الإيضاح في مناسك الحج والعمرة

الفصل الثالث
في السعي (1) وما يتعلق به
إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَي الطَّوافِ فَالسُنةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمه (2) ثُم يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصفَا إِلَى الْمَسْعَى ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وذَكَرَ المَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي أنَّهُ إذا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ
__________
= عليه الشافعي وقاسه الأصحاب على الإِحرام بالحج وعلى الوقوف وغيره، وقال أحمد: لا يقع عن فرضه إلا بتعيين النية قياساً على الصلاة.
14 - أجمع العلماء على أن ركعتي الطواف تصحان حيث صلاهما إلا مالكاً فإنه كره فعلهما في الحِجْر، وقال مالك: إذا صلاهما في الحجر أعاد الطواف والسعي إن كان بمكة فإنْ لم يصلهما حتى رجع إلى بلاده أراق دماً ولا إعادة عليه، قال ابن المنذر: لا حجة لمالك على هذا لأنه إن كانت صلاته في الحجر صحيحة فلا إعادة سواء كان بمكة أو غيرها وإن كانت باطلة فينبغي أن تجب إعادتها وإن رجع إلى بلاده، فأما وجوب الدم فلا أعلمه يجب في شيء من أبواب الصلاة.
15 - إذا صلى الطائف عقب طوافه فريضة أجزأته عن صلاة الطواف عند الشافعية على الأصح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجزئه.
16 - عند الشافعية يصلي ولي غير المميز عنه صلاة الطواف، وعند مالك لا يصلي عنه.
17 - فيمن طاف أطوفةً ولم يصل لها، ثم صلى لكل طواف ركعتين مذهب الشافعية الجواز بلا كراهة، وبه قالت الحنابلة، وكره ذلك مالك وأبو حنيفة.
(1) قال بركنية السعي الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله تعالى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" أخرجه الشافعي في مسنده وأحمد مختصراً ورواه غيرهما فلا يتم النسك إلا به، وبه قال الإِمام أحمد رحمه الله في رواية، وقال الإِمام أبو حنيفة رحمه الله: هو واجب وهي الرواية الصحيحة عن الإمام أحمد فيجبر بدم.
(2) قال في الحاشية أي ويقبله ويسجد عليه ثلاثاً فيهن أخذاً من قولهم يختم بما بدأ به ومن إلحاق الشافعي رضي الله عنه لذلك بحالة الابتداء وبالتقبيل صرح القاضي أبو الطيب وصاحب الذخائر واعتمده الزركشي كالأذرعي لما أخرجه الحاكم وصححه أنه - صلى الله عليه وسلم - =

(1/251)


