الإقناع
لابن المنذر كتاب الأطعمة
قَالَ اللَّه جل ثناؤه: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ
دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] .
حرم اللَّه بعد فِي { [المائدة، فَقَالَ:] حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ إِلَى قوله: وَمَا ذُبِحَ
عَلَى النُّصُبِ} [سورة المائدة: 3] ، و { [المائدة مدنية وسورة الأنعام
مكية.
وقال اللَّه جل ذكره:] النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف: 157] ،
وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] .
فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المفسر لكتاب اللَّه والمبين عن
اللَّه معنى مَا أراد، فمما «حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وحرم لحوم الحمر
الأهلية ولحوم البغال، ونهى عن المصبورة، والمجثمة وحرم
(2/613)
الجلالة، وأكل كثير من الهوام» ، وعلى
الخلق طاعة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن اللَّه
تعالى فرض طاعته عليهم، قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ
تَهْتَدُوا} [النور: 54] ، وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] .
(2/614)
باب مَا يحرم أكله من الدواب بسنة رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
204 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا
سُفْيَان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ
أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ»
«حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ذي ناب من
السباع» ، وكان الضبع محرما عَلَى ظاهر هذه السنة، فلما ذكر جابر بن عبد
الله أن الضبع صيد، وأنه يؤكل وأنه سمع من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب أن يستثنى من جملة نهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل ذي ناب من السباع، وتحرم سائر السباع عَلَى ظاهر
السنة والثعلب داخل فِي جملة نهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عن كل ذي ناب من السباع غير خارج من ذَلِكَ بسنة، وَلا يجوز أن
يستثنى من السنة إلا بسنة مثلها، وممن حرم الثعلب: أبو هُرَيْرَة، والحسن
البصري، والنخعي، والزُّهْرِيّ، ومالك.
والهر محرم
(2/615)
داخل فِي جملة نهي النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل ذي ناب من السباع، وثبت أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن لحوم الحمر الأهلية
ولحوم البغال» .
205 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا عَفَّانُ،
قَالَ: نا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ: «ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ،
فَنَهَانَا عَنِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْخَيْلِ»
وَلا يجوز أكل لحوم الحمير والبغال، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نهى عن ذَلِكَ، وبه قَالَ عامة أهل العلم، وَلا يجوز أكل لحوم
الجلالة وَلا المجثمة، والمجثمة: الشاة ترمى بالنبل حَتَّى تقتل.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تتخذوا شيئا
فِيهِ الروح غرضا» .
«ونهى أن تصبر البهائم، ونهى عن أكل الجلالة وألبانها» ، وفي حديث عبد الله
بن عمر: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن إبل
الجلالة أن تؤكل لحومها وَلا تشرب ألبانها وَلا يحمل عَلَيْهَا الأدم، وَلا
يركب عَلَيْهَا الناس حَتَّى تعلف أربعين يوما» .
فإذا علفت أربعين يوما طاب لحمها، وجاز الركوب عَلَيْهَا، وقد كَانَ ابن
عمر، يحبس الدجاجة ثلاثة أيام إذا أراد أن يأكل بيضها.
وهذا عَلَى مَا جاءنا فِي هذا الباب، وَلا يجوز شرب ألبان الأتن، وَلا يجوز
أكل الفأر والعقارب والغربان والحدأ والكلاب،
(2/616)
لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لما أباح للمحرم قتل خمس من الدواب دل بإباحته للمحرم أن يقتله
عَلَى تحريم أكل لحومه قبل الإحرام، لأن مَا كَانَ صيدا مباح أكله وصيده
للحلال فهو حرام عَلَى المحرم صيده وأكله، وما كَانَ خارجا عن أبواب الصيد
المحرم عَلَى المحرم قتله فليس من الصيد الذي يجوز للحلال اصطياده وأكله.
206 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ
مِنَ الدَّوَابِّ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي قَتْلِهِنَّ
وَهُوَ حَرَامٌ: الْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ
الْعَقُورُ، وَالْفَأْرَةُ "
207 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا رَوْحٌ،
قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ،
عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى
عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ
الطَّيْرِ»
وأجمع كل من أحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى تحريم أكل مَا قطع من الأنعام
وهي أحياء.
وجاء الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه لما
قدم المدينة والناس يجبون أسنمة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قطع من البهيمة وهي
حية فهو ميت» .
وَلا يجوز قطع شيء من أعضاء البهيمة وهي حية، لأن ذَلِكَ
(2/617)
تعذيب لها، وقد «نهى عن تعذيب البهيمة
والطير، ونهى عن المصبورة» ، وفي حديث عبد الله بن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من قتل عصفورا فما فوقها بغير
حقها سأله اللَّه عن قتله» ، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وما حقها؟ قَالَ:
«أن يذبحها فيأكلها، وَلا يقطع رأسها فيرمي به» .
