الإقناع
لابن المنذر كتاب المزارعة
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عامل أهل
خيبر عَلَى شطر مَا يخرج من ثمر أو زرع» .
191 - نا علي بن عبد العزيز بن عبيد، قَالَ: «عامل رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل خيبر عَلَى شطر مَا يخرج من ثمر أو زرع» .
والقول بظاهر هذا الخبر يجب، وممن روينا عَنْهُ من أصحاب رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنهم كانوا يعطون أرضهم بالثلث والربع،
علي بن أبي طالب،
(2/567)
وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وخباب، وابن
عمر، وأنس، ومعاذ بن جبل، فدفع الأرض والنخل بالثلث والربع جائز لثبوت
الخبر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فأما أخبار رافع بن خديج التي احتج بها من خالفنا فتلك أخبار معلولة كلها،
وقد
(2/568)
ذكرنا عللها فِي غير هذا الكتاب، قَالَ
أحمد: يروى عن رافع فِي هذا ضروب كأنه أراد أن ذَلِكَ يوهن ذاك الحديث.
وفيمن يخرج البذر قولان: أحدهما: أنه من عند رب الأرض هذا قول أحمد،
وإسحاق، وقال غيرهما: مَا نبالي من عند أيهما كَانَ، لأن النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يشترط ذَلِكَ حيث دفع خيبر إِلَى العمال.
وللرجل أن يستأجر الأرض وقتا معلوما بالدنانير والدراهم إذا كانت معلومة.
ومن أجاز ذَلِكَ من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سعد بن أبي وقاص، ورافع بن خديج، وابن عباس، وابن عمر، وبه قَالَ
جماعة من
(2/571)
التابعين، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأبو ثور، وأصحاب الرأي وهو قول عوام أهل العلم من علماء الأمصار.
وَلا بأس أن يستأجر الرجل الأرض بطعام معلوم موصوف ليس مما تخرج الأرض،
ولكن يكون ذَلِكَ فِي ذمة المكتري يوصف كما يوصف فِي السلم فذلك جائز، وَلا
يجوز أن تكترى الأرض بربع مَا يخرج منها وَلا بشيء منه.
وإذا اشترك النفر عَلَى أن البقر من عند أحدهم والأرض من عند الآخر والبذر
من عند أحدهم، والعمل عَلَى أحدهم فزرعوا عَلَى هذا، عَلَى أن الزرع أرباعا
لكل واحد منهم ربعه، فالزرع لصاحب البذر، ولصاحب الأرض أجر مثل الأرض،
ولصاحب البقر أجر مثل البقر، وللعامل أجر مثله، وليس عَلَى صاحب البذر أن
يتصدق بشيء منه.
وإذا كَانَ بين الرجلين أرض ولهما دواب وغلمان فزرعا ببذرهما وأعوانهما
الأرض عَلَى أن مَا أخرج اللَّه فِي ذَلِكَ من شيء فهو بينهما، فهذا جائز
لأن أحدهما لا يفضل صاحبه بشيء.
وإذا استأجر الرجل الأرض إجارة صحيحة فزرعها، وانقضت المدة وفي الأرض زرع،
فعليه إذا انقضت المدة قلع الزرع، وإذا اكترى أرضا عَلَى أن يزرعها فأراد
أن يغرسها فليس ذَلِكَ لَهُ.
وإذا استأجرها عَلَى أن يزرعها نوعا من الزرع فأراد أن يزرعها غير مَا شرط،
فإن كَانَ لا ضرر عَلَى الأرض فِي ذَلِكَ أكثر من إضرار مَا اشترط أن يزرع
فلا شيء عليه، وإن كَانَ ذَلِكَ أضر بالأرض مما شرط فليس لَهُ ذَلِكَ، وَلا
يجوز أن تكترى الأرض ويشترط ثمر نخل
(2/572)
فيها كثر ذَلِكَ أم قل، لأن ذَلِكَ اكتراء
النخل، ولأنه لا يعلم كرى الأرض من حصة ثمن الثمر وهو يفسد من وجوه.