استُحِب أنْ يأتِيَ المُلْتَزِمَ ويَدْعُو فِيهِ ويَدْخُلَ الحِجْرَ فَيَدْعُو فيه تَحْتَ الميزَابِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الصحيح (1) وهو قول جماهير أصْحَابِنَا وَغَيْرهم أنْ لاَ يَشْتَغِلَ عَقِبَ الصلاَةِ إِلا بِالاسْتِلاَمِ ثُمَّ الخُروجِ إِلَى السَّعْيِ.
وَذَكَرَ ابنُ جَرِير الطبَرَيُ أَنهُ يَطُوفُ ثَم يُصَلي ركْعَتَيْهِ ثُمَّ يَأتِي الملْتَزَمَ ثُمَّ يَعُودُ إلى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمهُ ثُم يخْرُجُ إلى السَّعْي. وذكَرَ الغَزَالي رحمه الله تعالى: أنْ يَأتي المُلْتَزَمَ إذا فَرَغَ مِنَ الطَّوافِ قَبْلَ ركْعَتَيْهِ ثمَّ يُصَلِّيهمَا والمُخْتَارُ ما سَبقَ (2) ثُمَّ إِذَا أرَادَ الْخُرُوجَ إلى المَسْعَى فَالسُّنَّةُ أنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَيأتِيَ سَفْحَ جَبل الصَّفَا (3)
__________
= لما فرغ من طوافه قبله ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه وكأن صاحب البيان أخذ قوله هنا فيستلمه بيده ويمسح بها وجهه من هذا الحديث.
قال الزركشي: وفي مسند أحمد بإسناد صحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر إلى أن قال: ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب منها على رأسه ثم رجع فاستلم الركن ثم رجع إلى الصفا قال: فينبغي فعل ذلك كله وهو وجيه من حيث الدليل لكن مقتضى كلام المصنف الآتي في رد كلام الغزالي وابن جرير خلاف ذلك ومع ذلك فينبغي أن يحمل قول الراوي ثم عاد إلى الحجر على أن ذلك كان آخر الطواف. وقوله: ثم عاد لزمزم على أنه كان بعد فراغه من ركعتي الطواف. واعلم أن ابن جماعة طعن في صحة هذا الحديث والذي قبله وعلى تسليم ما ذكره، فالدلالة فيهما باقية لأن غاية الأمر أنهما ضعيفان والضعيف يعمل به في مثل ذلك إجماعاً. اهـ.
(1) أي حديث جابر الذي رواه مسلم وفيه: "ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا".
(2) هو المعتمد لحديث جابر رضي الله عنه المتقدم.
(3) الصفا: طرف سفح جبل أبي قبيس عليه أقيمت قبة عظيمة في عمارة الحكومة السعودية المسجد الحرام بعد توسعته عام 1372 هـ وشملت هذه العمارة والتوسعة المسجد الحرام والمسعى والصفا والمروة فاتصل المسجد الحرام بالمسعى وجعل على المسعى طابق كما جعل المسجد الحرام من ثلاثة طوابق فأصبح الناس يطوفون ويصلون =

(1/252)


فَيَصْعَدُ قَدْرَ قَامَة حَتَّى يَرَى الْبَيْتُ (1) وَهُوَ يَتَرَاءَى لَهُ مِنْ باب الْمَسجِدِ بَاب الصَّفَا لا مَنْ فَوْق جدَارِ الْمَسْجِدِ بِخِلاَفِ المَرْوَة فَإِذا صَعَدَ اسْتَقْبَلَ الْكَعبةَ وَهَلَّلَ وَكَبرَ فَيقُولُ (2): اللهُ أكبرُ الله أكْبَرُ الله أكْبرُ وَلِلهِ الْحَمْد، الله أكبَرُ عَلى مَا هَدَانَا والْحَمْدُ لِله عَلَى مَا أوْلاَنَا لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ (3) بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَاب (4) وَحْدَهُ، لاَ إِلهَ إِلا اللهُ وَلاَ نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.
__________
= ويسعون في راحة تامة نسأل الله تعالى أن يوفق الحكومة السعودية والحكومات الإِسلامية لمرضاته آمين.
(1) أي لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه مسلم: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا فرغ مِنْ طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت). الحديث.
(2) هو ما نَص عليه الشافعي رحمه الله أخذاً من أحاديث وآثار متفرقة، منها حديث مسلم: فوحَّد الله وكبر، وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، وَنَصَرَ عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هؤلاء ثلاث مرات) زاد أبو عوانة وابن المنذر والنسائي {يُحْيِي وَيُمِيتُ} وإسنادهما صحيح، وكون التكبير ثلاثاً رواه ابن المنذر بإسناد صحيح أيضاً.
(3) زاد الرافعي بعد {يُحْيِي وَيُمِيتُ}: "وهو حيٌّ لا يموت" واعترض هو "وبيده الخير" بأنهما لم يردا. اهـ حاشية.
(4) الأحزاب: هم كفار قريش وغطفان واليهود ومَنْ تبعهم الذين تَحَزبوا واجتمعوا لقتاله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام فسميت الغزوة باسمهم فهزمهم الله تعالى بحوله وقوته وردهم خائبين.

