الإقناع
لابن المنذر كتاب النكاح
باب الحث عَلَى النكاح لمن قدر عليه
103 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى،
قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَيْسَ مَعَنَا شَيْءٌ، فَقَالَ: «يَا
مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ،
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «لا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»
(1/295)
وذلك أن تركن إِلَى الخاطب، فإذا ركنت إليه
ولم يبق إلا العقد لم يجز حينئذ أن يخطب المرء عَلَى خطبة أخيه.
باب إبطال النكاح بغير ولي
104 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا أَبُو غَسَّانَ،
قَالَ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
(1/296)
إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا
نِكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ»
فالنكاح لا يجوز إلا بولي والأولياء العصبة، فإن لم يكن ولي فالسلطان ولي
من لا ولي لَهُ، فإن نكحت امرأة بغير إذن وليها أو السلطان، إن لم يكن لها
ولي، فالنكاح باطل، فإن لم يصبها فرق بينهما، فإن أصابها فلها مهر مثلها
بما استحل من فرجها، ويلحق به ولد إن ولدته وتكون عَلَيْهَا العدة، وله أن
ينكحها نكاحًا مستأنفًا صحيحًا، وَلا تكون الْمَرْأَة ولية لنفسها، وَلا
يكون الكافر وليا لمسلمة، وَلا يكون العبد وليا بحال، وكذلك السفيه وغير
البالغ.
وللمرء أن يزوج البنت البكر التي لم تبلغ بغير إذنها استدلالا
(1/297)
بحديث عائشة وليس ذَلِكَ إلا للأب والجد،
وليس ذَلِكَ للأوصياء وَلا لسائر الأولياء.
ويعقد الرجل النكاح عَلَى ابنه الذي لم يبلغ، فأما البكر البالغ فليس للأب
وَلا لأحد من الأولياء أن يعقد عَلَيْهَا النكاح إلا بإذنها، للثابت عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «لا تنكح البكر
حَتَّى تستأذن، وَلا الثيب حَتَّى تستأمر» وإذا زوج الولي الْمَرْأَة بغير
إذنها فبلغها فأجازت لم يجز النكاح حَتَّى تجدد نكاحًا بإذنها.
وإذا زوج الوليان الْمَرْأَة فالأول أحق، ونكاح الثاني باطل دخل بها أو لم
يدخل بها.
وإذا زوج الرجلان الْمَرْأَة لا يدري أيهما أول، فالنكاح باطل لاحتمال أن
يكونا عقدا نكاحها في وقت واحد، وللمرء أن يعتق جاريته، ويجعل صداقها عتقها
اقتداء برسول اللَّه
(1/298)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما
أعتق صفية وجعل صداقها عتقها، والنكاح قد ينعقد بغير شهود.
باب المهور
105 - نا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ
الْفُرُوجَ»
(1/299)
دل قوله جل ذكره: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}
[النساء: 20] ، عَلَى إباحة المهر الكثير، وليس لأقل المهر حد يوقف عليه،
فكل مَا جاز أن يكون مبيعا جاز أن يكون مهرا، وإن كَانَ درهمًا أو دانقًا
إذا تراضى به الزوجان، ثبت بأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ لرجل: «التمس ولو خاتمًا من حديد» .
والنكاح ينعقد بغير تسمية صداق، فإذا أنكح الرجل الْمَرْأَة ولم يسم لها
صداقًا،
(1/300)
فإن دخل بها فلها مهر مثلها، وإن طلقها قبل
الدخول فلها المتعة، وكل من تزوج امرأة عَلَى مهر حرام أو مجهول، والحرام:
مثل أن يتزوجها عَلَى خمر أو خنزير أو حر وما أشبه ذَلِكَ، فالنكاح ينعقد
عَلَى أي ذَلِكَ عقد، وهو في معنى من لم يسم لها مهرا، فإن طلقها قبل
الدخول فلها المتعة، وإن دخل عَلَيْهَا فلها صداق مثلها، وإن ماتت قبل أن
يفرض لها صداقا فلها مهر نسائها لا وكس وَلا شطط عَلَى حديث معقل بن سنان
الأشجعي.
(1/301)
والنكاح جائز عَلَى أن يعلمها من القرآن {
[كذا، السورة يسميها.
وإذا تصادقا عَلَى المهر واختلفا في القبض، فَقَالَ الزوج: قد قبضت المهر.