ويكره أن يزرع بالعدة، كَانَ ابن عمر يكره ذَلِكَ، وإذا اكترى أرضا عَلَى
أنه إن زرعها حنطة فكراؤها عشرة دنانير، وإن زرعها شعيرا فكراؤها ثمانية
دنانير فالكراء فاسد، فإن أدرك قبل الزرع فسخ، وإن زرعها فعليه كراء المثل.
وإذا اكترى الرجل أرضا كراء صحيحا، ثم جَاءَ فَقَالَ: لا أجدر بذرا فقد
لزمه الكراء، وليس ذَلِكَ بعذر يفسخ به الكراء، وَلا يجوز أن يكتري الرجل
أرضا من رجل ليرعى فيها دوابه سنة، لأن ذَلِكَ لا يوقف عَلَى حد مَا وقف
عليه الكراء، وقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يغرس رجل مسلم غرسا وَلا زرعا فيأكل منه دابة أو
إنسان أو سبع أو طائر أو شيء إلا صار لَهُ فِيهِ أجر» .
(2/573)
كتاب المساقاة
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامل أهل
خيبر عَلَى شطر مَا يخرج من تمر أو زرع.
192 - نا أَبُو مَيْسَرَةَ، قَالَ: نا ابْنُ خَلادٍ وَابْنُ الصَّبَّاحِ،
قَالا: نا يَحْيَى، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ
ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ»
فدفع النخل جائز مساقاة عَلَى النصف أو الثلث أو الربع أو عَلَى جزء من
أجزاء معلوم، ودفع الكرم مساقاة كدفع النخل لا فرق بينهما، وَلا أعلم أحدا
خالف مَا ذكرناه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلا النعمان، وَلا يعلم لَهُ معنى إذ هو مخالف للسنة، ولأبي بكر، وعمر لأن
أبا بكر أقر اليهود بخيبر بعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وأقرهم عمر إِلَى أن أجلاهم وما زال أهل الحرمين عليه قديما
(2/574)
وحديثا، وترك يعقوب، ومحمد قول صاحبهما،
وقالا: بالسنة التي ذكرناها.
واختلفوا فِي المساقاة فِي غير النخل والعنب، فكان مالك، يقول: تجوز
المساقاة فِي كل أصل وكرم وزيتون أو تين أو فرسك أو مَا أشبه ذَلِكَ من
الأصول، وبه قَالَ أبو
(2/575)
ثور، ويعقوب، ومحمد، وكان الشَّافِعِيّ لا
يجيز المساقاة إلا فِي النخل والعنب.
القول الأول أصح، وَلا بأس بالمساقاة فِي البعل من النخل، لأن فِيهِ أعمالا
سوى السقي.
وأكثر أهل العلم يكرهون المساقاة عَلَى شجر لم تطعم، وإذا دفع الرجل إِلَى
الرجل نخلا معاملة ولم يسم سنة، وَلا أكثر من ذَلِكَ فهو جائز عَلَى ظاهر
دفع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخل خيبر إِلَى اليهود،
وفي الحديث: «نقركم عَلَى ذَلِكَ مَا شئنا» .
ومما يجوز أن يشترط فِي المساقاة عَلَى العامل خم العين وسرو الشرب، وإبار
النخل، وقطع الجريد وجداد التمر، فأما سد الحظار فكان مالك يجيز أن يشترطه
رب النخل عَلَى العامل، وَلا يجوز فِي قول الشَّافِعِيّ، وقال مالك،
والشافعي: لا بأس أن يشترط المساقاة عَلَى رب النخل غلمانا يعملون مَعَهُ
وليس لَهُ أن يستعملهم فِي غير ذَلِكَ المال.
ونفقة الرقيق فِي قول مالك عَلَى المساقي لا ينبغي أن يشترط نفقتهم عَلَى
رب المال.
وفي قول الشَّافِعِيّ: نفقة الرقيق عَلَى مَا تشارطا عليه.