(1/253)


ثُم يَدْعُو (1) بِمَا أحَبَّ مِنْ أمر الدينِ والدُّنْيَا وحَسُنَ (2) أنْ تقُولَ (3): اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ وقوْلُكَ الحقُّ ادْعُوني أستَجِبْ لَكُمْ وإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيعَادَ وَإِنِّي أسْألُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي للإْسْلاَمِ أنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنَي وأنْ تتوَفَّانِي مُسْلِماً (4) ثُمَّ يَضُمُّ إِلَيْهِ مَا شَاءَ مِنَ الدُّعَاءِ (5) وَلاَ يُلَبِّي (6) على الأَصَح ثمَّ يُعَيد جميعَ ما سَبقَ مِنَ الذّكْرِ والدُّعَاءِ ثَانِياً ثُمَّ يُعِيدُ الذِّكْرَ ثَالِثاً.
وهل يعيد الدعاء؟ فيه خلاف، الأصح أنه يستحب إعادته. فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ في صَحيحِ مُسْلِم مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا مُتَوجّهَا إِلَى الْمَرْوَةِ (7) فَيَمْشِي حَتَّى يبقى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الأَخْضَرِ
__________
(1) أي له، ولمن شاء والظاهر كما قال العلامة عبد الرؤوف تأخير الدعاء عن الذكر أيضاً ولا ينافيه ذكره له قبله. اهـ تقريرات.
(2) أي عند الأصحاب رحمهم الله تعالى.
(3) أي بعد الذكر في المرات الثلاث.
(4) رواه مالك في الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنهما. وزاد ابن المنذر وغيره عنه أدعية أخرى.
(5) مما استحبه الأصحاب: (اللهم اعصمنا -أي احفظنا- بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك وجنبنا حدودك -أي محارمك- اللهم اجعلنا نحبك ونحب ملائكتك، وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين، اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يَسر لنا اليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى واجعلنا من أئمة المتقين).
(6) هو المعتمد ومقابله قول مرجوح عن الشافعي رحمه الله أنه يلبي.
(7) المروة: واقعة على سفح جبل لَعْلَع الذي عليه محلة القرارة، وجبل لعلع هو أنف جبل قيقعان، وقد تقدم الكلام على هذا في التعليق على دخول مكة من الثنية العليا وهي كداء -بفتح الكاف والدال- المعروفة بالحجون، ويقال المروة: الصفا وما بينهما هو المسعى، ويقع في وادي إبراهيم على نبينا محمد وعليه أفضل الصلاة والسلام، وعرضه ما بين الميلين الأخضرين، وكان سابقاً يجري بينهما والآن جعل لمجرى السيل خندق =

(1/254)


الْمُعَلَّقِ (1) بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرَ سِتةِ أذْرُع ثُم يَسْعَى سَعْياً شَدِيداً (2) حَتَى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ المِيلَيْنِ الأَخْضَرَيْنِ اللذين أحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ والآخَرُ مُتصِلٌ بِدارِ (3) العباسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ يَتْرُكُ شِدَّةَ السَّعْي وَيَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى يَصِلَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ (4) حَتى يَظْهَرَ لَهُ الْبَيْتُ إنْ ظَهَرَ (5) فَيَأْتي بالذِّكْرِ والدُّعَاءِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا فَهَذِهِ مَرَّةٌ مِنْ سَبْعَةٍ ثُمَ يَعُودُ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى الصَّفَا فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيهِ في مَجِيئِهِ وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سعيه فَإِذَا وَصَلَ الصَّفَا صَعده وفَعَلَ كَمَا فَعَلَ أَوَّلاً وَهَذِهِ مَرَّةٌ ثَانِيةٌ مِنْ سَعْيهِ ثُم يَعُودُ إلى المروَة فيفعلُ كَمَا فَعَل أَولا ثمَّ يَعُودُ إِلَى الصَّفَا وَهَكَذَا حَتَّى يَكْمُلَ سَبع مَرَّاتٍ يبْدأ بالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَروةِ.
__________
= تحت المسعى يمر منه إلى أسفل مكة كل هذا فَعَلَتْه حكومتنا السعودية طلباً لراحة الحجاج والعقار والمواطنين وفقها الله لمرضاته آمين.
(1) هذا على ما كان سابقاً قبل التوسعة وعمارة المسجد الحرام العمارة السعودية.
(2) أي لفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك روى أحمد رحمه الله في مسنده عن حبيبة بنت أبي يجراه بكسر الياء المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف ساكنة ثم هاء وهي إحدى نساء بني عبد الدار. قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة، وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه، الحديث.
وهو كما في الفتح له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة إذا انضمت إلى الأولى قويت ولا ينافي ذلك ما صَح عنه - صلى الله عليه وسلم - من أنه - صلى الله عليه وسلم - سعى راكباً لما في مسلم من أنه - صلى الله عليه وسلم - سعى أولاً ماشياً فكثرت عليه الزحمة فركب.
(3) قد أزيلت هذه الدار وأدخلت في توسعة الشارع واستبدلت بدار أخرى في محلة أجياد يسكنها الفقراء.
(4) قال الشيخ عبد الله بن جاسر رحمه الله في كتاب مفيد الأنام: أما بعد العمارة الجديدة فالظاهر أنه لا يكون مستوعباً للسعي إلا إذا رقى على المحل المتسع وهو آخر درجة والله أعلم.
(5) هذا شرط ليظهر لا ليصعد لأن الصعود لا بد منه سواء ظهر البيت له أم لم يظهر كذا في الحاشية.