وقالت: لم أقبضه، فالقول قولها مع يمينها، طالت الأيام أو لم تطل، وكذلك لو
اختلف ورثته وورثتها فالقول قول ورثتها مع أيمانهم، وللمرأة إذا نكحها
الرجل أن تمتنع من الدخول حَتَّى يوفيها صداقها والذي بيده عقدة النكاح
الزوج.
وقد ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن نكاح
الشغار» ، والشغار: أن ينكح الرجل الرجل ابنته أو أخته، عَلَى أن يزوجه
الآخر ابنته أو أخته، والنكاح في ذَلِكَ باطل
(1/302)
والمهر يجب بالمسيس، وكان عمر بن
الْخَطَّابِ، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، يقولون: «إذا أغلق
باب أو أرخي ستر، فقد وجب الصداق» ، وَلا يصح عن غيرهم من الصحابة خلاف
قولهم.
وإذا وهبت الْمَرْأَة نفسها للرجل فالهبة باطلة، وليس ذَلِكَ لغير رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(1/303)
وإذا نكح الرجل الْمَرْأَة وشرط لها أن لا
ينكح عَلَيْهَا وَلا يتسرى عَلَيْهَا، وَلا يفرق بينها وبين أهلها وَلا
يخرجها من بلدها فالنكاح جائز والشرط باطل، فإن كَانَ نقصها لبعض هذه
الشروط من مهرها أو في مهر مثلها، وله أن يفعل كل مَا أباح اللَّه لَهُ.
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كل
شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل وإن كَانَ مائة شرط» ، ونكاح المتعة حرام،
للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه نهى عنه،
وقال: «وهو حرام إِلَى يوم القيامة» .
وإذا أعتقت الأمة وهي تحت عبد فلها الخيار وَلا خيار لها إذا كَانَ زوجها
حرا، وإنما جعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخيار
لبريرة، لأن زوجها كَانَ عبدًا،
(1/304)
وكان عمر بن الْخَطَّابِ يرى أن يؤجل
العنين سنة، وروي ذَلِكَ عن: ابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وبه قَالَ عوام
أهل العلم.
وإذا نكحت الْمَرْأَة رجلا فكان مجبوبا ولم تعلم فلها الخيار، وإن كانت
علمت فلا خيار لها.
وإذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت ولم تكن بينة فالمتاع بينهما
نصفان، كَانَ المتاع مما يصلح للرجال والنساء أو لأحدهما.
باب ذكر مَا يحرم عَلَى المرء نكاحه من النسب
قَالَ اللَّه جل ذكره:] حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [سورة
النساء: 23] ، إِلَى قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا
مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] .
وأجمع أهل العلم عَلَى تحريم من ذكر اللَّه في هذه الآية، فإذا نكح
الْمَرْأَة ثم طلقها أو ماتت فأمها حرام عليه دخل بالمرأة أو لم يدخل بها،
وَلا يحرم عليه نكاح ابنتها إذا فارق الأم أو لم يكن دخل بها، وابنة
الربيبة وابنة ابنتها حرام عليه إذا كَانَ دخل بالجدة.
(1/305)
وَلا يحل نكاح نساء الآباء وَلا نكاح حلائل
الأبناء، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ} [النساء: 22] .
ولقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}
[النساء: 23] .
والرضاع في ذَلِكَ كله بمنزلة النسب لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يحرم من الرضاع مَا يحرم من النسب» .
وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا
تنكح الْمَرْأَة عَلَى عمتها وَلا عَلَى خالتها وَلا الخالة عَلَى ابنة
أختها» .
وللرجل أن ينكح امرأة الرجل وابنته من غيرها،
(1/306)
يجمع بينهما، وله أن يتزوج الْمَرْأَة
ويتزوج ابنه ابنتها، وينكح الْمَرْأَة ويزوج ابنه أمها، وإذا طلق الرجل
الْمَرْأَة ثلاثا حل لَهُ نكاح أختها، وإن كانت المطلقة في العدة، وله أن
ينكح كذلك أربعًا سواها.