ويكره إخصاء الدواب، كَانَ ابن عمر يكرهه، وهو قول: أحمد، وإسحاق، وقد
روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه «نهى عن صبر
ذات الروح وخصاء البهائم» .
باب ذكر جمل مَا أباح كتاب اللَّه تعالى أكله وما لم تأت بتحريمه حجة
أباح اللَّه جل ذكره أكل لحوم الأنعام، فَقَالَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}
[المائدة: 1] .
وقال جل ثناؤه: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ
(2/618)
بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] .
وقال تبارك وتعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ
وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] .
ودلت أخبار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إباحة
أكل لحوم الأنعام، وأجمع أهل العلم عَلَى القول به، فلحوم الأنعام مباح
بالكتاب والسنة والاتفاق.
وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إن
أعظم المسلمين فِي المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل
مسألته» .
208 - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عَامِرِ بْنِ سَعْدِ
(2/619)
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ
الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ
يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»
وقد ذكرنا فيما مضى إباحة أكل لحوم الخيل، ودل خبر أبي قتادة عَلَى إباحة
أكل حمير الوحش، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما
ناوله أبو قتادة العضد أكلها وهو محرم حَتَّى تعرقها، ولحم الظباء حلال لا
أعلم أحدا منع من أكله، لأنه داخل فِي الصيد الذي منع المحرم منه، ودل
ذَلِكَ عَلَى إباحة أكله للحلال، وثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الضب: «لست بآكله وَلا محرمه» .
209 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الضَّبِّ، فَقَالَ: «لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلا مُحَرِّمِهِ» .
(2/620)
وَأُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا
أُكِلَ عَلَى
(2/621)
مَائِدَتِهِ، وَرَخَّصَ فِي أَكْلِهِ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَبِهِ نَقُولُ
والأرنب مباح أكله لحديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
أتي بأرنب، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا.
وكان
(2/622)
سعد بن أبي وقاص يأكله، ورخص فِيهِ أبو
سعيد الخدري، وبلال، وبه قَالَ: مالك، والليث، والشافعي، وقد ذكرنا فيما
مضى أن الأشياء عَلَى الإباحة مَا لم يقع تحريمه بحجة.
وحكم عمر بن الْخَطَّابِ فِي اليربوع بجفرة فأكل اليربوع مباح، لأنه داخل
فِي
(2/623)
جملة مَا أبيح غير محرم بحجة، والوبر
كاليربوع فِي أنه مباح، وكذلك القنفذ، وقد روينا عن ابن عمر أنه رخص فِيهِ.
روينا عن ابن أبي أوفى، أنه قَالَ: «غزوت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات نأكل الجراد» .
210 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يَعْفُورٍ، قَالَ: نا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «» غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ
الْجَرَادَ «»
فالجراد مباح لأنه داخل فِي جملة مَا أبيح، ولم تأت بتحريمه حجة، ورخص فِي
أكل الجراد عمر بن الْخَطَّابِ، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وصهيب، وسلمان،
وابن
(2/624)
عباس، وأبو سعيد الخدري، وبه قَالَ عوام
أهل العلم.
فأكل الجراد مباح عَلَى الأحوال كلها أخذت أحياء أم أمواتا.
وقال اللَّه جل ذكره: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] ، وقد روينا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: فِي البحر «هو
الطهور ماؤه الحل ميتته» .
وأجمع أهل العلم عَلَى أن صيد البحر حلال
(2/625)
للحلال، وللمحرم اصطياده وبيعه وشراؤه
وأكله.
باب ذكر إباحة أكل الميتة عند الضرورة
قَالَ اللَّه جل ذكره: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ
وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] .
فاحتمل أن يكون اللَّه جل وعز حرم عليهم الميتة وما ذكر معها فِي {
[الأنعام فِي جميع الأحوال وعلى جميع الناس، واحتمل أن يكون حرم ذَلِكَ
عليهم فِي غير حال الاضطرار، فدل قول اللَّه جل ثناؤه:] فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة: 173] عَلَى
إباحة أكل الميتة فِي حال الإضرار.
ودل إجماع أهل العلم عَلَى مثال ذَلِكَ.
واختلفوا فِي معني قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ}
[البقرة: 173] .
فروينا عن ابن عباس، أنه قَالَ: غير باغ فِي الميتة وَلا عاد فِي الأكل،
وبه قَالَ جماعة، وقال أبو عبيدة: أي:
(2/626)
لا يبغي فيأكله غير مضطر إليه وَلا عاد
بشبعه.
