من عشرة أسهم
وللأختين للأم سهمان.
فإن مات رجل وترك امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم، فإن للأختين من الأب
والأم ثمانية أسهم من خمسة عشر سهما، وللأختين من الأم أربعة أسهم، وللمرأة
ثلاثة أسهم فابن عَلَى هذا المثال مَا ورد عليك من المسائل في هذا الباب.
باب ذكر ميراث الجد
أجمع عوام أهل العلم عَلَى أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب،
وأنزلوا الجد بمنزلة الأب في الحجب والميراث إذا لم يترك الميت أبا أقرب
منه في جميع المواضع إلا مع الإخوة والأخوات، والذي نقول به قول أبي بكر
الصديق رضي اللَّه عنه أن الجد أب وهو قول ابن عباس، وابن الزبير.
(1/286)
باب ذكر ميراث
المسلم من الكافر والكافر من المسلم
101 - نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
(1/287)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»
وبهذا نقول، وإذا ارتد الرجل عن الإسلام ومات أو قتل عَلَى كفره لم يرثه
ورثته المسلمون، وَلا يرثهم لو ماتوا وهو مرتد ويوضع ماله في بيت المال.
باب جامع المواريث
أجمع أهل العلم عَلَى أن القاتل عمدًا لا يرث من مال من قتله وَلا من ديته
شيئا، وأجمعوا عَلَى أن القاتل خطأ لا يرث من دية من قتله شيئا، واختلفوا
في ميراث القاتل خطأ من ميراث من قتله فأصح ذَلِكَ أن يرث من سائر ماله سوى
الدية.
وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فرق بين
المتلاعنين، وألحق الولد بالمرأة» ،
(1/288)
وإذا ثبت ذَلِكَ ثبت أن لا عصبة لَهُ من
قبل أَبِيهِ ترثه، فإن مات ابن الملاعنة وخلف أمه وزوجته وولدا ذكورا أو
إناثًا فماله مقسوم بين ورثته عَلَى قدر مواريثهم، فإن ترك ورثة يستحقون
بعض المال كَانَ مَا فضل عليهم لموالي أمه إن كانت أمه مولاة، وإن كانت
عربية فما فضل عنهم لبيت مال المسلمين، وميراث ولد الزنى كميراث ابن
الملاعنة سواء، والمماليك لا يحجبون وَلا يرثون وهو قول زيد بن ثابت وعامة
أهل العلم، وإذا أسلم الرجل عن ميراث قبل أن يقسم الميراث فلا شيء لهما،
وأهل الذمة يرث بعضهم بعضا، يرث اليهودي النصراني، والنصراني المجوسي.
ويرث الأسير ويورث مَا دام ثابتًا عَلَى دينه، وإذا مات الرجل وزوجته حبلى
فالولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيا
(1/289)
واستهل، فإذا خرج ميتًا لم يرث.
وحكم دية الرجل إذا قتل كحكم سائر مال المقتول تقضى منه ديونه وتنفذ
وصاياه، ثم يقسم مَا فضل عن ذَلِكَ عَلَى ورثته ترث منه الزوجة والزوج
والإخوة للأم.
قَالَ الضحاك بن سُفْيَان الكلبي: كتب إلي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن «أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» ، وأخذ
بذلك عمر، ولم يختلف كل من حفظت عنه من أهل العلم، أن الخنثى يورث من حيث
يبول
(1/290)
إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل،
وإن بال من حيث تبول الْمَرْأَة ورث ميراث امرأة، وإن بال منهما جميعًا
وكان مشكلا ففيه اختلاف.
والذي نقول به أن يعطى ميراث امرأة وأوقف الباقي حَتَّى يصطلح هو والورثة
والحميل إذا قامت بينة بنسبه ورث، ومن لم تقم بينة لم يرث، والحميل: مَا
ولد في الشرك فتعارفوا في بلاد الإسلام، وأقر بعضهم بقرابة بعض.
وإذا مات القوم لا يدري من مات منهم قبل صاحبه ورث الأحياء من الأموات، ولم
يورث الأموات بعضهم من بعض وهذا قول زيد بن ثابت.
باب ذكر الولاء
102 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا، فَقَالَ
أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ الْوَلاءَ لَنَا.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: «لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
(1/291)
وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أنه «نهى عن بيع الولاء وعن هبته» .
فبيع الولاء وهبته لا يجوز.
وإذا أعتق الرجل عبدًا سائبة فالولاء لَهُ، وإذا أعتق المسلم عبدًا
نصرانيًا أو نصراني عبدًا مسلما فالولاء للمعتق، وَلا يرثه مولاه إن مات
عَلَى غير دينه لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا
يرث المسلم الكافر، وَلا الكافر المسلم» .
ولم يختلف أهل العلم أن الرجل إذا مات ولم يخلف أحدًا إلا مولاه الذي أعتقه
وهو عَلَى دينه أن المال لَهُ، فإن مات المولى المعتق ثُمَّ مات المولى
المعتق ولم يخلف وارثًا وَلا ذا رحم، فإن كَانَ للمولى المعتق يوم يموت
المولى المعتق أولاد ذكور وإناث فمال المولى المعتق لذكور ولده دون إناثهم،
لأن النساء لا يرثن من الولاء إلا مَا أعتقن أو أعتق من أعتقن، وإذا أعتقت
الْمَرْأَة عبدًا ثُمَّ ماتت وخلفت ولدًا ذكورًا وإناثًا، فولاء مواليها
لذكور ولدها دون إناثهم، وإذا مات الرجل وترك ثلاثة بنين ومولى لَهُ ثُمَّ
مات أحد البنين، وترك ابنين، ثُمَّ مات الثاني وترك ثلاثة بنين ثُمَّ مات
المولى، فإن ابن الميت وهو عم هؤلاء يرثه دون بني أخيه،
(1/292)
وهذا معنى قولهم: الولاء للكبر، وإن مات
الثالث من ولد المعتق وخلف ابنا ثُمَّ مات المولى المعتق، كَانَ ميراثه
بينهم أسداسًا لكل واحد منهم السدس.
ومن روينا عنه، أنه قَالَ: الولاء للكبر، عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وابن
مسعود وهو قول المدني والكوفي والشافعي فإن مات المولى المعتق وترك أباه
وابنه ثم مات المولى المعتق، فالمال لابن مولاه دون أَبِيهِ وهذا قول مالك
بن أنس، والشافعي، والنعمان، وكذلك إن ترك ابنه وجده فالمال للابن، وإن ترك
جده، وأخاه لأبيه، ولأمه، فالمال في قول من جعل الجد أبا للجد، وهكذا قول
الزُّهْرِيّ، وإسحاق.
وإذا تزوج العبد مولاة
(1/293)
لقوم فأولدها أولادا فولاؤهم لمولى أمه،
فإن أعتق بعد ذَلِكَ جر ولاء ولده إِلَى مواليه، يروى هذا القول عن: عمر،
وعثمان، وعلي، وابن مسعود، والزبير، وزيد بن ثابت، وبه قَالَ مالك،
والشافعي، والنعمان.
وإذا أسلم رجل عَلَى يدي رجل لم يكن مولى لَهُ يرثه إن مات، وَلا يكون
الولاء إلا لمعتق، واللقيط حر لأن أصل الناس الحرية.
وإذا مات الرجل وترك بنتًا لا وارث لَهُ غيرها فلها النصف، وما بقي فلبيت
مال المسلمين، ولست أرى توريث ذوي الأرحام.
(1/294)
|