الإيضاح في مناسك الحج والعمرة

الباب السابع
فيما يجب على من ترك من نسكه مأموراً أو ارتكب محرماً (1)
اعْلَمْ أنَّ من لم يترك مأْموراً وَلَمْ يَرْتكبْ مَحَرَّماً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ أصْلاً.
وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ المأْمُورَ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْب لا يَفُوتُ بهِ الحَجُّ، وَضَرْب يَفُوتُ بِهِ. فالذي لا يَفُوتُ بِهِ مَا عَدا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ أَنْوَاع:
أَحَدُهما: مَأْذُون فِيهِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ فَإنَّ فِيهِمَا تَرْك وَاجِبٍ (2) مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَجِبُ فِيهِمَا هَدْي (3) وَهُوَ
__________
(1) قال في الحاشية: هذا الباب يحتاج إلى قاعدة تجمع أطرافه فلنشر إلى مهماتها، فنقول: وجوب الدم إما مرتب لا يجوز العدول عنه إلا مع العجز، وإما مخير يجوز العدول عنه مطلقاً، وكل منهما باعتبار بدله، إما مقدرة أي قدر الشرع بدله شيئاً محدوداً أو معدل أي أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره، فلا يجتمع ترتيب وتخيير ولا تقدير وتعديل فالحاصل أربعة أقسام. اهـ. والأربعة تأتي في الكتاب إن شاء الله وهي: الترتيب والتقدير، الترتيب والتعديل، التخيير والتعديل، التخيير والتقدير.
(2) هو ترك الميقات في أحد نسكيه كما مَرّ فدمهما دم جبر.
(3) هذا الهدي هو دم الترتيب والتقدير: ومعنى الترتيب أنه لا ينتقل الشخص إلى الثاني إلا بعد العجز عن الأول ومعنى التقدير أنه ينتقل الشخص إلى شيء قَدره الشرع كالصيام للعشرة الأيام هنا وإليه أشار العلامة ابن المقرئ رحمه الله تعالى بقوله: (أربعة =

(1/469)


شَاة (1) فَصَاعِدَاً (2) مِمَّا يُجْزِىءُ فِي الأَضْحِيَةِ وَقَد سَبَقَ بَيَانُه (3). فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ لِعَجْزِهِ عَنِ الثمَنِ فِي الحج أوْ لِكَوْنهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ وَمَؤونة سَفَرِهِ أَوْ لِكَوْنهِ لاَ يُبَاعُ إلا بِأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ المِثْلِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (4) انْتَقَلَ إِلَى الصَّوْم، فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيام في الْحَجّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. وَوَقْتُ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ إِذَا أَحْرَمَ بِالحَجّ (5) فَإِذَا وَجَبَ جَازَتْ إرَاقَتُه (6) وَلَمْ يَتَوَقَّتْ بِوَقْت كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ لكِنّ الأفْضَل إرَاقَتُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَجُوزُ إِرَاقَتُهُ بَعْدَ الفَرَاغ مِنَ العُمْرَةِ (7) وَقَبْلَ الإحْرَامِ بِالْحَجّ عَلَى الأَصَح، وَلاَ يَجُوزُ
__________
= دماء حج تحصر -فالأول المرتب المقدر تمتع فوت وحج قرناً- وترك رمي والمبيت بمنى، وتركه الميقات والمزدلفة -أو لم يودع أو كمشي أخلفه، ناذره يصوم إنْ دماً فقد- ثلاثة فيه وسبعاً في البلد).
ذكر المصنف رحمه الله منها دم التمتع والقران وترك الإحرام من الميقات وترك الرمي وترك المبيت بمزدلفة أو منى وترك طواف الوداع والفوات ويزاد عليها ترك المشي المنذور، والركوب المنذور، وما لزم الأجير أو المستأجر ونذر نحو الإفراد والحلق والحفا فأخلف، وكل سُنة من سنن النسك إذا نذرها وهذا في واجب، وفي مسنون ترك الجمع بين الليل والنهار في وقوفه بعرفة، وترك ركعتي الطواف وترك الإِحرام عند دخول مكة لغير نسك وصلاة الصبح بمزدلفة.
(1) صفتها صفة الأضحية ويقوم مقامها سُبعْ بدنة أو سُبعْ بقرة.
(2) أي فبقرة فواحدة من الإبل وليس مراده فشاتين فأكثر لأن الزائد على واحدة لا يتبع واجباً والكلام فيه قد تقدم.
(3) أي في الباب الأول في الإحرام.
(4) وكذا لو وجد الثمن، وعدم الهدي حالاً فله الانتقال للصوم وإن علم أنه يجده قبل فراغ الصوم كما في المجموع، وفيه ولو كان يرجوه فله الصوم.
(5) وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعند مالك: لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة.
(6) عند أبي حنيفة ومالك وأحمد لا تجوز إراقته إلا في يوم النحر.
(7) أي لأنه وجب بسببين الاعتمار في أشهر الحج ثم الإتيان بالحج في عام الاعتمار فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب والله أعلم. =

(1/470)


قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنَ العُمْرَةِ عَلَى الأصَحّ.
وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الإِحْرَامِ بِالْحَجّ (1) وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ شَيْءٍ مِنَ الثلاَثَةِ في يَوْمِ النَّحْرِ وَلاَ في أَيامِ التَشْرِيقِ (2)، وَيُسْتَحَب أَنْ يصومَ الثلاَثَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لأَنَّهُ يُسْتَحَب لِلْحَاجّ أنْ لاَ يَصُومَ يَوْمَ عَرَفَةَ (3) وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ هذَا إِذَا قَدَّمَ إِحْرَامَهُ بِالْحَجّ عَلَى يَوْمِ السادِسِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ أصْحَابُنَا: يُسْتَحَب لِلْمُتَمَتعِ (4) الذي هُوَ مِنْ أْهْلِ الصَّوْمِ أنْ يُحْرِمَ بِالْحَجّ قَبْلَ السَّادِسِ (5) وَأَمَّا وَاجِدُ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَب أنْ يُحْرِمَ بِالْحَجّ فِي الْيَوْمِ الثامِنِ، وَقَدْ سَبق بيانُ هذَا.
__________
= (تتمة): قال صاحب رفع الأستار عن دماء الحج والاعتمار رحمه الله تعالى: تكرار المتمتع العمرة في أشهر الحج لا يتكرر به الدم كما قاله بعض المشايخ المتأخرين خلافاً للريمي رحمه الله تعالى. اهـ.
(1) قال في الحاشية: هو المذهب وما في شرح مسلم مما يخالفه شاذ بل قيل سهو. اهـ. وبه قال مالك وقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين بجوازه بعد الإِحرام بالعمرة.
(2) هذا هو الجديد المعتمد وبه قال أبو حنيفة لحديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله رضي الله عنهما في أيام التشريق: (إنها الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صومهن، وأمر بفطرهن) أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم كما في الفتح). ولحديث مسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله) والقديم المختار الجواز، واختاره في الروضة من جهة الدليل وهو مذهب مالك وأحمد في رواية لما رواه البخاري في صحيحه عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين قالا: (لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي).
(3) أي للاتباع ولأنه أنشط للدعاء والتلبية.
(4) أي والقارن ونحوهما ممن يمكنه إيقاع الثلاثة في الحج.
(5) أي ليصوم الخامس والسادس والسابع ولا بد من تبييت نية الصوم ليلاً لكونه واجباً.

(1/471)


وَإِذَا فَاتَهُ صَوْمُ الثلاَثَةِ (1) بِالْحَج لَزِمَ قَضاؤهُ (2) وَأَمَّا السَّبْعَة فَوقتُ وجُوبِهَا إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ (3) فَلَوْ صَامَهَا فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَصحّ عَلَى الأَصَح (4) وَإِذَا لَمْ يَصُمْ الثلاَثَةَ حَتى رَجَعَ لَزِمَهُ أنْ يُفَرقَ بينَ الثلاَثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِفِطْرِ (5) أَرْبَعَةِ أيام وَمُدَّة إمْكَانِ السيرِ إِلَى أهْلِهِ عَلَى العَالَةِ الغَالِبةِ هَذَا هُوَ الأَصَحُّ (6) وَيُسْتَحَب
__________
(1) على الجديد يفوت بغروب شمس يوم عرفة، وبه قال أبو حنيفة: ويستقر الهدي في ذمته.
(2) ولا دم عليه وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: عليه دمان دم للتمتع ودم لتأخير الصوم، وعن أحمد ثلاث روايات: (أصحها): كأبي حنيفة، والثانية: دم واحد، والثالثة: يفرق بين المعذور وغيره، وكذا إن أخر الهدي من سنة إلى سنة.
(3) أي إلى وطنه أو ما يريد توطنه ولو مكة وهذا فيمن طاف طواف الإفاضة وحلق وسعى على الأصح من قولي الشافعي، وهو مذهب أحمد للحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله" والثاني: الجواز قبل الرجوع، وفي وقت الجواز ذلك وجهان: أحدهما: إذا خرج من مكة وهو قول مالك والثاني: إذا فرغ من الحج وإن كان بمكة وهو قول أبي حنيفة. اهـ كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة.
وقال في المجموع: و (الثاني) يصومها إذا تحلل من حجه، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهم قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن مَنْ وجد الهدي لا يحرم عليه الصوم والله أعلم. اهـ.
أقول: قول ابن المنذر رحمه الله تعالى: ولا يحرم عليه الصوم. هذا إذا وجد المتمتع الهدي في صوم السبعة، وأما إذا وجده في صوم الثلاثة فقال أبو حنيفة: ووافقه المزني من الشافعية: يلزمه الهدي كما في المجموع.
(4) قال ابن قدامة في مغنيه: قال الأثرم سئل أحمد: هل يصوم في الطريق أو بمكة؟ قال: كيف شاء. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.
(5) ليس المراد به تعاطي مفطر بل عدم صومه في تلك المدة بنية نحو التمتع.
(6) وعند الحنابلة: لا يلزم التفريق. قال العلامة ابن قدامة في مغنيه: وإذا صام عشرة أيام لم يلزمه التفريق بين الثلاثة والسبعة. اهـ.

(1/472)


التتابعُ في صَوْمِ الثَّلاَثَةِ (1) وَكَذا في صوْمِ السَّبعَةِ ولا يجبُ، فإذا لم يجِد الهَدْيَ فشرعَ في صومِ الثَّلاثةِ أو السبعة ثم وجدَهُ لم يلزمْهُ الهَدْيُ بل يستَمرُّ في الصَّوْمِ لكن يُسْتَحَب الرُّجُوعُ إلى الهَدْيِ (2).
النوع الثاني: تَرْك غير مأذُون فيهِ وهو تركُ الإِحْرامِ من المِيقَاتِ أو الرَّمْي أو الجمعِ بينَ الليْلِ والنَّهَارِ بِعَرَفَةَ أو المبيتِ بمُزْدَلِفَة أو بمنى أو طوافِ الوداعِ. فالأوَّلاَنِ من هذهِ الستَّةُ مُتّفق على وَجُوبِهِمَا والأرْبَعَةُ مُخْتَلَف في وجوبِهَا (3) كما سَبَقَ بيانُهُ، فَمَنْ تركَ واجباً من هذه لزِمَهُ دَمُ شاة فَصَاعِداً فإِنْ عَجَزَ فالأصَحُّ أَنَّهُ كالمتَمَتِّعِ فيصومُ ثلاَثَة أيامٍ في الحَجّ (4) وسَبعةً إذا رجع إلى أهلهِ، وقيلَ إذا عَجَزَ قُومَتْ الشَّاةُ درَاهِمَ واشترَى بها طَعَامَاً وَتَصدقَ بِهِ فإِن عَجَزَ عن الطعامِ صَامَ عن كُلّ مدّ يَوماً.
النوع الثالث: تَرْكُ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أو السَعْيِ أو الحَلْقِ وهذه لا مَدْخَلَ للجُبْرانِ فِيها ولا تُفوتُ ما دامَ حَياً وقد سَبَقَ بيانُ هذا في آخرِ البابِ الثالثِ (5).
الضربُ الثاني: تركُ ما يفوتُ بِهِ الْحَج وَهُوَ الوقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَمَن فَاتَه
__________
(1) أي إنْ أحرم قبل السادس وإلا تعين التتابع لضيق الوقت لا لنفس التتابع.
(2) به قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يلزمه إنْ وجده في الثلاثة ولا يلزمه في السبعة.
(3) الراجح أن الأول من هذه الأربعة واجب أو مستحب والثلاثة الباقية واجبة.
(4) لا يتصور إلا في ترك الإِحرام من الميقات بخلاف الخمسة بعده.
(5) أي عند قوله رحمه الله: (الرابع من الأعمال المشروعة يوم النحر طواف الإِفاضة) أقول: قد ذكرت هناك في التعليق عليه ركنيته واختلاف الأئمة رحمهم الله في أول وقته وآخره وحكمهم فيمن أخره عنه.