(1/255)


فَرْعٌ في وَاجِبَاتِ السَّعْي وَشُرُوطِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ:
وأمَّا وَاجبَاتُهُ فَأَرْبَعَةٌ:
أحَدُهَا:
أنْ يقْطَعَ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ (1). فَلَوْ بقِيَ مِنْهَا بَعْضُ خُطْوَةٍ لَمْ يَصِح سَعْيُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِباً اشْتُرِطَ أنْ يُسَيرَ دَابتَهُ حَتَّى تَضَعَ حَافِرَهَا عَلَى الْجَبَلِ أوْ إلَيْهِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنَ الْمَسَافَةِ شَيْءٌ وَيَجِبُ عَلَى الْمَاشِي أنْ يُلْصِقَ فِي الابْتِدَاءِ وَالانْتِهَاءِ رِجْلَهُ فِي الْجَبَلِ بِحَيْثُ لاَ يَبْقَى بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ فَيَلْزَمُهُ أنْ يُلْصِقَ الْعَقِبِ بِأصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَيُلْصِقَ رَءُوسَ أصَابعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ فَيُلْصِقُ بِالابْتِدَاءِ بِالصَّفَا عَقِبهُ وَبِالْمَرْوَةِ أصَابعَ رِجْلَيْهِ وإذَا عَادَ عَكَسَ ذَلِكَ هَذَا إِذَا لَمْ يَصْعَدْ فَإنْ صَعَدَ فَهُوَ الأكْمَلُ وَقَدْ زَادَ خَيْراً، وَلَيْسَ الصعُودُ شَرْطاً بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مؤكَّدةَ وَلَكِنْ بَعْضُ الدرَجِ مُسْتْحَدَثٌ (2) فَلَيْحذَر أنْ يُخَلّفَهَا وَرَاءَه فَلاَ يَتِمُّ سَعيهُ وَلْيَصْعَدْ إِلَى أنْ يَسْتَيْقِنَ.
وقَالَ بَعْضُ أصحَابِنَا (3): يَجبُ الرُّقي عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِقَدْرِ قَامَةٍ وَهذا ضَعِيفٌ والصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنهُ لاَ يَجِبُ لَكِن الاحْتِيَاطُ أنْ يَصْعَدَ لِلْخُرُوجِ
__________
(1) أي لفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك مع قوله: "خذوا عني مناسككم".
(2) هذا باعتبار ما كان أما الآن بعد توسعة المسجد الحرام وعمارته وعمارة المسعى العمارة التي بدأت في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله تعالى فلا وجود للدرج وأصبح الصعود ميسراً للماشي ولراكب عربات السعي فلله الحمد والمنة، فعليه ينبغي تيقن قطع المسافة بالابتداء من أول الصفا وبالانتهاء إلى آخر المروة كما تقدم.
(3) هو أبو حفص عمر بن الوكيل رحمه الله تعالى.