وفي حديث سمرة يجزئ من الاضطرار، صبوح أو غبوق، قَالَ أبو عبيد: فالصبوح
الغداء، والغبوق، العشاء، يقول: «فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة» .
وقالت طائفة فِي قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] ،
أي: غير باغ عَلَى المسلمين وَلا معتد عليهم، أي: من خرج يقطع الطريق ويقطع
الرحم لم تحل لَهُ الميتة إذا اضطر إليها إنما تحل لمن خرج فِي طاعة اللَّه
وهذا قول مجاهد، وقال سعيد بن جبير: إذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة لَهُ.
واختلفوا فِي المحرم المفطر يجد الميتة والصيد، فكان الحسن البصري، ومالك،
والنعمان، وأصحابه، يقولون بأكل الميتة، وقد اختلف فِيهِ عن الشَّافِعِيّ،
وقال
(2/627)
الشَّافِعِيّ: يأكل الصيد.
وقال الأوزاعي: إذا اضطر المحرم إِلَى أكل الصيد يأكله وَلا جزاء عليه
فِيهِ.
يأكل الصيد، ويكفر أحب إلي، واختلفوا فيمن وجد الميتة وأموال الناس، فكان
سعيد بن المسيب، يقول: الميتة تحل لَهُ إذا اضطر، وَلا يحل لَهُ مال
المسلم، وبه قَالَ: زيد بن أسلم، وقال عبد الله بن دينار: أكل مال المسلم
أحب إلي.
قول سعيد أعلى، لأن اللَّه جل وعز أباح أكل الميتة للمضطر، وَلا أجده أباح
أموال الناس فِي حال الضرورة، ونحن وإن أبحنا لَهُ أكل مال المسلم إذا خاف
أن يتلف إن لم يأكل، ولم يجد الميتة من حيث أوجبنا عَلَى المسلمين أن يحيوه
إذا خافوا أن يموت، فليس ذَلِكَ مثل مَا أباح الكتاب من أكل الميتة للمضطر،
وإنما أبحنا لَهُ مال المسلم إذا لم يجد الميتة.
واختلفوا فِي قدر مَا يؤكل من الميتة، فَقَالَ مالك: يأكل حَتَّى يشبع
ويتزود منها، فإن وجد عنها غنى طرحها، وقال النعمان، وأصحابه: يأكل منها
مَا يمسك نفسه.
وهذا أصح، لأن الميتة إنما أبيحت لَهُ حال فِي الاضطرار، فإذا أكل منها مَا
يزيل تلك الحال عَنْهُ رجع الأمر إِلَى التحريم.
قَالَ الحسن البصري: إذا اضطر الرجل إِلَى الميتة أكل منها بقدر مَا يقيمه.
باب ذكر تحريم التداوي بالخمر وشربه عند
الضرورة
حرم اللَّه الخمر فِي كتابه، وعلى لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فالخمر لا يجوز شربها للعليل وَلا للصحيح، وَلا يجوز أن يسقى
الخمر البهائم، وقد روينا عن ابن عمر أن غلاما لَهُ سقى بعيرا لَهُ خمرا
فتواعده.
وَلا يجوز الامتشاط بالخمر، وقد اختلفوا فِيهِ إن اضطر إليه، فكان مالك بن
أنس، يقول فِي الخمر: إذا اضطر إليها لا يشربها،
(2/628)
ولن يزيده الخمر إلا شرًا، وقال أحمد: يقال
إنه لا يروي، وبه قَالَ إِسْحَاق إلا أن يكون فِي طمع أن يرويه حَتَّى
يجاوز إِلَى موضع يطمع فِيهِ الْمَاء.
211 - نا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ
الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ: سُوَيْدُ بْنُ
طَارِقٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْخَمْرِ فَنَهَى عَنْهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّهَا دَاءٌ
وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ»
باب ذكر مَا أبيح للمرء من مال أَخِيهِ
ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا
يحتلبن أحدكم ماشية أحد إلا بإذنه» .
212 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ
أَبِي لَيْلَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(2/629)
«لا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ
أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى خِزَانَتُهُ
فَتُكْسَرَ فَيُنْقَلَ مَا فِيهَا، فَإِنَّمَا ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ
خَزَائِنُهُمْ»
فاستعمال ظاهر هذا الحديث يجب إلا أن يضطر إنسان إِلَى مال أَخِيهِ فيأخذ
منه قدر مَا يبلغه عند الاضطرار إليه عَلَى مَا فِي حديث البراء بن عازب.