(1/473)


الوُقُوفُ لزمهُ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتعِ في أحكامِهِ السَّابِقَةِ (1)، ويلْزَمُهُ أنْ يَتَحَلّل (2) بِعَمَلِ عُمْرة (3) وهو الطَّوَافُ والسّعْيُ (4) وَالْحَلْقُ ولا يُحْسَبُ ذلكَ
__________
(1) غير أن وقته لا يدخل إلا بالإحرام بحجة القضاء وهو قول الأئمة إلا الإمام أبا حنيفة وأصحابه قالوا: لا دم على من فاته الحج، وهي الرواية الثانية عن الإِمام أحمد لأنه لو كان الفوات سبباً لوجوب الهدي للزم المحصر هَدْيَان للفوات والإحصار. اهـ مجموع ومغني ابن قدامة. فإن عجز عن الدم صام ثلاثة أيام بعد الإحرام بالقضاء وسبعة إذا رجع إلى أهله والمكي وغيره سواء في الفوات وترتيب الأحكام ووجوب الدم، وأما الرقيق إذا فاته الوقوف فيجب عليه الصوم بعد الإِحرام بالقضاء ولا يجب الدم لأنه لا يملك شيئاً والله أعلم.
(تنبيه): إذا فات القارن الحج فالعمرة فاتته تبعاً له ويلزمه ثلاثة دماء عند الشافعية كما في المجموع دم للفوات ودم للقران ودم للقضاء وإن أفرد لالتزام القران بالفوات.
وفي المغني: ويلزمه هديان لقرانه وفواته، وبه قال مالك والشافعي وقيل يلزمه هدي ثالث للقضاء؛ وليس بشيء فإن القضاء لا يجب له هَدْي وإنما يجب الهدي الذي في سنة القضاء للفوات. اهـ. وإذا فات الحج المتمتع بعد فراغه من عمرته الواقعة في أشهر الحج فعليه دمان دم للفوات ودم للتمتع، ولا يتصور فوات العمرة لأن جميع السنة وقت لها والله أعلم.
(2) أي فوراً اتفاقاً. قاله السبكي: إلا رواية عن مالك، ومتى خالف وبقي محرماً إلى قابل فحج بذلك الإِحرام أثم ولم يجزئه كما حكاه ابن المنذر عن الشافعي. قال ابن قدامة: فإنْ اختار من فاته الحج البقاء على إحرامه ليحج من قابل فله ذلك، روي ذلك عن مالك لأنه تطاول المدة بين الإِحرام وفعل النسك لا يمنع إتمامه كالعمرة والمحرم بالحج في غير أشهره، ويحتمل أنه ليس له ذلك لأن إحرام الحج يصير في غير أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها. اهـ.
(3) أي صورة لا حكماً وتسمى (عمرة الفوات) وتجب نية التحلل عند كل عمل من أعمالها.
(4) أي إن لم يكن سَعَى بعد طواف القدوم، فإن قَدمَه فلا يعيده بعد طواف عمرة التحلل، فإنْ كان معه هدي ذبحه قبل الحلق، كما يفعله مَنْ لم يفته الحج. ولعمرة الفوات هذه تحللان يحصل أحدهما بواحد من الحلق أو الطواف المتبوع بالسعي إنْ لم =

(1/474)


عُمْرَة (1) وَعليه قضاءُ الحجِّ سَواء كانَ إحْرَامُه بِحجّ واجِب أو تَطَوع (2) ويجبُ الْقَضَاءُ (3) عَلَى الفَوْرِ (4) في السَّنة الْمُسْتَقْبَلَة عَلَى الأَصَحّ فَلاَ يَجُوزُ تأخِيرُهُ عَنْهَا
__________
= يقدمه. الثاني: يحصل بطواف وسَعْي بعده إنْ لم يقدمه بعد طواف القدوم وحلق مع نية التحلل بها ولا يلزمه مبيت منى ولا رمي.
(1) به قال مالك وأبو حنيفة، وقال أبو يوسف وأحمد في أصح الروايتين عنه: ينقلب عمرة مجزئة عن عمرة سبق وجوبها ولا دم. اهـ مجموع.
(2) به قال مالك وأبو حنيفة إلا أنّ أبا حنيفة ومحمداً قالا: لا دم عليه ووافقا في الباقي. اهـ مجموع. وقال ابن قدامة في مغنيه: وعن أحمد لا قضاء عليه بل إنْ كانت فرضها فعلها بالوجوب السابق وإن كانت نفلاً سقطت وهو إحدى الروايتين عن مالك لأنه - صلى الله عليه وسلم - لَما سئل عن الحج أكثر من مرة؟ قال: "بل مرة واحدة" ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة، ولأنه معذور في ترك إتمام حجه فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولأنها عبادة تطوع فلم يجب قضاؤها كسائر التطوعات، ولكن الرواية الصحيحة عن الإمام أحمد يلزمه القضاء من قابل سواء الفائت واجباً أو تطوعاً كالشافعية والحنفية والمالكية والله أعلم.
ودليل وجوب القضاء وهدي شاة وجميع ما ذكره المصنف ما رواه مالك والشافعي والبيهقي وغيرهم رحمهم الله ورحمنا معهم عن سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه خرج حاجاً حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة ضَلت راحلته، فقدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم النحر فذكر ذلك له. فقال له عمر: (اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركت الحج قابلاً فاحجج واهد ما استيسر من الهدي).
(3) إنما يجب القضاء في فوات لم ينشأ عن حصر، فإن نشأ عنه بأن حصر فسلك طريقاً آخر أطول من الأول ففاته الحج وتحلل بعمل عمرة فلا إعادة عليه إنْ كان نسكه نفلاً لأنه بذل ما في وسعه، أما لو سلك طريقاً آخر مساوياً للأول أو أقرب منه أو صابر إحرامه غير متوقع زوال الإِحصار ففاته الوقوف فعليه الإِعادة والله أعلم.
(4) أي فيهما كما هو مقتضى صريح عبارة المصنف هذه، وصريح شرح المنهاج، وتدل له فتوى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومال إليه السبكي رحمه الله وجرى في الحاشية كالتحفة على ما في الروضة من أن الواجب يبقى كما كان من توسيع وتضييق عليه وفرق بأنه إنما وجب الفور في التطوع لأنه أوجبه على نفسه بالشروع فيه فتضيق عليه =

(1/475)


بِغيرِ عُذْرٍ وَسَوَاءٌ في هَذَا كُله كَانَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ كالنَّوْمِ وَالنسيَانِ والضلاَلِ عَنِ الطّرِيقِ وغير ذَلِكَ أوْ كَانَ بِلاَ عُذْرٍ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ في الإثْمِ فَلاَ إِثْمِ عَلَى الْمَعْذُورِ وَيَأثَم غَيْرُهُ والله أعْلَمُ.

فَصْلٌ
وَأَما ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ فَمَنْ حَلَقَ الشَّعْرَ أوْ قَلَمَ الأظْفَارَ (1) أوْ لَبِسَ أوْ تَطَيبَ أو دهنَ الرَأسَ أو اللحيةَ أو باشرَ فيمَا دونَ الفرجِ بشهوةٍ لزمهُ أنْ يَذْبَحَ
__________
= بخلاف الفرض فإنه واجب قبل شروعه فلم يغير الشروع حكمه فبقي على حاله. اهـ ابن الجمال. اهـ تعليق.
(1) شرع المصنف رحمه الله يذكر الأشياء التي يجب في فعل واحد منها دم التخيير والتقدير. ومعنى التخيير أن من وجب عليه هذا الدم مخير بين ثلاثة أشياء ذبح شاة أو التصدق بثلاثة آصع من طعام من جنس الفطرة لستة مساكين أو فقراء أو منهما لكل واحد نصف صاع أو صوم ثلاثة أيام، ومعنى التقدير أن ينتقل إلى شيء قَدّره الشارع كما تقدم وهذه الأشياء هي الاستمتاعات وهي ثمانية ذكر المصنف منها سبعة ويزاد عليها الوطء بين التحللين والجماع بعد الوطء المفسد، ولو قبل التحللين، وتتكرر الفدية بتكرر الوطء فتكمل الفدية عند الشافعي بإزالة ثلاث شعرات أو أظفار فأكثر أو جزء من ثلاث مع اتحاد الزمان والمكان، وفي شعرة أو ظفر أو بعض كل: وإن قل إذا كان مستقلاً مد طعام وفي اثنين مدان (إن اختار الدم) (فإن اختار الصوم) فيوم في الواحدة ويومان في الاثنتين وكذا الظفر أو بعضهما (أو الإِطعام) فصاع أو صاعان. هذا ما جرى عليه بعض الشافعية.
وجرى آخرون منهم على أن في الشعرة الواحدة أو الظفر الواحد أو بعض كل مداً وفي الاثنتين مدين (اختار الدم أو لا) وألزم أصحاب هذا القول أصحاب القول الأول: بأن في ذلك تخييراً بين الشيء وبعضه أقل منه من جنسه ولم يوجد (أجابوا عنه) بأن المسافر خيّر بين القَصْر والإِتمام، وعند أبي حنيفة إن حلق ربع رأسه لزمه الدم، وإنْ حلق دونه فلا شيء، وفي رواية فعليه صدقة والصدقة عنده صاع من أي طعام شاء إلا البر فنصف صاع وعند أبي يوسف إن حلق نصف الرأس فيه الدم، وعند مالك إن حَلْق ما أماط به الأذى عن رأسه إن غير اعتبار ثلاث شعرات. وعن أحمد روايتان: (إحداهما): كالشافعية =

(1/476)


شاة (1) أوْ يُطْعِمَ ستةَ مَساكينَ (2) كُل مسكين نِصْفَ صاعٍ أوْ يَصُوم ثَلاثَة أيامٍ وَهُو مُخَير بينَ الأمورِ الثلاثةِ (3) وَأَمَّا الجِمَاعُ (4) فيجب فيه بَدَنَة (5) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبقَرَةٌ فَإِن لَمْ يَجِدْ فسَبع مِنَ الغَنَمِ، فإنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَت البَدَنَةُ دَرَاهم والدراهمُ طَعَاماً وتصدق به، فإِنْ لم يجدْ صام عن كل مدِّ يوماً.
__________
= و (الثانية): يجب بأربع شعرات وحكم الأظفار حكم الشعر وهو قول مالك وعنده يتعلق الدم بما يميط الأذى.
وقال أبو حنيفة: إنْ قلم أظفار يد أو رجل بكاملها لزمته الفدية الكاملة. وفي دون ذلك من كل يد أو رجل صدقة. وعند محمد بن الحسن في الخمسة فدية مطلقاً، وعند أحمد كما في المغني لابن قدامة والحكم في فدية الأظفار كالحكم في فدية الشعر سواء في أربعة منها دم.
وعنه في ثلاثة دم، وفي الظفر الواحد مد من طعام وفي الظفرين مدان. اهـ.
(1) وإلى هذا أشار العلامة ابن المقري رحمه الله وهو رابع في تقسيمه وثان في كلام المصنف رحمه الله تعالى:
وخيرنْ وقَدرن في الرابع ... إن شئت فاذبح أو فجد بآصع
للشخص نصف أو فصم ثلاثاً ... تجتث ما اجتثثته اجتثاثا
في الحلق والقلم ولبس دهن ... طيب وتقبيل ووطء ثنى
أو بين تحليلي ذوي إحرام ... هذي دماء الحج بالتمام
(2) يشمل الفقراء.
(3) والدليل على التخيير قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] التقدير فحلق شعر رأسه ففدية وقد بين ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله لكعب بن عجرة رضيِ الله عنه: "أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، قال: انسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم فرَقاً" (بفتح الفاء والراء إناء يسع ثلاثة آصع). وفي معنى الحلق قلم الأظفار وبقية الاستمتاعات التي ذكرت لاشتراك الكل في الترفه والله أعلم.
(4) أي المفسد للنسك، وقد مرت في محرمات الإِحرام فيه أبحاث وتقييدات وأقوال الأئمة فراجعها.
(5) هذا الدم دم ترتيب وتعديل، وإليه أشار العلامة ابن المقري، وهو ثان في =