(1/256)


مِنَ الْخِلاَفِ وليَتيقنَ فاحْفَظْ مَا ذكرناهُ في تَحْقِيقِ وَاجِبِ الْمَسَافَةِ فَإنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يَرْجِعُ بِغَيْرِ حَجّ وَلاَ عُمْرَةٍ لإخْلاَلِهِ بِوَاجِبِهِ وبالله التَّوفيقُ.
الواجبُ الثاني: الترتيبُ:
فَيَجِبُ أنْ يَبْدَأ بالصَّفَا (1) فَإنْ بَدَأَ بالْمَرْوَةِ لم يُحْسَبْ مُرورُهُ مِنْهَا إِلَى الصَّفَا فَإِذَا عَادَ مِنَ الصَّفَا كَانَ هَذَا أوَّل سَعْيِهِ وُيشْتَرَطُ أيْضاً فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيةِ أنْ يَكُونَ ابتداؤها مِنَ الْمَرْوَةِ كما سَبقَ فَلَوْ أَنهُ لمَا عَادَ مِنَ الْمَرْوَةِ عَدَلَ عَنْ مَوْضَع السَّعْي وجَعَلَ طَرِيقَهُ فِي الْمَسْجِدِ أوْ غَيْرِهِ وَابْتَدَأ الْمَرةَ الثَّانيةَ مِنَ الصَّفَا أيضاً لم يَصِح ولم تُحْسَبْ تِلْكَ الْمَرَّةُ عَلَى الْمَذْهبِ الصَّحِيحِ.
الواجبُ الثالثُ: إكْمَالُ عَدَدِ سَبع مَراتِ:
يُحْسَبُ الذِّهَابُ مِنَ الصَّفَا مَرة والْعَوْدُ مِنَ الْمَرْوَة مرَّة ثَانيةً، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أصْحَابِنَا وَغَيْرِهِم وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ في الأَزْمَانِ المُتَقَدمَةِ والْمُتَأخرَةِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أصْحَابِنَا إِلَى أَنهُ يُحْسَبُ الذهابُ والْعَوْدُ مرَّة وَاحِدَة قَالَهُ مِنْ أصْحَابِنَا أبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ ابنُ بِنْتِ الشَّافِعِي وَأبُو حَفص بنِ الْوَكِيلِ وأبو بكْير الصيرَفي وهذا قَوْلٌ فَاسِدٌ (2) لا اعْتِدَادَ بِهِ وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتهُ للتَّنْبِيهِ
__________
(1) أي لقوله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قال له أصحابه رضوان الله عليهم أنبدأ بالصفا أم بالمروة؟: "ابدءوا بما بدأ الله به".
(2) أي لأنه على خلاف فِعْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - وفِعْل أصحابه ومَنْ بعدهم رضوان الله تعالى عليهم.

(1/257)


