الإقناع لابن المنذر

كتاب الإيلاء
قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] .
والإيلاء أن يحلف الرجل بأي يمين حلف بها تمنع اليمين التي حلف بها جماعًا أكثر من أربعة أشهر، فإذا فعل ذَلِكَ كَانَ موليًا.
والفيء الجماع، فإذا آلى الرجل من امرأته ثم وطئها في الأربعة الأشهر كفر عن يمينه، فإن لم يطأها وقف عند الأربعة أشهر إذا طالبته الْمَرْأَة، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق، وليس لأحد أن يطلب ذَلِكَ إلا الزوجة.
وإيلاء الرجل من زوجته قبل الدخول بها وبعده سواء.
وإذا حلف ألا يطأ فلانة ثم نكحها لم يكن إيلاء يحكم به عليه.
وإيلاء الحر والعبد سواء، وكذلك المكاتب والمدبر.
وإيلاء الذمي مثل إيلاء المسلم إذا رضي بحكمنا.

(1/319)


كتاب الظهار
قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] .
111 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: نا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ امْرَأً بِهِ لَمَمٌ، فَإِذَا اشْتَدَّ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ»
والظهار يكون من كل زوجة مسلمة وذمية، حرة وأمة، صغيرة وكبيرة.
والظهار: أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، والظهار بذوات المحارم كهو من الأم.
وإذا ظاهر الرجل من ثلاث نسوة لزمه لكل واحدة كفارة، كما يلزمه إذا طلقهن لكل زوجة تطليقة، وإذا ظاهرت الْمَرْأَة من زوجها فليس بشيء.
وإذا ظاهر الرجل من أمته أو

(1/320)


أم ولده فليس بظهار، واختلفوا في قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] ، فَقَالَ الحسن، وقتادة، والزُّهْرِيّ: الوطء.
وقال مالك: إذا أجمع عَلَى الوطء.
وقال الثَّوْرِيّ: إذا تكلم بالظهار فقد وجب عليه.
وقال الشَّافِعِيّ: إذا أمسكها بعد الظهار ولم يحرمها عليه بكلام أو غيره فقد لزمته الكفارة.
وإذا جامع الرجل زوجته التي ظاهر منها قبل أن يكفر كفر وليس عليه للجماع كفارة، وَلا يحرم عَلَى المظاهر تقبيل امرأته وَلا مباشرتها قبل أن يكفر.
وظهار العبد مثل ظهار الحر ويكفر بالصوم، وإذا قَالَ: أنت علي كظهر أمي إن شاء اللَّه، فليس بشيء، ويجزئ المظاهر أي رقبة أعتق بعد أن تكون في حال الزمانة، وَلا يكون بها عيب يضر بالعمل ضررًا بينًا، وَلا يجوز إن لم يجد رقبة إلا صوم شهرين متتابعين، فإن لم يطق الصوم أطعم ستين مسكينًا ستين مكيالًا من قمح أو تمر.

(1/321)


كتاب اللعان
112 - نا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»
فإذا نكح الرجل الْمَرْأَة نكاحًا ثابتًا ثم جاءت بعد عقد النكاح بولد لستة أشهر فأكثر فالولد لاحق به إذا أمكن وصوله إليها، وكان الزوج ممن يطأ، وإن كَانَ الزوج طفلا لا يطأ مثله أو مجبوبًا، أو علم أنه لم يصل إليها لبعد مسافة مَا بين موضعه وموضعها لم يلحق بأحد من هؤلاء ولد إن جاءت به.
وإذا قذف الرجل امرأته بالزنى وانتفى من ولدها لاعن الحاكم بينهما، ووقعت الفرقة

(1/322)


بينهما بعد إتمام اللعان، ولم يجتمعا لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للملاعن: «لا سبيل لك عَلَيْهَا» .
ويلحق الولد بالأم.
وإذا طلق الرجل امرأته طلقة يملك رجعتها، ثم قذفها لاعنها، فإن طلقها ثلاثا ثم قذفها لم يلاعنها، وعليه الحد إن لم يأت بأربعة شهداء إلا أن تكون حاملا فيلاعن لينفي عن نفسه الولد.
وإذا قذفها وهي زوجته قبل أن يدخل بها لاعنها، وإذا قَالَ لها: لم أجدك عذراء فلا حد عليه، ومن رمى الملاعنة أو ولدها فعليه الحد، وإذا قَالَ الرجل لامرأته: يَا زانية.
أو قَالَ: رأيتها تزني فسواء.
واللعان بين كل زوجين عَلَى ظاهر قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] ، يلاعن الحر الحرة المسلمة والحرة الذمية، والأمة المسلمة، والمحدود والعبد تحته الحرة أو الأمة، والأعمى يلاعن زوجته.
وإذا امتنع الرجل من الالتعان حد إلا إن يأتي بأربعة شهداء يجب عَلَيْهَا بشهادتهم الحد، فيسقط عنه الحد، فإذا لاعن الزوج، وامتنعت من اللعان حدت استدلالا بقوله: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] .
وإذا قذف الرجل زوجته ثم أكذب نفسه حد إن طلبت ذَلِكَ.

باب العدد
قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] .