(1/477)


وأمَّا الصّيد المحَرَّمُ بالإِحْرَامِ أو الحَرَمِ فيجِب فيما له مِثلٌ مِنَ النّعَم مِثْلُهُ (1) مِنَ النَّعَمِ فَيَجِبُ في النعامةِ بدنة وفي حمارِ الوحشِ وبقرِهِ بقرةٌ وفي الضبعِ (2) كَبْشٌ وفي
__________
= تقسيمه وثالث في كلام المصنف رحمهما الله تعالى.
والثاني ترتيب وتعديل ورد ... في محصر ووطء حج إن فسد
إن لم يجد قوّمه ثم اشترى ... به طعاماً طعمة للفقرا
ثم لعجز عدل ذاك صوماً ... أعني به عن كل مدّ يوما
معنى الترتيب كما تقدم أن الشخص لا ينتقل إلى الثاني إلا بعد العجز عن الأول ومعنى التعديل أن يعدل الدم أي يقوّم بالقيمة، ويخرج بها طعاماً، ويدخل في هذا القسم سببان الجماع المفسد للنسك. والثاني: الإحصار. وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
وأما الجماع بين التحللين أو بعد الأَول المفسد للنسك، ولو قبل التحللين فتجب به شاة أو سبع بدنة أو سُبْع بقرة أو صوم ثلاثة أيام أو التصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين أو فقراء أو منهما لكل واحد نصف صاع، وتكرر الشاة بتكرر الوطء عند الشافعية وقد تقدم الكلام عليه واختلاف الأئمة فيه في فصل محرمات الإحرام، وهذا الدم دم تخيير وتقدير كما تقدم ويجزىء فيه الإِبل والبقر والغنم الذكر والأنثى.
(1) أي خلقة وصورة تقريباً لا تحقيقاً وإلا فأين النعامة من البدنة وهذا الدم دم تخيير وتعديل ومعنى التخيير أنّ من وجب عليه هذا الدم مُخَير بين ثلاثة أمور وهي: (ذبح المثل من النعم) (أو الإطعام بقيمته) أو (الصوم عن كل مدّ من الطعام يوماً) ويكمل المنكسر. ومعنى التعديل أن يعدل الدم أي يقوم ويُخْرج بقيمته طعام). ويدخل في هذا القسم سببان: (الأول): إتلاف الصيد البري (الثاني): قطع شجر الحرم ونباته وقلعهما، وهما المذكوران في قول المصنف: وأما الصيد المحرم بالإِحرام والحرم .. إلخ وإلى هذا أشار العلامة إسماعيل بن المقري اليمني رحمه الله وهو ثالث في تقسيمه ورابع في كلام المصنف رحم الله الجميع آمين:
والثالث التخيير والتعديل في ... صيد وأشجار بلا تكلّف
إن شئت فاذبح أو فعدل مثل ما ... عدلت في قيمة ما تقدما
(2) المعروف عند العامة بالجعير، وقوله: كبش لأنه سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع فقال: هي صيد وجعل فيها كبشاً إذا أصابها المحرم كما في الحاشية.

(1/478)


الغَزَالِ (1) عَنْز وفي الأَرْنَبِ عَناق (2) وفي الضب جَدْي (3) وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَة (4) وَمَا سِوَى هذَا الْمَذْكُورَ إِنْ كَانَ فِيهِ حُكْمُ، عَدْلَيْنِ مِنَ السّلفِ عَمِلْنَا بِهِ وإنْ لم يكنْ رَجعْنَا فيهِ إلى قولِ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ (5).
فَإنْ كانَ قَاتِلُ الصَّيْدِ أحَدُ العَدْلَيْنِ وَقَدْ قَتَلَهُ خطأ أوْ مضْطَراً جاز عَلَى الأَصَحّ، وإِنْ كَانَ قَتَلَهُ عُدْوَاناَ لَمْ يَجُزْ لأَنَّهُ يَفْسُقُ فَلاَ يقبَلُ حُكْمُهُ (6).
وَأَمَّا الطيُورُ فَالْحَمَامُ وكُل مَا عبَّ في المَاء وهو أنْ يَشْرَبَهُ مَصَّاَ بِلاَ جَرْع يجبُ فيه شَاةُ (7) وَمَا كانَ أكْبَر من الحمامةِ أو مِثلَهَا فالصحيحُ أنّ له حُكْمَهَا (8)
__________
(1) أي الظبي الكبير أو الظبية الكبيرة لأن الغزال صغير الظباء ما لم يطلع قرناه، والعنز أنثى المعز التي لها سنة وهي كبيرة لا تجزىء عن الغزال الصغير وعكسه فلذا قلنا أي الظبي الكبير .. إلخ وأطلق على الظبي الكبير غزال باعتبار ما كان ففي الغزال عنز صغير.
(2) العناق: أنثى المعز من حين تولد ما لم تستكمل سنة.
(3) هو الذكر الصغير من أولاد المعز.
(4) الجفرة: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها لكن يجب كما قال الشيخان أن يكون المراد بالجفرة هنا ما دون العناق إذ الأرنب خير من اليربوع.
(5) أي فقيهين بباب الشبه. والمراد بالعدل هنا عدل الشهادة لا عبد وامرأة وخنثى ولو حكم عدلان بمثل وآخران بأنه لا مثل له كان مثلياً كما سيذكره المصنف أو مثل آخر تخير ولا يلزمه الأخذ بقول الأعلم والأكثر والأعدل.
(6) أي لا لنفسه ولا لغيره.
(7) أي لحكم الصحابة رضوان الله عليهم بذلك، وبه قال أحمد. وقال مالك: إنْ قتل المحرم الحمامة وهي في الحل فعليه القيمة، وإن أصابها في الحرم ففيها شاة. وقال أبو حنيفة: فيها القيمة مطلقاً.
(8) هذا ما رجحه هنا لكنه رجح في المجموع كالرافعي وجوب القيمة فيما كان =

(1/479)


وَمَا كَانَ أصغَر ففيهِ القيمَةُ (1)، وكذلِكَ ما لا مثلَ له من الطيورِ والجراد وَبيْضُ الصَّيْدِ (2) ولَبَنُهُ وبَعْضُ أَجْزَائِهِ كل هذَا فِيهِ القيمةُ ولو حَكَمَ عَدَلاْنِ أَنهُ لا مثلِ لهُ وآخرانِ أنَّ له مثلاً فهوَ مثلِي ويجبُ في الصغيرِ صغير وفي الكبيرِ كبير، وفي الصَّحِيحِ صحيح وفي المريضِ مريض، وفي السَّليمِ سليم وفي المعيبِ مُعِيبٌ بجنسِ ذلِكَ العيبِ؛ فإن اختلفَ كالعورِ والجرَبِ فَلاَ، وَلَوْ فَدَى الرّدِيء بالْجَيّدِ كان أفْضَل وإنْ فَدَى أعْورَ أحَدِ العَينَيْنِ بِأَعْوَر الأخْرَى جَازَ على الأصَحّ وَكَذَا لو فَدَى الذَّكَرَ بالأُنْثَىَ (3) جَازَ عَلَى الأَصَحِّ.
(فرع): وَأما مَا كَانَ له مِثْل فهو مُخَيَّرٌ إِنِ شاءَ أخْرَجَ المثْلَ وَإِنِ شاءَ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ واشْترى بِهِ طعاماً (4) وَتَصدَّقَ بِهِ، وإِنِ شَاءَ صامَ عن كُل مدٍّ يَوْماً.
وإنِ كانَ مِمَّا لا مِثْل له فهو مُخَيَّر إِنْ شاءَ أخْرَجَ بالقيمةِ طعاماً وإنِ شَاءَ صَامَ عن كُلّ مَد يوماً، فإن انكسرَ مُدّ في الصُورَتَيْنِ صامَ يَوْماً والاعتبارُ في الْمِثْلِ (5) بِقيمةِ مكّةَ يَوْمَئذِ (6)
__________
= مثل الحمامة أو فوقها، وهو المعتمد كما في الحاشية وبه قال أحمد: في وجه كما في مغني العلامة ابن قدامة والوجه الثاني فيه شاة.
(1) وبه قال الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة وأحمد رحم الله الجميع ورحمنا وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - معهم آمين.
(2) أي غير المذر والمذر من النعام للانتفاع بقشره كما مَرّ.
(3) أي أو عكسه كما تقدم.
(4) قال في الحاشية: ليس بقيد بل إذا قَومه بدراهم وعرف ما يتحصل بها من الطعام تخير في إخراج ذلك المقدر مما يشتريه أو مما عنده. وقوله: (وتصدق به) لم يعين المصنف رحمه الله حصة كل فقير فتبين أنها لا حدّ لها فيجوز إعطاؤه أمداداً.
(5) أي والطعام المخرج عنه وعن المُقَوم.
(6) أي يوم الإِخراج واعتبرت القيمة بمكة أي كل الحرم دون محل الإِتلاف لأن =

(1/480)


وَفِي غَيْرِ المثليّ بقيمتِهِ في محَلّ الإِتلافِ (1) والله أعلمُ.
__________
= الحرم محل الذبح فإذا عدل عنه للقيمة اعتبر مكانه في ذلك الوقت، ولو اختلفت القيمة في مواضع الحرم اتجه التخيير لأن كلاُّ منها محل الذبح.
(1) أي في يومه دون يوم الإخراج والطعام المخرج عنه يعتبر سعره بمكة، ولا بد في القيمة من عدلين والله أعلم.
مذاهب الأئمة الأربعة رحمهم الله في مسائل من جزاء الصيد مأخوذة من المجموع للمصنف رحمه الله (إحداها): إذا قتل المجرم صيداً أو قتله الحلال في الحرم فإنْ كان له مثل من النعم وجب فيه الجزاء بالإجماع، مذهب الشافعية أنه مخير بين (ذبح المثل) (والإطعام بقيمته) (والصوم عن كل مد يوماً) ويكمل المنكسر كما تقدم لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [سورة المائدة: آية 95]- المائدة، وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين عنه إلا أن مالكاً قال: يقوم الصيد ولا يقوم المثل. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه المثل من النعم، وإنما يلزمه قيمة الصيد، وله صرف تلك القيمة في المثل من النعم.
(الثانية): إذا عدل عن مثل الصيد إلى الصيام فمذهب الشافعية أنه يصوم عن كل مد يوماً وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة وأحمد يصوم عن كل مدين يوماً. دليل الشافعية والمالكية إن الله تعالى قال: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} وقد قابل سبحانه وتعالى صيام كل يوم بإطعام مسكين في كفارة الظهار. وقد ثبت بالأدلة المعروفة أن إطعام كل مسكين هناك مد فكذا هنا يكون كل يوم مقابل مدّ.
واحتج أبو حنيفة وأحمد بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله مخيراً بين صوم ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع فدل على أن اليوم مقابل بأكثر من مُد.
(الثالثة): مذهب الشافعية والحنابلة أن ما حكمت فيه الصحابة رضوان الله عليهم بمثل فهو مثله ولا يدخل بعدهم اجتهاد ولا حكم. وأما أبو حنيفة فجرى على أصله السابق إن الواجب القيمة. وقال مالك: يجب الحكم في كل صيد وإن حكمت فيه الصحابة دليل الشافعية والحنابلة أن الله تعالى قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وقد حكما فلا يجب تكرار الحكم. =