213 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
الْبَرَاءِ، قَالَ: «اشْتَرَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَازِبٍ رَحْلا بِثَلاثَةَ
عَشَرَ دِرْهَمًا»
قَالَ أبو بكر الصديق: " ارتحلنا من مكة فأحيينا أو سرينا ليلتنا أو يومنا
حَتَّى أظهرنا، فقام قائم الظهيرة فرميت بصري هل أرى من ظل، فإذا صخرة
فأتيتها فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، ثم قلت: اضطجع يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فاضطجع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم انطلقت هل
أرى من الطلب أحدا، فإذا أنا براع يسوق غنمه إِلَى الصخرة، فقلت: لمن أنت
يَا غلام؟ ، فَقَالَ: لرجل من قريش.
فسماه فعرفته، فقلت: هل فِي غنمك من لبن؟ قَالَ: نعم.
فقلت: هل أنت حالب لي؟ فأمرته
(2/630)
فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض
ضرعها من الغبار، ثم أمرته فحلب لي كثبة من لبن، فانتهيت به إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب
يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فشرب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رضيت، ثم
قلت: قد دنا الرحيل يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم
".
وذكر باقي الحديث فِي سيرهم إِلَى المدينة.
وراوي هذا الحديث بندار
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
الْبَرَاءِ، قَالَ: " فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِرَاعٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ
كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ شَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ
"
214 - نا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ،
(2/631)
عَنْ سُلَيْطٍ، عَنْ ذُهْلِ بْنِ عَوْفٍ
التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ؟
قَالَ: «يَأْكُلُ وَلا يَحْمِلُ وَيَشْرَبُ وَلا يَحْمِلُ»
خبر البراء بن عازب صحيح، وقد دل قوله فِي خبر بندار عَلَى أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما شرب اللبن للعطش الذي
كَانَ به، فمن كَانَ جائعا أو عطشانا مضطرا فمر بأموال المسلمين فله أن
يأكل منها، وَلا يحمل عَلَى مَا فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ومن كَانَ مستغنيا حرم عليه أن يحتلب ماشية أحد إلا بإذنه كما يحرم عَلَى
الرجل أن يأتي إِلَى خزانة رجل فيفتحها، ويأخذ مَا فيها.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإنما ضروع
مواشيهم خزائنهم» .
ومما أبيح من الأموال التي حرمها اللَّه فِي كتابه وعلى لسان نبيه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أبيح ببيع أو هبة أو عطية أو صدقة، أو مَا
أبيح من الديات وأرش مَا أوجب فِي الجراحات أو مَا أوجبه كتاب أو سنة أو
إجماع، فتلك مستخرجة من جملة الأموال التي حرمها اللَّه فِي كتابه، وعلى
لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
باب ذكر جمل الأطعمة المباحة الطيبة الطعم
215 - نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: نا أَبُو
أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
(2/632)
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ
وَالْعَسَلَ» .
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْقَدَحِ الشَّرَابَ كُلَّهُ الْعَسَلَ،
وَالْمَاءَ، وَاللَّبَنَ، وَالنَّبِيذَ، وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي
يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا
طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ
التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ
الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ
وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلا رِيحَ لَهَا» .
(2/633)
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ
عَجْوَةً مِمَّا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ
الْيَوْمَ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِي» .
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ «كَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ»
وقال جابر: وضعت عناقا بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فنظر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«كأنك علمت حبنا للحم، ادع لي أبا بكر» .
ثم دعا جواريه فدخلوا، فضرب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بيده، وقال: «بسم اللَّه كلوا» .
فأكلوا حَتَّى شبعوا وفضل منها لحم كثير.
وقال أبو هُرَيْرَة: وضعت بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قطعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه، فنهش
نهشة، فَقَالَ: «أنا سيد الناس يوم
(2/634)
الْقِيَامَة» .
وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ:
«أطيب اللحم لحم الظهر» .
وقالت أم سلمة: «قربت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنبا مشويا
فأكل منه، ثم قام إِلَى الصلاة، وما توضأ» ، وقالت أم سلمة: «خرج رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونشلت لَهُ كتفا من قدر فأكل
منها، ثم خرج إِلَى الصلاة» .
وفي حديث أبي رافع، قَالَ: «أشهد لكنت أشوي لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطن شاة فيأكله ثم يصلي
(2/635)
وَلا يتوضأ» .
وفي حديث ابن عباس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «تعرق كتفا فأكله» ، وفي حديث ضباعة بنت الزبير: أنها «دفعت
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحما، فانتهش ثم صلى
ولم يتوضأ» .
ودل حديث عائشة عَلَى أن اللحم، والخبز من الأطايب، قَالَتْ: قلت: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أكلت خبزا ولحما ولم تتوضأ.
قَالَ: «أتوضأ من الأطيبين الخبز واللحم؟» وقد روينا عن أبي موسى الأشعري
أنه «رأى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل لحم دجاج»
.
(2/636)
باب ذكر الاستشفاء
بأكل الشونيز والتبرك به
216 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِلشُّونِيزِ:
«عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءٌ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا السَّامَ» .
وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
«الْكَمَأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ»
باب آداب الأطعمة وما فيها من وجوه السنة
يستحب غسل اليدين إذا أراد المرء أن يطعم لحديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «الوضوء قبل الطعام وبعد الطعام بركة
الطعام» .
ويستحب أن يسمي اللَّه المرء عند الأكل.
(2/637)
217 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ بِسْمِ اللَّه
وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيُسَمِّ، فَإِنْ
نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ فِي آخِرِهِ، بِسْمِ
اللَّه أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ»
(2/638)
ويستحب أن يأكل المرء باليمين، وقد نهي عن
الأكل فِي الشمال.
218 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى
أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَنْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ
وَاحِدَةٍ»
وفي حديث حفصة: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ
يجعل يمينه لطعامه وشرابه، ويجعل يساره لما سوى ذَلِكَ» .
ويستحب أن لا يأكل المرء متكئا، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «أما أنا فلا آكل متكئا» .
ويستحب أن يخلع المرء نعله إذا وضع الطعام لحديث أنس، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا وضع
(2/639)
الطعام فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح
لأقدامكم» .
ويكره للجماعة تجتمع عَلَى أكل التمر أن يقرن أحدهم إلا بإذن صاحبه لحديث
ابن عمر، أنه قَالَ: «نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أن يقرن الرجل بين تمرتين جميعا حَتَّى يستأذن صاحبه» .
ويدل خبر أنس بن مالك عَلَى فضل الثريد لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فضل عائشة عَلَى النساء كفضل الثريد عَلَى الطعام» .
ويستحب إذا أكل الرجل الثريد أن يأكل من حافة الطعام لقول النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن البركة تكون فِي وسط الطعام، فكلوا من
حافتيه وَلا تأكلوا من وسطه» .
ولقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
(2/640)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن أبي سلمة: «كل
مما يليك» .
إلا أن يكون الطعام ألوانا مثل الرطب وما أشبهه، فإن للمرء أن يأكل من حيث
شاء، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعكراش: «كل
من حيث شئت فإنه غير لون واحد» .
ويستحب أن يأكل المرء الثريد وشبهه بثلاثة أصابع، لأن النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يأكل بثلاثة أصابع، ويلعق أصابعه
الثلاث» ، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا
أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه الثلاث، فإنه لا يدري فِي أي طعامه
(2/641)
البركة» .
وَلا بأس إذا حضر قوم طعامًا أن يقدم بعضهم بعض الطعام من بين يديه إِلَى
غيره، لأن الخياط لما دعا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل
أنس يأخذ الدباء فيضعه بين يدي النَّبِيّ عليه السلام، فلما يعلم من إعجابه
به ولم ينكر ذَلِكَ عليه.
ويستحب أن يسلت المرء الصحفة لحديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمرهم بسلت الصحفة» .
وفي حديث جابر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «وَلا ترفع الصحفة حَتَّى تلعقا أو تلعقها، فإن آخر الطعام فِيهِ
البركة» .
ويستحب أن يلعق المرء
(2/642)
أصابعه الثلاث إذا أكل، لأن النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسحن
يده بالمنديل حَتَّى يلعقها أو يلعقها» .
وقال: «فإنه لا يدري فِي أي طعامه تكون البركة» .
ودل قوله: «وَلا يمسحن يده بالمنديل حَتَّى يلعقها أو يلعقها» .
عَلَى إباحة مسح اليد بالمنديل بعد ذَلِكَ.
ويستحب الاجتماع عَلَى الطعام، لأن فِي حديث وحشي أن أصحاب رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا لرسول اللَّه: إنا نأكل وَلا
نشبع.
قَالَ: «أفلعلكم تأكلون وأنتم مفترقون» .
قالوا: نعم.
قَالَ: «فاجتمعوا عَلَى طعامكم، واذكروا اسم اللَّه يبارك لكم» .
ويستحب «إذا سقطت لقمة امرئ أن يميط مَا بها من الأذى، ثم يأكلها، وَلا
يدعها للشيطان، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك»
.
(2/643)
ويستحب أن يأكل المرء الطعام إذا اشتهاه
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا عاب رَسُول اللَّهِ صلي الله عليه
وسلم طعاما قط، إن اشتهى شيئا أكله، وإذا كره شيئا تركه» .
وَلا بأس أن يقشر المرء التمر إذا تسوس، لأن أنس بن مالك ذكر: أنه «أتى
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر عتيق، فجعل يفتشه ويخرج
منه السوس» .