(1/323)


وأجمع أهل العلم عَلَى أن عدة الحرة المسلمة من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا مدخولا بها أو غير مدخول بها، صغيرة كانت أم كبيرة، تقيم المعتدة في المنزل الذي كانت تسكنه أيام حياته إلا أن تخرج منه فيكون لها عذر في الخروج، وإن كَانَ المتوفى عنها حاملا فأجلها أن تضع حملها، فإن وضعت حملها وزوجها عَلَى السرير، لم يدفن انقضت عدتها، وحل لها النكاح.
وإذا طلق الرجل امرأته واحدة يملك رجعتها فلها السكنى والنفقة، فإن طلقها ثلاثا فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ولكن لها السكنى، وإن كانت حاملا، أنفق عَلَيْهَا حَتَّى تضع حملها.
وإذا كانت الحامل متوفى عنها فالنفقة في مال الزوج الميت وَلا سكنى لها.
وإذا قَالَت المطلقة ثلاثا: أنا حامل أريها النساء، وَلا يقبل قول أقل من أربع منهن، فإن قلن إنها حامل أنفق عَلَيْهَا، فإن علم بعد أن أنفق أن لا حمل بها رجع عَلَيْهَا بما أخذت.
وليس للملاعنة نفقة وَلا سكنى لحديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قضى أن لا بيت لها وَلا قوت» .
وأجل المطلقة الحامل أن تضع حملها لا اختلاف فِيهِ، وإذا طلقت الْمَرْأَة المتوفى عنها زوجها وفي بطنها أولاد لا تنقضي عدتها إلا بوضع آخر الحمل، والعدة تنقضي بالسقط تسقطه الْمَرْأَة إذا استبان خلقه.
وإذا طلق الرجل امرأته في كل مرة تطليقة فعدتها من الطلاق الأول مَا لم يراجعها، فإن راجعها في العدة ثم طلقها فعدتها من الطلاق الآخر، وإذا غاب الرجل عن زوجته فبلغها وفاته أو طلاقه فعدتها من يوم مات أو طلق.
وإذا طلق الرجل امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين لم تنقض عدتها إلا بالحيضة الثالثة.
وإذا طلقت الصبية التي لم تبلغ، والبالغ التي لم تحض فحاضت قبل أن تنقضي الشهور بيوم أو أقل استأنفت العدة بالمحيض، والعشر التي مع الأربعة الأشهر عشرة أيام بلياليها.

(1/324)


كَانَ عثمان بن عَفَّانَ، وابن عمر، يقولان: عدة المختلعة حيضة، وقد روي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ابن عمر، يقول: عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة وكذلك نقول.
وكان عمر بن الْخَطَّابِ، يقول: ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين.
وقال ابن عمر: إن لم تحض شهر ونصف.

(1/325)


وعدة الأمة الحامل من وفاة زوجها أن تضع حملها، فإن لم تكن حاملا فعدتها شهران وخمس ليال، وإذا طلقت الأمة طلاقا يملك الزوج الرجعة ثم أعتقت أكملت عدة حرة، والطلاق بالرجال، والعدة بالنساء.

(1/326)


كتاب الإحداد
113 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .
وَفِي حَدِيثِ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ»
دل هذا الحديث عَلَى تحريم إحداد المسلمات من النساء عَلَى غير أزواجهن فوق ثلاث، ويدل عَلَى أن الذمية لا إحداد عَلَيْهَا.
والأمة داخلة في جملة الأزواج، ويجنب ولي الصبية المتوفى عنها مَا تجتنبه البالغ من النساء وليس ذَلِكَ عَلَى أم الولد، وجملة مَا تجتنبه الْمَرْأَة في إحدادها لبس المعصفر من الثياب والممشق والحلي والخضاب والكحل والطيب والزينة وليس عَلَى المطلقة ثلاثًا إحداد.

(1/327)


باب المتعة المفروضة في الكتاب للمطلقة قبل الدخول من غير تسمية صداق
قَالَ اللَّه جل ذكره: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] .
فالمتعة واجبة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها صداق عَلَى ظاهر الآية.
فأما سائر المطلقات فمعنى حثهم عَلَى المتعة عَلَى معنى التفضل والإحسان وليس لأقل المتعة حد يوقف عليه وَلا لأكثره منتهى ينتهى إليه، ويفرض الحاكم ذَلِكَ عَلَى المطلق عَلَى قدر يسره وعسره.

(1/328)


كتاب الرجعة
قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ، يعني: في العدة، ولم يختلف أهل العلم أن الحر إذا طلق امرأته الحرة المدخول بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها حَتَّى تنقضي العدة.
وقال اللَّه جل ذكره: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] .
قَالَ أهل التفسير: إنها الرجعة ويشهد إذا أراد أن يرتجع، ويقول: قد ارتجعت زوجتي فلانة أو قد راجعتها أو رددتها إلي، فإذا قَالَ ذَلِكَ فهي رجعة، والرجعة تكون باللسان كما يكون الطلاق باللسان.
وللرجل أن يراجع زوجته التي يملك مراجعتها في العدة وإن كرهت ذَلِكَ، وليس عليه أن يجعل لذلك مهرا وَلا يزيد في مهرها، وإذا ادعت المطلقة انقضاء العدة في مدة يمكن انقضاء العدة في تلك المدة، فالقول قولها مع يمينها، وإذا ادعت من ذَلِكَ مَا لا يمكن تصديقها لم تصدق وذلك أن تقول بعد عشرة أيام من طلاق الزوج: قد حضت ثلاث حيض وطهرت.
والأقراء الأطهار، فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت من عدتها، وحلت للأزواج إذا كَانَ المطلق أوقع عَلَيْهَا الطلاق وهي طاهر، وإذا طلق الرجل امرأته وهي حائض أو نفساء جبر عَلَى رجعتها، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عمر أن يأمر ابن عمر بذلك.

(1/329)