(1/481)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (الرابعة): مذهب الشافعي وأحمد الواجب في الصغير من الصيد المثليّ صغير مثله من النعم لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ومثل الصغير صغير ولأن الصحابة حكمت في الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة، فَدَل على أن الصغير يجزىء وأن الواجب يختلف باختلاف الصغير والكبير وقياساً على سائر المضمونات فإنها تختلف مقادير الواجب فيها، وقال مالك: يجب فيه كبير لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} والصغير لا يكون هدياً، وإنما يجزىء من الهدي ما يجزىء من الأضحية، وبالقياس على قتل الآدمي فإنه يقتل الكبير بالصغير. وأما الصيد المعيب فعند الشافعية يفديه بمعيب وعند مالك يفديه بصحيح. دليل الشافعية ما سبق في الصغير.
(الخامسة): إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد لزم جزاء واحد عند الشافعية وأحمد لأن المقتول واجب فوجب ضمانه موزعاً كقتل العبد وإتلاف سائر الأموال. وعند مالك وأبي حنيفة على كل واحد جزاء كامل ككفارة قتل الآدمي.
(السادسة): إذا قتل القارن صيداً لزمه جزاء واحد وإذا تطيب أو لبس لزمته فدية واحدة عند الشافعية وبه قال مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة: يلزمه جزاءان وكفارتان لأنه أدخل النقص على الحج والعمرة بقتل الصيد فوجب جزاءان كما لو قتل المفرد في حجه وفي عمرته ودليل الأئمة الثلاثة أن المقتول واحد فوجد جزاء واحد كما لو قتل المحرم صيداً في الحرم فإنه وافقنا أنه يجب جزاء واحد مع أنه اجتمع فيه حرمتان حرمة الإحرام وحرمة الحرم، وأما ما قاس عليه فالمقتول هناك اثنان.
(السابعة): مذهب الشافعية أن الثعلب صيد يؤكل ويحرم على المحرم قتله، فإن قتله لزمه الجزاء وبه قال مالك، وقال أحمد أمره مشتبه.
(الثامنة): مذهب الشافعية أن في الضب هدياً كما تقدم وعند مالك قبضة من طعام، فإن شاء أطعم وإن شاء صام وعند أبي حنيفة قيمته.
(التاسعة): عند الشافعية في الحمامة شاة سواء قتلها محرم أو قتلها حلال في الحرم وبه قال أحمد، وقال مالك: في حمامة الحرم شاة وحمامة الحل القيمة، وعند أبي حنيفة قيمتها وهذه المسألة قد تقدمت.
(العاشرة): عند الشافعية ما دون الحمام من العصافير ونحوها من الطيور قيمته وبه قال الأئمة الثلاثة، واحتج بعض أصحاب داود لا شيء فيه لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فدل على أنه لا شيء فيما لا مثل له. واحتج الأئمة بأن عمر وابن عباس =

(1/482)


(فرع): ويضمَنُ المحرمُ والحلالُ صيدَ حرمِ مكة (1) كما يَضْمَنُ صَيْدَ
__________
= رضي الله عنهما وغيرهما أوجبوا الجزاء في الجرادة فالعصفور أولى. وروى البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه قال: في كل طير دون الحمام قيمته.
(الحادية عشرة): كل صيد يحرم قتله تجب القيمة في إتلاف بيضه سواء بيض الدواب والطيور، ثم هو مخير بين الطعام والصيام هذا قول الشافعية، وقال مالك: يضمنه بعُشْر بدنة، وقال المزني وبعض أصحاب داود: لا جزاء في البيض، وقال ابن قدامة في مغنيه: ويضمن بيض الصيد بقيمته.
(الثانية عشرة): إذا قتل الصيد على وجه لا يفسق به فالأصح عند الشافعية أنه يجوز أن يكون القاتل أحد الحكمين كما سبق لفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. روى الشافعي والبيهقي رحمهما الله تعالى بإسناد صحيح عن طارق قال: خرجنا حجاجاً فأوطأ رجل يقال له "أربد" ضبَّاً ففرز ظهره، فقدمنا على عمر فسأله "أربد"، فقال عمر: احكم يا أربد فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم. فقال عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أنْ تزكيني، فقال أربد: أرى فيه جدياً قد جمع الماء والشجر فقال عمر: (بذلك فيه) مع عموم قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ولم يفرق بين القاتل وغيره.
(1) يحرم على المحرم والحلال صيد الحرم لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حَرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فقال العباس: إلا الإذخر لصاغتنا فقال: إلا الإذخر" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. قال في الحاشية: ليس منه أي من صيد الحرم صيد مملوك دخل الحرم بل لمالكه ذبحه فيه والتصرف فيه كيف شاء لأنه صيدُ حِل. اهـ.
أقول: هذا مذهب الشافعية والمالكية خلافاً للحنفية والحنابلة كما تقدم جاء في بعض التعاليق عن ابن الجمال رحمه الله تعالى: أن من صيد الحرم فيما يظهر ما إذا كان يملك صيداً بأن دخل به من الحل ثم أحرم فإنه يزول ملكه عنه ويصير صيداً حرمياً فليس لأحد اصطياده ولا تملكه وإن كان صيد حل قبل ذلك لأن اليد التي كانت مبيحة للتصرف فيه زالت فأشبه ما لو دخل بنفسه إلى الحرم فيخص قولهم: إن لكل أحد تملكه بما إذا لم يكن بالحرم. اهـ. =

(1/483)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بصيد الحرم مأخوذة من المجموع للمصنف رحمه الله تعالى (إحداها): أجمعت الأمة على تحريم صيد الحرم على الحلال فإنْ قتله فعليه الجزاء هذا مذهبنا وبه قال كافة العلماء. وقال داود: لا جزاء عليه لقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فقيد بالمحرمين، دليلنا: ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه طائر فخاف أن ينجسه فطيره فنهشته حية فسأل من كان معه أنْ يحكموا عليه فحكموا عليه بشاة ولأنه هلك بسبب من جهته فأشبه ما إذا حفر له بئراً أو نصب له أحبولة فهلك بها.
(الثانية): حكم جزاء الحرم كجزاء الإحرام فيتخير بين المثل والإطعام والصيام هذا مذهبنا، وبه قال الأكثرون منهم: مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا مدخل للصيام فيه، قال: لأنه يضمنه ضمان الأموال بدليل أنه يضمنه لمعنى في غيره وهو الحرم فأشبه مال الآدمي.
دليلنا: القياس على صيد الإحرام ولو سلك به مسلك مال الآدمي لم يدخله المثل والإطعام وليعتبر نقد البلد، ولأن هذا المعنى موجود في صيد الإِحرام، وينتقض ما قالوه أيضاً بكفارة القتل.
(الثالثة): إذا صاد الحلال في الحل وأدخله الحرم فله التصرف فيه بالبيع والذبح والأكل وغيرها ولا جزاء عليه، وبه قال مالك وداود، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز ذبحه بل يجب إرساله، قالا: فإن أدخله مذبوحاً أكله وقاسوه على المحرم، واستدل أصحابنا بحديث أنس أنه كان له أخ صغير يقال له أبو عمير وكان له نغر يلعب به فمات النغر. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا أبا عمير ما فعل النغير" رواه البخاري ومسلم وموضع الدلالة أن النغر من جملة الصيد، وكان مع أبي عمير في حرم المدينة ولم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم - وأيضاً فإن الذي عنى الشرع منه صيد الحرم وهذا ليس بصيد حرم، وقياساً على مَنْ أدخل شجرة من الحل أو حشيشاً والله أعلم.
(الرابعة): إذا أرسل كلباً من الحل على صيد في الحرم، أو من الحرم على صيد في الحل لزمه الجزاء، وقال أبو ثور: لا يلزمه. اهـ. قال ابن قدامة في مغنيه رحمه الله تعالى: وإذا رمى الحلال صيداً في الحرم فقتله أو أرسل كلبه عليه فقتله أو قتل صيداً على =

(1/484)


الإِحْرَامِ وَيَضْمَنَانِ شَجَرَهُ (1).
__________
= فرع في الحرم أصله في الحل ضمنه وبهذا قال الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى: لا جزاء عليه في جميع ذلك لأن القاتل حلال في الحل وهذا لا يصح فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينفر صيدها" ولم يفرق بين مَنْ هو في الحل والحَرَم.
وقد أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده، ولأن صيد الحرم معصوم بمحله بحرمة الحرم فلا يختص تحريمه بمن في الحرم وكذلك الحكم إنْ أمسك طائراً في الحل فهلك فراخه في الحرم، ضمن الفراخ لما ذكرنا، ولا يضمن الأم لأنها من صيد الحل، وهو حلال، وإن انعكست الحال فرمى من الحرم صيداً في الحل أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيداً على غصن في الحل أصله في الحرم أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل، فلا ضمان عليه كما في الحل. قال أحمد فيمن أرسل كلبه في الحرم فصاد في الحل: فلا شيء عليه. وحكى عنه رواية أخرى في جميع الصور يضمن وعن الشافعي ما يدل عليه. وذهب الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر: فيمن قتل طائراً على غصن في الحل أصله في الحرم لا جزاء عليه وهو ظاهر قول أصحاب الرأي.
وقال ابن الماجشون وإسحق: عليه الجزاء لأن الغصن تابع للأصل وهو في الحرم ولنا أن الأصل حل الصيد فحرم صيد الحرم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفر صيدها" وبالإجماع، فبقي ما عداه على الأصل. ولأنه صيد حل صاده حلال فلم يحرم كما لو كانا في الحل. ولأن الجزاء إنما يجب في صيد الحرم أو صيد المحرم وليس هذا بواحد منهما. اهـ.
(1) أي بالقلع والقطع سواء الذي في ملكه والمثمر والمستنبت وغيره لقوله - صلى الله عليه وسلم - السابق: "ولا يعضد شجرها" ولا يتجدد حكم بنقل، فلو غرست حَرَمية في الحل أو حلية في الحرم لم تنتقل الحرمة عنها في الأولى ولا إليها في الثانية بخلاف صيد دخل الحرم لأن للشجرة منبتاً فاعتبر حتى لو خرجت أغصانها إلى الحل ضمنها دون صيد عليها ولعكسه عكس حكمه بخلاف الصيد فاعتبر محله ولا تضمن حرمية نقلت للحرم أو الحل ونبتت فيه بل يجب في الثانية ردّها إلى الحرم محافظة على حرمتها فإنْ رَدّها ولم تنبت ضمنها هذا ما في الروضة.
لكن قال السبكي وغيره: يجب الضمان وإن نبتت في الحل كما صَرّح به جمع ما لم يعدها إلى الحرم لأنه عَرّضها للإيذاء بوضعها في الحل فأشبه إزالة امتناع الصيد وقرار =

(1/485)


فَمَنْ قِلعَ شجرة (1) كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبقَرَةٍ (2)، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَة (3) ضَمِنَهَا بِشَاةِ (4) ثُم يَتَخيَّرُ بَيْنَ الْبقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالطَّعَام وَالصيَام كما سَبقَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جِدّاً وَجَبَتْ القيمَةُ ثم يَتَخَيّر بينَ الطَّعَامِ والصِّيَامِ وَكَذَا حُكْمُ الأَغْصَانِ (5).
وَأَمَّا الأَوْرَاقُ فَيَجُوزُ أخذُهَا (6)
__________
= الضمان على قالعها من الحل إبقاءً لحرمة الحرم أما إذا لم تنبت فيضمنها ناقلها مطلقاً وتحرم شجرة أصلها بالحل والحرم فقال الفوراني والمسعودي: ولو غرس بالحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم الأصل وهو متجه وكذا عكسه كما صرح به الإمام والقضيب كالنواة. اهـ حاشية.
(1) قال في الحاشية: أي رطبة غير مؤذية كالشوك وإن لم يكن في الطريق والمنتشرة إلى الطريق حتى منعت المرور لجواز قطعها وقلعها حيئذ كما في الروضة وغيرها، لكن خالفه في شرح مسلم وتصحيح التنبيه وتحريره تبعاً لجمع أخذاً من خبر: (لا يعضد شوكها) ولو قيل بجواز قطع ما يؤذي المارة دون غيره ويحمل الحديث على الثاني لكان أوجه من إطلاق الجواز وإطلاق المنع وإن كان المذهب ما مَرّ أولاً وكالقلع في كلامه القطع على الأوجه وعليه فلا فرق بين عودها أولاً أخذاً من التفصيل الآتي في الغصن، أما اليابسة فيجوز قطعها وقلعها أي إن فسد مثبتها وإلا لم يجز قلعها فيما يظهر أخذاً مما يأتي في الحشيش. اهـ.
(2) أي تجزىء في الأضحية وكذا ببدنة أو سبع شياه مجزئة في الأضحية.
(3) أي عرفاً وهي ما تقارب سبع الكبيرة.
(4) أي تجزىء في الأضحية.
(5) أي التي أصلها في الحرم وإن كانت في هواء الحل وهي لا تخلف أو تخلف غير مماثل لها أو مماثل لها لا في سنتها فيحرم قطعها ويضمنها وسبيل ضمانها سبيل ضمان جرح الصيد فيضمن النقصان كعضو الحيوان.
(6) أي عند الشافعية لأنه لا يضر بالشجر، وأما عند الحنابلة فقال العلامة ابن قدامة رحمه الله في مغنيه: وليس له أخذ ورق الشجر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها" رواه مسلم ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه كريش الطائر وقولهم لا يضر به لا يصح فإنه يضعفها وربما آل إلى تلفها. اهـ.