عَلَى ضعْفِهِ لئلاَّ يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ وقَفَ عَلَيْهِ (1) وَاللهُ تَعَالى أعْلَمُ. قَالَ أصْحَابُنَا: وَلَوْ سَعَى أوْ طَافَ وَشَك (2) فِي العَدَدِ أخَذَ بِالأَقَل وَلَوْ اعْتَقَدَ أنَهُ أَتمَّهَا (3) فَأخْبَرَهُ ثقَة بِتقَاءِ شَيْء لَمْ يَلْزَمُهُ الإِتْيَانُ بِهِ لَكِنْ يُسْتَحَب (4).
الواجبُ الرابع: أنْ يكُونَ السعْيُ بَعْدَ طَوَاف (5) صحِيح (6):
سَوَاءٌ كانَ بَعْدَ طَوَافِ القُدُومِ أوْ طَوَافِ الزيَارَةِ وَلاَ يُتَصَوّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الوَدَاع (7) لأَنَّ طَوَافَ الوَدَاعِ هُوَ الْمَأَتِيُّ بِهِ بَعْدَ فَرَاغ المَنَاسِكِ وَإِذَا بقِيَ السَّعْي لَمْ يَكُنْ الْمَأتَي بِهِ طَوَافَ وَدَاع وَإِذَا سَعَى بَعْدَ طوَافِ الْقُدُومِ أجزَأهُ وَوَقَعَ رُكناً.
__________
(1) يؤخذ منه كما في الحاشية أنه لا يسن الخروج من خلافه وهو كذلك لأن الخلاف لا يُرَاعى إلا إنْ قوي دليله أو مدركه.
(2) أي في أثناء فعلهما لا بعد التمام فلا تأثير للشك كالصلاة والوضوء، وكذا الشك في شرط من شروطهما، فإن كان في أثنائهما ضَرَّ أو بعد فراغهما لم يَضُر.
(3) أي الطوفات السبع.
(4) أي إنْ أورثه الخبر تردداً كما في التحفة. (فإنْ قيل): استحب هنا العمل بخبر الثقة الواحد إنْ أوردت تردداً ومنع في الصلاة.
أجيب: منع في الصلاة لئلا يقع في الزيادة بالنسبة لظنه وهي مبطلة لها، بخلاف الطواف والسعي والله أعلم.
(5) عند الشافعية والمالكية والحنابلة لا بد من وقوع السعي بعد طواف ركن صحيح أو قدوم وعند الحنفية يجزىء السعي بعد كل طواف صحيح ولو نفلاً وهو قول الأذرعي ومن تبعه، وعند الطبري لو أحرم المكي بالحج ثم تنفل بالطواف جاز له السعي بعده. اهـ. والأفضل وقوع السعي بعد طواف القدوم لأنه الذي صَح من فِعْله - صلى الله عليه وسلم -.
(6) يفهم منه كما في الحاشية أنه لو سعى ثم تيقن ترك بعض الطواف لم يصح سعيه فيأتي ببقيته، ويعيد السعي وهو كذلك كما في المجموع.
(7) أي الواجب شرعاً بعد فراغ النسك.

(1/258)


وَتكْرَهُ إِعَادَتُهُ (1) بَعْدَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ لأنَّ السَّعْيَ لَيْسَ مِنَ العِبَادَاتِ المُسْتَقِلةِ التي يُشْرَعُ تكْرِيرُهَا والإكْثَارُ مِنْهَا فَهُوَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَيقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى الرُّكْنِ بِخَلاَفِ الطَّوَافِ فإنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي غَيْرِ الحَج والْعُمْرَةِ وَثَبَتَ في الصَّحيحِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَطُفْ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أَصْحَابُهُ رضيَ الله عَنْهُمُ بين الصَّفا والْمَرْوَةِ إِلا طَوافاً وَاحِداً طَوَافَهُ الأَولَ يَعْنِي السَّعْيَ.
وَيُسْتَحَبُّ الْمُوَالاَةُ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعْيِ وَبَيْنَ الطَّوَاف والسَّعْي فَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ لم يضر بشرط ألا يتخلل بينهما ركن (2). فلو طاف للقدوم ثم وقف بعرفة لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ بَعْدَ الوُقُوفِ مُضَافاً إلى طَوَافِ الْقُدُومِ بَلْ عَلَيْهِ أنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ رُكْنٌ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَأخِيرِ السَّعْي عَنِ الطَّوَافِ وَتأخيرِ بَعْضِ مَرَّاتِ السَّعْي عَنْ بَعْضٍ وَكَذَا بَعْض مَرَّاتِ الطَّوَافِ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلى وَطَنِهِ وَمَضَى عَلَيْهِ سنُونُ كثيرةٌ جَازَ أن يَبْنِيَ عَلَى ما مَضَى مِنْ سَعْيِهِ وَطَوَافِهِ لَكِنِ الأَفْضَلُ الاسْتِئْنَافُ.
__________
(1) قال في الحاشية: هو المعتمد وشمل إطلاقه القارن فلا يسن له تكراره خروجاً من خلاف الإِمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى القائل على القارن طوافان وسعيان لأنه خلاف ما صح من السنة في القارن أي وشرط ندب الخروج من الخلاف أن لا يعارض سنة صحيحة وهي هنا قول جابر رضي الله تعالى عنه لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً. اهـ مختصراً.
(تنبيه): قد تجب إعادة السعي كما لو بلغ الصبي أو أعتق العبد بعرفة وكان سعى بعد طواف القدوم كما سيأتي آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
(2) مراده رحمه الله تعالى بالركن الوقوف بعرفة كما في منهاجه وأن يسعى بعد طواف ركن أو قدوم بحيث لا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة، فلو طاف ثم حلق أو عاد إلى منى ورمى صح سعيه بعد ذلك والله أعلم.