(2/576)
وإذا كَانَ للرجل حائطان فله أن يعامل
عَلَى أحدهما بعينه بالنصف، وعلى الآخر بالثلث وتخرج الزكاة من التمر، ثم
يقتسمان مَا بقي عَلَى مَا اشترطا عليه.
وإذا دفع رجل إِلَى رجل نخلا معاملة سنين معلومة عَلَى النصف أو الثلث فهو
جائز، فإن أراد أحدهما الرجوع بعد أن عقدا ذَلِكَ مثل انقضاء المدة فليس
لَهُ ذَلِكَ إلا أن يمرض العامل، فيقيم مقامه ثقة غيره، فإن ادعى رب المال
أن العامل خائن، وقال: أخاف أن يفسد علي نخلي سئل عن ذَلِكَ، فإن صحت
خيانته قيل للعامل: أقم مكانها ثقة يقوم بما يجب عليك أن تقوم به، فإذا
أثمرت النخل أخذت حصتك، وقبض رب المال حصته، وكانت أجرة القيم عَلَى
العامل.
وإذا دفع رجل إِلَى رجل نخلا معاملة فمات أحدهما قام ورثته فِي ذَلِكَ
مقامه إن كَانَ الميت صاحب النخل، وإن كَانَ الميت العامل قام ورثته مقامه
إن شاءوا، وإذا دفع الرجل إِلَى الرجل نخلا معاملة عَلَى أن لرب النخل
دنانير معلومة أو وسقًا من التمر يخص به، أو شرط العامل لنفسه فالمعاملة
عَلَى هذا فاسدة لا تجوز.
(2/577)
باب السلف
أجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن استقراض الدنانير والدراهم
والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل مَا لَهُ مثل من الأطعمة المكيل منها
والموزون جائزة، دل خبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى أن استلاف الحيوان جائز.
وإذا استقرض الرجل من الرجل قرضا مما يجوز أن يقرض فرد عليه مثله فهو جائز،
وللمقرض أخذ ذَلِكَ وَلا يحل أن يشترط عليه إذا أقرضه هدية أو هبة أو
زيادة، فإن فعل ذَلِكَ كَانَ ربا لا يحل للآخذ وَلا للمعطي، وإن رد عليه
أفضل منه عَلَى غير شرط فلا بأس به، ويكره أن يهدي المستقرض للمقرض هدية
بسبب قرضه، وإن كانت عادتهما قد جرت بهدايا فلا بأس أن يمضيا عَلَى
عادتهما.
وإنما يكره أن يحدث شيئا بسبب القرض لم يكن،
(2/578)
وَلا بأس أن يعطي الرجل الدنانير بأرض
عَلَى معنى القرض ويعطيه بأرض أخرى قرب مَا بين البلدين أو بعد إذا لم
يشترط فيما يعطي صرفا أو خيرا مما قبضه منه، وَلا يحل أن يعطيه دنانير قطعا
عَلَى أن يرد عليه صحاحا أو يدفع إليه دنانير عَلَى صرف يذكر أنه من
الدراهم، لا يحل شيء من ذَلِكَ.
وإذا أسلف الرجل من الرجل فلوسًا أو دراهم فأفسدها السلطان أو أبطلها فليس
لَهُ إلا مثل فلوسه التي أعطى أو دراهمه، وإذا أقرضه دنانير معلومة إِلَى
سنة فأحب إلي وأحسن أن لا يطالبه قبل الأجل، فإن فعل فله أن يأخذه منه متى
شاء، وَلا بأس إذا أقرضه دنانير أن يأخذ مكانها دراهم يقبض ذَلِكَ مكانه،
وإذا أقرضه حنطة فله أن يأخذ مكانها شعيرا يقبضه مكانه أقل من الحنطة أو
أكثر، وإذا استقرض منه دراهم عددا فله أن يرد عليه عددا وليس هذا ببيع، وقد
رخص غير واحد من أهل العلم للجيران أن يستقرض بعضهم من بعض الخبز.
(2/579)
|