(1/486)


لَكِنْ لاَ يخبطُهَا (1) مَخَافَةَ أن يُصِيبَ قُشورَهَا، ويحرمُ قطعُ حشيشِ (2) الحرمِ فإنْ قَلَعَهُ لَزِمَهُ القيمةُ وَهُوَ مُخَيّر بين الطعَامِ والصيامِ، فإنْ أخلفَ الحشيشُ سقطتِ الْقِيْمَةُ (3) وَإِنْ كَانَ يَابِساً فَلاَ شيْءَ عَلَيْهِ في قَطْعِهِ فَلَوْ قلعه لَزِمَهُ الضمانُ (4) لأَنَّهُ لَوْ لَمْ تقْلَعْهُ لَنبَتَ وَيَجُوزُ تَسْرِيْحِ الْبَهَائِمِ في حشيش الْحَرَمِ (5) لِتَرْعَى، فَلَوْ أَخَذَ الْحَشِيشَ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ (6)
__________
(1) لأن الخبط حرام كما في المجموع ولئلا يضر بالورق فلو فعله فتكسرت أغصانها أو بعضها أو أضر بالورق ولم تخلف في العام أو توقف نموها ضمن. قال في الحاشية: ويجوز أخذ الورق اليابس والجاف والأغصان الصغار بقيدها السابق (أي في الأغصان) للانتفاع بها فيما تدعو الحاجة إليه (أي كالاستياك) أخذاً من حديث: (ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف). اهـ.
أقول: محل جواز أخذ الأغصان الصغار وورق الأشجار وثمره أيضاً أخذها لغير البيع والهبة ولو كان البيع لمن يستاك بالأغصان أو يعلف بالورق أو ينتفع بالثمر كما يأتي في الحشيش والله أعلم.
(2) المراد به الرطب من النبات الذي ليس من شأنه الاستنبات سواء نبت بنفسه أو استنبت لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس السابق: "ولا يختلى خلاها" أي لا ينتزع بالأيدي وغيرها كالمناجل أما إذا كان من شأنه الاستنبات وإن نبت بنفسه كالحنطة والشعير والبقول والخضروات فيجوز أخذه.
(3) أي إن أخلف غير ناقص وإلا ضمن أرش النقص، وهو رواية عن أحمد.
(4) أي ما لم يفسد منبته فإن فسد جاز قلعه أيضاً كما صرح به في المجموع.
(5) أي وشجره لترعى لأن في عصره - صلى الله عليه وسلم - كانت البهائم ترعى. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أقبلتُ راكباً على أتان فوجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فدخلت الصف وأرسلت الأتان ترعى) ومنى من الحرم.
(6) أي وللمستقبل نعم مَنْ لا بهيمة له حالاً لا يجوز له أخذه لما يملكه. قال في الحاشية: وهو متجه لكن جرى الجمال محمد الرملي على الجواز تبعاً لوالده رحم الله الجميع ورحمنا معهم آمين.

(1/487)


جَازَ عَلَى الأَصَحّ وَلاَ شَيْءَ عليهِ بِخلاف مَنْ يَأخُذُ لِلْبَيْعِ (1) أو غَيْرِهِ (2)، ويستثنى مِنْ الْبَيْعِ الإِذْخر فإِنَّهُ يجوز لِلْحَاجَةِ (3) ودليله الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (4) وَلَوْ احْتِيجَ إِلَى شَيْء مِنْ نَبَاتِ الحرمِ لِلدَّوَاءِ (5) جَازَ قَطْعُهُ عَلَى الأَصَحّ.
(فرع): اعْلَمْ أَنَّ الدمَ الْوَاجِبَ في المَنَاسِكِ سَوَاء تَعَلَّقَ بِتَرْكِ وَاجِبِ أوْ ارْتِكَابِ مَنْهِي مَتَى أطْلَقْنَاهُ أرَدْنَا بِهِ ذَبْح شَاة. فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَهَا كَالْبَدَنَةِ
__________
(1) أي ولو لمن يعلفه لدوابه. قال في الحاشية: ولو جهل البائع الحرمة عذر لأن ذلك يخفى على العوام بل على كثير من المتفقهة فيجوز الشراء منه، لكن يجب على من علم منه ذلك بيان تحريمه عليه.
(2) أي كالهبة.
(3) يفهم منه جواز أخذه حتى للبيع وغيره ومشى عليه في الحاشية والتحفة وصاحب مغني المحتاج وقال: وبه أفتى شيخي يعني الشهاب الرملي لكن الذي استقر عليه رأيه -أعني الشهاب الرملي- هو المنع من بيعه كما يعلم بمراجعة النهاية وحاشية ابن قاسم. اهـ ابن الجمال كما في بعض التقييدات رحم الله الجميع آمين.
(4) أي المار الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حَرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فقال العباس: إلا الإِذخر لصاغتنا فقال: إلا الإِذخر". ألحق به المحب الطبري رحمه الله تعالى ما يتغذى به أقول كالبقلة التي تنبت وقت نزول الأمطار المسماة بالشقلابقلي وغيرها لأنهما في معنى الزرع، وكالإِذخر كما في الحاشية وغيره مما يحتاج إليه للتسقيف كما اعتمده الإسنوي، وقال رحمه الله تعالى: قَلّ من تَعَرّض لذلك.
(5) ظاهره ولو قبل وجود المرض. قال في المهمات: وهو المتجه. ورَدّه الزركشي بأنّ المتجه المنع لأنّ ما جاز للضرورة يقيد بوجودها كما في اقتناء الكلب.
واستوجهه صاحب المغني، وجرى عليه في الحاشية والتحفة وأفتى الشهاب محمد الرملي بالجواز ولو قبل وجود المرض واعتمده ولده في النهاية. قال بعض مفتي الشافعية المتأخرين رحمه الله تعالى: ولعله أوجه، وقال: وعلى القول بالأول فيجوز أخذه ولو للمستقبل إلا إنْ تيسر أخذه كلما أراده.

(1/488)


في الْجِمَاع قَيّدْنَاهُ وَلاَ يُجْزِىءُ فيها إلاّ مَا يُجْزِىءُ في الأضْحِيةِ إلا في جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنهُ يَجِبُ فِيهِ المِثْلُ (1) في الصَّغِيِرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبيرِ كَبِيرٌ وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ شَاةٌ جَازَ لَهُ ذَبْحُ بقَرَة أوْ بَدنَة مَكَانَهَا إلاَّ في جَزَاءِ الصَّيْدِ (2) وَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَة ونوى
__________
(1) يستثنى منه إتلاف الحمامة ونحوها فيجب فيه شاة كما تقدم لحكم الصحابة رضوان الله عليهم وعلينا معهم آمين.
مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى في مسائل من جزاء قطع شجر الحرم ونباته مأخوذة من المجموع ومن كتاب رحمة الأمة للعلامة محمد عبد الرحمن الدمشقي رحم الله الجميع
(الأولى): قطع شجر الحرم عند الشافعية حرام مضمون سواء ما أنبته الآدمي وما نبت بنفسه على المذهب وبه قال أحمد، وقال بعض الشافعية: لا يحرم ما أنبته الآدمى.
وقال أبو حنيفة: إن أنبته آدمي أو كان من جنس ما ينبته لم يحرم، وإن كان مما لا ينبته آدمي ونبت بنفسه حرم وعليه القيمة، وقال مالك وأبو ثور وداود: هو حرام لكن لا ضمان فيه. احتج لهم بالقياس على الزرع. واحتج الشافعية وموافقوهم بعموم النهي وفرقوا بأن الزرع تدعو إليه الحاجة.
(الثانية): يجوز عند الشافعية رعي حشيش الحرم وخلاه وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليل الشافعية حديث ابن عباس السابق حيث أرسل الأتان (أنثى الحمار) ترتع في منى: ومنى من الحرم كما سبق.
(الثالثة): إذا أتلف شجرة في الحرم ضمن الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: يضمنها بالقيمة. دليل الشافعية أثر ابن عباس أنه قال في الدوحة الكبيرة بقرة وفي الشجرة الجزلة شاة. اهـ مجموع. ويحرم قطع حشيش الحرم لغير الدواء والعلف بالاتفاق، ويجوز قطعه للدواء. وعلف الدواب عند الثلاثة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. اهـ كتاب رحمة الأمة والله أعلم.
(2) شمل المستثنى منه جزاء الشجر (فإن قيل) لم يسمح الفقهاء رحمهم الله في جزاء الصيد بالبدنة عن البقرة ولا بهما عن الشاة. (أجيب): بأنهم راعوا هناك المثلية المذكورة في قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} لقربها بين الحيوانات بخلافها مع الشجر والله أعلم.

(1/489)


التصدُّقَ (1) بِسُبْعِها عَنِ الشَّاةِ الواجِبَةِ وأكْل البَاقِي جَازَ، ولو نحرَ بدَنَةً أو بقرةَ عن سَبع شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ جَازَ (2).
(فَرْعُ): في زَمَانِ إراقَةِ الدمَاءِ الْوَاجِبةِ في الإِحْرَامِ وَمَكَانِهَا.
أَمَّا الزمَانُ فَمَا وَجَبَ لارْتِكَابِ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ لا يَخْتَص بِزَمَانٍ (3) بَلْ يَجُوزُ في يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ، ثُم مَا سِوَى دَمِ الْفَوَاتِ يُرَاقُ في النُّسُكِ الّذي هُوَ فِيهِ. وَأَمَّا دَمُ الْفَوَاتِ فَيَجِبُ تأخِيرُهُ إِلى سَنهِ الْقَضَاءِ (4) وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ.
وَاُّمَّا مَكَانُهُ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَيَجِبُ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ (5) عَلَى الْمَساكِينِ (6) الْمَوْجُودِينَ في الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْمُسْتوطنُونَ والْغُرَبَاءُ الطَّارِئُونَ لَكِنِ
__________
(1) فيه إشارة إلى وجوب النية وهو كذلك فتجب في سائر الدماء الواجبة عند الذبح والتفرقة أو إعطاء الوكيل، وله أن يفوضها إلى الوكيل إنْ كان مميزاً مسلماً، وتكفي نية الكفارة هنا، وفي الإِطعام والصيام وإن لم يعين الجهة وإن لم يتعين للفرضية كسائر الكفارات ولا يجوز دفع الحيوان حيا للفقراء.
(2) أي وإن اختلف سبب وجوب السبع أو فضلن عليها.
(3) أي من حيث الإجزاء كسائر الديون ومحله إن لم يعص بسببه وإلا وجب فوراً ككل كفارة عصى بسببها كتعمد ترك الإحرام من الميقات.
(4) هو المعتمد لأنه جابر فأخر كسجود السهو. قال ابن قدامة في مغنيه قال الأئمة أصحاب الرأي قالوا: لا هدي عليه، وهي الرواية الثانية عن أحمد لأنه لو كان الفوات سبباً لوجوب الهدي للزم المحصر هديان للفوات والإحصار. اهـ أقول: قد تقدم هذا في أول هذا الباب في التعليق على قول المصنف رحمه الله: (الضرب الثاني) ترك ما يفوت به الحج ... إلخ وأعيد هنا للتذكر والله أعلم.
(5) أي جميع أجزائه فهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل واقتصر على اللحم لأنه الأهم.
(6) هذا يقتضي أنه لا يدفع لأقل من ثلاثة، وهو كذلك إنْ وجدوا فإن أعطى =

(1/490)