وإذا فجر الرجل بأم امرأته لم يحرم عليه نكاح امرأته، لا يحرم الحرام
الحلال، وليس مع من حرم عليه زوجته حجة، ونكاح المريض جائز كما يجوز نكاح
الصحيح، وَلا يجوز لامرأة المفقود أن تتزوج وإن طالت الأيام حَتَّى تعلم
يقين وفاته، وإذا بلغ الْمَرْأَة وقاة زوجها فاعتدت ونكحت، ثم قدم الزوج
الأول، فإن كَانَ الثاني قد دخل بها فلها مهرها من الثاني، ويعتزلها الثاني
وتعتد وهي زوجة الأول في ذَلِكَ كله غير أنه لا يطؤها حَتَّى تنقضي عدتها
من الثاني، وإن كانت ولدت من الثاني ولدًا فالأولاد لاحقون به، وإذا طلق
الرجل الْمَرْأَة طلاقًا يملك رجعتها، فاعتدت ونكحت رجلا ثم أقام الزوج
الأول بينة أنه كَانَ راجعها في العدة بطل نكاح الثاني، وهي زوجة الأول
والجواب في المهر والعدة، وولد إن كانت ولدته من الثاني كما أجبنا به في
المسألة قبل.
باب ذكر الرضاع
106 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ
الْوِلادَةِ»
(1/307)
وبهذا نقول فإن أرضعت امرأة الرجل جارية
حرمت عَلَى أَبِيهِ وعلى ابنه وعلى جده وعلى بني بنيه وبني بناته، وعلى كل
ولد لَهُ ذكر وولد ولده، وعلى كل جد لَهُ من قبل أَبِيهِ وأمه، وإذا كَانَ
المرضع غلاما حرم عليه ولد الْمَرْأَة التي أرضعته، وأولاد الرجل الذي أرضع
هذا الصبي بلبنه وَلا تحل لَهُ عمته من الرضاعة وَلا خالته وَلا ابنة أخيه
وَلا ابنة أخته، وَلا بأس أن يتزوج الرجل الْمَرْأَة التي أرضعت ابنه، كذلك
يتزوج ابنة الْمَرْأَة التي هِيَ رضيع أَبِيهِ ولأخي هذا الغلام المرضع أن
يتزوج الْمَرْأَة التي أرضعت أخاه، ويتزوج ابنتها التي هِيَ رضيع أخيه،
وينكح الرجل ابنة عمه وابنة عمته من الرضاعة وابنة خاله وابنة خالته من
الرضاعة، كل مَا أبيح لَهُ نكاحه من النسب أبيح لَهُ نكاحه من الرضاع.
وَلا يجمع بين أختين من الرضاعة، وَلا بين الْمَرْأَة وعمتها، وَلا بين
الْمَرْأَة وخالتها من الرضاع وهذا كله قول مالك، والشافعي، والكوفي، وَلا
تحرم الرضعة وَلا الرضعتان، والذي يحرم ثلاث رضعات استدلالا بالسنة، وَلا
(1/308)
رضاع بعد الحولين استدلالا بقوله تعالى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}
[البقرة: 233] .
ولقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الرضاعة من
المجاعة» .
وَلا يقع التحريم إلا بألبان الآدميات.
باب ذكر نكاح العبيد والإماء
قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ
يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] .
فإذا اجتمع أن لا يجد الحر السبيل إِلَى نكاح حرة، وخاف عَلَى نفسه الزنى
حل لَهُ أن ينكح أمة مؤمنة.
وَلا يحل نكاح إماء أهل الكتاب بحال، وإنما تحل الأمة الكتابية بملك
اليمين، وإذا نكح الحر أمة، وهو يجد السبيل إِلَى نكاح حرة فنكاحه باطل،
فإن لم يصبها فلا مهر لها، وَلا متعة، فإن أصابها فلها مهر مثلها، ويفرق
بينهما عَلَى كل حال، وَلا يتزوج الْمَرْأَة الأمة عَلَى الحرة وله أن ينكح
الحرة عَلَى الأمة، وَلا ينكح الحر إذا حل لَهُ النكاح الإماء إلا أمة
واحدة، وَلا يكون بيع الأمة طلاقها.
وَلا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن سيدها، وَلا ينكح العبد إلا بإذن سيده،
ومذهب ابن عمر، وابن عباس أن العبيد يتسرون بإذن مواليهم، وكان عمر بن
(1/309)
الْخَطَّابِ، يقول: ينكح العبد ثنتين
وطلاقه ثنتان.