ويستحب ادخار التمر لحديث عائشة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم،
قَالَ: «بيت لا تمر فِيهِ جياع أهله» ويستحب إذا ألقى المرء النوى أن يضع
النوى عَلَى ظهر أصبعه الوسطى والسبابة فيرمي به لحديث عبد الله بن بسر
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعل ذَلِكَ.
(2/644)
ومما يشتهى من الطعام أو يستطاب أكل القثاء
بالرطب، وقالت عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «يأكل البطيخ بالرطب» ، وقد روينا عن عائشة: أنها قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا البلح بالتمر،
فإن الشيطان يغضب، ويقول: عاش ابن آدم حَتَّى أكل الجديد بالخلق «.
ويستحب أكل الدباء تبركا بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
كَانَ يعجبه الدباء ".
(2/645)
ويستحب أن يقتصر المرء عَلَى بعض الطعام،
وإن كَانَ الشبع مباحا، لأن ذَلِكَ أفضل وأصح.
روينا عن المقدام بن معد يكرب، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «مَا ملك ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم
أكلات يقمن صلبه، فإن كَانَ لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث
لنفسه» .
ويستحب الائتدام بالخل والزيت، أما الزيت فللحديث الذي روينا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «كلوا الزيت
وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة» .
وأما الخل فلقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم الأدم الخل»
(2/646)
باب ذكر آداب
الدعوات وإطعام الطعام وفضائله وآدابه
219 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ،
عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَلامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ، قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِيمَنْ
خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ
بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «يَأَيُّهَا
النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا
الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِسَلامٍ» .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ الْمَرَقَةَ إِذَا طَبَخَ
لِيُطْعِمَ جِيرَانَهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَاهُ: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً
فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، ثُمَّ انْظُرْ بَعْضَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ،
(2/647)
فَاغْرِفْ لَهُمْ مِنْهَا» .
وَفِي إِيقَاعِ دَسَمِ اللَّحْمِ عَلَى الْمَرَقَةِ إِذْ قُوَّةُ اللَّحْمِ
فِي الْمَرَقَةِ، لأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اشْتَرَى
أَحَدُكُمْ لَحْمًا فَلْيُكْثِرْ مَرَقَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْ
أَحَدُكُمْ لَحْمًا أَصَابَ مَرَقًا وَهُوَ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ»
ويستحب إجابة الدعوة، وإن كَانَ المدعو إليه من الطعام قليلا، ثبت أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لو أهديت إلي
ذراع لقبلت، ولو دعيت إِلَى كراع لأجبت» .
ويستحب أن يدعو الضيف لصاحب الطعام إذا طعم مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به، قَالَ لبسر لما دعاه وطعم
وفرغ، قَالَ: «اللهم ارحمهم واغفر لهم، وبارك لهم فيما رزقتهم» .
ويستحب أن يقول المرء إذا رفعت مائدته: «الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا
فِيهِ غير مكفي، وَلا مودع وَلا مستغنيا عَنْهُ ربنا» .
لأنا روينا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
(2/648)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعل ذَلِكَ، وقد
روينا عَنْهُ، أنه قَالَ: " إذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي أشبعنا
وأروانا وأنعم علينا وأفضل ".
وفي حديث آخر أنه إذا أكل وشرب، قَالَ: «الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه
وجعل لَهُ مخرجا» .
وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ:
«الطاعم الشاكر كالصائم الصابر» .
(2/649)
ويستحب غسل اليد بعد الطعام لحديث سلمان،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «والوضوء
قبل الطعام وبعد الطعام بركة» .
ويكره أن يبيت المرء وفي يده غمر لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «من بات وفي يده غمر فعرض
لَهُ عرض فلا يلومن إلا نفسه» .
ويستحب التخليل بعد الطعام لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من أكل طعاما مما تخلل فليلفظ
وما لاك بلسانه فليبلع من فعل، فقد أحسن ومن لا فلا حرج» .
(2/650)
كتاب الأشربة
باب استحباب البارد والحلو من الأشربة لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحبه
220 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ،
حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ
الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْحُلْوَ الْبَارِدَ»
وليس لكراهية من كره أكل الأطعمة الطيبة، وشرب الأشربة اللذيذة معنى، لأن
اللَّه جل ذكره، قَالَ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، فالطيبات مَا أحل لهم والخبائث
مَا حرم عليهم، ومما هو مباح أكله من الطيبات الدجاج وما أشبهه من لحوم
الطيور والأنعام.
وقد ذكرنا فيما مضى أكل النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم البطيخ بالرطب، وأكل
القثاء بالرطب وكل ذَلِكَ طيب الطعم لذيذه، فليأكل المرء مَا أبيح لَهُ مما
ذكرناه من غير
(2/651)
ذَلِكَ ويشكر اللَّه، وليستعن بأكله ذَلِكَ
عَلَى أداء الفرائض والقيام بالواجب، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " أول مَا يحاسب به العبد يوم
الْقِيَامَة أن يقال لَهُ: ألم أصحح جسمك وأرويك من الْمَاء البارد «.