الْمُسْتَوْطِنُونَ أفْضَلُ (1)، وَلَوْ ذَبَحَهُ في طَرَفِ الحلِّ وَنَقَلَ لَحْمَهُ إِلَى الْحَرَمِ قَبْلَ تَغَيرِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الأَصَح وَسَوَاء في هذَا كُلّهِ دَمُ التمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِسَبَبِ في الْحِل أوِ الْحَرَمِ أوْ سَبَب مُبَاحٍ كَالْحَلْقِ لِلأَذَى (2) أوْ بِسَبَبٍ مُحَرمٍ.
__________
= لاثنين غرم للثالث أقل ما يقع عليه الاسم، وقوله: الموجودين يدل على أنه إنْ عجز عن الثالث يجوز دفعه لاثنين ولا يتعين عند دفع الطعام إليهم لكل واحد مد بل يجوز الزيادة عليه والنقص عنه في غير دم نحو الحلق، أما هو فيتعين فيه ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ويمتنع النقص عنه ويجوز الدفع لصغير أو مجنون أو سفيه أي لوليه ليقبضه له، وقوله في الحرم: أي فلا يجوز نقله إلى غير الحرم وإذا لم يجد فيه مسكيناً وجب التأخير حتى يجدهم ومثل الدم الإِطعام، وإن كان مختصاً بوقت الأضحية لأن تأخيره عن الوقت يجوز لعذر بخلاف النقل فلا يجوز (فإنْ قيل) إن الزكاة يجوز نقلها والحالة هذه.
أجيب: كما في الحاشية: بأن الزكاة ليس فيها نص صريح بتخصيصها بالبلد بخلاف هذا قال تعالى في سورة المائدة آية 95: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وقال: {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)} الحج: 33.
(1) أي ما لم يكن الغرباء أحوج وإلا كانت التفرقة عليهم أفضل.
(2) عند الإمام أحمد رحمه الله تجوز فدية الأذى في الموضع الذي حلق فيه لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية، ولم يأمر ببعثه إلى الحرم وأجاب عن آية: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أنها وردت في الهدي. قال العلامة ابن قدامة رحمه الله في مغنيه: وظاهر كلام الخرقي اختصاص ذلك بفدية الشعر، وما عداه من الدماء فبمكة. وقال القاضي في الدماء الواجبة بفعل محظور كاللباس والطيب هي كدم الحلق، وفي الجميع روايتان: (إحداهما): يفدي حيث وجد سببه. و (الثانية) محل الجميع الحرم. وأما جزاء الصيد فهو لمساكين الحرم نَصَّ عليه أحمد فقال: أما ما كان بمكة أو كان من الصيد فكل بمكة، لأن الله تعالى قال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وما كان من فدية الرأس فحيث حلقه، وما وجب لترك نسك أو فوات فهو لمساكين الحرم دون غيرهم لأنه هدي وجب لترك نسك فأشبه هدي القران. =

(1/491)


وَأَفْضَلُ الحَرَمِ لِلذَّبْحِ في حَقِّ الْحَاجّ منى وَفِي حَقّ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ كَمَا سَبَقَ في الْهَدْي.
(فَرْعٌ): لَوْ كَانَ يَتَصَدَّقُ بالطَّعَامِ بَدَلاً عَنِ الذبْحِ وَجَبَتْ تَفْرِقَتُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الموجودينِ فِي الْحَرَمِ كَاللَّحْمِ (1) وَلَوْ كَانَ يَأتِي بِالصَّوْمِ جَازَ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ (2) مِنَ الْحَرَمِ وَوَطَنِهِ وَغَيْرِهِمَا لأنَّهُ لاَ غَرَضَ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ.
__________
= وإنْ فعل المحظور لغير سبب يبيحه فذكر ابن عقيل أنه يختص ذبحه وتفرقة لحمه بالحرم كسائر الهدي وما وجب نحوه بالحرم وجب تفرقة لحمه به، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: إذا ذبحها في الحرم جاز تفرقة لحمها في الحل ولنا أنه أحد مقصودي النسك فلم يجز في الحل كالذبح ولأن المعقول من ذبحه بالحرم، التوسعة على مساكينه وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم ولأنه نسك يختص بالحرم فكان جميعه مختصاً به كالطواف وسائر المناسك، والطعام كالهدي يختص بمساكين الحرم فيما يختص بالهدي.
وقال عطاء والنخعي: ما كان من هدي فبمكة وما كان من طعام وصيام فحيث شاء وهذا يقتضيه مذهب مالك وأبي حنيفة، ولنا قول ابن عباس رضي الله عنه: الهدي والطعام بمكة والصوم حيث شاء، ولأنه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين، فاختص بالحرم كالهدي، ومساكين أهل الحرم من كأن فيه من أهله أو وارد إليه من الحاج وغيرهم، وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم، ولو دفع إلى مَنْ ظاهره الفقر فبان غنياً خرج فيه وجهان كالزكاة، وللشافعي فيه قولان وما جاز في تفريقه بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور. وجوزه أصحاب الرأي (وأما الصيام فيجزئه بكل مكان) لا نعلم في هذا خلافاً وذلك لأن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحدٍ. اهـ مختصراً.
(1) قال في الحاشية: محله في غير بدل الصوم، أما هو كأن مات نحو المتمتع العاجز عن الدم بعد تمكنه من الصوم بأنْ لم يعذر بنحو مرض، وقلنا: إن هذا كصوم رمضان وهو الأصح وأنه يطعم عنه مَنْ تركته لكل يوم مد، فإنْ لم يصم الولي فلا يتعين صرفُهُ لمساكين الحرم بل يستحب فقط لأنه بدل عن الصوم الذي لا يختص بالحرم فكذا بدله، وأفهم قوله كاللحم أنه لا يتعين لكل مسكين مد وهو ما مَرّ. اهـ.
(2) أي لكنه في الحرم أفضل.

(1/492)


(فَرْع): هذا الّذي سَبَقَ حُكْمُ غَيْرِ الْمُحْصَرَ أَمَّا مَنْ أحْصَرَهُ عَدُوٌ أوْ غَيْرُهُ مِمَا يُلْحَقُ بِهِ فَلَهُ ذَبْحُ دَمِ الإِحْصَارِ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ (1).

فَصْل
يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لصيْد حَرم المدينةِ وَأشجَارهِ (2) فإنْ أتْلَفَهُ فَفِي ضَمَانِهِ قولان للشَّافِعِي رحمه الله تعالى، الجديدُ لاَ يَضْمَن (3) وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ أصْحَابِنَا، وَالْقَدِيمِ أَنهُ يَضْمَنُ (4) وَهُوَ الْمُخْتَار. وَعَلى هَذَا في ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:
__________
(1) أي لأن موضع الإحصار في حق المحصر كنفس الحرم نعم له بعثه إليه ولا يتحلل حتى يعلم ذبحه فيه.
(2) أي وإن استنبتها الآدميون وكذا نباته على ما مر في حرم مكة فيأتي هنا جميع ما مر ثَم فكل ما حرم ثَمَّ حرم هنا وإن افترقا في الضمان وفي حل لقطة حرم المدينة وعدم التغليظ فيه بالقتل وغير ذلك. اهـ حاشية.
والدليل على تحريم التعرض لما ذكر أحاديث منها ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراماً وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تخبط فيها شجرة إلاّ لعلف".
وبالتحريم قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة: لا يحرم لأنه لو كان محرماً لبينه - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً ولوجب فيه الجزاء كصيد الحرم. وأجاب الأئمة الثلاثة بقولهم: روى التحريم عليٌّ وأبو هريرة ورافع وعبد الله بن زيد متفق على أحاديثهم ورواه مسلم عن سعد وجابر وأنس وهذا يدل على تعميم البيان: وليس يمتنع أن يبينه بياناً خاصاً أو عاماً فينقل نقلاً خاصاً كصفة الأذان والوتر والإِقامة والله أعلم.
(3) هو قول مالك والجمهور وإحدى الروايتين عن أحمد لأنه موضع يجوز دخوله من غير إحرام فلم يجب فيه جزاء كَوجّ.
(4) هو الرواية الثانية عن أحمد للأحاديث الصحيحة السابقة.

(1/493)


أحَدُهُمَا كَضَمَان حَرَمِ مَكةَ وأصَحهُمَا أخذ سَلَبِ الصائِدِ وَقَاطعِ الشَّجَرِ (1). وَالمُرَادُ بالسَّلَبِ مَا يَسْلُبُ الْقَتِيلُ مِنَ الْكُفَّارِ (2) ثُم هُوَ للسالِبِ عَلَى الأَصَحّ وَقِيلَ لفُقَرَاءِ الْمَدِينةِ وَقِيلَ لَبَيْتِ الْمَالِ.

فَصْل
وَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ (3) وهو وَاد بالطَّائِفِ لَكِنْ لاَ ضَمَانَ فِيهِ. وأَمَّا النَّقِيعُ
__________
(1) به قال أحمد.
(2) قضية هذا أنه يؤخذ حتى ساتر العورة وهو ما عليه الأكثرون لكن الذي صححه في المجموع وصوبه في الروضة أنه يترك له ساتر العورة للفرق بين الحربي المهدر والمسلم المعصوم، ويجوز سلبه بمجرد إلاصطياد وإن لم يتلف الصيد إلا إذا كانت ثيابه مغصوبة فلم يسلب بلا خلاف كما في المجموع.
قال في الحاشية: ويلحق بها المؤجرة والمستعارة وثياب العبد نعم إن أذن له المالك بالاصطياد أخذت على الأوجه، والدليل على أخذ سلب الصائد وقاطع الشجرة ما رواه مسلم: (أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه: فلما رجع سعد جاء أهل العبد فكلموه أن يردّ على غلامهم أو عليهم ما أخذه من غلامهم فقال: معاذ الله أن أرد شيئاً نفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى أن يرد عليهم).
وفي رواية أبي داود: أخذ رجلاً يصيد في حرم المدينة فسلبه ثيابه فجاء مواليه فكلموه فيه فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم هذا الحرم وقال: "من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه".
(3) أي وشجره وخلاه كما في المجموع ودليل التحريم ما رواه البيهقي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إن صيد وجّ وعضاهه حرام محرم". قال في المجموع: صيد وج حرام عندنا.
قال العبدري: قال العلماء كافة: لا يحرم. اهـ.
أقول: أي نظراً لضعف الحديث قال العلامة ابن قدامة رحمه الله تعالى في مغنيه: والحديث ضعفه أحمد ذكره أبو بكر الخلال في كتاب العلل والله أعلم.

(1/494)


بالنُّونِ (1) وَهُوَ الْمَوْضِعُ الذي حماهُ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لإبِلِ الصَّدقةِ فَلَيْسَ بحَرَمٍ وَلاَ يَحْرُمُ صَيْدُهُ ولكن لا يُتْلفُ شَجَرُهُ وَحَشِيشُهُ فَإِنْ أتْلَفهُمَا أحَدٌ فَالأصَحُّ أَنهُ يَلْزَمُهُ القيمةُ وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيةِ (2) والله أعلم.

فَصْلٌ
فِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورَيْنِ أوْ أكْثَرَ هَلْ يَتَدَاخَلُ؟
هذَا الْبَابُ واسع لَكِنْ مُخْتَصَرُهُ أن الْمَحْظُورَ قِسْمَانِ: اسْتِهْلاَك كَالْحَلْقِ وَاسْتِمْتَاع. كالطِيبِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ كالْحَلْقِ واللبْسِ تَعَدَّدَتِ الْفِدْيةُ (3) وَكَذَا إتْلاَفُ الصُّيُودِ تتعَددُ الْفِدْيةُ فِيهِ (4) وَكَذَا إتْلاَفُ الصّيْدِ مَعَ الْحَلْقِ (5) أوِ اللّبْسِ، لكِنْ لَوْ لَبِس ثَوْباً مُطَيَّباً (6) لم تتعددِ الْفِدْية (7) عَلَى الأَصَحّ وَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ جَمِيعِ
__________
(1) هو ديار مزينة على نحو عشرين ميلاً من المدينة.
(2) فأربعة أخماسه للمرتزقة والخمس الخامس خمسه للمصالح كالثغور والقضاء، وخمسه لبني هاشم وبني المطلب وخُمْسه لليتامى وخمسه للمساكين، وخمسه لأبناء السبيل.
(3) لأنه لا تداخل مع اختلاف النوع إذ أحدهما ترفه وثانيهما استهلاك وشمل ما لو استند لسبب واحد كشجة احتيج إلى حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب. اهـ ابن علان تقييدات.
(4) أي اتفاقاً بين الأئمة رحمهم الله تعالى ورحمنا معهم آمين. وما روى عن الإمام أحمد مما يخالف ذلك لم يصح عنه لمخالفته صريح القرآن.
(5) أي لاختلاف النوع وكذا دم كل منها فإنه مختلف كالحلق والقلم فلا تداخل وإن اتحد نوع دمها لاختلاف نوعيهما.
(6) مثله طلاء المحرم رأسه بطين مطيب ساتر، أو باشر بشهوة ثم جامع وإنْ طال الزمان بينهما.
(7) أي لاتحاد الفعل مع تبعية الطيب ونحوه.