وإذا تزوج العبد امرأة حرة وذكر أنه حر فلها الخيار إذا علمت أنه عبد،
وأجمع أهل العلم عَلَى أن تزوج الْمَرْأَة عبدها باطل، وإذا ملكت
الْمَرْأَة من زوجها شقصًا بطل النكاح، كذلك قول أهل العلم.
باب التسوية بين الضرائر
107 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ، قَالَ: نا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
(1/310)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ
لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا حُشِرَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» .
وَثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ
إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ
سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ»
فهذا الحديث وغيره يدل عَلَى وجوب العدل بين النساء فيما يملكه، وَلا حرج
عليه فيما لا يملكه من الهوى والحب.
وقد روينا عن أنس بن مالك، أنه قَالَ: «للبكر سبع وللثيب ثلاث» ،
(1/311)
فإذا تزوج الرجل الْمَرْأَة البكر أقام
عندها عند دخوله عَلَيْهَا سبعًا، وإن كانت ثيبًا أقام عندها ثلاثًا لا
يتخلف فيها عن حضور الجماعات، وَلا عن أداء الحقوق، فإذا انقضت السبع أو
الثلاث رجع فقسم بينهن بالسواء لا فرق بين المسلمة والذمية، وإن كانت حرة
وأمة قسم للحرة يومين وللأمة يومًا، وإذا رضيت الْمَرْأَة بترك حقها من قسم
ونفقة فلا حرج عليه في ذَلِكَ، فإن رجعت عاد فأعطاها مَا لا يجب لها.
باب ذكر وجوب النفقات والكسوة
108 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا
سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لِي إِلا مَا يَدْخُلُ بَيْتِي، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ
وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ»
فنفقة الزوجة واجبة عَلَى الزوج إلا أن تكون ناشزًا ممتنعة، فإن نفقتها
تسقط في حال امتناعها ونشوزها، فعلى الزوج أن ينفق عَلَى زوجته بالمعروف
عَلَى قدر
(1/312)
طاقته ويساره، وعليه الكسوة بالمعروف، لقول
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ولهن عليكم رزقهن
وكسوتهن بالمعروف» .
وإنما يكسو كل أهل بلد مما يكتسي أهل ذَلِكَ البلد عَلَى قدر مَا يكتسيه
الموسر والمعسر.
وكل من يحفظ عنه من أهل العلم يوجبون نفقة خادم واحد للتي لا تخدم نفسها،
ونفقة الوالدين تجب في مال الولد وذلك إذا لم يكن لهما مال، وَلا يرجعان
إِلَى كسب يغنيهما، ونفقة الولد تجب في مال الوالد مَا داموا صغارًا لا مال
لهم وَلا كسب، وكل من أوجبنا عليه النفقة فكذلك نوجب عليه الكسوة، وإذا طلق
الرجل امرأته فهي أحق بالأولاد مَا لم تتزوج الْمَرْأَة، ويصير الولد ابن
سبع سنين، فيخير بين أَبِيهِ وأمه في قول أصحابنا، وإنما تكون الأم أحق بهم
مَا لم تتزوج، فإذا تزوجت فلا حق لها.
(1/313)
كتاب الطلاق
باب الطلاق للعدة التي أمر اللَّه أن تطلق لها النساء
109 - نا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرِ ذَلِكَ عُمَرُ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فِلْيُرَاجِعْهَا
حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ
فَلْيُطَلِّقْهَا إِنْ شَاءَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعْهَا أَوْ يُمْسِكْهَا،
فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا
النِّسَّاءُ»
فمن أراد أن يطلق زوجته للسنة طلقها واحدة وهي طاهر من حيضة لم
(1/314)
يكن طلقها فيها وَلا جامعها في ذَلِكَ
الطهر، ولمن فعل هذا الرجعة إذا كانت مدخولًا بها مَا لم تنقض العدة، فإذا
انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، وإذا طلق الرجل امرأته وهي حامل طلقة فهو
مطلق للسنة.
وإذا كانت زوجة المرء صغيرة لم تبلغ أو كبيرة قد يئست من المحيض فلا وقت
لطلاقها، يطلقها متى شاء، وإذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لزمه الطلاق،
وإذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها واحدة فقد بانت بها منه وله أن
يخطبها مع الخطاب، وإذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها لم تحل لَهُ حَتَّى
تنكح زوجا غيره، وإذا طلقها ولم يقل ثلاثًا وأراد ثلاثا حرمت عليه حَتَّى
تنكح زوجًا غيره.