وَلا بأس بتحري طلب الْمَاء العذب ونقله للشرب، لأنا روينا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» كَانَ يستعذب لَهُ الْمَاء
من بيوت السقيا ".
باب ذكر آداب الشاربين والآنية المنهي عن الشرب فيها وما أبيح الشرب فِيهِ
221 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ عَن
مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(2/652)
وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ
أَحَدُكُمْ أَوْ شَرِبَ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَلْيَشْرَبْ
بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ
بِشِمَالِهِ»
وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «كَانَ
لا يتنفس فِي الإناء» ، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ بيان ذَلِكَ كله، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يتنفس أحدكم فِي
الإناء إذا شرب، ولكن إذا أراد أن يتنفس فليرده عن فِيهِ، ثم ليتنفس» .
وفي هذا بيان أن النهي إنما وقع أن يتنفس فِي الإناء إذا كَانَ يشرب
(2/653)
وإباحة أن يتنفس إذا أخر الإناء عن فِيهِ،
وفي حديث أبي قتادة: «نهى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
النفخ فِي الإناء» ، فالنفخ فِي الشراب مكروه بهذا الحديث، فإن نفخ نافخ
فِي شرابه لم يحرم الشراب، وكان مسيئا فِي فعله، وقد نهى عن الشرب من فِي
السقاء.
و «نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث
(2/654)
الأسقية» ، وقيل: إنه منع من ذَلِكَ
لعلتين: إحداهما: أنه يثنيه.
والعلة الأخرى: خبر أبي سعيد الخدري: «أن رجلا شرب من فِي السقاء فانساب
فِي بطنه جان، فنهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
اختناث الأسقية» ، وقالت أم أنس بن مالك: «دخل علينا رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقربة معلقة فشرب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فِي السقاء» .
والأغلب من حال السقاء المعلق أن الدواب لا تصل إليه، وقيل: إن النهي عن
ذَلِكَ نهي تنزيه، والله أعلم، وفي خبر أبي هند أنه أتى النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدح من لبن من البقيع
(2/655)
ليس بمخمر، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لولا خمرته ولو بعود تعرضه عليه» .
وقال أبو حميد: إنما «أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بالأسقية أن توكأ ليلا، والأبواب أن تغلق ليلا» .
وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «نهى أن
يشرب الرجل وهو قائم» ، وقيل: إن النهي عن ذَلِكَ نهي اختيار، لأن عليا شرب
قائما، قَالَ: إني رأيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فعل كما رأيتموني فعلت.
(2/656)
وقد ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن الشرب فِي آنية الذهب والفضة، وعن الحرير
والديباج» ، وقال: «هو لهم فِي الدُّنْيَا، ولكم فِي الآخرة» .
فلا يحل الشرب فِي آنية الذهب والفضة، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الذي يشرب فِي آنية فضة إنما يجرجر فِي بطنه
نار جهنم» .
والمفضض من الآنية لا يحرم الشرب فِيهِ، وكان عمران بن حصين، وأنس بن مالك
يشربان فِي إناء مفضض.
ودل خبر أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أن الذباب وما أشبهه إذا مات فِي الْمَاء
لا ينجسه، لأنه قَالَ: «إذا سقط الذباب فِي شراب أحدكم فليغمسه كله ثم
ينزعه، فإن فِي أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» .
ويستحب إذا شرب الرجل أن يتناول الشراب من عن يمينه، لقول النَّبِيّ
(2/657)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الأيمن فالأيمن» .
وأن يكون الساقي آخرهم شربا لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ساقي القوم آخرهم شرابا» .
باب ذكر النهي عن الخليطين
222 - نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: نا أَسْبَاطٌ، عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ
(2/658)
بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَا
جَمِيعًا» ، قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَنْ لا يَخْلِطُوا
التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ
وفي حديث أبي قتادة: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «وانتبذوا كل واحد منهما عَلَى حدة» .
وهذا كنهي اللَّه جل ذكره عن الجمع بين الأختين، ثم أباح نكاح كل واحدة
منهما عَلَى حدة، وكنهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يجمع بين الْمَرْأَة وعمتها وبين الْمَرْأَة وخالتها، وإباحة نكاح كل واحدة
منهما عَلَى حدة لا اختلاف فِيهِ.
وقد ثبتت الأخبار عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنه «نهى عن الانتباذ فِي الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت» ثم نسخ
ذَلِكَ فِي حديث
(2/659)
بريدة، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إني نهيتكم عن الأشربة أن تشربوها إلا فِي
ظروف الأدم، فاشربوا فِي كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا» .