(1/495)


رَأسِهِ وَشَعْرَ بَدَنِهِ مُتَوَاصِلاً فَعَلَيْهِ فِدْيةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ فديتانِ (1) وَلَوْ حلقَ رأسَهُ فِي مَكَانَيْنِ أوْ في مَكَان في زَمَانَيْنِ مُتَفَرقَيْنِ فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ (2) وَلَوْ تَطَيبَ (3) بِأَنْوَاع مِنَ الطّيبِ أوْ لَبِسِ أنْوَاعاً كَالْقميصِ وَالعَمامة والسَّراوِيل والْخُفّ أوْ نَوْعاً واحِداً مَرة بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ ذلِكَ في مَكَان وَاحِد عَلَى التوَالِي فَعَلَيْهِ فِدْيةٌ وَاحِدَة وإنْ كَانَ في مَكَانَيْنِ أوْ فِي مكان وتخلَّلَ زَمَان فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ سَوَاءٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا تكْفِيرٌ عَنِ الأَولِ أمْ لاَ (4) هذا هُوَ الأَصَحُّ، وَفي قَوْل إذا لم يتخَلل تكفيرٌ كفاهُ فِدْية واحِدةٌ.
__________
(1) اعتباراً بتعدد الزمان والمكان.
(2) محله إن أفاد الثاني غير ما أفاد الأول كأن لبس السراويل في محل ثم القميص في محل آخر، أما إذا لم يفد شيئاً كأن لبس قميصاً بعد قميص وعمامة فوق القبع فلا تتعدد الفدية وإن اختلف الزمان والمكان.
(3) قوله: ولو تطيب إلخ. قال في الحاشية: محل ما ذكر في اتحاد الفدية ما لم يتخلل تكفير، وإلا احتاج المتجدد بعده لفدية أخرى وإنْ اتحد الزمان والمكان ونوى بالكفارة الماضي والمستقبل كما في المجموع.
أقول: ومحل ما ذكر أيضاً غير تكرار الجماع، أما تكرره ثانياً وثالثاً مع قضاء الوطر فتتعدد فيه الفدية ومحله أيضاً إذا لم يفد الثاني شيئاً كأن لبس قميصاً بعد قميص كما تقدم قريباً ومحله أيضاً أنْ لا يقابل بمثله كالصيود فتعدد بلا خلاف كضمان المتلفات كما تقدم في قول المصنف رحمه الله تعالى وكذا إتلاف الصيود تتعدد الفدية فيه والله أعلم.
(4) مذهب الإمام أحمد رحمه الله إن فعل المُحْرِم محظورات متعددة من جنس واحد كما لو حلق مرة بعد مرة أو لبس مرة بعد مرة فعليه فدية واحدة ولا تتعدد الفدية بتعدد الأسباب التي هي من نوع واحد سواء كانت في مجلس واحد أو مجالس متفرقة ومحل هذا ما لم يكفر عن الأول قبل الثاني، فلو تطيب مثلاً ثم افتدى ثم تطيب بعد الفدية لزمته فدية أخرى.
وعن الإِمام أيضاً إن كرر ذلك لأسباب مختلفة مثل إن لبس للبرد ثم لبس للحر ثم لبس للمرض فكفارات، وقد رَوَى عنه الأثرم رحمه الله فيمن لبس قميصا وجبة وعمامة =

(1/496)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وغير ذلك لعلة واحدة قلت له: فإن اعتل فلبس جبة ثم برأ ثم اعتل فلبس جبة؟ قال: هذا الآن عليه كفارتان.
قاله العلامة ابن قدامة في مغنيه ثم قال: وعن الشافعي كقولنا وعنه لا يتداخل، وقال الإمام مالك رحمه الله: تتداخل كفارة الوطء دون غيره، وقال الإِمام أبو حنيفة رحمه الله: إن كرره في مجلس واحد فكفارة واحدة وإنْ كان في مجالس فكفارات لأن حكم المجلس الواحد حكم الفعل الواحد بخلاف غيره، ولنا إنما يتداخل إذا كان بعضه عقيب بعض يجب أن يتداخل وإنْ تفرق كالحدود وكفارة الأيمان ولأن الله أوجب في حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات، والقول بأنه لا يتداخل غير صحيح فإنه إذا حلق رأسه لا يمكن إلا شيئاً بعد شيء. اهـ من المغني.
وأما إنْ كانت المحظورات من أجناس مختلفة كأن حلق ولبس وتطيب ووطىء فعليه لكل واحد منها فدية سواء فعل ذلك مجتمعاً أو متفرقاً. قال في المغني: وهذا مذهب الشافعي.
مذهب الإِمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى
إن تكرر من المحرم موجب للفدية مِنْ نوعٍ واحد في مجلس واحد فعليه كفارة واحدة وهي فدية الأذى إن كان ذلك لعذر، ودم إنْ كان لغير عذر، وإنْ فعل ذلك في مجالس متعددة تعددت، وقال محمد: لا تتعدد إلا إذا كَفر عن الأول قبل فِعْل الثاني فلو لبس قميصاً وقباء وسراويل وخفين يوماً كاملاً أو أياماً لزمه دم واحد أو فدية واحدة وكذا لو كان ينزعه بالليل ويلبسه بالنهار بنية عدم الترك فإنْ نزعه على عزم الترك ثم لبسه بعد ذلك فعليه دم آخر، وإنْ اختلفت أسباب الفدية كمن تطيب ولبس مخيطاً أو تطيب وغطى رأسه يوماً كاملاً مثلاً تعددت الفدية أو الدم سواء كان ذلك في مجلس أو مجلسين، وقد تقدم أنه لا خلاف في تعدد جزاء الصيد بتعدد الصيد، وما روي عن الإِمام أحمد مما يخالف ذلك لم يصح لمخالفته صريح القرآن والله أعلم.
مذهب الإِمام مالك رحمه الله
حاصله أن الجماع لا يتعدد الهدي اللازم فيه بتعدده سواء جامع بعد إخراج الهدي عن الأول أو قبله، وأما غير الجماع من محظورات الإِحرام مثل المخيط والتطيب وحلق =

(1/497)


فَصْلٌ
في الإِحْصَارِ
إذَا أحْصَرَ الْعَدُوّ الْمُحْرِمَ عَنِ المضي في الحج (1) مِنْ كُلّ الطُّرُقِ فَلَهُ التحَلُل سواء كانَ وَقْت التحَلُّلِ وَاسعاً أوْ ضَيقاً. ثُمَّ إن كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعَاً
__________
= الرأس وقلم الأَظافر ونحو ذلك فتارة تكفي عنده في ذلك فدية واحدة عن الجميع، وتارة تتعدد أسبابها، أما موجبات عدم تعدد الفدية فهي في مذهب مالك ثلاثة:
(الأول): أن يكون المحرم فعل أسباب الفدية في وقت واحد، أو بعضها بالقرب من بعض فإن لبس وتطيب وحلق في وقت واحد فعليه فدية واحدة وكذلك إن فعل بعضها قريباً من بعض، والقول الذي خرجه اللخمي بالتعدد في ذلك ضعيف لا يعول عليه.
(الثاني): أن ينوي المُحْرم فِعْل جميعها بأن ينوي اللبس والتطيب والحلق فتلزمه فدية واحدة ولو كان بعضها بعد بعض غير قريب منه.
(الثالث): أن يكون المحرم فَعَلَ محظورات الإحرام ظاناً أنها مباحة كالذي يطوف على غير وضوء في عمرته ثم يسعى ويحل ويفعل محظورات متعددة، وكمن أفسد إحرامه بالوطء ثم فعل موجبات الفدية ظاناً أن الإحرام تسقط حرمته بالفساد وجعل بعض المالكية من صور ظن الإِباحة مَنْ ظن أن الإحرام لا يمنعه من محرماته أو لا يمنعه من بعضها.
وأما ما يوجب تعدد الفدية عند المالكية فهو أن يفعل محظورات الإحرام مترتبة بعضها بعد بعض غير قريب منه فإنه تلزمه في كل محظور فدية ولو أكثر ذلك سواء كانت المحظورات من نوع واحد كمن كرر التطيب أو كرر اللبس أو كرر الحلق في أوقات غير متقاربة، والظاهر أنَ القرب بحسب العرف أو من أنواع كمن لبس مخيطاً ثم تطيب ثم حلق فإن الفدية تتعدد في جميع ذلك إنْ لم يكن بعضه قريباً من بعض، أو في وقت واحد فإن احتاج إلى لبس قميص ثم احتاج بعد ذلك إلى لبس سراويل ففدية واحدة عندهم لأن محل السراويل كأن يستره القميص قبل لبس السراويل، أما إن احتاج إلى سراويل أولا ثم احتاج بعد ذلك إلى لبس القميص ففديتان لأن القميص يستر من أعلى بدنه شيئاً ما كان يستره السراويل. اهـ أضواء البيان رحم الله مؤلفه آمين.
(1) أي عن إتمام أركانه أو أركان العمرة، ولو عن السعي وحده فخرج ما لو مُنعَ =

(1/498)


فالأَفْضَلُ أنْ لاَ يُعَجّلَ التحلُّلَ فَرُبّمَا زَالَ الإحْصَارُ فَأتَمَّ الحجَ وَإنْ كان الوَقْتُ ضَيْقاً فَالأَفْضَلُ أنْ يُعَجلَ التحَللَ لِئَلاَّ يَفُوتَ الْحَج. وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرة التحَلُّلُ إذَا أحْصِرَ كَالْحَجّ وَلَوْ مُنِعُوا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْمُضِيّ إلاَّ بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمُ التَحَلُّلُ (1) وَلاَ يَبْذُلُونَ الْمَالَ وإنْ قَل، بَلْ يُكْرَهُ الْبَذْلُ (2) إنْ كَانَ الطالِبُ كَافِراً
__________
= من نحو الرمي فإنه يمتنع تحلله لإمكانه بالطواف والسعي والحلق مع جبر نحو الرمي بالدم.
(فائدة): موانع إتمام النسك عند الشافعية ستة:
(الأول): الحصر العام.
(الثاني): الخاص.
(الثالث): الرق.
(الرابع): الزوجية.
(الخامس): الأبوة.
(السادس): الديْن.
(1) حاصل ما في التحلل أنه ينقسم إلى أربعة أقسام:
(أحدها): امتناعه وذلك فيما إذا علم زوال الإِحصار في الحج في مدة يمكن إدراك الحج بعدها وفي العمرة في ثلاثة أيام أو كان ثمة طريق آخر ووجدت الاستطاعة في سلوكه أو حبس المحرم في حق يتمكن من أدائه أو أمنهم الصادون ووثقوا بقولهم، وإن صدوهم عن مكة امتنع التحلل قبل الوقوف بعرفة، وإن صدوهم عن عرفة فقط كان التحلل بعمل عمرة.
(ثانيها): أولوية ترك التحلل وذلك في العمرة مطلقاً وفي الحج إن كان الوقت واسعاًَ ورجى زوال الإحصار.
(ثالثها): عكس الثاني وذلك في الحج إذا كان وقته ضيقاً بحيث يخشى فوات الحج لو صبر.
(رابعها): إباحة التحلل وهو الأصل فيه. اهـ رحم الله قائله آمين.
(2) أي ولا يحرم كالهدية لأن مصلحة تتميم النسك اقتضت المسامحة بذلك مع أن الصغار غير محقق هذا إذا كان الطالب كافراً أما إذا كان مسلماً فلا يكره

(1/499)