وإذا قَالَ الرجل لزوجته اعتدي، أو أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بتة، أو
الحقي بأهلك، أو حبلك عَلَى غاربك، أو قد وهبتك لأهلك قبلوها أو ردوها، وما
أشبه ذَلِكَ من الكلام سئل مَا أردت، فإن أراد طلاقا، كَانَ طلاقا وكان مَا
أراد من عدم الطلاق، وإن لم يرد طلاقًا حلف ولم يلزمه طلاق، ومن عزم عَلَى
الطلاق بقلبه ولم ينطق به بلسانه لم يلزمه.
ومن طلق امرأته بأي لسان طلق لزمه الطلاق.
وإذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لم يلزمه شيء، وإن اختارت نفسها لزمه
الطلاق وتكون تطليقة يملك الزوج الرجعة وأمرها أمر المملكة أمرها إذا رد
الطلاق إليها، وإن فارقا مجلسهما لأن من وكل بشيء فهو وكيل مَا لم يعزله
الموكل.
وَلا طلاق إلا من بعد النكاح، ومن طلق واستثنى لم يلزمه الطلاق، وإذا طلق
المريض امرأته ثلاثا لم ترثه وَلا يرثها إن ماتت، وَلا يلزم الطلاق إلا
بالغ صحيح وَلا طلاق لصبي وَلا لمعتوه.
وقد اختلف في طلاق السكران، وكان عثمان بن عَفَّانَ لا يلزمه الطلاق، وإذا
طلق الأخرس بإشارة وفهم ذَلِكَ عنه لزمه الطلاق، وجد الطلاق وهزله سواء.
وإذا طلق الرجل زوجته إِلَى شهر أو إِلَى سنة لم يلزمه الطلاق قبل الوقت،
وإذا طلق
(1/315)
الرجل نصف أو ثلث أو ربع تطليقة لزمته
تطليقة، وإذا قَالَ: رأسك أو رجلك أو أي عضو منها أوقع الطلاق عليه لزمه
الطلاق، وإذا شك الرجل طلق زوجته أم لا لم يلزمه الطلاق حَتَّى يوقن به،
والورع أن يلزم نفسه الطلاق.
وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا لم تحل لَهُ حَتَّى تنكح زوجًا غيره بنكاح
رغبة، وَلا يحلها للزوج الأول أن ينكحها، يريد التحليل، وإذا نكحت نكاحًا
صحيحًا لم يحلها للأول حَتَّى يجامعها الثاني، فإذا صح ذَلِكَ وفارقها
الثاني وانقضت عدتها، حلت للأول بنكاح جديد.
وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، وتزوجت زوجًا ثم رجعت إِلَى
زوجها الأول كانت عنده عَلَى مَا بقي من الطلاق.
وإذا قَالَ الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين.
لزمته تطليقة، وإذا قَالَ: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا.
لزمه ثلاث.
وإذا أسلم النصراني قبل زوجته النصرانية فهما عَلَى النكاح، وإن أسلمت هِيَ
قبله انفسخ وإن أسلما معًا فهما عَلَى النكاح، وإذا كانا حربيين فأيهما
أسلم قبل صاحبه انفسخ النكاح، وإن أسلما فهما عَلَى النكاح، وإن أسلم الرجل
وعنده عشر نسوة وأسلمن مَعَهُ اختار منهن أربعًا، وإذا أسلم وعنده أختان
اختار أيتهما شاء.
(1/316)
كتاب الخلع
110 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: نا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي
قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتِ
الطَّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ
الْجَنَّةِ» .
قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا
حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229]
(1/317)
فيحرم عَلَى الزوج أن يأخذ من مال زوجته
شيئا في باب الخلع إلا بعد الخوف الذي ذكره اللَّه، فإذا كَانَ النشوز من
قبلها وهو بغض الزوج فله أن يأخذ منها مَا اتفقا عليه، لقوله: {فَلا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] .
وكان ابن عباس، يقول: الفداء ليس بطلاق.
وإذا خالع الرجل امرأته ثم طلقها لم يلحقها طلاق، والخلع جائز دون السلطان.
(1/318)
|