(1/259)


وأما سُنَنُ السَّعْي فَجَمِيعُ مَا سَبق فِي كَيْفِيةِ السَّعْي سِوَى الوَاجِبَاتِ الأَرْبَعَةِ وَهِيَ سُنَنٌ كثيرة:
أحَدهما: الذّكْرُ والدُّعَاءُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ويُسْتَحَب أنْ يقُولَ بَيْنَ الصَّفا والْمَروَةِ فِي سعيهِ ومَشْيِهِ: رَبّ اغْفِرُ وارحم وتجاوَزْ عَمَّا تعلمْ إنّكَ أنتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ (1)، اللَّهم آتِنَا فِي الدُّنْيا حسنة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ. ولو قَرَأ القرآن كانَ أفضلَ (2).
الثانية: يُسْتَحَبُّ أنْ يَسْعَى عَلَى طَهَارَةٍ سَاتراً عورَتَهُ فَلَوْ سَعَى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أوْ مُحْدِثاً أو جُنُباً أوْ حَائِضاً أوْ عَلَيْهِ نجاسَةٌ صَحَّ سَعْيُهُ (3).
الثالثة: يُسْتَحَب أنْ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي مَوْضِعِ السَّعْي الَّذِي سَبَقَ بيانُهُ سَعْياً شَدِيداً (4) فَوْقَ الرَّمَلِ وَهُوَ مُسْتَحَب فِي كُل مَرَّة مِنَ السَّبع وَلَوْ مَشَى فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ أوْ سَعَى فِيهَا صَحَّ وَفَاتَتْهُ الفضيلَةُ. وأمَّا الْمَرأةُ (5) فَالأَصَح أَنهَا لاَ تَسْعَى أصْلاً بل تمشي على هِينَتها بِكُلّ حَالٍ وَقِيل إنْ كَانَ بِاللَّيْلِ فِي حَالِ خلُوّ الْمَسْعَى فَهِيَ كَالرَّجُلِ تَسْعَى فِي مَوْضِعِ السَّعْي.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما وأخرجه الطبراني والبيهقي وغيرهما رحمهم الله تعالى بلفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سعى بين الميلين قال: "اللهم اغفر وارحم فأنت الأعز الأكرم".
(2) أي من غير الذكر الوارد نظير ما مر في الطواف.
(3) هو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها وقد حاضت: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أنْ لا تطوفي بالبيت" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
(4) يقصد به السنة لا اللعب والسبق وإلا لم يحصل له ثواب، ومَر أنّ صرفه مبطل كالطواف ولا يسن العدو لزحمة أو مشقة نظير رفع الصوت بالتلبية.
(5) أي والخنثى.

(1/260)