وذكر من ذَلِكَ زيارة القبور وأكل لحوم الأضاحي.
وقال عبد الله بن مقبل المزني، قَالَ: شهدته، يعني: النَّبِيّ صَلَّى
(2/660)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نهى عن
نبيذ الجر، وشهدته حين أمر بشربه، وقال: «اجتنبوا المسكر» .
باب ذكر تحريم الخمر
قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] .
223 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَقَتَادَةَ،
وَأَبَانٍ، كُلِّهِمْ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا حُرِّمَتِ
الْخَمْرُ، قَالَ أَبِي يَوْمَئِذٍ: لأَسْقِيهِمْ، لأَسْقِي أَحَدَ عَشَرَ
رَجُلا.
قَالَ: فَأَمَرُونِي فَكَفَأْتُهَا وَكَفَأَ النَّاسُ آنِيَتَهُمْ بِمَا
فِيهَا حَتَّى كَادَتِ السِّكَكُ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ رِيحِهَا قَالَ
أَنَسٌ: وَمَا خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ
مَخْلُوطَيْنِ.
قَالَ:
(2/661)
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي مَالُ يَتِيمٍ
فَاشْتَرَيْتُ بِهِ خَمْرًا أَفَتَأْذَنْ لِي أَنْ أَبِيعَهُ، فَأَرُدَّ
عَلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ؟ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَ اللَّهُ
الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا
أَثْمَانَهَا» .
وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
بَيْعِ الْخَمْرِ
وفي حديث ابن عباس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «فإن اللَّه لعن الخمر وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها،
وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها، وآكل ثمنها» .
وثبت عَنْهُ، أنه قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من شرب الخمر
فِي الدُّنْيَا ولم يتب
(2/662)
منها حرمها فِي الآخرة فلم يسقها»
باب ذكر مَا يتخذ منه الخمر
224 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ،
قَالا: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ
أَبِي حِبَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، " نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسٍ: التَّمْرِ،
وَالزَّبِيبِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا
خَامَرَ الْعَقْلَ "، حَدِيثُ إِسْحَاقَ.
(2/663)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " الْخَمْرُ
مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالْعِنَبَةِ "
باب ذكر تحريم مَا أسكر من الأشربة كلها
225 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا أَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ،
وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ
يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ» .
وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ
شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ»
باب ذكر تحريم مَا أسكر كثيره
226 - نا عَلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
قَالَ: نا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ
(2/664)
بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ
مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ
حَرَامٌ»
وقد روينا هذا المعنى عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وبه قَالَ: مالك،
والشافعي، وأحمد، وأبو
(2/665)
عبيد، وأبو ثور، وقد ثبت أن عمر بن
الْخَطَّابِ وجد من رجل ريح شراب فجلده الحد تاما، وأمر ابن مسعود أن يجلد
رجلا وجد منه ريح الخمر.
وقد حرم اللَّه الخمر فِي كتابه وعلى لسان نبيه عليه السلام، ولم تبق
الأخبار التي ذكرناها فِي تحريم الخمر مقالة لقائل، وَلا تأويلا لمتأول وقد
ذكرنا أخبارا
(2/666)
واهية، احتج بها بعض من خالفنا من أهل
الكوفة، وقد ذكرنا عللها وما يدخل عليهم فيها فِي كتاب الأشربة.
وإذا طبخ العصير فذهب منه الثلثان وبقي الثلث لم يسكر، وهو إذا كَانَ كذلك
من الأشربة المباحة، وكل مَا أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام للأخبار
التي ذكرناها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
باب ذكر اتخاذ الخمر خلا
227 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا أَبُو
نُعَيْمٍ، قَالَ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ فِي حِجْرِهِ أَيْتَامٌ
وَكَانَ
(2/667)
لَهُمْ مُوَيْلٌ فَاشْتَرَى لَهُمْ بِهَا
خَمْرًا، فَلَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ أَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَجْعَلُهُ خَلا؟ قَالَ: «لا» .
فَأَهْرَاقَهُ
وفي تركه أن يأذن لأبي طلحة فِي اتخاذ الخمر خلا مع نهيه عن إضاعة المال
بيان عَلَى أن لا سبيل أن يتخذ من الخمر خلا، لأن اليتيم يحرم تضييع ماله،
ودل الحديث عَلَى أنها ليست بمال يوجد السبيل إِلَى التمسك به وحفظه.
الفقاع شربه مباح، لأنه ليس من الشراب الذي يسكر كثيره، ويقال: إنه يفسد
إذا ترك، والأشياء عَلَى الإباحة إلا أن تأتي حجة بتحريم شيء، فيجب تحريم
مَا جاءت به الحجة.
(2/668)
|