لأنَّ فيه صَغاراً عَلَى الإِسْلاَمِ، وَإِنْ احْتَاجُوا إلى قتال فَلَهُمْ التحَللُ وَلاَ يَلْزَمُهُمُ الْقِتَالُ سَوَاء كَانَ الْعَدُوّ مُسْلِمِينَ أوْ كُفارا قَلِيلاً أوْ كَثِيراً، لكِنْ إنْ كَانَ في الْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فالأَوْلَى أنْ يقاتِلُوا الْكُفارَ، وَإنْ كَانَ فِيهِمْ ضَعْفٌ فالأَوْلَى أنْ يَتَحَلّلوا وَمَتَى قَاتَلُوا فَلَهُمْ لُبْسُ الدُّرُوعِ وَالْمَغَافِرِ وَعَلَيْهِمُ الْفِدْيةُ كَمَنْ لَبِسَ لِحَرّ أوْ بَرْدٍ وَسَوَاء في جَوَازِ التحَللِ أحَاطُوا بِهِمْ مِنْ الْجَوَانِبِ أوْ مَنَعُوهُمْ مِنَ الذهّابِ دُونَ الرُجُوعِ، ثُم إنَّهُ يلزم الْمُتَحَللَ بِالإِحْصار ذَبْحُ شَاة (1) يُفَرّقُهَا حَيْثُ أُحصِرَ وَلاَ يَعْدِلُ عَنِ الشَّاةِ إلى بَدَلِهَا إنْ وَجَدهَا، فَإِنْ لَمْ يجِدْهَا فَالأَصَحُّ أَنهُ يَأتِي ببَدَلِهَا وَهُوَ إخْرَاجُ طَعَام بِقِيمَتِها فإنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلّ مُدّ يَوْماً (2) وَاعْلَمْ أنَّ التحَلُّلَ يَحْصُلُ بِثَلاَثَةِ أشْيَاءَ: ذَبْحٍ وَنِيَّةِ التحَللِ بِذَبْحِهَا وَالْحَلْقِ (3) إذا قُلْنَا بِالأَصَح أنهُ نُسُكٌ وَلاَ يَحْصُلُ إلاَّ بِاجْتِمَاع هذِهِ الثلاَثَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّاةَ وَكَانَ يُطْعِمُ بَدَلَهَا تَوَقَّفَ التحَللُ عَلَيْهِ كَتَوقفِهِ عَلَى الذَّبْح وَكَذَا إنْ كَانَ يَصُومُ (4) عَلَى الأَصَح، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الشَّاةِ وَبَدَلِهَا ثَبَتَت الشَّاة أوْ بَدَلُهَا في ذِمَّتِهِ وَجَازَ لَهُ التَّحَللُ في الْحَالِ بِالنّيةِ والْحَلْقِ عَلَى الأَصَحّ وَفِي قَوْل: لاَ يَتَحَلَّلُ حَتَّى يأتِي بِالشَّاةِ أوْ بَدَلِهَا.
__________
(1) أي في موضع الإِحصار وله إرسالها إلى الحرم كما في الحاشية وحينئذ فلا يحل إلا بعد علمه بنحرها.
(2) ويجبر المنكسر.
(3) أي ثم الحلق فلا بد من تقديم الذبح عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة الحديبية: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" ولا بد من مقارنة النية لكل من الذبح والحلق والله أعلم.
(4) قال في الحاشية: المعتمد كما في المجموع وغيره أن التحلل لا يتوقف على الصوم بل له التحلل حالاً بالحلق مع النية لطول زمنه فتعظم المشقة في مصابرة الإحرام لفراغه.

(1/500)


(فَرْعٌ): لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ التَّحَلُّلُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِماً بِحَج أَوْ عُمْرَةٍ (1)، فَإِذَا بَرِىءَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِماً بِعُمْرَة أتَمَّهَا وَإِنْ كَانَ بِحَج أْتَمهُ، وإنْ كَانَ قَدْ فَاتَهُ تَحَللَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضاءُ، هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِط التَّحَللَ بِالْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ (2) أَنهُ إذَا مَرِضَ تَحَللَ أوْ شَرطَ التَّحَلّلَ لِغَرَضٍ آخَر (3) كَضَلالٍ عَنِ الطَّرِيقَ أوْ ضَيَاعِ النّفَقَةِ أوْ الْخَطَأِ في الْعَدَدِ أو نَحْوِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أنهُ يَصِحُ شَرْطُهُ وَلَهُ التَّحَلُّلُ، وإذَا تَحَللَ إن كانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْي لزمَهُ الهدْيُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلاَ هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ وَإِنْ أطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ أيْضاً على الأصَحّ وَلَوْ شَرَطَ أنْ يقْلِبَ حَجهُ عُمْرَةً عِنْدَ المَرَضِ (4) جَازَ (5) ولَوْ قَالَ: إِذَا مرضْتُ صِرْتُ حَلاَلاً صَارَ حَلاَلاً بِنَفْسِ الْمَرَضِ عَلَى الأَصَحّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشافِعِي رَحِمَهُ الله تَعَالَى.
(فرعٌ): الحصرُ الخاصُّ الذي يتَّفقُ لواحدٍ أَوْ شِرْذِمَةٍ من الرُّفقةِ ينظرُ فِيهِ، فإنْ لمْ يكُنْ المحرمُ معذوراً كمنْ حُبِسَ في دينٍ يتمكنُ من أدائِهِ لمْ يَجُزْ لهُ التحلُّلُ بَلْ عليهِ أن يُؤديَ الدَّيْنَ ويمضِي في حَجّهِ، فإنْ فَاتَهُ الْحَجُّ في
__________
(1) أي أو بهما أو إحراماً مطلقاً أو كإحرام زيد لو قال: إن كان زيد محرماً.
(2) بيَّن به أنّ شرط التحلل بنحو المرض لا يؤثر إلا إنْ اقترن بالإِحرام.
(3) قال في الحاشية: منه الحيض على الأوجه بل هو أشق من كثير من الأعذار. اهـ.
(4) مثله كما قاله العلامة البلقيني رحمه الله تعالى كما في الحاشية: ما لو شرط انقلابه عمرة عند العذر، فإذا وجد إنقلب وفي الحالتين تجزئه تلك العمرة عن عمرة الإِسلام.
(5) قال في عمدة الأبرار كما في التحفة والنهاية زاد فيها: والأوجه لا يلزمه في هذه الحالة الخروج إلى أدنى الحل ولو يسيراً إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. اهـ ومثله في شرح العباب خلافاً للبلقيني. اهـ.

(1/501)


الحبسِ لزمهُ الْمَسِير إلَى مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ (1) وَيَلْزَمُهُ القضاءُ كما تقدَّمَ، وإنْ كَانَ معذوراً كَمَنْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ ظُلْماً أوْ بدَيْنٍ لا يَتَمَكَنُ مِنْ أدائِهِ جازَ لَهُ التحلُّلُ.
__________
(1) يفهم منه أنها غير مجزئة عن عمرة الإسلام وهو كذلك.

مسائل من مذاهب العلماء في الإِحصار مأخوذة من المجموع
(الأولى): المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو بالإجماع ويلزمه دم وهو شاة هذا مذهب الشافعية ومذهب أبي حنيفة وأحمد والجمهور لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وتقرير الآية الكريمة فإن أحصرتم فلكم التحلل وعليكم ما استيسر من الهدي، ومذهب مالك لا دم على المحصر إذا لم يكن ساقه معه قبل الإحصار. أقول: ووافق الجمهور أشهب كما في أضواء البيان وبداية المجتهد ونهاية المقتصد. (الثانية): إذا أحرم بالعمرة وأحصر فله التحلل عند الشافعية والجمهور، ومنعه مالك لأنها تفوت دليل الجمهور {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} الآية ونزلت عام الحديبية حين كان - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه محرمين فذبحوا الهدايا وتحللوا، وحديث هذه القصة في الصحيح مشهورة.
(الثالثة): يجوز عند الشافعية التحلل بالإحصار قبل الوقوف وبعده سواء أحصر عن الكعبة فقط أو عن عرفات فقط أو عنهما، وقال أبو حنيفة: لا يتحلل بالإِحصار بعد الوقوف فإنْ أحصر بعد الوقوف عن الكعبة وعرفات تحلل وإنْ أحصر عن إحداهما لم يجز له التحلل. دليل الشافعية: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} الآية ولم يفرق.
(الرابعة): ذبح هدي الإحصار عند الشافعية والحنابلة حيث أحصر سواء كان في الحرم أو غيره، وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذبحه إلا في الحرم، قال: ويجوز قبل يوم النحر. وقال الصاحبان: لا يجوز قبله. دليل الشافعية والحنابلة الأحاديث الصحيحة أنه - صلى الله عليه وسلم - نحر هديه هو وأصحابه بالحديبية وهي خارج الحرم.
(الخامسة): إذا تحلل بالإحصار فإنْ كان حجه فرضاً بقي كما كان قبل هذه السنة، وهذا مجمع عليه، وإن كان تطوعاً لم يجب قضاؤه عند الشافعية، وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يلزمه قضاء التطوع أيضاً. =

(1/502)


(فرع): إذَا تحللَ المحْصَرُ إنْ كانَ نُسُكُهُ تَطوعاَ فلا قضاءَ عليهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعاَ نُظِرَ إنْ لَمْ يكُنْ مستقراً كَحجةِ الإسلام في السنةِ الأولى مِنْ سنِي الإِمكانِ فلا حَج عليهِ إلا أنْ يجتمعَ فيه شروطُ الاستطاعةِ بعدَ ذلِكَ، وإنْ كان مستقراً كحجةِ الإِسلامِ فِيْمَا بعد السنةِ الأولَى وكالقضاء والنَّذْرِ فَهُوَ باقٍ في ذِمتِهِ، وَسَوَاء في هذَا كُلهِ الحَصْرُ العامُّ والْخَاصُّ عَلَى الأَصَحِّ وقِيلَ يجِبُ القضاءُ في الْخَاص.
(فرعٌ): لَوْ صُدَّ عَنْ طريق وَهُنَاكَ طَرِيقٌ آخرُ يتمكَّنُ مِنْ سلوكِهِ بأنْ يَجِدَ شَرَائِطَ الاسْتِطاعةِ فيهِ لزمَهُ سلوكُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التحلُّلُ سواء طالَ ذلكَ الطريقُ أمْ قَصُرَ، وسواءٌ رَجَا الإدراكَ أمْ خَافَ الْفَوَاتَ أمْ تَيقنَهُ، فَإنْ أُحْصِرَ في ذِي الحجةِ وَهُوَ بالشَّامِ أو بالعراقِ مثلاً فيجبُ الْمُضِي والتحللُ بِعَملِ عُمْرَةِ، فَإِنْ سَلَكَ الطرِيقَ الثاني فَفَاتَهُ الْحَج نُظِرَ إنْ كَانَ الطرِيقانِ سواءَ لزِمهُ القضاءُ لأنه فَوات مَحْض وإنْ كانَ في الطَّرِيقِ الثاني سببٌ حَصَلَ الفواتُ بِهِ كطول أو خشُونَة أوْ غَيرِهِمَا لَمْ يجبِ الْقَضَاءُ عَلَى الأَصَح لأنَّهُ مُحْصرٌ ولعدمِ تَقْصِيرِهِ.
__________
= (السادسة): مذهب الشافعية: لا يجوز التحلل بالمرض ونحوه كضلال عن الطريق أو ضياع نفقة من غير شرط وبه قال مالك وأحمد في رواية والدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقال: يا رسول الله إني أريد الحج وإني شاكية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني وكانت تحت المقداد" رواه البخاري ومسلم، وقال أبو حنيفة وعطاء والثوري وأبو ثور وداود في الرواية الأخرى: يجوز التحلل بالمرض وبكل عذر يحدث مطابقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" رواه النسائي وأجاب السابقون بأن نفس المرض ونحوه لا يبيح التحلل إلا إذا اشترط لحديث البخاري ومسلم السابق عن عائشة (دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة) الحديث فلو كان المرض يبيح التحلل ما احتاجت إلى شرط والله أعلم.

(1/503)


(فرعٌ): لاَ فَرْقَ في جَواز التَّحَللِ بالإِحْصَارِ بَيْنَ أَنْ يَتفِقَ ذلك قَبْلَ الْوُقُوفِ أوْ بَعْدَهُ وَلاَ بَيْنَ الإِحْصَارِ عَنِ الْبَيْتِ فَقَطْ أوْ عَنِ الوُقُوفِ أوْ عَنْهُمَا، فَإِذَا تَحَللَ بِالإِحْصَارِ الْوَاقع بَعْدَ الوقوفِ فَلاَ قضاءَ عَلَيْهِ عَلَى المذهبِ الصّحِيحِ كَمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالله أعْلَمُ.

(1/504)