الرابعةُ: الأَفْضلُ أنْ يَتَحَرَّى زَمَنَ الخلوةِ لسَعْيه وَطَوَافِهِ (1) وَإِذا كَثُرَتْ الرحْمَةُ فَيَنْبَغِي أنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ إيذاءِ النَّاسِ وَتَرْكُ هَيْئَةِ السَّعْي أَهْوَنُ مِنْ إيذاءِ الْمُسْلِمِ أوْ مِنْ تَعَرُّضِ نَفْسِهِ إلَى الأَذَى وإذَا عَجَزَ عَنِ السَّعْي الشَّدِيدِ فِي مَوْضِعِهِ للزحْمَةِ تَشَبَّه فِي حَرَكَتِهِ بالسَّاعِي كَمَا قُلْنَا في الرَّمَلِ.
الخامسةُ: الأَفْضَلُ أنْ لاَ يَرْكَبَ فِي سَعْيِهِ إلا لِعُذر (2) كَمَا سَبَقَ فِي الطَّوافِ.
السادسةُ: الْمُوَالاَةُ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعِي (3) مُسْتَحَبة فلو فَرَّقَ بِلا عُذْرِ تَفْرِيقاً كَثِيراً لَمْ يَضُرَّ عَلَى الصَّحِيحِ (4) كَمَا سَبَقَ لَكِنّ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَلَوْ أُقِيْمَتْ الجمَاعَةُ وَهُوَ يَسْعَى أوْ عَرَضَ لَهُ مَانع قَطَعَ السَّعْيَ فإذا فَرَغَ بَنَى عَلَى مَا مَضَى (5).
__________
(1) قال في الحاشية أي غير القدوم لما مر من تأكد المبادرة إليه قبل حط أحماله وللخلاف في فواته التأخير والذي يظهر أنه لو خشي من المبادرة به حصول تأذ له أو لغيره لشدة الزحمة كان تأخيره أفضل كغيره. اهـ.
(2) فلو سعى راكباً بلا عذر لم يكره ما لم تكن هناك زحمة بل قد يحرم الركوب إن تحقق الإيذاء أو ظنه كما مَرّ في الطواف راكباً.
(3) أي وبين أجزاء كل مرة بل يكره الوقوف فيه لنحو حديث بلا عذر.
(4) هو الأصح من مذهب أحمد كما في المغني لابن قدامة رحم الله الجميع آمين. لأن ابن عمر رضي الله عنهما سعى بين الصفا والمروة فتوضأ وجاء فبنى على ما مضى ذكره في القرى لقاصد أم القرى، وذكر فيه أيضاً أن سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير رضي الله عنهما سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيام، وكانت ضخمة أخرجه سعيد بن منصور، ولمن منع ذلك أن يقول هذا التفريق للذعر، ولا دليل على إطلاق الجواز. اهـ.
(5) ذكر في المجموع: لو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في أثناء السعي قطعه وصلاها ثم بنى عليه هذا مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة. وقال مالك: لا يقطعه للصلاة إلا =

(1/261)


السابعةُ: قَالَ الشَّيخُ أبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِي رَحِمَهُ الله تَعَالَى: رَأيْتُ النَّاسَ إذَا فَرَغُوا مِنَ السَّعْي صَلوا رَكْعَتَيْن عَلَى المَرْوَة وَذَلِكَ حَسَنٌ وزيَادَةُ طَاعَة لكن لم يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال الشَّيخُ أبُو عَمْرو بنُ الصَّلاحِ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: يَنبغي أنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ لأَنَّهُ ابْتداعُ شعَارٍ (1) وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمهُ الله تَعَالَى ليس في السَّعْي صَلاَةٌ.
__________
= أن يضيق الوقت. اهـ أقول: مذهب أحمد مذهب الشافعي وأبي حنيفة كما في المغني لابن قدامة رحم الله الجميع.
(1) قال في المجموع: وهذا الذي قاله أبو عمرو أظهر والله أعلم. اهـ. قال في الحاشية: وقول بعض الحنفية إنهما سنة لما رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لما فرغ من سعيه جاء حتى إذا حاذى الركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين المطاف أحَد) مردود منشؤهُ أنه تصحف عليه سُبْعه بسعيه. لأن المحب الطبري رواه عمن ذكر من ابن حبان وغيره بلفظ حين فرغ من سُبْعِه بالموحدة أي طوافه وعلى تسليمه فلا دليل على أنّ الركعتين من سنن السعي لجواز كونهما راتبة أو تحية للمسجد فهي واقعة عين احتملت فلا دليل فيها. اهـ.
مذاهب العلماء في مسائل من السعي مأخوذة من المجموع للنووي والمغني لابن قدامة رحمهم الله تعالى
(الأولى): السعي عند الشافعية ركن في الحج والعمرة لا يتم واحد منهما إلا به ولا يجبر بدم ولو بقي منه خطوة لم يتم النسك وبه قال مالك وإسحق وأبو ثور وداود وأحمد في رواية، وقال أبو حنيفة: السعي واجب من ترَك منه أربعة أشواط لزمه دم، وإنْ ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع، وعن أحمد رواية أخرى أنه واجب يجبر بدم وهي الصحيحة عنه.
(الثانية): لو سعى شخص قبل الطواف لم يصح سعيه عند الشافعية. وبه قال جمهور العلماء وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، وحكى ابن المنذر عن عطاء وداود =

(1/262)